(الصفحة101)
ملكه ، والأحوط إجراء حكم الغوص عليه إن كان من الجواهر ، وأمّا غيرها فالأقوى عدمه1 .
1 ـ يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين :
المقام الأوّل : في أصل حصول الملكيّة للغوّاص في مفروض المسألة; وهو غرق شيء في البحر وإعراض المالك عنه ، ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى أنّه مقتضى القاعدة; لأنّه بعد تحقّق الإعراض يجوز للغير حيازته وتملّكه ولو بسبب الغوص ـ روايتان مرويّتان عن السكوني والشعيري الذي هو لقب آخر للسكوني ، واسمه إسماعيل واسم أبيه مسلم ، كما أنّ كنية أبيه أبو زياد .
إحداهما : ما رواه الكليني بإسناده عنه ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في حديث عن أميرالمؤمنين(عليه السلام) قال : وإذا غرقت السفينة وما فيها فأصابه الناس ، فما قذف به البحر على ساحله فهو لأهله وهم أحقّ به ، وما غاص عليه الناس وتركه صاحبه فهو لهم(1) . وليس المراد كون المقذف به لأهل الساحل بما هم كذلك ، بل لأجل أنّهم أقرب بالأخذ من غيرهم ، وإلاّ فلو كان الأخذ من غير أهل الساحل يجوز له الأخذ أيضاً ، كما لا يخفى .
ثانيتهما : ما رواه الشيخ بإسناده عنه قال : سُئل أبو عبدالله(عليه السلام) عن سفينة انكسرت في البحر فاُخرج بعضها بالغوص وأخرج البحر بعض ما غرق فيها ، فقال : أمّا ما أخرجه البحر فهو لأهله ، الله أخرجه ، وأمّا ما اُخرج بالغوص فهو لهم وهم أحقّ به(2) .
(1) الكافي 5 : 242 ح5 ، الفقيه 3 : 162 ح714 ، الوسائل 25 : 455 ، كتاب اللقطة ب11 ح1 .
(2) التهذيب 6 : 295 ح822 ، الوسائل 25 : 455 ، كتاب اللقطة ب11 ح2 .
(الصفحة102)
مسألة 6 : لو أخرج العنبر بالغوص جرى عليه حكمه ، وإن اُخذ على وجه الماء أو الساحل فمن أرباح المكاسب إذا أخذه المشتغل بذلك ، ومع العثور الاتّفاقي دخل في مطلق الفائدة1 .
هذا ، ولكن في هذا السند إشكال ، ويحتمل قويّاً وحدة الرواية ، وإن كان في إحداهما وقع النقل عن علي(عليه السلام) دون الاُخرى .
وكيف كان ، فلا إشكال في حصول الملكيّة للغوّاص في صورة إعراض المالك لأيّة جهة كان; لوقوع التقييد بها في الرواية الاُولى .
المقام الثاني : في إجراء حكم الغوص عليه وعدمه ، وقد فصّل في المتن بين ما لو كان من الجواهر فاحتاط وجوباً إجراء حكم الغوص عليه ، دون ما إذا كان من غيرها فقوّى العدم ، ولعلّ الوجه فيه أنّه لا ميز في الجواهر بين ما يتكوّن في البحر وبين ما هو المغروق في البحر ، فلو لم يجب الخمس فيه لزم عدم الوجوب مطلقاً ، لعدم الميز بوجه ، وهذا بخلاف غير الجواهر الذي لا يعتاد تكوّنه في البحر بوجه ، كما لا يخفى ، وقد وقع التقييد في أصل مسألة الغوص بما يتعارف إخراجه فراجع .
1 ـ قد وقع الخلاف بعد الاتّفاق(1) على تعلّق الخمس بالعنبر في الجملة على أقوال ، كالاختلاف في حقيقة الموضوع وماهيّة العنبر :
1 ـ ما يظهر من المتن من التفصيل بين ما لو أخرج العنبر بالغوص فيجري عليه حكمه ، وبين ما لو أخذ على وجه الماء أو الساحل فمن أرباح المكاسب إذا أخذه المشتغل بذلك ، ومع العثور الاتّفاقي داخل في مطلق الفائدة .
(1) غنية النزوع: 129 ، مدارك الأحكام 5: 377 ، كفاية الأحكام: 43 ، الحدائق الناضرة 12: 345 .
(الصفحة103)
2 ـ ما حكي عن صاحب المدارك(1) من تعلّق الخمس به في جميع الصور ، ولعلّ مستنده صحيحة الحلبي المتقدّمة(2) المعتبرة عنده أيضاً ، التي وقع السؤال فيها عن العنبر بنحو الإطلاق وغوص اللؤلؤ ، وحكم فيها بثبوت الخمس ، فإطلاق السؤال وترك الاستفصال في الجواب يدلّ على مرامه ، ويؤيّده الحكم بثبوت الخمس في العنبر في رواية مرسلة(3) من دون عطف الغوص عليه أصلاً .
3 ـ ما حكي عن كاشف الغطاء(4) من أنّه من مصاديق الغوص ، ومن الواضح أنّ العنبر وإن كان له أصل بحري ولا يكون له منشأ غير البحر ، إلاّ أنّ صدق الغوص إنّما يتحقّق في بعض صوره دون جميع الصور ، فلا وجه لإجراء حكم الغوص عليه مطلقاً .
4 ـ ما نقل عن المفيد (قدس سره)(5) من أنّ العنبر من المعادن ، فيجري عليه حكمها ، والمذكور في وجهه أحد أمرين :
أحدهما : كون العنبر نبع عين في البحر نظير عين الزاج والكبريت ، واُورد عليه بأنّ هذا أحد المحتملات ، وهناك تفاسير بل أقوال اُخر بالإضافة إلى ماهيّة العنبر من كونه رجيع دوابّ بحريّة ، أو نباتاً في البحر ، أو سمكة بحريّة أو غير ذلك ، وعليه فلا دليل على كونه معدناً حتّى يلحقه حكمه .
ثانيهما : ما عن المحقّق الهمداني (قدس سره) من أنّ العنبر حيث إنّ له مكاناً مخصوصاً
(1) مدارك الأحكام 5 : 378 .
(2) في ص93 .
(3) المقنعة: 283 ، وسائل الشيعة 9: 499 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب7 ح3 .
(4) كشف الغطاء 4 : 203 .
(5) حكى عنه العلاّمة في مختلف الشيعة 3 : 191 مسألة 148 .
(الصفحة104)
مسألة 7 : إنّما يجب الخمس في الغوص والمعدن والكنز بعد إخراج ما يغرمه على الحفر والسبك والغوص والآلات ونحو ذلك ، بل الأقوى اعتبار النصاب بعد الإخراج1 .
يتكوّن فيه ولا يوجد في غيره ، وليس ذلك المكان إلاّ البحر ، فلا محالة يصدق على ذلك المكان أنّه معدنه وأنّه اُخذ من معدنه توسّعاً(1) .
واُورد عليه بأنّ اللازم في صدق المعدن الرجوع إلى العرف ، وهو لا يرى البحر معدناً لشيء . نعم ، ربما يوجد في هذه الأزمنة بعض المعادن في البحار ، ولكنّه بعد ثقب قعرالبحر بمقدار كثير، ولا يتحقّق الاختلاط بينهاوبين ماءالبحر،كمعدن النفط.
5 ـ ما حكي عن المحقّق صاحب الشرائع(2) بل المنسوب إلى الأكثر(3) من أنّه إذا اُخرج العنبر بالغوص يجري عليه حكمه ، وإذا اُخرج من وجه الماء أو من الساحل يجري عليه حكم المعادن .
وممّا ذكرنا يظهر الجواب عنه ، كما أنّه ممّا ذكرنا ظهر أنّ اللازم بمقتضى النصّ الأخذ بما ذكره صاحب المدارك(4) ، ولا دليل على انحصار الاُمور المتعلّقة للخمس بما ذكروه من العناوين . غاية الأمر أنّه لابدّ من الالتزام بلازمه من التعدّد فيما إذا اُخرج بالغوص ، فتأمّل .
1 ـ ينبغي التكلّم في هذه المسألة في مقامين :
(1) مصباح الفقيه 14 : 90 .
(2) شرائع الإسلام 1 : 180 .
(3) منتهى المطلب 1 : 547 ، تذكرة الفقهاء 5 : 420 ، الدروس الشرعيّة 1: 261 ، مسالك الأفهام 1: 464 ، كفاية الأحكام : 43 ، مدارك الأحكام 5 : 377 ، الحدائق الناضرة 12 : 346 .
(4) مدارك الأحكام 5 : 375 .
(الصفحة105)
المقام الأوّل : في استثناء المؤونة وثبوت الخمس بعدها في المعدن والكنز والغوص ، ويدلّ عليه.
أوّلاً: ما عرفت في آية الخمس من كونه متعلّقاً بعنوان «ما غنمتم»(1) وقد عرفت أنّه مطلق لايختصّ بغنائم دارالحرب، وإن كان عنوان الغنيمة معطوفاًعلى مثل الكنوز والمعادن في بعض الروايات المتقدّمة لا يراد به إلاّ خصوص غنيمة دار الحرب(2).
ومن الواضح أنّ صدق «ما غنمتم» يتوقّف على استثناء المؤونة ، مثل الحفر والسبك والغوص والآلات ، ويؤيّد ما ذكر ما ورد في بعض الروايات المتقدّمة من أنّه ليس الخمس إلاّ في الغنائم خاصّة(3) .
وثانياً : ما ورد في جملة من النصوص من أنّ الخمس بعد المؤونة(4) ، ولا وجه لتوهّم كون المراد مؤونة السنة حتّى يكون قرينة على أنّ المراد الخمس المتعلّق بأرباح المكاسب ، خصوصاً بعد كون الخمس ثابتاً بنفس تحقّق الربح . غاية الأمر جواز استثناء المؤونة مع ظهور هذه العبارة في الثبوت بعد المؤونة .
وثالثاً : صحيحة زرارة المتقدّمة الواردة في المعدن ، المشتملة على قوله(عليه السلام) : «ما عالجته بمالك ففيه ما أخرج الله سبحانه من حجارته مصفّى الخمس»(5) فإنّها كالصريحة في اختصاص الخمس بالمصفّى وما يبقى بعد إخراج مصرف العلاج المبذول من ماله . هذا كلّه ، مضافاً إلى أنّ الظاهر أنّ الحكم متسالم عليه بينهم .
(1) في ص9 .
(2) في ص10 ـ 11 و13 ـ 14 .
(3) تقدّمت في ص51 .
(4) الوسائل 9 : 499 ـ 501 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح1ـ4 .
(5) تقدّمت في ص44 .
(الصفحة106)
الخامس [: ما زاد عن مؤونة السنة]
ما يفضل عن مؤونة السنة له ولعياله من الصناعات والزراعات وأرباح التجارات ، بل وسائر التكسّبات ولو بحيازة مباحات ، أو استنماءات أو استنتاجات ، أو ارتفاع قيم أو غير ذلك ممّا يدخل في مسمّى التكسّب ، ولا ينبغي ترك الاحتياط بإخراج خمس كلّ فائدة وإن لم يدخل في مسمّى التكسّب ، كالهبات والهدايا والجوائز والميراث الذي لا يحتسب ، وكذا فيما يملك بالصدقة المندوبة ، وإن كان عدم التعلّق بغير أرباح ما يدخل في مسمّى التكسّب لا يخلو من قوّة، كماأنّ الأقوى عدم تعلّقه بمطلق الإرث والمهر وعوض الخلع ، والاحتياط حسن . ولا خمس فيما ملك بالخمس أو الزكاة وإن زاد عن
المقام الثاني : في أنّ اعتبار النصاب هل هو بعد إخراج المؤونة أو قبله؟ فيه خلاف ، المشهور(1)ـ وتبعهم صاحب الجواهر (قدس سره)(2) والماتن ـ هو الأوّل ، وحكي عن صاحب المدارك الثاني(3) . هذا ، وظاهر الجمود على صحيحة البزنطي المتقدّمة(4) الواردة في نصاب المعدن وإن كان هو الثاني لتعليق الحكم ببلوغ عشرين ديناراً على ما أخرج المعدن من قليل أو كثير من دون تعرّض لاستثناء المؤونة ، إلاّ أنّ المتفاهم العرفي خلاف ذلك ، وأنّ المقصود بلوغ ما يغتنمه عشرين ديناراً لا بلوغ ما أخرج المعدن وإن كانت المؤونة بقدر عشرين أو أقلّ بقليل ،
(1) تذكرة الفقهاء 5 : 427 ، منتهى المطلب 1 : 547 ، شرائع الإسلام 1 : 181 ، مسالك الأفهام 1: 469 ، الحدائق الناضرة 12 : 344 .
(2) جواهر الكلام 16 : 83 .
(3) مدارك الأحكام 5: 392 .
(4) في ص47 .
(الصفحة107)
مؤونة السنة . نعم ، يجب الخمس في نمائهما إذا قصد بإبقائهما الاسترباح والاستنماء لا مطلقاً1 .
ويؤيّده أصالة البراءة عن تعلّق الخمس بما دون النصاب بعد المؤونة ، كما لا يخفى .
1 ـ تعلّق الخمس بهذا العنوان تشريعاً ممّا تسالم عليه أصحابنا الإماميّة رضوان الله عليهم أجمعين(1) ، ولم ينسب الخلاف إلاّ إلى القديمين(2) ، وعبارتهما غير ظاهرة في النسبة ، وعلى أيّ فقولهما على تقدير صدق النسبة مسبوق بالإجماع وملحوق به ، مضافاً إلى تحقّق السيرة العمليّة بين المتشرّعة المتّصلة بزمان الإمام(عليه السلام) .
ويدلّ عليه قبل كلّ شيء الآية الشريفة الوحيدة الواردة في باب الخمس; وهو قوله تعالى : {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْء فَأَنَّ للهِِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}(3) فإنّه لا ينبغي الإشكال في توجّه الخطاب إلى جميع المؤمنين بل المكلّفين ، نظير قوله تعالى : {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ}(4) وسائر الموارد التي هي من هذا القبيل ، ومجرّد المسبوقية والملحوقية بآيات القتال لا يستلزم أن يكون الخطاب متوجّهاً إلى خصوص المجاهدين ، كما ذكره الفخر الرازي(5) نظير ذلك في ذيل آية التطهير المختصّة موضوعاً بالخمسة ، والعامّة حكماً لجميع الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) ، وقد بيّنا تحقيق
(1) الخلاف 2 : 118 مسألة 139 ، المعتبر 2 : 623 ، تذكرة الفقهاء 5 : 421 ، جواهر الكلام 16 : 45 .
(2) المعتبر 2 : 623 ، مختلف الشيعة 3 : 185 مسألة 141 ، البيان : 218 .
(3) سورة الأنفال 8 : 41 .
(4) سورة الأنفال 8 : 28 .
(5) التفسير الكبير 5 : 484 .
(الصفحة108)
ذلك بما لا مزيد عليه في رسالة «آية التطهير ، رؤية مبتكرة»(1) .
وما ذكره الفخر(2) من الكلام الباطل عبارة عن كون مسبوقية آية التطهير بأحكام زوجات النبيّ(صلى الله عليه وآله) وملحوقيّتها بها قرينة على اختصاص موردها بالزوجات مع أنّها ممنوعة كمال المنع .
وبالجملة : فالظاهر أنّ المخاطب في آية المقام عامّ غير مختصّ .
وأمّا قوله : {أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْء} فالظاهر أنّ المراد به مطلق ما ربحتم واستفدتم من شيء ولو كان قليلاً .
وما ربّما يقال من اختصاص معنى الغنيمة بخصوص غنائم دار الحرب فهو على تقدير صحّته ـ وإن كان لا يساعده اللغة(3) ولم يثبت اصطلاح في ذلك ، وإن كان ربّما يؤيّده بعض الروايات المتقدّمة(4) الوارد فيها هذا العنوان عطفاً على الكنوز والمعادن والغوص ; نظراً إلى ظهور العطف في المغايرة كما تقدّم ـ لا يستلزم اختصاص الآية المشتملة على قوله : «ما غنمتم» بذلك ، ولعلّه لذا حكي عن تفسير القرطبي(5) وغيره أنّ الآية في نفسها ظاهرة في العموم وإن كان الإجماع بنظرهم على خلافه ، لكن إجماعهم لا يكون حجّة عندنا; لعدم ثبوت رأي المعصوم(عليه السلام)بسببه ولا حجّية فيه في نفسه ، خصوصاً بعد مخالفة أصحابنا الإماميّة لهم كما عرفت .
(1) آية التطهير : 13 ـ 15 .
(2) التفسير الكبير 9 : 168 .
(3) راجع مجمع البحرين 2 : 1337 وتاج العروس 17 : 527 ولسان العرب 5 : 66 .
(4) في ص93 .
(5) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 8 : 1 .
(الصفحة109)
وبالجملة : لو كنّا نحن والآية لما كان هناك دليل على اختصاصها بغنائم دار الحرب ، كما لا يخفى على من اجتنب التعصّب .
ثمّ إنّ هاهنا إشكالاً مهمّاً; وهو أنّه يرى الفرق بين الزكاة والخمس من ناحية ثبوت التشكيلات لجمع الزكوات من بلاد مختلفة ووجود العاملين لأخذها وجبايتها ، ويكون في هذا المجال قضايا معروفة كقصّة مالك بن نويرة وغيرها ، وأمّا الخمس فلا يرى له لا في زمن النبيّ(صلى الله عليه وآله) ولا في زمن من بعده من الزعماء ـ وحتّى في زمن الخلافة الظاهرية لوصيّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) أمير المؤمنين(عليه السلام) ، الذي كانت مدّة خلافته زائدة على خمس سنوات ـ عمل مثل الزكاة من الأخذ والجباية ، وإن كان قد حكي في هذا المجال في بعض صحاح أهل السنّة بعض القصص والمقالات ، لكنّها على فرض صحّتها اُمور جزئيّة غير قابلة للقياس مع مسألة الزكاة ، خصوصاً مع تعلّقها بأشخاص مخصوصين ، والخمس متعلّق بالأرباح مطلقاً .
وبالجملة : لم يوجد لهذا القسم من الخمس أثر إلى زمان الصادقين (عليهما السلام) اللذين بيّناه في ضمن روايات غير كثيرة ، فما الفرق بين الزكاة والخمس من هذه الجهة؟
وقد زعم بعض الأعلام (قدس سره) أنّه يمكن التفصّي عن الإشكال بوجهين مترتّبين :
أحدهما : ما يبتني على مسلكه من تدريجيّة الأحكام وجواز التأخير للتبليغ عن عصر التشريع بإيداع بيانه من النبيّ(صلى الله عليه وآله) إلى الإمام(عليه السلام) ليظهره في ظرفه المناسب له حسب المصالح الواقعيّة الباعثة على ذلك ، بل قد يظهر من بعض النصوص أنّ جملة من الأحكام لم تنشر لحدّ الآن ، وأنّها مودعة عند وليّ العصر عجّل الله تعالى فرجه(1) .
(1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 196 .
(الصفحة110)
ويرد على هذا الوجه أنّ تدريجيّة الأحكام وتشريعها كذلك في زمن النبيّ(صلى الله عليه وآله)وإن كان ممّا لا ينبغي الإشكال فيه ، ضرورة عدم صدور جميع الأحكام دفعة واحدة وواحداً بعد آخر متّصلاً ، وكذا لا ينبغي الارتياب بملاحظة بعض الروايات أنّ جملة من الأحكام مودعة عند بقيّة الله عجّل الله تعالى فرجه ، إلاّ أنّ الحكم المشروع الثابت في القرآن وظهوره فيه كيف أودع بيانه من النبيّ(صلى الله عليه وآله) إلى الإمام(عليه السلام) ، مع أنّه لا شاهد في الآية الشريفة على تأخير إجرائه وعدم كون المقصود عدم إجرائه في مدّة من الزمن ، فأيّ فرق بين هذه الآية والآية الواردة في الحجّ ومثله؟ فهذا الوجه لا يكاد يمكن التخلّص عن الإشكال به .
ثانيهما : مع الغضّ عن ذلك المبنى إبداء الفرق بين الزكاة والخمس; لأنّ الأوّل ملك للفقراء ومثلهم ومصروف في مصالح المسلمين ، وفيه قد أمر(صلى الله عليه وآله) بالأخذ من أموالهم في قوله تعالى : {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً . . .}(1) وأمّا الخمس فهو حقّ له(صلى الله عليه وآله) ولأقربائه ، فيشبه الملك الشخصي ، ولا يناسب الأخذ فيه مثل الأخذ في باب الزكاة; لجلالة شأنه وعظمة مقامه(صلى الله عليه وآله)(2) .
ويرد على هذا الوجه أنّ مقتضاه الفرق بين الزكاة والخمس من جهة وجود التكرار فيها والعطف على الصلاة كثيراً في الكتاب العزيز ، إلاّ أنّ عدم انحصار الخمس به(صلى الله عليه وآله) لا يقتضي عدم الاعتناء بشأنه ، خصوصاً مع ملاحظة مثل قوله تعالى : {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ}(3) كما لا يخفى .
والحقّ أن يقال : إنّ بُعد العهد وكثرة الفصل بين مثل هذه الأزمنة وبين زمن
(1) سورة التوبة 9 : 103 .
(2) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 196 .
(3) سورة الإسراء 17 : 26 .
(الصفحة111)
النبيّ(صلى الله عليه وآله) ومثله أوجب الجهل بما في زمانه ومثله ، خصوصاً مع وجود اُمور اُخر مانعة عن ظهور الأحكام الإسلاميّة ورواجها ، مثل تغيّر مسير الخلافة وانحرافها عن موردها الأصلي ، ومثل حكومة من لا يرى البهاء إلاّ لنفس الحكومة لا لكونها طريقاً لإجراء أحكام الإسلام .
ومعاملة معاوية مع المصالحة التي عقدها مع الحسن(عليه السلام) معروفة ، وقوله لمغيرة بعد سماع معاوية الشهادة بالرسالة من المؤذِّن مشيراً إلى الرسول(صلى الله عليه وآله): «إنّ هذا الشخص جعل اسمه قريناً لاسم الله تبارك وتعالى والله دفناً دفناً»(1) وأشار بذلك إلى السعي في إمحاء الدين إلى مرحلة الفناء المحض ، وقول أبيه لجمع من أقربائه عند وصول الخلافة إلى الثالث ما يرجع إلى أنّه لا دين ولا رسالة وأمرهم بتلقّف الخلافة تلقّف الكرة(2) ، وهكذا خلفاء بني العبّاس ، وعليه فلا عجب في إخفاء أمر الخمس خصوصاً مع دلالة آية وحيدة على ذلك .
وممّا يؤكّد هذا الأمر أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) مع توضّوئه كثيراً بمحضر من الناس للصلاة اليوميّة وغيرها صار وضوؤه مخفيّاً للناس إلى هذه الأزمنة أيضاً ، وقد ورد في كثير من الروايات حكاية وضوء النبيّ وبيان كيفيّته ، وحينئذ فلا مانع من خفاء حكم الخمس ، خصوصاً مع تعلّقه بالرسول وأقربائه ، وبناء الحكومات على عدم شيوع أمرهم وعدم تحقّق الاستيلاء لهم بوجه .
وممّا يؤيّد أنّ أمر الخمس كان معمولاً به في زمن النبيّ(صلى الله عليه وآله) أيضاً أنّ أصحاب الخمس كانوا كثيرين ولم يكن لهم طريق للإشاعة نوعاً غير الخمس ، وقد ورد في
(1) راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 4 : 129 ـ 130 والغدير 10 : 397 .
(2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 9 : 53 ، مروج الذهب 2 : 351 .
(الصفحة112)
الروايات المتواترة بين الفريقين أنّ الخمس جعله الله لبني هاشم عوضاً عن الزكاة وأنّ الزكاة عليهم محرّمة(1) .
وعلى فرض عدم مشروعيّة الخمس في ذلك الزمان أو القول بالاختصاص بغنائم دار الحرب يلزم عدم إدامة ما هو عوض عن الزكاة دائماً; لعدم وجود الحرب مع الكفّار إلاّ قليلاً ، فاللازم القول بثبوت المشروعيّة والجريان في جميع الفوائد والأرباح .
ثمّ إنّه يدلّ على تعلّق الحكم بهذا الأمر الخامس ـ مضافاً إلى الآية التي عرفت(2)تمامية دلالتها ـ روايات متعدّدة ربما تبلغ حدّ التواتر الإجمالي بضميمة أخبار التحليل الدالّة على المشروعية بالملازمة ، وسيأتي البحث عنها إن شاء الله تعالى كما ربما يدّعى .
منها : موثّقة سماعة قال : سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن الخمس؟ فقال : في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير(3) .
ومنها : صحيحة عليّ بن مهزيار المذكورة في الوسائل بعنوان روايتين متعدّدتين مع أنّ الظاهر كما ذكرناه مراراً الوحدة ، فنقول : قال : كتب إليه أبو جعفر(عليه السلام) وقرأت أنا كتابه إليه في طريق مكّة ـ والظاهر أنّه كان اللاّزم الإتيان بالضمير بعنوان الجمع; لأنّ الراوي عن علي بن مهزيار هو أحمد بن محمّد وعبدالله بن محمّد جميعاً ـ قال : إنّ الذي أوجبت في سنتي هذه وهذه سنة عشرين ومائتين ـ وهذا التعبير يشعر بل
(1) الوسائل 9 : 513 ـ516 ، أبواب قسمة الخمس ب1 ح8 ـ 10 ، سنن أبي داود 3: 259 ح2985 ، كنز العمّال 4: 519 ح11533 و11534 .
(2) في ص107 ـ 109.
(3) الكافي 1 : 545 ح11 ، الوسائل 9 : 503 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح6 .
(الصفحة113)
يدلّ على عدم كون الإمام(عليه السلام) بصدد بيان حكم كلّي إلهيّ سار في جميع الأنام وفي جميع الأعوام ، بل حيث إنّه كانت السنة المذكورة سنة شهادته وارتحاله(عليه السلام) ، أراد أن يطهّر مواليه فيما يرتبط بالخمس بالتخفيف عليهم والمنّة وإعمال الولاية بالتبديل كما سيأتي ـ فقط لمعنى من المعاني أكره تفسير المعنى كلّه خوفاً من الانتشار ، وسأفسّر لك بعضه (بقيّته خ ل) إن شاء الله ـ ولعلّه إشارة إلى الارتحال المذكور الواقع بالشهادة في أوائل سنّ الشباب قبل أن يبلغ ثلاثين سنة ـ أنّ مواليّ أسأل الله صلاحهم ، أو بعضهم قصّروا فيما يجب عليهم ، فعلمت ذلك فأحببت أن أطهّرهم واُزكّيهم بما فعلت في عامي هذا من أمر الخمس (في عامي هذا خ ل) . قال الله تعالى : {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ* أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ* وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}(1) .
ـ والظاهر أنّ الاستشهاد بالآية إنّما هو للاقتداء بالنبيّ الذي كان مأموراً بأخذ الزكاة ، وإلاّ فمن الواضح أنّ الآيات المزبورة مرتبطة بالزكاة دون الخمس ـ ولم اُوجب ذلك عليهم في كلّ عام ، ولا اُوجب عليهم إلاّ الزكاة التي فرضها الله عليهم ، وإنّما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب والفضّة التي قد حال عليهما الحول ، ولم اُوجب ذلك عليهم في متاع ولا آنية ولا دوابّ ولا خدم ولا ربح ربحه في تجارة ، ولا ضيعة إلاّ ضيعة سأفسّر لك أمرها ـ ولعلّ المراد هو التفصيل المذكور في آخر الرواية الذي سيأتي ـ تخفيفاً منّي عن مواليّ ، ومنّاً منّي عليهم لما يغتال
(1) سورة التوبة 9 : 103 ـ 105 .
(الصفحة114)
السلطان من أموالهم ولما ينوبهم في ذاتهم ، فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام ، قال الله تعالى : {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِن شَىْء فَأَنَّ للهِِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ}(1) والغنائم والفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء والفائدة يفيدها ، والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر ، والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن ، ومثل عدوّ يصطلم فيؤخذ ماله ومثل مال يؤخذ(2) لا يعرف له صاحب وما صار إلى مواليّ من أموال الخرمية الفسقة ـ هم القائلون بالتناسخ والإباحة كما في المحكي عن هامش المخطوط ـ فقد علمت أنّ أموالاً عظاماً صارت إلى قوم من مواليّ ، فمن كان عنده شيء من ذلك فليوصله إلى وكيلي ، ومن كان نائياً بعيد الشقّة فليتعمّد لإيصاله ولو بعد حين ، فإنّ نيّة المؤمن خيرٌ من عمله ، فأمّا الذي أوجب من الضياع والغلاّت في كلّ عام فهو نصف السدس ممّن كانت ضيعته تقوم بمؤونته ، ومن كانت ضيعته لا تقوم بمؤونته فليس عليه نصف سدس ولا غير ذلك(3) .
وصاحب المدارك(4) مع اعترافه بصحّة الرواية بالصحّة المعتبرة عنده زعم أنّ في الرواية إشكالات موجبة لطرحها وعدم الأخذ بها ، وعمدتها ترجع إلى :
(1) سورة الأنفال 8 : 41 .
(2) والظاهر أنّه يؤخذ ، لا «يوجد» كما في مصباح الفقيه 14: 100 ، المؤلّف دام ظلّه .
(3) التهذيب 4 : 141 ح398 ، الاستبصار 2 : 60 ح198 ، الوسائل 9 : 501 أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح5 .
(4) مدارك الأحكام 5 : 383 .
(الصفحة115)
1 ـ إيجاب الخمس في الذهب والفضّة ، مع أنّه لا يجب فيهما إلاّ الزكاة بالإجماع .
ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ الزكاة لا تجب في مطلق الذهب والفضّة ، بل في خصوص الدينار والدرهم ـ ما أورد عليه بعض الأعلام (قدس سره).
أوّلاً: أنّه لو اُريد من الذهب والفضّة ما كان بنفسه مورداً للخمس كما لو وقع ربحاً في تجارة فالأمر ظاهر ، إذ عليه يكون هذا استثناءً عمّا ذكره(عليه السلام) من السقوط في مطلق الأرباح فأسقط(عليه السلام)الخمس عن كلّ ربح ما عداهما ، فيجب بعد حلول الحول لا بعنوانهما الأوّلي ، بل بما أنّهما ربح في تجارة .
وثانياً : أنّه لو اُريد إيجاب الخمس بعنوانهما الذاتي ولو لم يتعلّق بهما خمس ، كما لو كان إرثاً وحال عليه الحول فلا ضير فيه أيضاً; لأنّه(عليه السلام) لم يكن بصدد بيان الحكم الشرعي مطلقاً ، بل أوجب عليهم الخمس في خصوص سنته هذه فقط بمقتضى الولاية الكلّية الثابتة له(عليه السلام) ، فله إسقاط الخمس عن التجارة وإثباته في الذهب والفضّة ولو موقّتاً لمصلحة يراها(1) .
2 ـ قوله(عليه السلام) : «والغنائم والفوائد يرحمك الله» إلى آخره ، حيث حكي عن المدارك إندراج الجائزة الخطيرة والميراث ممّن لايحتسب ، والمال الذي لا يُعرف صاحبه ، وما يحلّ تناوله من مال العدوّ في اسم الغنائم ، فيكون مصرف الخمس فيها مصرف خمس الغنائم .
واُجيب عنه بأنّ فيه ما لا يخفى ، ضرورة أنّ الجائزة من أظهر أنواع الفائدة ولو فرض عدم شمول لفظ الغنيمة لها ، وكذا ما بعده من الموارد من الميراث ممّن لا يحتسب ، والمال المأخوذ من عدوّ يصطلم ، فإنّ كون ذلك كلّه فائدة أمر
(1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 202 ـ 203 .
(الصفحة116)
قطعيّ لا يُنكر .
3 ـ قوله(عليه السلام) في آخر الرواية : «فأمّا الذي اُوجب من الضياع» إلى آخره ، فقد أورد عليه فيها بأنّ مصرف السهم المذكور في آخر الرواية وهو نصف السدس في الضياع والغلاّت فغير مذكور في الرواية صريحاً ، مع أنّا لا نعلم بوجوب ذلك على الخصوص قائلاً .
والظاهر أنّ مراده أنّه لا يعلم أنّ المراد من نصف السدس الذي هو نصف الخمس هو الذي يعبّر عنه بسهم الإمام(عليه السلام) ، نظراً إلى أنّ ما كان لله فهو للرسول ، وما كان للرسول فهو للإمام ، أو أنّ المراد به ما يعبّر عنه بسهم السادة الذي هو نصف الخمس .
واُجيب عنه بأنّ ما أفاده عجيب ; لأنّ الصحيحة صدراً وذيلاً تنادي بأعلى صوتها بأنّه(عليه السلام) في مقام تخفيف الخمس ، إمّا بالإلغاء محضاً ، كما في الموارد المذكورة في صدرها ، أو بعضاً كما بالإضافة إلى الضيعة ، ولا تكون في مقام بيان الحكم الشرعي حتّى تطرح لأجل عدم وجود قائل به .
وحكي عن المحقّق الهمداني إشكال آخر في الرواية; وهو أنّه يظهر من قوله(عليه السلام) : «فأمّا الغنائم والفوائد» إلى آخره ، يظهر منه أنّ الأرباح غير داخلة في الغنائم ، ولأجله أسقط الخمس في الأوّل وأثبته في الثاني ، فيظهر التغاير من المقابلة واختلافهما من حيث المصرف وأنّ خمس الأرباح يختصّ بالإمام ، ولأجله تصرّف فيه رفعاً وتخفيفاً(1) .
واُورد عليه بأنّ المذكور فيها لو كان هو الغنائم فقط لأمكن الاستظهار المذكور ،
(1) مصباح الفقيه 14 : 102 .
(الصفحة117)
ولكن اقترانها بالفوائد قرينة قطعيّة على أنّ المراد بها معنى عامّ يشمل مطلق الأرباح وغيرها . غايته الالتزام بخروج صنف خاصّ من الفوائد وهي أرباح التجارات ، ونتيجته ارتكاب التخصيص الذي ليس بعزيز ، فيثبت الخمس في غير ما ذكر من الفوائد(1) .
والتحقيق أنّ في الرواية إشكالاً يوجب ردّ علمها إلى أهلها ولا يمكن التفصّي عنه بوجه; وهوأنّ استشهادالإمام(عليه السلام) في صدر الرواية بالآية الدالّة على أمر النبيّ(صلى الله عليه وآله)بأخذ الصدقة مع كون مورد الكلام هو الخمس لا الزكاة إنّما كان للدلالة على التأسّي بالنبيّ(صلى الله عليه وآله) ، والاقتداء به في الأخذ لأجل حصول التطهير والتزكية لمواليه المقصّرين في أمر الخمس . وأمّا استشهاده في الذيل بآية الخمس الدالّة على ثبوته فلا يناسب المسبوقية بعدم إيجابه الخمس في الأرباح التي هي من أظهر مصاديق الفائدة ، خصوصاً مع التصريح بالوجوب في كلّ عام في جميع الغنائم والفوائد .
وبالجملة : الآية الشريفة الواردة في الخمس تدلّ على بيان حكم كلّي إلهي ثابت في جميع الأعصار ، فلا يناسب الاستشهاد بها عقيب عدم الإيجاب في الأرباح خصوصاً مع عطف الفوائد على الغنائم ، وقد عرفت أنّ من أظهر مصاديق الفوائد الأرباح ، ولا مجال للتمسّك بالعموم في مورد التخصيص ، وعليه فما أفاده بعض الأعلام (قدس سره) من أنّ الرواية ظاهرة الدلالة(2) غير ظاهر ، كما لا يخفى .
ومنها : رواية حكيم مؤذّن بني عيس ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : قلت له : {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمتُم مِن شَىْء فَأَنَّ للهِِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} قال : هي والله الإفادة
(1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 206 .
(2) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 206 .
(الصفحة118)
يوماً بيوم ، إلاّ أنّ أبي جعل شيعتنا من ذلك في حلّ ليزكّوا(1) .
وظاهر الرواية ـ مضافاً إلى الخدشة في السند ـ الدلالة على اختصاص الآية بغير غنائم دار الحرب وأنّ المراد الإفادة يوماً بيوم ، مع أنّ غاية ما تقدّم منّا(2) عدم الاختصاص بغنائم دار الحرب ، فاللاّزم أن يقال بأنّ المراد من الرواية شمول الآية للإفادة المذكورة لا الاختصاص بغنائم دار الحرب .
ومنها : رواية محمّد بن الحسن الأشعري قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني(عليه السلام) : أخبرني عن الخمس أعَلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الصناع وكيف ذلك؟ فكتب بخطّه: الخمس بعد المؤونة(3) .
والظاهر كما تقدّم أنّ المراد من المؤونة ليس مؤونة السنة ، بل المؤونة المصروفة في تحصيل ما يتعلّق به الخمس من المعدن والغوص والكنز ومثلها ، فلا ارتباط لها بمسألة مؤونة السنة .
ومنها : رواية علي بن محمّد بن شجاع النيسابوري أنّه سأل أبا الحسن الثالث(عليه السلام) عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كرّ ما يزكّى ، فأخذ منه العشر عشرة أكرار وذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرّاً وبقي في يده ستّون كرّاً ، ما الذي يجب لك من ذلك؟ وهل يجب لأصحابه من ذلك عليه شيء؟ فوقّع(عليه السلام) : لي منه الخمس ممّا يفضل من مؤونته(4) .
ومنها : صحيحة علي بن مهزيار قال : قال لي أبو علي بن راشد: قلت له : أمرتني
(1) التهذيب 4 : 121 ح344 ، الاستبصار 2 : 54 ح179 ، الوسائل 9 : 546 ، أبواب الأنفال ب4 ح8 .
(2) في ص108 ـ 109 .
(3) التهذيب 4: 123 ح352، الاستبصار 2: 55 ح181، الوسائل 9: 499 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح1.
(4) التهذيب 4 : 16 ح39 ، الاستبصار 2 : 17 ح48 ، الوسائل 9 : 500 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح2 .
(الصفحة119)
بالقيام بأمرك وأخذ حقّك فأعلمت مواليك بذلك ، فقال لي بعضهم : وأيّ شيء حقّه؟ فلم أدرِ ما أجيبه ؟ فقال : يجب عليهم الخمس ، فقلت : ففي أيّ شيء؟ فقال : في أمتعتهم وصنائعهم ، قلت : والتاجر عليه والصانع بيده؟ فقال : إذا أمكنهم بعد مؤونتهم(1) .
وفي رواية اُخرى لعليّ بن مهزيار أنّه كتب ـ وقرأه عليّ بن مهزيار ـ عليه الخمس بعد مؤونته ومؤونة عياله وخراج السلطان (2) ، والظاهر عدم تعدّد الرواية بل وحدتها ، ويستفاد منها كفاية استثناء مؤونة السنة ، وإن لم يقع التصريح بالسنة في شيء من الروايات على ما اعترف به جماعة من أعاظم الفقهاء(3) إلاّ في رواية واحدة في الوسائل على بعض الطبعات ، والظاهر عدم صحّتها .
وجه الدلالة في المقام إضافة المؤونة إلى الشخص أو الأشخاص لا متعلّق الخمس من الأرباح وغيرها ، ومن الظاهر أنّ مؤونة الشخص لا تلاحظ بالإضافة إلى يوم أو اُسبوع أو شهر ، بل تلاحظ بالإضافة إلى السنة المشتملة على الفصول الأربعة التي يكون لكلّ فصل منها شرائط خاصّة ومؤونة مخصوصة ، ولذا تلاحظ الغنى والثروة وعدمها بالإضافة إلى السنة المذكورة .
هذا ، مضافاً إلى الاتّفاق(4) على أنّ المراد مؤونة السنة ، ولعلّ منشأه سيرة
(1) التهذيب 4: 123 ح353، الاستبصار 2: 55 ح182، الوسائل 9: 500 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح3.
(2) التهذيب 4: 123 ح354، الاستبصار 2: 55 ح183، الوسائل 9: 500، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح4 .
(3) كفاية الأحكام: 43 ، الحدائق الناضرة 12: 353 ، رياض المسائل 5: 253 ، جواهر الكلام 16: 58ـ 59 ، مصباح الفقيه 14: 128 .
(4) راجع غنية النزوع: 129 ، الحدائق الناضرة 12: 353 ، رياض المسائل 5: 253 ، جواهر الكلام 16: 45 ، مصباح الفقيه 14: 129 .
(الصفحة120)
المتشرّعة المتّصلة إلى زمن المعصوم(عليه السلام) ، فإنّا نراهم جعل يوم من أيّام السنة رأس سنته ويدفعون خمس أموالهم الحاصلة من مثل الأرباح بعد استثناء مؤونتهم في تلك السنة ، كما هو المتداول في هذه الأزمنة في مقام المحاسبة ودفع الخمس المتعلّق بهم ، كما أنّه ممّا ذكرنا يظهر أنّ المناط في السنة هي السنة الشمسية باعتبار اشتمالها على جميع الفصول الأربعة لا القمرية غير المشتملة عليه ، وإن كان المراد بالشهر في جلّ الموارد أو كلّها هو الشهر القمري كما في رمضان وغيرها .
وأمّا تقييد العيال بواجبة النفقة كما في بعض العبارات فالظاهر أنّه لا وجه له ، بل الظاهر الشمول للمؤن التي هي من شأن الرجل وإن لم تكن واجبة عليه شرعاً ، كما في نفقة بعض الأقارب على ما قرّر في محلّه ، ولعلّه المراد من إطلاق عبارة المتن .
وينبغي هنا البحث عن أخبار التحليل وإن كان التعرّض لها وقع في كتاب العروة في آخر مباحث الخمس(1) بصورة اُخرى ، فنقول : إنّ الأخبار الواردة في هذا المجال نفياً أو إثباتاً أو تفصيلاً على طوائف ثلاثة :
الطائفة الاُولى : ما تدلّ على وقوع التحليل للشيعة مطلقاً ، مثل :
صحيحة أبي بصير وزرارة ومحمّد بن مسلم ، كلّهم عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) : هلك الناس في بطونهم وفروجهم; لأنّهم لم يؤدّوا إلينا حقّنا ، ألا وإنّ شيعتنا من ذلك وآباءهم في حلّ . وفي رواية الصدوق «وأبناءهم»(2) بدل «وآباءهم» ولعلّه الأنسب كما لا يخفى .
وصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر(عليه السلام) أنّه قال : إنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) حلّلهم من
(1) العروة الوثقى 2: 407 مسألة 19 .
(2) علل الشرائع: 377 ح2 ، التهذيب 4: 137 ح386 ، الاستبصار 2: 58 ح191 ، الوسائل 9: 543 ، أبواب الأنفال ب4 ح1 .
|