(الصفحة121)
مسألة 20 : لا يعتبر في وقوع العقد فضوليّاً قصد الفضولية ولا الالتفات إليها ، بل المدار في الفضولية وعدمها هو كون العقد بحسب الواقع صادراً عن غير من هو مالك للعقد وإن تخيّل خلافه ، فلو تخيّل كونه وليّاً أو وكيلاً وأوقع العقد فتبيّن خلافه كان من الفضولي ويصحّ بالإجازة ، كما أنّه لو اعتقد أنّه ليس بوكيل ولا وليّ فأوقع العقد بعنوان الفضولية فتبيّن خلافه صحّ العقد ولزم بلا توقّف على الإجازة مع فرض مراعاة المصلحة1.
مسألة 21 : إن زوّج صغيران فضولاً فإن أجاز وليّهما قبل بلوغهما أو أجازا بعد بلوغهما أو بالاختلاف ، بأن أجاز وليّ أحدهما قبل بلوغه وأجاز الآخر بعد بلوغه تثبت الزوجية ويترتّب جميع أحكامها ، وإن ردّ وليهما قبل بلوغهما أو ردّ ولي أحدهما قبل بلوغه أو ردّا بعد بلوغهما أو ردّ أحدهما بعد بلوغه أو ماتا أو مات أحدهما قبل الإجازة بطل العقد من أصله ، بحيث لم يترتّب عليه أثر أصلاً من توارث وغيره من سائر الآثار . نعم لو بلغ أحدهما وأجاز ثم مات قبل بلوغ الآخر وإجازته يعزل من تركته مقدار ما يرث الآخر على تقدير الزوجية ، فإن بلغ وأجاز يدفع إليه لكن بعدما حلف على أنّه لم تكن إجازته لطمع في الإرث ،
1 ـ الفضولية لا تكون من العناوين القصدية المتقوّمة بالالتفات والقصد ، بل أمر واقعي يتقوّم بصدور العقد من غير من هو مالك له ، سواء توجّه العاقد إلى هذه الجهة أم كان متخيّلاً للخلاف بأن تخيّل الوكالة أو الولاية ، فلو تخيّل كونه وليّاً أو وكيلاً وأوقع العقد فتبيّن خلافه يكون من الفضولي ومتوقّفاً على الإجازة ، كما أنّه لو اعتقد أنّه ليس بوكيل ولا وليّ فأوقع العقد مبنيّاً على هذا الاعتقاد وبعنوان الفضولية ، فتبيّن خلافه صح العقد ولزم مع وجود سائر الشرائط ، كما لا يخفى .
(الصفحة122)
وإن لم يجز أو أجاز ولم يحلف على ذلك لم يدفع إليه بل يردّ إلى الورثة ،والظاهر أنّ الحاجة إلى الحلف انّما هو فيما إذا كان متّهماً بأنّ إجازته لأجل الإرث ، وأمّا مع عدمه كما إذا أجاز مع الجهل بموت الآخر أو كان الباقي هو الزوج وكان المهر اللازم عليه على تقدير الزوجية أزيد ممّا يرث يدفع إليه بدون الحلف1.
مسألة 22 : كما يترتّب الإرث على تقدير الإجازة والحلف يترتّب الآثار الاُخر المترتّبة على الزوجية أيضاً من المهر وحرمة الأُمّ والبنت وحرمتها على
1 ـ لو زوّج الصغيران فضولاً فالحكم في صورة إجازة الوليين قبل بلوغهما أو إجازتهما بعده أو بالاختلاف ما هو المذكور في المتن ، وإن ردّ الوليان قبل البلوغ أو ردّ أحدهما قبله أو ردّا بنفسهما بعد البلوغ أو ردّ أحدهما بعده ينفسخ العقد ، لما عرفت من الانفساخ بمجرّد الردّ ولو كان من أحدهما إذ الردّ غير الإجازة ، حيث إنّه يتحقّق بردّ أحدهما والإجازة متوقّفة عليهما معاً .
نعم لو بلغ أحدهما وأجاز ثم مات قبل بلوغ الآخر وإجازته يعزل من تركته بمقدار ما يرث الآخر على تقدير الزوجيّة ، فإن بلغ وأجاز يدفع إليه ذلك المقدار المعزول لكن بعدما حلف على أنّه لم تكن إجازته لطمع في الإرث ، والظاهر أنّ الحاجة إلى الحلف إنّما هي في خصوص صورة الاتهام بأنّ إجازته لأجل الإرث ، كما في سائر موارد التهمة حتى في مورد قيام الدليل على عدم ضمانه ، كالقصار والصائغ والحائك ، ففي مورد عدم الاتهام كما في المثالين المذكورين في المتن لا وجه للحلف ، لكن أصل الحكم حتى في صورة الحلف وتحقّقه مبنيّ على كون الإجازة كاشفة ولو بالكشف الحكمي ، والتحقيق في محلّه .
(الصفحة123)
أب الزوج وابنه إن كانت الزوجة هي الباقية وغير ذلك ، فيترتّب جميع الآثارعلى الحلف في الظاهر على الأقوى1.
مسألة 23 : الظاهر جريان هذا الحكم في كلّ مورد مات من لزم العقد من طرفه وبقى من يتوقّف زوجيّته على إجازته ، كما إذا زوّج أحد الصغيرين الوليّ وزوّج الآخر الفضولي فمات الأوّل قبل بلوغ الثاني وإجازته ، بل لا يبعد جريان الحكم فيما لو كانا كبيرين فأجاز أحدهما ومات قبل موت الثاني وإجازته ، لكن الحلف مبنيّ على الاحتياط كالحلف في بعض الصور الاُخر2
1 ـ لا إشكال في عدم اختصاص الآثار المترتّبة على الزوجية في الفرض المتقدّم في المسألة السابقة بالإرث فقط ، بل يترتّب جميع آثار الزوجية من حرمة البنت والاُمّ وحرمتها على أب الزوج وابنه إن كانت الباقية هي الزوجة ، فيترتّب جميع الآثار على الإجازة والحلف من دون اختصاص بالإرث ، كما هو واضح .
2 ـ حيث إنّ الحكم في المسألتين السابقتين لايكون على خلاف القاعدة ، فالظاهر جريانه في كلّ مورد مات من لزم العقد من طرفه وبقى من تتوقّف زوجيّته على إجازته كالمثال المذكور في المتن ، بل نفى البعد فيه عن جريان الحكم فيما لو كانا كبيرين فأجاز أحدهما ومات قبل إجازة الثاني وموته ، فانّه بسبب إجازته يترتّب جميع الآثار المترتّبة على الزوجية المشار إلى أكثرها ، لكن ذكر أنّ الحلف مبنيّ على الاحتياط.
وظاهره أنّ الحلف في خصوص هذه الصورة لا في أصل المسألة ، لكنّك عرفت
(الصفحة124)
مسألة 24 : إذا كان العقد فضوليّاً من أحد الطرفين كان لازماً من طرف الأصيل ، فلو كان هي الزوجة ليس لها أن تتزوّج بالغير قبل أن يردّ الآخر العقد ويفسخه ، وهل يثبت في حقّه تحريم المصاهرة قبل إجازة الآخر وردّه ، فلو كان زوجاً حرم عليه نكاح اُمّ المرأة وبنتها واُختها والخامسة إن كانت هي الرابعة؟ الأحوط ذلك وإن كان الأقوى خلافه1.
انّ مقتضى الروايات(1) جواز الحلف في كلّ مورد تتحقّق فيه التهمة ، وإن كان الشخص في نفس المورد أميناً بالذات ، فلا فرق بين هذه الصورة وبين أصل المسألة ، لا من جهة اللزوم بالإجازة ولا من جهة ثبوت الحلف ، كما لايخفى .
1 ـ مقتضى القاعدة أنّه إذا كان العقد فضوليّاً من أحد الطرفين فقط يكون لازماً من طرف الأصيل ، فلو كان الأصيل هي الزوجة ليس لها أن تتزوّج بالغير قبل أن يردّ الآخر ويفسخه ، وقد أفاد الشيخ الأعظم الأنصاري(قدس سره) أنّه من جملة المواضع التي تظهر الثمرة بين الكشف والنقل : جواز تصرّف الأصيل فيما انتقل عنه بناء على النقل ، وإن قلنا بأنّ فسخه غير مبطل لإنشائه ، فلو باع جارية من فضوليّ جاز له وطؤها ، وإن استولدها صارت اُمّ ولد; لأنها ملكه ، وكذا لو زوّجت نفسها من فضوليّ جاز لها التزويج من الغير ، فلو حصلت الإجازة في المثالين لغت; لعدم بقاء المحلّ قابلاً .
وأمّا على القول بالكشف ، فلا يجوز التصرّف فيه على ما يستفاد من كلمات
(1) الوسائل : 19/146 ، كتاب الاجارة ب29 ح16 و 17 . والوسائل : 26/219 ـ 220 ، أبواب ميراث الأزواج ب11 ح1 و4 .
(الصفحة125)
مسألة 25 : إن ردّ المعقود له أو المعقود لها العقد الواقع فضولاً صار العقد كأنّه لم يقع ، سواء كان العقد فضوليّاً من الطرفين وردّاه معاً أو ردّه أحدهما ، بل ولو أجاز أحدهما وردّ الآخر ، أو من طرف واحد وردّ ذلك الطرف فتحلّ المعقود لها على أب المعقود له وابنه وتحلّ بنتها واُمّها على المعقود له1.
مسألة 26 : إن زوّج الفضولي امرأة برجل من دون اطّلاعها وتزوّجت هي برجل آخر صحّ الثاني ولزم ولم يبق محلّ لإجازة الأوّل ، وكذا لو زوّج الفضولي
جماعة ، كالعلاّمة(1) والسيد العميدي(2) والمحقّق الثاني(3) وظاهر غيرهم(4) . ومقتضى عموم وجوب الوفاء وجوبه على الأصيل ولزوم العقد وحرمة نقضه من جانبه ، ووجوب الوفاء عليه ليس مراعى بإجازة المالك ، بل مقتضى العموم وجوبه حتى مع العلم بعدم إجازة المالك ومن هنا يظهر أنّه لا فائدة في أصالة عدم الإجازة(5) . وتفصيل الكلام في محلّه وهو الإجازة في بيع الفضولي .
وهل يثبت في حقّ الأصيل تحريم المصاهرة قبل إجازة الآخر وردّه؟ مقتضى الاحتياط الاستحبابي ذلك ، ولكنّ الظاهر عدم الفرق .
1 ـ الحكم في هذه المسألة وجهه واضح .
(1) قواعد الاحكام : 1/124 و 208 .
(2) اُنظر كنز الفوائد : 1/385 .
(3) جامع المقاصد : 4/75 و ج 6/331 .
(4) ايضاح الفوائد : 1 / 419 .
(5) كتاب المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) : 16/412 ـ 415 .
(الصفحة126)
رجلاً بامرأة من دون اطّلاعه وزوّج هو باُمّها أو بنتها ثمّ علم1.
مسألة 27 : لو زوّج فضوليان امرأة كلّ منهما برجل كانت بالخيار في إجازة أيّهما شاءت ، وإن شاءت ردّتهما ، سواء تقارن العقدان أو تقدّم أحدهما على الآخر ، وكذلك الحال فيما إذا زوّج أحد الفضوليّين رجلاً بامرأة والآخر باُمّها أو بنتها أو اُختها فانّ له إجازة أيّهما شاء2
1 ـ الحكم بصحّة عقد نفسه أو نفسها واضح ، ولا يوجب العقد الفضولي سلب الاختيار له أو لها ، وبعد صحّة عقد نفسه أو نفسها لا يبقى محلّ لإجازة العقد الفضولي أصلاً; لعدم إمكان اجتماعهما شرعاً . نعم الفرق بين العقد الفضولي الواقع قبل عقد النفس وبين العقد الفضولي الواقع بعده هو عدم إمكان لحوق الإجازة للثاني من الأوّل بخلاف الصورة الاُولى ، حيث إنّه يمكن لحوق الإجازة بالإضافة إليها ، كما لايخفى .
2 ـ إذا تحقّق عقدان فضوليان بالإضافة إلى امرأة واحدة كلّ واحد منهما برجل تكون المرأة بالخيار في إجازة أيّهما شاءت من المتقدّم أو المتأخّر ولها ردّهما معاً ، ولا يمكن لها إجازة كليهما كما هو واضح ، وكذلك الحال فيما إذا زوّج أحد الفضوليين رجلاً بامرأة والآخر باُمّها أو بنتها أو اُختها ، فانّ له إجازة أيّهما شاء كما أن له ردّهما ، ولا يمكن له إجازة كليهما أيضاً بعد عدم إمكان الجمع بين المرأة وبين المذكورات من الاُمّ والبنت والاُخت; لاشتراك الجميع في عدم إمكان الجمع ، وان كان الحرمة في بعضها أبدية دون البعض الآخر ، كما هو المذكور في محلّه(1) فراجع .
(1) يأتي في أسباب التحريم ص133 ـ 135 وص216 ـ 258 .
(الصفحة127)
مسألة 28 : لو وكّلت رجلين في تزويجها فزوّجها كلّ منهما برجل ، فإن سبق أحدهما صحّ ولغى الآخر ، وإن تقارنا بطلا معاً ، وإن لم يعلم الحال ، فإن علم تاريخ أحدهما حكم بصحته دون الآخر ، وإن جهل تاريخهما فان احتمل تقارنهما حكم ببطلانهما معاً في حقّ كلّ من الزوجة والزوجين ، وإن علم عدم التقارن فيعلم إجمالاً بصحّة أحد العقدين وتكون المرأة زوجة لأحد الرجلين وأجنبيّة عن أحدهما ، فليس للزوجة أن تتزوّج بغيرهما ولا للغير أن يتزوّج بها ، لكونها ذات بعل قطعاً ، وأمّا حالها بالنسبة إلى الزوجين وحالهما بالنسبة إليها فالأولى أن يطلّقاها ويجدّد النكاح عليها أحدهما برضاها ، وإن تعاسرا وكان في التوقّف إلى أن يظهر الحال عسر وحرج على الزوجة أو لا يرجى ظهور الحال ، فالمتّجه تعيين الزوج منهما بالقرعة ، فيحكم بزوجيّة من وقعت عليه1.
1 ـ لا شبهة في أنّ الصحّة في مفروض المسألة للعقد السابق ، سواء علم تاريخه أم لم يعلم ، وفي أنّه في صورة التقارن يبطلان معاً; لأنّ العقدين المفروضين بمنزلة بيعين ، ولا يكونان بمنزلة بيع وإجارة في زمان واحد حتى يمكن الجمع بينهما ، فإن كان السابق معلوماً بالتفصيل فبها ، وفي صورة الجهل به وباللاحق ، غاية الأمر العلم الإجمالي بالسبق ، فلا محالة يكون أحد العقدين صحيحاً ، ولازمه أنّه لا يجوز للمرأة أن تتزوّج بالشخص الثالث ولا للشخص الثالث أن يزوّج بها ، لكونها ذات بعل قطعاً .
وأمّا حالها بالنسبة إلى الزوجين وحالهما بالنسبة إليها فالاحتياط المستحبّي يقتضي أن يطلّقاها ، وإذا أراد أحدهما أن يتزوّجها يجدّد النكاح عليها برضاها ، وإذا لم يريدوا الاحتياط المذكور فان لم يكن هناك عسر وحرج في التوقّف إلى أن يظهر الحال لا بالإضافة إلى الزوجين ولا بالنسبة إلى الزوجة ، فاللازم التوقّف أو
(الصفحة128)
مسألة 29 : لو ادّعى أحد الزوجين سبق عقده ، فان صدّقه الآخر وكذا الزوجة أو صدّقه أحدهما وقال الآخر : «لا أدري» فالزوجة لمدّعي السبق ، وإن قال كلاهما : «لا أدري» فوجوب تمكين الزوجة من المدّعي بل جوازه محلّ تأمّل ، إلاّ إذا رجع عدم دراية الرجل إلى الغفلة حين إجراء العقد ، واحتمل تطبيقه على الصحيح من باب الاتفاق ، وإن صدّقه الآخر ولكن كذّبته الزوجة كانت الدعوى بين الزوجة وكلا الزوجين ، فالزوج الأوّل يدّعي زوجيّتها وصحّة عقده وهي تنكر زوجيّته وتدّعي فساد عقده ، وتنعكس الدعوى بينها وبين الزوج الثاني ، حيث إنّه يدّعي فساد عقده وهي تدّعي صحّته ، ففي الدعوى الاُولى تكون هي المدّعية والزوج هو المنكر ، وفي الثانية بالعكس ، فإن أقامت البيّنة على فساد الأوّل المستلزم لصحّة الثاني حكم لها بزوجيتها للثاني دون الأوّل ، وإن أقام الزوج الثاني بيّنة على فساد عقده يحكم بعدم زوجيّتها له وثبوتها للأوّل ، وإن لم تكن بيّنة يتوجّه الحلف إلى الزوج الأوّل في الدعوى الأولى وإلى الزوجة في الدعوى الثانية ، فإن حلف الزوج الأوّل ونكلت الزوجة تثبت زوجيّتها للأوّل ، وإن كان العكس بأن حلفت هي دونه حكم بزوجيّتها للثاني ، وإن حلفا معاً فالمرجع هي القرعة .
هذا إذا كان مصبّ الدعوى صحّة العقد وفساده لا السبق وعدمه أو السبق واللحوق أو الزوجية وعدمها ، وبالجملة الميزان في تشخيص المدّعي والمنكر غالباً مصبّ الدعوى ، وإن ادّعى كلّ من الزوجين سبق عقده ، فإن قالت الزوجة : «لا أدري» تكون الدعوى بين الزوجين ، فإن أقام أحدهما بيّنة دون
الرجوع إلى القرعة التي هي طريق منحصر في مثل المقام ، ومنه يظهر تعين القرعة في صورة العسر والحرج وعدم رجاء ظهور الحال ، كما لايخفى .
(الصفحة129)
الآخر حكم له وكانت الزوجة له ، وإن أقام كلّ منهما بيّنة تعارضت البيّنتان فيرجع إلى القرعة فيحكم بزوجيّة من وقعت عليه ، وإن لم تكن بيّنة يتوجّه الحلف إليهما ، فإن حلف أحدهما حكم له ، وإن حلفا أو نكلا يرجع إلى القرعة ، وإن صدّقت المرأة أحدهما كان أحد طرفي الدعوى من لم تصدّقه الزوجة والطرف الآخر الزوج الآخر مع الزوجة ، فمع إقامة البيّنة من أحد الطرفين أو من كليهما الحكم كما مرّ ، وأمّا مع عدمها وانتهاء الأمر إلى الحلف ، فإن حلف من لم تصدّقه الزوجة يحكم له على كلّ من الزوجة والزوج الآخر ، وأمّا مع حلف من صدّقته فلا يترتّب على حلفه رفع دعوى الزوج الآخر على الزوجة ، بل لابدّ من حلفها أيضاً1.
1 ـ في المسألة فروع :
الفرع الأوّل : ما لو ادّعى أحد الزوجين في المسألة المفروضة في المسألة الثامنة والعشرين المتقدّمة سبق عقده على الآخر ، وبالنتيجة صحّة عقده وصدّقه الزوج الآخر ، وكذا الزوجة فهي له أي لمدّعي السبق ، ولا اختلاف في البين في هذا الفرع .
الفرع الثاني : الصورة المفروضة مع تصديق واحد من الزوج الثاني ، وكذا الزوجة وقول الآخر : «لا أدري» والحكم فيه كما في الفرع الأوّل .
الفرع الثالث : الصورة المفروضة مع قول كليهما من الزوج الثاني والزوجة : «لا أدري» وقد ذكر في المتن : إنّ وجوب تمكين الزوجة من المدّعي بل جوازه محل تأمّل ، إلاّ إذا رجع عدم دراية الرجل إلى الغفلة حين إجراء العقد الخ .
والوجه في التأمّل في المستثنى منه أنّه مع توجّه الرجل إلى الزوج الثاني حين إجراء العقد وعدم غفلته كيف يصدر منه العقد الفاسد ، بل في صورة الشك أيضاً يكون الأمر كذلك ، ولا مجال للحمل على الصحيح نظراً إلى أصالة الصحّة .
(الصفحة130)
وحينئذ فبمجرّد ادّعاء المدّعي أنّه سبق عقده كيف يلزم على الزوجة ، أم يجوز التمكين منه؟ مع أنّ مقتضى الاستصحاب عدم تحقّق الزوجية ، ولا يعلم جريان أصالة الصحّة في مثله ، وأمّا المستثنى فلأنّه إذا رجع عدم دراية الرجل إلى الغفلة حين إجراء العقد يمكن أن يصدر منه العقد الفاسد; لأنّ المفروض وجود الغفلة .
الفرع الرابع : الصورة المفروضة مع تصديق الزوج الثاني وتكذيب الزوجة ، ففي المتن أنّ الدعوى حينئذ بين الزوجة وبين الزوجين ، فبالنسبة إلى الزوج الأوّل أي المدّعي لسبق عقده تكون هي منكرة ، حيث إنّه يدّعي زوجيتها وهي تنكره وتدّعي فساد عقده ، وتنعكس الدعوى بينها وبين الزوج الثاني ، حيث إنّه يدّعي فيها عقده وصحّة عقد الأوّل وهي تنكر الفساد وصحّة العقد الثاني وكونها زوجة للثاني ، ففي الدعوى الاُولى تكون هي المدّعية والزوج هو المنكر ، وفي الدعوى الثانية ينعكس الأمر ، كما لا يخفى .
وحينئذ فإن أقامت البيّنة على فساد الأوّل ويترتّب عليها صحّة العقد الثاني ، لأنّ مثبتات الأمارات حجّة حكم لها بزوجيتها للثاني دون الأوّل .
وإن أقام الزوج الثاني البيّنة على مدّعاه ، وهو فساد عقده يحكم بعدم زوجيتها له وثبوت الزوجيّة للأوّل ، وإن لم تكن هناك بيّنة أصلاً يتوجّه الحلف في الدعوى الاُولى إلى الزوج الأوّل وفي الدعوى الثانية إلى الزوجة ، فإن حلف الزوج ونكلت الزوجة تثبت زوجيتها للأوّل ، كما أنّه لو حلفت الزوجة ونكل الزوج تثبت زوجيتها للثاني ، وإن حلفا معاً فالمرجع لا محالة هي القرعة .
هذا كلّه إذا كان مصبّ الدعوى الذي هو الملاك في المدّعي والمنكر وترتّب أحكامهما هي صحّة العقد وفساده ، لا السبق وعدمه أو السبق واللحوق أو الزوجية وعدمها .
(الصفحة131)
مسألة 30 : لو زوّج أحد الوكيلين عن الرّجل له امرأة والآخر بنتها صحّ السابق ولغا اللاحق ، ومع التقارن بطلا معاً ، وإن لم يعلم السابق فإن علم تاريخ أحدهما حكم بصحته دون الآخر ، وإن جهل تاريخهما فإن احتمل تقارنهما يحكم ببطلان كليهما ، وإن علم بعدم التقارن فقد علم بصحّة أحد العقدين وبطلان أحدهما ، فلا يجوز للزوج مقاربة واحدة منهما ، كما أنّه لا يجوز لهما التمكين منه . نعم يجوز النظر إلى الاُمّ ولا يجب عليها التستّر عنه; للعلم بأنّه إمّا زوجها أو زوج بنتها ، وأمّا البنت فحيث إنّه لم يحرز زوجيتها ، وبنت الزوجة إنّما يحلّ النظر إليها إن دخل بالاُمّ والمفروض عدمه ، فلم يحرز ما هو سبب لحليّة النظر
الفرع الخامس : ما إذا ادّعى كلّ من الزوجين سبق عقده ، فإن قالت الزوجة : «لا أدري» تكون الدعوى بين الزوجين ، فإن أقام أحدهما فقط بيّنة دون الآخر حكم له وأنّ المرأة زوجته ، وإن أقام كلّ واحد منهما بيّنة على طبق دعواه تعارضت البيّنتان ، ولا محيص إلاّ للرجوع إلى القرعة والتعيين بسببها ، وإن لم تكن بيّنة يتوجّه الحلف إليهما ، فإن حلفا معاً أو نكلا كذلك فلابدّ أيضاً من الرجوع إلى القرعة .
الفرع السادس : الصورة المفروضة مع تصديق المرأة أحدهما ، فالدعوى حينئذ بين الزوجين ، فمع إقامة البيّنة من أحدهما أو من كليهما يكون الحكم كما مرّ في الفرع الخامس ، ومع عدمها وانتهاء الأمر إلى الحلف ، فإن حلف الزوج الذي لم تصدّقه الزوجة يحكم له على الزوجة وعلى الزوج الذي صدّقته الزوجة ، وإن حلف الزوج الذي صدّقته الزوجة فلابدّ من حلف الزوجة ، وإلاّ فلا يترتّب على حلف الزوج المفروض رفع دعوى الزوج الآخر عليها ، كما لا يخفى .
وممّا ذكرنا يظهر حكم سائر الموارد أيضاً ، فتدبّر .
(الصفحة132)
إليها ويجب عليها التستّر عنه . نعم لو فرض الدخول بالاُمّ ولو بالشبهة كان حالها حال الاُمّ1.
1 ـ في مفروض المسألة يصحّ العقد السابق لفرض وجود الوكالة ، ويلغى اللاحق لعدم اجتماع الاُمّ والبنت في النكاح ، ومنه يظهر البطلان في صورة التقارن أو احتماله; لعدم إمكان الجمع وعدم وجود الترجيح في البين أصلاً ، ومع عدم معلومية السابق إن علم بتاريخ أحدهما يحكم بصحته دون الآخر ، وإن علم بعدم التقارن وثبوت السبق واللحوق فقد علم بصحّة أحد العقدين وبطلان الآخر ، ولازمه أنّه لا يجوز للزوج مقاربة واحدة منهما للعلم الإجمالي بحرمة مقاربة واحدة منهما ، كما أنّه لا يجوز لهما التمكين منه لاصالة عدم تحقّق الزوجية بالإضافة إلى واحدة منهما ، فلا تكون المسألة مثل واجدي المني في الثوب المشترك بينهما ، العالمين بعدم خروجه عن واحد منهما .
نعم يجوز للزوج النظر إلى الاُمّ لدوران أمرها بين أن تكون زوجة أو اُمّ زوجة ، ولا يجب عليها التستّر عنه ، وامّا البنت فحيث إنّه لم يحرز زوجيتها فلا يجوز له النظر إليها ، وبنت الزوجة إنّما يحلّ النظر إليها إذا كانت الزوجة مدخولاً بها ولو بالشبهة ، وفي صورة عدم الدخول لا يحلّ النظر ، ويجب عليها التستّر عنه كأخت الزوجة ، فتأمّل .
(الصفحة133)
فصل في أسباب التحريم
أعني ما بسببه يحرم ولا يصحّ تزويج الرجل بالمرأة ولا يقع الزواج بينهما ، وهي اُمور : النسب ، والرّضاع ، والمصاهرة وما يلحق بها ، والكفر ، وعدم الكفاءة ، واستيفاء العدد ، والاعتداد ، والإحرام .
القول في النسب
يحرم بالنسب سبعة أصناف من النساء على سبعة أصناف من الرجال :
الاُمّ بما شملت الجدّات عاليات وسافلات لأب كنّ أو لاُمّ ، فتحرم المرأة على ابنها ، وعلى ابن ابنها وابن ابن ابنها ، وعلى ابن بنتها وابن بنت بنتها ، وابن بنت ابنها وهكذا . وبالجملة تحرم على كلّ ذكر ينتمي إليها بالولادة ، سواء كان بلا واسطة أو بواسطة أو بوسائط ، وسواء كانت الوسائط ذكوراً أو إناثاً أو بالاختلاف .
(الصفحة134)
والبنت بما شملت الحفيدة ولو بواسطة أو وسائط ، فتحرم هي على أبيها بما شمل الجدّ لأب كان أو لاُمّ ، فتحرم على الرجل بنته ، وبنت ابنه وبنت ابن ابنه ، وبنت بنته وبنت بنت بنته ، وبنت ابن بنته . وبالجملة كلّ اُنثى تنتمي إليه بالولادة بواسطة أو وسائط ذكوراً كانوا أو اناثاً أو بالاختلاف .
والاُخت لأب كانت أو لاُمّ أو لهما .
وبنت الأخ سواء كانت لأب أو لاُمّ أو لهما ، وهي كلّ امرأة تنتمي بالولادة إلى أخيه بلا واسطة أو معها وإن كثرت ، سواء كان الانتماء إليه بالآباء أو الاُمّهات أو بالاختلاف ، فتحرم عليه بنت أخيه ، وبنت ابنه وبنت ابن ابنه ، وبنت بنته وبنت بنت بنته ، وبنت ابن بنته وهكذا .
وبنت الاُخت ، وهي كلّ اُنثى تنتمي إلى اُخته بالولادة على النحو الذي ذكر في بنت الأخ .
والعمّة ، وهي اُخت أبيه لأب أو لاُمّ أو لهما ، والمراد بها ما تشمل العاليات أعني عمّة الأب : أخت الجدّ للأب لأب أو لاُمّ أو لهما ، وعمّة الاُمّ : اُخت أبيها لأب أو لاُمّ أو لهما ، وعمّة الجدّ للأب والجدّ للاُمّ والجدّة كذلك ، فمراتب العمّات مراتب الآباء ، فهي كلّ اُنثى تكون اُختاً لذكر ينتمي إليك بالولادة من طرف أبيك أو اُمّك .
والخالة ، والمراد بها أيضاً ما تشمل العاليات ، فهي كالعمّة إلاّ أنّها اُخت إحدى اُمّهاتك ولو من طرف أبيك ، والعمّة اُخت أحد آبائك ولو من طرف اُمّك ، فاُخت جدّتك للأب خالتك حيث إنّها خالة أبيك ، واُخت جدّك للاُمّ عمّتك حيث إنّها عمّة اُمّك1.
1 ـ الحكم في هذا الأمر واضح لا شبهة فيه أصلاً .
(الصفحة135)
مسألة 1 : لا تحرم عمّة العمّة ولا خالة الخالة ما لم تدخلا في عنواني العمّة والخالة ولو بالواسطة ، وهما قد تدخلان فيهما فتحرمان ، كما إذا كانت عمّتك اُختاً لأبيك لأب واُمّ أو لأب ، ولأبي أبيك اُخت لأب أو اُمّ أو لهما ، فهذه عمّة لعمتك بلا واسطة وعمّة لك معها ، وكما إذا كانت خالتك اُختاً لاُمّك لأمّها أو لاُمّها وأبيها ، وكانت لاُمّ اُمّك اُخت فهي خالة لخالتك بلا واسطة وخالة لك معها ، وقد لا تدخلان فيهما فلا تحرمان ، كما إذا كانت عمّتك اُختاً لأبيك لاُمّه لا لأبيه وكانت لأبي الاُخت اُخت فالاُخت الثانية عمّة لعمّتك ، وليس بينك وبينها نسب أصلاً ، وكما إذا كانت خالتك اُختاً لاُمّك لأبيها لا لاُمّها وكانت لاُمّ الاُخت اُخت فهي خالة لخالتك وليست خالتك ولو مع الواسطة ، وكذلك اُخت الأخ أو الاُخت إنّما تحرم إذا كانت اُختاً لا مطلقاً ، فلو كان لك أخ أو اُخت لأبيك وكانت لاُمّها بنت من زوج آخر فهي اُخت لأخيك أو اُختك ، وليست اُختاً لك لا من طرف أبيك ولا من طرف اُمّك ، فلا تحرم عليك1.
مسألة 2 : النسب إمّا شرعي ، وهو ما كان بسبب وطء حلال ذاتاً بسبب شرعي من نكاح أو ملك يمين أو تحليل ، وإن حرم لعارض من حيض أو صيام أو اعتكاف أو إحرام أو نحوها ، ويلحق به وطء الشبهة ، وأمّا غير شرعي ، وهو ما حصل بالسفاح والزّنا ، والأحكام المترتّبة على النسب الثابتة في الشرع من التوارث وغيره وإن اختصّت بالأوّل ، لكنّ الظاهر بل المقطوع أنّ موضوع حرمة
1 ـ الملاك في الحرمة إضافة هذه العناوين الى الشخص وإن كانت مع الواسطة ، فالعمّة حرام كذلك والخالة حرام كذلك والاُخت والأخ أيضاً كذلك ، وأمّا عناوين عمّة العمّة أو خالة الخالة أو اُخت الأخ أو الاُخت فلا تكون محرّمة أصلاً .
(الصفحة136)
النكاح أعمّ ، فيعمّ غير الشرعي ، فلو زنا بامرأة فولدت منه ذكراً واُنثى حرمت المزاوجة بينهما ، وكذا بين كلّ منهما وبين أولاد الزاني والزانية الحاصلين بالنكاح الصحيح أو بالزّنا بامرأة أُخرى ، وكذا حرمت الزانية واُمّها واُمّ الزاني واُختهنّ على الذكر ، وحرمت الاُنثى على الزاني وأبيه وأجداده وإخوته وأعمامه1.
1 ـ النسب بحسب اللغة والعرف على قسمين :
شرعي ، وهو ما كان بسبب وطء حلال ذاتاً بموجب شرعي من نكاح صحيح أو ملك يمين أو تحليل ، وإن حرم في بعض الأزمنة لعارض من حيض أو صيام أو اعتكاف أو إحرام ونحوها ، وفي لحوق وطء الشبهة به بحث صغروي ، كما يأتي في المسألة الثالثة إن شاء الله تعالى .
وغير شرعي ، وهو ما حصل بالسفاح والزّنا ، قال المحقّق في الشرائع : وهل يحرم على الزاني والزانية؟ الوجه أنّه يحرم; لأنّه مخلوق من مائه وهو يسمّى ولداً لغة(1) . ومناط التحريم هنا عندنا على اللغة ، بل في المسالك أنّه يظهر من جماعة من علمائنا منهم : العلاّمة في التذكرة(2) وولده في الشرح(3) وغيرهما(4) أنّ التحريم إجماعيّ(5) . بل استظهر اتّفاق المسلمين كافّة على تحريم الولد على اُمّه . قال في الجواهر : وكأنّه لازم لتحريم البنت على أبيها ، وإن حكى عن الشافعية(6) عدم
(1) شرائع الاسلام : 2/281 .
(2) تذكرة الفقهاء : 2/613 ـ 614 .
(3) إيضاح الفوائد : 3/42 .
(4) جامع المقاصد : 12/190 .
(5) مسالك الأفهام : 7/203 .
(6) المبسوط للسرخسي:4/206،المغني لابن قدامة:7/485،الشرح الكبير:7/483،العزيزشرح الوجيز: 8/30.
(الصفحة137)
مسألة 3 : المراد بوطء الشبهة الوطء الذي ليس بمستحقّ مع عدم العلم بالتحريم ، كما إذا وَطِئ أجنبية باعتقاد أنّها زوجته ، أو مع عدم الطريق المعتبر
تحريمها عليه نظراً إلى انتفائها شرعاً ، لكنّه كماترى ، ضرورة عدم الملازمة بين الانتفاء شرعاً والحلّية بعد أن كان مناط التحريم اللغة(1) .
وكيف كان لا ينبغي الارتياب في حرمة البنت المتولّدة من الزنا على أبيها ، والابن المتولّد منه على اُمّه الكذائية ، وإن كانت الأحكام المترتّبة على النسب الثابتة في الشرع مختصّة بالنسب الصحيح ، لكنّ الموضوع في حرمة النكاح هو الأعمّ ، وعليه ففي المثال المذكور في المتن وهو ما لو زنى بامرأة فولدت منه ذكراً واُنثى تحرم المزاوجة بينهما; لثبوت الاُختية والاُخوّة بينهما ، وعدم خروجهما عن هذا العنوان لغة ، وإن كانتا منتفيتان عن والديهما شرعاً .
وكذا تحرم المزاوجة بينهما وبين سائر أولاد أبويهما ، سواء الولد الحاصل بالنكاح الصحيح أو بالزّنا بامرأة اُخرى أو رجل آخر ، فلو زنت برجل آخر فولدت منه ذكراً واُنثى يحرم الذكر على الاُنثى الأوّل والذكر الأوّل على الاُنثى الثانية ، وكذا تحرم على الذكر المتولّد من الزنا الزانية واُمّها واُختها وجدّتها وهكذا ، وعلى الاُنثى المتولّدة من الزنا أبوها وأخو أبيها وجدّها من طرفه وهكذا .
هذا ، بل يستفاد من بعض الروايات النافية لأن يكون أصل هذا الخلق من الاخوّة والأخوات من ذرّيّة آدم وحوّاء ، أنّ الحرمة ذاتية لا مدخلية للنسب الشرعي فيها أصلاً ، فراجع علل الصدوق(قدس سره)(2) .
(1) جواهر الكلام : 29/257 .
(2) علل الشرائع : 1/17 ب17 ح1 و 2 ، الوسائل : 20/365 ـ 366 ، أبواب ما يحرم بالنسب ب3 ح4 و 5 .
(الصفحة138)
عليه بل أو الأصل كذلك ، ومع ذلك فالمسألة محلّ إشكال ، ويلحق به وطء المجنون والنائم وشبههما دون السكران إذا كان سكره بشرب المسكر عن عمد وعصيان1.
1 ـ الكلام في هذه المسألة يقع في مقامات :
المقام الأوّل : في أصل لحوق وطء الشبهة بالنسب الشرعي ، قال المحقّق في الشرائع : النسب يثبت مع النكاح الصحيح ومع الشبهة(1) . وذكر في الجواهر في تعليله قوله : إجماعاً بقسميه(2) والظاهر أنّه لا ينبغي الارتياب من جهة الكبرى ، إنّما الإشكال في المراد من وطء الشبهة ، وسيأتي إن شاء الله تعالى في المقام الثاني .
المقام الثاني : في المراد من وطء الشبهة ، وقد يقال : إنّه الوطء الذي ليس بمستحق في نفس الأمر مع اعتقاد فاعله الاستحقاق ، أو صدوره عنه بجهالة مغتفرة في الشرع أو مع ارتفاع التكليف بسبب غير محرّم ، والمراد بالجهالة المغتفرة أن لا يعلم الاستحقاق ويكون النكاح مع ذلك جائزاً ، كاشتباه المحرّم من النساء في غير المحصور بما يحلّ منهنّ ، والتعويل على اخبار المرأة بعدم الزوج أو بانقضاء العدّة أو على شهادة العدلين بطلاق الزوج أو موته ، أو غير ذلك من الصور التي لا يقدح فيها احتمال عدم الاستحقاق شرعاً وإن كان قريباً .
وكيف كان فقد ذكر في الجواهر ما ملخّصه : أنّ للوطء عن غير استحقاق وشبهة أقساماً :
(1) شرائع الإسلام : 2/281 .
(2) جواهر الكلام : 29/244 .
(الصفحة139)
الأوّل : وطء المكلّف العالم بعدم الاستحقاق ، وهو الزنا الذي لا شبهة فيه .
الثاني : وطء الجاهل الذي ليس بمعذور في جهالته ، وإن ظنّ الاستحقاق بالظن الذي لا يجوز التعويل عليه ، كما إذا زوّج المفقود زوجها من دون فحص ولا رفع إلى الحاكم ، ولكن ظنّ وفاته لطول المدّة أو تعويلاً على اخبار من لا يوثق به ، أو تزوّج امرأة في عدّتها مع جهله بأنّها كم هي ، إلى غير ذلك من الموارد التي لا يعذر فيها الجاهل بالحال ، فانّ الظاهر أنّ ذلك كلّه زنا لا يثبت معه النسب شرعاً ، إلاّ إذا اعتقد جواز النكاح في تلك الصور بشبهة محتملة في حقّه ، فانّه حينئذ يكون وطء شبهة .
الثالث : وطء من ارتفع عنه التكليف بسبب محرّم كالسكر ، فانّ المشهور أنّ وطء السكران بشرب خمر ونحوه زنا يثبت به الحدّ وينتفى معه النسب ، كما عن الشيخين(1) وغيرهما(2) التصريح به ، بل قيل : لم نقف على مخالف في ثبوت الحدّ سوى العلاّمة في التحرير(3) فنفاه عنه ، ولكنّه في غيره(4) وافق المشهور .
وقال في ذيل كلامه(5) ما ملخّصه أيضاً : أنّ وطء الشبهة ثلاث أقسام :
الأوّل : الوطء الذي ليس بمستحق مع اعتقاد فاعله الاستحقاق ، لجهل بالموضوع أو جهل بالحكم الشرعي على وجه يعذر فيه .
(1) المقنعة : 504 ، المبسوط : 4/208 .
(2) جامع المقاصد : 12/190 ، مسالك الأفهام : 7/202 ، رياض المسائل : 6/424 ـ 425 .
(3) تحرير الاحكام : 2/221 .
(4) قواعد الاحكام : 2/250 .
(5) أي صاحب الجواهر .
(الصفحة140)
الثاني : الوطء الذي ليس بمستحقّ مع عدم اعتقاد فاعله الاستحقاق إلاّ أنّ النكاح معه جائز شرعاً ، كالمشتبه بغير المحصور والتعويل على اخبار المرأة .
الثالث : الوطء الغير المستحقّ ، ولكن صدر ممّن هو غير مكلّف ، كالنائم والمجنون والسكران بسبب محلّل ونحوهم ، ولكن قد يشكل أوّلاً : بخروج المكره ، اللّهمّ إلاّ أن يتكلّف دخوله في الثالث بإرادة ارتفاع التكليف بالحرمة ، وثانياً : بخروج المتكوّن من مائه بمساحقة أو غيرها ممّا هو ملحق به شرعاً ، وثالثاً : بأنّ ظاهر عبارات الأصحاب يقتضي تحقّق الشبهة بمجرّد الظنّ وإن لم يكن من الظنون المعتبرة شرعاً ، بل حصولها مع احتمال الاستحقاق مطلقاً ولو مع الشك أو ظنّ الخلاف ، فانّهم أطلقوا القول بلحوق الولد فيما إذا تزوّج امرأة بظنّ أنّها خالية فوطأها ثم بانت محصنة ، وكذا فيما لو وطأ أجنبية بظنّ أنها زوجته أو أمته ، إلى غير ذلك من المسائل المعروضة في كلامهم ، ولم يقيّدوا الظنّ في شيء منها بكونه معتبراً في الشرع ، ولولا تحقّق الشبهة بمطلق الظنّ لوجب تقييده به ولم يجز إطلاقه(1) انتهى ملخّص موضع الحاجة فعلاً .
أقول : لا شبهة في أنّ القسم الأوّل من وطء الشبهة ، كما أنّه لا ينبغي الارتياب في أنّ المكره على الزّنا وإن كان مرفوعاً عنه التكليف بحديث الرفع(2) وغيره ، إلاّ أنّ الحكم في مثل الحديث لا يرفع موضوعه فهو مكره على الزّنا ، لكن رفع التكليف أو سائر الآثار أيضاً عن المكره ـ بالفتح ـ لا يوجب تبدّل العنوان وارتفاع الموضوع ، فالمكره على الزنا مكره على الزنا لا أنّه واطء بوطء الشبهة ، كما أنّ
(1) جواهر الكلام : 29/245 ـ 248 .
(2) الوسائل : 15/369 ـ 270 ، أبواب جهاد النفس ب56 .
|