(الصفحة161)
التدريجيّات مثل العامل ومن يشبهه ، فإنّه لم يبق له في آخر السنة شيء كما هو الغالب ، وإن بقي يخمّس الفاضل على المؤونة .
نعم لا بأس بجعل السنة; لسهولة الأمر وانضباط الحساب كما هو المتعارف عند التجّار ، حيث يتّخذون لأنفسهم سنة جعليّة يخرجون الخمس بعد انتهائها واستثناء المؤن المصروفة فيها وإن كانت الأرباح المتخلّلة فيها تدريجيّة الحصول بطبيعة الحال ، فإنّ هذا لا ضير فيه ، إذ الخمس قد تعلّق منذ أوّل حصول الربح ، غايته أنّه لا يجب الإخراج فعلاً ، بل يجوز ـ إرفاقاً ـ التأخير إلى نهاية السنة والصرف في المؤونة ، فبالإضافة إلى الربح المتأخّر يجوز إخراج خمسه وإن لم تنته سنته ، فإنّ ذلك كما عرفت إرفاق محض ، ولا يلزم منه الهرج والمرج بوجه ، كما يجوز أن يخرج الخمس من كلّ ربح فعلاً من غير اتّخاذ السنة ، فلاحظ(1) .
والتحقيق أن يقال ـ بعد ملاحظة أنّه من الواضح أنّه لا فرق بين الأرباح المتعدّدة من جنس واحد ، وبين الأرباح الحاصلة من الطرق المتعدّدة; لأنّ الملاك في الجميع واحد وهو صدق الغنيمة والفائدة ، ولا فرق فيه بين الصورتين ـ :
أوّلاً : أنّ أصل المسألة ملحوظ لو لم يكن مبدأ السنة في استثناء المؤونة أوّل الشروع في التكسّب، سواء كان بالمعنى العامّ المذكور في كلام صاحب العروة الشامل للتجارة والزراعة والصناعة ونحوها ، أو بالمعنى الخاصّ في مقابل الزراعة والاتّجار بثمرة البستان كما عرفت في المتن ، ضرورة أنّه لو كان مبدأ السنة في الأمر المفروض هو أوّل الشروع في التكسّب وإن لم يتحقّق الربح بعده إلاّ بكثير ، فمن الواضح أنّه لا خصوصيّة للأرباح المتأخّرة ، فلابدّ من فرض أصل المسألة على القول بأنّ المبدأ
(1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 242 ـ 243 .
(الصفحة162)
مسألة 13 : الأحوط بل الأقوى عدم احتساب رأس المال مع الحاجة إليه من المؤونة ، فيجب عليه خمسه إذا كان من أرباح المكاسب ، إلاّ إذا احتاج إلى مجموعه في حفظ وجاهته أو إعاشته ممّا يليق بحاله ، كما لو فرض أنّه مع إخراج
ظهور الربح وأنّ المستثنى هو استثناء مؤونة السنة بعده .
وثانياً : أنّ ما أفاده من جعل السنة للسهولة ، إن كان المراد بها جواز التخميس وأداء الخمس كما هو ظاهره ، ضرورة جواز إخراج الخمس فعلاً من غير اتّخاذ السنة وجواز عدم التأخير إلى انتهائها; لعدم إرادة الاستثناء بوجه ، فمن الواضح أنّه ليس الكلام في الجواز وعدمه ، بل في اللزوم وعدمه .
وإن كان المراد بها لزوم التخميس وأداء الخمس بالإضافة إلى جميع الأرباح الحاصلة من أوّل الأمر ، فمن الظاهر عدم إيفاء كلامه لإثباته ولم يقم أيّ دليل عليه ، فإنّه لو فرض أنّ الربح المتأخّر كان قريباً إلى السنة المجعولة ولا يكون شيء منه دخيلاً في المؤونة بوجه فأيّ دليل يدلّ على إخراج المؤونة قبل حصوله منه؟ خصوصاً لو فرض أنّ المكلّف لا يكون متعهّداً إلاّ في مقابل التكليف والإلزام ولا يكون تابعاً لمجرّد الجواز وعدمه .
وعلى ما ذكرنا فهل يمكن أن تجعل السيرة المذكورة بمنزلة سيرة المتشرّعة الدالّة على وجوب التخميس حتّى في الفرض المذكور مع عدم مساعدة شيء من الأدلّة اللفظية عليه ، أو تجعل السيرة المذكورة كاشفة عن أنّ مبدأ السنة لا يكون أوّل ظهور الربح ، بل أوّل الشروع في التكسّب ، أو يقال بأنّ السيرة إنّما هو في خصوص موارد الهرج والمرج ، خصوصاً في الأرباح الكثيرة المتدرّجة التي لا يمكن عادةً جعل كلّ واحد منها مبدأ لسنة خاصّة ، وأمّا في غير تلك الموارد فلا يكاد يكون هناك سيرة بوجه ، فتدبّر .
(الصفحة163)
خمسه يتنزّل إلى كسب لا يليق بحاله أو لا يفي بمؤونته ، فإذا لم يكن عنده مال فاستفاد بإجارة أو غيرها مقداراً وأراد أن يجعله رأس ماله للتجارة ويتّجر به يجب عليه إخراج خمسه ، وكذلك الحال في الملك الذي يشتريه من الأرباح ليستفيد من عائداته1 .
1 ـ الاحتمالات في المسألة متعدّدة :
الأوّل : ما جعله السيّد في العروة(1) مقتضى الاحتياط الوجوبي من عدم احتساب رأس المال من المؤونة مطلقاً ، ووجوب الخمس عليه إذا كان من أرباح المكاسب .
الثاني : الاحتساب كذلك ، مثل الدار والفرش وغيرهما .
الثالث : ما جعله بعض الأعلام (قدس سره)(2) هو الصحيح; وهو التفصيل بين ما يعادل مؤونة سنته فلا يجب الخمس فيه ، وبين الزائد عليه فاللازم خمس الزائد .
الرابع : ما يظهر من سيّدنا الماتن (قدس سره); وهو التفصيل بين ما إذا كان محتاجاً إلى مجموع رأس المال في حفظ وجاهته أو إعاشته ممّا يليق به فلا يجب فيه الخمس ، وإلاّ فالظاهر وجوب الخمس في الزائد على ذلك المقدار .
وقبل الخوض في التحقيق لابدّ من بيان أنّ المعتبر في محلّ النزاع نفياً وإثباتاً أمران :
أحدهما : كونه من أرباح المكاسب بحيث لو لم ينطبق عليه عنوان رأس المال لكان اللاّزم فيه الخمس قطعاً ، فالنزاع واقع في أنّ انطباق العنوان المذكور هل يخرجه عن دائرة تعلّق الخمس أم لا؟
ثانيهما : كونه بحاجة إلى رأس المال في مقام التجارة والاستفادة لأمر المعاش بما
(1) العروة الوثقى 2 : 393 مسألة 59 .
(2) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 246 .
(الصفحة164)
يليق بحاله ، فلو فرض كونه بحيث لا يحتاج إلى رأس المال أصلاً لكونه عاملاً في باب المضاربة مثلاً أو مشترياً للجنس نسيئة معمولاً ثمّ استفادة مقدار المعاش المذكور من هذا الطريق فالظاهر ثبوت الخمس عليه بلا إشكال .
إذا عرفت محلّ النزاع فالظاهر أنّ التحقيق يقتضي المصير إلى ما أفاده الماتن (قدس سره); لأنّ المستثنى من الأرباح وإن كان هي مؤونة السنة فقط لا أزيد ، إلاّ أنّ الأمر المحتاج إليه كذلك ربما يكون باقياً إلى ما بعد السنة أيضاً كالدار والفرش ونحوهما ، فأيّ فرق بين الدار والفرش وبين رأس المال إذا كان محتاجاً إليه في التجارة اللائقة بحاله؟
فلو فرض أنّ الشخص يحتاج في التجارة الكذائية إلى مليون مثلاً ، ولكن كانت مخارجه كذلك مائة ألف توماناً بحيث كان يستفيد ذلك المقدار من رأس المال لقلّة حيلته مثلاً ، فهل يمكن أن يقال بأنّ الواجب استثناء ما يعادل مؤونة السنة فقط ، أو أنّه يجوز له عدم إخراج الخمس من مجموع المليون; لكونه بحاجة منه في معاشه المناسب لشأنه؟ وأيّ فرق بينه وبين الدار لو كانت محتاجاً إليها مع بقائها سنوات عديدة ، ومجرّد كون رأس المال ثمناً نوعاً دون مثل الدار لا يصلح فارقاً ، وقياس المقام بما إذا جمع المال بعينه للجهيزية ونحوها دون ما إذا اشتراها تدريجاً مع الفارق أوّلاً ، وعدم وضوح ثبوت الحكم في المقيس عليه ثانياً ، كما سيأتي(1) أنّه لو كانت تهيئة الجهيزية مثلاً متوقّفة على حفظ أصل الثمن لتحقّق السرقة مع الشراء مثلاً أو نحوه ممّا يوجب الفقدان أو التغيير المعتبر عند العقلاء لا مانع من حفظ أصل الثمن مع كون القصد ذلك والتبديل بالجهيزية في وقتها ، وكذلك في باب تهيئة الدار مثلاً ، فإنّه إذا توقّفت على حفظ أصل الثمن لاشتراء الدار لما ذكر من السرقة ونحوها ،
(1) في ص173 ـ 174 .
(الصفحة165)
لا مانع من الحفظ المذكور ولو كان في ضمن سنين عديدة إذا كانت الدار محتاجاً إليه .
نعم ، في المثال الذي ذكرناه في رأس المال يجب الخمس في الزائد على المليون المذكور وإن كان دخيلاً في التوسعة الزائدة على حاله ، فما أفاده الماتن (قدس سره) من التفصيل هو الظاهر .
وقد استند بعض الأعلام (قدس سره) في تفصيله المتقدّم إلى ما يرجع إلى أنّ المستثنى من الأرباح إنّما هو مؤونة السنة لا مؤونة عمره وما دام حيّاً ، وحينئذ فإذا اكتسب ما يفي بمؤونة سنته جاز أن يتّخذه رأس ماله من غير تخميس ، نظراً إلى أنّ صرف المبلغ المذكور يعني ثلاثمائة وستّين ديناراً فرضاً في المؤونة يمكن على أحد وجهين ; إمّا بأن يضعه في صندوق ويسحب منه كلّ يوم ديناراً ، أو بأن يشتري به سيّارة مثلاً ويعيش باُجرتها كلّ يوم ديناراً ، إذ الصرف في المؤونة لم ينحصر في صرف نفس العين ، بل المحتاج إليه هو الجامع بين صرف العين وصرف المنافع; لتحقّق الإعاشة بكلّ من الأمرين ، فهو مخيّر بينهما ولا موجب لتعيّن الأوّل(1) .
ويرد عليه أنّ الأمر في المثال المذكور وإن كان كما ذكره ، إلاّ أنّه في المثال الذي ذكرناه من الحاجة إلى مليون لتحصيل إعاشته التي هي عشر ذلك المبلغ يتوجّه عليه السؤال بأنّه ما الفرق بين المبلغ المذكور ، وبين الدار التي يحتاج إليها وتبقى سنين عديدة ، وكذلك مثل الدار ، كالفرش ونحوه ؟ فكما أنّ الدار مستثناة من الأرباح ولا يتعلّق بها الخمس ، كذلك رأس المال في المثال المفروض وإن كان زائداً على المؤونة السنوية كثيراً ، كما لا يخفى .
(1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 246 .
(الصفحة166)
مسألة 14 : لو كان عنده أعيان من بستان أو حيوان مثلاً ولم يتعلّق بها الخمس ، كما إذا انتقل إليه بالإرث أو تعلّق بها لكن أدّاه ، فتارةً يبقيها للتكسّب بعينها كالأشجار غير المثمرة التي لا ينتفع إلاّ بخشبها وأغصانها فأبقاها للتكسّب بهما ، وكالغنم الذكر الذي يبقيه ليكبر ويسمن فيكتسب بلحمه . واُخرى للتكسّب بنمائها المنفصل ، كالأشجار المثمرة التي يكون المقصود الانتفاع بثمرها ، وكالأغنام الاُنثى التي ينتفع بنتاجها ولبنها وصوفها. وثالثة للتعيّش بنمائها وثمرها; بأن كان لأكل عياله وأضيافه . أمّا في الصورة الاُولى فيتعلّق الخمس بنمائها المتّصل فضلاً عن المنفصل ، كالصوف والشعر والوبر . وفي الثانية لا يتعلّق بنمائها المتّصل ، وإنّما يتعلّق بالمنفصل منه . كما أنّ في الثالثة يتعلّق بما زاد على ما صرفه في معيشته1 .
1 ـ لو كان عنده أعيان من بستان أو حيوان مثلاً ولم يتعلّق بها الخمس ، أو تعلّق بها ولكن أدّاه فبالإضافة إلى النماء مطلقاً يتصوّر صور :
الاُولى : ما إذا أبقاها للتكسّب بعينها كالأشجار غير المثمرة التي لا ينتفع إلاّ بخشبها وأغصانها فأبقاها للتكسّب بهما ، وكالغنم المذكّر الذي يبقيه ليكبر ويسمن فيكتسب بهما ، ولا إشكال في تعلّق الخمس بالنماء في هذه الصورة مطلقاً: المتّصل والمنفصل ، كالصوف والشعر والوبر . لصدق الربح بالإضافة إلى كليهما . أمّا بالنسبة إلى النماء المنفصل فواضح . وأمّا بالنسبة إلى النماء المتّصل ، فلأنّه زيادة عينية حاصلة ، والظاهر أنّ الأمر كذلك بالإضافة إلى القيمة السوقية وإن لم يكن هناك زيادة عينية ، والمفروض عدم ثبوت الخمس بالنسبة إلى الأصل ، وقد تقدّم البحث في هذه الجهة في المسألة الثامنة المتقدّمة (1) .
(1) في ص144 ـ 145 .
(الصفحة167)
مسألة 15 : لو اتّجر برأس ماله في السنة في نوع واحد من التجارة فباع واشترى مراراً ، فخسر في بعضها وربح في بعض آخر يجبر الخسران بالربح ، فإذا تساويا فلا ربح ، وإذا زاد الربح فقد ربح في تلك الزيادة ، وكذا لو اتّجر في أنواع مختلفة من الأجناس في مركز واحد ممّا تعارف الاتّجار بها فيه من غير استقلال كلّ برأسه ، كما هو المتعارف في كثير من البلاد والتجارات ، بل وكذا لو اتّجر بالأنواع المختلفة في شعب كثيرة يجمعها مركز واحد ، كما لو كان لتجارة واحدة ـ بحسب الدفتر والجمع والخرج ـ شعب كثيرة مختلفة ، كلّ شعبة تختصّ بنوع تجمعها شعبة مركزيّة ، أو مركز واحد بحسب المحاسبات والدخل والخرج ، كلّ ذلك يجبر خسران بعض بربح بعض . نعم ، لو كان أنواع مختلفة من التجارة ومراكز متعدّدة غير مربوطة بعضها ببعض بحسب الخرج والدخل
الثانية : ما إذا أبقاها للتكسّب بنمائها المنفصل ، كالأشجار المثمرة التي يكون المقصود الانتفاع بثمرها ، وكالأغنام الاُنثى التي ينتفع بنتاجها ولبنها وصوفها ، والظاهر ثبوت الخمس في هذا النماء; لأنّ المفروض قصد التكسّب به . وأمّا المتّصل فهو خارج عن دائرة التكسّب ، والمفروض عدم ثبوت الخمس بالإضافة إلى الأصل .
الثالثة : ما إذا كان المقصود من إبقاء العين التعيّش بنمائها وثمرها دون التكسّب ، بل كان المقصود أكل عياله وأضيافه ، وفي هذه الصورة لا ينبغي الإشكال في عدم تعلّق الخمس بالمقدار المصروف مع فرض عدم التبذير والإسراف ، وأمّا بالإضافة إلى ما زاد عليه من الباقي بعد الصرف فالظاهر تعلّق الخمس به ; لأنّ المفروض كونه من الأرباح غير المصروفة ، ولا مدخليّة لعدم قصد التكسّب في عدم تعلّقه ، كما لا يخفى .
(الصفحة168)
والدفتر والحساب ، فالظاهر عدم جبر نقص بعض بالآخر ، بل يمكن أن يقال: إنّ المعيار استقلال التجارات لا اختلاف أنواعها1 .
1 ـ في هذه المسألة أيضاً صور متعدّدة :
الصورة الاُولى : ما لو اتّجر برأس ماله في السنة في نوع واحد من التجارة في محلّ واحد ومركز فارد فباع واشترى مراراً ، فخسر في بعضها وربح في بعض آخر ، وهذه الصورة هو القدر المتيقّن من جبر الخسران بالربح وكون الملاك والمناط هي ملاحظة المجموع ، فإذا زاد الربح فقد ربح في تلك الزيادة ، وهي المرتبطة بباب الخمس المتعلّقة له بعد استثناء المؤونة .
الصورة الثانية : ما لو اتّجر في أنواع مختلفة من الأجناس في مركز واحد من غير استقلال كلّ برأسه ، كما هو المتعارف في كثير من البلاد والتجارات; لكثرة الدكاكين المشتملة على أجناس مختلفة ، ويختلف ذلك حسب اختلاف البلاد ، بل يوجد في بعض الدكاكين من القرى أجناس مختلفة كمال الاختلاف من المواد الغذائيّة والأثواب والألبسة وغيرهما ممّا يحتاج إليه الناس ، وفي هذه الصورة أيضاً ينجبر الخسران في البعض بالربح في الآخر ، لاتّحاد التجارة ولو كانت في أجناس مختلفة بعد كون المحلّ واحداً وحساب الدخل والخرج كذلك ، بل ربما لا يمكن أن يكون لكلّ جنس حساب مستقلّ برأسه ، فاللازم ملاحظة الكسر والانكسار وحساب المجموع; لأنّ الربح وعدمه عند العقلاء إنّما يلاحظان بالإضافة إليه كما هو غير خفيّ .
الصورة الثالثة : ما إذا اتّجر بأنواع مختلفة في شعب كثيرة يجمعها مركز واحد بحسب المحاسبات والدخل والخرج ، ويلاحظ حال التاجر من جهة الربح والخسران بالإضافة إلى المجموع الذي يجمعها ذلك المركز ، والظاهر في هذه الصورة
(الصفحة169)
مسألة 16 : لو اشترى لمؤونة سنته من أرباحه بعض الأشياء كالحنطة والشعير والدهن والفحم وغير ذلك وزاد منها مقدار في آخر السنة ، يجب إخراج خمسه قليلاً كان أو كثيراً . وأمّا لو اشترى فرشاً أو ظرفاً أو فرساً ونحوها ممّا ينتفع بها مع بقاء عينها فالظاهر عدم وجوب الخمس فيها ، إلاّ إذا خرجت عن مورد الحاجة ، فيجب الخمس فيها على الأحوط1 .
أيضاً عدم استقلال كلّ شعبة ، بل ملاحظة حال ذلك المركز الواحد من جهة الربح والخسران بعد الكسر والانكسار .
الصورة الرابعة : ما لو اتّجر بأنواع مختلفة من التجارة في مراكز متعدّدة غير مربوطة بعضها ببعض ، بل كان لكلّ مركز حساب مستقلّ ودفتر الدخل والخرج كذلك ، وقد استظهر في المتن في هذه الصورة عدم الانجبار ، بل احتمل أن يكون الملاك ذلك حتّى فيما لو كان الاتّجار بنوع واحد ، فإذا كان بائعاً ومشترياً للرزّ وكان له دكّان في الشرق ودكّان في الغرب ولا ارتباط بين الدكّانين ، بل كان لكلّ وضع مستقلّ فالانجبار غير متحقّق وإن كان نوع التجارة واحداً; وهي معاملة الرزّ مثلاً .
1 ـ الفرق بين مثل الحنطة والشعير ، وبين مثل الفرش والظرف مع اشتراكهما في كون شرائهما بعنوان المؤونة من أرباح سنة واحدة ، إنّما هو في أنّه يتوقّف الانتفاع من العين على إتلافها في الصورة الاُولى ، والانتفاع بها مع بقائها في الصورة الثانية ، فمع زيادة مقدار من الاُولى في آخر السنة يجب إخراج خمسه قليلاً كان أو كثيراً; لانكشاف عدم كونه من مؤونة السنة لفرض خروجها وبقائه . وهذا بخلاف الصورة الثانية ، فإنّ العين ببقائها لا تكشف عن عدم كونها مؤونة من الأوّل ، والفرض عدم خروجها عن مورد الحاجة .
(الصفحة170)
نعم ، في صورة الخروج عن الحاجة لأجل اندراس الفرش مثلاً احتاط في المتن وجوباً بإخراج الخمس ، والسرّ فيه أنّ مقتضى الاستصحاب لو وصلت النوبة إلى الشكّ وإن كان هو عدم الوجوب ، إلاّ أنّ الظاهر من الأدلّة كون المناط هو تحقّق عنوان المؤونة ، والفرض الخروج عنه .
ثمّ إنّه ذكر بعض الأعلام (قدس سره) ما يرجع إلى استظهار عدم وجوب الخمس من غير فرق بين صورتي الاستغناء وعدمه ، نظراً إلى ما حقّقه في الاُصول ممّا خلاصته : أنّه إذا كان هناك عامّ مثلاً وقد ورد عليه مخصّص زمانيّ ، فإن كان الزمان ملحوظاً بنحو المفرديّة بحيث كان له عموم أفرادي وأزماني بحيث كان الملحوظ بالإضافة إلى الزمان أيضاً فرداً مستقلاًّ للعامّ في قبال الزمان الآخر كان المرجع فيما عدا المقدار المتيقّن هو عموم العامّ ، حتّى إذا كان استصحاب المخصّص جارياً في نفسه; لتقدّم الأصل اللفظي على الأصل العملي . وإذا كان الزمان ملحوظاً ظرفاً لا قيداً فلا مجال حينئذ للتمسّك بالعامّ ، حتّى إذا لم يكن الاستصحاب جارياً ، بل مقتضى الأصل البراءة منه ، ولكن هذا كلّه مخصوص بما إذا كان التخصيص أزمانياً .
وأمّا إذا كان أفراديّاً; بأن أخرج دليل التخصيص فرداً من أفراد العامّ ، كخروج زيد العالم عن دليل وجوب إكرام العلماء ، فهو خارج عن موضوع ذلك البحث ، بل اللازم في مثله الأخذ بإطلاق دليل المخصّص المقدّم على عموم العام; لعدم كون زيد العالم فردين من أفراد العام .
وعليه نقول: قوله(عليه السلام): «الخمس بعد المؤونة»(1) الذي هو بمنزلة المخصّص لعموم دليل الخمس يستفاد منه أنّ هذا الفرد من الربح الذي يحتاج إليه خلال السنة
(1) تقدّم في ص118 .
(الصفحة171)
خارج عن عموم الدليل ، فهو من قبيل التخصيص الأفرادي لا الأزماني ، كما أنّه لم يكن مقيّداً بعدم كونه مؤونة في السنة الآتية ، ولا بعدم الاستغناء في السنين القادمة ، فهذا الفرد بعد خروجه لا يكون مشمولاً لإطلاقات الخمس ، ومقتضى الأصل البراءة ، فلا موجب للاحتياط إلاّ استحباباً .
ومع التنزّل عن ذلك فلا ينبغي التأمّل في عدم مفرديّة الزمان في عموم الخمس المتعلّق بالأرباح ليلزم الانحلال ، بل هو ظرف محض ، فلكلّ فرد من الربح حكم وحداني مستمرّ من الخمس تكليفاً ووضعاً ، فإذا سقط الحكم عن فرد يحتاج عوده إلى دليل(1) ، انتهى .
وهذا الذي أفاده وإن كان متيناً جدّاً بالإضافة إلى المسألة الاُصولية التي هي مبنى المسألة ، كما أنّ الظاهر أنّ مورده صورة الخروج عن الحاجة بالإضافة إلى غير سنة الاسترباح ، ويؤيّده أنّ الاستغناء وعدمه حينئذ لا دخل له في المؤونة المستثناة من الربح في السنة الماضية; لعدم الارتباط بتلك السنة وعدم كونه معدوداً من ربح هذه السنة ، إلاّ أنّ خروجه عن ربح السنة الماضية لأجل كونه مؤونة ربما يقتضي أنّ الاستثناء يتوقّف على بقاء كونه كذلك ، فمع الخروج لا وجه لعدم تعلّق الخمس وإن كان الخروج عن مورد الحاجة في غير سنة الاسترباح ، وهذا الوجه لو لم يكن مقتضياً للحكم بالوجوب فلا أقل من اقتضائه الاحتياط الوجوبي ، فتدبّر جيّداً . لكنّ الظاهر كما ذكرنا في التعليقة عدم الوجوب .
ثمّ إنّ الخروج عن مورد الحاجة إن كان في نفس سنة الاسترباح كما لعلّه يقتضيه إطلاق العبارة في المتن وغيره ، فتارةً يكون الخروج موقتاً ، واُخرى لا يكون
(1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 258 ـ 259 .
(الصفحة172)
كذلك ، ففي الصورة الاُولى كما إذا اشترى بخارياً لأجل الاصطلاء في الشتاء فانقضى الشتاء ولم يكن بحاجة بعد انقضائها إليه ، فالظاهر أنّه لا يتعلّق الخمس به بعد كونه مورداً للحاجة ولو في خصوص الشتاء . وفي الصورة الثانية كما إذا اشترى فرشاً لأجل الحاجة إليه ثمّ بذل له فرش أنسب من الأوّل فاستفاد منه فخرج الأوّل عن مورد الحاجة بالمرّة ، فالظاهر أنّ مقتضى الاحتياط الوجوبي الخمس; لأنّ بذل الآخر إيّاه وإن لم يكن بكاشف عن عدم كونه مورد الحاجة بوجه خصوصاً بعد ظهور الاحتياج إليه ولو في مدّة حقيقةً .
وقدذكرنافي تعليقتناعلى العروة التي استظهر فيهاالوجوب بنحوالاحتياط المطلق مطلقاً كما هنا ، بل الأقوى فيما إذا كان الاستغناء في أثناء السنة بنحو لا يحتاج إليه أصلاً ، وأمّافيما إذاكان بعدتمامها أوبنحويحتاج إليه فيما بعد فالظاهر عدم الوجوب(1).
ثمّ إن كان الخروج عن المؤونة لأجل لزوم بيعه مثلاً وإقامة فرش آخر أولى منه مقامه كما ربما يتّفق بالإضافة إلى الدار الذي احتاج إليه فاشتراه من الأرباح ثمّ احتاج إلى أوسع منه فباعه بقصد اشتراء دار آخر مقامه مناسب لشأنه كاف لحاجاته ، فإن كان ذلك في سنة الربح فلا إشكال ، وإن كان في السنة التي بعد سنة حصول الربح بناءً على ثبوت الخمس حينئذ ولو بنحو الاحتياط المطلق ، فإن كان ذلك بالمعاوضة العرفيّة; بأن أبدل الدار الصغيرة مثلاً بدار كبيرة كافية وإن استلزم الإبدال المذكور بذل مقدار من الربح ، فالظاهر أنّه لا مانع منه ولا يجب الخمس ، وإن كان ذلك متوقّفاً على بيع الأوّل مثلاً واشتراء الثاني ، فالظاهر أنّه بمجرّد الشراء يخرج من مؤونة السنة ويجب فيها الخمس ، إلاّ إذا انحصر طريق تحصيل الدار
(1) الحواشي على العروة : 192 مسألة 67 .
(الصفحة173)
مسألة 17 : إذا احتاج إلى دار لسكناه مثلاً ولا يمكنه شراؤها إلاّ من أرباحه في سنين عديدة فالأقوى أنّه من المؤونة إن اشترى في كلّ سنة بعض ما يحتاج إليه الدار ، فاشترى في سنة أرضها مثلاً ، وفي اُخرى أحجارها ، وفي ثالثة أخشابها وهكذا ، أو اشترى مثلاً أرضها وأدّى من سنين عديدة قيمتها إذا لم يمكنه إلاّ كذلك . وأمّا إبقاء الثمن في سنين للاشتراء فلا يعدّ من المؤونة ، فيجب إخراج خمسه . كما أنّ جمع صوف غنمه من سنين عديدة لفراشه اللاّزم أو لباسه إذا لم يمكنه بغير ذلك يعدّ من المؤونة على الأقوى ، وكذلك اشتراء الجهيزيّة لصبيّته من أرباح السنين المتعدّدة في كلّ سنة مقدارها يعدّ من المؤونة لا إبقاء الأثمان للاشتراء1 .
المناسبة مثلاً بهذا النحو ، لكن الأحوط في مثله الاستدارة مع أهلها .
1 ـ لا ينبغي الإشكال في العدّ من المؤونة في الموارد المذكورة في المتن إذا كان بالكيفيّة المذكورة في المتن أيضاً ، فإنّه لا مجال لتوهّم أنّ الدار التي يحتاج إليها لسكناه إنّما تكون من المؤونة إذا كان ربح سنة واحدة كافياً لشرائها ، ولا يجوز شراؤها من أرباح سنين عديدة بالكيفيّة المذكورة أو مثلها ، فإنّه على هذا التقدير ربما لا يقدر على الاشتراء مع كون المفروض الحاجة إليها لأجل السكنى والقدرة على الشراء في سنين عديدة ، مع أنّه يمكن أن يقال بالأولويّة ، فتدبّر جيّداً .
إنّما الإشكال في اختصاص العدّ من المؤونة بمثل الكيفيّات المذكورة ، فإنّه في مسألة الدار إذا لاحظ أنّ الاشتراء في كلّ سنة من الأرباح بعض ما يحتاج إليه الدار ربمايصير موجباً لتلف بعض ذلك بالسرقة أو تصرّف المطر أو الهواء مثلاً ولا يكون له مكان للحفظ أصلاً ، فأيّ مانع من جمع الثمن في مثل البنك ونحوه بهذا القصد
(الصفحة174)
مسألة 18 : لو مات في أثناء حول الربح سقط اعتبار إخراج مؤونة بقيّة السنة على فرض حياته، ويخرج خمس ما فضل عن مؤونته إلى زمان الموت1 .
وبقائه إلى يوم الأخذ والاشتراء ، فهل هذا يوجب الخروج من المؤونة ؟ الظاهر العدم ، وكذلك في مسألة الجهيزية ، مثلاً إذا لاحظ أنّ اشتراءها تدريجاً يكون ملازماً لحفظه مع أنّه لا مكان له للحفظ مثلاً ، أو رأى استلزامه للاندراس ، أو لاحظ اختلاف الأنظار بحسب الأزمنة المتعدّدة ، خصوصاً إذا كانت كثيرة ، فإنّه إذا جمع الأثمان في البنك المذكور ونحوه بقصد تهيئة الجهيزية في الزمان اللازم ، فهل هذا لا يعدّ من المؤونة ؟ الظاهر العدّ .
نعم ، الظاهر أيضاً كما أشرنا إليه(1) اختصاص ذلك بمن لا يقدر على تحصيل جهاز العروس بغير النحو المذكور ، فالإنصاف أنّ تخصيص الجواز بخصوص النحو المذكور في المتن في غير محلّه ، بل الظاهر عدم ثبوت الخمس في الكيفيّة التي ذكرناها ، وقد وقع الجواب أخيراً من استفتاء المسألة المذكورة المبتلى بها غالباً بمثل ما ذكر في أجوبة الاستفتاءات .
1 ـ لظهور الدليل في أنّ المؤونة المستثناة من الربح ـ الذي أحد الاُمور المتعلّقة للخمس المراد منه ـ هي مؤونة السنة الفعلية المناسبة لشأنه وشرفه من دون إسراف ولا تبذير ، فمع فرض الموت في أثناء حول الربح يسقط اعتبار إخراج جميع السنة على فرض الحياة; لانتفاء الموضوع وعدم ثبوت المؤونة بالإضافة إلى بقيّة السنة ممّا بعد الموت .
وبعبارة اُخرى: المستثنى إنّما هي المؤونة الفعلية لا التقديريّة ، ولذا لو قتّر واقتصر على الأقلّ من المؤونة المناسبة لا يحسب التفاوت بوجه .
(1) في ص164.
(الصفحة175)
مسألة 19 : لو كان عنده مال آخر لا يجب فيه الخمس فالأقوى جواز إخراج المؤونة من الربح خاصّة وإن كان الأحوط التوزيع ، فلو قام بمؤونته غيره لوجوب أو تبرّع لم تحسب المؤونة ، ووجب الخمس من جميع الربح1.
1 ـ الأقوال في المسألة ثلاثة ، بعد بيان أنّ المراد ليس المال الذي لم تجر العادة بصرفه في المؤونة ، كدار السكنى ، أو رأس المال ونحوهما :
أحدها : جواز إخراج المؤونة من الربح خاصّة .
ثانيها : عدم الجواز أصلاً ، وربما نسب ذلك إلى المحقّق الأردبيلي (قدس سره)(1) .
ثالثها : جواز التوزيع بالنسبة .
وعلّل الأخير بأنّه مقتضى قاعدة العدل والإنصاف .
وعلّل الثاني بأنّ ما دلّ على جواز أخذ المؤونة من الربح ضعيف السند ، والعمدة الإجماع ودليل نفي الضرر ، والقدر المتيقّن صورة الاحتياج ، أمّا مع عدم الحاجة لوجود مال آخر فلا إجماع ، ومع قطع النظر عن المناقشة في السند فالدليل منصرف إلى صورة الاحتياج .
وممّا ذكر يظهر دليل القول الأوّل ، وأنّه مقتضى إطلاق دليل ثبوت الخمس بعد المؤونة ، فإنّ مقتضاه الشمول لمثل ما إذا كان له مال آخر ، كما لا يخفى .
أقول : أمّا المناقشة في دليل إخراج المؤونة من الربح فغير واضحة ، بل غير صحيحة ; لأنّ ما دلّ على ذلك كان مثل صحيحة علي بن مهزيار المتقدّمة(2) ، مع أنّ اشتهار الاستناد يكفي في الانجبار على تقدير الضعف .
(1) مجمع الفائدة والبرهان 4 : 318 ، وحكاه عنه في مستمسك العروة الوثقى 9 : 540 .
(2) في ص112 ـ 114 .
(الصفحة176)
مسألة 20 : لو استقرض في ابتداء سنته لمؤونته أو اشترى بعض ما يحتاج إليه في الذمّة أو صرف بعض رأس المال فيها قبل حصول الربح يجوز له وضع مقداره من الربح1 .
كما أنّا ذكرنا مراراً أنّ دليل نفي الضرر أجنبيّ عن المسائل الفقهية ، وقاعدة العدل والإنصاف لا تكون من القواعد الفقهية المعتبرة ، وإن قيل بالاستفادة من قضيّة الدرهم الودعي(1) وبعض الموارد الاُخر ، إلاّ أنّ الاستفادة بنحو الضابطة الكلّية ممنوعة ، فلا يكون في البين إلاّ إطلاق دليل اعتبار الإخراج بعد المؤونة . ودعوى الانصراف إلى صورة الحاجة إلى الربح في ذلك ممنوعة جدّاً ، خصوصاً بعد ملاحظة كثرة موارد عدم الحاجة ، فالأقوى جواز الإخراج من خصوص الربح وإن كان مقتضى الاحتياط التوزيع .
ثمّ إنّه فرّع على ذلك ما لو قام بمؤونته غيره لوجوب أو تبرّع ، وأنّه لا تحسب المؤونة من الربح حينئذ ، بل يجب الخمس من جميع الربح ، لكن الكلام في أنّه هل يجب عليه القبول خصوصاً في صورة التبرّع ؟ الظاهر أنّه لا يجب عليه مع عدم كونه مناسباً لشأنه ، بل الظاهر العدم في صورة المناسبة أيضاً ، إلاّ أن يقال بعدم ثبوت عنوان المؤونة بالإضافة إليه . هذا ، مع أنّ التفريع إنّما يناسب عدم الحساب ، كما لا يخفى .
1 ـ هذا على تقدير كون مبدأ السنة الشروع في الاكتساب ولو لم يتحقّق الربح بلا فصل واضح ، فإنّه على هذا التقدير لا مانع من وضع مقدار من الربح أو جميعه بقدر ما استقرض في ابتداء سنته لمؤونته ، أو اشترى بعض ما يحتاج إليه في الذمّة ،
(1) شرائع الإسلام 2 : 121 ، الدروس الشرعية 3 : 333 ، الوسائل 18: 451 ، كتاب الصلح ب11 .
(الصفحة177)
مسألة 21 : الدين الحاصل قهراً مثل قيم المتلفات واُروش الجنايات ـ ويلحق بها النذور والكفّارات ـ يكون اداؤه في كلّ سنة من مؤونة تلك السنة ، فيوضع من فوائدها وأرباحها كسائر المؤن ، وكذا الحاصل بالاستقراض والنسيئة وغير ذلك إن كان لأجل مؤونة السنوات السابقة إذا أدّاه في سنة الربح ، فإنّه من المؤونة على الأقوى ، خصوصاً إذا كانت تلك السنة وقت أدائه . وأمّا الدين الحاصل من الاستقراض عن وليّ الأمر من مال الخمس المعبّر عنه بـ «دستگردان» فلا يعدّ من المؤونة حتّى لو أدّاه في سنة الربح ، أو كان زمان
أو صرف بعض رأس المال فيها قبل حصول الربح . وأمّا على تقدير كون مبدأ السنة حين تحقّق الربح فلما سيأتي في بعض المسائل الآتية من أنّ أداء هذاالنحو من الدين من المؤونة ، كما أنّ تكميل رأس المال للاكتساب المناسب لحاله من الربح قد مرّ أنّه لا مانع منه ولا يتعلّق به الخمس .
نعم ، ذكر بعض الأعلام (قدس سره) أنّه بناءً على كون مبدأ السنة ظهور الربح مطلقاً كما استظهره من الأدلّة لا يجوز إخراج مقدار المؤونة المصروفة سابقاً من الربح المتأخّر لعدم الدليل عليه بوجه ، ثمّ استدرك صورة تحمّل المؤونة في سبيل تحصيل الربح كالسفر إلى بلاد بعيدة ، كما لو اشترى بضاعة من بغداد بمائة دينار مثلاً وذهب إلى لندن فباعها بخمسمائة درهم ، فإنّ ذلك يتكلّف بطبيعة الحال مصارف مأكله ومسكنه واُجور الطائرة ونحو ذلك ، فإنّ هذا كلّه يخرج من الربح المتأخّر قطعاً ، بل لا ربح حقيقة إلاّ فيما عداه (1) .
أقول : سيأتي التحقيق في مسألة أداء الدين من المؤونة إن شاء الله تعالى .
(1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 256 ـ 257 .
(الصفحة178)
أدائه في تلك السنة وأدّاه ، بل يجب تخميس الجميع ثمّ أداؤه من المخمّس ، أو أداؤه واحتسابه حين أداء الخمس وردّ خمسه1 .
1 ـ قد ذكرنا في التعليقة على العروة الدالّة على أنّ أداء الدين من المؤونة ، أنّ الأظهر أنّ الدين إن كان مقارناً ، فتارةً يكون لمؤونته في ذلك العام ، أو مؤونة أصل الاكتساب ، أو حصل بأسباب قهريّة ، واُخرى لغيرها ، كالصرف في شراء ضيعة لا يحتاج إليها ، ففي الأوّل يكون أداؤه من المؤونة ، وفي الثاني أيضاً يكون منها مع تلف ما استدان له كالضيعة في المثال . وأمّا مع بقائه فلا . وإن لم يكن مقارناً بل كان سابقاً ، فإن كان لمؤونة عام الربح فالظاهر أنّه كالمقارن ، وإلاّ فتارة لم يتمكّن من أدائه إلى عام حصول الربح ، واُخرى تمكّن ولم يؤدّه ، ففي الأوّل يكون وفاؤه من المؤونة مع عدم بقاء مقابله إلى عام الاكتساب وحصول الربح أو احتياجه إليه فيه ، وإلاّ فلا، وفي الثاني إشكال خصوصاً مع بقاء مقابلهوعدم احتياجه إليه فيه، انتهى(1).
أقول : الكلام في المسألة في مقامين :
المقام الأوّل : ما إذا لم يكن الاستقراض من وليّ الأمر من مال الخمس المعبّر عنه بـ «دستگردان» . والحقّ أنّ الحكم فيه ما ذكرناه في التعليقة مع توضيح أنّ المراد من قيم المتلفات الأعمّ من المثلي المتلف والقيمي كذلك ، ومن أرش الجناية أعمّ من الدية في قتل العمد مع عدم إرادة القصاص ، ومع بيان أنّ الاستقراض لأجل المؤونة قبل عام الاكتساب إذا لم يتمكّن من أدائه إلاّ في عام الاكتساب من الأرباح يعدّ من المؤونة وإن جعلنا المبدأ حصول الربح لا الشروع في الاكتساب ، وإن كانت عبارة المتن مطلقة من جهة صورة التمكّن وعدمها ، إلاّ أنّ الظاهر
(1) الحواشي على العروة : 192 مسألة 71 .
(الصفحة179)
الاختصاص بصورة العدم; لأنّه لا وجه لعدّ أداء الدين لأجل مؤونة السنوات السابقة من مؤونة هذه السنة ، خصوصاً إذا جعلنا المبدأ حصول الربح إذا تمكّن من أدائه فيها ، غاية الأمر أنّه لم يؤدّه .
وممّا ذكرنا ظهر أنّ اداء الدين لأجل مؤونة هذه السنة من المؤونة مطلقاً إنّما يتمّ على تقدير كون المبدأ الشروع في الاكتساب ، وأمّا على تقدير كون المبدأ حصول الربح فاللازم التقييد بصورة عدم التمكّن من الأداء إلاّ من طريق الربح الحاصل ، كما لا يخفى .
المقام الثاني : فيما إذا كان الاستقراض من وليّ الأمر من مال الخمس ، والمذكور في المتن أنّه لا يعدّ من المؤونة حتّى لو أدّاه في سنة الربح ، أو كان زمان أدائه في تلك السنة ، بل يجب تخميس الجميع ثمّ أداؤه من الخمس أو أداؤه واحتسابه حين أداء الخمس وردّ خمسه .
والظاهر أنّ الوجه في عدم كونه معدوداً من المؤونة أنّ المفروض عدم كون الاستقراض لمؤونة السنة أو لحصول أصل الاكتساب ، بل إنّما هو لمجرّد جواز التأخير في الأداء ، فالشروع في الاكتساب في هذا العام يتحقّق مع ملاحظته ، مثلاً لو فرض أنّ خمسه كان عشرة من خمسين فاستقرض العشرة من وليّ الأمر بالنحو المذكور ، فالشروع في الاكتساب في هذا العام يتحقّق بملاحظة خمسين المركّب من رأس المال والعشرة المستقرضة ، فاللازم عند تمامية السنة الثانية المشتملة على الربح أيضاً تخميس الجميع ثمّ أداؤه من المخمّس ، أو أداؤه واحتسابه حين أداء الخمس وردّ خمسه إلى وليّ الأمر .
هذا ، والظاهر أنّ المراد من تخميس الجميع الواجب كما في المتن الجميع المركّب ممّا استقرضه من مال الخمس من وليّ الأمر ومن أرباح السنة الثانية ، فيكون أصل
(الصفحة180)
رأس المال والأرباح المخمّسة في السنة الباقية وما استقرضه دخيلاً في حصولها وتحقّقها ، فيجب تخميس هذا الجميع . وأمّا أصل رأس المال فالمفروض أنّه مخمّس أو غير متعلّق للخمس ، والأرباح المخمّسة لا يتعلّق بنفسها الخمس ثانياً ، فالمراد من الجميع ما ذكرنا .
وأمّا احتمال كون المراد خصوص جميع الأرباح فقط فلا يناسب مع كلمة «الجميع» ، فاللازم عند انتهاء السنة الثانية أداء ما استقرضه من المال المخمّس وخمسه وخمس الأرباح الحاصلة فيه .
فإذا فرض أنّ أصل رأس المال كان مائتين وقد ربح في السنة الاُولى مائة ، وأعطى خمسها إلى الحاكم ، ثمّ استقرض منه سنة ، فالتجارة في السنة الثانية إنّما هي بملاحظة ثلاثمائة ، والمفروض أنّه استفاد فيها مائة ونصفاً ، فاللازم إعطاء خمسمائة ونصف الذي هو ثلاثون وأداء العشرين المستقرضة من المال المخمّس ، فيجب عليه أداء خمسين ، ثلاثون بعنوان خمس جميع الأرباح ، وعشرون بعنوان أداء القرض من المال المخمّس .
أمّا تعلّق الخمس بجميع الأرباح الحاصلة في السنة الثانية فالوجه فيه واضح . وأمّا تعلّق الخمس بالعشرين المستقرضة فالوجه فيه أنّه غنيمة وفائدة حاصلة له وإن كان الواجب عليه ردّ مثلها .
ويمكن أن يكون المراد بالجميع هو خصوص أرباح السنة الثانية الحاصلة من رأس المال وممّا استقرضه ، والوجه فيه عدم تعلّق الخمس بالعشرين ، خصوصاً مع قصد الأداء كما هو المفروض ، فلا يتعلّق الخمس بنفسه ، بل بالربح الحاصل منه ، ولعلّ هذا الاحتمال هو الأظهر وإن كان التعبير بكلمة «الجميع» لعلّه لا يناسبه ، كما لايخفى .
|