(الصفحة181)
كان للكامل الانفراد بالوصاية1 .
مسألة : لو طرأ الجنون على الوصيّ بعد موت الموصي ، فهل تبطل الوصاية أم لا؟ لا يخلو الثاني من وجه وإن لم تنفذ تصرّفاته ، فلو أفاق جازت التصرّفات ، لكن الأحوط نصب الحاكم إيّاه . نعم ، لو كان جنونه بحيث لا يُرجى زواله فالظاهر بطلانها2 .
1 ـ لا بأس بوصاية الصغير إذا كان منضمّـاً إلى الكامل ; لحصول الغرض بذلك وتحقّق الإلزام ، مضافاً إلى أنّ الصغر في معرض الزوال والانتقال إلى البلوغ ، فيستقلّ الكامل بالتصرّف إلى زمان بلوغه ، فإذا صار بالغاً شارك الكامل من حينه ، وليس له الاعتراض فيما أمضاه الكامل سابقاً إلاّ بالنسبة إلى ما يكون على خلاف الوصيّة ، فيردّه إليها ، ولو مات الصغير أو بلغ فاسد العقل فللكامل الانفراد والاستقلال ، كما هو ظاهر .
2 ـ لو كان الوصيّ عاقلاً حين الوصيّة وطرأ عليه الجنون بعد موت الموصي ، ففي المتن التفصيل بين الجنون الذي لا يرجى زواله ، فاستظهر بطلان الوصاية في هذه الصورة ، وبين الجنون الذي يرجى زواله ، فنفى خلوّ عدم البطلان بمجرّد العروض ، غاية الأمر عدم نفوذ تصرّفاته ما دام الجنون باقياً ، فلو تحقّقت الإفاقة جازت التصرّفات ، لكن مقتضى الاحتياط نصب الحاكم إيّاه بحيث يكون نفوذ تصرّفه مستنداً إلى الوصيّة ونصب الحاكم معاً ، أمّا جواز التصرّف ، فلأنّ المفروض تحقّق الإفاقة وزوال الجنون العارض بعد العقل في حال الوصيّة ، وأمّا كون مقتضى الاحتياط الاستحبابي ما ذكر ، فلاحتمال زوال العنوان الطارئ بعد الموت وحصول الإفاقة، خصوصاً مع كون المفروض غير صورة عدم
(الصفحة182)
مسألة : الأحوط أن لا يردّ الابن وصيّة والده ، ولا يجب على غيره قبول الوصاية ، وله أن يردّها ما دام الموصي حيّاً بشرط أن يبلغه الردّ ، وإن كان الأحوط الأولى أن لا يردّ فيما إذا لم يتمكّن الموصي من الإيصاء إلى غيره ، فلو كان الردّ بعد موت الموصي ، أو قبله ولكن لم يبلغه حتّى مات ، كانت الوصاية لازمة على الوصيّ وليس له الردّ ، بل لو لم يبلغه أنّه قد أوصى إليه وجعله وصيّاً إلاّ بعد موت الموصي ، لزمته الوصاية وليس له ردّها1 .
رجاء الزوال.
وممّا ذكرنا ظهر أنّه في هذه الصورة لو فرض زواله بعد كون عدمه مرجوّاً يصير كما في الصورة الاُخرى ، وأنّه يكشف عن عدم البطلان بالعروض مع عدم الرجاء ، كما لايخفى .
1 ـ قد وردت رواية واحدة ـ وفي طريقها سهل بن زياد ـ تدلّ على وجوب قبول الولد وصيّة والده ، وهي رواية عليّ بن الريّان (رئاب خ ل) قال : كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) : رجل دعاه والده إلى قبول وصيّته ، هل له أن يمتنع من قبول وصيّته؟ فوقّع (عليه السلام) : ليس له أن يمتنع(1) . ولأجلها جعل في المتن الاحتياط اللزومي في عدم الردّ باعتبار النقاش في سهل .
وأمّا غير الولد فلا يجب عليه قبول الوصاية بوجه ، بل له ردّها . نعم ، لجواز الردّ شرطان : أحدهما : كون الموصي حيّاً ، والثاني : بلوغه الردّ ، ويستفاد ذلك وما جعله أحوط الأولى من جملة من الروايات الواردة في
(1) الكافي : 7 / 7 ح6 ، الفقيه : 4 / 145 ح498 ، تهذيب الأحكام : 9 / 206 ح819 ، وعنها الوسائل : 19/322 ، كتاب الوصايا ب24 ح1 .
(الصفحة183)
مسألة : يجوز للموصي أن يجعل الوصاية لاثنين فما فوق ، فإن نصّ على الاستقلال والانفراد لكلّ منهما ، أو كان لكلامه ظهور فيه ـ ولو بقرينة حال
هذا المجال .
منها : رواية محمّد بن مسلم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إن أوصى رجل إلى رجل وهو غائب فليس له أن يردّ وصيّته ، وإن أوصى إليه وهو بالبلد فهو بالخيار ، إن شاء قبل ، وإن شاء لم يقبل(1) . فإنّ الظاهر أنّ التفصيل بين الغيبة والحضور في البلد إنّما هو بملاحظة إمكان بلوغه الردّ وعدمه ، وإذا كان الأمر في الغيبة كذلك ففي صورة الموت بطريق أولى .
ومنها : رواية الفضيل بن يسار، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل يوصى إليه ، قال : إذا بعث بها إليه من بلد فليس له ردّها ، وإن كان في مصر يوجد فيه غيره فذاك إليه(2) .
ومنها : رواية منصور بن حازم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا أوصى الرجل إلى أخيه وهو غائب فليس له أن يردّ عليه وصيّته ; لأنّه لو كان شاهداً فأبى أن يقبلها طلب غيره(3) .
(1) الكافي : 7 / 6 ح1 ، الفقيه : 4 / 144 ح496 ، تهذيب الأحكام : 9 / 205 ح814 ، وعنها الوسائل : 13/319 ، كتاب الوصايا ب23 ح1 .
(2) الكافي : 7 / 6 ح2 ، الفقيه : 4 / 144 ح497 ، تهذيب الأحكام : 9 / 159 ح654 وص205 ح85 ، وعنها الوسائل : 13 / 320 ، كتاب الوصايا ب23 ح2 .
(3) الكافي : 7 / 6 ح3 ، الفقيه : 4 / 145 ح500 ، تهذيب الأحكام : 9 / 206 ح816 ، وعنها وسائل الشيعة : 19/320 ، كتاب الوصايا ب23 ح3 .
(الصفحة184)
أو مقال ـ فيتّبع ، وإلاّ فليس لكلّ منهما الاستقلال بالتصرّف ; لا في جميع ما أوصى به ولا في بعضه ، وليس لهما أن يقسّما الثلث وينفرد كلّ منهما في نصفه ; من غير فرق في ذلك بين أن يشترط عليهما الاجتماع أو يطلق ، ولو تشاحّا ولم يجتمعا أجبرهما الحاكم على الاجتماع ، فإن تعذّر استبدل بهما ، هذا إذا لم يكن التشاحّ لاختلاف اجتهادهما ونظرهما ، وإلاّ فألزمهما على نظر ثالث إذا كان في أنظارهما تعطيل العمل بالوصاية ، فإن امتنعا استبدل بهما ، وإن امتنع أحدهما استبدل به1 .
1 ـ يجوز للموصي أن يجعل الوصاية لاثنين فما فوق ، فإن صرّح باستقلال كلّ منهما وانفراده ، أو كان لكلامه ظهور معتمد عليه عند العرف والعقلاء ـ ولو كان مستنداً إلى قرينة حاليّة أو مقاليّة ; لما عرفت مكرّراً من أنّ أصالة الظهور أعمّ من أصالة الحقيقة ـ فاللازم الاتّباع ، ومع الإطلاق وعدم التصريح بالاستقلال وعدم ظهور الوصيّة في ذلك لا يكون لكلّ منهما الاستقلال ، لا في الجميع ، ولا في البعض ، وليس لهما تقسيم الثلث فما زاد مع فرض الإجازة وانفراد كلّ منهما بالنصف .
ويدلّ عليه وعلى أصل الجواز في المسألة مثل مكاتبة محمّد بن الحسن الصفّار قال : كتبت إلى أبي محمّد (عليه السلام) : رجل كان أوصى إلى رجلين ، أيجوز لأحدهما أن ينفرد بنصف التركة والآخر بالنصف؟ فوقّع (عليه السلام) : لا ينبغي لهما أن يخالفا الميّت وأن يعملا على حسب ما أمرهما إن شاء الله تعالى(1) .
ورواية صفوان بن يحيى قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل كان لرجل عليه
(1) الكافي : 7 / 46 ح1 ، الفقيه : 4 / 151 ح523 ، تهذيب الأحكام : 9 / 185 ح745 ، الاستبصار : 4 / 118 ح448 ، وعنها وسائل الشيعة : 19 / 376 ، كتاب الوصايا ب51 ح1 .
(الصفحة185)
مسألة : لو مات أحد الوصيّين ، أو طرأ عليه الجنون أو غيره ممّا يوجب ارتفاع وصايته ، فالأحوط مع عدم استقلال كلّ منهما ضمّ الحاكم شخصاً إليه ، بل اللزوم لا يخلو من قوّة ، ولو ماتا معاً احتاج إلى النصب من قبله ، فهل اللازم نصب اثنين ، أو يجوز نصب واحد إذا كان كافياً؟ وجهان ، أحوطهما الأوّل ، وأقواهما الثاني1 .
مال فهلك وله وصيّان ، فهل يجوز أن يدفع إلى أحد الوصيّين دون صاحبه؟ قال : لا يستقيم إلاّ أن يكون السلطان قد قسّم بينهما المال ، فوضع على يد هذا النصف ، وعلى يد هذا النصف ، أو يجتمعان بأمر سلطان(1) . وغير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال ، فإنّ تقرير السائل على ثبوت الوصيّين دليل على الجواز ، والظاهر أنّ مورد السؤال صورة الإطلاق ، كما لايخفى .
ثمّ إنّه مع اشتراط الاجتماع عليهما أو الإطلاق ـ الذي عرفت أنّ حكمه عدم جواز الانفراد ولو بتقسيم مورد الوصيّة نصفين ـ لو وقع بينهما التشاحّ غير القابل للاجتماع أجبرهما الحاكم على الاجتماع ، ومع التعذّر يستبدل بهما ، هذا فيما إذا لم يكن التشاحّ والتخالف مستنداً إلى اجتهادهما ونظرهما الفقهي ، وإلاّ ففيما إذا كان في أنظارهما تعطيل العمل بالوصية يلزمهما الرجوع إلى الثالث ، ومع امتناعهما يستبدل بهما ، ومنه يظهر أنّه مع امتناع أحدهما فقط يستبدل به كذلك .
1 ـ لو مات أحد الوصيّين في مورد ثبوتهما ، أو طرأ عليه الجنون أو غيره ممّا يوجب ارتفاع وصايته ، كالعدول عن الإسلام ، ففي صورة كون وصايتهما بنحو
(1) التهذيب : 9 / 243 ح941 ، الاستبصار : 4 / 119 ح450 ، وعنهما وسائل الشيعة : 19 / 377 ، كتاب الوصايا ب51 ح2 .
(الصفحة186)
مسألة : يجوز أن يوصي إلى واحد في شيء وإلى آخر في غيره ، ولا يشارك أحدهما الآخر1 .
الاستقلال والانفراد لا يقدح ذلك في بقاء وصاية الآخر ، ولا حاجة إلى ضمّ الحاكم شخصاً آخر إليه بعد فرض الاستقلال ، وفي صورة العدم إمّا للتصريح بعدم الاستقلال ، أو للإطلاق المحمول عليه كما عرفت ، احتاط في المتن بضمّ الحاكم شخصاً آخر إليه ، بل قال : اللزوم لا يخلو من قوّة ; لأنّه يكون مقصود الموصي عدم الانفراد ، فمع الموت العارض لأحدهما يقيم مقامه الحاكم شخصاً آخر .
ولو مات كلا الوصيّين فلا شبهة في الاحتياج إلى النصب من قبل الحاكم ، لكن الكلام في أنّ اللازم هو نصب اثنين ، كما كان في الوصيّين ، أو يجوز نصب واحد؟ ومورد البحث ما إذا كان الواحد كافياً لإجراء الوصيّة والعمل بمفادها . وأمّا مع عدم الكفاية ، كما إذا كانت دائرة الوصيّة وسيعة جدّاً ، بحيث لا يكفي الواحد لإجرائها وتنفيذها ، فلا شبهة في لزوم نصب اثنين .
قد احتمل في المتن في المسألة وجهين ، واحتاط بالأوّل ، وقوّى الثاني . أمّا وجه الاحتياط فواضح . وأمّا وجه أقوائيّة الثاني مطلقاً; أي في صورة الاستقلال وصورة عدمه ، كما يظهر من إطلاق الكلام في هذا الفرع ، فواضح أيضاً بالإضافة إلى صورة الاستقلال . وأمّا مع فرض عدمه مع فرض كفاية الواحد ، فلأجل أنّه لا دليل على لزوم نصب أزيد من واحد وإن كان لا يبعد أن يقال باللزوم ، كما نفى خلوّه عن القوّة في موت أحد الوصيّين مع عدم الاستقلال ، ودعوى اختصاص كلامه في موت الوصيّين معاً بهذه الصورة خالية عن الشاهد ، فتدبّر جيّداً .
1 ـ كما أنّه يجوز أن يجعل وصيّين في مجموع الوصيّة ، يجوز له التبعيض ; بأن
(الصفحة187)
مسألة : لو قال : «أوصيت إلى زيد فإن مات فإلى عمرو» صحّ ويكون وصيّاً بعد موته . وكذا لو قال : «أوصيت إلى زيد ، فإن كبر ابني ، أو تاب عن فسقه ، أو اشتغل بالعلم فهو وصيّي» فإنّه يصحّ وتنتهي وصاية زيد بحصول ما ذكر1 .
مسألة : لو ظهرت خيانة الوصيّ فعلى الحاكم عزله ونصب شخص آخر
يوصي إلى واحد في شيء وإلى آخر في غيره ، ولا يشارك أحدهما الآخر ، وإن شئت قلت : هما وصيّتان غير متضادّتين ; لاختلاف المتعلّق ، فتأمّل .
1 ـ كما أنّه يجوز جعل وصيّين أو أزيد في عرض واحد مع التصريح بالاستقلال ، أو ظهور كلامه في ذلك على ما عرفت(1) ، يجوز جعلهما بنحو الترتيب ، كما إذا قال : «أوصيت إلى زيد ، فإن مات فإلى عمرو» ولا يتصوّر فيه غير فرض الاستقلال ، وكذا لو كان له ابن صغير ، أو ابن كبير فاسق ، أو غير مشتغل بالعلوم المعمولة الحوزويّة ، فقال : «أوصيت إلى زيد ، فإن كبر ابني وصار رشيداً ، أو تاب عن فسقه الذي ارتكبه ، أو صار من المشتغلين بالعلوم الرائجة في الحوزات العلميّة فهو وصيّي» وإن لم يمت زيد ولم يعرض له شيء فهو صحيح ، وتنتهي وصاية زيد مع حصول ما ذكر ، وهكذا الحال بالإضافة إلى غير الابن ، كما لو قال : «أوصيت إلى زيد ، فإن بلغ عمرو المشتغل بالعلوم الحوزويّة إلى ما يسمّى اصطلاحاً بالسطوح العالية فهو وصيّي» فإنّه يصحّ في الجميع ، ولا مجال لاحتمال البطلان في بعضها بعد كون الأمر بيد الموصي من الجهات المختلفة في الكيفيّة والكمّية على ما عرفت .
(1) في ص184 .
(الصفحة188)
مكانه ، أو ضمّ أمين إليه حسب ما يراه من المصلحة ، ولو ظهر منه العجز عن الاستقلال ضمّ إليه من يساعده . وأمّا إن عجز عن التدبير والعمل مطلقاً ـ بحيث لا يرجى زواله ـ كالهرم الخرف ، فالظاهر انعزاله ، وعلى الحاكم نصب شخص آخر مكانه1 .
مسألة : لو لم ينجز الوصيّ ما اُوصي إليه في حياته ، ليس له أن يجعل
1 ـ في هذه المسألة فروع :
الأوّل : ما لو ظهرت خيانة الوصيّ الواحد غير الجائزة بمقتضى قوله تعالى : {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ}(1) الآية ، فالواجب على الحاكم عزله أوّلاً ، ثمّ أحد أمرين : هما نصب شخص آخر مكانه ، وضمّ أمين إليه حسب ما يراه من المصلحة بعد عزل الوصيّ عن الوصاية المستقلّة لا محالة .
الثاني : ما لو ظهر من الوصيّ الواحد العجز عن الاستقلال وتنفيذ الوصيّة بتمامها ، فالمتعيّن على الحاكم في هذا الفرع ضمّ من يساعده إليه ، ولا يجوز له العزل ونصب آخر مقامه ; لعدم تحقّق الخيانة منه ، كما هو المفروض .
الثالث : ما لو عجز الوصيّ عن التدبير والعمل مطلقاً ولا يرجى زوال عذره ، كالهرم الخرف الذي يكون مرور الزمان موجباً لزيادة نقصه على القاعدة ، والظاهر من المتن أنّه لا حاجة في هذه الصورة إلى عزل الحاكم ، بل ينعزل بنفسه ; لفقدان ما هو المعتبر في صحّة جعله وصيّاً ، بل اللازم على الحاكم نصب شخص آخر مكانه ; لفرض وحدة الوصيّ كما هو ظاهر .
(1) سورة البقرة : 2 /181 .
(الصفحة189)
وصيّاً لتنجيزه بعد موته إلاّ إذا كان مأذوناً من الموصي في الإيصاء1 .
مسألة : الوصيّ أمين ، فلا يضمن ما كان في يده إلاّ مع التعدّي أو التفريط ولو بمخالفة الوصيّة ، فيضمن لو تلف2 .
مسألة : لو أوصى إليه بعمل خاصّ أو قدر مخصوص أو كيفيّة خاصّة ، اقتصر عليه ولم يتجاوز إلى غيره ، وأمّا لو أطلق; بأن قال : «أنت وصيّي» من دون ذكر المتعلّق ، فالأقرب وقوعه لغواً ، إلاّ إذا كان هناك عرف خاصّ وتعارف يدلّ على المراد فيتّبع ، كما في عرف بعض الطوائف ، حيث إنّ مرادهم بحسب الظاهر الولاية على أداء ما عليه من الديون ، واستيفاء ما له على الناس ، وردّ الأمانات والبضائع إلى أهلها ، وإخراج ثلثه وصرفه فيما ينفعه ولو بنظر الحاكم ; من استئجار العبادات ، وأداء الحقوق الواجبة والمظالم ونحوها . نعم ، في
1 ـ لو لم ينجز الوصيّ ما اُوصي إليه في حياته لأيّة جهة كان ولو عمداً ، وظهرت عليه أمارات الموت ، أو مع عدم ظهورها أيضاً ، وفرض عدم إرادة العمل بالوصيّة بنفسه وبالمباشرة ، ليس له أن يجعل وصيّاً لتنجيزها بعد موته ، كما أنّه ليس له ذلك في حال حياته إلاّ في بعض الاُمور التي يتعارف التوكيل فيها ; لأنّ حقّ الوصاية بيد الموصي وباختياره ، إلاّ إذا أذن له في الإيصاء إلى الغير ، فتجوز له .
2 ـ لا شبهة في أنّ الوصيّ كالوكيل أمين ، وهو غير ضامن إلاّ في صورة التعدّي أو التفريط . نعم ، يتحقّق الموجب للضمان هنا بنفس مخالفة الوصيّة ، فيصير الوصيّ ضامناً مع فرض التلف ، كما لو أوصى بإطعام عشرة مساكين في كلّ سنة مثلاً ، فأطعم من مال الموصي أزيد من ذلك ، فإنّه ضامن للزيادة .
(الصفحة190)
شموله بمجرّده للقيمومة على الأطفال تأمّل وإشكال ، فالأحوط أن يكون تصدّيه لاُمورهم بإذن من الحاكم ، وبالجملة : المدار هو التعارف بحيث يكون قرينة على مراده ، فيختلف باختلاف الأعصار والأمصار1 .
مسألة : ليس للوصيّ أن يعزل نفسه بعد موت الموصي ، ولا أن يفوّض أمر الوصيّة إلى غيره . نعم ، له التوكيل في بعض الاُمور المتعلّقة بها ممّا لم يتعلّق الغرض إلاّ بوقوعها من أيّ مباشر كان ، خصوصاً إذا كان ممّا لم يجر العادة على
1 ـ لا يجوز للوصيّ التصرّف المغاير للكيفيّة المأخوذة في الوصيّة ; سواء كانت راجعة إلى عمل خاصّ ، أو قدر مخصوص ، أو كيفيّة معيّنة ، وإلاّ فتشمله آية التبديل المشار إليها آنفاً .
وأمّا لو أطلق الموصي الوصيّة; بأن قال : «أنت وصيّي» من دون ذكر المتعلّق ، فقد استقرب في المتن وقوعه لغواً ; لخلوّه عن ذكر المتعلّق ، واستثنى ما إذا كان هناك عرف خاصّ دالّ على المراد فيتّبع ; لأنّه بمنزلة ذكر المتعلّق وقرينة عليه ، كما في عرف بعض الطوائف بالإضافة إلى الاُمور المذكورة في المتن ، والوجه فيه : أنّ العرف قرينة على تعيين المراد ، فاللازم اتّباعه لأصالة الظهور .
ثمّ إنّ في شمول الوصيّة المطلقة غير المأخوذة في متعلّقها شيء للأولاد الصغار والأطفال تأمّلاً وإشكالاً ، كما في المتن ; لاختلاف الوصاية والقيموميّة عنواناً . نعم ، حيث يمكن أن يكون في عرف الموصي دائرة الوصاية المطلقة شاملة للقيموميّة ، فالأحوط اللزومي بعد الرجوع إلى الحاكم تعيين الحاكم إيّاه بعنوان القيّم لو كان صالحاً له ، وعدم التعدّي عنه ، وبالجملة : فالمعيار هو العرف ، وهو يختلف باختلاف الأشخاص والموارد ، واختلاف الأعصار والأمصار ، كما لا يخفى .
(الصفحة191)
مباشرة أمثال هذا الوصيّ ، ولم يشترط عليه المباشرة1 .
مسألة : لو نسي الوصيّ مصرف الوصيّة مطلقاً ، فإن تردّد بين أشخاص محصورين يقرع بينهم على الأقوى ، أو جهات محصورة يقسّط بينها ، وتحتمل القرعة ، ويحتمل التخيير في صرفه في أيّ الجهات شاء منها ، ولا يجوز صرفه في مطلق الخيرات على الأقرب . وإن تردّد بين أشخاص أو جهات غير محصورة ، يجوز صرفه في الخيرات المطلقة في الأوّل ، والأولى عدم الخروج عن طرف الشبهة ، وجهة من الجهات في الثاني بشرط عدم الخروج عن أطراف الشبهة2 .
1 ـ لا يجوز للوصيّ عزل نفسه بعد موت الموصي ، لما عرفت(1) من عدم جواز الردّ بعده ، فضلاً عمّا إذا كان مسبوقاً بالقبول ، كما أنّه لا يجوز له تفويض أمر الوصيّة إلى الغير بحيث صار الغير وصيّاً مكانه . نعم ، له التوكيل في بعض الاُمور المتعلّقة بالوصية مع حفظ كون الوصيّ نفسه ، بشرط عدم اشتراط المباشرة عليه وعدم تعلّق الغرض إلاّ بوقوعها من أيّ مباشر كان ، خصوصاً مع عدم جريان العادة على مباشرة أمثال هذا الوصيّ ; لمغايرته مع شأنه أو لغير ذلك من الجهات .
2 ـ لو نسي الوصيّ مصرف الوصيّة مطلقاً ، ففي المسألة صورتان :
الاُولى : ما إذا تردّد بين أشخاص محصورين ، أو جهات محصورة ، ففي الأوّل لا محيص عن الرجوع إلى القرعة التي هي لكلّ أمر مشكل في حقوق الناس قطعاً ، ومسألة درهم الودعي على خلاف القاعدة ، لا يجوز التعدّي عن موردها ، فضلاً
(1) في ص182 ـ 183 .
(الصفحة192)
عن استفادة الضابطة منها ، وتسمية تلك الضابطة قاعدة العدل والإنصاف .
وفي الثاني، قد احتمل فيه في المتن احتمالات ثلاثة :
أحدها: التقسيط بينها; وذلك لأجل عدم وجود المرجّح وعدم كونها من حقوق الناس ; مثل ما إذا كان متعلّق الوصية المنسيّ هو بناء القنطرة ، أو بناء المسجد ، أو بناء المكتب مثلاً ، فلازم عدم المرجّح وعدم كونها من حقوق الناس التقسيط .
ثانيها : القرعة ; لأنّ هذه الاُمور ممّا تشبه حقوق الناس التي هي مجرى القرعة كما عرفت ; لتعلّق تلك الاُمور بهم واستفادتهم منها .
ثالثها : التخيير في أيّة جهة شاء من الجهات بعد عدم وجود المرجّح ، وعدم كونها من حقوق الناس عرفاً وأصالة ، ولا يجوز الصرف في مطلق الخيرات بعد كون الجهات محصورة ، وخروج ما عدا المحصورة عن أطراف الشبهة .
الثانية : ما إذا تردّد بين أشخاص غير محصورين عرفاً ، أو جهات غير محصورة كذلك ، ولا مجال هنا للقرعة بعد كون الأطراف غير محصورة ، فيجوز صرفه في الخيرات المطلقة في الأوّل ، وجهة من الجهات في الثاني ، بشرط عدم الخروج عن أطراف الشبهة .
وما يشعر به أو يدلّ عليه ظاهر العبارة من أنّ اعتبار عدم الخروج عن أطراف الشبهة إنّما يكون في الأوّل بنحو الأولويّة ، وفي الثاني بنحو التعين واللزوم ، فالظاهر أنّه لا مجال للفرق بين الموردين ، بل اللازم في كليهما عدم الخروج عن أطراف الشبهة وإن كانت غير محصورة عرفاً ، فتدبّر جيّداً .
ثمّ إنّه قد وردت في مثل موضوع المسألة مكاتبة محمّد بن الريّان ، وفي طريقها سهل بن زياد في جميع الطرق التي رواها المشايخ الثلاثة ، قال : كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) أسأله عن إنسان أوصى بوصيّة فلم يحفظ الوصيّ إلاّ باباً واحداً منها ،
(الصفحة193)
مسألة : لو أوصى الميّت وصيّة عهديّة ولم يعيّن وصيّاً ، أو بطل وصاية من عيّنه بموت أو جنون أو غير ذلك ، تولّى الحاكم أمرها ، أو عيّن من يتولاّه ، ولو لم يكن الحاكم ولا منصوبه تولاّه من المؤمنين من يوثق به1 .
مسألة : يجوز للموصي أن يجعل ناظراً على الوصيّ ، ووظيفته تابعة لجعله ، فتارةً : من جهة الاستيثاق على وقوع ما أوصى به يجعل الناظر رقيباً على الوصيّ; بأن يكون أعماله باطّلاعه ، حتّى أنّه لو رأى منه خلاف ما قرّره الموصي لاعترض عليه ، واُخرى : من جهة عدم الاطمئنان بأنظار الوصيّ والاطمئنان بأنظار الناظر ، يجعل على الوصيّ أن يكون أعماله على طبق نظره ، ولا يعمل إلاّ ما رآه صلاحاً ، فالوصيّ وإن كان وليّاً مستقلاًّ في التصرّف ، لكنّه
كيف يصنع في الباقي؟ فوقّع (عليه السلام) : الأبواب الباقية اجعلها في البرّ(1) .
1 ـ لو أوصى الميّت وصيّة عهدية مفتقرة إلى الإجراء ولم يعيّن وصيّاً أصلاً ، أو عيّن الوصيّ ولكن بطلت وصايته بموت أوجنون لا يرجى زواله ، أو غير ذلك ، فعلى الحاكم أن يتولّى أمر الوصيّة بالمباشرة أو بنصب من يتولاّه ، ولو لم يكن الحاكم ولا منصوبه ، أو لم يمكن اطّلاع الحاكم على هذه الجهة ، لبعده أو جهة اُخرى ، فالمتولّي هو المؤمنون ، ولا يشترط فيهم العدالة وإن كان المعروف أنّه مع عدم الحاكم تصل النوبة إلى عدول المؤمنين ، لكن حيث إنّه لا تشترط العدالة في الوصيّ المعيّن الباقي على وصايته لا تشترط في المؤمنين أيضاً ، بل تكفي الوثاقة .
(1) الكافي : 7 / 58 ح7 ، الفقيه : 4 / 162 ح565 ، تهذيب الأحكام : 9 / 214 ح844 ، وعنها وسائل الشيعة : 19/393 ، كتاب الوصايا ب61 ح1 .
(الصفحة194)
غير مستقلّ في الرأي والنظر ، فلا يمضي من أعماله إلاّ ما وافق نظر الناظر ، فلو استبدّ الوصيّ بالعمل على نظره من دون مراجعة الناظر واطّلاعه ، وكان عمله على طبق ما قرّره الموصي ، فالظاهر صحّته ونفوذه على الأوّل ; بخلافه على الثاني ، ولعلّ الغالب المتعارف في جعل الناظر في الوصايا هو النحو الأوّل1 .
1 ـ قد مرّ أنّه يجوز للموصي أن يجعل ناظراً على الوصيّ ، ووظيفته تابعة لجعله ، والظاهر أنّ الغرض من المسألة بيان ذلك بنحو التفصيل ، وتوضيحه أنّ الناظر على قسمين :
الأوّل : الناظر الاستطلاعي أو الاستيثاقي ، والمقصود منه هو من كان الغرض من جعله هو الاستيثاق على وقوع الوصيّة بتمامها كمّاً وكيفاً ، وكونه مراقباً على الوصيّ ، ولازمه أن يكون الوصيّ عمله متوقّفاً على اطّلاعه ، حتّى أنّه لو رأى منه خلاف ما قرّره الموصي لاعترض عليه وأرجعه إلى ما قرّره ، وذكر في الذيل أنّ الغالب المتعارف في جعل الناظر في الوصايا هو هذا النحو .
الثاني : الناظر الاستصوابي ، والمقصود منه من كان الغرض من جعله هي رعاية أنظاره وتشخيصاته من جهة عدم الاطمئنان بصحّة أنظار الوصيّ والاطمئنان بأنظار الناظر ، وفي هذه الصورة يجعل على الوصيّ ويحكم عليه بأن تكون أعماله على طبق نظر الناظر ، وأن لا يعمل إلاّ ما يراه مصلحة ، فالوصيّ وإن كان مستقلاًّ في التصرّف ، لكنّه غير مستقلّ في الرأي والنظر ، ولعلّ السرّ في التفكيك هو وثاقة الوصيّ دون الناظر وإن كانت آراؤه أصلح وأنظاره أنفع ، أو أصلحية نظره بالإضافة إلى الوصيّ ، أو غير ذلك من الجهات .
والثمرة بين القسمين بعد اشتراكهما في عمل الوصيّ على طبق ما قرّره الموصي وعيّنه ، أنّه في القسم الأوّل يصحّ عمله وإن لم يراجع الناظر ، وفي القسم الثاني
(الصفحة195)
مسألة : يجوز للأب مع عدم الجدّ ، وللجدّ للأب مع فقد الأب، جعل القيّم على الصغار ، ومعه لا ولاية للحاكم ، وليس لغيرهما أن ينصب القيّم عليهم حتّى الاُمّ1 .
مسألة : يشترط في القيّم على الأطفال ما اشترط في الوصيّ على المال ، والأحوط اعتبار العدالة ، وإن كان الاكتفاء بالأمانة ووجود المصلحة
تكون صحّة عمله الكذائي متوقّفة على مراجعة الناظر وتصويبه ، فلا يصحّ بدون ذلك وإن لم يكن مخالفاً للوصيّة .
1 ـ يجوز لكلّ من الأب والجدّ للأب ـ الثابتة لهما الولاية الشرعيّة على أولاد الميّت الصغار ـ جعل القيّم عليهم مع عدم الآخر ، فيجوز للأب مع عدم الجدّ له ذلك ، كما أنّه يجوز للجدّ من الأب على تقدير فقد الأب ذلك ، وذلك لأنّه على تقدير وجود الآخر تكون الولاية الشرعيّة له ، ولا تصل النوبة إلى الحاكم ، فضلاً عن غيره ، كما أنّه لا تكون الولاية لغيرهما حتّى الاُمّ ولو مع فقدهما . نعم ، في هذه الصورة تصل النوبة إلى الحاكم أو مثله ، كما في سائر المقامات .
وبالجملة : المقصود من هذه المسألة أمران :
أحدهما : أنّ جواز جعل أحد الوليّين ـ الأب والجدّ للأب ـ القيّم على الصغار مشروط بفقد الآخر ; لأنّه مع وجوده يكون الوليّ الشرعي موجوداً ، ولا مجال معه للقيّم بوجه .
ثانيهما : أنّ الاُمّ لا تصلح لنصب القيّم مطلقاً ; أي سواء وجد الأب أو الجدّ للأب أو فقد كلاهما ، بل الأمر مع الحاكم .
(الصفحة196)
ليس ببعيد1 .
مسألة : لو عيّن الموصي على القيّم تولّي جهة خاصّة وتصرّفاً مخصوصاً ، اقتصر عليه ، ويكون أمر غيره بيد الحاكم أو المنصوب من قبله ، فلو جعله قيّماً في حفظ ماله وما يتعلّق بإنفاقه مثلاً ليس له الولاية على أمواله بالبيع والإجارة ونحوهما ، وعلى نفسه بالإجارة ونحوها ، وعلى ديونه بالوفاء والاستيفاء . ولو أطلق وقال : «فلان قيّم على أولادي» مثلاً ، كان وليّاً على
1 ـ يشترط في القيّم على الأطفال ما اشترط في الوصيّ على المال ; لأنّ مرجع الأوّل في صورة كون النصب من قبل الأب أو الجدّ للأب مع انتفاء الآخر إلى نوع وصيّة ; لأنّ القيمومة هي الوصاية على الأطفال في مقابل الوصي على المال ، فلا معنى لاحتمال كونه أهون منه ، وإن كان قد نفى البُعد في المتن عن عدم اعتبار العدالة والاكتفاء بالأمانة ووجود المصلحة في القيّم ، كما عرفت أنّه يكفي في الوصيّ الوثاقة(1) .
ولعلّ الوجه في كلتا المسألتين أنّ اعتبار العدالة التي هي مرتبة تالية من العصمة في الوصيّ والقيّم يوجب الوقوع في الحرج الشديد ، وعدم تحقّق الوصيّ والقيّم في كثير من الموارد ; لقلّة من كان واجداً لصفة العدالة ، وكثرة الافتقار إلى الوصيّ أو القيّم ، فاللازم التوسعة بمقدار الوثاقة كما لا يخفى ، مضافاً إلى أنّه لا دليل على اعتبار العدالة في شيء من الموردين ، ولذا نفى البُعد عن الاكتفاء بالوثاقة في الوصيّ والأمانة ووجود المصلحة في القيّم ، فتدبّر جيّداً .
ويؤيّده أنّه ربما لا يكون العادل حاضراً بقبول الوصاية أو القيمومة .
(1) في ص180 .
(الصفحة197)
جميع ما يتعلّق بهم ممّا كان للموصي الولاية عليه ، فله الإنفاق عليهم بالمعروف ، والإنفاق على من عليهم نفقة ، وحفظ أموالهم ، واستنماؤها ، واستيفاء ديونهم ، وإيفاء ما عليهم ، كأرش ما أتلفوا من أموال الناس ، وكذا إخراج الحقوق المتعلّقة بأموالهم ، كالخمس وغير ذلك ، وفي ولايته على تزويجهم كلام يأتي في محلّه إن شاء الله تعالى1 .
مسألة : يجوز جعل الولاية على الأطفال لاثنين فما زاد بالاستقلال
1 ـ لو عيّن الموصي على القيّم التصدّي لجهة خاصّة وتصرّف مخصوص ، يلزم على القيّم الاقتصار على ما عيّن ، ويكون أمر غيره بيد الحاكم أو المنصوب من قبله ، كالمثال المذكور في المتن ، والمقصود من قوله : وعلى نفسه بالإجارة في المثال هو الإجارة للصغير على العمل في مقابل إجارة الأعيان كالدار ومثلها .
ولو أطلق وقال : «فلان قيّم على أولادي» ولم يعيّن جهة خاصّة وتصرّفاً مخصوصاً ، فظاهره ثبوت الولاية للقيّم في جميع ما كان للموصي الولاية عليه في حال الحياة بالإضافة إلى أولاده الصغار ، فله ماله كالأمثلة المذكورة في المتن التي منها : إيفاء ما عليهم ، كأرش ما أتلفوا من أموال الناس ، نظراً إلى عدم اختصاص الأحكام الوضعيّة التي منها ضمان ما أتلفه من مال الغير بالبالغين ، ومنها : إخراج الحقوق المتعلّقة بأموالهم كالخمس ; لأنّه ليس مجرّد تكليف ، بل أمر وضعي ثابت بنحو الإشاعة أو الكلّي في المعيّن أو غيرهما . نعم ، في ولاية القيّم على تزويج الصغير والصغيرة مع المصلحة كلام مذكور في كتاب النكاح(1) .
(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب النكاح : 111 ـ 113 .
(الصفحة198)
والاشتراك ، وجعل الناظر على الوصيّ كالوصيّة بالمال1 .
مسألة : يُنفق الوصيّ على الصبيّ من غير إسراف ولا تقتير ، فيطعمه ويلبسه عادة أمثاله ونظرائه ، فإن أسرف ضمن الزيادة ، ولو بلغ فأنكر أصل الإنفاق ، أو ادّعى عليه الإسراف ، فالقول قول الوصيّ بيمينه ، وكذا لو ادّعى عليه أنّه باع ماله من غير حاجة ولا غبطة . نعم ، لو اختلفا في دفع المال إليه بعد البلوغ فادّعاه الوصيّ وأنكره الصبيّ ، قُدّم قول الصبيّ ، والبيّنة على الوصيّ2 .
1 ـ كما يجوز جعل الوصاية لاثنين فما زاد بالاستقلال أو الاشتراك ، كذلك يجوز بالإضافة إلى القيّم على الأطفال ، وكما يجوز جعل الناظر على الوصيّ في الوصيّة بالمال كذلك يجوز جعل الناظر على القيّم ، والأنسب التعبير بالقيّم مكان الوصيّ ، فتدبّر جيّداً .
2 ـ يجب على القيّم سواء كان منصوباً من قبل أحد الوليّين الشرعيّين; وهما الأب والجدّ للأب على ما تقدّم ، أو من قبل الحاكم الشرعيّ أن ينفق على الصبيّ ; سواء كان واحداً أو أكثر ، من دون إسراف وزيادة ولا تقتير ونقيصة ، بل يطعمه ويلبسه عادة أمثاله ونظرائه ورعايةً لشؤونه المرعيّة في العرف ، فإن أسرف ضمن الزيادة ولو لم يدّع الصبيّ بعد البلوغ ذلك ; لما مرّ(1) من أنّ الأمين لا يكون ضامناً ما دام لم يتعدّ ولم يفرط ، فمع وجود أحد العنوانين يصير ضامناً; لما قرّر في محلّه من البحث في القواعد الفقهيّة ، كما قرّرناه في كتابنا في هذا المجال(2) .
(1) في ص189.
(2) القواعد الفقهيّة للمؤلّف دام ظلّه : 1 / 27 ـ 43 .
(الصفحة199)
ولو بلغ ووقع الاختلاف بينه وبين القيّم ففيه صور تالية :
الاُولى : أن ينكر الصبيّ البالغ أصل الإنفاق ، أو ادّعى عليه الإسراف ، وفي المتن القول قول الوصيّ ـ أي القيّم ـ مع يمينه ، والسرّ فيه مخالفة الأوّل للظاهر ، حيث إنّه يقتضي تحقّق الإنفاق عليه لتدوم حياته ويصير بالغاً ، ضرورة أنّه بدونه لا يكاد أن يتحقّق البلوغ ، ومخالفة الثاني للأصل ، حيث إنّه يقتضي عدم الزيادة ; سواء كانت من جهة الكمّية أو الكيفيّة . وإن جعل الملاك في تشخيص المدّعي من المنكر العرف دون الظاهر والأصل كما قوّيناه في كتاب القضاء(1) ، فالظاهر أنّ العرف يحكم بكون البالغ مدّعياً عليه البيّنة ، والقيّم منكراً يقبل قوله مع اليمين في صورة عدم البيّنة للمدّعي .
الثانية : أن يدّعي البالغ على القيّم أنّه باع ماله من دون حاجة ولا مصلحة ، وفي المتن أنّها كالصورة الاُولى ; لما عرفت في تشخيص المدّعي ـ الذي عليه البيّنة ـ عن المدّعى عليه الذي يكون عليه اليمين ، مضافاً إلى موافقة قول القيّم للظاهر ، فإنّه يقتضي عدم تحقّق البيع من دون حاجة ولا مصلحة ، كما هو كذلك بالإضافة إلى بيع مال نفسه ، كما لا يخفى .
الثالثة : أن يدّعي القيّم دفع مال اليتيم إليه بعد بلوغه ورشده ، وأنكره البالغ كذلك ، وفي هذه الصورة يكون القول قول الصبيّ مع عدم البيّنة للوليّ القيّم ; لأنّه مضافاً إلى أنّ مقتضى الأصل عدم الدفع إليه يكون مقتضى المناط الذي ذكرناه ذلك أيضاً ; لأنّ القيّم يدّعي الدفع ، والبالغ ينكره كما هو ظاهر .
(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب القضاء والشهادات : 75 ـ 77 .
(الصفحة200)
مسألة : يجوز للقيّم الذي يتولّى اُمور اليتيم أن يأخذ من ماله اُجرة مثل عمله ; سواء كان غنيّاً أو فقيراً وإن كان الأحوط الأولى للأوّل التجنّب . وأمّا الوصيّ على الأموال ، فإن عيّن الموصي مقدار المال الموصى به ، وطبّقه على مصرفه المعيّن بحيث لم يبق شيئاً لاُجرة الوصيّ ، واستلزم أخذها إمّا الزيادة على المال الموصى به ، أو النقصان في مقدار المصرف ، لم يجز له أن يأخذ الاُجرة لنفسه . وإن عيّن المال والمصرف على نحو قابل للزيادة والنقصان ، كان حاله حال متولّي الوقف; في أنّه لو لم يعيّن له جعلاً معيّناً جاز له أن يأخذ اُجرة مثل عمله ، كما إذا أوصى بأن يصرف ثلثه أو مقداراً معيّناً من المال في بناء القناطر وتسوية المعابر وتعمير المساجد1 .
1 ـ قد وقع التعرّض في هذه المسألة للفرق بين القيّم على اليتيم والوصي على الأموال من بعض الجهات ، وتوضيحه :
أنّه يجوز للقيّم أن يأخذ من مال اليتيم اُجرة مثل عمله ، من دون فرق بين ما إذا كان غنيّاً أو فقيراً ، وذلك لأنّ عمل المسلم محترم وله أجر فيما إذا كان بأمر من له الأمر ، وإن كان الأحوط الأولى للغنيّ غير المحتاج عدم الاستفادة من مال اليتيم الذي جعل أكله ظلماً أكلاً في بطونهم النار في الكتاب العزيز(1) ، وهو يدلّ على كمال مراقبة مال اليتيم ولزوم التحفّظ والاجتناب منه .
وأمّا الوصيّ على الأموال ، ففيه تفصيل مرجعه إلى :
أنّه لو عيّن الموصي مقدار المال الموصى به ، ولازم تطبيقه على المصرف المعيّن عدم بقاء شيء لاُجرة الوصي ، واستلزم أخذ الاُجرة ، إمّا الزيادة على المال الموصى
(1) سورة النساء : 4 / 10 .
|