(الصفحة361)
مسألة 8: لا إشكال في أنّ ما إذا كان حقّه ديناً على عهدة المماطل فاقتصّ منه بمقداره برأت ذمّته ، سيّما إذا كان المأخوذ مثل ما على عهدته ، كما إذا كان عليه مقدار من الحنطة فأخذ بمقدارها تقاصّاً ، وكذا في ضمان القيميات إذا اقتصّ القيمة بمقدارها ، وأمّا إذا كان عيناً فإن كانت مثليّة واقتص مثلها فلا يبعد حصول المعاوضة قهراً على تأمّل .
وأمّا إذا كانت من القيميات كفرس مثلا واقتص بمقدار قيمتها ، فهل كان الحكم كما ذكر من المعاوضة القهرية ، أو كان الاقتصاص بمنزلة بدل الحيلولة ، فإذا تمكّن من العين جاز أخذها بل وجب ، ويجب عليه ردّ ما أخذ ، وكذا يجب على الغاصب ردّها بعد الاقتصاص وأخذ ماله؟ فيه إشكال وتردّد ، وإن لا يبعد
التي يجوز فيها بيع غير المالك ، كما لا يخفى .
ثمّ إنّه ظهر أنّه لو كان بيع مال المقتصّ منه بأزيد من مقدار حقّه وجب عليه ردّ الزائد إليه ، وقد عرفت حكم ضمانها في صورة التلف .
المقام الثاني: فيما لو لم يتوقّف أخذ مقدار حقّه على البيع ، بأن كانت قيمة المال بمقدار حقّه ، فلا إشكال حينئذ في جواز أخذه مقاصة لفرض التساوي ، وأمّا جواز البيع وأخذ القيمة مقاصّة أو اشتراء شيء من جنس ماله ثمّ أخذه مقاصة ، فقد استشكل فيه في المتن ، ثمّ جعل الأشبه عدم الجواز ، أي لا يجوز البيع في هذه الصورة مطلقا; لأنّ الجمع بين كون المقاصة على خلاف القاعدة ، وبين عدم توقّف أخذ مقدار الحقّ على البيع كما هو المفروض العدم ، خصوصاً مع أنّه لم يرد في شيء من الروايات جواز البيع ، كما لايخفى .
ومع أنّ الغرض الأصلي من المقاصة الوصول إلى مقدار المالية الذي هو المقصود بالاصالة نوعاً ، والمفروض أنّ قيمة المال الذي عنده بمقدار حقّه .
(الصفحة362)
جريان حكم بدل الحيلولة فيه1.
1 ـ في المسألة أيضاً مقامان:
المقام الأوّل: فيما إذا كان حقّه ديناً على عهدة المماطل بالمعنى الأعمّ من الجاحد ، وقد وقع الاقتصاص من ماله بمقداره ، وفي هذا المقام نفى الإشكال عن براءة ذمّته سواء كان المأخوذ مثل ما على عهدته ، كما إذا كان الدين مقداراً من الحنطة فأخذ بمقدارها تقاصّاً ، أو كان المأخوذ من غير جنس ما على عهدته ، كما في المثال المفروض إذا كان المأخوذ شعيراً مثلا وانحصرت المقاصّة به أو جازت; لأنّ الغرض من الاقتصاص ليس مجرّد وصول الدائن إلى ماله ، بل حصول البراءة من الدين للمديون أيضاً ، على أنّه لا يكاد يجتمع بين ملكيّة المال المأخوذ بعد الاقتصاص وبقاء الدين على عهدته ، وهكذا في ضمان القيميات إذا اقتصّ القيمة بمقدارها .
ثمّ إنّ قوله في المتن: «وكذا في ضمان القيميات . . .» يشعر بل يدلّ على أنّ العين المغصوبة التالفة في يد الغاصب تكون مضمونة بقيمتها إذا كانت قيمية ، مع أنّا قد حقّقنا في كتابنا في القواعد الفقهية في بحث ضمان اليد أنّه يمكن أن يقال بانّها مضمونة بنفسها ، وأنّ المستفاد من قاعدة «على اليد ما أخذت» نفس كون المأخوذ على العهدة(1) .
والثمرة تظهر في لزوم اداء قيمة يوم الاداء لا التلف ولا الغصب ولا غيرهما فراجع .
المقام الثاني: فيما إذا كان عيناً باقية في حال الاقتصاص تحت يد المماطل بالمعنى
(1) القواعد الفقهية: 1 / 90 ـ 91 .
(الصفحة363)
المذكور ، وقد فصّل في المتن بين ما إذا كانت مثلية واقتص مثلها ، فنفى البعد عن حصول المعاوضة القهرية على تأمّل ، وبين ما إذا كانت قيمية واقتص بمقدار قيمتها ، ففيه إشكال من جهة المعاوضة القهرية ، أو كان الاقتصاص بمنزلة بدل الحيلولة ، ونفى البعد عن الثاني . وقد مرّ كلام في هذا المجال من المحقّق العراقي في الرسالة(1) ، وعرفت أنّ الظاهر عدم كون الاقتصاص معاوضة قهرية ثابتة بالكتاب والسّنة(2) ، فراجع .
وإن كان يظهر من صاحب الجواهر الأوّل ، حيث قال فيها: وينبغي أن يلزمه انتقال مقابله إلى ملك الغاصب; لقاعدة عدم الجمع بين العوض والمعوّض عنه ، بل قد يشكل استحقاق الردّ عليه لو بذله له بعد ذلك ، بل لعلّه كذلك لو كان البذل من المالك استصحاباً لملك العوض، واحتمال كون الملك متزلزلا ـ نحو ما ذكروه في القيمة التي يدفعها الغاصب للحيلولة ـ مناف لقاعدة اللزوم بعد ظهور النصوص في ذلك ، بل يمكن دعواه أيضاً هناك ، ويجعل ما هنا دليلا عليه ، فتأمّل جيّداً(3) .
ويدفعه المنع من الجمع بين العوض والمعوّض بعد عدم تحقّق تسلّطه في زمان واحد إلاّ على واحد منهما ، ومجرّد الجمع في الملكية من دون أن يدلّ دليل هناك على ثبوت المعاوضة ليتحقق عنوان العوض والمعوّض ممنوع ، ويؤيّد عدم ثبوت المعاوضة أنّه ربّما تكون خصوصيات العين أو بعضها مطلوبة للمالك ، فإذا قلنا: بثبوت المعاوضة يلزم ارتفاع يده عنها ، بخلاف ما إذا كان على نحو بدل الحيلولة التي لا تكون الخصوصيات مرتفعة يده عنها بمجرّد تحقّق الحيلولة ، فالاعتبار
(1 ، 2) في ص352 ـ 353 .
(3) جواهر الكلام: 40 / 396 .
(الصفحة364)
مسألة 9: الأقوى جواز المقاصّة من المال الّذي جعل عنده وديعةً على كراهية ، والأحوط عدمه1.
يساعد على عدم التعارض; لأنّ غرض المالك يتحقّق معه دون المعاوضة القهرية .
ثمّ إنّه يترتّب على المعاوضة القهرية وبدل الحيلولة أنّه لو تمكّن المقاص من العين جاز أخذها ، ويجب عليه ردّ ما أخذ بدلها ، وكذا لا يجوز للغاصب التصرّف فيها بعد الاقتصاص ، بل يجب عليه الردّ إلى المغصوب منه بناءً على بدل الحيلولة بخلاف المعاوضة القهرية ، إلاّ أن يلزم بانفساخ المعاوضة حينئذ قهراً وهو كما ترى ، كما لايخفى .
1 ـ قال المحقّق في الشرائع : لو كان المال وديعة عنده ففي جواز الاقتصاص تردّد أشبهه الكراهة(1) ، وأضاف إليه في الجواهر(2) قوله: وفاقاً لأكثر المتأخّرين(3) .
وقد وردت فيه طائفتان من الأخبار:
الطائفة الاُولى: ما تدلّ على الجواز ، مثل: صحيحة أبي العبّاس البقباق المتقدّمة في ذيل المسألة الاُولى ، وكذا رواية علي بن سليمان المتقدّمة ، ومثل بعض الروايات الاُخر الشاملة بإطلاقها للوديعة كصحيحتي داود وأبي بكر المتقدّمتين(4) .
الطائفة الثانية: ما تدلّ على المنع:
(1) شرائع الإسلام: 4 / 896 .
(2) جواهر الكلام: 40 / 391 .
(3) قواعد الاحكام: 2 / 213 ، إيضاح الفوائد: 4 / 347 ، الدروس: 2 / 85 ـ 86 ، التنقيح الرائع: 4 / 269 ـ 270 .
(4) في ص348.
(الصفحة365)
مثل: رواية ابن أخي الفضيل بن يسار قال: كنت عند أبي عبدالله (عليه السلام)ودخلت امرأة ، وكنت أقرب القوم إليها ، فقالت لي: اِسأله ، فقلت: عمّاذا؟ فقالت: إنّ ابني مات وترك مالا كان في يد أخي فأتلفه ، ثمّ أفاد مالا فأودعنيه ، فلي أن آخذ منه بقدر ما أتلف من شيء؟ فأخبرته بذلك ، فقال: لا ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك(1) .
وموثقة سليمان بن خالد المتقدّمة المشتملة على قوله: إن خانك فلا تخنه ولا تدخل فيما عبته عليه(2) .
وصحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت له: الرجل يكون لي عليه حقّ فيجحدنيه ، ثمّ يستودعني مالا ، ألي أن آخذ مالي عنده؟ قال: لا ، هذه الخيانة(3) .
هذا مضافاً إلى الاطلاقات الواردة الدالّة على وجوب ردّ الأمانة وأدائها إلى صاحبها ، ولو إلى قاتل الحسين (عليه السلام) أو ضارب عليّ (عليه السلام) بالسيف(4) ، ويؤيّدها إطلاق الكتاب وعمومه ، مثل قوله تعالى: {إنَّ اللهَ يَأمُرُكُم أن تُؤَدّوا الأَمَانَاتَ إِلى أهلِهَا}(5) .
أقول: الظاهر في أمثال هذا المورد حمل الأخبار الناهية على الكراهة لظهورها في الحرمة ، وصراحة أخبار الجواز في الجواز ، والجمع العرفي بين النصّ والظاهر
(1) التهذيب: 6 / 348 ح981 ، الإستبصار: 3 / 172 ، الوسائل: 17/ 273 ، أبواب ما يكتسب به ب83 ح3 .
(2) التهذيب: 6 / 348 ح980 ، الإستبصار: 3 / 52 ح171 ، الوسائل: 17/ 274 ، أبواب ما يكتسب به ب83 ح7 .
(3) الفقيه: 3 / 114 ح483 ، الوسائل: 17/ 275 ، أبواب ما يكتسب به ب83 ح11 .
(4) وسائل الشيعة: 19/ 72 ـ 76 ، كتاب الوديعة ب2 ح2 ، 4 ، 8 ، 12 ، 13 .
(5) سورة النساء 4: 58 .
(الصفحة366)
يقتضي حمل الظاهر على النصّ ، فلا تصل النوبة إلى المرجّحات المذكورة في الأخبار العلاجية بعد كون موضوعها المتعارضين، والنصّ والظاهر ليسا كذلك ، فما عن النهاية(1) والغنية(2) والكيدري(3) والقاضي(4) من القول بعدم الجواز ، بل عن الغنية الإجماع عليه واضح الضعف ، وإن توقّف فيه في ظاهر المحكيّ عن الدروس(5) والرّوضة(6)، بل مال إليه الأردبيلي(7) .
وما يمكن أن يقال وجهاً للمنع: من أنّ الأدلّة بعد تعارض الخاصّة منها وتساقطها ، فالعمومات بينهما تعارض العموم والخصوص من وجه ولا ترجيح ، والأصل حرمة التصرّف في مال الغير ، وعدم تعيين الكلّي في ذمّة المديون بتعيين غيره ، يدفعه ما ذكرنا من عدم التعارض بين الأدلّة الخاصة بعد حمل الظاهر على النص ، فلا تصل النوبة إلى العمومات أصلا .
ودعوى أنّ روايات المنع صريحة في الحرمة وتأبى الحمل على الكراهة ، مدفوعة بأنّ الصراحة إمّا من ناحية الهيئة وإمّا من ناحية المادة أي المتعلّق للنهي ، أمّا الصيغة وهي النهي فلا إشكال في ظهورها في الحرمة لا صراحتها فيها ، وأما المتعلّق أو التعليل في بعضها وهي الخيانة فقد عرفت أنّ التعبير بها أو بالظلم إنّما هو للمشابهة ، لا أنّ المقاصّة خيانة واقعاً وظلم كذلك ، بل هو مثل الاعتداء في الآية
(1) النهاية: 307 .
(2) غنية النزوع: 240 .
(3) إصباح الشيعة: 284 .
(4) لم أجده في المهذّب ، نعم نقل عن ابن البرّاج الصيمري في غاية المرام: 4 / 254 ، فلعلّه نقل عن كامله .
(5) الدروس : 2 / 85 ـ 86 .
(6) الروضة البهيّة: 3 / 242 .
(7) مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 107 ـ 110 .
(الصفحة367)
الشريفة(1) ، ضرورة عدم كونه اعتداءً حقيقة . فأخبار المنع ظاهرة في الحرمة قابلة للحمل على الكراهة .
اللهمّ إلاّ أن يقال: إنّ الكراهية الثابتة بعد حمل أخبار النهي على الحرمة لا تجتمع مع ما في صحيحة البقباق من قوله: أمّا أنا فأحبّ أن تأخذ وتحلف(2) بعد ظهور قوله: «أحبّ» في الاستحباب ، ووضوح عدم دخالة الحلف في ذلك ، فهي ظاهرة في الاستحباب الذي لا يجتمع مع الكراهة ، فالمعارضة متحقّقة .
أقول: هذه المعارضة ـ مضافاً إلى أنّها لا تنتج الحرمة لخروجها عن الطرفين اللذين هما الاستحباب والكراهة ـ لازمها الحكم بالكراهة; لأنّه لم يقل أحد بالاستحباب، فالشهرة بل الإجماع على خلافه(3) ، فاللاّزم ثبوت الكراهة ، فتدبّر جيّداً.
بل قال صاحب الجواهر (قدس سره): لولا شهرة الكراهة لأمكن المناقشة فيها بظهور قوله (عليه السلام): «أمّا أنا فأحبّ أن تأخذ وتحلف» في عدمها ، مع احتمال حمل ما دلّ على النّهي عن خيانة من خان على ما لو استحلفه ، فإنّه لا يجوز حينئذ المقاصّة ، كما أومأ إليه في خبر عبدالله بن وضاح مع اليهودي الذي حلّفه ، ثمّ وقع له عنده أرباح تجارة دراهم كثيرة ، فسأل أبا الحسن (عليه السلام) عن ذلك . فقال له: «إن كان ظلمك فلا تظلمه ، ولولا أنّك رضيت بيمينه فحلّفته لأمرتك أن تأخذ من تحت يدك»(4) ، وهو
(1) سورة البقرة 2: 194 .
(2) التهذيب: 6 / 347 ح979 ، الإستبصار: 3 / 53 ح174 ، الوسائل: 17/ 272 ، أبواب ما يكتسب به ب83 ح2 .
(3) مستند الشيعة: 2 / 600 ـ 601 ، رياض المسائل: 9 / 371 .
(4) الكافي: 7 / 430 ح14 ، الوسائل: 27 / 246 ، أبواب كيفيّة الحكم ب11 ح2 .
(الصفحة368)
مسألة 10: جواز المقاصّة في صورة عدم علمه بالحقّ مشكل ، فلو كان عليه دين واحتمل أداءَه يشكل المقاصّة ، فالأحوط رفعه إلى الحاكم ، كما أنّه مع جهل المديون مشكل ولو علم الدائن ، بل ممنوع كما مرّ ، فلابدّ من الرفع إلى الحاكم1.
دليل آخر أيضاً على جواز المقاصة، كما هو واضح(1) .
هذا ، ولكن مع ذلك يكون مقتضى الاحتياط الاستحبابي العدم ، خروجاً من خلاف المانعين المتقدّمين، ودعوى الإجماع من الغنية على ما عرفت .
1 ـ أمّا الاشكال في صورة عدم العلم بالحقّ ، ففيما إذا كان غير عالم بأصل الحقّ أصلا بمعنى عدم العلم بأنّه صار مديوناً له أم لا فواضح; لأنّ عنوان المقاصة فرع كونه مديوناً له ، فالمقاصة في صورة الشك كالقصاص ممّن يحتمل كونه قاتلا عمداً مع عدم ثبوته .
وأمّا إذا كان عالماً بأصل الحقّ سابقاً ، واحتمل تحقّق الأداء من المديون ، فيمكن أن يقال: بأنّه يكفي في إحراز عدم الأداء الاستصحاب ، إلاّ أن يقال: بأنّ ظاهر روايات التقاص(2) عدم كفاية مطلق الإحراز ، بل لابدّ وأن يكون بالعلم الوجداني أو الإطمئنان الذي يعامل معه معاملة العلم عند العرف والعقلاء ، فإذا قامت بيّنة غير مفيدة للاطمئنان على ثبوت الدين فضلا عن الأصل ، لا يكفي في جواز التقاصّ بل لابدّ من العلم أو الاطمئنان ، وعليه فلا تسوغ المقاصّة مع استصحاب بقاء الدين على عهدة المديون وعدم أدائه ، وعليه فيكون العلم أو
(1) جواهر الكلام: 40 / 393 ـ 394 .
(2) الوسائل: 17 / 272 ـ 276 ، أبواب ما يكتسب به ب83 .
(الصفحة369)
مسألة 11: لا يجوز التقاص من المال المشترك بين المديون وغيره إلاّ باذن شريكه ، لكن لو أخذ وقع التقاص وإن أثم ، فإذا اقتصّ من المال المشاع صار شريكاً لذلك الشريك إن كان المال بقدر حقّه أو أنقص منه ، وإلاّ صار شريكاً مع المديون وشريكه ، فهل يجوز له أخذ حقّه وإفرازه بغير إذن المديون؟
الاطمئنان له دخل موضوعي في الحكم بالجواز ، فتدبّر فإنّه لا غرو في ذلك بعد كون المقاصّة على خلاف القاعدة، كما عرفت(1) مراراً .
وأمّا جعل الأحوط الرفع الوجوبي إلى الحاكم ، فهو يغاير ما تقدّم منه في شروط سماع الدعوى من أنّه من جملة الشروط الجزم بالدّعوى(2) ، فكيف يمكن له إقامة الدّعوى مع عدم الجزم بثبوتها ، أو ما يقوم مقام الجزم على ما عرفت في السابق(3)، خصوصاً في الصورة الاُولى؟
وأمّا الإشكال في صورة جهل المديون ولو مع علم الدائن بل ممنوعيته فلما عرفت في شرح المسألة الاُولى من أنّ مورد المقاصّة صورة جحد المديون أو مماطلته ، كما وقع التعبير بالجحد في مورد جملة من الرّوايات المتقدّمة(4) ، خصوصاً مع أنّ المقاصّة أمر على خلاف القاعدة، كما أشرنا إليه مراراً .
ومن فرض المسألة يعلم أنّ الرفع إلى الحاكم في صورة علم الدائن هنا ممكن; لأنّ المدّعي إنّما يدعيه بصورة الجزم ، وقد عرفت صور جواب المدّعى عليه وإنّ من جملتها الجواب بقوله: لا أدري(5) ، ومسائل هذا الجواب فراجع .
(1) مثل ص347.
(2 ، 3) في الشرط الثامن وشرحه .
(4) الوسائل: 17 / 274 ـ 276 ، أبواب ما يكتسب به ب83 ح5 ، 6 ، 10 ، 11 ، 13 .
(5) في المسألة 4 من مسائل «القول في السكوت . . .» .
(الصفحة370)
الظاهر جوازه مع رضا الشريك1.
1 ـ إذاكان المال مشتركاً بين المديونوغيره فلايجوزالتقاص منه إلاّباذن الشريك; لاستلزامه التصرّف في المال المشترك ، وهو لا يجوز بدون إذن الشريك ، وهو حرام قبل تحقّق القسمة ; لأنّ التقاص متقوّم بالأخذ بقصده ولا يتحقّق بمجرّد القصد . لكن لو ارتكب المحرّم وأخذ المال المشترك بدون إذن الشريك وبقصد التقاص يترتّب عليه مجرّد الإثم ، ولا يكون تصرّفاً في مال الغير المحرّم ، بل تصرّفاً في المال المشترك بدون إذن الشريك ، وهو ليس كالأوّل في الحرمة; لوضوح وجود الفرق بين التصرّف في مال الغير وبين التصرّف في مال نفسه المشترك بينه وبين غيره .
وممّا ذكرنا ظهر أنّ جواز التقاص من المال المشترك لا يكون مقيّداً بإذن الشريك ، فإنّ جواز المقاصة مطلق ، وإنّما المتوقّف على إذن الشريك جواز التصرّف في المال المشترك .
ثمّ إنّه ذكر أنّه إذا اقتصّ من المال المشترك أي بإذن الشريك بناءً على ما هو ظاهر عبارته ، فإن كان المال المشترك بقدر حقّه أو أنقص منه صار شريكاً لذلك الشريك ، ويترتّب عليه أحكام المال المشترك ، وإن كان أزيد من حقّه تتحقّق الشركة بين أشخاص ثلاثة منهم المقتصّ منه ، فهل يجوز للمقتصّ أخذ حقّه وإفرازه بغير إذن المديون الشريك أيضاً؟ استظهر الجواز مع رضا الشريك الآخر ، والوجه فيه انّ التقاص إنّما هو للوصول إلى ماليّة ماله; لفرض جحود المديون أو مماطلته ، فإذا فرض أنّ جواز التصرّف في ماله متوقف على إذن المديون ، يلزم نقض الغرض خصوصاً في صورة الجحود; لأنّه لا يكاد يجتمع الجحود مع الإذن في المال المشترك كما لايخفى ، فما استظهره الماتن (قدس سره) من الجواز أي جواز الإفراز مع رضا شريك المديون فقط في محلّه، فتدبّر .
(الصفحة371)
مسألة 12: لو كان له حقّ ومنعه الحياء أو الخوف أو غيرهما من المطالبة فلايجوز له التقاص، وكذالوشك في أنّ الغريم جاحد أومماطل لايجوز التقاص1.
مسألة 13: لا يجوز التقاص من مال تعلّق به حقّ الغير كحقّ الرهانة وحقّ الغرماء في مال المحجور عليه ، وفي مال الميّت الذي لا تفي تركته بديونه2.
1 ـ لا يجوز التقاص مع ثبوت الحقّ ، غاية الأمر منع الحياء أو الخوف أو غيرهما من المطالبة; لأنّ مورد الروايات المتقدّمة(1) الدالّة على مشروعية المقاصّة ـ مع كونها على خلاف القاعدة على ما عرفت(2) ـ هي صورة الجحد والإنكار أو المماطلة والمسامحة ، فالمانع عن الأداء إنكار أصل الدين أو الأمر الموجب للتأخير ، وأمّا لو كان المانع هو الحياء أو الخوف أو غيرهما فهو خارج عن مورد أدلّة جواز التقاصّ ، خصوصاً مع الاطمئنان بالأداء على تقدير المطالبة ، وهكذا لو شك في أنّ الغريم جاحد أو مماطل ، واحتمال الأداء على فرض المطالبة ، فإنّه أيضاً خارج عن مورد الأدلّة الدالة على المشروعية .
2 ـ غير خفيّ أنّ التقاص إنّما يكون مورده ما إذا كان المال للمقتص منه ، من دون أن يكون متعلّقاً لحقّ الغير ، فإنّ التقاص من مثله يوجب تضييع حقّ الغير كحقّ الرهانة مثلا ، فإنّ العين المرهونة لابدّ وأن تكون عند المرتهن وثيقة للدين ، بحيث إذا لم يؤدّ المديون دينه لكان استفادة الدين منها للمرتهن ممكنة ، وهذا لا يكاد يجتمع مع المقاصة منها . وكذا المثالان الأخيران ، كثبوت حقّ الغرماء في مال المحجور عليه وثبوت حقّهم في مال الميّت الذي لا تفي تركته بديونه ، فإنّ المقاصّة
(1 ، 2) في ص347 ـ 349.
(الصفحة372)
مسألة 14: لا يجوز لغير ذي الحقّ التّقاص إلاّ إذا كان وليّاً أو وكيلا عن ذي الحقّ ، فللأب التقاص لولده الصغير أو المجنون أو السّفيه في مورد له الولاية ، وللحاكم أيضاً ذلك في مورد ولايته1.
من مال المحجور عليه أو الميت تنافي حقّ الغرماء ، إلاّ أن يقال: إنّه حينئذ يكون كأحد من الغرماء لغرض العلم بأنّه دائن والغريم مديون ، وإن كان بينه وبينهم فرق من جهة أنّ الغرماء عبارة عمّن ثبت عند الحاكم كونه دائناً ، وإلاّ لا يحكم بكونه محجوراً ، أو أنّه لا تفي تركة الميت بديونه ، ولا يعتبر في المقاصة ذلك ، بل لا تحتاج إلى إذن الحاكم مطلقاً أو في بعض فروضها قطعاً ، كما إذا كان للغريم على الغارم أيضاً دَينٌ ، فأراد الغارم الاحتساب عمّا عليه مقاصّة كما لايخفى ، وسيأتي(1) إن شاء الله تعالى .
1 ـ من الواضح أنّ من لا يكون له حقّ على المقتص منه لا يجوز له التقاص ، بل لا يتحقّق عنوان المقاصّة أصلا; لأنّه كعنوان القصاص ممّن لا يكون قاتلا أصلا; لأنّ عنوان التقاص والقصاص والقصّة كلّها من مادّة واحدة يعتبر فيها وقوع عمل شبه العمل الواقع أو حكاية عمل قد وقع . ومن الواضح أنّه مع عدم ثبوت الحقّ بوجه لا يكاد يصدق هذا العنوان .
نعم إذا كان وليّاً شرعياً فيجوز له التقاص بالإضافة إلى المولّى عليه ، فإذا كان للصغير حقّ على غيره وهو يجحد أو يماطل فلأبيه أو جدّه من قبله التقاص للصغير من مال الغريم ، وهكذا بالنسبة إلى الوكيل إذا كانت دائرة توكيله شاملة لمثل التقاص ، وكذا الحاكم في مورد ثبوت الولاية له كالمجنون غير المتصل جنونه
(1) في المسألة 15.
(الصفحة373)
مسألة 15: إذا كان للغريم الجاحد أو المماطل عليه دين، جاز احتسابه عوضاً عمّا عليه مقاصّة إذا كان بقدره أو أقلّ وإلاّ فبقدره ، وتبرأ ذمّته بمقداره1.
مسألة 16: ليس للفقراء والسادة المقاصّة من مال مَن عليه الزكاة أو الخمس أو في ماله إلاّ باذن الحاكم الشرعي ، وللحاكم التقاصّ ممّن عليه أو في ماله نحو ذلك وجحد أو ماطل ، وكذا لو كان شيء وقفاً على الجهات العامّة أو العناوين الكلّية وليس لها متولٍّ لا يجوز التقاص لغير الحاكم ، وأمّا الحاكم فلا إشكال في
بصغره ، خصوصاً مع أنّ الغرض الأصلي من المقاصة وصول الحقّ إلى ذيه ولو بماليته ، كما مرّ مراراً .
1 ـ إذا كان للغريم الجاحد أو المماطل على المقتصّ دَينٌ ، ففي المتن أنّه يجوز احتسابه عوضاً عمّا عليه مقاصّة إذا كان بقدره أو أقل وإلاّ فبقدره .
ويمكن أن يقال بوقوع التهاتر قهراً من دون افتقار إلى الاحتساب أصلا ، فإذا كان الدين الثابت على المقتص ألف درهم مثلا ، وللمقتص على المقتص منه ألف درهم يتحقّق التهاتر القهري وإن لم يحتسب المقتصّ ، إلاّ أن يقال: إنّه قد لا يكون المقتصّ بصدد التقاص; لأجل عدم اقتضاء شأنه ذلك أو لغيره من الجهات . وقد عرفت(1) أنّ التقاص متقوّم بالقصد كالقصاص ، فإنّه تارةً يقتل القاتل لأجل كونه قاتلا وتارةً يقتل لغير ذلك . وعليه فاللاّزم القول بجواز الاحتساب من دون تحقق التهاتر قهراً ، وعلى أيّ حال أي سواء وقع التهاتر كذلك أو احتسب مقاصّة تبرأ ذمّة المقتص منه بمقداره ، كما لايخفى .
(1) في ص370 .
(الصفحة374)
جواز مقاصّته منافع الوقف . وهل يجوز المقاصّة بمقدار عينه إذا كان الغاصب جاحداً أو مماطلا لا يمكن أخذها منه، وجعل المأخوذ وقفاً على تلك العناوين؟ وجهان ، وعلى الجواز لو رجع عن الجحود أو المماطلة فهل ترجع العين وقفاً وتردّ ما جعله وقفاً إلى صاحبه أو بقى ذلك على الوقفية وصار الوقف ملكاً للغاصب؟ الأقوى هو الأوّل، والظاهر أنّ الوقف من منقطع الآخر ، فيصحّ إلى زمان الرجوع1.
1 ـ يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين:
المقام الأول: في جواز مقاصة الفقراء من مال مَن عليه الزكاة أو في ماله ، والسّادة من مال مَن عليه الخمس أو في ماله أي سهم السادة أو مستحقّي سهم الإمام (عليه السلام)من مال من عليه السهم أو في ماله ، فإنّ المقتص منه لو كان جاحداً أو مماطلا يجوز ذلك لهم بإذن الحاكم الشرعي ، كما أنّه مع عدم الجحود أو المماطلة كان جواز الأخذ متوقّفاً على إذن الحاكم خصوصاً في سهم الإمام (عليه السلام) . وكذا للحاكم نفسه المقاصّة من المذكورين الجاحدين أو المماطلين .
والسرّ في ذلك أنّ جواز أخذ المذكورات للمذكورين يحتاج إلى إذن الحاكم الشرعي على الأقوى أو على الاحتياط الوجوبي ، كما ذكرنا الأخير في التعليقة على العروة الوثقى(1) بالإضافة إلى سهم السّادة ، وإن كان ظاهر الآية الشريفة(2)بالإضافة إلى الزكاة والخمس ثبوتهما بنحو الشركة ، كما هو أحد الأقوال والاحتمالات فيهما; للتعبير باللاّم الظاهرة في الملكيّة التي لا تكاد تنطبق فيهما إلاّ
(1) الحواشي على العروة الوثقى: 195 .
(2) سورة الأنفال 8: 41، سورة التوبة 9: 60 و 103.
(الصفحة375)
على الكسر المشاع ، إلاّ أنّه حيث تكون العناوين المأخوذة في آيتي الزكاة والخمس ثابتة بنحو المصرف ، بحيث يكفي الصرف في أحدها ولا يلزم الصرف في الجميع .
ومن ناحية اُخرى بما أنّه يكون تعداد مصاديقها كثيراً وغير قابل للإحصاء ظاهراً لابدّ وأن يكون الحاكم أو إذنه معتبراً ولو احتياطاً .
وممّا ذكرنا ظهر الجواز لنفس الحاكم مع رعاية شرائط المقاصّة التي تكون عمدتها الجحود أو المماطلة ، كما لايخفى .
المقام الثاني: في جواز المقاصة بالإضافة إلى العين الموقوفة على الجهات العامة والعناوين الكلّية كالفقراء والعلماء مثلا ، فإن لم يكن له متولٍّ خاصّ وكان أمره إلى الحاكم ، فإن أمكن له أخذ العين وردّها إلى ما قبل وجعل المأخوذ وقفاً على تلك العناوين فاللاّزم ذلك ، وإن لم يمكن مع فرض جحود الغاصب أو مماطلته ، فإن أمكن له التقاص من منافع العين الموقوفة وصرفه في تلك العناوين فاللاّزم ذلك .
وهل تجوز المقاصّة بمقدار العين إذا كان الغاصب جاحداً أو مماطلا؟ قد احتمل فيه وجهين ناشئين من أنّ الحاكم هنا بمنزلة المقتصّ صاحب العين أو الدين في سائر الموارد ، فلِمَ لا تجوز المقاصة من الحاكم؟ ومن أنّ جعل الحاكم المأخوذ وقفاً على تلك العناوين مع عدم كونه مالكاً أو شبهه على خلاف القاعدة جدّاً ، خصوصاً في مثل المقام ممّا لم يكن المال المأخوذ ملكاً لواحد منهم ، بل الغرض وصول منافعه إليهم . وقد فرض جواز التقاص من منافع العين الموقوفة بخلاف التقاص في سائر الموارد ، حيث يكون جواز التصرّف للمقتصّ مطلقا متوقّفاً على الملكيّة ، ولذا التزم صاحب الجواهر (قدس سره) في كلامه المتقدّم
(الصفحة376)
مسألة 17: لا تتحقق المقاصّة بمجرّد النيّة بدون الأخذ والتسلّط على مال الغريم ، نعم يجوز احتساب الدين تقاصّاً كما مرّ ، فلو كان مال الغريم في يده أو يد غيره فنوى الغارم تملّكه تقاصّاً لا يصير ملكاً له ، وكذا لا يجوز بيع ما في يد
بالمعاوضة القهرية(1) وإن ناقشنا فيه، فراجع لا يبعد اختيار الاحتمال الثاني لما ذكرنا .
ثمّ إنّ قوله: «وجعل المأخوذ وقفاً» إنّما يكون عطفاً على قوله: «المقاصّة» لا أنّه عطف على المنفيّ ، والشاهد عليه ـ مضافاً إلى أنّه لا يحتاج إلى الوقف ثانياً ـ قوله: «وتردّ ما جعله وقفاً إلى صاحبه» الظاهر في أنّه وقف ثانوي صادر من الحاكم ، فتدبّر .
ثمّ إنّه على تقدير الجواز لو رجع المقتصّ منه عن الجحود أو المماطلة ، فهل ترجع العين وقفاً وتردّ ما جعله وقفاً إلى صاحبه أو بقي ذلك على الوقفية وصار الوقف ملكاً للغاصب؟ فيه وجهان ، جعل في المتن الأقوى الأول ، والوجه فيه أنّ العين الموقوفة المغصوبة لا تخرج عن الوقفية ولو بالغصب ، والجحود أو المماطلة لا دخل لهما في الخروج عن ذلك سيّما المماطلة ، كما أنّه لا دخل لهما في زوال ملكية المالك ، وإلاّ لا يبقى مجال للمقاصة أصلا ، كما لايخفى ، ولا مجال لدعوى بقاء العين على الوقفية وصيرورتها مع ذلك ملكاً للغاصب .
ثمّ إنّ الماتن (قدس سره) استظهر بعد ذلك أنّ الوقف الصادر من الحاكم من منقطع الآخر الصحيح في مقابل منقطع الأوّل أو الوسط الباطلين، فيصح إلى زمان الرجوع أي الرجوع عن الجحود ، والوجه فيه واضح لا يخفى .
(1) في ص363 ـ 364.
(الصفحة377)
الغير منه بعنوان التقاص من الغريم1.
مسألة 18: الظاهر أنّ التقاص لا يتوقف على إذن الحاكم ، وكذا لو توقف على بيعه أو إفرازه يجوز كلّ ذلك بلا إذن الحاكم2.
1 ـ قد عرفت أنّ المقاصّة متقوّمة بالأخذ والقصد(1) ، فلا تتحقّق بمجرّد النّية ، لأنّها عبارة عن مثل فعله كالقصاص الذي هو عبارة عن قتل القاتل عمداً ، فلو كان مال الغريم في يد نفسه أو في يد غيره الأجنبي ، فنوى الغارم تملّكه تقاصّاً لا يصير ملكاً له ، وكذا لا يجوز بيع ما في يد الغير منه أو من غيره بهذا العنوان ، فاللاّزم الأخذ وقصد المقاصّة ، ولا يكفي مجرّد الأخذ أيضاً; لأنّه ربّما لا يكون الغارم بصدد التقاص; لأنّه ليس من شأنه ذلك; لأجل كونه خيانة ظاهراً وإن لا يكون كذلك واقعاً أو لغير هذه الجهة .
نعم يجوز احتساب الدين تقاصّاً ، بل كما ذكرنا سابقاً يقع التهاتر القهر ى احتمالا من دون الاحتساب الذي لا يقع إلاّ بالنيّة .
2 ـ وجه الظهور إطلاق أدلّة المشروعيّة الدالّة على أنّ الشارع أذن في ذلك مطلقاً من غير اعتبار المراجعة إلى الحاكم والاستئذان منه . نعم قد عرفت(2) أنّه مع سهولة المرافعة إلى الحاكم وإقامة البيّنة على حقّه لا تجوز المقاصّة ، بل يتعيّن الترافع حينئذ وأخذ الحقّ من طريق القضاء .
وإن شئت قلت: في صورة جواز المقاصة قد أذن الشارع في ذلك ، ولا حاجة إلى
(1) في ص370 ـ 373.
(2) في ص351 .
(الصفحة378)
مسألة 19: لو تبيّن بعد المقاصّة خطؤه في دعواه يجب عليه ردّ ما أخذه أو ردّ عوضه مثلا أو قيمته لو تلف ، وعليه غرامة ما أضرّه من غير فرق بين الخطأ في الحكم أو الموضوع ، ولو تبيّن أنّ ما أخذه كان ملكاً لغير الغريم يجب ردّه أو ردّ عوضه لو تلف1.
إذن الحاكم خصوصاً مع أنّ التقاص كما عرفت مراراً يكون على خلاف القاعدة المقتضية لعدم جواز التصرّف في مال الغير بغير إذنه ، وخصوصاً مع أنّه بعد الرجوع إلى الحاكم والاستئذان منه إمّا أن يكون ملتزماً بالإذن بالإضافة إلى الجميع ، فيلزم لغوية لزوم الاستئذان ، وأمّا أن لا يكون ، فيلزم التبعيض من غير وجه مضافاً إلى أنّ الجهة الموجبة لعدم الاذن كاثارة الفتنة ونحوها لا ربط لها بالتقاصّ كما مرّ .
هذا فيما إذا لم يتوقّف على البيع أو الإفراز ، وأمّا لو توقّف على شيء من ذلك فالظاهر أيضاً عدم التوقّف على الإذن; لعدم الدليل عليه خصوصاً مع أنّ البيع أو الافراز غير مصرّح بجوازه في شيء من الروايات المتقدّمة(1) ، فتدبّر جيّداً .
ثمّ إنّك عرفت(2) مراراً أنّ قاعدة نفي الضرر أجنبيّة عن مثل المقام ، فلا يجوز التمسّك بها كما لا يخفى .
1 ـ في هذه المسألة صورتان:
الاُولى: ما إذا تبيّن بعد المقاصّة خطأ المقتص النادم فيما يعتقده ويدّعيه من ثبوت
(1) في ص347 ـ 349.
(2) في ص354 .
(الصفحة379)
مسألة 20: تجوز المقاصّة من العين أو المنفعة أو الحقّ في مقابل حقّه من أيّ نوع كان ، فلو كان المطلوب عيناً يجوز التقاصّ من المنفعة إذا عثر عليها أو الحقّ كذلك وبالعكس1.
حقّ له على الغريم ، وأنّه لم يكن له حقّ عليه عند المقاصّة ، ويجب عليه حينئذ ردّ ما أخذه إن كان موجوداً ولم يتحقّق نقله إلى الغير ، وردّ عوضه مثلا أو قيمته لو تلف أو نقل إلى الغير بالنقل اللازم من دون فرق بين أن يكون الخطأ في الحكم أو الموضوع ، والوجه فيه واضح .
الثانية: ما إذا تبيّن له بعد المقاصّة أنّ المأخوذ لم يكن ملكاً للغريم بل لغيره ، وكان يعتقد أنّه ملك للغريم . ومن المعلوم أنّه لم تتحقق المقاصّة حينئذ; لأنّه لا معنى لها بالإضافة إلى مال الغير ، وإن كان من حواشيه كأبيه أو ابنه مثلا فيجب عليه ردّه أو ردّ عوضه مثلا أو قيمته لو تلف أو مثله .
1 ـ لا تعتبر في المقاصّة إلاّ المماثلة في المالية ، ولا تعتبر المماثلة من جهة العين أو المنفعة أو الحقّ ، فلو كان المطلوب عيناً يجوز التقاص من المنفعة إذا عثر عليها أو الحقّ كذلك وبالعكس ، بل لا تعقل المماثلة من جميع الجهات في بعض صور المقاصّة ، فإذا كان المطلوب عيناً لا تتحقق المماثلة معها في الجميع خصوصاً بعد كون خصوصيات العين مقصورة ، فالمعتبر في المقاصة المماثلة في المالية .
نعم قد عرفت أنّه مع إمكان المقاصة من المثل في المثلي الكلي ، يشكل التقاص من جنس آخر ، كالتقاص من الشعير فيما لو كان عليه حنطة مع إمكان التقاص من الحنطة التي هي من جنسها(1) ، كما لا يخفى .
(1) في ص355.
(الصفحة380)
مسألة 21: إنّما يجوز التقاص إذا لم يرفعه إلى الحاكم فحلّفه ، وإلاّ فلا يجوز بعد الحلف ، ولو اقتص منه بعده لم يملكه1.
ثمّ إنّه ربّما يقال بقصور أدلّة المقاصة عن الدلالة على جوازها من غير جنس حقّه; نظراً إلى صحيحة أبي بكر الحضرمي المتقدّمة الواردة في الدراهم من الطرفين ، وصحيحة داود بن رزين المتقدّمة المشتملة على قوله: «خذ مثل ذلك»(1) ، مضافاً إلى آية الاعتداء(2) والمعاقبة(3) المشتملتين على التعبير بالمماثلة ، ولا تصدق المماثلة فيما إذا كان المطلوب عيناً واُريد التقاص من الحقّ ، ولكن ضعف هذا القول ظاهر بعد وضوح أنّ المراد بالمماثلة هي المماثلة في المقدار ، بمعنى عدم الزيادة على المطلوب ، وإلاّ يلزم عدم استفادة مشروعية التقاص فيما إذا لم يتمكّن من الجنس من أمثال هذه الأدلّة ، مع أنّه من الواضح خلافه ، بل يلزم عدم مشروعية المقاصة في مقدار أقلّ من الحقّ .
1 ـ غير خفي أنّه إذا رفع الأمر إلى الحاكم ولم يكن بيّنة للمدّعي ، ووصلت النوبة إلى حلف المدّعى عليه فحلّفه الحاكم وحلف ، وحكم الحاكم على طبق حلفه بعدم كونه غاصباً أو مديوناً ، لا يجوز للدائن ـ وإن كان يرى نفسه فيما بينه وبين الله دائناً ـ المقاصة من مال المديون; لاقتضاء فصل الخصومة الحاصل بحكم الحاكم ذلك ، وإن كان لا يصير الغاصب مالكاً للعين واقعاً ، والمديون بريئاً من الدين كذلك ، وقد ورد في بعض الروايات النبوية الصحيحة المشتملة على قوله (صلى الله عليه وآله): إنّما
(1) تقدّمتا في ص348.
(2) سورة البقرة 2: 194 .
(3) سورة النحل 16: 126 .
|