(الصفحة81)
الورود فيما يحتمل أن يكون من الكنز كما في المقام ، بل الظاهر ورودها في باب اللقطة; وهي المال الضائع من مالكه .
وبعبارة اُخرى الظاهر أنّ الورق الذي وجده كان على ظاهر الأرض لا مستوراً في الخربة حتّى يحتمل صدق عنوان الكنز عليه .
ولكنّه أجاب عن هذا الإيراد بعض الأعلام (قدس سره) بأنّ الورق الموجود في الخربة لابدّ وأن يراد منه بمناسبة الحكم والموضوع الكنز ; لعدم إمكان التعريف لو لم يكن كنزاً; لتوقّفه على علامة ولم يفرض وجودها في الرواية ، ولا أقلّ من الشمول له بالإطلاق ، فحملها على اللقطة بعيد(1) .
أقول : إن كان لفظ الورق الموجود في الرواية بفتح الواو وكسر الراء فظاهر ما يستفاد من كتاب مجمع البحرين(2) أنّه بمعنى الفضّة ، وبه فسّر قوله تعالى حكاية عن أصحاب الكهف {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ}(3) فتعريفه في كمال الإمكان ولو كان على وجه الأرض ، وإن كان بفتح الواو وسكون الراء فمعناه على ما في ذلك الكتاب هي الدراهم المضروبة ، وإمكان التعريف من جهة العدد في غاية الإمكان .
هذا ، مع أنّهم قد تعرّضوا ظاهراً لحكم لقطة مثل الاسكناس الخالي عن العلامة فرفع اليد عن ظاهر الرواية وورودها في باب اللقطة مشكل .
ثمّ إنّه ورد في هذا المجال أيضاً صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألته عن الدار يوجد فيها الورق ، قال : إن كانت معمورة فيها أهلها فهي لهم ، وإن كانت خربة قد
(1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 82 .
(2) مجمع البحرين 3 : 1927 .
(3) سورة الكهف 18 : 19 .
(الصفحة82)
جلى عنها أهلها فالذي وجد المال أحقّ به(1) .
وهذه الصحيحة توجب تقييد الأرض الخربة في الموثّقة بما إذا لم يتحقّق الجلاء فالتعريف إنّما في هذه الصورة . وأمّا في صورة الجلاء فالذي وجد المال أحقّ به ، فهو مالك له وعليه التخميس .
وعليه فنتيجة الجمع بين الروايات هي الملكية في صورة الانجلاء ووجوب التخميس ، كما هو موافق للمتن والعروة(2) ، ولعلّه المشهور بين المتأخّرين .
والظاهر أنّ هذه الصحيحة هي الرواية الوحيدة الدالّة على ملكية الواجد للكنز .
وقد عرفت في صدر البحث(3) أنّ الإطلاقات الواردة في ثبوت الخمس في الكنز لا دلالة لها على الملكية ، بل هي مفروضة في موارد ثبوت الملكية وأنّه لا فرق بينها وبين الإطلاقات الواردة في ثبوت الخمس في المعادن ، ولا فرق في ذلك بين ما ورد فيه السؤال عمّا يجب في الكنز ، وبين ما يدلّ ابتداءً على ثبوت الخمس في الكنز ، وأنّه أحد الاُمور المتعلّقة للخمس .
وعليه فالدليل على ثبوت الملكية لواجد الكنز هي تلك الصحيحة ، ولكنّه يظهر من بعض الأعلام (قدس سره) اقتضاء القاعدة لها أيضاً .
وملخّص ما أفاده في وجهه يرجع إلى أنّه إن كانت هناك قرينة على أنّ الكنز لمحترم المال من مسلم أو ذمّي ، أو احتملنا ذلك فمقتضى الأصل عدم جواز التصرّف فيه كما ذكروه ، وأمّا إذا علمنا أنّه ادّخره إنسان منذ عهد قديم وفي الأزمنة
(1) الكافي 5 : 138 ح5 ، التهذيب 6 : 390 ح1169 ، الوسائل 25 : 447 ، كتاب اللقطة ب5 ح1 .
(2) العروة الوثقى 2 : 374 .
(3) في ص78 ـ 79 .
(الصفحة83)
السابقة البالغة مئات السنين ، كما هو الغالب في الكنوز حيث لا يحتمل حياة مدّخرها ، بل قد مات جزماً وبالموت قد خرج عن ملكه قطعاً ، وحينئذ إن علمنا بأنّ له وارثاً محترم المال وقد انتقل الملك إليه بالإرث نسلاً بعد نسل إلى زماننا هذا ـ وإن لم يعرف المالك الفعلي بشخصه ـ كان مقتضى القاعدة لزوم الفحص عنه; لأنّه من مصاديق مجهول المالك ، وأمّا إذا لم يحرز ذلك ـ كما هو الغالب ـ فمقتضى القاعدة الانتقال إلى الإمام; لأصالة عدم وجود وارث محترم له ، فيدخل في موضوع من مات ولم يكن له وارث ، فيدخل في ملك الإمام(عليه السلام) ، وحيث إنّهم أباحوه لشيعتهم فيجوز لهم التملّك له من هذه الجهة(1) .
وأنت خبير بأنّ ما أفاده ـ مضافاً إلى أنّه غير كاف لإثبات تمام المدّعى; لأنّه أوسع من الدليل; لاقتضائه الملكية في موارد خاصّة فقط ـ يرد عليه أنّه لا مجال للأصل مع وجود الرواية الواردة في المسألة; لعدم كونهما في رتبة واحدة ، بل الرواية حاكمة على الأصل موافقاً كان لها أم مخالفاً .
المقام السادس : في اعتبار النصاب في الكنز ومقداره وعدمه ، وقد ذكر في المتن أنّه عشرون ديناراً ، أو مائتا درهم ، أو قيمة أحدهما ، وإن وقع التعبير بمطلق الذهب والفضّة لكنّه مسامحة . والدليل على اعتبار النصاب ومقداره صحيحة البزنطي المتقدّمة(2) التي سئل فيها عمّا يجب الخمس فيه من الكنز ، سواء قلنا فيها بأنّ السؤال إنّما هو عن المقدار والكمّية بقرينة صحيحته الاُخرى الواردة في المعدن كما اخترناه(3) ، أو قلنا بأنّ السؤال فيها إنّما هو عن الحقيقة والماهيّة كما اختاره بعض
(1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 83 ـ 84 .
(2) في ص74 .
(3) في ص47 .
(الصفحة84)
الأعلام(1); لأنّه على هذا التقدير أيضاً لا يكون المراد المماثلة في خصوص الجنس دون المقدار ، فعلى أيّ تقدير تدلّ الصحيحة على اعتبار النصاب . غاية الأمر أنّه على تقدير ما قلنا في معنى الرواية يكون الخمس ثابتاً في مطلق الأموال ، وعلى التقدير الآخر في خصوص الذهب والفضّة المسكوكين ، كما أنّ التصريح بخصوص عشرين ديناراً في الصحيحة الاُخرى يوجب أن يكون إلحاق مائتي درهم به على سبيل الاحتياط ، وفي هذه الصحيحة لم يقع التصريح بشيء من النصابين في باب الدينار والدرهم .
ثمّ إنّه بقي في هذه المسألة فروع :
الفرع الأوّل : ما إذا وجد الكنز في أرض مملوكة له بابتياع ونحوه ، وفي المتن عرّفه المالك قبله مع احتمال كونه له ، وإن لم يعرفه عرّفه السابق إلى أن ينتهي إلى من لا يعرفه أو لا يحتمل أنّه له ، فيكون له وعليه الخمس .
وقد حكي عن المشهور(2) أنّه في صورة اليأس عن المالك يعامل معه معاملة مجهول المالك فيتصدّق به على الفقراء ولا يدخل في عنوان الكنز ، واستدلّوا عليه بقاعدة اليد ، نظراً إلى أنّ اليد التي كانت على هذا المال أمارة الملك ، ومن ثمّ وجب الرجوع إلى ذي اليد ، فإن عرفه وإلاّ سقطت يده عن الحجّية باعترافه أنّ المال ليس له ، وتصل النوبة إلى اليد السابقة; لأنّ سقوط اليد اللاّحقة عن الاعتبار يوجب الرجوع إلى اليد السابقة ما دام لم يعترف بعدم العرفان .
واُورد على هذا الوجه بوضوح فساده ، نظراً إلى أنّ أماريّة اليد على الملكية
(1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 77 .
(2) المنتهى 1 : 546 ، جامع المقاصد 6 : 176 ، مسالك الأفهام 1 : 461 ـ462 ، كتاب الخمس (تراث الشيخ الأعظم) : 52 .
(الصفحة85)
لا تتوقّف على التعريف والسؤال ، فلو كانت اليد حجّة في المقام فاللازم الدفع إلى ذي اليد من غير توقّف على التعريف .
ومن هنا كان المحكيّ عن جماعة(1) أنّه يعطى لمن انتقل عنه من غير سؤال وتعريف ، ويشير إليها صحيحة محمّد بن مسلم الواردة في الدار يوجد فيه الورق ، فقال : إن كانت معمورة فيها أهلها فهي لهم(2) ، لكن مورد الصحيحة اليد الفعلية وأجنبي عن المقام الذي هي صورة زوال اليد والانتقال إلى الغير بالبيع ونحوه كما هو المفروض . فلا وجه للاستدلال بها ، فلا مجال للاستفادة لا من قاعدة اليد ولا من الصحيحة .
أمّا الاُولى ، فلما عرفت من أنّ قاعدة اليد على فرض التمامية تقتضي لزوم الدفع إلى ذي اليد من غير حاجة إلى التعريف ، بل تجري حتّى مع صورة الشكّ وجهل ذي اليد بالملكيّة ، ولأجله يدفع إلى وارثه لو كان ميّتاً ، فلا تبقى حاجة إلى التعريف للمالك السابق ، ولأنّ حجّية اليد تختصّ باليد الفعلية ، فهي الكاشفة عن الملكية ، وأمّا الزائلة فهي ساقطة عن درجة الاعتبار .
وتدلّ عليه ذيل الصحيحة المزبورة الدالّة على أنّه إن كانت الدار خربة قد جلى عنها أهلها ، فالذي وجد المال أحقّ به بلحاظ دلالتها على أنّ الجلاء والإعراض يوجب سقوط اليد عن الأمارية ، فإذا سقطت بالإعراض فسقوطها بالانتقال بالبيع ونحوه بطريق أولى ، إلاّ أن يقال : إنّ الانتقال الواقع لم يقع بلحاظ الكنز لعدم علم البائع به ، بل إنّما وقع بالإضافة إلى أصل الدار ونحوها ، وهذا بخلاف الجلاء
(1) الدروس الشرعية 1 : 260 ، الحدائق الناضرة 12 : 338 .
(2) تقدّمت في ص81 .
(الصفحة86)
والإعراض الظاهر في الجلاء عن الدار بتمام شؤونها ، فالسقوط عن الأماريّة في صورة الجلاء لا يستلزم السقوط بالانتقال بمثل البيع .
وأمّا الصحيحة فلا مجال للاستناد إليها بعد عدم الظهور لها فيما ذكر . هذا ، ولكن هناك روايتان حكي عن الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره)(1) التمسّك بهما :
إحداهما : ما رواه الكليني بسنده عن عبدالله بن جعفر الحميري ، قال : كتبت إلى الرجل(عليه السلام) أسأله عن رجل اشترى جزوراً أو بقرة للأضاحي ، فلمّا ذبحها وجد في جوفها صرّة فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة ، لمن يكون ذلك؟ فوقّع(عليه السلام) : عرّفها البائع ، فإن لم يكن يعرفها فالشيء لك رزقك الله إيّاه(2) .
ثانيتهما : موثّقة إسحاق بن عمّار قال : سألت أبا إبراهيم(عليه السلام) عن رجل نزل في بعض بيوت مكّة فوجد فيه نحواً من سبعين درهماً مدفونة ، فلم تزل معه ولم يذكرها حتّى قدم الكوفة كيف يصنع؟ قال : يسأل عنها أهل المنزل لعلّهم يعرفونها ، قلت : فإن لم يعرفوها؟ قال : يتصدّق بها(3) .
وهناك رواية ثالثة متقدّمة; وهي رواية محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : قضى عليّ(عليه السلام) في رجل وجد ورقاً في خربة أن يعرّفها ، فإن وجد من يعرفها ، وإلاّ تمتّع بها(4) .
هذا ، وقد استظهر عدم صحّة الاستدلال بشيء من الروايات الثلاثة للمقام .
أمّا الأخيرة ، فلزوم حملها على الأرض الخربة التي لم ينجل عنها بقرينة
(1) كتاب الخمس (تراث الشيخ الأعظم الأنصاري) : 58 ـ 59 .
(2) الكافي 5 : 139 ح9 ، الوسائل 25 : 452 ، كتاب اللقطة ب9 ح1 .
(3) التهذيب 6 : 391 ح1171 ، الوسائل 25 : 448 ، كتاب اللقطة ب5 ح3 .
(4) تقدّمت في ص77 .
(الصفحة87)
صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة(1) أيضاً ، فيكون الورق حينئذ من مجهول المالك ، والحكم بلزوم التعريف حينئذ مطابق للقاعدة ، سواء كان الورق تحت الأرض أم فوقها وإن كان الظاهر هو الأوّل; لعدم إمكان التعريف في غير هذه الصورة ، فيكون التعريف بسببها .
وأمّا الروايتان الاُخريان ، فكلتاهما أجنبيّتان عن محلّ الكلام أيضاً ، أمّا الرواية الاُولى فواضحة ، ضرورة أنّ ما يوجد في جوف الدابّة من الصرّة المشتملة على الدرهم والدينار شيء حادث في بطنه قد ابتلعه قريباً قبل يوم أو يومين ، فهو طبعاً فرد من أفراد مجهول المالك لابدّ فيه من التعريف ، وبما أنّ البائع أقرب المحتملات فيراجع ، وبالتعبّد الشرعي يسقط التعريف عن غير البائع ، كما أنّه بإذن الإمام(عليه السلام)الذي هو الوليّ العام يملكه الواجد ، وبذلك يخصّص ما دلّ على وجوب التصدّق لمجهول المالك ، فإنّه حكم وارد في موضوع خاصّ نظير ما ورد فيما يلقيه البحر إلى الخارج من استملاكه وإن كان من مصاديق مجهول المالك .
وأمّا الرواية الثانية ، فلظهورها في أنّ لتلك الدراهم مالكاً محترماً بالفعل مجهولاً نظراً إلى اقتضاء طبيعة الحال كون ذلك البيت من المنازل المعدّة للإيجار ولنزول الحجّاج والزوّار ، فلأجله يظنّ أنّ تلك الدراهم تتعلّق بحاجّ نزل قبل ذلك ، وبما أنّ صاحب المسكن أدرى به ، فطبعاً يرجع إليه مقدّمةً للاستعلام من ذلك المالك المجهول ، فإن عرفه ، وإلاّ فيتصدّق به عنه ، وذلك شأن كلّ مال مجهول مالكه ، وأين هذا من الكنز؟ سيّما وأنّ الدراهم إنّما حدثت في زمن المعصومين (عليهم السلام) ولم تكن موجودة في العهود البائدة ليصدق على دفينتها اسم الكنز .
(1) في ص81 ـ 82 .
(الصفحة88)
فتحصّل أنّه لم يدلّ أيّ دليل على لزوم الرجوع إلى البائع الأخير فضلاً عن البائع قبله في الكنز . نعم ، هو أحوط رعاية للمشهور(1) ، بل ادّعى بعضهم الإجماع(2) عليه وعلى لزوم الرجوع إلى المالك قبله إن لم يعرفه .
أقول : وقد انقدح من جميع ما ذكر أنّه لم ينهض دليل على لزوم الرجوع إلى البائع ثمّ إلى البائعين قبله ثمّ صيرورته مالكاً له بما أنّه كنز ، ويتعلّق به الخمس من هذه الجهة ، لا القاعدة ولا شيء من الروايات المتقدّمة . نعم ، يمكن أن يكون الدليل لخصوص لزوم الرجوع إلى البائع الأوّل هو الإجماع المدّعى ، وإن كان قد عرفت(3)أنّ المحكيّ عن جماعة لزوم الدفع إليه من غير سؤال ومن غير لزوم عرفانه ، إلاّ أنّ الملكية وثبوت الخمس به لا يمكن إقامة الدليل عليه بوجه لا من النصّ ولا من الفتاوى ، ومورد رواية الحميري على ما عرفت هي الدابّة المشتراة للاُضحية من الجزور والبقرة ، فلا يشمل مثل الأرض المشتراة التي يمكن أن يكون للمال المدفون تحتها عشر سنين أو عشرات أو أزيد ، فتدبّر .
وأمّا موثّقة إسحاق المتقدّمة فقد مرّ أنّ مفادها لزوم التصدّق بالدراهم المدفونة في بعض بيوت مكّة التي وجدها الحاجّ النازل بها الواجد لها ، فلا ارتباط لها بالمقام ، وأمّا الروايتان الاُخريان فبعد حمل المطلق منهما على المقيّد يكون المورد صورة عدم الانجلاء ، وأمّا صورة الانجلاء التي حكم فيها بالتمتّع بها فهي أجنبيّة عن المقام ، كما لا يخفى .
الفرع الثاني : ما أفاده بقوله (قدس سره) : «ويلحق بالكنز على الأحوط ما يوجد في
(1) كفاية الأحكام: 43 .
(2) منتهى المطلب 1: 546 ، جواهر الكلام 16: 31 .
(3) في ص85.
(الصفحة89)
جوف الدابّة المشتراة مثلاً ، فيجب فيه بعد عدم معرفة البائع ، ولا يعتبر فيه بلوغ النصاب» .
أقول : الدليل الوحيد في هذا الباب هي صحيحة الحميري المتقدّمة ، وهي كالصريحة في لزوم تعريف البائع ، والظاهرة في خصوص البائع الأوّل دون البائع أو البائعين قبله مع عدم معرفته إيّاها ، كما أنّها ظاهرة في ملكيّة الواجد لتمامها من دون تعلّق الخمس بها فوراً ، كما هو المعروف بين الأصحاب(1) على ما حكي عن المحقّق صاحب الشرائع(2) ، وعلى تقديره فدلالتها على كون تعلّق الخمس بها من جهة الكنز ممنوعة جدّاً ; لعدم صدق الكنز عليها عرفاً بوجه وإن كان لا يتوقّف على الدفن في خصوص الأرض ، بل كما عرفت يشمل الستر في مثل الجدار والجبال وبطن الأشجار(3) ، إلاّ أنّه لا يصدق على الصرّة التي ابتلعها الحيوان قطعاً ، ثمّ على تقدير كون المورد من مصاديق الكنز ، فما الدليل على عدم اعتبار النصاب في خصوص هذا الكنز ، بعد كون الدليل الدالّ على اعتبار النصاب في الكنز الذي هو متعلّق الخمس مطلقاً شاملاً لجميع موارده؟
وبالجملة : فالجمع بين كون المورد كنزاً كما احتاط في المتن واختاره السيّد في العروة(4) ، وبين عدم اعتبار النُصُب ممّا لا يكاد يتمّ بوجه .
اللّهم إلاّ أن يقال بأنّ تعلّق الخمس به إنّما هو من باب الغنيمة بمعنى مطلق الفائدة والاستفادة ، ولا اختصاص له بخصوص أرباح المكاسب والتجارات التي يعتبر
(1) السرائر 2 : 106 ، مدارك الأحكام 5 : 372 ، جواهر الكلام 16 : 35 .
(2) شرائع الإسلام 1 : 180 .
(3) في ص73 .
(4) العروة الوثقى 2 : 376 مسألة 18 .
(الصفحة90)
فيها الزيادة عن مؤونة السنة ، كما أنّه ربما يقال بانصراف دليل مجهول المالك عن مثل الصرّة المزبورة ، نظراً إلى أنّها بعدما أكلتها الدابّة تعدّ عرفاً بمثابة التالف ، سيّما مع قضاء العادة بعدم استقرار الدابّة في بلدة واحدة ، بل تنتقل منها إلى اُخرى للكلإ ونحوها ، ولكنّ الانصراف ممنوع; لأنّ بقاء الصرّة في بطن الدابّة في أيّام قليلة خصوصاً في الدابّة المشتراة للأضاحي لا يوجب خروجها عن عنوان مجهول المالك بوجه ، فاللاّزم الالتزام بالتخصيص في أدلّته لا التخصّص ، كما لا يخفى .
الفرع الثالث : ما ذكره بقوله (قدس سره) : «بل يلحق به أيضاً على الأحوط ما يوجد في جوف السمكة ، بل لا تعريف فيه للبائع إلاّ على فرض نادر» وذكره صاحب العروة(1) بنحو الفتوى ، ومنشأ وجوب الخمس بعنوان الكنز هو الشهرة بين الأصحاب(2) ، كما أنّ عدم التعريف فيه للبائع هو المشهور(3) . ونسب إلى العلاّمة(4)الخلاف في عدم وجوب التعريف للبائع .
وذكر بعض الأعلام (قدس سره) في وجه عدم وجوب التعريف هنا للبائع دون الصرّة في الفرع الثاني ـ بعد الاعتراف بعدم نهوض دليل هنا على أصل وجوب الخمس فضلاً عن كونه بعنوان الكنز ـ ما محصّله بعد كثرة عباراته : أنّ الكلام تارةً يقع فيما إذا وجد في جوف السمكة ما يتكوّن في البحر مثل اللؤلؤ والمرجان الواردين في روايات الغوص ، واُخرى ما إذا كان ملكاً لأحد قد سقط في البحر من أحد الراكبين
(1) العروة الوثقى 2: 376 مسألة 18.
(2) النهاية : 321 ـ 322 ، شرائع الإسلام 1 : 180 ، إرشاد الأذهان 1: 292 ، مدارك الأحكام 5 : 374 ، جواهر الكلام 16 : 39 .
(3) النهاية : 322 ، شرائع الإسلام 1 : 180 ، قواعد الأحكام 1 : 361 ، الروضة البهية 2 : 70 .
(4) تذكرة الفقهاء 2 : 265 (الطبعة الحجرية) وحكاه عنه في مصباح الفقيه 14 : 79 .
(الصفحة91)
للسفينة مثلاً، كالخاتم أو الدرهم أو الدينار . أمّا وجوب التعريف في الصورة الاُولى فهو مبنيّ على أن يكون ما في الجوف ملكاً للصائد باعتبار الحيازة التبعيّة وكون البيع الواقع عليها واقعاً على السمكة خاصّة ، دون ما في بطنها وكونه باقياً على ملك البائع ، وكلا الأمرين ممنوعان ; أمّا الأوّل فلمنع صدق الحيازة بالنسبة إلى ما في الجوف; لتقوّمها بالالتفات والقصد وصدق الاستيلاء، وهو منفيّ في الحيازة التبعيّة، وأمّا الثاني فلأنّ ظاهر البيع أنّه ينقل السمكة إلى المشتري على الوجه الأوّل الذي استملكها ، فيبيع ما صاده على النحو الذي حازه ، ولكن العمدة هو الإشكال الأوّل .
وأمّا الصورة الثانية ، فالظاهر عدم وجوب الرجوع فيها أيضاً لا إلى البائع ولا إلى غيره ، أمّا الثاني فلدلالة صحيحة الحميري في الصرّة عليه بطريق أولى . وأمّا الأوّل ، فلعدم خصوصيّة للبائع من بين سائر الناس استوجب الرجوع إليه ; لأنّ احتمال كونه له احتمال موهوم جدّاً لا يعتني به العقلاء(1) ، انتهى .
ولسائل أن يسأل عنه أنّه هل يلتزم بلازم ما أفاده من منع الحيازة التبعيّة؟ وهو أنّه لو غصب غاصب السمكة من الصائد الذي قد ملكها ثمّ وجد الغاصب في جوف السمكة لؤلؤاً أو مرجاناً مثلاً وقصد تملّكه فعلى هذا التقدير يلزم أن لا يكون ضامناً لما في جوف السمكة بل لنفسها; لعدم صيرورته ملكاً للصائد ؟ والظاهر عدم الالتزام به ، ومع ذلك فلا يجب تعريفه للبائع ولم يثبت الخمس فيه بوجه .
ثمّ الظاهر أنّ المراد من الفرض النادر الذي استثناه من عدم لزوم تعريف البائع هو ما لو كانت تربية السمكة في أرض محدودة مملوكة للصائد مشتملة على ماء كثير ، كما هو المتداول في هذه الأزمنة ويسمّى السمك المربّى فيه ـ باللغة الفارسية
(1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 104 ـ 106 .
(الصفحة92)
الرابع : الغوص
فكلّ ما يخرج به من الجواهر مثل اللؤلؤ والمرجان وغيرهما ممّا يتعارف إخراجه بالغوص يجب فيه الخمس إذا بلغ قيمته ديناراً فصاعداً ، ولا فرق بين اتّحاد النوع وعدمه ، وبين الدفعة والدفعات ، فيضمّ بعضها إلى بعض ، فلو بلغ المجموع ديناراً وجب الخمس ، واشتراك جماعة في الإخراج هاهنا كالاشتراك في المعدن في الحكم1 .
بـ «ماهى پرورشى» ـ فإنّه في هذه الصورة يصير ما في جوفها شبيهاً بالصرّة الموجودة في الجزور أو البقرة التي دلّت الصحيحة المتقدّمة على لزوم تعريف البائع فيها ، كما لا يخفى .
الفرع الرابع : ما ذكر في المتن بعبارة: «بل الأحوط إلحاق غير السمكة والدابّة من الحيوان بهما» .
أقول : الظاهر أنّه لا إشكال في أنّ سائر الحيوانات البحريّة ملحقة بالسمكة; لاتحاد دليلهما ، كما أنّه لا إشكال في أنّ سائر الحيوانات البرّيّة ملحقة بالجزور والبقرة وإن لم يكن صالحاً للأضاحي كالغزال مثلاً; لإلغاء الخصوصيّة من الصحيحة ، ولذا لا وجه للإشكال في لحوق الغنم الصالح للاُضحية بهما ، كما لايخفى .
1 ـ ينبغي التكلّم في هذه المسألة في جهات :
الجهة الاُولى : في أصل تعلّق الخمس بما يخرج بالغوص في الجملة ولو ببعض أنواعه ، ويدلّ عليه ـ قبل الإجماع(1) حتّى من صاحب المدارك(2) ـ الأخبار
(1) غنية النزوع : 129 ، منتهى المطلب : 1 / 547 .
(2) مدارك الأحكام 5 : 375 .
(الصفحة93)
الكثيرة الآتية ، فلا إشكال في هذه الجهة .
الجهة الثانية : في إطلاق ثبوت الحكم وعدمه والقول بالاختصاص كما حكي عن صاحب المدارك(1); لورود خصوص العنبر واللؤلؤ في صحيحة الحلبي قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن العنبر وغوص اللؤلؤ ، فقال : عليه الخمس ، الحديث(2) .
ويدفعه دلالة روايات اُخرى على الإطلاق وإن كان مقتضى مبناه من القول باختصاص حجّية خبر الواحد بالصحيح الأعلائي ذلك ، لكنّ المبنى غير صحيح كما بيّن في محلّه .
ففي صحيحة عمّار بن مروان قال : سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول: فيما يخرج من المعادن ، والبحر ، والغنيمة ، والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه ، والكنوز ، الخمس(3) . وعمّار بن مروان وإن كان مشتركاً بين الثقة وغيره ، إلاّ أنّ الإطلاق ينصرف إلى الثقة ، خصوصاً مع روايته عن الصادق(عليه السلام) .
وصحيحة ابن أبي عمير ، عن غير واحد ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : الخمس على خمسة أشياء: على الكنوز ، والمعادن ، والغوص ، والغنيمة ، ونسي ابن أبي عمير الخامس(4) .
والظاهر صحّة مثل هذه الرواية المرويّة عن غير واحد كالمرويّة عن عدّة من أصحابنا .
هذا ، ويمكن المناقشة في إطلاق الروايتين بعدم كونهما في مقام البيان حتّى
(1) مدارك الأحكام 5 : 375 .
(2) التهذيب 4 : 121 ح346 ، الوسائل 9 : 498 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب7 ح1 .
(3) الخصال : 290 ح51 ، الوسائل 9 : 494 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب3 ح6 ، وقد تقدّمت في ص71 .
(4) الخصال : 291 ح53 ، الوسائل 9 : 494 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب3 ح7 ، وقد تقدّمت في ص71 .
(الصفحة94)
يتمسّك بإطلاقهما ، ومع ذلك فهناك روايات اُخرى مؤيّدة لعدم الاختصاص بما أفاده ، خصوصاً الرواية الواردة في النصاب الآتية إن شاء تعالى ، والمتقدّمة(1) في باب المعدن .
وبالجملة : فالظاهر أنّه لا ينبغي الإشكال في عدم الاختصاص في هذه الجهة .
الجهة الثالثة : هل العبرة في هذا الأمر المأخوذ متعلّقاً للحكم بثبوت الخمس بما يخرج من البحر ، من دون فرق بين أن يكون السبب للإخراج هو الغوص أو غيره ، كالآلات المتداولة سيّما في هذه الأعصار الأخيرة ، ويدلّ عليه ظاهر صحيحة عمّار بن مروان المتقدّمة ، أو بالغوص من دون فرق بين أن يكون في البحر ، أو في الشطوط والأنهار الكبيرة ، ويدلّ عليه ظاهر صحيحة ابن أبي عمير المتقدّمة أيضاً . ومن المعلوم ثبوت المغايرة بين العنوانين وإن كان التغاير بالعموم من وجه الذي مقتضاه ثبوت مادّة الاجتماع ومادّتي الافتراق في هذه الجهة؟ وجوه بل أقوال :
1 ـ قول محكيّ عن المحقّق صاحب الشرائع(2) وجماعة اُخرى(3) ، منهم المحقّق الهمداني (قدس سره) في شرحها(4); وهو لزوم اجتماع الأمرين وعدم ثبوت الخمس إلاّ في مادّة الاجتماع; وهي ما يخرج من خصوص البحر بسبب الغوص ، والوجه فيه تقييد كلّ من الإطلاقين في الصحيحتين بسبب الآخر ، فاللازم وجود القيدين في
(1) في ص44 .
(2) شرائع الإسلام 1 : 180 .
(3) الحدائق الناضرة 12 : 345 ، جواهر الكلام 16 : 39 و41 ، رياض المسائل 5 : 240 ، كتاب الخمس (تراث الشيخ الأعظم) : 67 و165 .
(4) مصباح الفقيه 14 : 86 ـ 87 .
(الصفحة95)
الحكم في البين .
ويرد عليه في بادئ النظر أنّه لا منافاة بين الحكمين حتّى يجمع بينهما بالحمل على التقييد ، فمن الممكن أن يكون كلّ من العنوانين موضوعاً مستقلاًّ في باب تعلّق الخمس بمعنى تعلّقه بكلا الأمرين وإن كانت هناك مادّة الاجتماع في البين .
2 ـ ما اختاره بعض الأعلام (قدس سره)(1) من أنّ كلّ واحد من العنوانين موضوع مستقلّ في هذا المجال ، كما يدلّ عليه الصحيحتان ولم يدلّ دليل على وحدة الحكم في هذا المجال ، بل كلّ عنوان موضوع بحياله من دون الارتباط بالآخر ، وهذا هو الذي يقتضيه الجمود على ظاهر الدليل وإن كان يبعّده تعدّد الحكم في هذا المقام ، وعليه فيثبت الحكم فيما اُخرج من البحر ولو بسبب غير الغوص ، وفي الغوص من الأنهار الكبيرة وإن لا يصدق عليها البحر بل ولا البحيرة .
3 ـ كون الملاك هو الإخراج من البحر ولو بسبب غير الغوص ، وذكر الغوص في الرواية الاُخرى إنّما هو لأجل كون الغالب في الإخراج من البحر هو الغوص خصوصاً في زمن الأئمّة (عليهم السلام) ، وفي الحقيقة يكون الإطلاق منصرفاً إلى خصوص الغوص .
4 ـ عكس القول الثالث ، وأنّ إطلاق الغوص منصرف إلى الغوص في البحر ، خصوصاً مع ملاحظة جريان الماء في الشطوط والأنهار الكبيرة الموجب نوعاً لعدم التكوّن في قعرها; لعدم ركود الماء وسيلانها وجريانها .
ويدفع الأخيرين أنّ منشأ الانصراف كما حقّق في محلّه ليس هي كثرة
(1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 110 ـ 111 .
(الصفحة96)
الوجودات والأفراد ، بل المنشأ هي كثرة الاستعمال غير الثابتة في المقام .
هذا ، ويظهر من المحقّق الهمداني (قدس سره) وجه لتصحيح كلام صاحب الشرائع لا بأس بإيراده ، فنقول : حاصله أنّ المتراءى من ظواهر النصوص والفتاوى انحصار ما يجب الخمس فيه في الخمسة ، فلو كان كلّ من العنوانين الواردين موضوعاً للحكم مستقلاًّ لكان اللاّزم أن يكون الموجب ستّة ، وهو مناف للحصر المذكور ، فلا محيص عن إرجاع أحدهما إلى الآخر ، والأشبه بالقواعد هو ارتكاب التقييد ، فيكون الموضوع ما اُخرج من البحر بالغوص .
ثمّ أفاد (قدس سره) أنّه مع التنزّل ووصول النوبة إلى الاُصول العمليّة يكون المرجع هي أصالة البراءة عن الوجوب في غير مادّة الاجتماع(1) .
وأورد عليه بعض الأعلام بما حاصله أنّ صحيحة ابن أبي عمير وإن كانت ظاهرة في الحصر ، إلاّ أنّه لا مناص من رفع اليد عن هذا الظهور ، نظراً إلى أنّ وجوب الخمس فيما يخرج من البحر بغير الغوص مقطوع به في الجملة ، إمّا بعنوان ما يخرج من البحر ، أو بعنوان الفوائد والأرباح ، وإن كانت تظهر الثمرة بالنسبة إلى استثناء مؤونة السنة .
ومن المعلوم أنّ شيئاً من العنوانين لا يكون من الخمسة ، فالحصر غير حاصر لا محالة ، واحتمال الدخول في عنوان الغنيمة المذكور في الصحيحين يدفعه أنّ المراد بها فيهما خصوص غنائم دار الحرب ، وإلاّ لا يكون سائر الأقسام المذكورة معها كالمعادن والكنوز والغوص قسيماً لها ، فإنّها كلّها فوائد .
وأورد على ما ذكره من الأصل بأنّه لا مجال له بعد تعلّق القطع بتعلّق الخمس بما
(1) مصباح الفقيه 14 : 86 .
(الصفحة97)
اُخرج من البحر بغير الغوص ، ولأجله يعلم بأنّ خمس المال قد انتقل إلى أربابه بمجرّد تملّكه ، فيتوقّف جواز التصرّف على الإذن ، ولم يحرز ما لم يخمّس ، فمقتضى الأصل عدم جواز التصرّف فيه ووجوب إخراج خمسه بمجرّد حيازته ، وجواز التصرّف فيه واستثناء المؤونة أي مؤونة السنة غير معلوم ، والأصل العدم ، فمقتضاه الثبوت لا البراءة ، كما أفاده (قدس سره)(1) .
قلت : يمكن تأييد ما أفاده المحقّق في الشرائع بوجهين آخرين بعد كون الأمر دائراً بين الوجهين الأوّلين ، كما عرفت :
الأوّل : أنّ لازم ما أفاده بعض الأعلام من القول الثاني الحكم بلزوم تعدّد الخمس في مادّة الاجتماع لانطباق العنوانين عليها; عنوان ما يخرج من البحر وعنوان الغوص ، ومجرّد كون التغاير عموماً من وجه لا ينفي التعدّد ، مع أنّه من الظاهر خصوصاً بملاحظة الفتاوى عدم التعدّد .
الثاني : إمكان دعوى القطع بأنّ الأمر المتعلّق للخمس في هذا المجال ليس إلاّ أمراً واحداً أو عنواناً فارداً لا عنوانين وإن كان التغاير بينهما بالعموم من وجه .
وبعبارة اُخرى الظاهر كون التغاير بين العناوين المتعلّقة للخمس هو التباين كالكنز والمعدن وغيرهما .
نعم ، قد عرفت(2) أنّه قد ورد في بعض الروايات أنّه ليس الخمس إلاّ في الغنائم خاصّة . وعرفت(3) أنّ المراد بها مطلق الفائدة ، وإن كان المراد بالغنيمة المأخوذة في هاتين الروايتين خصوص غنائم دار الحرب ، كما أفاده (قدس سره) .
(1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 112 ـ113 .
(2) في ص13 .
(الصفحة98)
وبالجملة : الظاهر أنّ الحقّ مع الشرائع ، كما عرفت .
الجهة الرابعة: في اعتبار النصاب ومقداره ، والمعروف أنّ النصاب المعتبر فيه دينار واحد(1) ، وحكي عن المفيد اعتبار عشرين(2) ، ويدلّ على المشهور ما رواه الشيخ بإسناده عن سعد ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن أحمد بن محمد ابن أبي نصر ، عن محمّد بن علي بن أبي عبدالله ، عن أبي الحسن(عليه السلام) قال : سألته عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد ، وعن معادن الذهب والفضّة ، هل فيها زكاة؟ فقال : إذا بلغ قيمته ديناراً ففيه الخمس(3) . والضمير المذكّر المفرد يرجع إلى ما يخرج من البحر .
وأمّا المعادن فاللاّزم رجوع الضمير المؤنّث إليها ، كما لا يخفى .
ومحمّد بن علي بن أبي عبدالله وإن كان حاله مجهولاً ، إلاّ أنّه قد روى الصدوق الرواية مرسلة بالإرسال المعتبر ، حيث قال : سُئل أبو الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام)عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد ، وعن معادن الذهب والفضّة ، هل فيها زكاة؟ فقال : إذا بلغ قيمته ديناراً ففيه الخمس(4) . ويؤيّد رجوع الضمير إلى ما يخرج من البحر أنّ الصدوق في محكيّ المقنع(5) نقل الرواية وترك ذكر المعادن .
(1) السرائر 1 : 488 ، شرائع الإسلام 1 : 180 ، منتهى المطلب 1 : 550 ، مختلف الشيعة 3 : 191 ، الحدائق الناضرة 12 : 344 .
(2) الرسالة العزّية ، حكى عنه في مختلف الشيعة 3 : 191 مسألة 148 .
(3) التهذيب 4 : 124 ح356 ، الوسائل 9 : 493 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب3 ح5 .
(4) الفقيه 2 : 21 ح72 .
(5) المقنع : 172 .
(الصفحة99)
مسألة 3 : لو أخرج الجواهر من البحر ببعض الآلات من دون غوص يكون بحكمه على الأحوط . نعم ، لو خرجت بنفسها على الساحل أو على وجه الماء فأخذها من غير غوص تدخل في أرباح المكاسب لا الغوص إذا كان شغله ذلك ، فيعتبر فيها إخراج مؤونة السنة ، ولا يعتبر فيها النصاب . وأمّا لو عثر عليها من باب الاتّفاق فتدخل في مطلق الفائدة ويجيء حكمه1 .
مسألة 4 : لا فرق فيما يخرج بالغوص بين البحر والأنهار الكبيرة ـ كدجلة والفرات والنيل ـ إذا فرض تكوّن الجواهر فيها كالبحر2 .
1 و 2 ـ يظهر منه (قدس سره) أنّه اختار في هذا المجال ما أفاده بعض الأعلام (قدس سره) ممّا تقدّم ، ومرجعه إلى كون المتعلّق في هذا المقام عنوانين مستقلّين . غاية الأمر أنّه حكم بلزوم الخمس في الغوص من الأنهار الكبيرة دون البحر بنحو الفتوى ، وبلزوم الخمس فيما يخرج من البحر ببعض الآلات من دون غوص بنحو الاحتياط الوجوبي دون الفتوى ، ولعلّ الفرق بينهما بنظره (قدس سره) أنّ عنوان الغوص قد وقع في صحيحة الحلبي التي عرفت اعتبارها حتّى على مبنى صاحب المدارك(1) ، وإن وقعت المخالفة معه في الاختصاص بالعنبر واللؤلؤ وعدمه . وأمّا عنوان ما يخرج من البحر فقد وقع في رواية عمّار بن مروان المتقدّمة ، وصحّته عنده غير معلومة وإن كان قد عرفت الانصراف إلى خصوص الثقة(2) ، فالفرق بين العنوانين موجود من هذه الجهة .
ثمّ إنّه في المقام فرعان آخران :
أحدهما : ما لو خرجت الجواهر بنفسها على الساحل بحيث كان المخرج له هو
(1 ، 2) في ص93 .
(الصفحة100)
مسألة 5 : لو غرق شيء في البحر وأعرض عنه مالكه فأخرجه الغوّاص
البحر لأجل اختلاف حاله من الجزر والمدّ ، فالمحكيّ عن الشهيد (قدس سره) في البيان أنّه قال: لو اُخذ منه شيء بغير غوص فالظاهر أنّه كحكمه ولو كان ممّا ألقاه الماء على الساحل(1) . واحتمل في الجواهر استناده في ذلك إلى رواية محمّد بن علي بن أبي عبدالله المتقدّمة ، حيث إنّه لم يعلّق الحكم فيها على الغوص ، بل على ما يخرج من البحر ، واستشكل فيه باحتياجه إلى الجابر في ذلك وليس ، بل الموهن متحقّق على الظاهر(2) .
ثانيهما : ما لو أخذها عن وجه الماء من دون غوص ، والمذكور في المتن في الفرعين أنّه إذا كان من شغله ذلك فاللازم المعاملة في الفرعين معاملة أرباح المكاسب التي لا يعتبر فيها النصاب ، بل يجوز استثناء مؤونة السنة كما في سائر موارد أرباح المكاسب ، وإذا لم يكن من شغله ذلك فيدخل في مطلق الفائدة الذي سيجيء البحث فيه إن شاء الله تعالى .
أقول : بعد عدم اختصاص التعبير بما يخرج من البحر برواية محمّد بن علي بن أبي عبدالله ـ التي لم يحرز اعتبارها ، بل هذا العنوان واقع في صحيحة عمّار بن مروان المتقدّمة(3)ـ يمكن القول بالفرق بين الفرعين بصدق ما يخرج من البحر في الفرع الثاني دون الأوّل ، كما لا يخفى .
اللّهم إلاّ أن يقال بانصراف الأوّل إلى ما يخرج من باطن البحر وداخله ، وعليه فلا يصدق على المأخوذ من وجه الماء .
(1) البيان : 216 .
(2) جواهر الكلام 16 : 41 .
(3) في ص93 .
|