(الصفحة61)
ومنها اُجرة المخرج لو لم يكن متبرّعاً في ذلك، وإن لم يكن الإخراج بأمر من المالك فالأمر أيضاً كذلك . غاية الأمر عدم استثناء مؤونة الإخراج; لأنّه لم يكن بأمره وليس عليه ضمان، فيجب الخمس مطلقاً .
نعم ، في صورة كون الإخراج بإذن المالك قد يكون مرجع الإذن إلى ثبوت المخرج للمأذون، والظاهر أنّ الحكم في هذه الصورة ثبوت الخمس على المأذون المخرج بعد استثناء المؤونة، كما لا يخفى .
ثمّ إنّ بعض الأعلام (قدس سره) استشكل في أصل إطلاق الحكم المنسوب إلى المشهور، وخلاصة ما أفاده في هذا المجال يرجع إلى أنّ الأراضي وإن كانت قابلة للنقل والانتقال الاختياري أو غير الاختياري، إلاّ أنّ ملكيّتها تنتهي بالأخرة إلى سبب واحد موجب للخروج عن الإباحة الأصلية ; وهو قصد الحيازة والإحياء . ومن الواضح أنّ هذا السبب لا يستتبع الملكيّة إلاّ في إطار مدلوله، يعني المقدار الذي يتعلّق به الإحياء والحيازة، وهي ظواهر تلك الأراضي دون بواطنها وما في أجوافها من المعادن والركائز . نعم، لا ينبغي التأمّل في قيام السيرة العقلائية بل الشرعية على دخول البواطن ولحوقها بظاهرها، إلاّ أنّ السيرة لا إطلاق لها، والمتيقّن من موردها ما يعدّ عرفاً من توابع الأرض وملحقاتها، كالسرداب والبئر ونحوهما ممّا يكون عمقه بهذا المقدار . وأمّا الخارج عنه غير المعدود من التوابع كآبار النفط العميقة جدّاً، أو آبار الماء العميقة المستحدثة أخيراً لاستخراج المياه من عروق الأرض فلا سيرة في مثله ولا تبعيّة، ومعه لا دليل على الإلحاق.
نعم، ورد في خصوص المسجد الحرام أنّ الكعبة من تخوم الأرض إلى عنان السماء، ولكنّ الرواية ضعيفة السند، ولذا ذكرنا في محلّه لزوم استقبال عين الكعبة لجميع الأقطار لا ما يسامتها من شيء من الجانبين .
(الصفحة62)
وعلى الجملة لم يقم بناء من العقلاء على إلحاق الفضاء المتصاعد أو المتنازل جدّاً غير معدودين من توابع الأرض عرفاً بنفس الأرض في الملكيّة بحيث يحتاج العبور عن أجوائها بواسطة الطائرات إلى الاستئذان من ملاّكها . وقد عرفت قصور دليل الإحياء عن الشمول لها، فهي إذاً تبقى على ما كانت عليه من الإباحة الأصلية، ونتيجة ذلك جواز استملاكها لكلّ من وضع اليد عليها، وأنّها ملكه وعليه خمسها وإن كان المخرج شخصاً آخراً غير صاحب الأرض ، غايته أنّه يكون آثماً في الاستطراق والاستخراج من هذا المكان لو لم يكن بإذن من صاحبه، إلاّ أنّ العصيان أمر والاستملاك أمر آخر ولا تنافي بينهما (1)، انتهى .
ويمكن الإيراد عليه بأنّ عدم ثبوت بناء العقلاء بالإضافة إلى الأعماق المذكورة لعلّه لكون الموضوعات مستحدثة، وإلاّ فالظاهر أنّه لا فرق عندهم بين قلّة العمق في موضوع البئر وكثرته ، كما أنّ قياس الفضاء على العمق لعلّه مع الفارق، فإنّ التصرّف في الفضاء بالنحو المذكور لا يعدّ تصرّفاً أو تصرّفاً غير مأذون فيه، وإلاّ فلو فرض أنّ التصرّف في الفضاء بنحو كان مزاحماً للمالك، كما إذا وجد فيه بناءً عالياً مزاحماً كالسحاب فلا يجوز التصرّف فيه، وجواز الصلاة في الطائرة العالية عن الأرض آلاف أمتار لا يمكن توجيهه إلاّ على طبق الرواية المذكورة ; لعدم إمكان محاذاة العين في مثل الارتفاع المذكور بأيّ معنى ذكر للمحاذاة، فتدبّر ، ومثله الصلاة فوق جبل أبي قبيس ومثله، والتحقيق في محلّه .
هذا ، وفي هذه الصورة التي يكون للأرض مالك شخصي إن لم يكن الاستخراج بسبب إرادة إنسان بل كان مستنداً إلى علّة اُخرى، كما إذا كان المخرج له حيواناً أو
(1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 58 ـ 60 .
(الصفحة63)
خرج لأجل الزلزلة أو المطر أو نحوهما ، فالظاهر أنّه لا ينبغي الإشكال في وجوب الخمس على صاحب الأرض في هذه الصورة; لعدم مدخلية الإخراج والاستخراج، بل مقتضى إطلاق الأدلّة الواردة الدالّة على ثبوت الخمس في المعدن ثبوته في المقام.
وتوهّم أنّ تلك الأدلّة لا تكون واردة في مقام البيان فلا مجال للتمسّك بإطلاقها مع فقدان شرطه ، مدفوع بأنّ ما لا تكون تلك الأدلّة بصدد بيانها إنّما هو كون المعدن في أيّة صورة يكون ملكاً للشخص، وفي أيّة صورة لا يصير ملكاً له . وأمّا بعد الفراغ عن صيرورته ملكاً للشخص لأجل كونه في أرضه التي هي ملك شخصيّ له كما في المقام، أو لجهة اُخرى فمقتضاها ثبوت الخمس على المالك له .
وبالجملة: مقتضى التأمّل في الروايات الواردة في باب المعدن أنّ من صار مالكاً للمعدن المتكوّن تحت الأرض نوعاً، كالخارج منها بحيث لو لم تكن أدلّة الخمس كان مالكاً للجميع، يجب عليه إخراج خمسه إلى أربابه، فالموضوع هو المالك للجميع مع قطع النظر عن دليل الخمس، والحكم الثابت على هذا الموضوع مطلق لا يختصّ بشخص دون آخر . وأمّا تحقّق الموضوع وثبوت ملكيّة المعدن فلابدّ من أن يثبت من دليل آخر .
وبالجملة : لا ينبغي المناقشة بملاحظة الأدلّة في ثبوت الخمس فيما إذا خرج المعدن المتكوّن في الأرض التي لها مالك شخصيّ بسبب غير إنسانيّ .
ومن هذا يظهر الخلل في الحكم بعدم وجوب الخمس في الفرع الذي ذكره كاشف الغطاء (قدس سره)، حيث قال في محكي كشفه : لو وجد شيئاً من المعدن مطروحاً في
(الصفحة64)
الصحراء فأخذه فلا خمس(1).
فإنّه يرد عليه أنّه مع ثبوت الملكية للآخذ بسبب الأخذ كما هو المفروض ـ ويدلّ عليه نفي إيجاب الخمس عليه ـ لا وجه لإخراجه من دليل الخمس بعد عدم مدخلية خصوصيّة الإخراج، وإطلاق الأدلّة الشامل لكلّ من صار مالكاً للمعدن بأيّة جهة من الجهات، فالظاهر وجوب الخمس في هذا الفرع أيضاً، ولذا تنظّر صاحب الجواهر فيما حكاه عن اُستاذه (قدس سرهما)(2) .
المقام الثالث : فيما إذا كان المعدن في الأراضي المفتوحة عنوة، وقد فصّل فيه في المتن بين ما إذا كان في معمورتها حال الفتح، وبين ما إذا كان في مواتها، فاختار الملكية وثبوت الخمس في الصورة الاُولى إذا كان بإذن والي المسلمين ووليّهم، واستشكل في مورد عدم الإذن، مثل ما إذا كان المخرج كافراً ، وأمّا الصورة الثانية فاختار فيها الملكية وثبوت الخمس ولو كان المخرج كافراً، كسائر الأراضي المباحة .
وعن صاحب الجواهر ادّعاء القطع بعدم الاحتياج إلى الإذن في كتاب إحياء الموات(3) .
ثمّ إنّ لبعض الأعلام (قدس سره) كلاماً مفصّلاً في هذا المجال ترجع خلاصته إلى أنّ أدلّة الملكية للمسلمين في الصورة الاُولى وللإمام في الصورة الثانية قاصرة عن الشمول للباطن، ولو في الأعماق القليلة كأربعة أمتار أو خمسة، وإلاّ لبيّن ولو في رواية واحدة أنّ ما يستخرج من الاُولى ملك للمسلمين، ومن الثانية ملك للإمام ،
(1) كشف الغطاء 4 : 201 .
(2) جواهر الكلام 16 : 22 .
(3) جواهر الكلام 38 : 108 .
(الصفحة65)
والسيرة العقلائية القائمة على التبعيّة تختصّ بالأملاك الشخصيّة دون المقام ، بل ربما يدّعى قيام السيرة على الخلاف، بل يمكن أن يقال بأنّ مدّعي القطع بذلك غير مجازف; لأنّ اللاّزم من الالتزام بالتبعيّة لملك المسلمين أو الإمام(عليه السلام) حمل نصوص الخمس في المعدن على كثرتها على خصوص المعدن الخارج من أرض لها مالك شخصيّ ، ومقتضى ذلك حمل المطلق على الفرد النادر.
ويؤكّده عموم ما ورد من أنّ من سبق إلى ما لم يسبق إليه أحد فهو أحقّ به(1)، وهي وإن كانت رواية نبويّة لكن مضمونها مطابق لما عرفت من السيرة العقلائية ، وكذا ما ورد من أنّ من استولى على شيء فهو له(2)، وكذا معتبرة السكوني التي رواها المشايخ الثلاثة عنه، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) قال في رجل أبصر طيراً فتبعه حتّى وقع على الشجرة فجاء رجل فأخذه، فقال(عليه السلام) : للعين ما رأت ولليد ما أخذت(3). لكن فيما إذا كان المستنبط كافراً لا يجوز له الاستخراج في شيء من الصورتين; لأنّ الأرض ملك للمسلمين أو الإمام(عليه السلام) ، ولا يحقّ له التصرّف من غير المراجعة إلى الإمام أو نائبه، ولكن ربما يتوهّم أنّه لو خالف وتصدّى للإخراج يصير مالكاً وإن كان ممنوعاً، نظراً إلى عموم قوله(عليه السلام) : من أحيا أرضاً مواتاً فهي له(4)، ولكنّه مضافاً إلى الاختصاص بالأراضي غير العامرة . يرد
(1) عوالي اللئالي 3: 480 ح4، مستدرك الوسائل 17: 111، كتاب إحياء الموات ب1 ح4، السنن الكبرى للبيهقي 9: 90 ح11997، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 17 / 297.
(2) التهذيب 9: 302 ح1079، الوسائل26: 216، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج ب8 ح3.
(3) الكافي 6 : 223 ح6 ، الفقيه 3 : 65 ح217 ، التهذيب 9 : 61 ح257 ، الوسائل 23 : 391، كتاب الصيد والذبائح، أبواب الصيد باب 38 ح1 .
(4) الكافي 5: 279 ح4، التهذيب 7: 152 ح673، الاستبصار 3: 108 ح382، الوسائل 25: 412، كتاب إحياء الموات ب1 ح5.
(الصفحة66)
عليه أنّ عنوان الإحياء الموجب للملكيّة غير عنوان الاستخراج الثابت في المعدن، ولكنّ السيرة القطعية على عدم الفرق، مضافاً إلى رواية السكوني المتقدّمة ، وعليه فالظاهر التفصيل بين الجواز والملكية وأنّ الحكم عدم ثبوت الاُولى دون الثانية(1) ، انتهى .
ويرد عليه أنّ قصور أدلّة الملكية للمسلمين أو الإمام عن الشمول للباطن ممنوع جدّاً، وقيام السيرة على عدم التبعية فيهما دون ما إذا كان لها مالك شخصيّ أيضاً كذلك، ولا يلزم البيان ولو في رواية واحدة بعد ثبوت السيرة على التبعية.
وحمل الإطلاقات الواردة في المعدن على الفرد النادر ممنوع من جهتين ; من جهة عدم كونها في مقام البيان إلاّ بالإضافة إلى المعادن المملوكة للمستخرج ، وأمّا أنّه في أيّة صورة تتحقّق الملكيّة وفي أيّة صورة لا تتحقّق، فلا تكون تلك الأدلّة بصدد بيانها حتّى صحيحة البزنطي المتقدّمة(2) الواردة في النصاب ، فاللازم إثبات الملكية من دليل آخر. ومن جهة أنّ الاستخراج من الأراضي المفتوحة العامرة حال الفتح في صورة إذن الوالي موجب للتملّك، ولا اختصاص لها بالأراضي التي لها مالك شخصي .
نعم، ما ذكره في ذيل كلامه من الفرق بين الإحياء والاستخراج حقّ لا ريب فيه، ولكن قيام السيرة القطعيّة على ملكيّة الكافر ممنوع بعد كون معادنهم في غير الأراضي المفتوحة عنوةً، فتدبّر .
والتحقيق أن يقال : إنّ ما يرتبط بالمقام إنّما هو البحث في ثبوت الخمس في
(1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 61 ـ 65 .
(2) في ص47 .
(الصفحة67)
المعدن الذي صار مملوكاً ، وأمّا تفصيل صور الملكية وتمييزها عن غيرها فله مقام آخر لا يرتبط بما هنا ، كما أنّ البحث في أنّ المعادن هل هي من الأنفال كما عليه جماعة(1) أو ليست منها كما عليه المشهور(2) لا يرتبط بالمقام .
المقام الرابع : فيما إذا كان المستنبط للمعدن صبيّاً أو مجنوناً ، والظاهر ثبوت الخمس وإن كان التكليف بالإخراج متوجّهاً إلى الوليّ، وذلك لأنّ الخمس ليس مجرّد تكليف وجوبيّ حتّى يكون موضوعاً عنهما ، بل هو حقّ أو شبيهه ثابت بالإضافة إليهما كالأحكام الوضعية الثابتة عليهما، فإذا أتلف الصبي مال الغير بغير إذنه يكون ضامناً له وإن كان التكليف متوجّهاً إلى الوليّ، ومع عدمه أو عدم ثبوت مال له يثبت بعد البلوغ كسائر البالغين، وقد تقرّر في محلّه أنّ الأحكام الوضعية بل غير الإلزاميّة لا يختصّ بالبالغين، فراجع .
هذا ، ولكنّه ذكر بعض الأعلام (قدس سره) في ذيل بحث أرباح المكاسب بعد نقل فتوى المشهور(3) بثبوت الخمس أنّه غير ظاهر، نظراً إلى أنّ المستفاد من حديث رفع القلم عن الصبيّ والمجنون(4) استثناؤهما عن دفتر التشريع وعدم وضع القلم عنهما بتاتاً كالبهائم، فلا ذكر لهما في القانون أصلاً ، ومقتضى ذلك عدم الفرق بين قلم التكليف والوضع، فترتفع عنهما الأحكام برمّتها بمناط واحد; وهو الحكومة على الأدلّة الأوّلية ، اللّهم إلاّ إذا كان هذا الرفع منافياً للامتنان بالإضافة إلى الآخرين كما
(1) المقنعة : 278 ، المراسم العلوية : 142 ، المهذّب 1 : 186 .
(2) المبسوط 1 : 237 ، السرائر 1 : 488 ، الروضة البهيّة 2 : 85 ، جواهر الكلام 38 : 108 ، كتاب الخمس (تراث الشيخ الأنصاري): 366.
(3) شرائع الإسلام 1: 181، إرشاد الأذهان 1: 293، الدروس الشرعيّة 1: 260.
(4) الوسائل 1 : 45 ، أبواب مقدّمة العبادات ب4 ح11 .
(الصفحة68)
مسألة 2 : قد مرّ أنّه لا فرق في تعلّق الخمس بما خرج عن المعدن بين كون المخرج مسلماً أو كافراً بتفصيل مرّ ذكره ، فالمعادن التي يستخرجها الكفّار من الذهب والفضّة والحديد والنفط والفحم الحجري وغيرها يتعلّق بها الخمس، ومع بسط يد والي المسلمين يأخذه منهم ، لكن إذا انتقل منهم إلى الطائفة المحقّة لا يجب عليهم تخميسها حتّى مع العلم بعدم التخميس، فإنّ الأئمّة (عليهم السلام) قد أباحوا
في موارد الضمانات، أو ورد فيه نصّ خاصّ كموارد التعزيرات ، وأمّا فيما عدا ذلك فقال: لم نعرف أيّ وجه لاختصاص رفع القلم بالتكليف ، بل يعمّ الوضع أيضاً (1).
هذا ، ولكنّا تكلّمنا في كتابنا في القواعد الفقهية عدم اختصاص الأحكام الوضعيّة بالبالغين، بل التكليفيّة غير الإلزامية(2) ، وعليه فالظاهر ما هو المشهور، ونزيد عليه هنا أنّ الظاهر عدم الخلاف في ثبوت تملّك المستخرج الصبي أو المجنون ، وإنّما الخلاف في ثبوت الخمس وتعلّقه وعدمه، مع أنّ الملكيّة من الأحكام الموجودة في دفتر التشريع لا محالة; ضرورة أنّ الشارع حكم له بذلك إمضاءً أو تأسيساً، فالتفكيك بين التملّك وتعلّق الخمس لا يرى له وجه ، مع أنّ قاعدة رفع القلم ظاهرها كونها آبية عن التخصيص، فثبوت الضمان في قاعدة الإتلاف ـ ولو كان وجهه الامتنان ـ دليل على أنّ الموضوع هو خصوص التكاليف الإلزامية لا الوضعية، ولا الأحكام غير الإلزامية، ومن أراد التحقيق الأزيد فليراجع إلى ذلك الكتاب .
(1) مستند العروة الوثقى، كتاب الخمس : 304 .
(2) القواعد الفقهيّة 1 : 336 ـ 337 .
(الصفحة69)
لشيعتهم خمس الأموال غير المخمّسة المنتقلة إليهم ممّن لا يعتقد وجوب الخمس كافراً كان أو مخالفاً، معدناً كان المتعلّق أو غيره من ربح التجارة ونحوه . نعم، لو وصل إليهم ممّن لا يعتقد الوجوب في بعض أقسام ما يتعلّق به الخمس من الإماميّة اجتهاداً أو تقليداً، أو يعتقد عدم وجوبه مطلقاً بزعم أنّهم (عليهم السلام)أباحوه مطلقاً لشيعتهم ما يتعلّق به الخمس يجب عليهم التخميس مع عدم تخميسه . نعم ، مع الشكّ في رأيه لا يجب عليه الفحص ولا التخميس مع احتمال أدائه، ولكن مع العلم بمخالفة رأيهما فالأحوط بل الأقوى التجنّب حتّى يخمّس1 .
1 ـ الظاهر أنّ مستند هذه المسألة الأخبار الكثيرة الواردة في التحليل والإباحة التي سيأتي نقلها والبحث عنها مفصّلاً إن شاء الله تعالى ، بضميمة أنّ القدر المتيقّن أو الظاهر منها هو التحليل بالإضافة إلى الشيعة في صورة انتقال أموال غير المخمّس إليهم ممّن لا يعتقد وجوب الخمس كافراً كان أو مخالفاً، معدناً كان المتعلّق أو غيره من الأرباح وغيرها .
ولم يظهر لي دليل على الإباحة في مورد المسألة; وهو الانتقال من الكافر أو المخالف غير المعتقدين للخمس، بل المقام هو القدر المتيقّن من تلك الأخبار التي أشرنا إليها. نعم ، لو وصل إلى الإماميّة ممّن لا يعتقد منهم وجوب الخمس بنحو الإطلاق، أو ممّن لا يعتقد الوجوب في خصوص بعض الاُمور المتعلّقة للخمس يجب على من وصل إليه التخميس مطلقاً، أو في خصوص ذلك الأمر وإن كانت العبارة قاصرة عن الدلالة على ذلك ; لأنّ مقتضاها لزوم التخميس ولو بالإضافة إلى غير ذلك الأمر من الاُمور التي يعتقد الوجوب فيها . نعم، الجمع بين اعتقاد عدم لزوم الخمس وبين العلم بالعدم إنّما هو لأجل كون البائع مثلاً غير معتقد بالوجوب، ولكنّه أدّى الخمس من باب الاحتياط غير اللزومي لأجل قول غيره بالوجوب،
(الصفحة70)
الثالث : الكنز
والمرجع في تشخيص مسمّاه العرف، فإذا لم يعرف صاحبه سواء كان في بلاد الكفّار أو في الأرض الموات أو الخربة من بلاد الإسلام، سواء كان عليه أثر الإسلام أم لا ، ففي جميع هذه الصور يكون ملكاً لواجده وعليه الخمس . نعم، لو وجده في أرض مملوكة له بابتياع ونحوه عرّفه المالك قبله مع احتمال كونه له، وإن لم يعرفه عرّفه السابق إلى أن ينتهي إلى من لا يعرفه أو لا يحتمل أنّه له،
فلزوم التخميس إنّما هو في صورة العلم بعدمه . بقي في المسألة فروع اُخر :
الأوّل : أنّه مع شكّ المشتري مثلاً في رأي ا لبائع لا يجب عليه التفحّص عن رأيه ; لعدم لزوم الفحص في الشبهات الموضوعية إجماعاً ونصّاً، مثل إحدى صحاح زرارة المستدلّ بها في باب الاستصحاب، الدالّة على عدم وجوب النظر إلى الثوب مع احتمال إصابة الدم إليه(1) .
الثاني : عدم وجوب التخميس على المشتري مع احتمال أداء البائع ـ المعتقد بالوجوب ـ الخمس، والوجه فيه ظهور حال المسلم في الأداء مع اعتقاد الوجوب، وإلاّ يكون اللازم على أكثر المشترين أداء الخمس; لعدم علمهم بأداء البائعين له، ضرورة أنّ العلم بذلك قليل، كما لا يخفى .
الثالث : صورة العلم بمخالفة رأيهما، وفي المتن الأحوط بل الأقوى التجنّب حتّى يخمّس، والسرّ فيه عدم جريان ظهور حال المسلم مع العلم باختلاف الرأيين،
(1) التهذيب 1 : 421 ح1335 ، الاستبصار 1 : 183 ح641 ، الوسائل 3 : 466، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات ب37 ح1 .
(الصفحة71)
فيكون لهوعليه الخمس إذا بلغ عشرين ديناراً في الذهب ومائتي درهم في الفضّة، وبأيّهما كان في غيرهما. ويلحق بالكنز على الأحوط ما يوجد في جوف الدابّة المشتراة مثلاً، فيجب فيه بعد عدم معرفة البائع، ولا يعتبر فيه بلوغ النصاب، بل يلحق به أيضاً على الأحوط ما يوجد في جوف السمكة، بل لا تعريف فيه للبائع إلاّ في فرض نادر، بل الأحوط إلحاق غير السمكة والدابّة من الحيوان بهما1 .
ومقتضى الاستصحاب عدم تحقّق التخميس من البائع، فاللازم التجنّب حتّى يخمّس، فتدبّر جيّداً .
1 ـ ينبغي التكلّم في مقامات :
المقام الأوّل : في أصل ثبوت الخمس في الكنز وأنّه من الاُمور السبعة المتعلّقة للخمس ، ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى أنّه لا خلاف فيه(1) ـ روايات ، مثل:
صحيحة عبيدالله بن علي الحلبي أنّه سأل أبا عبدالله(عليه السلام) عن الكنز كم فيه؟ فقال : الخمس ، الحديث(2) .
ورواية عمّار بن مروان قال : سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول: فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه والكنوز الخمس(3) .
ورواية ابن أبي عمير، عن غيرواحد، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : الخمس على خمسة أشياء: على الكنوز والمعادن والغوص والغنيمة، ونسي ابن أبي عمير الخامس(4).
وصحيحة زرارة المتقدّمة في المعدن ، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : سألته عن المعادن
(1) الخلاف 2: 121 مسألة 146 ، المعتبر 2: 620 ، منتهى المطلب 1: 546 .
(2) الفقيه 2 : 21 ح73 ، التهذيب 4 : 121 ح346 ، الوسائل9 : 495 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب5 ح1 .
(3) الخصال : 290 ح51 ، الوسائل9 : 494 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب3 ح6 .
(4) الخصال : 291 ح53 ، الوسائل 9 : 494 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب3 ح7 .
(الصفحة72)
ما فيها؟ فقال : كلّ ما كان ركازاً ففيه الخمس ، وقال : ما عالجته بمالك ففيه ما أخرج الله سبحانه منه من حجارته مصفّى الخمس(1) بناءً على أنّ العدول في الجواب عن السؤال عن المعادن بالتعبير بكلّ ما كان ركازاً ـ مع أنّ السؤال عن جميع المعادن; لأنّه مقتضى الجمع المحلّى باللاّم ـ لعلّه يشعر بل يدلّ على أنّ الحكم في الجواب بصورة كبرى كلّية شامل للكنز أيضاً ; نظراً إلى أنّه الشيء الثابت المتمركز ، ولكنّه فيه تأمّل كما مرّ في بحث المعدن .
المقام الثاني : قد فسّر السيّد في العروة تبعاً لجماعة(2) من الفقهاء بأنّ الكنز هو المال المذخور(3) ، وقد اُستفيد من هذا التعبير أنّ الكنز عبارة عن المال الذي كان ستره في الأرض مثلاً لأجل الذخيرة والادّخار ليوم فقره وفاقته أو لغاية اُخرى . غاية الأمر كان الستر مقروناً بهذا القصد ، وقد حكي ذلك عن الشهيد الثاني في شرحيه المسالك(4) والروضة(5) ، فإنّ المحكي عنه اعتبار قصد الادّخار في الكنز ، وأنّه بدونه لقطة ، خلافاً للمشهور القائل بعدم الاعتبار (6) ، وما ذكره المشهور هو الظاهر ، نظراً إلى أنّه لو فرض صحّة استفادة اعتبار القصد من عنوان المذخور ، إلاّ أنّ اعتبار هذا العنوان في معنى الكنز بعد عدم إشعار شيء من الروايات الواردة في الكنز بذلك حتّى مثل الرواية المتقدّمة في المعدن ، الدالّة على أنّ الأرض السبخة
(1) تقدّمت في ص44 .
(2) شرائع الإسلام 1 : 179 ، تذكرة الفقهاء 5 : 414 ، الحدائق الناضرة 12 : 332 .
(3) العروة الوثقى 2 : 374 .
(4) مسالك الأفهام 1 : 460 .
(5) الروضة البهيّة 2 : 68 .
(6) شرائع الإسلام 1 : 179 ، تذكرة الفقهاء 5 : 414 ، التنقيح الرائع 1 : 337 ، البيان : 215 ، الحدائق الناضرة12 : 332 وغيرها .
(الصفحة73)
المالحة التي يجتمع فيها الماء فيصير ملحاً معدن(1) ، وقد احتمل فيها أن يكون المراد كونها معدناً شرعاً ، وإن لم يكن عرفاً; لأنّ الروايات الواردة في الكنز قد علّق فيها على عنوان الكنز ، والمرجع في مثله من العناوين المأخوذة موضوعاً هو العرف لا محالة ، والعرف لا يساعد على اعتبار قصد الادّخار في مفهوم الكنز بوجه ، مضافاً إلى أنّ لازم ذلك الحمل على الأفراد النادرة; لأنّ إحراز هذا القصد مشكل فيما لو لم يكن مقروناً مع بعض القرائن ، كالوعاء المخصوص والمكتوب كذلك وشبههما ، خصوصاً مع أنّ مقتضى الاستصحاب العدم كما لايخفى ، فالإنصاف صحّة ما عليه المشهور .
المقام الثالث : المشهور أنّه لا فرق بين أن يكون المكان المستور فيه الكنز أرضاً أو جداراً أو جبلاً أو ولو بطن شجر ، وقد صرّح بذلك صاحب العروة(2) ، لكن المحكي عن كاشف الغطاء(3) التصريح بالاختصاص بالأرض ، والظاهر أنّه لا دليل له على ذلك بعد كون المرجع هو العرف ، وهو لا يساعد ذلك بوجه . نعم ، لو كان المكان الذي قد ستر فيه من الأمكنة التي يجعل فيها المال نوعاً للتحفّظ الموقّت ويمكن الوصول إليه عادةً لا يكون ذلك كنزاً ، ولكن لا خصوصية للأرض في مقابل الاُمور المذكورة في تحقّق عنوان الكنز بوجه .
المقام الرابع : هل الكنز يختصّ بخصوص النقدين ـ أي الذهب والفضّة المسكوكين ـ أو يعمّ مطلق الذهب والفضّة ولو كانا غير مسكوكين ، أو يعمّ مطلق الجواهر كالأحجار الكريمة ، بل في زماننا هذا يعمّ الاسكناس ومثله من الأوراق
(1) تقدّمت في ص45 .
(2) العروة الوثقى 2 : 374 مسألة 13 .
(3) كشف الغطاء 4 : 201 .
(الصفحة74)
النقدية وأشباهها؟ صرّح السيّد في العروة(1) بعدم الاختصاص بخصوص الذهب والفضّة فضلاً عن خصوص النقدين .
نعم ، ذكر بعض الأعلام أنّه وإن كان الكنز عرفاً يشمل جميع الأموال ولا يختصّ بمال خاصّ ، والروايات الواردة في الكنز شاملة بإطلاقها للجميع ، إلاّ أنّه في مقابل المطلقات ما يدلّ باختصاص تعلّق الخمس بخصوص النقدين وإن كان عنوان الكنز عرفاً غير مختصّ بهما .
وهي صحيحة البزنطي ، عن أبي الحسن الرضا(عليه السلام) قال : سألته عمّا يجب الخمس فيه من الكنز؟ فقال : ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس(2) .
ولكنّه حكي عن صاحب الرياض(3) أنّه أسند إلى الأصحاب أنّهم فهموا منها المماثلة في المقدار والمالية ، نظير صحيحته الاُخرى الواردة في المعدن المتقدّمة ، قال : سألت أبا الحسن(عليه السلام) عمّا أخرج المعدن من قليل أو كثير هل فيه شيء؟ قال : ليس فيه شيء حتّى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين ديناراً(4) .
فإنّ الجواب فيهما واحد; وهو اعتبار النصاب المقدّر بعشرين ديناراً في تلك الصحيحة ، وأمّا في هذه فحيث لم يقدّر فتحمل على أنّه إن كان ذهباً فعشرون ديناراً ، وإن كان فضّة فمائتا درهم ، وإن كان غيرهما فأقلّ النصب الزكوية .
واُورد عليه بأنّ الصحيحة الاُولى ـ أي الواردة في المقام ـ ظاهرة في السؤال عن الجنس ، فلا وجه للحمل على الكمّ ، وأمّا الثانية فهي بالعكس من ذلك ، لمكان
(1) العروة الوثقى 2 : 374 مسألة 13 .
(2) الفقيه 2 : 21 ح75 ، الوسائل 9 : 495 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب5 ح2 .
(3) رياض المسائل 5 : 249 .
(4) تقدّمت في ص47 .
(الصفحة75)
التعبير بقوله(عليه السلام): من «قليل أو كثير» وقوله: «حتّى يبلغ» فإنّ ذلك يجعلها كالصريح في تعلّق السؤال بالكمّ والمقدار ، فبين السؤالين بونٌ بعيد ، ولا وجه لقياس أحدهما على الآخر كما هو ظاهر(1) .
أقول : إنّ ظهور الصحيحة الواردة في المعدن في السؤال عن المقدار والكمّية ممّا لا ريب فيه للقرينتين المذكورتين ، ولما ذكرنا في بحث المعدن أنّ المستخرج من المعدن في الذهب والفضّة لا يكون إلاّ ذرّات الأرض المشتملة عليهما ، وأمّا الدينار الذي له وزن مخصوص وسكّة خاصّة فلا يمكن أن يستخرج من المعدن ، فهذه قرينة ثالثة على اختصاص تلك الصحيحة بالمقدار ، وكون المقصود من المماثلة هي المماثلة في المالية ليس إلاّ .
وأمّا الصحيحة الواردة في الكنز ، فنقول : إنّ استظهار الجنس والماهيّة منها كما استظهره بعض الأعلام (قدس سره) على ما عرفت هل هو من السؤال الواقع فيها ، أم من الجواب الصادر من الإمام(عليه السلام)؟ فإن كان من السؤال فالظاهر أنّه لا دلالة له على ذلك; لأنّ كلمة «ما» فيه موصولة و«من الكنز» بيان له ، ومرجعه إلى الكنز الذي يجب الخمس فيه ، ومن الواضح أنّه لا ظهور له في كون السؤال عن الماهيّة ، وإن كان من الجواب فالظاهر أيضاً ذلك ; لأنّه ـ مضافاً إلى أنّه بعد عدم دلالة السؤال على السؤال عن الماهيّة كيف أجاب الإمام(عليه السلام) عمّا لا يدلّ عليه السؤال ـ التعبير في الجواب بمثل ما ورد في المعدن ظاهر في كون المراد هي المماثلة من حيث المقدار لا من حيث الجنس ، مع أنّه من المستبعد جدّاً أن يكون سؤال البزنطي في باب المعدن عن المقدار ، وفي باب الكنز عن الجنس والماهيّة .
(1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 77 ـ 78 .
(الصفحة76)
فالإنصاف صحّة ما فهمه الأصحاب من الصحيحة ، وأنّها مستندة في باب نصاب الكنز ولا تصلح لتقييد الإطلاقات الواردة في الكنز من حيث الجنس .
ثمّ إنّه لو تنزّلنا عن ذلك وقلنا بعدم ظهور الصحيحة فيما ذكرنا فلا أقلّ من الالتزام بإجمالها ، فهل يصحّ مع ذلك تقييد الإطلاقات الكثيرة المتقدّمة وشبهها؟ ولعلّ الذي دعا بعض الأعلام (قدس سره) إلى ما ذكرنا حمل كلمة «ما» في السؤال على الماهيّة والحقيقة ، وحمل كلمة «من» على التبعيض ، مع أنّ الظاهر كما ذكرنا من كون الاُولى موصولة والثانية بيانيّة .
المقام الخامس : قد عرفت أنّ تعلّق الخمس بواجد الكنز إنّما هو في صورة كون الواجد مالكاً للكنز ، والآن يقع البحث في أنّه في أيّة صورة ومكان يصير مالكاً ، وفي أيّة صورة لا تتحقّق الملكيّة؟
فنقول : ظاهر المتن أنّه إن وجد في بلاد الكفّار يصير ملكاً للواجد ، وظاهره أنّه لا فرق بين الكفّار الحربيّين وغيرهم ، وقد صرّح بذلك صاحب العروة(1) ، والحكم في الكافر الحربي واضح بعد عدم احترام دمه وماله . وأمّا في غير الحربي فالظاهر أنّه مجمع عليه ، كما ادّعاه جماعة .
وكذا ما إذا وجد في بلاد المسلمين في الأرض الموات ، أو في الأرض الخربة مع عدم وجود مالك لها ، أو ثبوت ملكيّته بالإحياء أو بالابتياع مع العلم بعدم كونه للبائعين . وهذا مسلّم فيما إذا لم يكن عليه أثر الإسلام ، مثل السكّة المرتبطة بأحد من خلفاء الدولة الإسلامية من الأموية والعبّاسية وغيرهما. وأمّا إذا كان في بلد الإسلام وكان عليه أثرالإسلام ولم تكن الأرض لهامالك شخصي، فقد وقع الخلاف
(1) العروة الوثقى 2 : 374 مسألة 13 .
(الصفحة77)
في أنّه ملك لواجد الكنز وعليه الخمس، كماعليه جماعة(1)منهم: صاحب المدارك(2)، أو أنّه لقطة يجري عليها أحكام اللقطة كما عليه الفاضلان(3) وجماعة اُخرى (4) .
واستدلّ القائلون بأنّه لقطة بوجوه :
الأوّل : أصالة عدم جواز تملّكه من غير تعريف; لأنّ الملكيّة أمر حادث يحتاج ثبوته إلى الدليل ، ومقتضى الأصل عدمه .
الثاني : أنّ كونه في دار الإسلام أمارة كونه لمحترم المال من مسلم أو ذمّيّ ، حيث إنّ الذمّي في دار الإسلام محكوم بأنّه محقون الدم والمال ، فما لم يثبت أنّه فيء للمسلمين لا يجوز تملّكه ، بل يجب التفحّص عن مالكه .
الثالث : موثّقة محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : قضى عليّ(عليه السلام) في رجل وجد ورقاً في خربة أن يعرّفها ، فإن وجد من يعرفها ، وإلاّ تمتّع بها(5) . نظراً إلى دلالتها على عدم جواز التملّك قبل التعريف ، وقد حملت على الكنز ، نظراً إلى أنّ الورق الموجود في الخربة إذا لم يكن كنزاً مخفيّاً تحت الأرض لا معرّف له ليعرف; إذ لا علامة له حينئذ ، فإنّه سكّة أو سكك من درهم أو دينار كغيره من المسكوكات ، فكيف يمكن تعريفه ، ومع التنزّل فلا أقلّ من الإطلاق ، أي سواء كان الورق على وجه الأرض أم مخفيّاً تحتها ، وعلى أيّ حال فتدلّ الموثّقة على عدم جواز التملّك من دون التعريف .
(1) الخلاف 2 : 122 مسألة 149 ، السرائر 1 : 487 ، الحدائق الناضرة 12 : 333 .
(2) مدارك الأحكام 5 : 370 .
(3) شرائع الإسلام 1 : 180 ، تذكرة الفقهاء 5 : 414 .
(4) المبسوط 1 : 236 ، المهذّب 1 : 178 ، مسالك الأفهام 1 : 460 .
(5) التهذيب 6 : 398 ح1199 ، الوسائل 25 : 448 ، كتاب اللقطة ب5 ح5 .
(الصفحة78)
وقبل الخوض في هذه الوجوه صحّةً وسقماً لابدّ من التنبيه على أمر; وهو أنّه ذكر سيّدنا العلاّمة الاُستاذ البروجردي أعلى الله مقامه الشريف أنّه فرق بين الإطلاقات الواردة في خمس المعدن ، وبين الإطلاقات الدالّة على وجوب خمس الكنز ، في أنّ الاُولى لا دلالة فيها على أنّه في أيّ مورد يملك المعدن ، وفي أيّ مورد لا يملك ، بل المفروض فيها المعدن الذي يكون ملكاً للمستخرج بالمباشرة أو بالتسبيب .
وأمّا الثانية ، فتدلّ على ثبوت ملكيّة الواجد للكنز . غاية الأمر أنّه يجب عليه الخمس .
وذكر في الدرس في مقام الفرق بينهما على ما قرّرته بنفسي أنّ الظاهر ثبوت الفرق بين المعدن وبين الكنز ; نظراً إلى أنّ إخراج المعدن والوصول إلى الأشياء المتكوّنة تحت الأرض من الطرق الرائجة العقلائية للاكتساب ، ويدور عليها مدار التعيّش في جميع الأعصار ، سيّما في العصور الحاضرة ، وهذا بخلاف الكنز ، فإنّه ليس طريقاً للاكتساب ، بل قد يوجد على سبيل الاتّفاق والصدفة ، مع أنّه لا يكون من شؤون الأرض وتوابعها ، بخلاف المعدن الذي يعدّ من أجزائها ، فالحكم بثبوت الخمس في الكنز ظاهر في صيرورته ملكاً للواجد بمجرّد الوجدان . غاية الأمر أنّه يجب عليه إخراج خمسه(1) .
والظاهر أنّه لا مجال للالتزام بما أفاده الذي يرجع إلى ثبوت إطلاق بالإضافة إلى ملكيّة الكنز حتّى يكون مورد عدم الملكية خارجاً عن الإطلاق ، فإنّ الفرق بين المعدن والكنز بما ذكر من الأمرين ، سيّما مسألة التبعيّة ـ لأنّ المعدن تابع للأرض
(1) كتاب الخمس (تقريرات بحث السيّد البروجردي) : 357 ـ 358 .
(الصفحة79)
دون الكنز ، سيّما إذا اعتبرنا فيه قصد الادّخار ـ وإن كان صحيحاً لا ينبغي الارتياب فيه ، إلاّ أنّ الاستنتاج من هذا الفرق وجود الفرق بين الإطلاقات الواردة في المقامين محلّ مناقشة بل منع ، بل الظاهر كما عرفت(1) أنّه لا دلالة لشيء من الإطلاقين على أنّه في أيّة صورة تتحقّق الملكية وفي أيّة صورة لا تتحقّق ، بل اللاّزم استفادة الملكية التي يترتّب عليها ثبوت الخمس من دليل آخر ، وإلاّ فلا دلالة لشيء منهما على ذلك ، فهل يستفاد من الإطلاق الوارد في الكنز ثبوت الملكية لواجده في أرض لها مالك شخصيّ ؟ غاية الأمر ثبوت الدليل على الإخراج وهكذا .
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّه قد اُورد على الوجه الأوّل بعد تصحيحه بأنّ المراد عدم حصول الملكية بعد الشكّ في حصولها لا عدم جواز تملّكه المتوقّف على قصد التملّك ، فإنّ الظاهر أنّه لا حاجة إلى القصد لا في المعدن ولا في الكنز في مورد حصول الملكيّة .
ومحصّل الإيراد أنّ مقتضى الأصل حصول الملكية لا عدمها; لأنّ المحترم إنّما هو مال المسلم ومن بحكمه كالذمّي ، وغيره لا احترام له ، ومع الشكّ في أنّه لمسلم أو غيره يكون مقتضى الأصل عدم وضع المسلم يده على هذا المال ، ومجرّد كونه في بلاد الإسلام وإن كان أمارة على أنّه لمسلم ، إلاّ أنّه لا دليل على حجّية هذه الأمارة ، والأصل في باب الظنون حرمة التعبّد بها ما لم يقم عليها دليل معتبر .
ويؤيّد هذا الإيراد أنّ مقتضى التحقيق أنّ الأصل الأوّلي في الشبهات
(1) في ص63 .
(الصفحة80)
الموضوعية التحريمية ـ كالشكّ في مائع أنّه خمر أو خلّ ـ الجواز وعدم الحرمة عقلاً ونقلاً ، والإذن الشخصي وإن كان غير معتبر بالخصوص في جواز التصرّف في مال الغير ، بل يكفي الإذن من الشارع الذي هو المالك الحقيقي ، وهو غير محرز على المفروض ، إلاّ أنّه في موارد الشبهات الموضوعية يكون مقتضى القاعدة الجواز كما عرفت .
واُجيب عن هذا الإيراد بما يرجع إلى أنّ أصالة الاحترام بالإضافة إلى مال الغير جارية للسيرة العقلائية ، وحكومة العقل القاضي بذلك لأجل قبح الظلم . غاية الأمر أنّ الكافر الحربي يجوز التصرّف في ماله بإذن المالك الحقيقي ، لكن الكفر ملحوظ بعنوان المانعية ، لا أنّ الإسلام ملحوظ بعنوان الشرطية ، فإذا شككنا في مال أنّه لمسلم أو لحربيّ لا يجوز التصرّف في ذلك المال بعنوان الشبهة الموضوعية ، بل لو شكّ في أنّه مال نفسه أو غيره ولم يكن هناك أمارة أو أصل على أنّه مال نفسه لا يجوز التصرّف فيه بعنوان الشبهة الموضوعية ، فكأنّ باب الأموال خارج عن هذا البحث ، كما أنّ الأمر في باب الفروج أيضاً كذلك ، إلاّ أن يقال بجريان استصحاب عدم الجواز فيها مطلقاً ، كما لا يخفى .
فالإنصاف صحّة الوجه الأوّل ، ولكنّها متوقّفة على عدم دلالة الرواية في هذا المجال على شيء ، وإلاّ فمع فرض الدلالة لا تصل النوبة إلى الأصل موافقاً كان أو مخالفاً; لتقدّم الأمارة على الأصل كما قرّر في محلّه .
وأمّا الوجه الثاني ، فالظاهر أنّه لا مجال له; لأنّ المال الذي وجده كذلك وإن كان وجدانه في بلاد الإسلام أمارة على كونه لمسلم أو من بحكمه من الذمّي ، إلاّ أنّه لا دليل على اعتبار هذه الأمارة التي لا تفيد إلاّ الظنّ ، وهو لا يغني عن الحقّ شيئاً .
وأمّا الوجه الثالث; وهي الموثّقة فقد اُورد على الاستدلال بها بعدم ظهورها في
|