(الصفحة141)
سنين بأربعمائة دينار ، وتسلّم الاُجرة بتمامها ، وصرف منها في مؤونته مائة دينار ، فكان الباقي له عند انتهاء السنة ثلاثمائة دينار ، لم يجب الخمس في تمامه ، بل ينبغي تخريج مقدار يجبر به النقص الوارد على الدار الناشئ من كونها مسلوبة المنفعة تسع سنين . فلو فرضنا أنّ قيمتها في هذه الحالة ثمانمائة دينار فنقصت عن قيمتها السابقة مائتان يستثنى ذلك عن الثلاثمائة ، ولم يجب الخمس إلاّ في مائة دينار فقط ، إذ لم يستفد أكثر من ذلك ، ولا خمس إلاّ في الغنيمة والفائدة دون غيرها(1) .
ويمكن الجواب عن هذا الإيراد :
أوّلاً : بأنّ المؤجر قد لا يكون مالكاً للعين المستأجرة ، بل مستأجراً لها بدون اشتراط استيفاء المنفعة بالمباشرة ، أو أوصى له بمنفعة الدار عشر سنين ، أو صولح به عنها على ما هو المفروض في السؤال ، وعليه فلا يستوجب ذلك نقص قيمة الدار أو لا يرتبط به أصلاً ، كما لا يخفى .
وثانياً : أنّ نقصان قيمة العين بسبب الإجارة الكذائيّة لا يرتبط بالإجارة التي قد فرض فيها استلام مال الإجارة بأجمعه ، ومن الممكن أن لا يريد بيع العين أصلاً ، فلا وجه لجبران النقصان بسبب مال الإجارة ، كما أنّه من الممكن أن يكون أصل الدار إرثاً غير متعلّق للخمس . وإن اُريد الكسر والانكسار بالإضافة إلى طريق واحد كالتجارة فقط والصناعة كذلك ، فهو وإن كان صحيحاً في نفسه ـ كما سيأتي إن شاء الله ـ إلاّ أنّه لا يختصّ الجبران بنقصان قيمة الدار ، بل يشمل سائر النقائص الحاصلة من ذلك الطريق في سنة واحدة .
وكيف كان ، فلم يظهر وجه جبران خصوص هذا النقصان من الربح ، مع أنّ
(1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 220 ـ 221 .
(الصفحة142)
إجارة الدار سنتين مثلاً لا تؤثّر في نقصان قيمة الدار ، وإلاّ فاللازم تأثيرها في النقصان في إجارة سنة واحدة أيضاً ، فتدبّر .
رابعها : أنّه لا خمس فيما ملك بالخمس أو الزكاة كما في المتن ، وهذا التعبير يشعر بحصول الملكيّة في باب الخمس والزكاة ، مع أنّه ربما يقال بعدم حصول الملكية في باب الزكاة والخمس ، بل بكون الفقير ومثله مصرفاً في بابهما لا كونه مالكاً ، وحصول الملكية لمثله .
وكيف كان ، فعلى تقدير عدم حصول الملكية لا وجه لثبوت الخمس ; لأنّه لا خمس إلاّ في ملك ، وأمّا على فرض حصول الملكية فقد علّل عدم الوجوب بأنّ المستحقّ من السادة أو الفقراء يدفع إليه ما هو ملك له ويطلبه ، وهو يشكل صدق الفائدة; لانصرافها عنه .
وهذا التعليل وإن كان قد اُورد عليه بما يرجع عمدته إلى أنّ الملكية لا تنافي صدق الفائدة ، بل تعاضده وتقوّيه ، وقد مرّ أنّه لا خمس إلاّ في ملك ، إلاّ أنّ الظاهر ثبوت الانصراف; لأنّ الحكم المترتّب على الغنيمة تكون الغنيمة منصرفة عنه ، لا بمعنى عدم إمكان الشمول ، نظير ما ربما يقال من أنّ أدلّة حجّية خبر العادل لا تشمل الأخبار مع الواسطة ، كقول الشيخ (قدس سره) : «أخبرني المفيد كذا وكذا» نظراً إلى أنّ ثبوت موضوع إخبار المفيد بعد عدم كونه محرزاً وجداناً يتوقّف على شمول الدليل لقول الشيخ ، والحكم لا يؤثّر في تحقّق موضوعه; لأنّه بعد كون قضيّة دليل الحجّية قضية حقيقيّة لا خارجيّة لا مانع من تأثير الحكم في تشكيل موضوع آخر له ، كإخبار البيّنة وشهادتها بثبوت البيّنة وقيامها على أمر كالملكيّة ونحوها ، بل بمعنى الانصراف في المقام بخلاف الخبر والبيّنة ، كما عرفت ، هذا ما تقتضيه القاعدة .
وهنا رواية واحدة في هذا المجال ربما يتمسّك بها; وهي رواية علي بن الحسين
(الصفحة143)
ابن عبد ربّه قال : سرّح الرضا(عليه السلام) بصلة إلى أبي ، فكتب إليه أبي : هل عليَّ فيما سرّحت إليَّ خمس؟ فكتب إليه : لا خمس عليك فيما سرّح به صاحب الخمس(1) .
واُورد على الاستدلال بها ـ مضافاً إلى ضعف السند بسهل بن زياد الواقع فيه ـ باختصاص الرواية بموردها ، وهو ما إذا كان المعطي هو الإمام(عليه السلام) الذي هو صاحب الخمس دون غيره ، إذ الصاحب هو من له الولاية على الخمس ، وهو خصوص الإمام ، كما يفصح عنه قوله(عليه السلام) : «فأنا والله ما له صاحب غيري»(2) ، فغايته أنّ هدية الإمام(عليه السلام)لا خمس فيه ، ولا ربط لها بما نحن فيه من عدم الخمس فيما ملك بالخمس .
وإن شئت قلت : إنّ الرواية تنفي الخمس عن المال المملوك هديّة لا المملوك خمساً الذي هو محلّ الكلام ، وتوهّم أنّ المراد بالصاحب هو السيّد واضح الضعف ، فإنّه مصرفه وليس بصاحبه(3) .
أقول : دعوى وضوح ضعف كون المراد بالصاحب هو السيّد وإن كانت ممنوعة لاحتمال كونه هو المراد به ، وإن كان يؤيّد الدعوى أنّ السيّد لا يكون صاحباً لجميع الخمس ، بل لنصفه حسب السهام المذكورة في الآية الشريفة بخلاف الإمام(عليه السلام) ، فإنّه صاحب لجميع الخمس ملكاً وولاية ، إلاّ أنّ عدم ارتباط الرواية بالمقام واضح ، فإنّ موردها هديّة الإمام(عليه السلام) إلى الكاتب . والظاهر عدم كونه من السادة ، فغاية مفاد الرواية عدم ثبوت الخمس في صلة صاحب الخمس ، والكلام إنّما هو
(1) الكافي 1 : 547 ح23 ، الوسائل 9 : 508 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب11 ح2 .
(2) الوسائل 25 : 450 ، كتاب اللقطة ب7 ح1 .
(3) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس: 224 .
(الصفحة144)
مسألة 8 : لو كان عنده من الأعيان التي لم يتعلّق بها الخمس ، أو أدّى خمسها وارتفعت قيمتها السوقيّة لم يجب عليه خمس تلك الزيادة إن لم تكن الأعيان من مال التجارة ورأس مالها ، كما إذا كان المقصود من شرائها وإبقائها اقتناءها والانتفاع بمنافعها ونمائها ، وأمّا إذا كان المقصود الاتّجار بها ، فالظاهر
فيما ملك بالخمس كما هو ظاهر .
والتحقيق في معنى الرواية أن يقال: إنّ الشبهة التي كانت للسائل الكاتب هل هي مجرّد كون المال واصلاً إليه من صاحبه بطريق الصلة والهديّة; أي مجّاناً وبلا عوض ، أو أنّ شبهة السائل كانت من جهة ملكيّة الرضا(عليه السلام) لأجل عدم ثبوت الملك الشخصي له من غير طريق الخمس ، والخمس يكون واصلاً إليه من طريق المأمون الذي كان من خلفاء الجور ، لا باعتبار عدم السيادة له ، فإنّ السادة العبّاسيين يستحقّون الخمس من جهة أبيهم العبّاس ، كاستحقاق السادة العلويّين من طريق عليّ ـ أمير المؤمنين(عليه السلام)ـ لاشتراكهما في الانتساب إلى هاشم بالأب ، بل باعتبار كونهم خلفاء الجور وعدم فقرهم ؟
والظاهر أنّ الجواب يساعد الاحتمال الثاني ، وإلاّ لكان اللازم الاقتصار على عدم ثبوت الخمس فيما سرّح إليه مطلقاً ، فذكر الفاعل وهو صاحب الخمس فيه إشارة إلى أنّ الصاحب الحقيقي كان هو الإمام(عليه السلام) ولو وصل إليه من طريق خليفة الجور ، وعلى أيّ فالوصول إليه كان بطريق الصلة والهدية لا بما أنّه مستحقّ للخمس ، فعدم ثبوت الخمس عليه لا دلالة فيه على عدم ثبوت الخمس على من ملك بالخمس ، كما لا يخفى .
نعم ، استثنى في المتن صورة واحدة; وهي ما لو كان المقصود بإبقاء الخمس أو الزكاة الاسترباح والاستنماء ، فإنّ الظاهر ثبوت الخمس فيه ، والوجه فيه واضح .
(الصفحة145)
وجوب خمس ارتفاع قيمتها بعد تمام السنة إن أمكن بيعها وأخذ قيمتها ، وإن لم يمكن إلاّ في السنة التالية تكون الزيادة من أرباح تلك السنة لا الماضية على الأظهر1 .
1 ـ إنّ في المسألة صورتين مشتركتين في ارتفاع القيمة السوقيّة بالإضافة إلى ما عنده من الأعيان التي لم يتعلّق بها الخمس ، كما إذا انتقلت إليه بالإرث من الأب أو الابن ، أو الأعيان التي تعلّق بها الخمس ولكنّه أدّى خمسها :
الصورة الاُولى : ما إذا لم تكن الأعيان من مال التجارة ورأس مالها ، بل كان المقصود منها إبقاءها والانتفاع بمنافعها ونمائها ، كما إذا انتقل إليه بالإرث بستان وكان المقصود من الإبقاء الانتفاع بثمرة أشجاره في كلّ سنة لا الاتّجار به وجعله من رأس مال التجارة ، فإنّ ارتفاع القيمة السوقية في هذا الحال لا يوجب تعلّق الخمس بعد عدم كون المقصود من الإبقاء الاتّجار والاسترباح . نعم ، بالنسبة إلى الثمرات الزائدة عن السنة التي لم ينتفع بها فيها الظاهر تعلّق الخمس بها; لكونها فائدة وغنيمة ، والمفروض أنّه لم ينتفع بها ، اللّهمّ إلاّ أن يقال: إنّ حكمها لا يكون أشدّ من أصلها ، فإذا لم يكن الأصل متعلّقاً للخمس لفرض الإرث أو الأداء ولو مع ارتفاع القيمة السوقية فالمنافع بطريق أولى ، فتدبّر . وسيأتي البحث عنه إن شاء الله تعالى .
الصورة الثانية : ما إذا كانت الأعيان المذكورة من مال التجارة ويكون المقصود الاتّجار بها ، وفي هذه الصورة لا ينبغي الإشكال في أنّ ارتفاع القيمة السوقية موجب لتعلّق الخمس; لأنّ مدار التجارة نوعاً على ذلك من دون فرق بين ما إذا كان المنشأ اختلاف البلاد ، وبين ما إذا كان ذلك في بلد واحد ; لأنّ تحقّق الربح غالباً إنّما يكون بذلك ، والظاهر ثبوت الحكم ولو مع فرض النقصان في بعض الأعيان
(الصفحة146)
من جهة الكمّية .
ولا مجال لتوهّم أنّ النقصان كذلك موجب لعدم تعلّق الخمس ولو مع ارتفاع القيمة كثيراً ، كما يزعمه بعض الصائغين ، حيث يقول : بأنّ قيمة الذهب وإن علت كثيراً إلاّ أنّ أصل العين التي كانت بأيدينا في أوّل السنة صارت ناقصة وزناً فلا يتعلّق بنا الخمس .
وجه بطلان التوهّم أنّ الملاك في باب الخمس هو الماليّة وما يعامل به في السوق ، فإذا صارت قيمة مائة كيلو من الأرز مثلاً أضعاف قيمتها الأوّلية ، بحيث صارت قيمة ثمانين كيلواً مطابقة لأزيد من المائة الأوّلية يتعلّق بالزائد الخمس; لأنّه يتحقّق عنوان الربح بالزيادة ولو مع حصول نقصان في العين ، كما لا يخفى .
ثمّ إنّ السيّد (قدس سره) في العروة(1) بعد الحكم باشتراك الصورتين في تعلّق الخمس بنمائهما وزيادتهما ـ سواء كانت متّصلة أو منفصلة ـ قد فرّق بينهما بعدم تعلّق الخمس بارتفاع القيمة السوقية التي هي زيادة حكمية في الصورة الاُولى ، مستنداً إلى عدم صدق التكسّب وحصول الفائدة ، ونفى البُعد عن الوجوب فيها في صورة البيع وتحقّقه ، وأمّا الصورة الثانية فاستظهر وجوب خمس ارتفاع القيمة بعد تمام السنة مع إمكان البيع وأخذ القيمة .
أقول : تعلّق الخمس بالزيادة العينية حتّى في الصورة الاُولى فقد ذكر بعض الأعلام (قدس سره) أنّه لا ينبغي الشكّ فيه ولم يستشكل فيه أحد بالإضافة إلى النماء المنفصل كنتاج الحيوان وثمر البستان ، لأنّ الحكم لا يدور مدار التكسّب والتجارة المنتفية في الصورة الاُولى ، لدورانه مدار الفائدة وهي متحقّقة ، وأمّا في النماء المتّصل فالحال
(1) العروة الوثقى 2 : 391 مسألة 53 .
(الصفحة147)
أيضاً كذلك إذا كانت للزيادة مالية عرفاً كالسمن ونموّ الشجر ، فإنّ الزائد والمزيد عليه وإن كانا في الخارج موجوداً وحدانيّاً لا تعدّد فيه ، إلاّ أنّه لا ينبغي التأمّل في حصول فائدة كان فاقداً لها قبلاً . نعم ، هذه الزيادة لم تتحصّل بالاكتساب(1) .
أقول : نحن وإن احتملنا عدم تعلّق الخمس بالزيادة العينية حتّى في الصورة الاُولى ، نظراً إلى عدم زيادة الفرع على الأصل خصوصاً في الزيادة المتّصلة ، إلاّ أنّ العمدة الفرق بين الصورتين في نفس البيع الخارجي وإمكانه وأخذ الثمن كما في العروة(2) وإن صرّح بالثاني في المتن أيضاً ، والظاهر أنّ منشأه أنّ إمكان البيع وأخذ الثمن كاف في حصول الفائدة ، بل التكسّب في الصورة الثانية التي يكون المقصود فيها الاتّجار .
وأمّا الصورة الاُولى التي لا يراد فيها ذلك فما دام لم يتحقّق البيع خارجاً لا مجال لصدق التكسّب ، بل الفائدة بعدما كان المقصود إبقاء العين واقتناءها والانتفاع بمنافعها .
وأمّا بعد تحقّق البيع كذلك أي خارجاً فقد فصّل فيه بعض الأعلام(3) بين ما إذا كان الانتقال إليه بالمعاوضة ، وبين ما إذا لم يكن الانتقال إليها كذلك بالمعاوضة كالإرث ، نظراً إلى أنّه في صورة الانتقال بالمعاوضة من شراء ونحوه يتحقّق الربح والفائدة عرفاً ، فيصحّ أن يقال: إنّه ربح في هذه المعاملة كذا مقداراً ، وفي صورة عدم الانتقال بالمعاوضة ينبغي التأمّل في أنّه ما لم يبع العين لا يصدق الربح ، فلا يستوجب ترقّي القيمة صدق عنوان الفائدة لتخمس . نعم ، يتحقّق الصدق بعد البيع
(1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 226 ـ 227 .
(2) العروة الوثقى 2 : 391 مسألة 53 .
(3) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 228 ـ 229 .
(الصفحة148)
مسألة 9 : لو كان بعض الأموال التي يتّجر بها وارتفعت قيمتها موجوداً عنده في آخر السنة وبعضها ديناً على الناس ، فإن باع الموجود أو أمكن بيعه وأخذ قيمته يجب عليه خمس ربحه وزيادة قيمته . وأمّا الذي على الناس ، فإن
في صورة الاشتراء لا مثل الإرث .
ثمّ إنّه حمل إطلاق كلام الماتن (قدس سره) الدالّ على نفي البُعد عن الوجوب على التفصيل الذي اختاره بقرينة التعبير بالشراء في الذيل الدالّ على حصول الانتقال بالمعاوضة ، مع أنّه من الظاهر أنّ ذكر الشراء إنّما هو من باب المثال لا لأجل تحقّق المعاوضة في مقابل الإرث والهبة غير المعوّضة على تقدير القول بعدم ثبوت الإرث في مثله ، بل ظاهر كلام السيّد الفرق بين أصل الصورتين بأنّ إمكان البيع وأخذ القيمة يكفي في ثبوت الخمس في الصورة الثانية ، وأمّا الصورة الاُولى ففي فرض تحقّق البيع خارجاً نفى البعد عن الثبوت من دون فرق بين كون الانتقال إليه بالمعاوضة أو بغيرها . والظاهر أنّه لا فرق بين الفرضين في عدم الوجوب; لعدم كون المقصود التجارة والاسترباح بل الاقتناء ، ومجرّد البيع الخارجي لا يوجب الإرث .
ثمّ إنّه ذكر في المتن في ذيل المسألة قوله : «وإن لم يتمكّن إلاّ في السنة التالية . . .» والظاهر أنّ المراد عدم التمكّن من أصل البيع إلاّ في السنة التالية ، وفي هذه الصورة الأظهر كون الربح مربوطاً بهذه السنة لا الماضية ، كما أنّه لو فرض التمكّن من أصل البيع في هذه السنة لكن على سبيل النسيئة التي وقتها السنة التالية ، فالظاهر دخوله في المسألة التاسعة الآتية وجريان التفصيل بين الاطمئنان بالاستحصال فيخمّس الزائد ، وعدم الاطمئنان بالاستحصال فيصبر إلى زمان تحصيله ، فمتى حصّله تكون الزيادة من أرباح سنة التحصيل .
(الصفحة149)
كان يطمئنّ باستحصاله متى أراد بحيث يكون كالموجود عنده يخمّس المقدار الزائد على رأس ماله ، وما لا يطمئنّ باستحصاله يصبر إلى زمان تحصيله ، فمتى حصّله تكون الزيادة من أرباح سنة التحصيل1 .
1 ـ أمّا وجوب خمس الربح بالإضافة إلى القسم الأوّل فواضح; لأنّ المفروض بيع الموجود ، أو إمكان بيعه وأخذ قيمته .
وأمّا القسم الثاني ، فقد فصّل فيه بين الدين الذي يطمئنّ باستحصاله متى أراد بحيث يكون كالموجود عنده ، فاللازم تخميسه ، وبين ما لا يطمئنّ باستحصاله ، فيصبر إلى زمان تحصيله ، فمتى حصّله تكون الزيادة من أرباح سنة التحصيل ، ويلحق به ما إذا باع نسيئةً في هذه السنة ، ولكن كان وقت أداء الثمن السنة التالية ، فهل التفصيل المذكور يجري فيه بحيث كان يجب عليه خمس الربح في سنة البيع في صورة الاطمئنان باستحصاله في وقته ، أو لا يجب عليه خمس هذا الربح إلاّ في السنة التالية؟ وجهان :
وهنا فرض آخر رائج في السوق ، وهو أنّه إنّما يأخذ البائع من المشتري الصّك بالإضافة إلى طلبه ، ولكن يمكن للبائع بيع الصك الذي هو بيع ماله في ذمّة الغير حقيقة ، غاية الأمر بأقلّ من الثمن ، وهو الذي يعبّر عنه أهل السوق بـ «إسكوند» فهل إمكان البيع كذلك بمنزلة إمكان بيع أصل العين وأخذ الثمن نقداً وإن كان أقلّ من الثمن الذي باع العين به نسيئة ، أو أنّه مع البيع خارجاً كذلك ، أو أنّه لابدّ من ملاحظة بيع أصل العين وانتظار حلول وقت الثمن وإمكان استحصاله؟ وجوه ، لايبعد أن يكون خيرها أوسطها ، ولا فرق في ذلك بين بيع الصك من شخص ثالث أو من المشتري ، وإن كان التعبير المذكور يستعمل غالباً في الفرض الثاني .
ثمّ إنّ الوجه في كفاية الاطمئنان بالاستحصال هو أنّ الاطمئنان أي الظنّ
(الصفحة150)
المتآخم للعلم يعامل معه عند العرف والعقلاء معاملة العلم ، فهي حجّة عقلائية ، كما أنّ القطع الحقيقي حجّة عقلية على ما مرّ غير مرّة ، فتدبّر .
ثمّ إنّه لا بأس بالتعرّض لمسألة مهمّة يكثر الابتلاء بها ، وقد تعرّضنا لخلاصتها في بعض رسائلنا العمليّة وإن لم يكن لها ربط بالمقام ، وهي أنّ اعتبار مالية الأثمان المعمولة التي هي من القرطاس المخصوص بشكل مخصوص المختلفة حسب اختلاف البلاد والممالك المتعدّدة ، هل هو بسبب القدرة على الابتياع ومثله المختلفة حسب اختلاف الأزمان والأمكنة ، أو أنّه يدور مدار الاعتبار من الأفراد الصالحة لذلك ، والاعتبار لا يتقوّم بثبوت مقدار من الماليّة من مثل الذهب والفضّة في مقابله ، مثلاً لابدّ أن يكون للاسكناس الذي قيمته ألف تومان أن يكون في مقابله هذا المقدار من الذهب مثلاً ؟ الظاهر هو الثاني ودوران الأمر مدار الاعتبار الذي يجري مثله في الملكية والزوجية والرقية والحرية التي يترتّب عليها أحكام كثيرة وآثار غير قليلة .
ويدلّ على ما ذكرنا وجوه كثيرة ، عمدتها ترجع إلى أنّ الأمر في نفس مثل الذهب والفضّة أيضاً كذلك; لعدم كون ماليّتهما بالذات في مقابل الأحجار غير الكريمة ، بل إنّما هو بالاعتبار ، غاية الأمر ثبوت الاعتبار العالمي بالإضافة إليهما دون مثل الاسكناس الذي له اعتبار من مملكة خاصّة ، وإلاّ فهما مشتركان في أصل الاعتبار بحيث لولاه لم يكن له مالية أصلاً; لعدم الفرق ذاتاً بين الذهب والآجر مثلاً ، فالذي يوجب اتّصاف الأوّل بثبوت ماليّة كثيرة له دون الثاني هو الاعتبار العالمي الثابت له ، مع أنّ ثبوت هذا المقدار من مثل الذهب في مقابل الاسكناس المطبوع محلّ نظر بل ممنوع ، فإنّا نرى منهم الإقدام على الطبع من دون ثبوت ذلك في مقابله ، كما أنّا لا نعلم بالمقدار الواقع في مقابله على تقديره ، فيلزم بطلان جميع
(الصفحة151)
مسألة 10 : الخمس في هذا القسم بعد إخراج الغرامات والمصارف التي تصرف في تحصيل النماء والربح ، وإنّما يتعلّق بالفاضل من مؤونة السنة التي أوّلها حال الشروع في التكسّب فيمن عمله التكسّب واستفادة الفوائد تدريجاً يوماً فيوماً مثلاً ، وفي غيره من حين حصول الربح والفائدة ، فالزارع مبدأ سنته حين حصول فائدة الزرع ووصولها بيده ، وهو عند تصفية الغلّة ، ومن كان عنده الأشجار المثمرة مبدأ سنته وقت اقتطاف الثمرة واجتذاذها . نعم ، لو باع الزرع أو الثمار قبل ذلك يكون مبدأ سنته وقت أخذ ثمن المبيع أو كونه كالموجود بأن يستحصل بالمطالبة1 .
المعاملات الواقعة بالاسكناس ، للجهالة بمقدار الماليّة ، مع أنّ الأجناس تختلف بحسب الأزمنة والأمكنة ، فيلزم أن يكون الاسكناس الذي يتّصف بأنّه ألف تومان بمقداره يوماً ، أو أقلّ أو أنقص يوماً آخر ، أو في مكان آخر .
وعلى ما ذكرنا فإذا استقرض زيد من عمرو مبلغاً معيّناً لا يزيد دينه على ما استقرض وإن طال الزمان كثيراً وصار التورّم الاقتصادي الموجب لنقصان القيمة كذلك ، ومجرّد أنّ القدرة على الابتياع مثلاً كانت بالإضافة إلى حال الاستقراض كثيرة لا توجب تغيّر الحال .
والمثال المهمّ لهذه الجهة مسألة المهور الواقعة بالاسكناس في ذمّة الزوج ، فإنّ تغيّر الزمان لا يوجب تغيّره وإن كان الاختلاف كثيراً ، ولا يكاد ينقضي تعجّبي من أعضاء القوّة المقنّنة حيث صوّبوا ذلك بالإضافة إلى المهر ، وهل ترى أنت وجود الفرق بين المهر وبين غيره من الديون ؟ وقد استدللنا على ما ذكرنا بوجوه كثيرة لا مجال لذكر جميعها ، بل نرى فيما ذكرنا غنى وكفاية ، فافهم وتأمّل .
1 ـ المقصود من هذه المسألة أمران :
(الصفحة152)
الأوّل : أنّه لا ينبغي الإشكال في أنّ المراد بالربح الذي يتعلّق به الخمس في هذا القسم هو الربح الخالص ، وهو ما يبقى له بعد إخراج الغرامات والمصارف التي تصرف في تحصيل النماء والربح ، كأُجرة الدلاّل والحمل والنقل وثمن الماء ، أو اُجرة الأرض التي استؤجرت للزراعة سنة مثلاً ، وغير ذلك من المصارف المرتبطة كاُجرة الدكّان على فرض كونه استئجاريّاً مثلاً .
الثاني : أنّ مبدأ السنة التي تستثنى مؤونتها من فاضل الربح في هذا القسم من الخمس على ما عرفت يختلف باختلاف المشاغل ، فمن كان شغله التكسّب واستفادة الفوائد تدريجاً يكون مبدأ سنته حين الشروع في التكسّب .
والظاهر أنّ الأمر كذلك ولو لم يستفد في أوّل تكسّبه يوماً أو أيّاماً ، بل وحتّى شهراً مثلاً ، فإنّ كون اشتغاله التكسّب يقتضي ذلك ولو في الفرض المزبور ، وسيأتي التحقيق . ومن كان شغله الزراعة يكون مبدأ سنته حين حصول فائدة الزرع ووصولها بيده ، وهو عند تصفيته الغلّة بعد استثناء الغرامات المذكورة ، والظاهر أنّه لا فرق في ذلك بين صورة إمكان البيع وأخذ الثمن عند حصول الفائدة وعدمه ، فبعد استثناء المؤونة يردّ خمس العين ولو لم يتمكّن من البيع أصلاً ، ومن كان عنده الأشجار المثمرة يكون مبدأ سنته وقت اقتطاف الثمرة ولو استأجر البستان لذلك ، كما هو المتداول في هذه الأزمنة .
والظاهر أنّ الأمر في هذا القسم أيضاً يكون كذلك . نعم ، لو بيع الزرع أو الثمار قبل حصول الفائدة وقبل اقتطاف الثمرة واجتذاذها يكون مبدأ السنة كما في المتن وقت أخذ ثمن المبيع ، أو كونه كالموجود عنده بأن يستحصل بالمطالبة ، وذلك لعدم تحقّق عنوان الربح عرفاً قبل الأخذ أو الاستحصال .
ثمّ إنّه لم يقع التصريح في المتن لحكم مبدأ السنة في الفائدة الحاصلة اتّفاقاً ، كالهبة
(الصفحة153)
وميراث من لا يحتسب ، ولعلّ السرّ فيه عدم وجوب الخمس في مثلهما عنده كما تقدّم(1) وإن كان استحبابه يقتضي تعيين مبدأ السنة أيضاً .
ويمكن أن يكون الوجه استفادة حكمه من القسم الثاني بالأولويّة ، فإنّه إذا كان مبدأ السنة في مثل الزراعة حال ظهور الربح ففي الربح الحاصل اتّفاقاً بطريق أولى .
ثمّ إنّ صاحب العروة(2) جعل مبدأ السنة في التكسّب بالمعنى العام الشامل للتجارة والزراعة والصناعة هو الشروع فيه ، وفي مثل الهبة ظهور الربح .
وكيف كان ، فالمحكي عن جماعة(3) منهم الشهيد(4) أنّ الاعتبار بظهور الربح مطلقاً ولو في التكسّب ، فالمؤن المصروفة قبل ظهور الربح لا يستثنى من الربح الحاصل بعدها ، وقد حكم بعض الأعلام (قدس سره) بصحّته ، نظراً إلى أنّ المشتقّ وما في حكمه من الجوامد ظاهر في الفعليّة ، ولا يستعمل فيما انقضى إلاّ بالعناية(5) ، وحينئذ فمع ملاحظة أنّه لم يرد في النصوص عنوان عام الربح أو سنة الربح لما مرّ سابقاً(6) ، بل الوارد فيها عنوان مؤونتهم أو مؤونته ومؤونة عياله ، فاللازم أن يقال : إنّ المراد بالمؤونة هي المؤونة الفعلية غير الشاملة للمصروفة قبل الربح ، فإنّها كانت مؤونة سابقاً ، فلا مجال لإخراجها من الربح المتأخّر . وعلى تقدير الشكّ فمقتضى الاقتصار في المخصّص المنفصل المردّد بين الأقلّ ، والأكثر على الأقلّ الذي هو المتيقّن ، هو
(1) في ص129 ـ 133 .
(2) العروة الوثقى 2 : 394 مسألة 60 .
(3) كشف الغطاء 4 / 207 ـ 208 ، مدارك الأحكام 5 : 391 ، جواهر الكلام 16 : 81 .
(4) مسالك الأفهام 1 : 467 ـ 468 ، الروضة البهيّة 2 : 77 .
(5) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 248 .
(6) في ص119 .
(الصفحة154)
مسألة 11 : المراد بالمؤونة ما ينفقه على نفسه وعياله الواجبي النفقة وغيرهم ، ومنها ما يصرفه في زياراته وصدقاته وجوائزه وهداياه وضيافاته ومصانعاته ، والحقوق اللازمة عليه بنذر أو كفّارة ونحو ذلك ، وما يحتاج إليه من دابّة أو جارية أو عبد أو دار أو فرش أو أثاث أو كتب ، بل ما يحتاج إليه لتزويج أولاده واختتانهم ولموت عياله وغير ذلك ممّا يعدّ من احتياجاته العرفيّة . نعم ، يعتبر فيما ذكر الاقتصار على اللائق بحاله دون ما يعدّ سفهاً وسرفاً ، فلو زاد على ذلك لا يحسب منها ، بل الأحوط مراعاة الوسط من المؤونة المناسبة لمثله; لا صرف غير اللائق بحاله وغير المتعارف من مثله ، بل لا يخلو لزومها من قوّة . نعم ، التوسعة المتعارفة من مثله من المؤونة . والمراد من المؤونة ما يصرفه فعلاً لا مقدارها ، فلو قتّر على نفسه أو تبرّع بها متبرّع لم يحسب مقداره منها ، بل لو وجب عليه في أثناء السنة صرف المال في شيء كالحجّ أو اداء دين أو كفّارة ونحوها ولم يصرف فيه عصياناً أو نسياناً ونحوه لم يحسب مقداره منها على الأقوى1 .
الاقتصار على المؤونة اللاحقة وعدم الشمول للمؤونة السابقة على الربح .
والظاهر أنّ المراد من التكسّب في المتن هو الذي يترتّب عليه الربح من يوم الشروع ، غاية الأمر تدريجاً ويوماً فيوماً فتدبّر ; لأنّه من البعيد فيما لو فرض عدم ترتّب الربح إلاّ بعد ستّة أشهر مثلاً أن يستثنى مؤونة السنة الماضية قبل الربح منه ، كما لا يخفى .
1 ـ الغرض من هذه المسألة أيضاً بيان أمرين :
الأوّل : أنّ المراد بالمؤونة ما يحتاج إليه عادةً من نفقة نفسه وعياله مطلقاً كما
(الصفحة155)
تقدّم(1) ، وما يحتاج إليه في جميع شؤونه الانفرادية والاجتماعية من الزيارات والصدقات والجوائز والهدايا ونحو ذلك ، أو يحتاج إليه عياله كذلك من الاحتياجات العرفية التي منها النفقة المصروفة لاختتان الأولاد أو تزويجهم وصرف ما يحتاج إليه بعنوان الجهيزية ، وموت العيال المستلزم للمؤن الكثيرة ، وغير ذلك من الأمثلة المذكورة في المتن وغيرها ، إنّما المهمّ في هذا الأمر الأوّل بيان جهتين :
الاُولى : أنّه لا إشكال في أنّ المؤونة المستثناة هي التي لا تبلغ حدّ السفه والإسراف; لانصرافها إلى المؤونة المتعارفة ، وهي تختلف باختلاف الأشخاص ، فربّ مؤونة يكون إسرافاً بالإضافة إلى شخص دون آخر ، لتموّله فرضاً تموّلاً كثيراً ، بل احتاط في المتن رعاية الوسط ، بل نفى خلوّه عن القوّة ، نظراً إلى أنّ الشخص الواحد ـ ولو كان في حالة واحدة من جهة الفقر والغنى ـ يمكن له أن يعيش في الرتبة الأعلى بحسب حاله ، ويمكن له أن يعيش في الرتبة الأدنى ، ولا يخرج شيء منهما عن مقتضى حاله ورعاية شأنه ، لكن رعاية الحدّ المتوسّط بين المرتبتين تكون بلا شبهة .
وقد عرفت(2) أنّ استثناء مؤونة السنة إنّما هو بالإضافة إلى خصوص هذا الأمر المتعلّق للخمس ، ولولا الدليل عليه لم نقل به بعد قيام الدليل على تعلّق الخمس بالربح ، فالقدر المتيقّن هو الحدّ الوسط ، وفي الحقيقة اللحاظ إنّما هو بالنسبة إلى المتعارف من مثله اللاّئق بحاله ، وقد فرض أنّ رعاية الوسط لا تكون خارجة عن
(1) في ص119 ـ 120 .
(2) في ص152 .
(الصفحة156)
المتعارف . نعم ، التوسعة المتعارفة لا تكون قادحة ومضرّة .
الثانية : ظاهر المتن ـ كظاهر السيّد في العروة(1) ـ أنّه لا فرق فيما ذكر من رعاية التعارف بين الاُمور الدنيوية المذكورة ، وبين الاُمور الاُخروية التي لها ثواب وأجر في الآخرة ، فمن كان المتعارف في حقّ مثله زيارة مشهد الرضا(عليه السلام) في كلّ عام مرّة أو مرّتين إذا أراد أن يزوره في كلّ شهر مرّة يكون خارجاً عن التعارف ، وهكذا من يكون شأنه التصدّق كلّ يوم مائة تومان إذا أراد أن يتصدّق كلّ يوم ألفاً وفعل ذلك يكون كذلك .
مع أنّه ذكر بعض الأعلام (قدس سره) أنّه لا يصحّ التفصيل هنا ، فإنّ شأن كلّ مسلم التصدّي للمستحبّات الشرعية والقيام بالأفعال القربيّة امتثالاً لأمره تعالى وطلباً لجنّته ، وكلّ أحد يحتاج إلى ثوابه ويفتقر إلى رضوانه ، فهو يناسب الجميع ولا معنى للتفكيك بجعله مناسباً لشأن مسلم دون مسلم ، فلو صرف أحد جميع وارداته بعد إعاشة نفسه وعائلته في سبيل الله ذخراً لآخرته ولينتفع به بعد موته كان ذلك من الصرف في المؤونة; لاحتياج الكلّ إلى الجنّة ، ولا يعدّ ذلك من الإسراف أو التبذير بوجه(2) .
وهذا الذي أفاده وإن كان يطابقه الذوق الشرعي ويقتضيه فقر العموم إلى الاُمور الاُخرويّة ، إلاّ أنّ الظاهر أنّ البحث في الجواز وعدمه أمر والبحث في المؤونة المستثناة من الربح المتعلّق للخمس أمر آخر ، فالشخص إن تصدّق بجميع ما زاد على مؤونته وإن لم يرتكب أمراً غير جائز ، إلاّ أنّ الكلام في استثناء هذا
(1) العروة الوثقى 2 : 394 مسألة 61 .
(2) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 250 ـ 251 .
(الصفحة157)
مسألة 12 : لو كان له أنواع من الاستفادات من التجارة والزرع وعمل اليد وغير ذلك يلاحظ آخر السنة مجموع ما استفاده من الجميع ، فيخمّس الفاضل عن مؤونة سنته ، ولا يلزم أن يلاحظ لكلّ فائدة سنة على حدة1 .
التصدّق وعدمه ، ولا يبعد أن يقال بالعدم .
الثاني : أنّ المراد بالمؤونة هي الفعلية منها لا التقديريّة ، فلو قتّر على نفسه لم يحسب جميع مقدارها وإن كان الصرف جائزاً له على تقدير الصرف ، كما أنّه لو تبرّع بها متبرّع لم يحسب له مقدار ما تبرّع به; لعدم تحقّق المؤونة الفعليّة منه ، بل ذكر في المتن أنّه لو وجب عليه صرف مال في أثناء السنة لحصول الاستطاعة الموجبة للحجّ أو لأداء الدين أو للوفاء بالنذر أو مثله ، ولكنّه لم يصرف في هذه الاُمور عصياناً أو نسياناً أو نحوهما ، لا يبعد فيه عدم الاستثناء ; وذلك لأنّ وجوب الصرف لا يقتضي تحقّق المؤونة الفعلية ، فمجرّد الدين مثلاً في نفسه لا يوجب ذلك لو فرض بناؤه على عدم الأداء بوجه ، بل ما يعدّ منها إنّما هو الأداء كما سيأتي إن شاء الله تعالى ، وهكذا لو كان بناؤه على عدم الحجّ رأساً فرضاً ، وإن كان مستطيعاً يجب عليه الحجّ .
1 ـ القدر المسلّم المفروض في هذه المسألة ثبوت أنواع الاستفادات تدريجاً وعدم كون كلّ واحدة منها لها دفتر مستقلّ وتشكيلات مستقلّة ، كما سيأتي فرضه في بعض المسائل الآتية إن شاء الله تعالى . وعليه فهل ينضمّ بعض الأرباح إلى بعض آخر ويلاحظ المجموع بمنزلة ربح واحد ، وتستثنى مؤونة السنة من أوّل ربح حصل ، أو من أوّل الشروع في التكسّب على الخلاف المتقدّم(1) على إشكال يأتي ،
(1) في ص152 ـ 154 .
(الصفحة158)
غاية الأمر انضمام غيره من الأرباح إليه ، فكأنّ المؤونة صارت مستثناة من الجميع ولو لم ينقض عنوان السنة على الأرباح المتأخّرة عن الربح الأوّل فضلاً عن الجميع ، أو أنّ لكلّ ربح سنة مستقلّة تخرج مؤونة سنته منه ولا ارتباط بين الأرباح ولا ينضمّ بعضها إلى بعض إلاّ في مقدار من السنة مشترك بين الجميع ، كما أنّ الأمر كذلك بالإضافة إلى المعادن المتعدّدة إذا كانت له ، فلا ينضمّ معدن الذهب الذي يكون له إلى معدن الفضّة كذلك ، بل لكلّ منهما نصاب مستقلّ ، وكذلك بالنسبة إلى الكنوز المتعدّدة الحاصلة له ، وإن كان استثناء مؤونة السنة مخصوصاً بهذا القسم من الأقسام المتعلّقة للخمس ، ولا يكون ثابتاً في مثل المعدن والكنز ؟
المسألة محلّ للخلاف جدّاً ، فذهب الماتن (قدس سره) تبعاً لجماعة(1) ، منهم: صاحب العروة(2) إلى الانضمام ، وذهب الشهيد الثاني في جملة من كتبه(3) وغيره إلى الثاني ، واختاره بعض الأعلام (قدس سره)(4) .
وتظهر الثمرة بين القولين في موارد:
منها: المؤن المصروفة بين الربحين ، وقد مثّل له بما إذا ربح أوّل محرّم عشرة دنانير وأوّل رجب ثلاثين وصرف ما بينهما في مؤونته عشرين ، فعلى القول الأوّل تستثنى هذه المؤونة في آخر السنة من مجموع الربحين أي الأربعين ، فلا خمس إلاّ في العشرين الزائدة .
(1) كالشهيد في الدروس 1 : 259 ، مدارك الأحكام 5 : 391 ، الحدائق الناضرة 12 : 354 ، مستمسك العروة الوثقى 9 : 532 .
(2) العروة الوثقى 2 : 392 مسألة 56 .
(3) الروضة البهيّة 2 : 78 ، مسالك الأفهام 1 : 468 .
(4) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 239 ـ 241 .
(الصفحة159)
وعلى القول الثاني فلا وجه لاستثنائها إلاّ عن الربح الأوّل دون الثاني ، ضرورة عدم استثناء المؤونة إلاّ بعد ظهور الربح لا قبله ، فلو بقي الربح الثاني إلى انتهاء سنته وجب إخراج خمسه ، فيخمّس الثلاثين بتمامها من غير استثناء المؤونة السابقة عليها .
ومنها : تخميس الربح المتأخّر وعدمه ، فلو فرض أنّه ربح في شهر محرّم الحرام عشرة وصرفها في مؤونته ، وهكذا في بقيّة الشهور سوى آخرها الذي هو شهر ذي حجّة الحرام ، فصادف أن ربح فيه مائة بعد كون مؤونته فيه كذلك عشرة ، فإنّه على القول الأوّل يجب تخميس التسعين الباقية في آخر الشهر الذي هو آخر السنة على ما هو المفروض ، بخلاف القول الآخر ، فإنّه عليه لابدّ من انقضاء سنة من ذي الحجّة ، فلو فرض أنّ مؤونته في كلّ شهر كانت كذلك ولم يتحقّق هناك ربح آخر لا يجب عليه الخمس; لفرض تمامية التسعين بتمامية تسعة أشهر بعد ذي الحجّة ، كما لا يخفى .
ومنها : استثناء المؤن الحاصلة قبل الربح الأوّل على تقدير تأخّره عن التكسّب ، سيّما إذا كان التأخّر بكثير .
ثمّ إنّه ربما يستدلّ للقول الأوّل بما في صحيحة عليّ بن مهزيار الطويلة المتقدّمة(1)من قوله(عليه السلام) : «فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام» إلخ ; نظراً إلى أنّه يستفاد منه أنّ العبرة بملاحظة ربح السنة بما هي سنة ، فيلاحظ في كلّ عام مجموع الأرباح .
ولكن التحقيق كما قيل عدم ارتباط هذه الصحيحة بما نحن فيه أصلاً وعدم
(1) في ص114.
(الصفحة160)
كونها ناظرة إلى الانضمام وعدمه ، بل هي بصدد بيان إسقاط الخمس في بعض الموارد في سنة خاصّة ، والاكتفاء في بعض الموارد بنصف السدس والحكم بلزوم الخمس في الغنائم والفوائد . وأمّا كيفيّة الوجوب من ملاحظة الانضمام أو عدمها فلا دلالة لها عليها أصلاً ، كما لا يخفى .
كما أنّه ربما يستدلّ للقول الثاني بأنّ ملاحظة آية الخمس الدالّة على وجوبه في كلّ فائدة وغنيمة ، وكذا الروايات الواردة بهذا المضمون ، تقتضي أنّ الحكم انحلاليّ ، وأنّ كلّ فرد من أفراد الفائدة موضوع مستقلّ لوجوب التخميس ، كما هو الحال في الكنوز والمعادن ، ولو كانت هذه الأدلّة ولم يكن دليل على استثناء المؤونة لكان اللازم الالتزام بوجوب الخمس فوراً ، ولكن دليل الاستثناء أوجب ارتكاب التقييد في الوجوب التكليفي إرفاقاً وإن كان الحقّ ثابتاً من الأوّل ، فلا يجب البدار ، بل له التأخير .
وأمّا ارتكاب تقييد آخر أعني ضمّ الأرباح بعضها إلى بعض بحيث يستثنى حتّى المؤن الحاصلة قبل الربح المتجدّد; أي المؤونة المتخلّلة بين الربحين فهذا لم يقم عليه دليل; لوضوح عدم عدّ السابق من مؤونة الربح اللاحق ، وكذلك الحال في الثمرة الثانية المتقدّمة .
وعليه فما ذكره الشهيد(1) من أنّ كلّ ربح موضوع مستقلّ وله سنة تخصّه وتستثنى مؤونة السنة من كلّ ربح بالإضافة إلى سنته هو الصحيح .
قال بعض الأعلام (قدس سره) ما خلاصته : إنّ ما يقال من أنّ لحاظ المؤونة بالإضافة إلى كلّ ربح يوجب الاختلال والهرج والمرج ، فلا نعقل له معنىً محصّلاً حتّى في
(1) مسالك الأفهام 1 : 468 ، الروضة البهيّة 2 : 78 .
|