(الصفحة181)
مسألة 22 : لو استطاع في عام الربح ، فإن مشى إلى الحجّ في تلك السنة يكون مصارفه من المؤونة ، وإذا أخّر لعذر أو عصياناً يجب إخراج خمسه ، ولو حصلت الاستطاعة من أرباح سنين متعدّدة وجب الخمس فيما سبق على عامّ الاستطاعة . وأمّا المقدار المتمّم لها في تلك السنة فلا خمس فيه لو صرفه في المشي إلى الحجّ ، وقد مرّ جواز صرف ربح السنة في المؤونة ، ولا يجب التوزيع بينه وبين غيره ممّا لا يجب فيه الخمس ، فيجوز صرف جميع ربح سنته في مصارف الحجّ ، وإبقاء أرباح السنوات السابقة المخمّسة لنفسه 1.
1 ـ لا ينبغي الإشكال في أنّه إذا استطاع في عام الربح وتمكّن من المسير وسار إلى الحجّ في ذلك العام يكون مصارفه من المؤونة; لأنّ المفروض الصرف في الحجّ اللازم عليه شرعاً ، فهو من أوضح مصاديق المؤونة من دون جريان احتمال الخلاف بوجه . وأمّا إذا أخّر لعذر كعدم التمكّن من المسير فاللازم إخراج خمسه; لأنّ المفروض عدم الصرف وعدم الوجوب عليه شرعاً; لأنّ التأخير كان مستنداً إلى العذر الذي لا يجتمع مع الوجوب .
وأمّا إذا أخّر عصياناً مع تمكّنه من السير ووجود الاستطاعات المعتبرة بأجمعها فظاهر صاحب العروة(1) أنّ مقتضى الاحتياط الوجوبي إخراج الخمس من الاستطاعة الماليّة الحاصلة ، ولكن ظاهر المتن بل صريحه وجوب إخراج الخمس ، ولعلّه لأجل ما عرفت(2) من أنّ الدين بنفسه لا يكون من المؤونة ، بل الذي يعدّ منها إنّما هو الأداء المستلزم في المقام للصرف في مصارف الحجّ ، ولا يكفي مجرّد
(1) العروة الوثقى 2 : 396 مسألة 70 .
(2) في ص178 .
(الصفحة182)
الوجوب مع عدم الصرف ، وإلاّ لكان وجوب الإنفاق على الزوجة مثلاً مع القدرة عليه موجباً للعدّ من المؤونة وإن عصى ولم ينفق أصلاً ، كما لا يخفى .
والعلّة فيه ما أشرنا إليه(1) من أنّ المراد من المؤونة هي المؤونة الفعليّة لا المؤونة التقديريّة ، ولذا لو قتّر يحسب عليه ، فالظاهر حينئذ أنّه لا مجال للاحتياط ، بل اللازم الفتوى بوجوب إخراج الخمس مع التأخير عصياناً .
وممّا ذكرنا يظهر أنّه لو أحجّ به متبرّع مع ثبوت الاستطاعات المعتبرة في حجّة الإسلام له يجب عليه إخراج الخمس من الربح; لعدم الصرف في المؤونة ، كما أنّه يعدّ مصارف الحجّ الاستحبابي من المؤونة إذا كان قبل حلول حول الربح الذي مبدؤه حين الشروع في الاكتساب ، أو حدوث الربح على الخلاف المتقدّم(2) ، وكذلك العمرة المفردة بالنسبة إلى مثل الإيرانيين ممّن لا يجب عليهم العمرة المفردة أصلاً ، كما قد حقّق في مبحث الحجّ (3) .
ثمّ إنّه يقع الكلام بالإضافة إلى ثمن الحجّ ومخارجه المودّع عند مؤسّسة الحجّ والزيارة القائمة بإحجاج كلّ جمعيّة خاصّة في سنة خاصّة مع إصابة القرعة إليهم أو التقدّم في أداء المصارف ، فإنّ الظاهر بملاحظة ما ذكرنا لزوم إخراج الخمس إذا كان الحجّ بعد حلول الحول ، من دون فرق بين الحجّ الواجب والمستحبّ ، والظاهر أنّه لا فرق في الحجّ الواجب بين صورة الاستقرار وعدمه وإن قلنا بالفرق في الجواب عن بعض الاستفتاءات; لأنّ الملاك كما ذكرنا هي المؤونة الفعليّة ، ولا فرق في هذه الجهة بين الصور من هذه الجهة وإن كان الفرق من الجهات الاُخر موجوداً ، فتدبّر .
(1) في ص157 .
(2) في ص152 .
(3) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة (كتاب الحج) 2 : 223 ـ 224 .
(الصفحة183)
ولو حصلت الاستطاعة من أرباح سنين متعدّدة فلا ينبغي الإشكال في لزوم إخراج الخمس من الأرباح قبل حصول الاستطاعة . وأمّا الربح المتمّم للاستطاعة في السنة الأخيرة مثلاً فيجري فيه ما ذكرنا من أنّه مع الصرف في الحجّ وصيرورته مؤونة فعليّة لا يجب فيه الخمس ، ويمكن له أن يصرف خصوص الربح الأخير في الحجّ من دون لزوم التخميس أصلاً; لما مرّ(1) من أنّه لو كان عنده مال مخمّس أو غير متعلّق للخمس لا يجب عليه الصرف في المؤونة منه أو التوزيع بينه وبين غيره ، وعليه فيجوز عليه إبقاء أرباح السنوات السابقة المخمّسة على حالها وصرف تمام الربح الأخير في الحجّ ، كما لا يخفى .
ثمّ الظاهر أنّ ما ذكرنا في صورة إيداع المصارف عند مؤسّسة الحجّ والزيارة من الفروض والأحكام المذكورة إنّما يشترط فيها أمران :
أحدهما : كون المصارف عنده بصورة الأمانة ، بحيث كلّما أراد أن يستردّ أمكن له ذلك ، كما ربّما يقال ، وإلاّ فلو فرض عدم إمكان الاسترداد بوجه يكون الدفع إليها بمنزلة الصرف فيعدّ من المؤونة ، وإن كان أصل العمل يكون ظرف وقوعه بعد حلول الربح; لأنّها صارت مؤونة بمجرّد الدفع ، كما أنّه يشترط في الورقة الحاكية لذلك عدم صحّة النقل إلى الغير ، وإلاّ فمع الصحّة لا وجه للعدّ من المؤونة في صورة العدم .
ثانيهما : عدم إمكان الذهاب إلى الحجّ أو العمرة من طريق آخر غير مستلزم للعسر أو الحرج ، وإلاّ فلا يعتبر في الاستطاعة السربيّة موافقة المؤسّسة المزبورة . نعم ، في صورة عدم الإجازة من غير طريقها تكون المخالفة مع مقرّرات الحكومة
(1) في ص175 ـ 176 .
(الصفحة184)
مسألة 23 : الخمس متعلّق بالعين ، وتخيير المالك بين دفعه منها أو من مال آخر لا يخلو من إشكال ، وإن لا يخلو من قرب إلاّ في الحلال المختلط بالحرام ، فلا يترك الاحتياط فيه بإخراج خمس العين ، وليس له أن ينقل الخمس إلى ذمّته ثمّ التصرّف في المال المتعلّق للخمس . نعم ، يجوز للحاكم الشرعي ووكيله المأذون أن يصالح معه ونقل الخمس إلى ذمّته ، فيجوز حينئذ التصرّف فيه ، كما أنّ للحاكم المصالحة في المال المختلط بالحرام أيضاً1.
الإسلامية غير جائزة ، وإن كان ذلك لا يضرّ بصحّة الحجّ أو العمرة كالسفر مع الدابّة الغصبية على ما قرّر في محلّه ، فتدبّر .
1 ـ من الواضح مغايرة هذه المسألة مع مسألة كيفيّة تعلّق الخمس ، وأنّها هل هي على سبيل الإشاعة ، أو الكلّي في المعيّن ، أو غيرهما من الاحتمالات التي لعلّها تجيء فيما بعد؟ فإنّ المبحوث عنه في هذه المسألة ارتباط الخمس وتعلّقه بنفس العين ، سيّما إذا كانت عينيّة ، وخصوصاً إذا كانت منفصلة ، ويتفرّع عليه في نفسه عدم كون المالك في نفسه مخيّراً بين دفع الخمس من العين ، وبين دفعه من مال آخر نقداً كان أو عروضاً; لأنّ المتعلّق إنّما هي العين ، فلو لم يصالح الحاكم الشرعي أو وكيله المأذون معه في هذه الجهة ونقل الخمس إلى ذمّته لا يجوز له ذلك ; لأنّ ظاهر الكتاب تعلّق الخمس بنفس {ما غَنِمْتُم مِن شَىْء}(1) وكذا الروايات ظاهرة في هذه الجهة ; لأنّ مقتضاها كون العين ظرفاً ، سيّما ما دلّ على أنّ الخمس في خمسة أشياء مثلاً(2) .
(1) سورة الأنفال 8: 41 .
(2) الوسائل 9 : 488 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب2 ح9 و 11 .
(الصفحة185)
هذا ، ولكنّ الظاهر التسالم على جواز النقل إلى الذمّة في باب الزكاة ، ومن المحتمل قويّاً عدم اختصاص هذا الأمر بذلك الباب ، وقد نقل في الوسائل رواية بهذا اللفظ; وهي صحيحة البرقي قال : كتبت إلى أبي جعفر الثاني(عليه السلام) : هل يجوز أن اُخرج عمّا يجب في الحرث من الحنطة والشعير وما يجب على الذهب دراهم قيمة ما يسوى ، أم لا يجوز إلاّ أن يخرج من كلّ شيء ما فيه؟ فأجاب(عليه السلام) : أيّما تيسّر يخرج(1) .
وربما استفيد منها حكم الخمس أيضاً ، نظراً إلى أنّ قول السائل: «ما يجب في الحرث من الحنطة والشعير» وإن كان مختصّاً بباب الزكاة ، إلاّ أنّ قوله : «ما يجب على الذهب» عامّ يشمل الخمس أيضاً ، فتدلّ الرواية بالمطابقة على جواز النقل في الذمّة في باب الخمس أيضاً .
ولكن يرد على هذه الاستفادة ـ مضافاً إلى ذكر الذهب في عداد الحنطة والشعير مع أنّه لا يجب فيهما إلاّ الزكاة . نعم ، ربما يجب الخمس فيهما أيضاً لكن لا بهذا العنوان ـ أنّ الذهب بما هو ذهب لا يجب فيه الخمس ، بل هو متعلّق بأحد الاُمور الخمسة أو السبعة بعنوانه ، كالمعدن والكنز والربح .
فالإنصاف أنّ الرواية من حيث هي لا دلالة لها على حكم الخمس ، ولا يكون قوله(عليه السلام) في الجواب: «أيّما تيسّر يخرج» مطلقاً شاملاً للإخراج بعنوان الخمس ، كما لايخفى .
وممّا ذكرنا ظهر أنّه لا وجه لما يستفاد من تقريرات بعض الأعلام في الشرح على العروة من أنّه لو كانت الزكاة مذكورة في كلام الإمام(عليه السلام)
(1) الكافي 3 : 559 ح1 ، الوسائل 9 : 192 ، أبواب زكاة الغلاّت ب9 ح1 .
(الصفحة186)
لأمكن دعوى الاختصاص وأنّ للزكاة خصوصيّة من هذه الجهة ، لكنّها غير مذكورة في كلامه(عليه السلام)(1). وهذا الذي أفاده في غاية الغرابة ، فإنّ الجواب إنّما ينطبق على السؤال ، فلو فرض كون مورده خصوص الزكاة فلا وجه لتعميم الجواب بوجه ، إلاّ أن يدّعي إلغاء الخصوصية قطعاً ، أو اطمئناناً ، أو حكم العرف .
ثمّ إنّه نهى عن ترك الاحتياط بعدم نقل الخمس إلى الذمّة في صورة عدم المصالحة مع الحاكم أو وكيله المأذون في غير المال الحرام المختلط بالحلال من الاُمور المتعلّقة للخمس التي صرّح في أوّل الفصل بكونها اُموراً سبعة ، وظاهره عدم الجواز في المال المزبور في صورة عدم المصالحة المذكورة ، كما أنّه صرّح باستثناء الأمر المزبور .
ولعلّ وجه التفصيل أنّه مع النقل إلى الذمّة من عند نفسه لا وجه لصيرورة المال المختلط المشتمل على الحرام قطعاً ـ وإن كان مقداره غير معلوم كما سيجيء ـ حلالاً بأجمعه ، فإنّ الحرام الخارجي ولو كان معلوماً بالإجمال لا يصير حلالاً بذلك بعد بقاء عينه وعدم تلفه كما هو المفروض . وأمّا في غيره من الاُمور المتعلّقة للخمس فالنقل إلى الذمّة لا يؤثّر في الحقّ الذي يكون لأصحاب الخمس .
وبعبارة اُخرى: المقصود فيها رعاية حقوق الأصحاب ، وهي تتحقّق بذلك وإن كان خلاف الاحتياط مع عدم المصالحة ، والمقصود في هذا الأمر صيرورة المال المختلط حلالاً طاهراً ، وهو لا يتحقّق مع النقل ، أللّهمّ إلاّ مع المصالحة المزبورة بناءً على ثبوت الولاية للحاكم أيضاً ، كما لا يخفى .
(1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 283 .
(الصفحة187)
مسألة 24 : لا يعتبر الحول في وجوب الخمس في الأرباح وغيرها وإن جاز التأخير إلى آخره في الأرباح احتياطاً للمكتسب ، ولو أراد التعجيل جاز له ، وليس له الرجوع على الآخذ لو بان عدم الخمس مع تلف المأخوذ وعدم علمه بأنّه من باب التعجيل1 .
1 ـ لعدم الدليل على اعتبار الحول في وجوب الخمس لا في الأرباح ولا في غيرها ، أمّا في غيرها فواضح ، وأمّا فيها فلأنّ مقتضى الدليل أنّ الخمس إنّما هو بعد استثناء المؤونة ، وليس مرجع ذلك إلى لزوم استثناء المؤونة ، ولا إلى أنّ لزومه إنّما يحدث بعد مؤونة السنة ، بل مرجعه إلى جواز التأخير إلى آخر السنة التي مبدؤها حال الشروع في الاكتساب ، أو حصول الربح على الخلاف المتقدّم(1) ; لاحتمال زيادة المؤونة واحتياطاً للمكتسب ، مع أنّ المؤونة المستثناة من الأرباح إنّما هي المؤونة الفعلية التي لا تعلم إلاّ بعد الحول .
وبالجملة : الجمع بين ظاهر الكتاب والسنّة الدالّ على تحقّق الوجوب بمجرّد الربح الذي هي غنيمة وفائدة ، وبين مثل قوله(عليه السلام) في الصحيحة المتقدّمة(2) : «الخمس بعد المؤونة» ـ بضميمة كون المراد بالمؤونة هي المؤونة الفعلية التي هي في معرض الكثرة والقلّة ـ يقتضي الحكم بأنّ الوجوب يتحقّق بمجرّد الربح ، إلاّ أنّه يجوز التأخير في الأداء إلى آخر السنة لاستثناء المؤونة .
وقد نسب الخلاف إلى الحلّي صاحب السرائر(3) وأنّه ذهب إلى أنّ التعلّق في آخر السنة ، وهو على تقدير صحّة النسبة لا يعرف له وجه ، والعمدة في التوهّم
(1) في ص152 .
(2) في ص118 .
(3) السرائر 1 : 489 .
(الصفحة188)
المزبور ما دلّ على أنّ «الخمس بعد المؤونة» .
ولكن يرد على الاستناد به بعد حمل المؤونة على المؤونة الفعلية السنويّة وحمل الخمس على خمس الأرباح; لعدم استثناء تلك المؤونة من خمس غير الأرباح من المعدن والكنز ونحوهما ما ربما يقال من أنّ الظاهر أنّ المراد بالبعديّة ليست هي البعديّة الزمانيّة; لتدلّ الرواية على أنّ حدوث وجوب الخمس متأخّر عن إخراج المؤونة ، بل المراد البعديّة في المرتبة ، نظير قوله تعالى في باب الإرث {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّة يُوصِى بِهَا أَوْ دَيْن}(1) ومرجع ذلك في المقام إلى أنّه يلاحظ الخمس فيما يفضل من المؤونة من الربح من غير نظر إلى الزمان قطعاً ، ولذا لو أدّى خمس الربح الحاصل في أثناء السنة من دون استثناء المؤونة أو مع استثناء المؤونة القطعية إلى آخر السنة لا مجال للارتياب في أجزائه وصحّته ، مع أنّه لو فرض ظهورها في ذلك في نفسه يكون مقتضى الجمع بين الأدلّة ذلك; لدلالتها من ناحية على كون عنوان الغنيمة والفائدة كافياً في الوجوب والثبوت ، ومن ناحية اُخرى على كون الخمس إنّما هو بعد المؤونة ، فهو من قبيل الواجب المشروط بالشرط المتأخّر ، نظير بيع الفضولي بناءً على كون الإجازة فيه كاشفة وشرطاً له بنحو الشرط المتأخّر .
ويؤيّد ما ذكرنا بل يدلّ عليه أنّ لازم إرادة البعدية الزمانية جواز إتلاف الربح أثناء السنة أو الصرف في غير المؤونة; لعدم لزوم حفظ القدرة قبل تعلّق التكليف ومرجع هذا إلى سقوط الخمس عنه ، ولا يلتزم به أحد حتّى الحلّي ظاهراً .
ويمكن أن يقال : بأنّ قوله(عليه السلام) : «الخمس بعد المؤونة» إمّا أن يراد بالمؤونة المذكورة فيه هي المؤونة المصروفة في تحصيل متعلّق الخمس من المعدن والكنز
(1) سورة النساء 4 : 11 .
(الصفحة189)
والأرباح وغيرها ، كما ربما يؤيّده إطلاق كلمة الخمس وعدم التقييد بالأرباح ، وإمّا أن يراد بها خصوص مؤونة السنة ، وعليه لابدّ من أن يكون المراد بالخمس هو خصوص خمس الأرباح; لعدم استثناء مؤونة السنة من غير الأرباح من الاُمور المتعلّقة للخمس .
فعلى الأوّل لا يتحقّق عنوان الغنيمة والفائدة بدون استثناء المؤونة ; لأنّ المفروض الصرف في تحصيل ذلك العنوان ، ولا يتحقّق إلاّ فيما زاد عليه ، وفي المقام المؤونة المصروفة في تحصيل الربح لابدّ من أن تستثنى من الربح; لأنّه لا يتحقّق بدون ملاحظتها واستثنائها ، فمثل اُجرة السفر والدلاّل والحمّال يكون كذلك .
وعليه فلا تنافي بين مثل الآية الدالّة على تعلّق الخمس بمطلق الغنيمة ، وبين دليل استثناء المؤونة بوجه; لأنّ المفروض أنّه بدون الاستثناء لا يكاد يتحقّق عنوان الغنيمة والفائدة .
وعلى الثاني ـ الذي هو الظاهر بملاحظة أنّ استثناء مؤونة التحصيل لم يكن يحتاج إلى البيان; لوضوحه وظهوره بخلاف استثناء مؤونة السنة ـ يكون مقتضى الجمع بين الأدلّة ما ذكرنا من كون وجوب الخمس في الأرباح مشروطاً بشرط متأخّر ، بحيث كان أصل الوجوب معلّقاً على حصول الربح ، غاية الأمر جواز التأخير إلى آخر السنة; لاستثناء مؤونتها التي هي غير معلومة ابتداءً غالباً وفي معرض القلّة والكثرة ، فتدبّر جيّداً .
ويدلّ على ما ذكرنا السيرة القطعية العمليّة القائمة على ذلك ، فإنّ المتشرّعة لا يكادون يرتابون في جواز التأخير إلى آخر السنة ولو مع العلم بعدم كون المؤونة بقدر الربح وزيادته عليها كثيراً ، وإن كان يوجد فيهم بعض من يؤدّي خمسه بمجرّد الاسترباح ، كما أنّنا نعرفهم بأشخاصهم ، إلاّ أنّ البناء العملي الغالبي على غير
(الصفحة190)
ذلك قطعاً .
وبمثلها يجاب عمّا ربما يمكن أن يتوهّم من أنّه كيف يجوز تأخير حقّ الغير الثابت بمجرّد تحقّق عنوان الغنيمة وظهور الربح ، خصوصاً مع إطلاق ما دلّ على عدم حلّ مال المسلم بغير إذنه(1) بمجرّد احتمال المؤونة ، سيّما مع العلم بزيادة الربح لأجل كثرته مثلاً على المؤونة المصروفة إلى نهاية السنة ، ولكن قد عرفت أنّ مقتضى السيرة ذلك ولو مع العلم المذكور ، كما لا يخفى .
بقي الكلام في الفرع الذي ذكره في ذيل المسألة ، وهو أنّه في صورة إرادة التعجيل وتحقّقه لو بان له في آخر السنة مثلاً عدم وجوب إخراج الخمس عليه لزيادة المؤونة أو قلّة الربح فلا يجوز له الرجوع إلى الآخذ وأخذ المثل أو القيمة منه مع شرط التلف وعدم علم الآخذ بكونه من باب التعجيل ، وظاهره أنّه مع الوجود أو علم الآخذ بكونه من باب التعجيل يجوز له الرجوع إليه ، أمّا على التقدير الأوّل فلأجل انكشاف كونه بعينه مال نفسه والمفروض عدم عروض التلف عليه . وأمّا على التقدير الثاني فلعلمه بكونه مراعى ، ومن الممكن عدم الوجوب عليه ، فهو بمنزلة الأمانة ، فعند الإتلاف ينطبق عليه إتلاف مال الغير ، فاللازم الضمان ، نظير ما إذا أتلف مالاً مردّداً بين كونه مال نفسه أو مال غيره ، وبعد الإتلاف انكشف كونه مال الغير ، فإنّه لا مجال لتوهّم عدم ثبوت الضمان في مثله ، بل لو تخيّل واعتقد كونه مال نفسه ثمّ أتلفه وانكشف كونه مال غيره يثبت الضمان هنا; لعدم مدخليّة العلم في ذلك كما قد حقّق في محلّه .
(1) وسائل الشيعة 5: 120 ، كتاب الصلاة ، أبواب مكان المصلّي ب3 ح1 وج29: 10 ، كتاب القصاص ، أبواب القصاص في النفس ب1 ح3 .
(الصفحة191)
السادس : الأرض التي اشتراها الذمّي من مسلم
فإنّه يجب على الذمّي خمسها ، ويؤخذ منه قهراً إن لم يدفعه بالاختيار ، ولا فرق بين كونها أرض مزرع أو بستان أو دار أو حمّام أو دكّان أو خان أو غيرها مع تعلّق البيع والشراء بأرضها مستقلاًّ ، ولو تعلّق بها تبعاً; بأن كان المبيع الدار والحمّام مثلاً فالأقوى عدم التعلّق بأرضه ، وهل يختصّ وجوب الخمس بما إذا انتقلت إليه بالشراء ، أو يعمّ سائر المعاوضات؟ فيه تردّد ، والأحوط اشتراط أداء مقدار خمس الأرض عليه في عقد المعاوضة لنفوذه في مورد عدم ثبوته ، ولا يصحّ اشتراط سقوطه في مورد ثبوته ، فلو اشترط الذمّي في ضمن عقد المعاوضة مع المسلم عدم الخمس أو كونه على البائع بطل . نعم ، لو اشترط عليه أن يعطي مقداره عنه صحّ . ولو باعها من ذمّي آخر أو مسلم لم يسقط عنه الخمس بذلك ، كما لا يسقط لو أسلم بعد الشراء ، ومصرف هذا الخمس كغيره على الأصحّ . نعم ، لا نصاب له ، ولا نيّة حتّى على الحاكم ، لا حين الأخذ ولا حين الدفع على الأصحّ1.
1 ـ ينبغي التكلّم في المسألة في مقامات :
المقام الأوّل : في ثبوت أصل الحكم في موضوع المسألة في الجملة في مقابل من ينكر ذلك مطلقاً ، فنقول : أمّا من جهة الفتاوى ، فالمشهور بين الشيخ(1) ومن تأخّر عنه(2) خصوصاً أكثر المتأخّرين(3) ، بل جميعهم(4) ثبوت الخمس في هذا المورد ، بل
(1) النهاية : 197 ، المبسوط 1 : 237 .
(2) الوسيلة : 137 ، غنية النزوع : 129 .
(3) راجع جواهر الكلام 16 : 65 .
(4) الروضة البهيّة 2 : 73 .
(الصفحة192)
نسب إلى علمائنا وأصحابنا(1) ، بل ادّعي الإجماع عليه(2) صريحاً ، لكنّ المحكي عن جماعة مثل ابن أبي عقيل والمفيد وجمع آخر إنكار ذلك(3) ، وهم بين من نسب إليه الإنكار لأجل عدم التعرّض لهذا الأمر في تعداد الاُمور المتعلّقة للخمس ، وبين من صرّح ظاهراً بعدم الوجوب .
وكيف كان ، فالأصل في المسألة رواية وحيدة محكيّة عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) ، وإن كان ظاهر الوسائل أنّه في المسألة روايتان ، إحداهما مرويّة عنه ، والاُخرى عن أبي عبدالله الصادق(عليه السلام) ، خصوصاً مع اختلاف يسير في التعبير; وهو إضافة كلمة «فيها» في الرواية الثانية(4) . لكنّ الظاهر وحدة الرواية ، وإن كانت الرواية الثانية من المرسلات المعتبرة; للنسبة إلى الصادق(عليه السلام) لا إلى الرواية كما ذكرنا مراراً ، وكون المروي عنه هو الباقر(عليه السلام) .
وهي ما رواه الشيخ بإسناده عن سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي أيّوب إبراهيم بن عثمان ، عن أبي عبيدة الحذّاء قال : سمعت أبا جعفر الباقر(عليه السلام)يقول : أيّما ذمّي اشترى من مسلم أرضاً فإنّ عليه الخمس(5) . والكلام في الرواية تارةً من حيث السند ، واُخرى من جهة الدلالة .
أمّا من الجهة الاُولى فالمحكي عن صاحب الجواهر (قدس سره)(6) الحكم بصحّة
(1) منتهى المطلب 1 : 549 ، تذكرة الفقهاء 5 : 422 ، كنز العرفان 1 : 249 .
(2) الخلاف 2: 73 ـ 74 مسألة 85 ، غنية النزوع : 129 .
(3) حكاه العلاّمة في مختلف الشيعة 3 : 188 مسألة 144 .
(4) وسائل الشيعة 9 : 505 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب9 ح2 .
(5) التهذيب 4 : 139 ح393 ، الوسائل 9 : 505 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب9 ح1 .
(6) جواهر الكلام 16 : 65 .
(الصفحة193)
الرواية ، بل عن صاحب المدارك(1) القائل باعتبار الصحيح الأعلائي ذلك ، وتبعه في ذلك بعض الأعلام (قدس سره)(2) ، نظراً إلى أنّه لا يكون في السند من يغمز فيه .
لكن ذكر سيّدنا العلاّمة الاُستاذ البروجردي (قدس سره) ما يرجع إلى أنّ المذكور في ترجمة أحمد بن محمد بن عيسى الذي هو الراوي عن الحسن بن محبوب أنّه لم يكن يروي عن الحسن بن محبوب مدّةً ، لمكان روايته عن أبي حمزة الثمالي الذي اتّفق وفاته في سنة 150(3) ، مع أنّ تولّد الحسن بن محبوب كان في سنة 224 ، مع أنّه قيل في مدّة حياته إنّها كانت خمساً وسبعين سنة(4) ، وعليه فكان تولّده قريباً من وفاته ، فكيف يمكن له النقل عنه من دون واسطة ، مع أنّه له روايات عنه ربما تبلغ عشرين رواية ، ولعلّه هو السرّ في ترك رواية أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب; لكنّه حكي أنّه قد رجع عن هذه الرويّة ، ولعلّ السرّ فيه أنّه كانت روايات أبي حمزة التي حكاها الحسن عنه محفوظة مضبوطة في رسالة مثلاً ، فاستجاز أبو «الحسن» نقلها لابنه ، وإن كان حين الاستجازة غير قابل له . ويؤيّده شدّة اهتمامه بكون ولده «الحسن» من المتحمّلين للحديث وسلكه في هذه الطريقة ، بحيث حكي عنه أنّه جعل لكلّ رواية تحملها الحسن درهماً(5) ، وعليه فيمكن له نقل تلك الروايات من دون واسطة مستنداً إلى الاستجازة منه ، ومثل هذا الأمر
(1) مدارك الأحكام 5 : 386 .
(2) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 174 .
(3) رجال الشيخ: 110 رقم 1083 وص174 رقم 2047 .
(4) اختيار معرفة الرجال ، المعروف بـ «رجال الكشي»: 584 رقم 1094 .
(5) اختيار معرفة الرجال ، المعروف بـ «رجال الكشي»: 585 رقم 1095 .
(الصفحة194)
ثابت في بعض الموارد الاُخر (1) .
وعليه فيمكن الحكم بصحّة الرواية واعتبارها .
قلت : مع أنّ استناد المشهور إليها خصوصاً مع كونها رواية وحيدة في هذا الباب يجبر السند على تقدير الإشكال ، وعليه فلا يجوز الإعراض عن مفادها .
وأمّا من الجهة الثانية الراجعة إلى جهة الدلالة ، فنقول : يجري فيها احتمالان بالإضافة إلى الخمس المذكور فيها :
الأوّل : أن يكون المراد من الخمس المذكور في الرواية هو الخمس المعهود المصطلح ، بحيث كان هذا العنوان من العناوين المتعلّقة للخمس ، كسائر العناوين مثل المعدن والكنز والغوص ، ولازمه حينئذ أن يكون الخمس متعلّقاً بنفس الأرض بمجرّد الاشتراء مثلاً ، وأن يكون مصرفه مصرف سائر الاُمور المتعلّقة للخمس الذي سيجيء بيانه إن شاء الله تعالى .
ويؤيّده ـ مضافاً إلى ظهور كلمة «الخمس» في الخمس الاصطلاحي الذي هو مقابل الزكاة ـ أنّه قد جعل في عداد تلك الاُمور في كثير من كتب الشيخ . وعليه فالرواية مستندة لهذا الحكم كما في الوسائل(2) . ويؤيّده ذكر كلمة «فيها» في مرسلة المفيد (قدس سره)(3) كما مرّ .
الثاني : أن يكون المراد من الخمس هما العشرين المذكورين في كتاب الزكاة ولازمه أن تكون الرواية مرتبطة بباب الزكاة ، كما أنّ لازمه أن يكون متعلّقاً بحاصل الأرض من الحنطة والشعير ; لعدم كون العين متعلّقة للزكاة بحيث كان
(1) كتاب الخمس (تقريرات بحث السيّد البروجردي) : 386 ـ 388 .
(2) الوسائل 9 : 505 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب9 .
(3) المقنعة : 283 .
(الصفحة195)
اللاّزم صرف العشر مثلاً من نفس الأرض ، ويؤيّده ـ مضافاً إلى عدم تعرّض الروايات الدالّة على الخمس لهذا النوع في عداد الاُمور المتعلّقة للخمس ، بل ظاهر بعضها حصر الخمس في الغنائم خاصّة ـ استناد الشيخ إلى هذه الرواية في باب الزكاة .
قال في الخلاف في كتاب الزكاة : إذا اشترى الذمّي أرضاً عشرية وجب عليه فيها الخمس ، وبه قال أبو يوسف ، فإنّه قال : عليه فيها عشران ، وقال محمّد : عليه عشر واحد ، وقال أبو حنيفة : تنقلب خراجية(1) (أي يصير الاختيار في تعيين المقدار إلى وليّ المسلمين) ، وقال الشافعي : لا عشر عليه ولا خراج(2) . دليلنا إجماع الفرقة ، فإنّهم لا يختلفون في هذه المسألة ، وهي مسطورة لهم منصوص عليها ، روى ذلك أبو عبيدة الحذّاء قال : سمعت أبا جعفر(عليه السلام) يقول : أيّما ذمّي اشترى من مسلم أرضاً فإنّ عليه الخمس(3) .
هذا ، والظاهر أنّ الترجيح إنّما هو مع الاحتمال الأوّل ، وذلك لعدم كون الأرض في الرواية الصحيحة المتقدّمة مقيّدة بالأراضي العشرية ، بل بالأراضي الزراعية أصلاً ، فإذا اشترى الذمّي من مسلم أرضاً للبناء مثلاً في وسط بلد كطهران ونحوه يكون مشمولاً للرواية ، مع أنّ الأرض المذكورة غير قابلة للزراعة فضلاً عن بلوغ نصاب الحاصل إلى مقدار يجب فيه الزكاة ، والتعجّب من الشيخ حيث إنّه بعد فرض المسألة في الأراضي العشرية كيف استدلّ بالرواية الواردة في اشتراء مطلق الأرض؟!
(1) النتف في الفتاوى: 119 .
(2) المجموع 5 : 455 .
(3) الخلاف 2 : 73 ـ 74 مسألة 85 .
(الصفحة196)
والعمدة في الترجيح أنّ التعبير بالخمس اصطلاح قرآني في مقابل الزكاة التي اُمر بإيتائها بعد الأمر بإقامة الصلاة كثيراً ، وعليه فيبعد أن يكون المراد به هما العشرين وإن كانا متساويين من حيث المقدار; لاتّحاد العشرين مع الخمس ، ولا يناسب التعبير بالخمس في باب الزكاة ولو فرض التساوي من حيث المقدار ، وذلك مثل أنّه لا يقال في مقام الاستغفار: «يا شديد العذاب» بل يقال : «يا غفّار» مثلاً مع وحدة الموصوف بالوصفين ، كما هو واضح . هذا ، مع أنّ مثل صاحب الوسائل استفاد من الرواية الخمس ، ولذا أوردها في كتاب الخمس في أبواب ما يجب فيه الخمس ، فراجع .
ثمّ إنّه على تقدير القول بإجمال الرواية واحتمالها لكلا الوجهين ، نظراً إلى عدم ثبوت الترجيح بالمرجّحات المذكورة ، هل يمكن الالتزام بترجيح الوجه الأوّل من طريق آخر؟ قيل: نعم ، نظراً إلى أنّ مقتضى حجّية الظنّ الحاصل من الانسداد الصغير هو ترجيح هذا الوجه ، والانسداد الصغير الجاري هنا أنّه بعد العلم بكون المراد من الخمس في الرواية هو أحد الأمرين ، فمقتضى قاعدة الاحتياط الجارية في موارد العلم الإجمالي وإن كان هو الالتزام بدفع خمس عين الأرض وحاصلها معاً ، إلاّ أنّا نعلم بعدم ثبوت هذا الاحتياط ، وأنّه لا يلزم الذمّي بدفع كلا الأمرين ، فلابدّ من الالتزام بما هو المظنون منهما ، ولا ريب في أنّ الظنّ حاصل بالإضافة إلى الوجه الأوّل ; نظراً إلى الوجوه المذكورة في مقام ترجيحه ، فلا محيص إلاّ عن حمل الرواية عليه ، ولا بأس بهذا القول كما لا يخفى .
المقام الثاني : في حدود الموضوع وخصوصيّاته ، ونقول : البحث فيها في اُمور :
منها : الأرض التي اشتراها الذمّي من المسلم ، فإنّه لا إشكال في أنّ الأرض إذا كانت خالية محضة معدّة للبناء أو الزرع ونحوهما مشمولة للحكم ومتعلّقة بعينها
(الصفحة197)
للخمس بعد ثبوت أصل الحكم وإثبات الدليل إيّاه ، بل هو القدر المتيقّن من الموضوع للحكم المذكور ، كما أنّه لو كان الأمر المشترى شيئاً غير مرتبط بالأرض رأساً ولا مشتملاً عليها ، كما إذا اشترى أشجار البستان فقط ، أو اشترى سهم الإرث الثابت للزوجة بناءً على كونها ممنوعة من إرث الأرض مطلقاً ، لا مجال لاحتمال ثبوت الخمس على الذمّي .
إنّما الكلام والإشكال فيما إذا اشترى دكّاناً أو خاناً أو داراً أو حمّاماً أو نحوها ممّا هو مشتمل على الأرض أيضاً ، فإنّه قد وقع الاختلاف في ثبوت الخمس بالإضافة إلى أرضها ، فالمحكيّ عن الفاضلين(1) والمحقّق الثاني(2) الاختصاص بأرض الزراعة .
ويظهر من المتن التفصيل بين ما إذا كانت الأرض المشتراة مبيعة تبعاً للعناوين المذكورة ، فلا يجب فيها الخمس ، وبين ما إذا كانت مبيعة مستقلّة ، فاللازم فيها الخمس ، ولعلّ السرّ فيه أنّ الصادق حينئذ اشتراء الدار أو الدكّان أو الحمّام لا اشتراء الأرض الذي هو الموضوع في الرواية .
ولكن الذي ذكر بعض الأعلام (قدس سره) أنّ ما يرجع إلى مثل الدار مركّب من الأرض والبناء ، فالأرض جزء من المبيع ، ولا مجال لدعوى التبعية التي مرجعها إلى كونها خارجة عن المبيع بالذات وداخلة فيه بالتبع ، ولذا يحصل للمشتري خيار تبعّض الصفقة إذا انكشف كون الأرض مستحقّة للغير ، فدخولها في المبيع إنّما هو كالدخول فيما إذا اشترى أرضاً مع أرض آخر ، فالتبعية أمر والجزئية والضمنية أمرٌ
(1) المعتبر 2 : 624 ، منتهى المطلب 1 : 549 .
(2) جامع المقاصد 3 : 52 .
(الصفحة198)
آخر ، فلِمَ لا يصدق عنوان الموضوع في الرواية بعد ثبوت الإطلاق لها(1)؟
ويمكن الإيراد عليه بأنّه بعد عدم إحاطتنا بحكمة أكثر الأحكام ـ سيّما العبادات المبنيّة على التعبّد ـ أنّ شمول الحكم لمورد تابع لصدق عنوان موضوعه عليه عرفاً ، ومن المعلوم أنّه لا يصدق عنوان اشتراء الأرض على من اشترى الدار أو الدكّان مثلاً ، فإنّ مثلهما وإن كان مشتملاً على الأرض لا بنحو التبعية ، بل بنحو الجزئية والضمنية ، إلاّ أنّ اشتراء الأرض يغاير عنوان اشتراء الدار ، فلا يقال لمن اشترى داراً: إنّه اشترى أرضاً ، وهذا بخلاف ما إذا كان المبيع مركّباً من الأرض وغيره ، كما إذا اشترى أرضاً وأثواباً مثلاً . نعم ، لو اشترى أرض هذه الاُمور مستقلّة عن البناء ونحوه يصدق عنوان اشتراء الأرض ، كما لا يخفى .
ومنها : عنوان الاشتراء المذكور في الموضوع ، فإنّ فيه خصوصيات ثلاثاً: الانتقال ، وكون الانتقال في مقابل العوض ، وكون الانتقال كذلك بعنوان الاشتراء في مقابل الصلح المعاوضي والهبة المعوّضة ومثلهما . وإلغاء الخصوصية من جهة الخصوصية الثالثة وإن كان أمراً ممكناً في نفسه ، إلاّ أنّ الظاهر بمقتضى ما ذكرنا عدم جواز إلغاء الخصوصية بعد كون الموضوع عنوان الاشتراء ، ومرجعه إلى لزوم الاقتصار في الحكم المخالف للأصل والقاعدة على القدر المتيقّن .
ولكنّه ذكر بعض الأعلام (قدس سره) : أنّ مناسبة الحكم والموضوع تقتضي إلغاء خصوصيّة الشراء بحسب الفهم العرفي ، وأنّ الاعتبار بمطلق الانتقال من المسلم إلى الذمّي كيفما اتّفق ولا خصوصيّة للشراء ، فالمقام نظير منع المسلم عن بيع شيء من الذمّي كالعبد المسلم ، فإنّه لا يرى العرف خصوصيّة للانتقال البيعي .
(1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 177 .
(الصفحة199)
وبعبارة اُخرى; قد يكون الحكم متعلّقاً بنفس العقد ، كما في مثل: نهى النبي عن بيع الغرر(1) ، أو البيّعان بالخيار حتّى يفترقا(2) ، ففي مثله لا يتعدّى الحكم إلى مثل الصلح ، واُخرى يكون الحكم متعلّقاً بالخصوصيّة الكائنة في المنتقل عنه والمنتقل إليه كما في المقام ، ففي مثله لا يرى العرف خصوصيّة لكيفيّة الانتقال ، بل يتعدّى إلى مطلق النواقل ، ولعلّ السرّ في تشريعه هو التقليل من الانتقال المذكور خارجاً كي لا يتسلّط الكفّار على أراضي المسلمين ، ففرض عليه الخمس لكي تقلّ رغبته في الشراء(3) .
ويمكن الإيراد عليه : بأنّ أغلبيّة الشراء بالإضافة إلى سائر المعاوضات لعلّها صارت موجبة للحكم المذكور ، فلا مجال لدعوى إلغاء الخصوصية منه . نعم ، الظاهر اعتبار المعاوضة وإن كانت بغير الشراء ، وإن كان وجوب الخمس فيما لم يكن هناك معاوضة لعلّه كان أقوى في بادئ النظر ، بل لا وجه للخمس كما يأتي .
والتحقيق أنّ في المسألة تردّداً وإشكالاً كما في المتن والعروة(4) ، والظاهر منهما أنّه لا إشكال في عدم جواز إلغاء الخصوصيّة من الجهة الاُولى; لأنّه لا مجال لتوجّه الخمس إليه بعد عدم تحقّق الانتقال أصلاً ، كما إذا اُبيح للذمّي التصرّف في أرض المسلم من ناحيته ، إنّما الإشكال في الجهتين الاُخريين ، ويظهر منهما أنّه لا خمس فيما
(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 45 ح168 ، وسائل الشيعة 17: 448 كتاب التجارة ، أبواب آداب التجارة ب40 ح3 .
(2) الكافي 5: 170 ح4 ـ 6 ، الخصال: 127 ح128 ، التهذيب 7: 20 ح85 ، الاستبصار 3: 72 ح240 . وسائل الشيعة 18: 5 ـ 6 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ب5 ح1 ـ 3 .
(3) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 178 ـ 179 .
(4) العروة الوثقى 2 : 386 .
(الصفحة200)
إذا انتقلت إليه مجّاناً كما في الهبة غير المعوّضة; لتخصيصهما الإشكال والتردّد بالمعاوضات غير الشراء ، ولازم ما ذكره بعض الأعلام ممّا تقدّم إلغاء الخصوصية من هذه الجهة ; لأنّ المهمّ المستفاد من كلامه تحقّق الانتقال من المسلم إلى الذمّي، وهذا لا فرق فيه بين أن يكون بصورة المعاوضة أو بصورة غيرها ، كما لا يخفى .
ويرد على بعض الأعلام (قدس سره) أنّ مناسبة الحكم والموضوع بالنحو المذكور غير ثابتة ، خصوصاً مع ملاحظة ما ذكرنا في الشراء من أنّ أغلبيّته لعلّها كانت موجبة للحكم .
وأمّا ما أفاده من التفصيل في الأحكام المترتّبة على مثل البيع ، فيرد عليه ـ مضافاً إلى عدم تماميّته في نفسه ـ أنّا نرى بعض الأحكام مترتّباً على بيع شيء من دون خصوصيّته للبائع والمشتري مع عدم ثبوته في غير البيع من سائر المعاوضات ، كما في مثل خيار الحيوان الثابت في بيعه للمشتري ثلاثة أيّام ، مع عدم جريانه في مثل صلح الحيوان ولو كان مع العوض ، فلِمَ لا يكون المقام كذلك ؟
وبالجملة : لا نرى قوّة في إلغاء الخصوصية من غير جهة الانتقال ، فتأمّل .
ثمّ إنّه في المتن احتاط وجوباً في مورد الإشكال في ثبوت الخمس للاشتراط عليه في المعاملة أن يعطي مقدار الخمس; لأنّ الظاهر أنّه أراد من المعاوضة في المتن خصوص المعاوضة غير البيع والشراء ، فيكون المراد هو الاحتياط الوجوبي .
ويرد عليه أنّه لا وجه للحكم بوجوب الاحتياط; لأنّه بعد عدم وضوح إلغاء الخصوصيّة من الدليل الذي يكون الموضوع فيه هو الشراء غير الشامل لسائر الموضوعات يكون مقتضى الأصل البراءة ولا مجال للاحتياط .
وكيف كان ، فثبوت الخمس في صورة الاشتراط إنّما يتحقّق بالاشتراط الذي
|