(الصفحة361)
في حكم الـمشتبه
ا لـرابع: في حكم الـمشتبه، و نقول: إن كان مشتبهاً با لـمغصوب أو با لـممتزج فحكمه حكم الـماء با لـنسبـة إلى الـوضوء أو الـغسل، لعدم الـفرق كما هو واضح، و إن كان مشتبهاً با لـنجس و فرض الانحصار، كما إذا لم يكن هناك غير الـترابين اللذين يعلم بنجاسـة أحدهما إجمالاً، فيختلف حكمه مع حكم الـماء، و يجب الـتيمّم بهما هنا; لأنّه ـ مضافاً إلى وجود الـنصّ الـمانع في الـطهارة الـمائيـة، و عدمه هنا، و لامجال للقياس، خصوصاً بعد وجود الـفارق من جهـة ثبوت الـبدل هناك، و عدمه هنا ـ نقول: إنّه يمكن أن يقال: باقتضاء الـقاعدة هناك الـمنع أيضاً لما عرفته في محلّه مفصّلاً، و لامجال لهذا الاحتمال هنا بعد عدم الابتلاء بنجاسـة الـبدن أصلاً، كما لايخفى، فلاريب في لزوم الـتيمّم با لـترابين مع الانحصار، و جوازه بهما مع عدمه، فتدبّر.
ا لـعلم الإجما لـي بنجاسـة الـماء أو الـتراب
ا لـخامس: فيما لو كان عنده ماء و تراب و علم بنجاسـة أحدهما و فرض الانحصار، فمقتضى الـعلم الإجما لـي بوجوب الـطهارة الـمائيـة أو الـترابيـة هو الـجمع بين الأمرين و تحصيل الـطهارتين.
لكن ربّما يقال: إنّ هذا فيما لايختصّ الابتلاء با لـتراب با لـتيمّم به; لأنّه مع الاختصاص تكون أصا لـة الـطهارة في الـماء بلامعارض، لأنّه ترفع الابتلاء با لـتيمّم، فلامجال لجريان أصا لـة الـطهارة في الـتراب كي تعارضها.
وا لـتحقيق قد مرّ في بحث الابتلاء، واعتباره، أو عدمه في تأثير الـعلم الإجما لي، فراجع.
(الصفحة362)
مسأ لـة 5: الـمحبوس في مكان مغصوب يجوز أن يتيمّم فيه بلا إشكال إن كان محلّ الـضرب خارج الـمغصوب، و أمّا الـتيمّم فيه مع دخول محلّ الـضرب أو به فالأقوى جوازه و إن لايخلو من إشكال، و أمّا الـتوضّوء فيه فإن كان بماء مباح فهو كا لـتيمّم فيه لابأس به، خصوصاً إذا تحفّظ من وقوع قطرات الـوضوء على أرض الـمحبس، و أمّا با لـماء الـذي في الـمحبس فإن كان مغصوباً لايجوز الـتوضّوء به ما لم يحرز رضا صاحبه كخارج الـمحبس، و مع عدم إحرازه يكون كفاقد الـماء يتعيّن عليه الـتيمّم1 .
ثمّ إنّ الـلازم هو تقديم الـتيمّم كما صرّح به في الـمتن، لأنّه لو توضّأ أوّلاً يعلم بعدم صحّـة الـتيمّم بعده، إمّا لنجاسـة أعضائه، و إمّا لنجاسـة الـتراب الـملازمـة لصحّـة الـوضوء و عدم مشروعيـة الـتيمّم، و نجاسـة الأعضاء و إن لم تمنع من صحّـة الـتيمّم عند الاضطرار لكنّها توجب نقصه بنحو لايجوز إيقاع الـنفس فيه.
في تيمّم الـمحبوس في مكان مغصوب
(1) لاإشكال في صحّـة تيمّم الـمحبوس في مكان مغصوب إن كان محلّ الـضرب خارج الـمغصوب، و إن كان الـفضاء الـذي يقع فيه الإمرار و يتحقّق فيه الـمسح هو الـفضاء الـمرتبط با لـمغصوب، إلاّ أنّ الإمرار لايعدّ تصرّفاً فيه محرّماً، مع أنّ الـيد لابدّ أن تشغل الـمقدار الـذي يسعها من الـفضاء، سواء كان بنحو الإمرار أو بغيره، و الـمفروض عدم كون محلّ الـضرب الـذي يكون الـضرب عليه تصرّفاً فيه مغصوباً، أو تصرّفاً فيه بغير رضا صاحبه، فلا وجه لبطلان هذا الـتيمّم.
و أمّا الـتيمّم فيه مع دخول الـضرب، فقد قال في «جامع الـمقاصد»: «ولو حبس الـمكلّف في مكان مغصوب، و لم يجد ماء مباحاً، أو لزم من استعما لـه إضرار با لمكان،
(الصفحة363)
يتيمّم بترابه الـطاهر و إن وجد غيره، لأنّ الإكراه أخرجه عن الـنهي، فصارت الأكوان مباحـة، لامتناع الـتكليف بما لايطاق، إلاّ ما يلزم منه ضرر زائد على أصل الـكون، و من ثمّ جاز له أن يصلّي و ينام و يقوم».
و مرجعه إلى أنّ الإكراه على الـكون في مكان كما يرفع الـحرمـة الـمتعلّقـة بنفس الـكون فيه، كذلك يرفع حرمـة الـتصرّفات الـملازمـة عادة أو شرعاً للكون فيه، كا لـقيام و الـنوم و الـصلاة و الـتيمّم، و يمكن الاستشكال في الـتصرّفات الـشرعيـة بأنّ جوازها متوقّف على ثبوت الإكراه الـمسوّغ بالإضافـة إليها، و ثبوته متفرّع على جوازها في هذه الـحال، فكيف يمكن الاستدلال؟!
و لعلّه لذا اُورد على «جامع الـمقاصد» بأنّ ما أفاده إنّما يتمّ بالإضافـة إلى الـفضاء، و أمّا با لـنسبـة إلى الأرض فلايتمّ; لأنّ الـضرب على الأرض تصرّف فيها زائد على الـتصرّف في الـفضاء، فلايجوّزه الاضطرار إلى شغل الـفضاء با لـجسم، هذا بالإضافـة إلى الـتيمّم فيه. و أمّا الـتيمّم به فجوازه مبنيّ على خروج الـضرب على الأرض عن حقيقـة الـتيمّم و ماهيـة، كما مرّت الإشارة إليه.
و أمّا الـتوضّوء في ذلك الـمكان فإن كان بماء مباح فهو كا لـتيمّم فيه، و قد عرفت عدم كون هذا الـنحو من الـتصرّف في الـفضاء محرّماً، فلا إشكال فيه، خصوصاً إذا تحفّظ من وقوع قطرات الـوضوء على أرض الـمحبس، و مع عدم الـتحفّظ لايتحقّق قدح في الـوضوء; لأنّ غايته حرمـة الـوقوع عليها، و هي لاتستلزم بطلان الـوضوء بعد عدم اتّصاف نفس الـكون فيها محرّماً بلحاظ الإكراه على الـحبس فيها، كما لايخفى.
نعم، مع عدم إباحـة الـماء لأجل عدم إحراز رضا صاحبه يصير كفاقد الـماء، و يتعيّن عليه الـتيمّم، كما هو ظاهر.
(الصفحة364)
مسأ لـة 6: لو فقد الـصعيد تيمّم بغبار ثوبه، أو لبد سرجه، أو عرف دابّته ممّا يكون على ظاهره غبار الأرض، ضارباً على ذي الـغبار، و لايكفي الـضرب على ما في باطنه الـغبار دون ظاهره و إن ثار منه با لـضرب عليه، هذا إذا لم يتمكّن من نفضه و جمعه ثمّ الـتيمّم به و إلاّ وجب.
و مع فقد ذلك تيمّم با لـوحل، ولو تمكّن من تجفيفه ثمّ الـتيمّم به وجب، و ليس منه الأرض الـنديـة و الـتراب الـندي، فإنّهما من الـمرتبـة الاُولى، و إذا تيمّم با لـوحل لاتجب إزا لـته على الأصحّ، لكن ينبغي أن يفركه كنفض الـتراب، و أمّا إزا لـته با لـغسل فلاشبهـة في عدم جوازها1 .
في الـتيمّم با لـغبار
(1) لا إشكال نصّاً و فتوىً في أنّه مع فقد الـصعيد أو تعذّر استعما لـه يجوز الـتيّمم بغبار الـثوب، أو لبد الـسرج، أو عرف الـدابـة، و عن «ا لـمعتبر» هو مذهب علمائنا و أكثر الـعامّـة، و مستند الـحكم أخبار مستفيضـة:
كصحيحـة زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أرأيت الـمواقف إن لم يكن على وضوء كيف يصنع و لايقدر على الـنزول؟
قال: «يتيمّم من لبده، أو سرجه، أو معرفـة دابّته، فإنّ فيها غباراً، و يصلّي».(1)
و موثّقته، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن كان أصابه الـثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمّم من غباره، أو من شيء معه، و إن كان في حال لايجد إلاّ الـطين فلابأس أن يتيمّم منه».(2)
ولايبعد أن يكون «معه» مصحف «مغبر»، و تؤيّده صحيحـة رفاعـة الآتيـة.
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 9، الـحديث 1.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 9، الـحديث 2.
(الصفحة365)
و صحيحـة رفاعـة، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: «إذا كانت الأرض مبتلّـة، لـيس فيها تراب و لاماء، فانظر أجفّ موضع تجـده فـتيمّم منه، فإنّ ذلك توسيع من اللّه عزّوجلّ».
قال: «فإن كان في ثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمّم من غباره، أو شيء مغبر، و إن كان في حال لايجد إلاّ الـطين فلا بأس أن يتيمّم منه».(1)
و صحيحـة أبي بصير يعنى الـمرادي، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: «إذا كنت في حال لاتقدر إلاّ على الـطين فتيمّم به، فإنّ اللّه أولى با لـعذر إذا لم يكن معك ثوب جافّ أو لبد تقدر أن تنفضه و تيمّم به».(2)
فلا إشكال في أصل الـحكم، نعم يبقى الـكلام في اُمور:
الأوّل: أنّ الـظاهر من تعليل صحيحـة زرارة بقوله (عليه السلام): «فإنّ فيها غباراً» و كذا إطلاق قوله (عليه السلام): «أو شيء معه» في موثّقته، و كذا «أو شيء مغبر» في صحيحـة رفاعـة، أنّ الـحكم لايختصّ بالأمثلـة الـمذكورة في الـنصوص، بل لولا ذلك لايكاد يفهم منها الاختصاص، و الـتخصيص با لـذكر إنّما هو لأجل خصوصيـة الـمورد الـمقتضيـة لذكره، كا لـمحارب في الـصحيحـة الاُولى، و الـمسافر الـذي يكون مفروض سائر الـروايات ظاهراً، فمفادها مطلق ما له غبار، كما لايخفى.
ا لـثاني: ظاهر الـمتن أنّ جواز الـتيمّم با لـغبار إنّما هو مع فقد الـصعيد، فا لـجواز مشروط به، كما نسبه في محكيّ «ا لـتذكرة» إلى علمائنا، و عن «ا لـكفايـة» أنّه ظاهر أكثر الأصحاب، و الـمحكيّ عن الـسيّد (قدس سره) صحّـة الـتيمّم به اختياراً، و عن
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 9، الـحديث 4.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 9، الـحديث 7.
(الصفحة366)
«ا لـمنتهى» و «إرشاد الـجعفريـة» تقويته، لكنّ عبارتهما كعبارة الـسيّد قابلـة للتوجيه و الـحمل على الـجواز في الـجملـة، و مع ذلك فا لـلازم ملاحظـة الأدلّـة.
فنقول: أمّا الآيـة و الـروايات الـدالّـة على أنّ التيمّم إنّما هو بالأرض و التراب، فمقتضاهما عدم صحّته با لـغبار مطلقاً ولو في حال الاضطرار; لعدم صدق الـعنوانين على الـشيء الـمغبر، أو نفس الـغبار على مثل الـسرج و اللبد، لأنّ الـغبار أثر الـتراب لانفسه، كا لـرطوبـة بالإضافـة إلى الـماء.
و أمّا الـروايات الـواردة في الـتيمّم با لـغبار، فمقتضى عموم الـتعليل في صحيحـة زرارة جواز الـتيمّم بما فيه الـغبار مطلقاً، و فرض الـسائل عدم الـقدرة على الـنزول لايوجب تنزيل الـتعليل عليه; لأنّ الـمورد لايوجب تضييقاً في سعـة الـتعليل عموماً أو إطلاقاً.
نعم، لو كان تقديره في كلام الإمام (عليه السلام) كان ظاهراً في الـتأخّر، كما في ذيل الـروايـة الـوارد في الـتيمّم با لـطين، هذا مع تسليم أنّ الـمفروض في الـصحيحـة عدم الـقدرة على الـتيمّم بالأرض، لكنّه ممنوع; لأنّ الـمفروض فيها بحسب الـظاهر الـمتفاهم عرفاً عدم الـتمكّن من الـنزول للوضوء.
و أما فرض عدم الـتمكّن من الـنزول للتيمّم فهو أمر آخر لابدّ من فرض فقدان الـماء معه، و لم يفرضه مع أنّ فقدانه نادر، و عدم الـقدرة على الـنزول لصرف ضرب الـكفّ على الأرض نادر أيضاً، بخلاف عدم الـقدرة للوضوء لاحتياجه إلى زمان معتدّبه، فا لـمفروض فيها هو الـعذر عن الـوضوء، فكأنّه قال: إذا تعذّر الـنزول للوضوء يتيمّم بلبدسرجه، لأنّ فيه غباراً، فيدلّ على أنّه عند فقدان الـماء يجوز الـتيمّم با لـغبار، و مجرّد كون الـمورد مَنِ الـذي لايتمكّن من الـتيمّم على الأرض لو فرض فقدان الـماء
(الصفحة367)
على فرض تسليمه، لايوجب تقييد الإطلاق و رفع الـيد عن الـتعليل بعد عدم فرض فقدان الـماء، هذا بالإضافـة إلى الـصحيحـة.
و أمّا الـموثّقـة، فهي و إن كانت ظاهرة بدواً في الـترتيب بلحاظ كون الـتقدير واقعاً في كلام الإمام (عليه السلام)، إلاّ أنّه يحتمل أن يكون الـمقصود الـتنبيه على فرد مغفول عنه، و الإرشاد إلى صحّـة الـتيمّم با لـغبار لئلاّ يتوهّم أنّه مع إصابـة الـثلج يكون فاقداً للمتيمّم به أيضاً، كفقدانه للماء، فتدبّر.
و يؤيّده بل يدلّ عليه: أنّه لو كان بصدد إفادة الـترتيب كان الـمناسب أن يقول: إن لم يجد الـتراب، لأنّ إصابـة الـثلج لاتكون مانعـة من تحصيل الـتراب و الأرض الـيابسـة نوعاً، من دون أن تكون هناك مشقّـة رافعـة للتكليف، خصوصاً في الـمناطق الـباردة الـتي تكون الأرض تحت الـثلج يابسـة، و خصوصاً مع أن الـتيمّم بالأرض الـنديـة جائز قد ادّعي عليه اتّفاق الأصحاب، و يأتي الـبحث فيه في ذيل هذه الـمسأ لـة.
فتجويز الـتيمّم بلبد الـسرج، أو شيء معه، أو مغبر، دليل على كون الـغبار من الـمصاديق الاختياريـة لما يتيمّم به، فجعل إصابـة الـثلج كنايـة عن عدم وجدان الـتراب و الأرض خلاف الـظاهر، فلايبعد أن يكون الـتعليق على إصابته إنّما هو للتنبيه على أنّه لايلزم مع إصابته أن يتكلّف برفعه من الأرض و يتيمّم بها، بل يجوز الـتيمّم بغبار الـثوب و نحوه.
و يؤيّد ما ذكر من احتمال كون الـتعليق للإرشاد إلى مصداق آخر اختياري مغفول عنه، صحيحـة رفاعـة الـمتقدّمـة، نظراً إلى أنّه لايراد منها الـترتيب بين الـتراب، و بين أجفّ موضع من الأرض الـمبتلّـة، بل الـمراد دفع توهّم عدم جواز الـتيمّم بالأرض
(الصفحة368)
ا لـمبتلّـة و الإرشاد إلى مصداقيتها، فيمكن الاستيناس به للفرض الـثاني الـذي هو بعينه الـفرض الأوّل في الـموثّقـة.
فالإنصاف: أنّه لو لا مخافـة مخا لـفـة الأصحاب لعدم ثبوت مخا لـف في الـمسأ لـة حتّى الـسيّد كما عرفت، لكان الـجواز اختياراً غير بعيد، لكن بعد تسلّم الـمسأ لـة بينهم و ظهور الآيـة و طائفـة من الـروايات في تعيّن الـتيمّم با لـصعيد، يمكن دعوى أنّ الـتجويز با لـغبار إنّما هو من جهـة كونه ميسور الأرض. لكونه أثرها، و لذا ترى أنّ أدلّـة تجويزه قد وردت في موارد خاصّـة، كغير الـقادر على الـنزول، و الـمصاب با لـثلج، و أشباههما، و لايكون في الـروايات الـكثيرة الـعامّـة عين منه و لاأثر، مع أنّ الـورود في مقام الامتنان يقتضي الـتعرّض له أيضاً على تقدير الـجواز اختياراً، فيحصل الاطمئنان بما عليه الـمشهور بل الـجميع، كما مرّ.
ا لـثا لـث: لا إشكال في اعتبار كون الـغبار محسوساً على ذي الـغبار بحيث يرى ظاهره مغبراً، و لايكفي ضرب الـيد على ما يكون الـغبار كامناً فيه و إن أثار الـغبار منه با لضرب عليه; لعدم صدق التيمّم با لغبار المأمور به في موثّقـة زرارة وصحيحـة رفاعة.
و دعوى صدق الـتيمّم به إذا ضرب يده على ذي غبار كامن فيه فأثار منه مدفوعـة بمنعها; لأنّ الـظاهر من الأمر با لـتيمّم على الـغبار أن يضرب يده عليه، و مع عدم كون ظاهره مغبراً لايقع الـضرب عليه، نظير الـضرب على ما يقع با لـضرب عليه أرضاً بعد ما لم يكن كذلك، فإنّه لايتحقّق به الـتيمّم على الـصعيد.
و ممّا ذكرنا يظهر: أنّ الـمراد من صحيحـة أبي بصير الـدالّـة على النفض هو النفض بحيث يظهر الـغبار على الـثوب أو اللبد بعد كمونه فيهما و عدم ظهوره، لا الـنفض بحيث يتحقّق الافتراق بينهما و يصير الـغبار خارجاً، ضرورة أنّ ظاهرها الـتيمّم
(الصفحة369)
با لـثوب أو اللبد لاتّحاد مرجع الـضميرين، مع أنّه لايوجد ثوب أو لبد يمكن أن ينفض منه مقدار من الـغبار يصحّ الـتيمّم به اختياراً، فا لـحمل عليه يوجب اللغويـة، بل الـنفض إنّما هو لأن يظهر الـغبار على الـظاهر و يتيمّم به، فا لـصحيحـة مؤيّدة لما يستفاد من الـروايتين الـمتقدّمتين.
نعم، يبقى الـكلام في صحيحـة زرارة الـمشتملـة على الـتعليل بأنّ فيها غباراً، الـظاهرة في كفايـة وجود الـغبار في باطن الأشياء الـمذكورة فيها، و لابدّ من الـحمل على ما إذا صار ظاهراً ولو بعد الـضرب; لعدم جواز الاكتفاء با لـغبار الـكامن غير الـظاهر حتّى با لـضرب، كما هو واضح.
هذا، ولكن ظهور الروايات الثلاثة الـمتقدّمة في اعتبار ظهور الـغبار قبل الضرب و وقوع الـتيمّم به، يقتضي حمل الـصحيحـة عليه أيضاً، خصوصاً مع أنّ الـمرتكز هو كون الـغبار ميسور الـصعيد، و لأجله لابدّ من حمل إطلاق الـغبار في الـروايات على الـغبار الـذي يصحّ الـتيمّم به، فلايصحّ بغبار الـدقيق و شبهه، مضافاً إلى انصراف الأدلّـة أيضاً، نعم لافرق بعد كون الـغبار كذلك بين مراتبه من حيث الـكثرة و الـقلّـة.
و قد انقدح من ذلك: أنّه إذا تمكّن من نفض الـثوب و نحوه و جمع الـغبار بحيث يصدق الـتيمّم با لـتراب الـواجب أوّلاً، لايبقى مجال للتيمّم با لـثوب و نحوه.
في الـتيمّم با لـوحل
بقي الـكلام في هذه الـمسأ لـة في الـتيمّم با لـوحل الـذي ينتقل إليه مع فقد الـغبار كما هو ظاهر الـمتن، و نقول: لا إشكال نصّاً و فتوىً في جواز الـتيمّم به إجمالاً، و إنّما الإشكال في أمرين:
(الصفحة370)
أحدهما: أنّ مقتضى الأدلّـة هل هو جواز الـتيمّم به في حال الاختيار، أو أنّه مصداق اضطراري لما يصحّ الـتيمّم به؟
ثانيهما: أنّ مقتضاها هل هو تقدّمه على الـغبار، أو تأخّره عنه، أو وقوعهما في رتبـة واحدة من دون أن يكون هناك رجحان و تقدّم؟
أمّا الأمر الأوّل فنقول: مقتضى الـكتاب و الـسنّـة الآمرين با لـتيمّم با لـصعيد و الأرض جواز الـتيمّم بما يصدق عليه عنوانهما، و لاريب في أنّ الـطين إذا كان غليظاً غير رقيق يصدق عليه الأرض و إن لم يصدق عليه الـتراب، و مجرّد خروجه عن صدق الـتراب لايوجب الـخروج عن صدق الأرض، ضرورة أنّ اللبنـة قبل جفافها و بعده أرض و ليست بتراب مطلقاً حتّى بعد الـجفاف.
و يشهد لما ذكرنا من صدق الأرض على الـطين موثّقـة عمّار، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام)قال: سأ لـته عن حدّ الـطين الـذي لايسجد عليه ما هو؟
فقال: «إذا غرقت الـجبهـة و لم تثبت على الأرض».(1)
فإنّ ظاهرها جواز الـسجدة على الـطين الـغليظ الـمتماسك بحيث تستقرّ الـجبهـة عليه و لم تغرق للأرضيـة و الاستقرار، و أنّ الـمانع من الـسجدة على غيره من أفراد الـطين هو عدم الاستقرار، لا عدم الـمقتضي و هي الأرضيـة، كما لايخفى.
و أظهر منها روايـة زرارة، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: قلت: رجل دخل الأجمّـة ليس فيها ماء، و فيها طين ما يصنع؟
قال: «يتيمّم فإنّه الـصعيد».(2)
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب مكان الـمصلّي، الـباب 9، الـحديث 9.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 9، الـحديث 5.
(الصفحة371)
نعم، ربّما يشعر قوله (عليه السلام) في مرسلـة علي بن مطر الـمتقدّمـة: «صعيد طيّب و ماء طهور»(1)
بخلاف ما ذكر، بناء على كون الـمراد تركّب الـطين من الـصعيد و الـماء لدلالتها على عدم كونه صعيداً محضاً، ولكن قد عرفت أنّ حمل الـروايـة على هذا الـمعنى غير صحيح; لأنّ الـتركّب لايوجب جواز الـتيمّم كما لايخفى، فلابدّ من الـحمل على أنّ الـطهور أحد الأمرين على سبيل منع الـخلوّ، و أنّ الـطين هو الـصعيد لعدم كونه ماء، و لايكون خارجاً عن عنوان الـصعيد، فتدبّر.
و با لـجملـة: لاخفاء في صدق الأرض على بعض مراتب الـطين، فيجوز الـتيمّم به اختياراً لظاهر الـكتاب و الـسنّـة، فلابدّ من قيام دليل على عدم الـجواز في حال الاختيار لو قيل به، و كونه مصداقاً اضطرارياً، نعم بعض مراتبه الاُخر يكون خارجاً عن صدق الأرض عليه، أو يشكّ فيه، فلابدّ من قيام دليل خاصّ على الـجواز به لو قيل به.
و أمّا الأمر الـثاني: فقد استدلّ على ما في الـمتن من تأخّر الـطين عن الـغبار بروايات، مثل موثّقـة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) الـمتقدّمـة في الـغبار قال: «إن كان أصابه الـثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمّم من غباره أو من شيء معه، (مغبر ظاهراً)، و إن كان في حال لايجد إلاّ الـطين فلا بأس أن يتيمّم منه».(2)
و قريب منها صحيحـة رفاعـة الـمتقدّمـة أيضاً، نظراً إلى ظهورهما في أنّ جواز الـتيمّم با لـطين مشروط بكون الـمكلّف في حال لايجد إلاّ الـطين، فمقتضاهما تأخّر رتبته عن رتبـة الـغبار الـتي دلّت الـموثّقـة و الـصحيحـة على جواز الـتيمّم به أوّلاً.
و فيه ـ مضافاً إلى أنّ الـغبار كما عرفت مصداق اضطراري، و الـطين كما مرّ من
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 9، الـحديث 6.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 9، الـحديث 2.
(الصفحة372)
مصاديق الأرض حقيقـة، و كيف يمكن تأخّر الـمصداق الاختياري عن الـفرد الاضطراري، و إلى أنّ الـظاهر من الـروايـة بلحاظ تقابل الـشرطيتين عدم كون الـشرطيـة الـثانيـة في مورد إصابـة الـثلج و عدم إمكان الـتيمّم با لـغبار، بل مورد الإصابـة غير مورد عدم وجدان غير الـطين، فتدبّر ـ أ نّه لابدّ من ملاحظـة ما اُريد من قوله: «إن كان أصابه الـثلج» بعد وضوح عدم كون الـمراد معناه الـحقيقي، و عدم جواز الأخذ بإطلاقه، و أ نّه هل الـمراد منه فقدان الأرض غير الـطين، أو أنّ الـمراد منه عدم إمكان الـتيمّم بالأرض ولو كان طيناً بعد فرض كونه مصداقاً اختيارياً؟
فعلى الأوّل: يتمّ الاستدلال.
و على الـثاني: لايتمّ.
ولكن لايمكن الالتزام بالأوّل، لأ نّه لو كان الـمراد به هو فقدان الأرض غير الـطين لكان ذكر المطر مكان الثلج أولى، لعدم نزول الثلج نوعاً في تلك الآفاق أوّلاً، و أسرعية الـمطر في تطيين الأرض ثانياً، فذكر الثلج دليل على مدخليته في الـحكم، وأنّ الـمراد هو صيرورة الـثلج حاجباً بحيث لايمكن الـتيمّم بالأرض مطلقاً ولو على طينه، و عليه فتدلّ الـروايـة على تقدّم الـطين على الـغبار، غايـة الأمر أنّ الـتصريح بجواز الـتيمّم به في الذيل إنّما هو للتنبيه على كونه من مصاديق الـصعيد، كما أنّ تعليق الـجواز على حال عدم وجدان غيره من الأرض الـجافّة ليس لإفادة تقدّمها على الطين، لأنّ البأس الـمستفاد من الـمفهوم لايكون بمعنى الـممنوعيـة، بل الـمراد به الـتنزيه وا لـكراهـة.
و تدلّ على تقدّم الـطين على الـغبار روايـة زرارة الـواردة في الـداخل في الأجمـة الـمتقدّمـة في الأمر الأوّل، و في ذيلها: قلت: فإنّه راكب لايمكنه الـنزول من خوف، و ليس هو على وضوء.
(الصفحة373)
قال: «إذا خاف على نفسه من سبع أو غيره، و خاف فوات الـوقت فليتيمّم، يضرب بيده على اللبد و الـبرزعـة و يتيمّم و يصلّي».
فإنّ صدرها بلحاظ الـتعليل بقوله (عليه السلام) «فإنّه الـصعيد» دليل على أنّه من الـمصاديق الاختياريـة، و ذيلها بلحاظ الـظهور في عدم إمكان الـتيمّم على الـطين له أيضاً ظاهر في تأخّر الـتيمّم با لـغبار عن الـتيمّم با لـطين، كما لايخفى.
و أمّا صحيحـة أبي بصير، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) الـمتقدّمـة في الـغبار قال: «إذا كنت في حال لاتقدر إلاّ على الـطين فتيمّم به، فإنّ اللّه أولى با لـعذر إذا لم يكن معك ثوب جاف، أو لبد تقدر أن تنفضه و تتيمّم به».
فمع قطع الـنظر عن سائر الـروايات ظاهرة في أنّ الـطين فرد اضطراري عذري متأخّر عن الأفراد الاختياريـة، و عن غبار الـثوب أو اللبد الـذي هو فرد اضطراري أيـضاً.
لكنّ الـتصرّف فيها با لـحمل على خلاف الـظاهر، و أنّ الـمراد من الـقدرة على الـنفض هي الـقدرة عليه بحيث يحصل به مقدار من الـتراب، و يتحقّق الـمصداق الاختياري، خصوصاً مع ظهورها في عدم كون صورة الـنفض عذريـة، و أنّ الـتيمّم با لـطين يكون كذلك أهون من الـتصرّف في سائر الـروايات، نعم مدلولها حينئذ تقدّم الـتراب على الـطين، و لعلّه كان لأجل ما ذكر سابقاً.
هذا كلّه إذا اُريد با لـطين في جميع الـروايات معنى واحد، ولكن يمكن الـجمع بينها بوجه آخر، و هو حمل مادلّ على جوازه اختياراً، خصوصاً ما اشتمل على الـتعليل بأنّه الـصعيد على الـطين الـذي يكون من مصاديقه حقيقـة، و حمل صحيحـة أبي بصير على الـوحل الـذي يكون مصداقاً عذرياً بقرينـة الـتعليل بقوله: «فإنّ اللّه أولى
(الصفحة374)
با لـعذر» و بقرينـة جعله متأخّراً عن الـغبار الـذي هو مصداق اضطراري و ظاهر الـصحيحـة.
و بعبارة اُخرى: أنّ إطلاق صدرها و إن كان يشمل مطلق الـطين إلاّ أنّ الـتعليل يمنع عن إطلاقه، خصوصاً مع ضميمـة الـحكم بتأخّره عن الـغبار.
و عليه فا لـمراد با لـطين هو ما يصدق عليه عنوان الأرض، و با لـوحل مالايصدق عليه هذا الـعنوان، و لعلّ تعبير الـفقهاء با لـوحل مع تطابق الـنصوص على الـتعبير با لـطين إنّما هو لأجل ذلك من تغايرهما معنىً، خصوصاً مع ملاحظـة اللغـة و تفسير أئمّتها، فإنّه يظهر منهم اختصاص الـوحل با لـطين الـرقيق، بل لايكفي مجرّد الـرقّـة، فإنّ الـلازم كونه بحيث يمكن أن يفرق فيه الإنسان أو الـدابّـة، و من الـمعلوم أنّ الـطين بهذه الـكيفيـة لا يصدق عليه عنوان الأرض، فمقتضى الـتأمّل في الـروايات، و في معنى الـكلمتين أنّ الـطين إذا كان غليظاً متماسكاً بحيث يصدق عليه عنوان الأرض يصحّ الـتيمّم به اختياراً، و لا وجه لدعوى تأخّره عن الـغبار الـذي هو فرد اضطراري و إن سلّمنا تأخّره عن الـتراب، و لايمكن دعوى الإجماع أو الـشهرة على خلافه بعد ما عرفت من تعبير الأصحاب بالوحل ومغايرته للطين من حيث المعنى، وتفسير المتأخّرين الـشارحين للمتون الـوحل با لـطين إنّما هو مبني على الـمسامحـة، أو اجتهاد أنفسهم، أو تخيّل كونه هو الـمراد با لـطين الـمذكور في الـروايات، و إلاّ فا لـوحل هو الـطين الـرقيق، و قد حكاه في «مفتاح الـكرامـة» عن نصّ جماعـة من الأصحاب.
و قد انقدح ممّا ذكرنا: أنّ الـمراد با لـوحل في عبارة الـمتن ليس مطلق الـطين، و إلاّ لايكون وجه لتأخّره عن الـغبار، كما أنّه ظهر أنّه مع إمكان تجفيف الـوحل ولو بمقدار يصدق عليه عنوان الأرض يجب ذلك; لأنّ ذلك يوجب تحقّق الـفرد الاختياري،
(الصفحة375)
و ثبوت مصداق الـصعيد حقيقـة، و إذا لم يكن مطلق الـطين خارجاً عن عنوان الأرض، فالأرض الـنديـة و الـتراب الـندي لايكونان خارجين عن هذا الـعنوان بطريق أولى، فهما من الـمرتبـة الاُولى الاختياريـة الـتي لايصل معها الـنوبـة إلى الـغبار أيضاً.
بقي الـكلام في الـتيمّم با لـوحل في أمرين:
الأوّل: أنّه إذا ضرب بيديه على الـوحل فلصق بها فهل تجب إزا لـته أوّلاً ثمّ الـمسح بها كما صرّح به في «ا لـعروة»، أم لاتجب الإزا لـة كما هو مختار الـمتن؟
و الـظاهر أنّ منشأ توهّم الـوجوب أنّه بدون الإزا لـة لايتحقّق الـمسح با لـيد الـمعتبر فيه الـمباشرة و عدم الـحائل مع أنّه ممنوع; لأنّ الـظاهر أنّ الـمراد با لـحائل الـذي يمنع عن تحقّق الـمسح با لـيد هو الـحائل الـذي لايكون من مصاديق الـصعيد، لظهور أنّ الـمراد وصول الـصعيد إلى محالّ الـتيمّم ولو بأثره، فكيف يمكن أن يكون حائلاً مع أنّ مقتضى إطلاق الأدلّـة أنّه ليس للتيمّم با لـوحل كيفيـة خاصّـة، بل كيفيته هي الـمعهودة الـمتداولـة في الـتيمّم بالأرض؟! نعم لامانع من فرك الـطين من الـيد، بل لايبعد استحبابه، لالرفع الـحائل بل للاستفادة من أدلّـة استحباب الـنفض إن قلنا باستحبابه.
ا لـثاني: أنّه هل تجوز الإزا لـة با لـغسل، أم لا؟ و قد نفى الإشكال عن عدم الـجواز في الـمتن، و الـوجه فيه وضوح أنّ لزوم الـضرب با لـيدين على الـوحل ثمّ الـمسح بهما إنّما هو لانتقال أثر الأرض و الـوحل بسبب الـمسح، و الـغسل يمنع عن تحقّق الانتقال و صدق الـمسح بأثر الأرض، و دعوى منافاة ذلك للإطلاق مدفوعـة، ضرورة أنّ الارتكاز الـعرفي يفسّر الإطلاق، و يحكم بلزوم بقاء الأثر عرفاً، فلا مجال لجواز الإزا لـة با لـغسل.
(الصفحة376)
مسأ لـة 7: لا يصحّ الـتيمّم با لـثلج، فمن لم يجد غيره ممّا ذكر، و لم يتمكّن من حصول مسمّى الـغسل به، أو كان حرجياً يكون فاقد الـطهورين، و الأقوى له سقوط الأداء، و الأحوط ثبوت الـقضاء، و الأحوط منه ثبوت الأداء أيضاً، بل الأحوط هنا الـتمسّح با لـثلج على أعضاء الـوضوء و الـتيمّم به، و فعل الـصلاة في الـوقت، ثمّ الـقضاء بعده إذا تمكّن1 .
في عدم صحّـة الـتيمّم با لـثلج
(1) قد صرّح جماعـة بانحصار ما يتيمّم به ولو اضطراراً با لـمذكورات في الـمسائل الـسابقـة، فمع فقدها بأجمعها يكون فاقداً للطهورين، من غير فرق بين أن يجد الـثلج و عدمه، بل يظهر من «ا لـمدارك» نسبته إلى أكثر الأصحاب، حيث نسب إليهم الـقول بسقوط فرض الـصلاة أداءً عند فقد الـوحل الـذي هو آخر الـمراتب.
لكن قد حكي عن ظاهر الـسيّد و ابن الـجنيد و سلاّر أنّه يتيمّم با لـثلج، و عن الـمفيد(قدس سره) في «ا لـمقنعـة» أنّه قال: «و إن كان قد عظّاها الـثلج، و لا سبيل له إلى الـتراب، فليكسره و ليتوضّأ به مثل الـدهن».
و اعترض عليه: بأ نّه إن تحقّق به الـغسل الـشرعي كان مقدّماً على الـتراب و مساوياً للماء في جواز الاستعمال، و إن قصر عن ذلك سقط اعتباره مطلقاً، أمّا في الـوضوء و الـغسل فلعدم إمكان الـغسل الـمعتبر في ماهيتهما به كما هو الـمفروض، و أمّا في الـتيمّم فلأ نّه ليس أرضاً، فلا يجوز الـتيمّم به، و بهذا الأخير اعترض على الـقائلين با لـتيمّم با لـثلج.
لكنّهم استندوا في ذلك بصحيحـة محمّد بن مسلم، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: سأ لـت عن رجل أجنب في سفر، و لم يجد إلاّ الـثلج أو ماء جامداً.
(الصفحة377)
فقال: «هو بمنزلـة الـضرورة يتيمّم، و لا أرى أن يعود إلى هذه الأرض الـتي يوبق دينه»(1)
.
نظراً إلى أنّ الـظاهر منها عدم وجدان شيء ممّا يتيمّم به مطلقاً اختياراً و اضطراراً، فيكون الـمراد من قوله (عليه السلام): «يتيمّم» هو لزوم الـتيمّم با لـثلج مع فقدان جميع الـمراتب، و يؤيّده قوله (عليه السلام): «و لا أرى أن يعود ...» فإنّ الـتراب أحد الـطهورين، و معه لا تكون الأرض موبقـة لدينه.
و فيه ما عرفت سابقاً في معنى الـصحيحـة من أنّه ليس الـمراد بعدم وجدان غير الـثلج و الـماء الـجامد عدم وجدان شيء من الـطهورين، بل خصوص عدم وجدان الـماء و ما هو من سنخه إلاّ الـثلج و شبهه.
و عليه فا لـمراد با لـجواب هو سقوط الـطهارة الـمائيـة و الانتقال إلى الـتيمّم، و أمّا عدم الـتعرّض لما يتيمّم به فلوضوحه عند الـسائل و هو محمّد بن مسلم، و يؤيّده قوله (عليه السلام): «هو بمنزلـة الـضرورة» فإنّه إشارة إلى أنّ الانتقال إلى الـتيمّم إنّما هو في مورد الـضرورة، و هي ثابتـة في مفروض الـسؤال.
و أمّا كون الأرض موبقـة مع وجود ما يتيمّم به، فلما عرفت في أوّل مبحث الـتيممّ من عدم جواز تحصيل الاضطرار، و أنّ الـتيمّم لا يفي با لـمصلحـة الـكاملـة الـتي تشتمل عليها الـطهارة الـمائيـة، فراجع.
و كيف كان: فا لـروايـة أجنبيـة عن الـدلالـة على الـتيمّم با لـثلج، خصوصاً مع أ نّه كان الـلازم على هذا الـتقدير الـتصريح به، مع بعده عن الأذهان، و مخا لـفته للكتاب و الـسنّـة الـظاهرين في حصر الـتيمّم في غيره.
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 9، الـحديث 9.
(الصفحة378)
نعم، ربّما يتمسّك بقاعدة الاشتغال، و قوله: «ا لـصلاة لا تترك بحال» مع أ نّه كما ترى مضافاً إلى حكومـة قوله: «لا صلاة إلاّ بطهور» على مثله لو سلّم وروده، مع أ نّه لايقتضي طهوريـة الـثلج; لأنّ غايـة مفاده عدم سقوط الـصلاة مع فقد الـطهور، لاجعل ما ليس بطهور طهوراً.
ثمّ إنّه ربّما يقال بجواز الاغتسال و الـتوضّي با لـثلج، غايـة الأمر تبدلّ الـغسل الـمعتبر في الأمرين با لـمسح، و يستند في ذلك بأمرين:
الأوّل: قاعدة الـميسور، و أنّ الـمسح ميسور الـغسل، لأنّ الـغسل عبارة عن إيصال الـماء على الـمغسول و إجرائه عليه، و الـمسح ميسور هذا الـمعنى.
و يرد عليه: أنّ عنوان الـمسح مقابل بل مباين للغسل، و لا يكون ميسوره عرفاً، و لا تكون هذه الـتحليلات الـعقليـة معتنى بها عندا لـعرف بوجه.
ا لـثاني: طائفـة من الـروايات الـتي توهّمت دلالتها على جواز الاغتسال و الـتوضّي مسحاً بدل الـغسل، و هي كثيرة:
منها: روايـة محمّد بن مسلم قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـرجل يجنب في الـسفر لا يجد إلاّ الـثلج.
قال: «يغتسل با لـثلج أو ماء الـنهر»(1)
.
و هذه الـروايـة مضافاً إلى الاضطراب الـواقع فيها لأنّ الـمفروض في سؤا لـها عدم وجدان غير الـثلج، و الـجواب ظاهر في الاغتسال به أو بماء الـنهر، و لذا ذكر صاحب «ا لـوسائل» بعد نقلها: «ا لـمراد أ نّه يذيب الـثلج با لـنار و يغتسل بمائه إن أمكن، أو يدلك جسده با لـثلج إن كان كثير الـرطوبـة بحيث يحصل مسمّى الـغسل،
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 10، الـحديث 1.
(الصفحة379)
و بيان ذلك أنّ الـسائل فرض أنّه لا يجد إلاّ الـثلج، فذكر ماء الـنهر في الـجواب يدلّ على أنّ مراده أنّه لا فرق بين أن يغتسل با لـماء الـمذاب من الـثلج و أن يغتسل بماء الـنهر» يكون مفادها الاغتسال با لـثلج، و الـمدّعى تبدّل الـغسل مسحاً، و مراده من الاغتسال به ما ذكره صاحب «ا لـوسائل» من الـدلك على الـجسد على نحو يحصل به أقلّ مراتب الـغسل، و قد مرّ في باب الـوضوء أنّ الـغسل الـمعتبر في ماهيته ليس إلاّ أقلّ مراتب الـجريان ولو بإعانـة الـيد، فا لـروايـة لا تنطبق على الـمدّعى.
و منها: روايـة معاويـة بن شريح قال: سأل رجل أباعبدا للّه (عليه السلام) و أنا عنده. فقال: يصيبنا الـدمق و الـثلج، و نريد أن نتوضّأ، و لا نجد إلاّ ماء جامداً، فكيف أتوضّأ، أدلك به جلدي؟
قال: «نعم»(1)
.
و الـظاهر عدم كون الـروايـة في مقام بيان كفايـة الـمسح بدلاً عن الـغسل، بل مراد الـسائل بعد وضوح كيفيـة الـوضوء عنده، و أنّه يكون عبارة عن الـغسلتين و الـمسحتين، أنّه هل يتحقّق الـغسل الـمعتبر في الـوضوء بدلك الـماء الـجامد على الـعضو الـذي به ربّما يتحقّق أقلّ مراتب الـغسل، أم لا؟ فا لـجواب بقوله: «نعم» ناظر إلى هذا الـمعنى، لا إلى بدليـة الـمسح عن الـغسل و تغيّر ماهيـة الـوضوء و حقيقته في هذه الـحا لـة، كما لا يخفى.
و منها: صحيحـة علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: سأ لـته عن الـرجل الـجنب، أو على غير وضوء، لا يكون معه ماء و هو يصيب ثلجاً و صعيداً، أيّهما أفضل، أيتيمّم، أم يمسح با لـثلج وجهه؟
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 10، الـحديث 2.
(الصفحة380)
قال: «ا لـثلج إذا بلّ رأسه و جسده أفضل فإن لم يقدر على أن يغتسل به فليتيمّم»(1)
.
و الـظاهر أنّ تقييد الـثلج بما إذا بلّ الـرأس و الـجسد، خصوصاً مع الـتفريع عليه بأنّه إن لم يقدر على ان يغتسل به، ظاهر في أنّ الاكتفاء به إنّما هو مع تحقّق الاغتسال الـمعتبر فى ماهيـة الـغسل و الـوضوء به، فا لـتعبير با لـمسح بدلاً عن الـغسل في الـسؤال لا يجدي مع هذا الـتقييد، و الـتعبير في الـجواب كما هو ظاهر.
و منها: بعض الـروايات الاُخر الـتى يظهر الـجواب عن الاستدلال بها ممّا تقدّم.
ثمّ إنّه ربّما يوجّه كلام الـمفيد (قدس سره) الـمتقدّم في أوّل الـبحث بأنّ الـتيمّم في موارد الحرج لمّا كان رخصة لا عزيمة، يجوز تحمّل الـمشقّـة با لـوضوء و الـغسل مع كونهما حرجيين، و يجوز تركهما و الـتيمّم، و هذا هو وجه الـجمع بين الـطائفـة من الروايات الـمذكورة في الأمر الـثاني، و بين صحيحـة محمّد بن مسلم الـمتقدّمـة الـمشتملـة على قوله (عليه السلام): «هو بمنزلـة الـضرورة يتيمّم» بحمل الأخيرة على جواز الـتيمّم و عدم تعيّنه، و حمل تلك الـطائفـة على جواز الـوضوء و الـغسل مع كونهما حرجيين.
و يرد عليه ـ مضافاً إلى ما تقدّم من أنّ الـرفع الـثابت بدليل الـحرج عزيمـة لا رخصـة ـ أنّه لا دلالـة لتلك الـطائفـة على فرض كون الـوضوء أو الـغسل حرجياً، بخلاف صحيحـة محمّد بن مسلم الـدالّـة على ثبوت الضرورة و التيمّم.
أمّا ما عدى روايـة محمّد بن مسلم من تلك الـطائفـة فعدم كون الـفرض فيه ثبوت الـحرج فواضح.
و أمّا روايـة محمّد بن مسلم فقد أفاد الـماتن دام ظلّه في «ا لـرسا لـة»: «أنّ ظاهر صدرها و إن كان الـسؤال عن تكليفه عند عدم وجدان غير الـثلج، فيكون مطابقاً
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 10، الـحديث 3.
|