(الصفحة201)
وأبوه كانا من وكلاء الناحية وأنّ الإمام (عليه السلام) قد وثقه . وأمّا إعراض المشهور فهو يتوقّف أوّلاً على ثبوت الشهرة من القدماء على البطلان ، وثانياً على ثبوت كون الإعراض لأجل قصور وخلل في الرواية ، لا لأجل ترجيح الأخبار الدالّة على البطلان على هذه الرواية الظاهرة في الصحّة ، وهو غير ثابت .
وأمّا المناقشة فيها من حيث جهة الصدور واحتمال التقية ، فمدفوعة بأنّ مجرّد الاحتمال لا يقاوم الأصل العقلائي الجاري في أمثال هذه الموارد ; وهي أصالة تطابق الإرادة الجدّية والاستعمالية ، كما قد حرّر في محلّه ، فالرواية من هذه الجهات سالمة عن الإيراد .
نعم ، بناءً على استفادة البطلان منها يمكن أن يقال : إنّ رواية واحدة دالّة على البطلان محتملة لغيره لأجل الاستدلال بها للصحّة أيضاً كيف يمكن أن تقاوم العمومات والروايات الخاصّة الدالّة على الصحّة ، وهل يسوغ رفع اليد عن جميعها بسبب رواية واحدة كذائية ؟
الأمر الثالث : في أنّه بعدما عرفت من كون مقتضى العمومات والروايات الخاصّة في المقام هي الصحّة ، فهل هناك شهرة معتبرة أو إجماع على البطلان حتّى يكون اللاّزم رفع اليد عن تلك والأخذ بهذه، أم لا ؟
وبعبارة اُخرى: هل يكون في البين ما يوجب الخروج عن مقتضى الأُصول أم لا ؟ وممّن أصرّ على إثبات الأوّل صاحب مفتاح الكرامة(1) ، وحكى المحقّق الرشتي (قدس سره) عن بعض مشايخه ذلك أيضاً(2) .
(1) مفتاح الكرامة : 7 / 79 .
(2) كتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 43 .
(الصفحة202)
وملخّص ما اعتمد عليه المفتاح في هذا المقام عبارة عن الإجماع المحكي على البطلان بالموت في الخلاف(1) والغنية(2) وظاهر المبسوط(3) ، وكذا السرائر إن جرينا على ما ادّعاه من التلازم ـ ومراده أنّه نفى الخلاف في السرائر في البطلان بموت المستأجر فيما لو استأجر مرضعة ومات أبو المرتضع(4) ، مع دعوى التلازم في باب المزارعة بين موت المؤجر والمستأجر في الحكم(5) ، فيكون نافياً للخلاف في البطلان مطلقاً وإن نسب إلى الأكثرين المحصّلين القول بالصحّة ـ واعتضاد هذه الإجماعات بشهرة الشرائع(6) ، وادّعاء الشيخ (قدس سره) في موضعين من الخلاف(7) وورود الأخبار في ذلك مصرّحة به تارةً وعامة اُخرى ، ولا فرق بين ما يحكيه وبين ما يرويه ، أقصى ما هناك أنّ ما حكاه مرسل قد اعتضد بالإجماعات وانجبر بشهرة الشرائع ، بل هي بين المتقدّمين معلومة ، ونعم ما قال في التذكرة : من أنّ الشيخ (قدس سره)استدلّ بإجماع الفرقة وأخبارهم ، ولاشكّ في عدالته وقبول روايته مسندة فتقبل مرسلة(8) . هذا ، مضافاً إلى ما فهمناه من خبر إبراهيم الهمداني ، ويؤيّد ذلك أنّ المقنعة والنهاية والوسيلة والمراسم متون أخبار ، على أنّ ابن إدريس على أصله غير مخالف ، وأقصى ما قال المحقّق : إنّه أشبه باُصول
(1) الخلاف : 3 / 491 ـ 492 مسألة 7 .
(2) غنية النزوع : 287 .
(3) المبسوط : 3 / 224 .
(4) السرائر : 2 / 471 .
(5) السرائر : 2 / 449 .
(6) شرائع الإسلام : 2 / 179 .
(7) الخلاف : 3 / 492 مسألة 7 وص498 مسألة 17 .
(8) تذكرة الفقهاء : 2 / 325 .
(الصفحة203)
المذهب(1) ، ولا شبهة في ذلك ، فلعلّه غير مخالف ، على أنّه في مسألة استئجار المرأة للإرضاع(2) كأنّه متردّد ، انتهى ملخّص ما أفاده في المفتاح .
ولكنّ الشهرة المعتبرة هي ما كانت متحقّقة بين القدماء ، وهي في المقام غير ثابتة ; لأنّ مجرّد فتوى المفيد والشيخ وبعض آخر بذلك لايحقّق الشهرة ، خصوصاً بعد كون ابن الجنيد والسيّد مصرّحين بعدم البطلان بموت المستأجر ، واختيار التقي أبي الصلاح أيضاً ذلك(3) ، مع كونه عظيم المنزلة في الفقاهة ، بحيث عنونه الشيخ في كتابه(4) مع كونه تلميذاً له ، ولذلك كان المحكي عن رياض العلماء : أنّ ذلك دليل على غاية جلالة الرجل وعلوّ منزلته في العلم والدين(5) . وخصوصاً بعد عدم نصّ من الصدوقين والعماني في ذلك ، بل ولا إشارة كما اعترف به صاحب المفتاح(6) .
ومع ذلك كيف يمكن دعوى الشهرة خصوصاً بعد احتمال عبارة المبسوط للتفصيل بين موت المستأجر والمؤجر بالبطلان في الأوّل دون الثاني ، وما استظهره صاحب المفتاح من عبارته من كون مراد الشيخ بالأظهر هوالأظهر عند العامّة كما هو عادته ، وقال : بذلك يرتفع الإشكال في عبارته(7) ، ففيه ـ مضافاً إلى أنّه لا إشعار في العبارة بذلك ، ولم تثبت عادة كذائية في كتاب المبسوط ـ أنّ صحّة ذلك موقوفة على ثبوت التفصيل بين العامّة مع أنّه لم يثبت ; لأنّهم بين قائل بالصحّة
(1) شرائع الإسلام : 2 / 179 .
(2) شرائع الإسلام : 2 / 185 .
(3) تقدّم تخريج أقوالهم في ص183 ـ 186.
(4) رجال الطوسي : 417 رقم 6034 .
(5) رياض العلماء : 5 / 465 .
(6) مفتاح الكرامة : 7 / 79 .
(7) مفتاح الكرامة : 7 / 79 .
(الصفحة204)
مطلقاً وقائل بالبطلان كذلك ، كما يظهر بمراجعة كتاب الخلاف .
وخصوصاً بعد نسبة السرائر عدم البطلان مطلقاً إلى الأكثرين المحصلين ، وابن البرّاج(1) على ما حكي التفصيل إلى الأكثر ، مضافاً إلى ماهو معلوم من كون المتأخّرين عن الشيخ قد تبعوا عنه لحسن الظن به ، ولذا أطلق عليهم المقلّدة ، وبالجملة فلم يثبت لنا شهرة بين القدماء بالإضافة إلى القول بالبطلان مطلقاً .
نعم ، يبقى الكلام بعد ذلك في الروايات المرسلة التي رواها الشيخ وادّعى دلالتها على البطلان .
ويرد على الاستدلال بها أوّلاً : أنّها مرسلة غير مسندة ، ودعوى أنّ اعتماد الشيخ عليها يستلزم تعديل رواتها فلا يقصر الاعتماد عن التعديل المعوّل عليه ، مدفوعة بعدم الاستلزام ; لأنّه يمكن أن تكون الاعتماد لأجل وجود قرينة عنده لا لأجل عدالة الرواة .
وثانياً : على تقدير وجود تلك الروايات لِمَ لم ينقلها الشيخ في كتابه الكبير المعدّ لنقل الروايات وضبطها .
وثالثاً : أنّها على تقدير وجودها وصحّة سندها لا يكون الإخبار بمضامينها حجّة علينا ; إذ لعلّه يمكن أن نفهم منها على تقدير الوصول إلينا خلاف ما فهمه المخبر ، ولقد أجاد المحقّق الرشتي (قدس سره) ، حيث قال : والروايات المرسلة التي رواها الشيخ (قدس سره)حجّة عليه لا علينا ; لعدم اطّلاعنا على مضامينها ، والتعويل على الشيخ في مضمونها يرجع إلى التقليد في الفتوى ، وليس هذا مثل نقل المعنى في الروايات ;
(1) المهذّب : 1 / 501 ـ 502 .
(الصفحة205)
لأنّ فهم المخاطب مدلول كلام المتكلّم حجّة على نفسه وعلى غيره إذا كان سمعه حجّة عليه ، بخلاف غير المخاطب ، فإنّ فهمه حجّة على نفسه وعلى من يجوز له تقليده ، فليس لنا تصديق العدل إلاّ فيما أحسّ به من الرواية لا فيما عقله من معانيه(1) .
وكيف كان ، ففهم الشيخ وعقله مضامين الروايات لا يكون حجّة علينا ، ولذا ترى أنّ أبا الصلاح مع كونه من أجلاّء تلامذته قد أفتى بخلاف ما عليه الشيخ ، وكذا السيّد وابن الجنيد مع كونهما متقدّمين عليه قد صرّحا بعدم البطلان بموت المستأجر .
نعم ، هنا شيء وهو أنّ مثل كتابي المقنعة والنهاية من الكتب التي تشتمل على متون الأخبار بعين العبارات الواردة فيها ، غاية الأمر خلوّها عن السند لا يكون الفتوى بالبطلان فيهما ـ كما عرفت من المفيد والشيخ(2) ـ راجعاً إلى الإخبار بمضمون الرواية ، بل هي عين عبارتها ، فلا مجال حينئذ لما ذكر من كون الحجّة هي الرواية المحسوسة دون ما عقل من معانيها ; لأنّ هذا يرجع إلى الرواية المحسوسة ، غاية الأمر عدم ذكر السند فيها ، إلاّ أنّه مع ذلك يبقى الإشكال في أنّه على تقدير وجود روايات مشتملة على لفظ البطلان وأشباهه كيف أفتى أبو الصلاح بخلافها ، وكذا السيّد وابن الجنيد ؟
فانقدح ممّا ذكرنا أنّ رفع اليد عن مثل فتوى المقنعة والنهاية خصوصاً مع تصريح الشيخ في موضعين من الخلاف بوجود روايات على ذلك مشكل جدّاً ،
(1) كتاب الإجارة ، للمحقّق الرشتي : 44 .
(2) في ص183ـ 184 .
(الصفحة206)
ورفع اليد عن العمومات والروايات الخاصّة وخصوص رواية إبراهيم بن محمّد الهمداني ، الظاهرة في مفروغية عدم الانفساخ بالموت ـ كما هو التحقيق في معناها على ما عرفت(1) ـ بمجرّد إخبار الشيخ بوجود روايات دالّة على البطلان ، خصوصاً مع مخالفة السيّد الذي هو اُستاذه ، وأبي الصلاح الذي هو تلميذه ، وخصوصاً مع احتمال عبارة المبسوط ، بل ظهورها في كون الأظهر عند الإماميّة هو التفصيل دون البطلان بالموت مطلقاً أشدّ إشكالاً ، فالأقوى حينئذ ما عليه أكثر المتأخّرين بل كلّهم من عدم البطلان بالموت مطلقاً .
الأمر الرابع : في الموارد التي حكم فيها ببطلان الإجارة بالموت ، التي هي بمنزلة المستثنى من الحكم بعدم عروض البطلان بالموت ، ولنبدأ أوّلاً بذكر الأقسام والصور المتصوّرة في هذا الباب ، فنقول : إنّ العين المستأجرة تارةً تكون موقوفة على المؤجر والبطون اللاّحقة . واُخرى تكون منافعها موصى بها عليه مدّة لا تبلغ المدّة المسمّـاة في الإجارة ، كما إذا كانت منفعة دار موصى بها لشخص مدّة حياته فآجرها سنتين ومات بعد سنة ، كما هو المفروض في المتن . وثالثة تكون المنافع موهوباً بها عليه كذلك أو مورداً للمصالحة أو غيرهما .
كما أنّ المؤجر تارةً يكون هو المالك أو الوكيل من قبله مطلقاً ، أو في خصوص هذه الإجارة . واُخرى يكون هو الولي ، سواء كانت ولايته مجعولة من قبل الشارع كولاية الأب والجدّ بالنسبة إلى الصغير ، والحاكم بالإضافة إلى المجنون في الجملة ، أو بالنسبة إلى الأموال التي يجهل مالكها ، أو مجعولة من قبل غير الشارع ; كالولاية على العين الموقوفة المجعولة بجعل الواقف . وثالثة يكون هو الناظر . ورابعة يكون
(1) في ص198ـ 200 .
(الصفحة207)
هو الفضولي غير المالك والمأذون من قبله .
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ استثناء العين الموقوفة فيما إذا كان المؤجر هو الموقوف عليه ، وفرض موته قبل انتهاء المدّة هو المشهور . غاية الأمر اختلافهم من جهة الجزم بالبطلان كما في محكي وقف الخلاف(1) والمبسوط(2) والتذكرة(3) والتحرير(4)والدروس(5) ، وغيرها ممّا هو مذكور في مفتاح الكرامة(6) ، أو التعبير بقربه أو أقربيته وأظهريته ، كما صنعه المحقّق في الشرائع(7) بعد تردّده . نعم ، احتمل في عبارة صاحب الرياض التردّد في أصل المسألة من دون ترجيح ، نظراً إلى أنّه قال : عند جماعة(8) .
والظاهر أنّ ملاك الاستثناء في الوقف وشبهه أنّه يعتبر في بقاء صحّة الإجارة أن يكون المؤجر مالكاً لمنافع العين المستأجرة مدّة الإجارة ، فإذا كانت الملكيّة محدودة بحال الحياة ، والمفروض عروض الموت قبل انقضاء مدّة الإجارة ، فاللاّزم حينئذ البطلان ; لانكشاف عدم ملكيّة جميع المدّة ، فلو فرض في مثل الوقف عدم كون الملكيّة محدودة بحال الحياة ، نظراً إلى أنّ المجعول من قبل الواقف هي الملكيّة المطلقة غير الموقتة ، بدعوى صحّة هذا الجعل مستنداً إلى عموم : «الوقوف على
(1) الخلاف : 3 / 552 مسألة 24 .
(2) المبسوط : 3 / 301 .
(3) تذكرة الفقهاء: 2 / 325 و 447.
(4) تحرير الأحكام : 3 / 69 و 318.
(5) الدروس الشرعية : 2 / 280 .
(6) مفتاح الكرامة : 7 / 80 .
(7) شرائع الإسلام : 2 / 221 .
(8) رياض المسائل : 6 / 17 .
(الصفحة208)
حسب ما يوقفها أهلها»(1) فلا مانع حينئذ من بقاء صحّة الإجارة ; لوجود ما اعتبر فيها من كونه مالكاً للمنافع مدّة الإجارة .
وما أفاده المحقّق الإصفهاني (قدس سره) ـ من أنّ الواقف ليس له إلاّ التصرّف في ماله بجعل العين محبوسة عن التصرّفات على الطبقات ، وتسبيل منافعها لهم على الترتيب ، وليس له بعد إعطاء ماله من الملكيّة المرسلة سلبها عنهم وإعطاؤها لغيرهم ، فإنّه ليس له الولاية على البطون بالتوريث إلى أشخاص خاصة . نعم ، له بسط ملكيّته على الطبقات ، فإنّه تصرّف في ماله بحيث لا يستتبع سلطنة على أحد ، فإنّ ملك كلّ بطن محدود ، فينتهي أمده لا أنّه ينتزعه عنه ويجعله لغيره(2) ـ فغير خال عن المناقشة والنظر ; لأنّ إعطاء الملكيّة المرسلة المطلقة إلى أشخاص متعدّدة في عرض واحد ممتنع ، وأمّا لو كان بنحو الطولية ; بأن كان المالك بالفعل هو البطن الأوّل ثمّ بعد انقراضه هو البطن الثاني وهكذا ، من دون أن تكون البطون اللاّحقة مالكة فعلاً ; ضرورة أنّهم لايكونون موجودين حتّى يتصفوا بالملكية ، فلا محذور فيه كما هو المحقّق في الإرث . غاية الأمر أنّه بجعل إلهي وهنا بجعل الواقف ، وليس مرجع ذلك إلى الولاية على البطون بالتوريث إلى أشخاص خاصّة ، كما هو ظاهر .
فانقدح أنّ ذهاب المتن تبعاً للمشهور إلى استثناء العين الموقوفة فيما إذا آجرها البطن الأوّل مدّة تزيد على مدّة حياتهم ، إنّما هو لأجل أنّ الجعل المتعارف في باب الوقف على البطون هو اختصاص مقدار ملكيّة كلّ بطن بحال حياته ، وإلاّ فلا مجال
(1) الفقيه : 4 / 176 ح620 ، التهذيب : 9 / 129 ح555 ، وسائل الشيعة : 19 / 175 ، كتاب الوقوف والصدقات ب2 ح1 .
(2) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 27 .
(الصفحة209)
لذلك مع فرض ثبوت الملكيّة المرسلة لكلّ بطن .
وكذلك حكمه وحكمهم بعدم البطلان(1) فيما إذا آجرها المتولّي إنّما هو لأجل كون الولاية الثابتة له بجعل الواقف بالنحو المتعارف ولاية مطلقة غير موقتة ، وإلاّ فلو فرض محدودية الولاية ونحوها فلا مجال لذلك ، كما يظهر من الإيضاح حيث ذكر أنّ استحقاق النظر إنّما هو كاستحقاق المنافع(2) ، وعلى ماذكرنا لا يكون نزاع في المقام ، بل النزاع إنّما هو في أمر آخر وهو محدودية الولاية وعدمها . وممّا ذكرنا يظهر حكم مالو آجر الأب أو الجدّ أو الحاكم مال الصغير أو المجنون ، فإنّ بقاء صحّة الإجارة في جميع الموارد يدور مدار محدودية السلطنة المجعولة للمؤجر من قبل الشارع وعدمها .
وأمّا الوكيل فعلى ما أخترناه من بقاء الصحّة بالموت فلا يوجب موته البطلان ، سواء كان على نحو يكون هو المؤجر حقيقة بمعنى صدقه عليه كذلك ، أو لم يكن على هذا النحو ، كما أنّه في الصورتين لا تبطل الإجارة بموت الموكّل ، والوجه في الجميع واضح ، هذا تمام الكلام في المقام الأوّل .
المقام الثاني : في إجارة النفس ، وقد ذكر في الجواهر أنّ مع موت الأجير الخاصّ تنفسخ الإجارة ، وقد فسّره بأنّ المراد به هو من آجر نفسه على أن يعمل بنفسه عملاً مخصوصاً ، لا من استؤجر للعمل واشترط عليه المباشرة ، فإنّه مع موته لا تنفسخ الإجارة ، بل يثبت خيار تعذّر الشرط(3) .
واعترض على الحكم بالانفساخ في الأجير الخاصّ المحقّق الإصفهاني (قدس سره) ;
(1) راجع مفتاح الكرامة : 7 / 81 .
(2) إيضاح الفوائد : 2 / 244 .
(3) جواهر الكلام : 27 / 212 .
(الصفحة210)
بأنّه إن اُريد بالأجير الخاصّ ذلك مع فرض كون وقت العمل محدوداً ومات قبل مجيء الوقت فالإجارة باطلة لا منفسخة ; لعدم المنفعة له في ذلك الوقت ، فلا شيء حتّى يَملك أو يُملّك . وإن اُريد به ذلك فقط من دون تحديد بزمان فمضى زمان يمكن فيه إيجاده فمات فالإجارة صحيحة في نفسها ; لوجود الطرف الصالح لتأثير العقد في تمليكه وتملّكه والموت لابدّ من أن يكون موجباً لانفساخها لدخوله تحت عنوان التلف قبل القبض ، بناءً على التعدّي من البيع إلى غيره ، وإلاّ فلا موجب لانفساخها كما لا موجب لبطلانها . نعم ، للمستأجر فسخ العقد من باب خيار تعذّر التسليم بعد عدم كونه من التلف قبل القبض(1) .
أقول : التحقيق أنّ المناط في بقاء الصحّة هنا وعدمه كون المطلوب واحداً أو متعدّداً ، فإذا فرض أنّه ليس في البين إلاّ مطلوب واحد وهو صدور العمل من هذا الأجير ، بحيث لا يكون العمل الصادر من غيره مطلوباً له أصلاً ، فاللاّزم الحكم بالبطلان مع اتّفاق الموت قبل العمل ، ولكن لا يخفى أنّ هذا لا يختص بالأجير ، بل لو استأجر داراً مثلاً مدّة معيّنة وتعلّق غرضه بمجموع تلك المدّة ، بحيث يكون تملّك منفعة مجموع تلك المدّة مطلوباً واحداً له ، فاللاّزم حينئذ الحكم بالبطلان من الأصل لو انهدمت الدار في أثناء المدّة .
وأمّا لو كان هنا مطلوبان تعلّق أحدهما بنفس العمل أو بمنفعة الدار ، والآخر بصدوره من العامل الخاصّ أو بثبوتها في جميع المدّة ، فلا يوجب الموت أو الانهدام بطلان الإجارة من الأصل ، بل له في الأوّل خيار تعذّر الشرط ، وفي الثاني يبطل
(1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 25 .
(الصفحة211)
من حين الانهدام لعدم وجود المنفعة ، واللاّزم حينئذ تقسيط الاُجرة ، ولعلّ ما أفاده الجواهر(1) وتبعه المتأخّرون(2) من الفرق بين التقييد والاشتراط يرجع إلى ما ذكرنا ، نظراً إلى ظهور التقييد في وحدة المطلوب والاشتراط في تعدّده ، وعليه فلايبقى مجال للاعتراض عليه بما ذكر ، فتدبّر جيّداً .
وممّا ذكرنا يظهر الحال فيما إذا اشترط على المستأجر استيفاء المنفعة بنفسه ، فإنّه لو كان الغرض المتعلّق باستيفاء المستأجر، المنفعة بنفسه على نحو الاشتراط الذي يرجع إلى تعدّد المطلوب لا مجال للحكم بالبطلان لو مات المستأجر قبل استيفاء منفعة تمام المدّة ، كما قد حكي عن الأردبيلي(3) وصاحبي الحدائق(4) ومفتاح الكرامة(5) ; لأنّ تخلّف الشرط والمطلوب غير الأوّلي لا يوجب إلاّ الخيار ، ولا يؤثّر في البطلان كما في سائر موارد التخلّف .
وممّا ذكرنا يظهر أنّه لو كان الغرض نفس تحقّق العمل في الخارج من دون خصوصية للعامل ـ كما إذا استأجره لتحصيل خياطة ثوبه ـ فلا مجال لدعوى البطلان بالموت ولا لثبوت الخيار ، بل يجب على الورثة التحصيل من تركته وعليه ، فالصور ثلاث وأحكامها مختلفة من جهة البطلان ، أو ثبوت الخيار ، أو الصحّة بدونه ، فلاوجه لما في المتن من التقسيم إلى صورتين ، فتدبّر .
(1) جواهر الكلام : 27 / 212 .
(2) كالسيّد اليزدي في العروة الوثقى : 5 / 30 مسألة 3 .
(3) مجمع الفائدة والبرهان : 10 / 66 .
(4) الحدائق الناضرة: 21 / 542.
(5) مفتاح الكرامة : 7 / 81 .
(الصفحة212)
[ايجار الوليِّ الصبيَّ]
مسألة : لو آجر الوليّ الصبيّ المولّى عليه أو ملّكه مدّة مع مراعاة المصلحة والغبطة ، فبلغ الرشد قبل انقضائها فله نقض الإجارة وفسخها بالنسبة إلى ما بقي من المدّة ، إلاّ أن تقتضي المصلحة اللاّزمة المراعاة فيما قبل الرشد الإجارة مدّة زائدة على زمان تحقّقه; بحيث تكون بأقلّ منها خلاف مصلحته ، فحينئذ ليس له فسخها بعد البلوغ والرشد1 .
1 ـ قال المحقّق في الشرائع : لو آجر الوصي صبيّاً مدّة يعلم بلوغه فيها بطلت في المتيقن ، وصحت في المحتمل ولو اتفق البلوغ فيه . وهل للصبي الفسخ بعد بلوغه ؟ قيل : نعم ، وفيه تردّد(1) .
أقول : الكلام في هذه المسألة يقع في مقامات :
الأوّل : في بطلان الإجارة في المدّة التي يعلم بلوغه فيها ، كما لو كان عمره عشراً وآجره عشراً، فإنّ الإجارة باطلة في الخمس المتأخّرة ; بمعنى توقّفها على إجازة الصبي الذي يصير بالغاً عند شروع الخمس ، بناءً على عدم اشتراط وجود المجيز حال العقد في الفضولي .
وجه البطلان أنّ منافع بدن الحرّ لا تكون مملوكة له على حدّ أمواله ، ولا تقاس المنافع بها عيناً أو منفعة ; ضرورة أنّ الأموال مملوكة له فعلاً وإن كان حصولها بنحو التدريج كالمنافع الثابتة لأمواله ، ولذا يجوز للوصي تمليك هذه المنافع ، وإن كان ظرف وجودها بعد انقضاء الصغر وتحقّق البلوغ ، وإن كان يمكن أن يخدش فيه بمنافاته لمناسبة الحكم والموضوع ; نظراً إلى أنّ
(1) شرائع الإسلام : 2 / 188 .
(الصفحة213)
الحكمة في جعل الوصي للصبي إنّما هي أن لايفوت عليه مايتعلّق بنفسه وماله من المصالح في حال صغره ، والمصلحة الراجعة إلى منافع أملاكه في زمان كبره لا تفوت بترك إجارة الولي ، بل قابلة لأن يستوفيها الصغير بعد كبره إلاّ أن تكون المصلحة في الإجارة في حال الصغر ; إمّا لأجل كون المنافع في هذه الحال لاتكون المصلحة اللاّزمة المراعاة في تمليكها إلاّ بعد ضمّ المنافع في حال الكبر إليها كما فرضه في المتن ، وإمّا لأجل كون المنافع في حال الكبر تكون المصلحة في تمليكها فعلاً .
وكيف كان ، فباب الأموال قابل لجريان هذه المباحث فيه ، وأمّا منافع البدن التي يكون مقتضى إيجاره تمليكها فهي تغاير الأموال من جهة عدم كونها مملوكة على حدّ الأموال . غاية الأمر ثبوت السلطنة لنفس الحرّ على إيجاره ، والولي لا يكون إلاّ قائماً مقامه عند وجود نقص فيه كالصغر ونحوه ، وعليه فدائرة الولاية محدودة بما يكون المولّى عليه ناقصاً بالإضافة إليه .
وبعبارة اُخرى الولي ليس له الولاية إلاّ بالنسبة إلى منافع الصغير ، والمنافع بعد البلوغ لا تكون معنونة بهذا العنوان ; لأنّها ليست إلاّ منافع الكبير ، فالفرق بين الأموال ومنافع البدن إنّما هو في كون الأموال مملوكة للصغير فعلاً ، ومقتضى الولاية أو الوصاية جواز التصرّف فيها مطلقاً إذا كان موافقاً للمصلحة ، وأمّا المنافع فليست منافع الصغير إلاّ المقدار المقارن لزمان الصغر ، وما عداها فهو خارج عن دائرة الولاية .
نعم ، ربما ينتقض ما ذكرنا بالنكاح المنقطع زائداً على مدّة صغرها ; نظراً إلى جوازه للولي ، بل اشترط غير واحد أن تكون المدّة شاملة لشيء من زمان البلوغ
(الصفحة214)
لتصير قابلة للاستمتاع(1) ، والانتقاض به تارة لأجل أنّه لافرق بين النكاح وبين الإجارة ، بل النكاح أولى بعدم الجواز من الإجارة ، واُخرى لأجل أنّ النكاح المنقطع من مصاديق الإجارة ; نظراً إلى ما ورد فيهنّ من كونهنّ مستأجرات(2) ، فيدلّ ذلك على جواز تعميم دائرة الإجارة لما بعد البلوغ .
هذا ، ولكن الانتقاض في غير محلّه ، ضرورة أنّ النكاح دائماً كان أو منقطعاً لايرجع إلى تمليك المنافع ، بل هو أمر قائم بالشخص وإحداث علقة بينها وبين الزوج ، فهو تصرّف في نفس الصغيرة والمفروض قيام الدليل على جوازه للولي، وهذا بخلاف المنافع ، فإنّ المقدار الذي دلّ الدليل على جواز تمليكها إنّما هي منافع الصغير ; وهي محدودة مضيّقة ، والتعبير بالإجارة في المنقطع ليس على نحو الحقيقة ; كالتعبير بالاشتراء في بعض الروايات الدالّة على جواز النظر إلى المرأة قبل العقد ، حيث علّل ذلك فيه بقوله (عليه السلام) : إنّما يشتريها بأغلى الثمن(3) .
الثاني : في صحّة الإجارة في الزمان المحتمل بلوغه فيه ولو كان مصادفاً للبلوغ واقعاً ، والوجه فيه إنّما هو استصحاب عدم البلوغ الجاري في جميع أجزاء ذلك الزمان . ولكنّه ربما يستشكل في ذلك تارةً من أجل أنّ احتمال البلوغ في بعض مدّة الإجارة مع عدم ثبوت الولاية له بالإضافة إلى ما بعد البلوغ موجب لتحقّق الغرر وثبوت الجهالة ; لأنّ مدّة الإجارة حينئذ غير معلومة ، ولكن هذا الإشكال إنّما يبتني على بطلان الإجارة في الزمان المصادف للبلوغ واقعاً ، ضرورة أنّه على
(1) راجع كتاب الإجارة للمحقّق الرشتي : 346 .
(2) وسائل الشيعة : 21 / 18 ، كتاب النكاح، أبواب المتعة ب4 ح2 و4 .
(3) الكافي : 5 / 365 ح1 ، وسائل الشيعة : 20 / 87 ، أبواب مقدّمات النكاح وآدابه ب36 ح1 .
(الصفحة215)
فرض الصحّة في ذلك الزمان أيضاً لا يتحقّق غرر ولا تثبت جهالة أصلاً . واُخرى بأنّ الأُصول العمليّة التي منها الاستصحاب وإن قلنا بالإجزاء فيها في الأحكام التكليفيّة ، ولكنّها لا تصلح لإثبات الأحكام الوضعية مع انكشاف الخلاف وعدم المصادفة للواقع ، فلا مجال للاتّكاء على استصحاب عدم البلوغ ، والحكم باللزوم وعدم الوقوف على الإجازة بالإضافة إلى ما بعد البلوغ أيضاً ، وهذا الإشكال على تقدير وروده إنّما يكون أثره البطلان بالنسبة إلى خصوص ما بعد البلوغ من المدّة ، كما أنّ الإشكال الأوّل على تقدير وروده يكون أثره البطلان بالإضافة إلى جميع المدّة .
والظاهر عدم ورود هذا الإشكال أيضاً ; لأنّ ملاك الإجزاء في الأحكام التكليفية موجود في الأحكام الوضعية أيضاً ، فإنّ مناط الإجزاء هناك هو التصرّف بمقتضى دليل اعتبار الأصل العملي في الأدلّة الأوّليّة الدالّة على الأجزاء والشرائط ، وتعميم دائرة الشرط والجزء بحيث لا يكون لهما اختصاص بالواقعيين منهما ، وهذا المناط موجود هنا ، فإنّ مفاد دليل اعتبار الاستصحاب يرجع إلى التصرّف في دليل ثبوت الولاية وتعميم دائرتها لصورة الشكّ ، وإن كان مصادفاً للبلوغ واقعاً .
وبالجملة : لايرى فرق بين المقامين ، ولا يتحقّق تصويب في البين على تقدير التعميم للأحكام الوضعية أصلاً ، فالحق حينئذ ما أفاده في الشرائع من الصحّة ولو اتّفق البلوغ واقعاً .
الثالث : في أنّه هل للصبي الفسخ بعد البلوغ أم لا ؟ والظاهر أنّ هذا الفرع إنّما يتفرّع على تقدير صحّة الإجارة في جميع المدّة المحتملة ، حتّى المصادفة منها للبلوغ واقعاً ، وعليه فيكون المراد بالفسخ هو الفسخ الاصطلاحي الذي
(الصفحة216)
موضوعه العقد الصحيح ، لا الفسخ بمعنى ردّ العقد المساوق للبطلان في المقام ، وإن كان ربما يحتمل ذلك في عبارة الشرائع(1) ، بناءً على أن يكون شروع الجملة الأخيرة من قوله : «ولو اتّفق البلوغ فيه» وكان قوله : «وهل للصبي» مصدَّراً بالفاء بدل الواو كما في الجواهر(2) . وأمّا على تقدير كون شروع الجملة من قوله : «وهل . . .» ـ كما في نسخة الشرائع الموجودة عندي ـ يكون المراد بالفسخ هو الفسخ بعد تماميّة العقد وصحّته ، ولكنّه يقع الإشكال حينئذ في مدرك ثبوت هذا الحقّ للبالغ ، نظراً إلى أنّه إذا جاز للولي الإيجار اتّكالاً على الاستصحاب، وكان الاستصحاب كافياً للحكم بالصحّة ولو بالنسبة إلى ما بعد البلوغ ، فلا يبقى وجه لعروض التزلزل من ناحية الطفل الذي صار بالغاً فعلاً ، ولا مجال لثبوت حق الفسخ له أصلاً ، كما لايخفى .
(1) شرائع الإسلام : 2 / 188 .
(2) جواهر الكلام : 27 / 333 .
(الصفحة217)
[لو وجد العيب في العين المستأجرة والاُجرة]
مسألة : لو وجد المستأجر بالعين المستأجرة عيباً سابقاً كان له فسخ الإجارة إن كان ذلك العيب موجباً لنقص المنفعة كالعرج في الدابّة، أو الاُجرة كما إذا كانت مقطوعة الاُذن والذنب . هذا إذا كان متعلّق الإجارة عيناً شخصية ، ولو كان كليّاً وكان الفرد المقبوض معيباً فليس له فسخ العقد ، بل له مطالبة البدل إلاّ إذا تعذّر فله الفسخ . هذا في العين المستأجرة . وأمّا الاُجرة فإن كانت عيناً شخصية ووجد المؤجر بها عيباً كان له الفسخ ، فهل له مطالبة الأرش ؟ فيه إشكال . ولو كانت كليّة فله مطالبة البدل ، وليس له فسخ العقد إلاّ إذا تعذّر البدل1 .
1 ـ الأولى أن نبحث في هذه المسألة في خصوص الأُجرة لجريان أحكام العين فيها كلاًّ ، مع إضافة احتمال ثبوت الأرش المختصّ جريانه بها ، فنقول : الكلام فيه يقع في مقامين :
المقام الأوّل : فيما إذا كانت الاُجرة كليّة مضمونة في الذمّة ، وليعلم أوّلاً أنّه لامجال في هذه الصورة لتوهّم الفرق بين ما إذا كان العيب سابقاً على العقد أو لاحقاً عليه قبل القبض ، وذلك لوضوح أنّ الأُجرة الكليّة لا تتعيّن إلاّ بالتسليم والقبض ، فقبله لا يكون المعيب متعيّناً لأن يكون اُجرة ، فلا فرق بين أن يكون العقد متأخّراً عن طروّه أو متقدّماً عليه ، ولذا قيّد المحقّق بكونه سابقاً على القبض ، حيث قال : إذا وقف المؤجر على عيب في الاُجرة سابق على القبض كان له الفسخ أو المطالبة بالعوض إن كانت الاُجرة مضمونة ، وإن كانت معيّنة كان له الردّ والأرش(1) .
(1) شرائع الإسلام : 2 / 181 .
(الصفحة218)
وكيف كان ، فمقتضى ظاهر العبارة في هذا الفرض التخيير بين الفسخ والإبدال مطلقاً ، من دون فرق بين صورتي التمكّن من البدل وعدمه ، ولكنّ المحكي عن بعض نسخ الشرائع المصححة «الواو»بدل «أو» ، وعليه فلابدّ أن يحمل الفسخ على فسخ الوفاء المساوق للإبدال لا على فسخ العقد ، كما هو الظاهر من لفظه بناءً على النسخة المشهورة ، لكن في الشروح(1) حمل الفسخ على صورة التعذّر والإبدال على مورد التمكّن .
واختار العلاّمة في القواعد وجوب الإبدال أوّلاً ، ومع التعذّر ثبوت الفسخ أو الرضا بالأرش(2) ، وحكى هذا القول في المفتاح(3) عن جامع المقاصد(4) وتعليق الإرشاد واللمعة(5) والمسالك(6) والروض والروضة(7) ومجمع البرهان(8)والكفاية(9) ، وعليه فنسبة مختار الشرائع إلى المشهور مع أنّ الموافق له هو التحرير(10) والإرشاد(11) ـ كما وقع من المحقّق الإصفهاني (قدس سره) في كتاب الإجارة(12)ـ
(1) مسالك الأفهام : 5 / 180 ، جواهر الكلام : 27 / 221 .
(2) قواعد الأحكام : 2 / 286 .
(3) مفتاح الكرامة : 7 / 122 .
(4) جامع المقاصد: 7 / 118.
(5) اللمعة الدمشقية : 94 .
(6) مسالك الأفهام : 5 / 180 .
(7) الروضة البهية : 4 / 334 .
(8) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 31.
(9) كفاية الأحكام : 124 .
(10) تحرير الأحكام : 3 / 129 .
(11) إرشاد الأذهان : 424 .
(12) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 54 .
(الصفحة219)
لعلّها في غير محلّها .
وبالجملة : يحصل لنا بملاحظة ما ذكرنا من الأقوال احتمالات ثلاثة ، وهنا احتمال رابع أورده في الجواهر(1) بصورة المناقشة ودفعه بوضوح فساده ، ويظهر من عبارة الشرائع المتقدّمة بناءً على نسخة الواو كما عرفت ; وهو أن يقال بتعيّن الإبدال المساوق لفسخ الوفاء مطلقاً في صورتي التمكّن وعدمه . غاية الأمر أنّه مع التمكّن يطالب بالعوض الصحيح ، ومع عدمه ينتظر حتّى يتمكّن أو يغرم قيمته ، ولا وجه لفسخ المعاملة بعد وقوعها على الاُجرة الكليّة .
واحتمال خامس يظهر من اللمعة(2) ; وهو تعيّن الفسخ مطلقاً ، ولعلّ الوجه فيه أنّه لا معنى للإبدال بعد تعيّن المعيب لأن يكون اُجرة ، فلا فرق حينئذ بين المقام وبين ما إذا كانت الاُجرة معيّنة ، من جهة أنّه لا وجه فيه للتعويض والإبدال كما هو ظاهر .
وكيف كان ، فيمكن الإيراد على من حكم بالإبدال والفسخ مخيّراً بأنّ الاُجرة الكليّة المتّصفة بوصف الصحّة بحسب اللبّ والحقيقة هل يتحقّق تسليمها المساوق للتعيّن بدفع الفرد المعيب من تلك الحقيقة ، نظراً إلى أنّه كما لا يكون وصف الصحّة في الجزئية مقوّماً لموصوفها ، ولذا لا يقدح تخلّفه في صحّة المعاملة ، كذلك بالنسبة إلى الكليّة ، فإنّه حيث يكون وصفاً محضاً غير مقوّم لها ، فلا يكون فقدانه مانعاً عن حصول الإقباض وتحقّق التسليم ، أو أنّه لا يتحقّق إقباض الكلّي الموصوف بدفع فرد فاقد للوصف ولو كان هو وصف
(1) جواهر الكلام : 27 / 221 .
(2) اللمعة الدمشقية : 94 .
(الصفحة220)
الصحّة ; لأنّ المفهوم المقيّد بوصف لا يعقل أن ينطبق على الفاقد لذلك الوصف ; لأنّ التقييد ولو بالشرط الضمني يوجب التضييق ، ويستحيل أن ينطبق على ما ليس من أفراد هذه الحصة ؟
فعلى الأوّل لا يبقى مجال للإبدال ; لأنّه بعدما تعيّن الكلّي بقبض المعيب يصير كالاُجرة المعيّنة ، فكما أنّه لا وجه لاحتمال الإبدال في المعينة كذلك هنا . وعلى الثاني لا مجال لفسخ المعاملة ; لأنّه لم يتحقّق التسليم بعد حتّى يوجب العيب ثبوت الخيار ، بل اللازم على المستأجر تسليم فرد ينطبق عليه الكلّي . نعم ، في صورة التعذّر كلام سيأتي .
والتحقيق في دفع هذا الإيراد أنّه مبنيّ على الدقّة العقلية ، مع أنّ المرجع في المعاملات هو العقلاء والعرف الذين تتداول تلك المعاملات بينهم ، والذي يقتضيه الرجوع إليهم أنّهم يرون تحقّق التسليم بدفع الفرد الفاقد لوصف الصحّة ، وليس تسليم الفرد الفاقد له عندهم كتسليم ما لا ينطبق عليه عنوان الموصوف وحقيقته . نعم ، لا يكون المسلّم إليه عندهم ملزماً بالوفاء بهذا التسليم ، بل يجوز له الإبدال ومطالبة فرد آخر ينطبق عليه الوصف .
وبالجملة : فالإبدال في الأمر الكلّي من الاُمور المتداولة بين العقلاء المستقرّة عليه سيرتهم ، ويجوز لنا التمسّك بهذه السيرة مع عدم ثبوت ردع في الشريعة على ثبوته فيها أيضاً ، مضافاً إلى ما يقال من أنّ قاعدة نفي الضرر تقضي بذلك ; لأجل أنّ التطبيق والوفاء ضرريّ فالقاعدة ترفعه .
وتوضيحه : أنّ لزوم الوفاء بالعقد وإن لم يكن ضررياً ; لأنّ العقد واقع على الكلّي الموصوف ، وليس فيه ضرر على ما هو المفروض ، إلاّ أنّ ما يتبع هذا اللزوم ـ وهو لزوم الوفاء والرضا بما سلم إليه ـ يكون ضررياً ، فاللاّزم أن يكون منفياً
|