(الصفحة161)
مسألة : لو كانت إجازة الورثة لما زاد على الثلث بعد موت الموصي نفذت بلا إشكال ، وإن ردّها قبل موته ، وكذا لو أجازها قبل الموت ولم يردّها بعده . وأمّا لو ردّها بعده، فهل تنفذ الإجازة السابقة ولا أثر للردّ بعدها، أم لا؟ قولان ، أقواهما الأوّل1 .
الأدلّة ، فإنّه لا يكون المقصود منها الوصيّة بعنوان الثلث ، بل المتفاهم منها أنّ للموصي حقّاً بمقدار الثلث ، والباقي محتاج إلى إجازة الوارث لئلاّ يكون محروماً من جميع أموال الموصي ـ صريح بعض الروايات(1) الواردة في هذا المجال الدالّة على عدم الفرق بين الاُمور المذكورة في المتن .
1 ـ للمسألة صور أربع ، لا إشكال في حكم ثلاث منها ; الردّ في زمن الحياة وبعد الممات ، والإجازة في كلتا الحالتين ، والردّ في زمن الحياة ، والإجازة بعده ; لأنّ غاية ما هناك كون تمام المال للوارث ، ومع الإجازة يصرف في الوصيّة ، إنّما الإشكال في حكم صورة واحدة ; وهي صورة إجازة الورثة في حال حياة الموصي والردّ بعد فوته ، كما ربّما يتّفق أحياناً بل كثيراً ، وفيه قولان :
أحدهما : نفوذ الإجازة السابقة وعدم الأثر للردّ بعد الموت .
ثانيهما : بطلان الإجازة بسبب الردّ البعدي ، وقد قوّى في المتن القول الأوّل .
ومرجع القولين إلى نفوذ الإجازة في حال الحياة وعدمه بعد الموت ، والدليل عليه صحيحة محمّد بن مسلم ـ التي رواها المشايخ الثلاثة ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) في
(1) الكافي : 7 / 19 ح15 ، الفقيه : 4 / 157 ح545 ، التهذيب : 9 / 221 ح867 ، وعنها الوسائل : 19/398 ، كتاب الوصايا ب66 ح1 .
(الصفحة162)
مسألة : لو أجاز الوارث بعض الزيادة لا تمامها نفذت بمقدار ما أجاز ، وبطلت في الزائد عليه1 .
رجل أوصى بوصيّة وورثته شهود ، فأجازوا ذلك ، فلمّا مات الرجل نقضوا الوصيّة ، هل لهم أن يردّوا ما أقرّوا به؟ فقال : ليس لهم ذلك ، والوصيّة جائزة عليهم إذا أقرّوا بها في حياته(1) .
وصحيحة منصور بن حازم قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل أوصى بوصيّة أكثر من الثلث وورثته شهود ، فأجازوا ذلك له ، قال : جائز(2) ، ومقتضى إطلاق هذه عدم الفرق بين الردّ بعد الموت وعدمه ، كما لا يخفى .
وقد أيّد هذا القول السيّد في العروة(3) باحتمال كون الوارث ذا حقّ في الثلثين ، فيرجع إجازته إلى إسقاطه حقّه ، كما لا يبعد استفادته من الأخبار الدالّة على أن ليس للميّت من ماله إلاّ الثلث(4) . وإن كان قد أورد عليه بأنّ هذا الاحتمال ساقط جزماً ، لأنّ العبرة في الثلث أو الزيادة عليه إنّما هي بحال الموت لا الوصيّة .
1 ـ إذا كانت إجازة الوارث بالإضافة إلى بعض الزيادة على الثلث لا تمامها فالظاهر النفوذ بمقدار الإجازة ، كما هو ظاهر .
(1) الكافي : 7 / 12 ح1 ، الفقيه : 4 / 147 ح512 ، التهذيب : 9 / 193 ح775ـ 777 ، الاستبصار : 4/122 ح464ـ 466 ، وعنها الوسائل : 19 / 284 ، كتاب الوصايا ب13 ح1 .
(2) التهذيب : 9 / 193 ح778 ، الاستبصار : 4 / 123 ح467 ، وعنهما الوسائل : 19 / 284 كتاب الوصايا ب13 ح2 .
(3) العروة الوثقى : 2 / 766 ، كتاب الوصيّة مسألة 3905 .
(4) وسائل الشيعة : 19 / 273 ، كتاب الوصايا ب10 ح6 وص275 و278 ب11 ح1 و12 .
(الصفحة163)
مسألة : لو أجاز بعض الورثة دون بعضهم نفذت في حقّ المجيز في الزائد ، وبطلت في حقّ غيره ، فإذا كان للموصي ابن وبنت وأوصى لزيد بنصف ماله قسمت التركة ثمانية عشر ، ونفذت في ثلثها ; وهو ستّة ، وفي الزائد وهو ثلاثة احتاج إلى إمضاء الابن والبنت ، فإن أمضى الابن دون البنت نفذت في اثنين وبطلت في واحد ، وإن أمضت البنت نفذت في واحد وبطلت في اثنين1 .
مسألة : لو أوصى بعين معيّنة أو مقدار كلّي من المال كمائة دينار يلاحظ في كونه بمقدار الثلث أو أقلّ أو أزيد بالنسبة إلى أمواله حين الفوت ، لا
1 ـ حقّ الإجازة لا يكون حقّاً واحداً غير قابل للتجزئة ، بل المتفاهم العرفي من دليل توقّف الزائد على الثلث على الإجازة أنّ لكلّ وارث حقّاً بالإضافة إلى سهم الإرث ، وعليه لو أجاز بعض الورثة دون بعضهم نفذت في حقّ المجيز في الزائد بالنسبة إليه وبطلت في حقّ غيره ، وعليه ففي المثال المذكور في المتن يظهر المقدار النافذ عن المقدار الباطل .
غاية الأمر أنّه ينبغي التنبيه على أمر ; وهو أنّ الوجه في تقسيم التركة ثمانية عشر هو أنّه هنا ثلث متعلّق بالموصي ، والتركة تقسّم أثلاثاً ; لوجود الابن والبنت ، والوصيّة إنّما تعلّقت بالنصف الذي مخرجه اثنان ، فضرب اثنين في ثلث وثلث الّذَين مخرجهما الثلاث يبلغ ثمانية عشر ، فإن أمضى الابن دون البنت يكون إمضاؤه نافذاً في اثنين دون الواحد ، وإن أمضت البنت فقط تصير بالعكس ، فتدبّر .
(الصفحة164)
حين الوصيّة ، فلو أوصى بعين كانت بمقدار نصف أمواله حين الوصيّة ، وصارت لجهة بمقدار الثلث ممّا ترك حين الوفاة ، نفذت في الكلّ ، ولو انعكس نفذت في مقدار الثلث ممّا ترك وبطلت في الزائد ، وهذا ممّا لا إشكال فيه . وإنّما الإشكال فيما إذا أوصى بكسر مشاع ; كما إذا قال : «ثلث مالي لزيد بعد وفاتي» ثمّ تجدّد له بعد الوصيّة أموال ، وأنّه هل تشمل الوصيّة الزيادات المتجدّدة بعدها أم لا؟ سيّما إذا لم تكن متوقّعة الحصول ، والظاهر نظراً إلى شاهد الحال أنّ المراد بالمال هو الذي لو لم يوص بالثلث كان جميعه للورثة ، وهو ما كان له عند الوفاة . نعم ، لو كانت قرينة تدلّ على أنّ مراده الأموال الموجودة حال الوصيّة اقتصر عليها1 .
1 ـ للمسألة صورتان :
إحداهما : ما إذا أوصى بعين معيّنة أو مقدار كلّي من المال ، كمائة دينار ، وقد نفى الإشكال فيها عن أنّ الملحوظ فيها هو الثلث حال الوفاة ، فلو أوصى بعين كانت بمقدار نصف أمواله حين الوصيّة ، وصارت لجهة ـ كالمؤونة والسرقة مثلاً ـ بمقدار الثلث ممّا ترك حين الوفاة نفذت في الكلّ ، ولو انعكس نفذت في مقدار الثلث ، والزائد يفتقر إلى إجازة الوارث .
ثانيتهما : ما إذا أوصى بكسر مشاع ، كما في المثال المذكور في المتن ، وقد استشكل فيه أوّلاً ، وأنّ الوصيّة هل تشمل الزيادات المتجدّدة بعدها أم لا؟ سيّما إذا لم تكن متوقّعة الحصول ، ويضاف إليها ما إذا كانت الزيادة كثيرة جدّاً ، بحيث لو كانت هذه الزيادة موجودة حال الوصيّة لكان من المستبعد الوصيّة بهذا الكسر ، وقد استظهر استناداً إلى شاهد الحال أنّ المراد بالمال
(الصفحة165)
هو الذي لو لم يوص بالثلث كان جميعه للورثة ; وهو ما كان له عند الوفاة ، واستدرك ما لو كانت هناك قرينة دالّة على أنّ مراده الأموال الموجودة حال الوصيّة ، وأنّه يقتصر في ملاحظة الثلث تلك الأموال لا جميع ما كانت له عند الوفاة .
قلت : ويؤيّد الاستظهار المذكور أنّ الفرق بين الصورتين بكون الملحوظ في الاُولى حال الفوت ، واحتمال كون الملحوظ في الثانية حال الوصيّة ممّا لا يكاد يستقيم ، خصوصاً مع جريان احتمال الزيادة والنقيصة في كلتا الصورتين ، فتدبّر جيّداً .
ثمّ إنّ سيّد العروة بعد أن اختار أنّ المدار على حال حصول التركة وقبض الوارث لها إن لم تكن بيدهم في الحصّة المشاعة ، وفرّع عليه أنّه لو أوصى بحصّة مشاعة بالربع أو الثلث وكان ماله بمقدار ثمّ نقص كان النقص مشتركاً بين الوارث والموصي ، ولو زاد كانت الزيادة لهما مطلقاً وإن كانت كثيرة جدّاً .
قال في مسألة اُخرى ما هذا لفظه : ربما يحتمل فيما لو أوصى بعين معيّنة أو بكلّي كمائة دينار مثلاً أنّه إذا اُتلف من التركة بعد موت الموصي يردّ النقص عليهما أيضاً بالنسبة ، كما في الحصّة المشاعة وإن كان الثلث وافياً ، وذلك بدعوى أنّ الوصيّة بها ترجع إلى الوصيّة بقدار ما يساوي قيمتها ، فيرجع إلى الوصيّة بحصّة مشاعة ، والأقوى عدم ورود النقص عليهما ما دام الثلث وافياً ، ورجوعهما إلى الحصّة المشاعة في الثلث أو في التركة لا وجه له ، خصوصاً في الوصيّة
(الصفحة166)
مسألة : الإجازة من الوارث إمضاء وتنفيذ ،فلا يكفي فيها مجرّدالرضا وطيب النفس من دون قول أو فعل يدلاّن على الإمضاء1 .
بالعين المعيّنة(1) .
قلت : قد استدلّ على أنّ المدار حال حصول قبض الوارث للتركة ـ بأنّ الوصيّة إنّما تكون على نحو الإشاعة في المالية ، فيكون ثلث الميّت مشاعاً بين تمام المال ، وإذا ورد نقص عليه كان النقص على الجميع ، من دون فرق بين ثلث الميّت وثلثي الورثة ، ولا مجال لمقايسته مع الدين الذي لابدّ من إخراجه على كلّ تقدير ; لأنّه من قبيل الكلّي في المعيّن ، والوصية من قبيل الإشاعة في جميع المال ، من دون فرق في ذلك بين النقص الوارد على العين أو الماليّة ، وعلى أنّ النقص لا يرد على العين المعيّنة ، أو مقدار كلّي كمائة دينار في خصوص صورة وفاء الثلث بهما ـ بإطلاقات أدلّة نفوذ الوصيّة الشاملة للمقام باعتبار أنّ الموصى به حين موت الموصي ليس زائداً على ثلثه ، فلا موجب لورود النقص عليه .
1 ـ قد يراد بكون الإجازة من الوارث إمضاءً وتنفيذاً هو احتياجها إلى الإنشاء ، كالإجازة في عقد الفضولي ، وفي هذه الصورة تكون في مقابل مجرّد الرضا وطيب النفس ، من دون قول أو فعل يدلاّن على الإمضاء ، وهذا هو المراد من المتن .
وقد يراد بذلك ما ذكره السيّد في العروة ، حيث قال : والإجازة من الوارث تنفيذلعمل الموصي، وليست ابتداءً عطيّةً من الوارث، فلا ينتقل الزائدإلى الموصى له
(1) العروة الوثقى : 2 / 776 كتاب الوصيّة ح3915 و3916 .
(الصفحة167)
من الوارث; بأن ينتقل إليه بموت الموصي أوّلاً ، ثمّ ينتقل إلى الموصى له ، بل ولا بتقدير ملكه ، بل ينتقل إليه من الموصي من الأوّل(1) .
هذا ، والظاهر صحّة كلا الأمرين ، أمّا الأمر الأوّل : فلما عرفت ، وأمّا الأمر الثاني : فلظهور بعض الروايات ، كصحيحة أحمد بن محمد قال : كتب أحمد بن إسحاق إلى أبي الحسن (عليه السلام) : أنّ درّة بنت مقاتل توفّيت وتركت ضيعة أشقاصاً في مواضع ، وأوصت لسيّدنا في أشقاصها بما يبلغ أكثر من الثلث ، ونحن أوصياؤها وأحببنا إنهاء ذلك إلى سيّدنا ، فإن أمرنا بإمضاء الوصيّة على وجهها أمضيناها ، وإن أمرنا بغير ذلك انتهينا إلى أمره في جميع ما يأمر به إن شاء الله . قال: فكتب (عليه السلام)بخطّه : ليس يجب لها في تركتها إلاّ الثلث ، وإن تفضّلتم وكنتم الورثة كان جائزاً لكم إن شاء الله(2) .
فإنّ التعبير بالتفضّل والتعليق على صورة كونهم وارثين يدلّ على عدم كون مرجع الإجازة إلى الهبة والعطيّة ، ضرورة أنّ جوازها غير مقيّد بشيء ، فتدبّر .
وصحيحة عليّ بن الحسن قال : مات محمّد بن عبدالله بن زرارة وأوصى إلى أخي أحمد بن الحسن ، وخلّف داراً ، وكان أوصى في جميع تركته أن تباع ويحمل ثمنها إلى أبي الحسن (عليه السلام) ، فباعها ، فاعترض فيها ابن اُخت له وابن عمّ له ، فأصلحنا أمره بثلاثة دنانير ، وكتب إليه أحمد بن الحسن ودفع الشيء بحضرتي إلى أيّوب بن
(1) العروة الوثقى : 2 / 775 ، كتاب الوصيّة مسألة 3913 .
(2) الكافي : 7 / 10 ح2 ، الفقيه : 4 / 137 ح480 ، التهذيب : 9 / 192 ح772 ، وعنها الوسائل : 19/275 ، كتاب الوصايا ب11 ح1 .
(الصفحة168)
مسألة : لا تعتبر في الإجازة الفوريّة1 .
مسألة : يحسب من التركة ما يملك بالموت كالدية ، وكذا ما يملك بعد الموت إذا أوجد الميّت سببه قبل موته ، مثل ما يقع في الشبكة التي نصبها الميّت في زمان حياته ، فيخرج منه دين الميّت ووصاياه . نعم ، بعض صورها محلّ تأمّل2 .
نوح ، فأخبره أنّه جميع ما خلّف ، وابن عمّ له وابن اُخته عرض وأصلحنا أمره بثلاثة دنانير ، فكتب (عليه السلام) : قد وصل ذلك ، وترحّم على الميّت ، وقرأت الجواب(1) ، ودلالتها كالسابقة .
وتظهر ثمرة الخلاف فيما لو مات الوارث أو الموصى له بعد الإجازة وقبل القبض ، فعلى القول بكون الإجازة عطيّة ينتقل المال إلى ورثة الوارث المجيز ; لأنّ الهبة لا تصحّ إلاّ بالقبض وهو غير متحقّق ، فيكون المال باقياً على ملك الواهب ، وبموته ينتقل إلى ورثته ، وعلى القول الآخر يملك الموصى له للزائد من حينها ، كما لايخفى .
1 ـ لأنّه لا دليل على لزوم فوريّة الإجازة ، خصوصاً مع أنّ الإجازة ربما تلحق بعد الموت .
2 ـ لا إشكال في أنّ المصداق الظاهر من التركة ما ملكه الشخص في حال حياته وبقي على ملكه إلى حين الفوت ، وأمّا ما ملكه بالموت كالدية ـ فمضافاً إلى أنّ اعتبار الملكية أوّلاً إنّما هو بالإضافة إلى الميّت ; لكونه عوض دمه ، ومنه ينتقل إلى الوارث ويلاحظ الوصيّة بالنسبة إليه أيضاً ـ يدلّ على ذلك مثل موثّقة السكوني ،
(1) تقدّمت في ص159 .
(الصفحة169)
عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : من أوصى بثلثه ثمّ قتل خطأً ، فإنّ ثلث ديته داخل في وصيّته(1) .
وغيرها ، كصحيحة محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل أوصى لرجل بوصيّة مقطوعة غير مسمّـاة من ماله ثلثاً أو ربعاً أو أقلّ من ذلك أو أكثر ، ثمّ قتل بعد ذلك الموصي فودي ، فقضى في وصيّته أنّها تنفذ من ماله ومن ديته كما أوصى(2) . وذكر في الوسائل رواية اُخرى له(3) ، والظاهر اتّحادهما وعدم التعدّد ، كما ذكرناه مراراً .
وأمّا ما يملكه بعد الموت فيما إذا أوجد الميّت سببه قبل موته ، فمثل ما يقع في الشبكة التي نصبها الميّت في زمن الحياة ، وقد استدرك ذلك في المتن بقوله : «نعم ، بعض صورها محلّ تأمّل» .
ولكن ربما يورد عليه بأنّ الحقّ ما هو المشهور من كونه ملكاً للميّت ، نظراً إلى أنّ الصيد لا يتبع الآلة في الملكيّة ، بل إنّما يكون تابعاً للصائد ، ولذا لو اصطاد شخص بالشبكة المغصوبة كان الصيد له ، دون مالك الشبكة ، وحيث إنّ عنوان الاصطياد والصائد لا يصدقان على الوارث باعتبار أنّه لم يفعل شيئاً ، وإنّما هما صادقان على الميّت ; لأنّه الذي تصدّى له ونصب الشبكة ، يكون الصيد في جميع التقادير ـ قبل القسمة وبعدها ، كانت الوصيّة بعين معيّنة أم لا ـ ملكاً للميّت ، فيكون حاله حال سائر أمواله يخرج منها ديونه ووصاياه ، ثمّ ينتقل الباقي إلى
(1) الكافي : 7 / 11 ح7 ، الفقيه : 4 / 169 ح589 ، التهذيب : 9 / 193 ح774 ، وعنها الوسائل : 19/285 ، كتاب الوصايا ب14 ح2 .
(2) التهذيب : 9 / 207 ح823 ، وعنه الوسائل : 19 / 286 ، كتاب الوصايا ب14 ح3 .
(3) الوسائل : 19 / 285 ، كتاب الوصايا ب14 ح1 .
(الصفحة170)
مسألة : للموصي تعيين ثلثه في عين مخصوصة من التركة ، وله تفويض التعيين إلى الوصيّ ، فيتعيّن فيما عيّنه ، ومع الإطلاق ـ كما لو قال : ثلث مالي لفلان ـ يصير شريكاً مع الورثة بالإشاعة ، فلابدّ وأن يكون الإفراز والتعيين برضا الجميع كسائر الأموال المشتركة1 .
الوارث بالإرث(1) .
قلت : الأمر كما ذكر فيما لو كانت الوصيّة بحصّة مشاعة ، وأمّا لو كانت الوصيّة بعين معيّنة أو بمقدار كلّي كمائة دينار ، وفرض نصب الشبكة في زمن حياة الموصي ودخول ما فيها بعد الحياة ، فملاحظته مع الوصية المفروضة من جهة مقدار الثلث محلّ إشكال ; لأنّ صدق الصائد على الميّت خصوصاً مع تحقّق زمان كثير بين الموت وبين وقوع ما في الشبكة فيها كذلك ، وصرف إيجاد السبب لا يوجب الصدق عليه ، وإلاّ لكان حفر البئر في الطريق الموجب لوقوع القتل موجباً للدية ولو بعد مائة سنة .
1 ـ لهذه المسألة صور ثلاث :
إحداها : ما إذا عيّن الموصي ثلثه في عين مخصوصة من التركة ولم يكن الثلث زائداً على ثلث مجموع التركة ، كما إذا عيّن بستاناً له للموصى له ولم يكن البستان كذلك ، والظاهر في هذه الصورة نفوذ الوصيّة وتعيّنها فيما عيّن لفرض تعيينه له .
ثانيتها : ما إذا فوّض التعيين إلى الوصيّ ، فإنّه يتعيّن الثلث فيما عيّنه ، كما في فرض تعيين نفسه مع اعتبار الأمر المذكور .
(1) المباني في شرح العروة الوثقى : 33 / 370 .
(الصفحة171)
مسألة : إنّما يحسب الثلث بعد إخراج ما يخرج من الأصل ، كالدين والواجبات الماليّة ، فإن بقي بعد ذلك شيء يخرج ثلثه1 .
ثالثتها : فرض الإطلاق وعدم التعيين بنفسه ، ولا تفويض التعيين إلى الوصيّ ، كما لو قال : ثلث مالي من التركة لزيد مثلاً ، وفي هذه الصورة حيث تكون الوصيّة بالكسر المشاع يصير شريكاً مع الورثة بالإشاعة ، ويكون ـ كما في سائر الموارد ـ من الأموال المشتركة ، يكون الإفراز والتعيين متوقّفاً على رضا الجميع ، من دون أن يكون للورثة حقّ في التعيين أصلاً ، كما لايخفى .
1 ـ لا شبهة في أنّ الثلث الذي تنفذ الوصيّة بالإضافة إليه ولا تحتاج إلى إجازة الوارث مطلقاً هو الثلث الذي يلاحظ من التركة بالإضافة إلى ما يبقى بعد إخراج ما يخرج من الأصل ، كالدين والواجبات الماليّة ، مثل الزكاة والخمس ، بل الواجب المالي المشوب بالبدني ، كالحجّ على ما تقدّم في المسألة الثالثة والعشرين ، فإن بقي بعد ذلك شيء يخرج ثلثه ، أو يلاحظ الموصى به بالإضافة إلى ثلثه . وقوله تعالى في ذيل كثير من آيات الإرث : {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّة يُوصِى بِهَا أَوْ دَيْن}(1) لا دلالة له على كون الدين في عرض الوصيّة ، بل المقصود منه تقدّمهما على الإرث ، وإن كانت ملاحظتهما بأنفسهما تقتضي أن تكون الوصيّة متأخّرة عن الدين ; بمعنى أنّ الثلث النافذ إنّما يكون بعد إخراج الدين ; سواء كان دنيويّاً أو اُخرويّاً ، كالأمثلة المذكورة .
وكيف كان ، فالظاهر أنّه لا شبهة في هذه الجهة ، وإلاّ يلزم عدم وفاء الدين بأجمعه ولا الإتيان بالواجبات التي ذكر في بعض الموارد ، فتدبّر جيّداً .
(1) سورة النساء : 4 / 11، وفي الآية 12: يوصَى .
(الصفحة172)
مسألة : لو أوصى بوصايا متعدّدة غير متضادّة وكانت من نوع واحد، فإن كانت جميعاً واجبة ماليّة ينفذ الجميع من الأصل ، وإن كانت واجبة بدنيّة أو كانت تبرّعية تنفذ من الثلث ، فإن وفى بالجميع أو زادت عليه وأجاز الورثة تنفذ في الجميع . وإن لم يجيزوا ، فإن لم يكن بين الوصايا ترتيب وتقديم وتأخير في الذكر ، بل كانت مجتمعة ـ كما إذا قال : «اقضوا عشرين سنة واجباتي البدنيّة » أو «اقضوا عشرين سنة صلواتي وصيامي» أو قال : «أعطوا زيداً وعمراً وخالداً كلاًّ منهم مائة دينار» ـ كانت بمنزلة وصيّة واحدة ، فيوزّع النقص على الجميع بالنسبة ، فلو أوصى بمقدار من الصوم ومقدار من الصلاة ، ولم يف الثلث بهما ، وكانت اُجرة الصلاة ضعف اُجرة الصوم ينتقص من وصيّة الصلاة ضعف ما ينتقص من الصوم ; كما إذا كانت التركة ثمانية عشر ، وأوصى بستّة لاستئجار الصلاة ، وثلاثة لاستئجار الصوم ، ولم يجز الورثة ، بطلتا في الثلاثة وتوزّع النقص عليهما بالنسبة ، فينتقص عن الصلاة اثنان فيصرف فيها أربعة ، وعن الصوم واحد ويصرف فيه اثنان ، وكذا الحال في التبرّعية ، وإن كانت بينها ترتيب وتقديم وتأخير في الذكر; بأن كانت الثانية بعد تمامية الاُولى ، والثالثة بعد تمامية الثانية وهكذا ، وكان المجموع أزيد من الثلث ولم يجز الورثة ، يبدأ بالأوّل فالأوّل إلى أن يكمل الثلث ولغت البقيّة1 .
1ـ لو أوصى بوصايا متعدّدة غير متضادّة وكان الجميع من نوع واحد ففيه صورتان:
الاُولى : ما إذا كانت جميعاً واجبة ماليّة أو ملحقة بها كما تقدّم(1) ، كالدين
(1) في ص158 .
(الصفحة173)
والزكاة والخمس والحجّ وإن كان الأخير مشوباً بالبدنيّة ، وفي هذه الصورة ينفذ الجميع من الأصل ، من دون فرق بين ما إذا كانت زائدة على الثلث أم لم تكن ، ومن دون فرق في فرض الزيادة بين إجازة الوارث وعدمها ، وقد عرفت أنّه لو لم تتحقّق الوصيّة بها تخرج من الأصل وإن استوعب التركة(1) . نعم ، لو لم تف التركة بالجميع ففي تقديم بعضها على بعض كلام في محلّه .
الثانية : ما إذا كانت واجبة بدنيّة كالصلاة والصوم ، أو كانت تبرّعية ، فقد تقدّم نفوذ مثل ذلك من الثلث ، فإن وفى بالجميع أو زادت عليه ، فتارةً يجيز الورثة الزائد ، واُخرى لا يجيزوا ، ففي صورة الإجازة تنفذ في الجميع ، وفي صورة عدم الإجازة فيه تفصيل .
فإن لم يكن بين الوصايا ترتيب وتقديم وتأخير في الذكر ، بل كانت مجتمعة كالأمثلة المذكورة في المتن المركّبة من الواجبة البدنيّة والتبرّعية ، تكون الوصايا المتعدّدة بمنزلة وصيّة واحدة ، فيوزّع النقص على الجميع بالنسبة ، فلو أوصى بمقدار من الصوم ومقدار من الصلاة ولم يف الثلث بهما ، وكانت اُجرة الصلاة ضعف اُجرة الصوم فينتقص من اُجرة الصلاة ضعف ما ينتقص من اُجرة الصوم ، كالمثال المذكور في المتن .
وإن كان بين الوصايا المتعدّدة ترتيب وتقديم وتأخير في الذكر ، لا بمعنى عطف الثانية على الاُولى بالواو مثلاً ، بل بمعنى كون الثانية بعد تماميّة الاُولى وكون الثالثة بعد تماميّة الثانية وهكذا ، وفرض كون المجموع أزيد من الثلث وعدم إجازة الوارث للزائد ، فحينئذ يبدأ بالاُولى ثمّ الثانية وهكذا إلى أن يتمّ الثلث ، وفي الزائد لغت الوصيّة كما لا يخفى .
(1) في ص158 .
(الصفحة174)
مسألة : لو أوصى بوصايا مختلفة بالنوع ـ كما إذا أوصى بأن يعطى مقدار معيّن خمساً وزكاة ، ومقدار صوماً وصلاة ، ومقدار لإطعام الفقراء ـ فإن أطلق ولم يذكر المخرج يبدأ بالواجب المالي ، فيخرج من الأصل ، فإن بقي شيءٌ يعيّن ثلثه ويخرج منه البدني والتبرّعي ، فإن وفى بهما أو لم يف وأجاز الورثة نفذت في كليهما ، وإن لم يف ولم يجيزوا يقدّم الواجب البدني ويرد النقص على التبرّعي ، وإن ذكر المخرج وأوصى بأن تخرج من الثلث تقدّم الواجبات ـ ماليّة كانت أو بدنيّة ـ على التبرّعي على الأقوى . وأمّا الواجبات فلا يقدّم بعضها على بعض ، بل الظاهر أنّه لو أوصى مرتّباً يقدّم المقدّم فالمقدّم إلى أن يفنى الثلث ، فإن بقي من الواجب المالي شيء يخرج من الأصل ، وإن بقي من البدني يُلغى ، وإن لم يكن بينها ترتيب يوزّع الثلث عليها ويتمّ الواجب المالي من الأصل دون البدني1 .
1 ـ لو أوصى بوصايا مختلفة بالنوع كما في المثال المذكور في المتن المشتمل على الواجب المالي والواجب البدني والتبرّعي ففيه صورتان أيضاً :
الاُولى : ما إذا أطلق ولم يذكر المخرج ، يبدأ بالواجب المالي فيخرج من الأصل ، بل قد عرفت أنّه مع عدم الوصيّة بها تخرج من الأصل(1) ، فإن بقي شيء فاللازم ملاحظة الثلث بالإضافة إليه ، فإن وفى بهما أو لم يف وكان مقروناً بإجازة الورثة نفذت في كليهما ; أي الواجب البدني والتبرّعي ، وإن لم يف ولم يجيزوا الزائد يقدّم الواجب البدني على التبرّعي ، ويرد النقص على خصوص الأخير ; لأنّه مع الدوران بين الواجب وإن كان بدنيّاً ، وبين غيره لا شبهة في تقدّم الواجب .
(1) في ص158.
(الصفحة175)
الثانية : ما إذا ذكر المخرج وأوصى بأن يخرج جميع الوصايا من الثلث ، والظاهر تقدّم الواجبات مطلقاً ـ ماليّة كانت أو بدنيّة ـ على التبرّعي لما ذكر ، وأمّا الواجبات فلا يقدّم بعضها على بعض ، أي في هذه الصورة التي ذكر الموصي المخرج لها ، بل في المتن أنّه لو أوصى مرتّباً يقدّم المقدّم فالمقدّم إلى أن يفنى الثلث ، فإن بقي من الواجب المالي شيء يخرج من الأصل ، وإن بقي من البدني يلغى ، وقد عرفت أنّ الواجب المالي يخرج من الأصل ولو مع عدم الوصيّة(1) ، وإن لم يكن بين الوصايا ترتيب يوزّع الثلث عليها ويتمّ الواجب المالي من الأصل دون البدني .
قلت : الظاهر أنّ المخرج المذكور لابدّ وأن يكون غير عنوان الثلث الذي هو كسر مشاع خاصّ ; لما عرفت أنّه مع ثبوت الواجبات الماليّة كالدين والزكاة والخمس تخرج من الأصل ولو مع عدم الوصيّة(2) ، وعليه فالمراد بالمخرج هو ما إذا عيّن عيناً معيّنة أو مقداراً معيّناً كمائة دينار ، على ما مرّ من المثال ، وبعبارة اُخرى : المدار في الثلث هو الباقي من التركة بعد إخراج ما يجب إخراجه من الأصل ، لا ثلث مجموع التركة ، وقد مرّ ذكر تقدّم الدين على الإرث في جملة من آيات الإرث .
اللّهم إلاّ أن يقال : إنّه لا منافاة بين تعيين المخرج بعنوان الثلث وخروج الواجبات المالية من الأصل ، غاية الأمر ظهور الثمرة في أنّه لو لم يف الثلث بتلك الواجبات يخرج ما بقي من الأصل ، بخلاف غيرها من الواجبات البدنيّة والاُمور التبرّعية ، وتظهر الثمرة في بعض الاُمور الاُخر ، فتدبّر .
(1) في 158 .
(الصفحة176)
مسألة : لو أوصى بوصايا متضادّة; بأن كانت المتأخّرة منافية للمتقدّمة ، كما لو أوصى بعين شخصيّة لواحد ، ثمّ أوصى بها لآخر ، أو أوصى بثلثه لشخص ، ثمّ أوصى به لآخر ، كانت اللاحقة عدولاً عن السابقة ، فيعمل باللاحقة ، ولو أوصى بعين شخصيّة لشخص ، ثمّ أوصى بنصفها مثلاً لشخص آخر، فالظاهر كون الثانية عدولاً بالنسبة إلى النصف لا التمام ، فيبقى النصف الآخر للأوّل1 .
1 ـ لو أوصى بوصايا متعدّدة متضادّة; بأن لا يمكن اجتماعها وكانت المتأخّرة منافية للمتقدّمة ، كما في المثالين المذكورين في المتن ، ضرورة أنّه لا يمكن أن تكون عين واحدة بأجمعها لأزيد من شخص ، وكذا الثلث الذي تنفذ الوصيّة فيه من دون افتقار إلى الإجازة كذلك ، وإن كان يخطر بالبال أنّ السيّد في الملحقات قد أنكر ذلك في كتاب القضاء(1) .
وكيف كان ، فعلى تقدير التضادّ كما هو المشهور(2) لو أوصى بوصايا كذلك حيث إنّ الوصية جائزة بالإضافة إلى الموصي كما سيأتي إن شاء الله تعالى من جهة ، والجمع بينها ممّا لا يكاد يمكن ، فلابدّ أن يقال بأنّ الوصيّة اللاحقة عدول عن السابقة ، وربما يتّفق ذلك كثيراً .
وقد ذكر في الذيل فرعاً ، وهو أنّه لو أوصى لشخص بتمام عين ، ثمّ أوصى لشخص آخر بنصف تلك العين ، فهل المنافاة تقتضي بطلان السابقة رأساً ، أو أنّ
(1) ملحقات العروة الوثقى : 2 / 123، فصل 11 مسألة 4 .
(2) راجع مختلف الشيعة : 6 / 322 مسألة 104 ، مسالك الأفهام : 6 / 162ـ 167 و190 ، كفاية الأحكام : 146 ، الحدائق الناضرة : 22 / 438 ـ 444 ، المسألة الخامسة ، رياض المسائل : 9 / 532 ، جواهر الكلام : 28 / 304ـ 309 و332 ـ 333 وغيرها من الكتب الفقهيّة .
(الصفحة177)
مسألة : متعلّق الوصيّة إن كان كسراً مشاعاً من التركة ـ كالثلث أو الربع ـ ملكه الموصى له بالموت والقبول ، وله من كلّ شيء ثلثه أو ربعه ، وشارك الورثة فيها من عين ما ملكه . هذا في الوصيّة التمليكيّة ، وأمّا في العهديّة ، كما إذا أوصى بصرف ثلثه أو ربع تركته في العبادات والزيارات ، كان الموصى به فيها باقياً على حكم مال الميّت ، فهو يشارك الورثة حين ما ملكوا بالإرث ; فكان للميّت من كلّ شيء ثلثه أو ربعه ، والباقي للورثة . وهذه الشركة باقية ما لم يفرز الموصى به عن مالهم ، ولم تقع القسمة بينهم وبين الموصى له ، فلو حصل نماء متّصل أو منفصل قبل القسمة كان بينهما ، ولو تلف شيء من التركة كان منهما .
وإن كان ما أوصى به مالاً معيّناً يساوي الثلث أو دونه اختصّ بالموصى له ، ولا اعتراض فيه للورثة ، ولا حاجة إلى إجازتهم ، لكن إنّما يستقرّ ملكيّة الموصى له أو الميّت في تمام الموصى به إذا كان يصل إلى الوارث ضعف ما أوصى به ، فإذا كان له مال عند الورثة بهذا المقدار استقرّت ملكيّة تمام المال المعيّن ، فللموصى له أو الوصيّ التصرّف فيه أنحاء التصرّفات ، وإن كان ما عدا ما عيّن غائباً توقّف ذلك على حصول مثليه بيد الورثة .
نعم ، للموصى له أو الوصيّ التصرّف في الثلث بمثل الانتقال إلى الغير ، بل لهما المطالبة بتعيين الثلث حتّى يتصرّفا فيه كيف شاءا وإن لم يكن للورثة التصرّف في الثلثين بوجه من الوجوه ، ولو لم يحصل بيد الورثة شيء
دائرة البطلان محدودة بمقدار التنافي وهو النصف دون النصف الآخر؟ وقد استظهر في المتن الثاني ، وهو الحقّ ; لأنّ توسعة البطلان بالإضافة إلى المقدار غير المنافي لا وجه لها أصلاً ، كما لايخفى .
(الصفحة178)
منه شاركوا الموصى له في المال المعيّن أثلاثاً ، ثلث للموصى له ، وثلثان للورثة1 .
1 ـ قد وقع التعرّض في هذه المسألة لاُمور :
الأمر الأوّل : أنّه في الوصية التمليكيّة المتوقّفة على القبول على خلاف ما ذكرنا; إن كان متعلّق الوصية الثلث أو ما دونه من الكسور يملكه الموصى له بمجرّد الموت والقبول ، ويشارك جميع الورثة فيه من حين ما ملكه ; لتحقّق الإشاعة الحقيقيّة حينئذ ، ويجري على جميع التركة ما يجري على الأموال المشتركة ، من دون أولويّة لصاحب بعض الأموال على الصاحب الآخر الشريك معه ، وعليه فالإفراز والتقسيم لابدّ وأن يلاحظ فيه رضى كلّ من الطرفين .
وبالجملة : لا يكون للمقام في هذه الصورة خصوصيّة أصلاً .
الأمر الثاني: أنّه في الوصيّة العهديّة إذا كان متعلّق الوصيّة كسراً مشاعاً; كالثلث أو ما دونه من الكسور التي لا تحتاج إلى إجازة الورثة ، كما أنّه لا يحتاج إلى القبول على ما عرفت(1) ، كما إذا أوصى بصرف ثلث تركته في الزيارات مثلاً ، فإذا تحقّق موت الموصي فاللازم أن يقال بأنّ الموصى به في هذه الصورة باقياً على حكم مال الميّت ، فكأنّه يشارك الورثة في حين ما كان الشريك في الأمر الأوّل هو الموصى له كما لاحظته ، فيكون للموصي الميّت في هذا الأمر الثلث الموصى به في المثال المذكور ، وهذه الشركة باقية إلى أن يفرز الموصى به عن مالهم ، وتتحقّق القسمة في الأمرين ، غاية الأمر أنّ طرفي القسمة في الأمر الأوّل هو الموصى له والورثة .
وأمّا في الأمر الثاني : فمع ملاحظة كون أحد الطرفين هو الميّت ، فهل الوصي
(1) في ص139 ـ 140.
(الصفحة179)
يقوم مقامه في هذه الجهة ، أو أنّ الورثة يجوز لهم القسمة في هذه الصورة ، أو أنّ المتصدّي لها هو الحاكم الشرعيّ؟ كلٌّ محتملٌ وإن كان الأقرب هو الوجه الأوّل ، ويجيء في العبارة إشعار إليه فانتظر .
الأمر الثالث : ما إذا كان ما أوصى به مالاً معيّناً يساوي الثلث أو دونه ، ففي الوصيّة التمليكيّة يختصّ المال الموصى به بالموصى له ، وفي الوصيّة العهديّة بالموصي ، لكن استقرار ملكيّة كلّ منهما في تمام الموصى به مشروط بأن يصل إلى الوارث ضعف ما أوصى به ، وحينئذ تتحقّق صورتان :
إحداهما : ما إذا كان له مال عند الورثة بمقدار الضعف ، فتستقرّ ملكيّة كلّ منهما لتمام المال المعيّن ، فللموصى له أو الوصيّ التصرّف فيه أنحاء التصرّفات .
ثانيتهما : أن يكون ما عدا المال المعيّن الموصى به غائباً ، وحينئذ يتوقّف الاستقرار المذكور على الحصول بيد الورثة ; لأنّه من الممكن عدم الحصول ، فتكون الورثة حينئذ محرومة من جميع التركة ، ثلثها بالوصيّة ، وثلثاها بالغيبة وعدم الحصول ، ولو لم يحصل بيد الورثة شيء منه شاركوا الموصى له في المال المعيّن أثلاثاً ، ثلث للموصى له ، وثلثان للورثة ، لما ذكره .
ثمّ إنّ ما ذكره في الذيل من أنّه يجوز للموصى له أو الوصيّ التصرّف في الثلث بمثل الانتقال إلى الغير ، بل لهما المطالبة بتعيين الثلث حتّى يتصرّفا فيه كيف شاءا وإن لم يكن للورثة التصرّف في الثلثين بوجه من الوجوه ، فإنّما هو راجع إلى الأمرين الأوّلين ، ضرورة أنّه لا معنى لمطالبة التعيين مع كون الموصى به معيّناً ، ولعلّ الوجه في التفصيل هو أنّ التركة عند الورثة غالباً ، فمع إرادة الموصى له أو الوصيّ التعيين ، فلهما مطالبة الورثة بذلك وإن كان لا يجوز لهما التصرّف في الثلثين بعد فرض الإشاعة .
(الصفحة180)
مسألة : يجوز للموصي أن يعيّن شخصاً لتنجيز وصاياه وتنفيذها ، فيتعيّن ، ويقال له : الموصى إليه والوصي، ويشترط فيه : البلوغ ، والعقل ، والإسلام ، فلا تصحّ وصاية الصغير ، ولا المجنون ، ولا الكافر عن المسلم وإن كان ذمّياً قريباً ، وهل يشترط فيه العدالة أم يكفي الوثاقة؟ لا يبعد الثاني وإن كان الأحوط الأوّل1 .
مسألة : إنّما لا تصحّ وصاية الصغير منفرداً ، وأمّا منضمّاً إلى الكامل فلا بأس به ، فيستقلّ الكامل بالتصرّف إلى زمان بلوغه ، فإذا بلغ شاركه من حينه ، وليس له الاعتراض فيما أمضاه الكامل سابقاً ، إلاّ ما كان على خلاف ما أوصى به الميّت ، فيردّه إلى ما أوصى به ، ولو مات الصغير أو بلغ فاسد العقل
1 ـ قد ظهر ممّا ذكرنا أنّه يجوز للموصي أن يعيّن شخصاً ولو كان أجنبيّاً لإنفاذ وصاياه وإجرائها في الخارج ، ويقال له : الموصى إليه ، وفي العرف العامّ الوصيّ ، ويشترط فيه اُمور ; وهي : البلوغ ، والعقل ، والإسلام ، والوجه فيه: أنّ الفاقد لأحد هذه الاُمور لا يكون ملزماً أو لا يرى نفسه ملزماً وإن كان بحسب الواقع مكلّفاً ، كالكافر ; لاشتراك الكافر مع المسلم في الفروع كالاُصول . نعم ، لا دليل على اعتبار العدالة في الوصيّ. وفي المتن نفى البُعد عن الاكتفاء بالوثاقة وإن كان الأحوط الأوّل.
ويمكن أن يقال بأنّه لا دليل على اعتبار الوثاقة أيضاً في أخذه وصيّاً وصيرورة الشخص كذلك; لأنّه لو أوصى إلى من لم يكن ثقة لا يقدح ذلك في صحّة الوصيّة وإن لم يحصل الاطمئنان للموصي بإجراء وصيّته وتنفيذها لأجل عدم وثاقته .
|