(الصفحة201)
لم يصحّ بين ذلك(1) .
ورواية اُخرى لأبي العباس ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : قلت له: رجل طلّق امرأته وهو مريض تطليقة ، وقد كان طلّقها قبل ذلك تطليقتين ، قال: فإنّها ترثه إذا كان في مرضه ، قلت : فما حدّ ذلك؟ قال : لا يزال مريضاً حتى يموت وإن طال ذلك إلى سنة(2) .
ورواية الحذاء ، وعن مالك بن عطية ، عن أبي الورد كليهما ، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : إذا طلّق الرجل امرأته تطليقة في مرضه ، ثمّ مكث في مرضه حتى انقضت عدّتها ، فإنّها ترثه ما لم تتزوّج ، فإن كانت تزوّجت بعد انقضاء العدّة فإنّها لا ترثه(3) .
ومرسلة عبد الرحمن بن الحجاج ، عمّن حدّثه ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال في رجل طلّق امرأته وهو مريض ، قال: إن مات في مرضه ولم تتزوّج ورثته ، وإن كانت تزوّجت فقد رضيت بالذي صنع لا ميراث لها(4) .
ورواية محمد بن القاسم الهاشمي قال : سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول : لا ترث المختلعة ولا المبارأة ولا المستأمرة في طلاقها من الزوج شيئاً إذا كان ذلك منهنّ في
(1) الكافي: 6 / 122 ح5 ، التهذيب: 8 / 78 ح264 ، الاستبصار: 3 / 305 ح1084 ، الوسائل: 22 / 153 ، أبواب أقسام الطلاق ب22 ح7 .
(2) الكافي: 6 / 122 ح6 ، الوسائل: 22 / 153 ، أبواب أقسام الطلاق ب22 ح8 .
(3) الكافي: 6 / 121 ح2 ، التهذيب: 8 / 77 ح262 ، الاستبصار: 3 / 304 ح1082 ، الوسائل: 22 / 152 ، أبواب أقسام الطلاق ب22 ح5 .
(4) الكافي: 6 / 121 ح3 ، التهذيب: 8 / 77 ح263 ، الاستبصار: 3 / 305 ح1083 ، الوسائل: 22 / 153 ، أبواب أقسام الطلاق ب22 ح6 .
(الصفحة202)
مرض الزوج وإن مات; لأنّ العصمة قد انقطعت منهنّ ومنه(1) .
إلى غير ذلك من الروايات الواردة(2) ، التي يتحصّل من مجموعها بعد ضمّ بعضها ببعض ، وحمل المطلق على المقيّد ، وملاحظة إطلاق السؤال وترك الاستفصال في الجواب ، أمور تالية :
1 ـ لو طلّقها في حال المرض واستدام إلى حين الموت ترثه الزوجة في الجملة .
2 ـ إنّ إرثها منه في الصورة المفروضة إنّما هو فيما إذا لم يكن موته أزيد من سنة واحدة من حين الطلاق .
3 ـ إنّ السنة المعلّق عليها الحكم سنة حقيقية لا أزيد ولو كان يوماً أو أقل .
4 ـ إنّه لا فرق في هذا الحكم بين الطلاق الرجعي والبائن .
5 ـ اعتبار أمور ثلاثة في ثبوت هذا الإرث ، وهي: أن لا تتزوّج المرأة بعد انقضاء عدّتها بزوج آخر ، وأن لا يبرأ الزوج المطلّق من المرض الذي طلّقها فيه ، وأن لا يكون الطلاق بالتماس منها كالمختلعة والمبارأة والمستأمرة في طلاقها شيئاً .
6 ـ عدم اختصاص الحكم بصورة وجود التهمة بإرادة الإضرار بها ، وإن حكي عن الشيخ في بعض كتبه(3) ، لكنّ الظاهر العدم ، وأنّ الحكم معلّق على الطلاق في المرض مطلقاً ، سواء أراد الإضرار بها أم لم يرد ذلك .
7 ـ اختصاص الحكم بإرث الزوجة ، وأمّا إرث الزوج منها فهو باق على القاعدة .
(1) التهذيب: 8 / 100 ح335 ، الوسائل: 26 / 229 ، أبواب ميراث الأزواج ب15 ح1 .
(2) الوسائل: 22 / 151 ـ 156 ، أبواب أقسام الطلاق ب22 ، الوسائل: 26 / 222 ـ 229 ، أبواب ميراث الأزواج ب14 ، 15 .
(3) أي إختصاص الحكم بإرادة الإضرار بها ، الإستبصار: 3 / 306 ذح1089 .
(الصفحة203)
مسألة 12 : لا يجوز لمن طلّق رجعياً أن يخرج المطلّقة من بيته حتى تنقضي عدّتها ، إلاّ أن تأتي بفاحشة توجب الحدّ ، أو تأتي بما يوجب النشوز ، وأمّا مطلق المعصية فلا توجب جواز إخراجها ، وأمّا البذاء باللسان وإيذاء الأهل إذا لم ينته إلى النشوز ، ففي كونه موجباً له إشكال وتأمّل ، ولا يبعد أن يكون ما يوجب الحدّ موجباً لسقوط حقّها مطلقاً ، وما يوجب النشوز موجباً لسقوطه ما دام بقاؤها عليه ، وإذا رجعت رجع حقّها ، وكذا لا يجوز لها الخروج بدون إذن زوجها إلاّ لضرورة أو أداء واجب مضيّق(1) .
8 ـ الظاهر اختصاص الحكم بما إذا كان سبب موته المرض الذي طلّقها فيه ، وأمّا إذا كان السبب أمراً آخر ، فلا دليل على ثبوت الإرث إلاّ في المعتدّة بالعدّة الرجعية ، التي هي بحكم الزوجة كما عرفت(1) .
1 ـ الأصل في ذلك قوله تعالى : {لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَة مُبَيِّنَة}(2) .
وقد وردت فيه روايات كثيرة ، مثل :
صحيحة سعد بن أبي خلف قال: سألت أبا الحسن موسى(عليه السلام) عن شيء من الطلاق ، فقال : إذا طلّق الرجل امرأته طلاقاً لا يملك فيه الرجعة ، فقد بانت منه ساعة طلّقها ، وملكت نفسها ، ولا سبيل له عليها ، وتعتدّ حيث شاءت ، ولا نفقة لها ، قال: قلت : أَليس الله ـ عزّوجلّ ـ يقول : {لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ}؟ قال: فقال : إنّما عنى بذلك التي تطلّق تطليقةً بعد تطليقة ، فتلك التي
(1) في ص198 ـ 199 .
(2) سورة الطلاق: 65 / 1 .
(الصفحة204)
لا تُخرج ، ولا تخرج حتى تطلّق الثالثة ، فإذا طلّقت الثالثة ، فقد بانت منه ولا نفقة لها ، والمرأة التي يطلّقها الرجل تطليقة ثمّ يدعها حتى يخلو أجلها ، فهذه أيضاً تقعد في منزل زوجها ، ولها النفقة والسكنى حتى تنقضي عدّتها(1) .
وموثقة إسحاق بن عمّار ، عن أبي الحسن(عليه السلام) ، قال: سألته عن المطلّقة أين تعتدّ؟ فقال : في بيت زوجها(2) .
وموثقة سماعة بن مهران قال : سألته عن المطلقة أين تعتد؟ فقال : في بيتها لا تخرج ، الحديث(3) .
ورواية أبي بصير ، عن أحدهما(عليهما السلام) في المطلقة أين تعتدّ؟ فقال : في بيتها إذا كان طلاقاً له عليها رجعة ، ليس له أن يُخرجها ، ولا لها أن تخرج حتى تنقضي عِدّتها(4) .
وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : لا ينبغي للمطلّقة أن تخرج إلاّ بإذن زوجها حتى تنقضي عدّتها ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر إن لم تحض(5) .
ورواية أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : تعتدّ المطلقة في بيتها ، ولا ينبغي للزوج إخراجها ولا تخرج هي(6) .
إلى غير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال(7) ، ومحصّلها والآية المرتبطة أنّه لا يجوز إخراجهنّ من بيوتهنّ ولا خروجهنّ منها ، وإضافة البيوت إليهنّ ليست
(1) الكافي: 6 / 90 ح5 ، الوسائل: 22 / 216 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب20 ح1 .
(2) الكافي: 6 / 91 ح8 ، الوسائل: 22 / 213 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب18 ح4 .
(3) الكافي: 6 / 90 ح3 ، الوسائل: 22 / 213 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب18 ح3 .
(4) الكافي: 6 / 91 ح9 ، الوسائل: 22 / 214 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب18 ح6 .
(5) الكافي: 6 / 89 ح1 ، الوسائل: 22 / 212 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب18 ح1 .
(6) الكافي: 6 / 91 ح6 ، الوسائل: 22 / 213 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب18 ح5 .
(7) الوسائل: 22 / 212 ـ 221 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب18 ـ 23 .
(الصفحة205)
لأجل ملكيتهنّ لها ، بل لأجل كونها مسكناً لهنّ في حال الزوجية ، وإن كانت مرتبطة بالأزواج . وقد ذكر صاحب الجواهر(قدس سره): أنّ ظاهر غير واحد من الأصحاب أنّ وجوب الإسكان المزبور من حيث وجوب نفقتها عليه في العدّة ـ لأنّ المفروض كون طلاقها رجعيّاً ـ ومن هنا كان استحقاقها عليه ، حيث تستحقها عليه ، فلو كانت صغيرة وطئت ولو محرّماً أو ناشزاً من الزوجية أو في أثناء العدّة فلا سكنى لها كما لا نفقة .
نعم ، يفترق عن سكنى النفقة بعدم جواز خروجها منه ولو اتفقا عليه ، بل يمنعهما الحاكم من ذلك; لأنّ فيه حقّاً لله تعالى شأنه كما أنّ في العدّة حقّاً له ، بخلاف سكنى الإنفاق التي حقّها مختصّ بالزوجة ، بل عن الكشاف للزمخشري أنّه إنّما جمع في الآية بين النهيين ليشعر بأن لا يأذنوا وأن ليس لإذنهم أثر(1) .
لكن قد يشكل بما في بعض الروايات التصريح بالجواز فيما إذا طابت نفس الزوج ، كصحيحة الحلبي المتقدّمة ، ورواية معاوية بن عمّار ، عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : سمعته يقول : المطلّقة تحجّ في عدّتها إن طابت نفس زوجها(2) .
ومن الواضح أنّ المراد هو الحجّ الاستحبابي ، ولم يثبت إعراض المشهور القادح في الحجية ، بل عن الفضل بن شاذان أنّ معنى الخروج والإخراج ليس هو أن تخرج المرأة إلى أبيها ، أو تخرج في حاجة لها ، أو في حقّ بإذن زوجها ، مثل مأتم وما أشبه ذلك ، وإنّما الخروج والإخراج أن تخرج مراغمة ويخرجها مراغمة ، فهذا الذي نهى الله عنه ، فلو أنّ امرأة استأذنت أن تخرج إلى أبويها أو تخرج إلى حقّ لم نقل إنّها
(1) الكشاف: 4 / 554 .
(2) الكافي: 6 / 91 ح12 ، التهذيب: 8 / 131 ح452 ، الاستبصار: 3 / 333 ح1187 ، الوسائل: 22 / 219 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب22 ح2 .
(الصفحة206)
خرجت من بيت زوجها ، ولا يقال : إنّ فلاناً أخرج زوجته من بيتها ، إنّما يقال ذلك إذا كان ذلك على الرغم والسخط ، وعلى أنّها لا تريد العود إلى بيتها فأمساكها على ذلك ـ إلى أن قال : ـ إنّ أصحاب الأثر وأصحاب الرأي وأصحاب التشيّع قد رخّصوا لها في الخروج ، الذي ليس على السخط والرغم ، وأجمعوا على ذلك . . . لأنّ المستعمل في اللغة هذا الذي وصفناه(1) (2) .
وحينئذ فالظاهر جواز الخروج بإذن الزوج ، ولا فرق في ذلك بين الحج الإستحبابي وغيره ، كما لايخفى .
ثمّ إنّه قد استثنى في الكتاب الذي هو الأصل في هذا الحكم صورة الإتيان بفاحشة مبيّنة ، وقد وقع الاختلاف في المراد منها ، والمذكور في الشرائع قوله: وهو أن تفعل ما يجب به الحدّ فتخرج لإقامته ، وأدنى ما تخرج له أن تؤذي أهله(3) . ويظهر منه أنّ عدم جواز الإخراج في صورة عدم الإتيان بفاحشة مبيّنة إنّما هو لأجل عدم إقامة الحدّ عليها المستلزمة للخروج من بيتها ، وعليه فيعتبر أمران في الفاحشة المذكورة: أحدهما: كونها موجبة للحدّ . وثانيهما: الصلاحية للإثبات عند الحاكم حتى يحكم عليها بالحدّ ، فلا وجه حينئذ لجعل إيذاء الأهل موجباً لجواز الإخراج ، فتنحصر في مثل الزنا والمساحقة بما يوجب الحدّ بعد الإثبات ، ولكن هنا روايات(4) تدلّ على جواز الإخراج لذلك ، قال الشيخ في محكيّ النهاية: قد
(1) الكافي: 6 / 95 .
(2) جواهر الكلام: 32 / 331 ـ 332 .
(3) شرائع الإسلام: 3 / 42 .
(4) الوسائل: 22 / 220 ـ 221 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب23 .
(الصفحة207)
روي أنّ أدنى ما يجوز له معه إخراجها أن تؤذي أهل الرجل(1) ، وفي مجمع البيان أنّه المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبدالله(عليهما السلام)(2) .
وكيف كان ، فالروايات الواردة في تفسير الفاحشة المبيّنة على طائفتين :
الطائفة الاُولى : ما يظهر منه عدم الشمول لإيذاء الأهل ويساعدها الاعتبار; لعدم عدّ مجرّد الايذاء فاحشةً وان كان مناسباً لجواز الإخراج ، مثل:
مرسلة الصدوق المعتبرة قال : سئل الصادق(عليه السلام) عن قول الله عزّوجلّ {وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَة مُبَيِّنَة}(3)قال : إلاّ أن تزني فتخرج ويقام عليها الحدّ(4) .
ورواية سعد بن عبدالله المروية عن كتاب كمال الدين وتمام النعمة عن صاحب الزّمان(عليه السلام) قال : قلت له: أخبرني عن الفاحشة المبيّنة ، التي إذا أتت المرأة بها في أيام عدّتها ، حلّ للزوج أن يخرجها من بيته؟ قال(عليه السلام) : الفاحشة المبيّنة هي السحق دون الزّنا ، فإنّ المرأة إذا زنت ، وأُقيم عليها الحدّ ، ليس لمن أرادها أن يمتنع بعد ذلك من التزويج بها لأجل الحدّ ، وإذا سحقت وجب عليها الرجم ، والرجم خزي ، ومن قد أمر الله عزّوجلّ برجمه فقد أخزاه ، ومن أخزاه فقد أبعده ، ومن أبعده فليس لأحد أن يقربه ، الحديث(5) .
والظاهر أنّ المراد نفي اختصاص الفاحشة بالزنا بل شمولها للسحق أيضاً ، وإلاّ
(1) النهاية: 534 .
(2) مجمع البيان: 10 / 36 ، الوسائل: 22 / 221 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب23 ح5 .
(3) سورة الطلاق: 65 / 1 .
(4) الفقيه: 3 / 322 ح1565 ، الوسائل: 22 / 220 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب23 ح3 .
(5) كمال الدين: 459 ، الوسائل: 22 / 221 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب23 ح4 .
(الصفحة208)
فالزنا هو الفرد الواضح للفاحشة .
الطائفة الثانية : ما تدل على الشمول ، مثل :
مرسلة إبراهيم بن هاشم، عن الرّضا(عليه السلام) في قوله تعالى: {لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَة مُبَيِّنَة} قال : أذاها لأهل زوجها وسوء خلقها(1).
ومرسلة محمد بن علي بن جعفر قال: سأل المأمون الرضا(عليه السلام) عن قول الله عزّوجلّ: {لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَة مُبَيِّنَة} قال : يعني بالفاحشة المبيّنة أن تؤذي أهل زوجها ، فإذا فعلت فإن شاء أن يخرجها من قبل أن تنقضي عدّتها فعل(2) .
وما رواه في مجمع البيان في قوله تعالى : {لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَة مُبَيِّنَة} قال : قيل: هي البذاء على أهلها ، فيحلّ لهم إخراجها . وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبدالله(عليهما السلام)(3) .
قال ـ أي صاحب مجمع البيان ـ : وروى علي بن أسباط ، عن الرضا(عليه السلام) قال : الفاحشة أن تؤذي أهل زوجها وتسبّهم(4) .
ولعلّه لأجل وجود الطائفتين قد جمع المحقق في عبارته المتقدّمة بين أمرين من دون الاختصاص بمثل الزنا أو بالايذاء المذكور ، وحيث إنّ روايات الطائفة الثانية مرسلة بأجمعها; فلذا استشكل وتأمّل في ذلك في المتن ، ولكن مقتضى الاحتياط ما ذكرنا ، فتدبّر جيّداً .
(1) الكافي: 6/97 ح1، التهذيب: 8 / 131 ح455 ، الوسائل: 22 / 220 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب23 ح1.
(2) الكافي: 6 / 97 ح2 ، الوسائل: 22 / 220 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب23 ح2 .
(3) مجمع البيان: 10 / 36 ، الوسائل: 22 / 221 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب23 ح5 .
(4) مجمع البيان: 10 / 36 ، الوسائل: 22 / 221 ـ 222 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب23 ح6 .
(الصفحة209)
القول في الرّجعة
وهي ردّ المطلّقة في زمان عدّتها إلى نكاحها السابق ، ولا رجعة في البائنة ولا في الرجعية بعد انقضاء عدّتها(1) .
مسألة 1 : الرجعة إمّا بالقول وهو: كلّ لفظ دلّ على إنشاء الرجوع كقوله: «راجعتك إلى نكاحي» ونحوه ، أو دلّ على التمسّك بزوجيتها كقوله: «رددتك إلى نكاحي» أو «أمسكتك في نكاحي» ويجوز في الجميع إسقاط قوله: «إلى
1 ـ الرجعة لغةً: المرّة من الرجوع ، وشرعاً: ردّ المرأة المطلّقة بالطلاق الرجعي في زمان العدّة إلى النكاح السابق ، فلا رجعة في الطلاق البائن ولا الرجعي بعد انقضاء العدّة وتماميّتها ، والدليل على المشروعية قوله تعالى : {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إنْ أَرَادُوا إِصْلاَحاً}(1) الآية والروايات المتعدّدة(2) ، بل لا خلاف بين المسلمين في ذلك .
(1) سورة البقرة: 2 / 228 .
(2) الوسائل: 22 / 108 ـ 110 ، أبواب أقسام الطلاق ب2 .
(الصفحة210)
نكاحي» و: «في نكاحي» ولا يعتبر فيه العربيّة ، بل يقع بكلّ لغة إذا أفاد المعنى المقصود . وإمّا بالفعل بأن يفعل بها ما لا يحلّ إلاّ للزوج بحليلته كالوطء والتقبيل واللمس بشهوة أو بدونها(1) .
1 ـ الرجعة من الاُمور الإنشائية الإيقاعية ، ويتحقّق إمّا بالقول وإمّا بالفعل ، أمّا القول فهو كلّ لفظ دلّ إمّا على الرجوع كقوله: راجعتك وارتجعتك مطلقاً ، أو مع إضافة قوله إلى نكاحي أو في نكاحي ، أو على التمسك بزوجته ، كقوله: رددتك إلى نكاحي ، أو أمسكتك في نكاحي أو مطلقاً ، ولا دليل على اعتبار العربيّة ، بل يقع بكلّ لغة إذا أفاد المعنى المقصود ، كسائر العقود والإيقاعات مع عدم قيام دليل على اعتبار العربيّة ، كما في النكاح الدائم على احتمال .
نعم ، ربما يحتمل عدم كون الرجعة من أقسام الايقاع حتى يعتبر فيها ما يعتبر في سائر العقود والايقاعات من اُمور متعددة عمدتها ترجع إلى اعتبار القصد إلى المضمون واعتبار الصراحة أو الظهور ، بل هي من حقوق المطلّق ، كما ربما يؤيّده عدم اعتبار لفظ مخصوص فيها ، وعدم اعتبار الاقتران مع القصد في الفعل الذي يتحقّق به الرجوع ، كالوطء بل التقبيل واللمس اللذين ربّما يجتمعان مع عدم الزوجية ، وسيأتي إن شاء الله تعالى أنّ إنكار الطلاق رجعة ، ولا يعهد مثل ذلك في سائر العقود والإيقاعات .
هذا،خصوصاًمع أنّ الكلام لايرتبط بمقام الإثباتووجودالاختلاف بين الزوجين في ذلك ، بل بمقام الثبوت وأصل التحقق مع عدم الاختلاف أصلا . وكيف كان ، فلا دليل على اعتبار الصراحة بل الظهور المعتمد عند العقلاء في تحقّق الرجوع .
وأمّا الفعل ، فقد ذكر في المتن أنّه عبارة عن أن يفعل بها ما لا يحلّ إلاّ للزوج بحليلته كالاُمور المذكورة في المتن ، ومقتضى ذلك أن يكون تكرار
(الصفحة211)
النظر إليها رجوعاً أيضاً ، خصوصاً إذا كان مع الشهوة; لأنّه لا يحلّ إلاّ لمثل الزوج بحليلته ، وفي صحيحة محمد بن القاسم ، قال سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول : من غشى امرأته بعد انقضاء العدّة جلد الحدّ ، وإن غشيها قبل انقضاء العدّة غشيانه إيّاها رجعة(1) .
وظاهرها أنّ نفس الغشيان في العدّة رجعة وإن لم يكن مع قصد الرجوع ، بل عن كشف اللثام احتمال ذلك حتى مع نيّة الخلاف لإطلاق النص والفتوى(2) .
نعم ، لا اعتبار بفعل الغافل والنائم وغيرهما ممّا لا قصد فيه لأصل الفعل ، كما لا اعتبار بالفعل المقصود بها غيرها ، كما لو ظنّ أنّها غير المطلّقة فواقعها مثلا . وغير خفي أنّ حلّية الأفعال المذكورة لا تحتاج إلى تقدّم الرجعة ووقوعها قبلها لأنّها زوجة ; لأنّ المفروض أنّها المعتدّة بالعدّة الرجعية والمطلّقة كذلك زوجة .
هذا ، ولكن في الحدائق وغيرها المفروغية عن اعتبار قصد الرجوع بالفعل ; لأنّ الأحكام صحّة وبطلاناً وثواباً وعقاباً دائرة مدار المقصود(3) .
وذكر في الجواهر: أنّه كما ترى لا يستأهل ردّاً ، ضرورة تحقّق القصد إلى الفعل في مقابل الساهي والنائم ومثلهما ، وإنّما المفقود قصد الرجوع الذي هو أمر زائد(4) .
وكيف كان ، فظاهر الصحيحة المتقدّمة أنّ نفس غشيانه إيّاها يعني في العدّة رجعة ، وهو يشعر بل يدلّ على عدم اعتبار قصد الرجوع ، فالظاهر أن يقال ـ بعد
(1) التهذيب: 10 / 25 ح74 ، الوسائل: 28 / 131 ، أبواب حدّ الزنا ب29 ح1 .
(2) كشف اللثام: 2 / 131 .
(3) الحدائق الناضرة: 25 / 358 ، رياض المسائل: 7 / 351 ، الروضة البهية: 6 / 50 ، نهاية المرام: 2 / 71ـ 72 .
(4) جواهر الكلام: 32 / 181 .
(الصفحة212)
مسألة 2 : لا تتوقّف حلّية الوطء وما دونه من التقبيل واللمس على سبق الرجوع لفظاً ، ولا على قصد الرجوع به; لأنّ الرّجعية بحكم الزوجة ، وهل يعتبر في كونه رجوعاً أن يقصد به الرجوع؟ قولان ، أقواهما العدم ، ولو قصد عدم الرجوع ، وعدم التمسّك بالزوجية ، ففي كونه رجوعاً تأمّل . نعم في خصوص الغشيان غير بعيد ، ولا عبرة بفعل الغافل والسّاهي والنائم ممّا لا قصد فيه للفعل ، كما لا عبرة بالفعل المقصود به غير المطلّقة كما لو واقعها باعتقاد أنّها غيرها(1) .
استبعاد أن يكون الفعل الخالي عن قصد الرجوع رجوعاً لما أفاده في الحدائق بإمكان الفرق بين الوطء وغيره من الأفعال ـ : بأنّ الأوّل رجوع وإن لم يكن مع قصده ، والثاني رجوع فيما إذا كان مع القصد; لأجل أنّ مقتضى إطلاق النص الوارد في الأوّل ذلك ، فيحمل على كونه رجوعاً تعبداً ، والثاني باق على مقتضى القاعدة; ولعلّ السرّ فيه أنّ حلّية الوطء من ناحية لأجل أنّها زوجة ، وكون العدّة مرتبطة بالدخول ـ ولذا ذكرنا أنّه لا تكون العدّة على غير المدخول بها; لعدم اختلاط المياه، والأنساب ـ لا تجتمعان إلاّ مع كون الوطء رجوعاً ، فكيف يمكن أن يقال: بأنّ الوطء في أثناء العدّة أو في آخرها لا يكون رجوعاً ، مع أنّ تمامية العدّة مع ذلك والتزويج بآخر مستلزم للإختلاط المذكور ، وهذا بخلاف مثل التقبيل واللمس والنظر وإن كانت مقرونة بالشهوة ، فتدبّر واغتنم . فانقدح حينئذ الفرق بين الوطء وغيره من الأفعال في أنّه لا يحتاج الأوّل إلى قصد الرجوع دون غيره .
1 ـ قد تقدّم البحث في هذه المسألة في شرح المسألة المتقدّمة ولاحاجة إلى الإعادة.
(الصفحة213)
مسألة 3: لو أنكر أصل الطلاق وهي في العدّة، كان ذلك رجوعاً وإن علم كذبه(1).
1 ـ قد علّل ذلك في الشرائع: بأنّ الإنكار يتضمّن التمسّك بالزوجية(1) ، بل في محكيّ المسالك هو أبلغ من الرّجعة بألفاظها المشتقة منها وما في معناها; لدلالتها على رفعه في غير الماضي ودلالة الإنكار على رفعه مطلقاً(2) . لكن الأولى الاستدلال لذلك بالروايات الواردة ، مثل:
صحيحة أبي ولاّد الحنّاط ، عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : سألته عن امرأة ادّعت على زوجها أنّه طلّقها تطليقة طلاق العدّة طلاقاً صحيحاً ـ يعني: على طهر من غير جماع ـ وأشهد لها شهوداً على ذلك ، ثم أنكر الزوج بعد ذلك ، فقال : إن كان إنكاره الطلاق قبل انقضاء العدّة ، فإنّ إنكاره الطلاق رجعة لها ، وإن كان أنكر الطلاق بعد انقضاء العدّة ، فإنّ على الإمام أن يفرّق بينهما بعد شهادة الشهود ، بعد أن تستحلف أنّ إنكاره للطلاق بعد انقضاء العدّة ، وهو خاطب من الخطّاب(3) .
وذكر صاحب الوسائل: أنّ طلاق العدّة هنا مستعمل بالمعنى الأعم ، لا المقابل لطلاق السنّة وهو ظاهر . وقال صاحب الجواهر: ولعلّ من ذلك يظهر عدم اعتبار قصد معنى الرجوع في الرجعة ، ضرورة أنّ إنكار أصل الطلاق مناف لقصد الرجعة به ، ولذا أشكل بعض في أصل الحكم بأنّ الرجعة مترتّبة على الطلاق وتابعة له ، وإنكاره يقتضي إنكار التابع فلا يكون رجعة ، وإلاّ لكان الشيء سبباً في
(1) شرائع الإسلام: 3 / 30 .
(2) مسالك الافهام: 9 / 187 .
(3) الكافي: 6 / 74 ح1 ، الوسائل: 22 / 136 ، أبواب أقسام الطلاق ب14 ح1 .
(الصفحة214)
مسألة 4 : لا يعتبر الإشهاد في الرجعة وإن استحبّ دفعاً لوقوع التخاصم والنزاع ، وكذا لا يعتبر فيها اطلاع الزوجة عليها ، فإن راجعها من دون اطلاع أحد عليها صحّت واقعاً ، لكن لو ادعاها بعد انقضاء العدّة ولم تصدقه الزوجة لم تسمع دعواه ، وغاية الأمر له عليها يمين نفي العلم لو ادعى عليها العلم ، كما أنّه لو ادعى الرجوع الفعلي كالوطء وأنكرته كان القول قولها بيمينها ، لكن على البت لا على نفي العلم(1) .
النقيضين(1) . هذا ، ولكن النصّ يدفعه ، ومقتضى إطلاقه عدم الفرق في ذلك بين صورة الشك وصورة العلم بالكذب ، كما في المتن .
1 ـ امّا عدم اعتبار الإشهاد في الرّجعة ، فلدلالة الروايات المستفيضة بل المتواترة كما ادّعى عليه ، مثل :
صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : إنّ الطلاق لا يكون بغير شهود ، وإنّ الرجعة بغير شهود رجعة ، ولكن ليشهد بعد ، فهو أفضل(2) .
وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في الذي يراجع ولم يشهد ، قال : يشهد أحبّ إليّ ، ولا أرى بالّذي صنع بأساً(3) .
وصحيحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما(عليهما السلام) قال: سألته عن رجل طلّق امرأته واحدة؟ قال : هو أملك برجعتها ما لم تنقض العدّة ، قلت: فإن لم يشهد على رجعتها؟ قال : فليشهد ، قلت : فإن غفل عن ذلك؟ قال : فليشهد حين يذكر ، وإنّما
(1) جواهر الكلام: 32 / 183 .
(2) الكافي: 6 / 73 ح3 ، التهذيب: 8 / 42 ح128 ، الوسائل: 22 / 134 ، أبواب أقسام الطلاق ب13 ح3 .
(3) الكافي: 6 / 72 ح1 ، التهذيب: 8 / 42 ح126 ، الوسائل: 22 / 134 ، أبواب أقسام الطلاق ب13 ح2 .
(الصفحة215)
مسألة 5 : لو اتفقا على الرجوع وانقضاء العدّة ، واختلفا في المتقدّم منهما فادعى الزوج أنّ المتقدّم الرجوع ، وادّعت هي أنّه انقضاؤها ، فان تعيّن زمان الانقضاء وادعى الزوج أنّ رجوعه كان قبله وادّعت هي أنّه بعده ، فالأقرب أنّ القول قولها بيمينها ، وإن كان بالعكس بأن تعيّن زمان الرجوع دون الانقضاء ،
جعل ذلك
لمكان الميراث(1) .
وغير ذلك من الروايات(2) . وقد ظهر ممّا ذكرنا استحباب الإشهاد ، وأنّه دفع لوقوع التخاصم والتنازع .
وأمّا عدم اعتبار اطلاع الزوجة عليها ، فلعدم الدليل عليه ، فلو راجعها من دون اطّلاع أحد عليها صحّت واقعاً وفي مقام الثبوت ، لكن لو ادّعاها الزوج فإن كانت العدّة باقية بعد فواضح ، وإن انقضت العدّة فإن صدّقته الزوجة فبها ، وإن لم تصدّقه الزوجة ، فان ادّعى عليها العلم بذلك فالقول قولها ، غاية الأمر أنّ له عليها اليمين على نفي العلم ، ولو ادّعى الزوج الرجوع الفعلي كالوطء وأنكرته كان قولها مطابقاً للأصل; لأنّ مقتضاه عدم التحقّق مع الشك فيه ، غاية الأمر أنّ اليمين الثابت عليها هو اليمين على البت لا على نفي العلم ، كما في الرجوع اللفظي . والسرّ فيه أنّ الرجوع اللفظي قائم بالزوج ، ولا يعتبر فيه الإشهاد ولا الاطّلاع . وأمّا الرجوع الفعلي فهو قائم بالزوجين ، ويمكن لها اليمين على البت كما لا يخفى .
نعم ، يشكل الأمر لو عمّمنا الرجوع الفعلي لمثل تكرار النظر ، ولم نقل بالاختصاص بالوطء والتقبيل واللمس كما يظهر من المتن على ما عرفت .
(1) الكافي: 6 / 73 ح5 ، الوسائل: 22 / 134 ، أبواب أقسام الطلاق ب13 ح1 .
(2) الوسائل: 22/101 وما بعده، أبواب أقسام الطلاق ب1 ح2 و4و6 وب2 ح1 وب19 ح1 و4 و5 وب5 ح2.
(الصفحة216)
فالقول قوله بيمينه(1) .
مسألة 6 : لو طلّق وراجع ، فأنكرت الدخول بها قبل الطلاق لئلا تكون عليها العدّة ولا تكون له الرجعة وادّعى الدخول ، فالقول قولها بيمينها(2) .
1 ـ لو اختلفا في تقدّم الرجوع على انقضاء العدّة وتأخّره عنه بعد الاتفاق على تحقّقهما ، فادّعى الزوج أنّ الرجوع واقع قبل الانقضاء فصحّ لكونه في العدّة ، وادّعت الزوجة التأخّر فلم يقع صحيحاً لوقوعه بعد الانقضاء ، فإن كان زمان الانقضاء معلوماً ، والاختلاف إنّما هو في التقدّم والتأخّر عن ذلك الزمان ، فالقول قول الزوجة بيمينها; لأنّه موافق لأصالة تأخّر الحادث ، كما أنّه لو كان بالعكس بأن كان زمان الرجوع معلوماً دون الانقضاء يكون القول قوله بيمينه; لما ذكر من موافقته للأصل ، ولو كان كلاهما مجهولي التاريخ يجرى عليه حكمه كما هو واضح .
2 ـ لو اتّفقا على الطلاق والرجوع ، واختلفا في أصل ثبوت العدّة وعدمه باعتبار وقوع الدخول قبل الطلاق وعدمه ، فأنكرت الزوجة الدخول ، فلا تكون عليها العدّة ، ولا تكون له الرجعة ، ولو ادعى الزوج الدخول وأنّ الرجوع واقع في العدّة ، فالظاهر أنّ القول قولها بيمينها; لأنّ الدخول أمر حادث على تقديره ، والشك إنّما هو في حدوثه وعدمه ، فالقول قول من ينكر الحدوث ويرى عدم تحقّقه . لا يقال: إنّ الاختلاف إنّما هو في صحّة الرجوع وعدمها ، وقول الزوج موافق لأصالة الصحّة ، ضرورة أنّه يكون الرجوع في غير العدّة فاسداً ، فإنّه يقال: إنّ الاختلاف وإن كان في الصحّة وعدمها إلاّ أنّ منشأ الاختلاف وسببه إنّما هو وقوع الدخول وعدمه ، فمع جريان الأصل فيه لا مجال لجريانه في المسبّب بعد كون المسبب من الآثار الشرعية للسبب ، فالأصل الجاري هو الأصل في السبب ، ومنه
(الصفحة217)
مسألة 7 : الظاهر أنّ جواز الرجوع في الطلاق الرجعي حكم شرعي غير قابل للإسقاط ، وليس حقّاً قابلا له كالخيار في البيع الخياري ، فلو أسقطه لم يسقط ، وله الرجوع ، وكذلك إذا صالح عنه بعوض أو بغير عوض(1) .
يعلم أنّه لو اتفقا على وقوع البيع مثلا واختلفا في صحته وفساده; لأجل الشك في رعاية العربية وعدمها على تقدير اعتبارها مثلا ، فمدّعي الصحة يدّعي الرعاية ومدّعي الفساد العدم ، فلا مجال لتقديم قول مدّعي الصحّة ، بل يقدّم قول من يدّعي عدم الرّعاية ، فتقديم قول مدّعي الصحّة إنّما هو في صورة عدم جريان الأصل في السّبب .
1 ـ إنّ أقلّ ما يثبت في الحق السقوط بالإسقاط ، فإذا شككنا في شيء أنّه حقّ أو حكم فيتحقق الشك في أنّه يسقط بالإسقاط أو لا يسقط . ومن المعلوم أنّ مقتضى الأصل عدم السقوط لثبوته قبل الإسقاط والأصل بقاؤه ، ولا يكون قوله تعالى : {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ}(1) دالاًّ على كونه من باب الحقوق; لأنّه ليس في مقام البيان من هذه الجهة أصلا ، ولا يكون في شيء من الأخبار الواردة في هذا المجال إشعار بذلك .
وممّا ذكرنا تظهر الضابطة الكلية في دوران أمر بين الحقّ والحكم ، ولا منافاة بين كونه حكماً وبين كون المرعى جانباً واحداً كما في المقام ، حيث إنّ جواز الرجوع إنّما لوحظ فيه نفع الزوج فقط ، كما أنّه ظهر أنّ المصالحة عنه بعوض أو غير عوض لا تؤثّر في سقوطه .
(1) سورة البقرة: 2 / 228 .
(الصفحة218)
(الصفحة219)
كتاب
الخلـع والمبـاراة
(الصفحة220)
|