(الصفحة341)
فيما يحتاج إليه ، كالحكم على الغائب وأنّه على حجّته1.
1 ـ لا فرق فيما مرّ من القضاء التنفيذي بين أن يكون حكم الحاكم الأوّل بين المتخاصمين مع حضورهما، وبين حكمه على الغائب بعد إقامة المدّعي البيّنة، وقد مرّ البحث في جواز الحكم على الغائب(1) ، وحينئذ فتجوز شهادة البيّنة على صدور الحكم على الغائب عند الحاكم الثاني ، غاية الأمر أنّه لابدّ للشاهدين من حفظ جميع خصوصيات المدّعي والمدّعى عليه والمدّعى به بما يخرج كلّ واحد من هذه الاُمور عن الإبهام والإجمال .
وظاهر العبارة ـ خصوصاً بملاحظة اللابدية الآتية فيها ـ أنّ هذه اللابدية إنّما هي في خصوص صورة الحكم على الغائب، مع أنّ الظاهر تحقّقها في كلتا الصورتين، فانّه في صورة حضور المتخاصمين لابدّ من حفظ خصوصياتهما وخصوصيّات المدّعى به في الحكم التنفيذي .
نعم لا يعتبر في غير الحكم على الغائب حفظ الشاهدين وخصوصياتهما، بل تكفي الشهادة على حكم الأوّل وإن لم يُعرف الشاهدان أصلا . وأمّا في الحكم على الغائب فيعتبر ذلك نظراً إلى أنّ الغائب على حجّته ، ويمكن له قدح الشاهدين أو أحدهما ، كما قد تقدّم في الحكم على الغائب .
ثمّ إنه قد ظهر ممّا ذكر في هذا الفصل أنّ جعل عنوانه «كتابة قاض إلى قاض» لا ينبغي ، وان جعل عنوانه «القضاء التنفيذي» لكان أولى ، والسرّ فيه أنّه جعل القضاء بالكتابة غير مشروع ، وكتابة قاض إلى قاض غير مؤثِّرة ، ولو في صورة العلم بأنّه الكاتب وأنّه أراد المفاد ، فتدبّر جيّداً .
(1) تقدّم في «القول في شروط سماع الدعوى» مسألة 5 و 6 .
(الصفحة342)
مسألة 8: لو اشتبه الأمر على الحاكم الثاني; لعدم ضبط الشهود له ما يرفع به الإبهام أوقف الحكم حتى يتّضح الأمر بتذكّرهما أو بشهادة غيرهما1.
مسألة 9: لو تغيّرت حال الحاكم الأوّل بعد حكمه بموت أو جنون ، لم يقدح ذلك في العمل بحكمه ، وفي لزوم إنفاذه على حاكم آخر لو توقّف استيفاء الحقّ عليه ، ولو تغيّرت بفسق فقد يقال: لم يعمل بحكمه أو يفصّل بين ظهور الفسق قبل إنفاذه فلم يعمل أو بعده فيعمل ، والأشبه العمل مطلقا كسائر العوارض ، وجواز إنفاذه أو وجوبه2.
1 ـ من الواضح أنّه لو اشتبه الأمر على الحاكم الثاني; لعدم ضبط الشهود ما يرفع به الإبهام عن أحد الاُمور التي تقدّم ـ أنّه لابدّ أن يكون خالياً عن الإبهام والإجمال ـ لا يجوز له الإنفاذ حتى يتّضح الأمر بتذكّرهما أو بشهادة غيرهما، كما لايخفى .
2 ـ لو تغيّرت حال الحاكم الأوّل بعد إنشائه الحكم ورفع التنازع وفصل الخصومة ، فتارةً يكون التغيّر بموت أو جنون ، واُخرى بزوال العدالة وعروض الفسق ، فإن كان بالأوّل فالظاهر عدم قدح ذلك في العمل بحكمه ، وفي لزوم إنفاذه على حاكم آخر إذا توقّف استيفاء الحقّ عليه; لأنّ اعتبار الحياة وعدم الجنون إنّما يلاحظ بالإضافة إلى حال الإنشاء وحال صدور الحكم ، وأمّا عروضهما أو أحدهما بعد الإنشاء فلا دخل له في اعتبار الإنشاء المصحّح للحكم بالإنفاذ من الحاكم الثاني ، كما لايخفى .
وإن كان بالثاني ، فمقتضى القاعدة هو الحكم في الصورة الاُولى من أنّ الملاك حال الإنشاء من جهة اعتبار صفات القاضي التي منها العدالة ، لكن المحقّق في
(الصفحة343)
الشرائع وجماعة أخرى ذكروا أنّه إن تغيّر بفسق لم يعمل بحكمه(1) ، وفي محكيّ المسالك أنّهم فرّقوا بينه وبين الموت ، بأنّ ظهور الفسق يشعر بالخبث وقيام الفسق يوم يرفع الحكم(2) .
هذا ، ولكنّ الظاهر ـ مضافاً إلى عدم تمامية الإشعار المذكور ، بل مقتضى الاستصحاب بقاء العدالة إلى ظهور الفسق ـ أنّ المفروض وجود العدالة المعتبرة في القاضي حال إنشائه وصدور حكمه ، ولا يكون ظهور الفسق كاشفاً عن عدم العدالة حال الحكم ، لأنّ الفسق والعدالة ليسا بأولى من الإيمان والكفر ، وقد قال الله تعالى: {إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازدَادُوا كُفراً}(3) ، وظاهره تحقّق هذه الأوصاف حقيقة لا مجازاً . وعليه فالعادل الواقعي يمكن أن يصير فاسقاً ، لا أنّ فسقه يكشف عن عدم عدالته سابقاً .
ومنه يظهر بطلان التفصيل بين ما إذا كان ظهور الفسق قبل إنفاذه أو بعده ، فإنّ الظهور قبل الإنفاذ لا يقدح في جوازه أو لزومه بعد تحقّق الخصوصيات المعتبرة حال الإنشاء ، فالأشبه كما في المتن العمل به ، أي صحّة إنفاذه مطلقا من دون فرق بين الظهور قبله أو بعده .
ثمّ الظاهر أنّ مراده أي المحقّق عدم إنفاذ حكمه فيما إذا تغيّر بفسق لا أصل العمل بحكمه ، وإلاّ يلزم أوّلا ما ذكره في الجواهر من اقتضائه بطلان ما وقع من العمل بفتاواه الذي هو أولى بذلك من الحكم، وهو معلوم
(1) شرائع الإسلام: 4 / 886 ، قواعد الأحكام: 2 / 217 ، إرشاد الأذهان: 2 / 148 ، الدروس الشرعيّة: 2 / 92 ، مجمع الفائدة والبرهان: 12 / 216 .
(2) مسالك الأفهام: 14 / 20 .
(3) سورة النساء 4: 137 .
(الصفحة344)
مسألة 10: لو أقرّ المدّعى عليه عند الحاكم الثاني بأنّه المحكوم عليه وهو المشهود عليه ألزمه الحاكم ، ولو أنكر فإن كانت شهادة الشهود على عينه لم يسمع منه والزم ، وكذا لو كانت على وصف لا ينطبق إلاّ عليه ، وكذا فيما ينطبق عليه إلاّ نادراً ، بحيث لا يعتني باحتماله العقلاءُ وكان الانطباق عليه ممّا يطمأنّ به ، وإن كان الوصف على وجه قابل للانطباق على غيره وعليه فالقول قوله بيمينه ، وعلى المدّعي إقامة البيّنة بأنّه هو ، ويحتمل في هذه الصورة عدم صحّة الحكم; لكونه من قبيل القضاء بالمبهم ، وفيه تأمّل1.
البطلان(1) . وثانياً عدم لزوم العمل بحكم حاكم أصلا; لاحتمال عروض الفسق له بعد الحكم ، وهو ينافي حكمة مشروعية القضاء ، التي هي فصل الخصومة ورفع التنازع، كما لايخفى .
1 ـ لو أقرّ المدّعى عليه عند الحاكم الثاني بأنّه المحكوم عليه في حكم الأوّل وأنّه المشهود عليه عند الثاني ، فلا إشكال ولا ارتياب في أنّه يلزمه الحاكم الثاني; لقاعدة «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» ، لثبوت الحكم عند الثاني بالبيّنة وإقراره بأنّه المحكوم عليه والمشهود به . ولو أنكر المحكوم عليه عند الحاكم الثاني أنّه المشهود عليه ففيه صور وفروض:
لأنّه تارةً يشهد الشهود على عينه وشخصه ، وفي هذه الصورة لا يسمع إنكاره لتعلّق الشهادة بعينه وأنّه المحكوم عليه .
واُخرى يشهد الشهود بأوصاف أو بوصف لا تنطبق إلاّ عليه ولا يوصف بها أو به إلاّ هو ، وفي هذه الصّورة أيضاً لا يسمع إنكاره لانحصار المشهود عليه به ، غاية
(1) جواهر الكلام: 40 / 318 .
(الصفحة345)
الأمر من طريق الوصف .
وثالثة يشهد على وصف ربما ينطبق على غيره نادراً ، لكنّ الندرة بلغت إلى حدّ لا يكاد يعتني باحتماله العقلاءُ ، بل الانطباق عليه ممّا يُطمَأَن به . ومن الواضح أنّه يعامل العرف والعقلاء معه معاملة العلم ، وإن لم يكن علماً عقلا ، وفي هذه الصورة أيضاً لا يسمع إنكاره لما ذكرنا .
ورابعة يشهد على وصف قابل للانطباق عليه وعلى غيره ، ولا يكون الانطباق على الغير نادراً ، بل احتمال الانطباق على الغير احتمال عقلائي كالانطباق على المشهود عليه ، وقد احتُمل في هذه الصورة أمران مع التأمّل في الثاني:
أحدهما: أنّه لو كانت للمدّعي بيّنة على أنّ المشهود عليه هو، وإلاّ فيمين المنكر، مثل أصل الدعوى في أنّه إذا لم يكن للمدّعي بيّنة تصل النوبة إلى يمين المنكر ، بمقتضى ما ورد من أنّ «البيّنة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه»(1) ، وإن شئت قلت: إنّ مقتضى إطلاقه الشمول لما ذكرنا ، ولا يختصّ بأصل الدّعوى .
ثانيهما: أنّه حيث يكون القضاء التنفيذي على خلاف القاعدة يقتصر فيه على ما لا يكون مبهماً بوجه ، ففي مثل أصل الفرض ممّا لا يكون المشهود عليه مُبيّناً; لأنّ المفروض أنّ الشهود ـ الذين يكونون واسطة في انتقال حكم الحاكم الأوّل إلى الحاكم الثاني ـ قد شهدوا على وصف قابل للانطباق على المحكوم عليه الواقعي وغيره ، فمع هذا الإبهام لا مجال لإنفاذ الحكم وإمضائه ، ولكنّه (قدس سره)تأمّل فيه خصوصاً مع استلزامه تضييع الحقوق وعدم استيفاء الحقّ
(1) وسائل الشيعة: 27 / 234 ، أبواب كيفيّة الحكم ب3 ح2 و 5 .
(الصفحة346)
بدون الإنفاذ .
فالظاهر هو الاحتمال الأوّل ، كما أفاده المحقّق في الشرائع حيث قال: ولو أنكر وكانت الشهادة بوصف يحتمل الاتّفاق غالباً ، فالقول قوله مع يمينه ما لم يُقم المدّعي البيّنة(1) .
(1) شرائع الإسلام: 4 / 886 ـ 887 .
(الصفحة347)
الفصل الثاني: في المقاصّة
مسألة 1: لا إشكال في عدم جواز المقاصّة مع عدم جحود الطرف ولا مماطلته وأدائه عند مطالبته ، كما لا إشكال في جوازها إذا كان له حقّ على غيره من عين أو دين أو منفعة أو حقّ ، وكان جاحداً أو مماطلا ، وأمّا إذا كان منكراً لاعتقاد المحقّية أو كان لا يدري محقّية المدّعي ففي جواز المقاصّة إشكال ، بل الأشبه عدم الجواز ، ولو كان غاصباً وأنكر لنسيانه فالظاهر جواز المقاصّة1.
1 ـ يدلّ على أصل مشروعيّة المقاصّة في الجملة الكتاب والسّنة مع أنّ مقتضى القاعدة عدم الجواز; لأنّها تصرّف في مال الغير بغير إذنه ، فمن الكتاب قوله تعالى: {فَمَنِ اعتَدَى عَلَيْكُم فَاعتَدُوا عَلَيهِ بِمثلِ مَا اعتَدَى عَلَيكُم}(1) وقوله تعالى: {فَعَاقِبُوا بِمِثلِ مَا عُوقِبتُم بِهِ}(2) ، وقوله تعالى: {وَالحُرُمَاتُ قِصَاصٌ}(3) .
ومن السّنة روايات كثيرة:
(1) سورة البقرة 2: 194 .
(2) سورة النحل 16: 126 .
(3) سورة البقرة 2: 194 .
(الصفحة348)
منها: ما تقدّم في بحث الحبس على الدَّين من قوله (صلى الله عليه وآله): ليّ الواجد بالدين يحلّ عرضه وعقوبته(1) بناءً على شمول العقوبة للتقاصّ ، وعلى أنّه إذا كان الليّ محلاًّ لذلك ، فالجحود والإنكار كان محلاًّ له بطريق أولى ، أو دلالة عنوان «ليّ» على ذلك بالمطابقة بناءً على عدم اختصاصه بالمماطلة والمسامحة والشمول للجحود .
وإن شئت قلت: إنّ الليّ بمعنى المماطلة ، غاية الأمر أنّها قد يكون منشأها الجحود وقد يكون غيره .
ومنها: رواية جميل بن درّاج قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل يكون له على الرجل الدَّين فيجحده فيظفر من ماله بقدر الذي جحده أَيأخذه وإن لم يعلم الجاحد بذلك؟ قال: نعم(2) .
ومنها: صحيحة داود بن رزين قال: قلت لأبي الحسن موسى (عليه السلام): إنّي اُخالط السلطان فتكون عندي الجارية فيأخذونها ، والدابّة الفارهة فيبعثون فيأخذونها ، ثمّ يقع لهم عندي المال فلي أن أخذه ؟ قال: خذ مثل ذلك ولا تزد عليه(3) .
ومنها: صحيحة أبي بكر قال: قلت له: رجل لي عليه دراهم فجحدني وحلف عليها ، أيجوز لي إن وقع له قبلي دراهم أن آخذ منه بقدر حقّي؟ قال: فقال: نعم ولكن لهذا كلام ، قلت: وما هو؟ قال: تقول اللهمّ إنّي لا آخذه ظلماً ولا خيانة ، وإنّما
(1) في ص110 ـ 112 .
(2) التهذيب: 6 / 349 ح986 ، الإستبصار: 3 / 51 ح167 ، الوسائل: 17 / 275 ، أبواب ما يكتسب به ب83 ح10 .
(3) التهذيب: 6 / 338 ح939 ، الوسائل: 17 / 272 ، أبواب ما يكتسب به ب83 ح1 .
(الصفحة349)
أخذته مكان مالي الذي اُخذ منّي لم أزدد عليه شيئاً(1) ، وقد جعل في الوسائل روايات أبي بكر ثلاثاً ، مع أنّ الظاهر أنّ له رواية واحدة وإن اختلفت الروايات في التعبير ، كما نبّهنا عليه مراراً .
ومنها: صحيحة أبي العبّاس البقباق أنّ شهاباً مارأه في رجل ذهب له بألف درهم واستودعه بعد ذلك ألف درهم ، قال أبو العبّاس: فقلت له: خذها مكان الألف التي اُخذ منك ، فأبى شهاب ، قال: فدخل شهاب على أبي عبدالله (عليه السلام)فذكر له ذلك ، فقال: أمّا أنا فأحبّ أن تأخذ وتحلف(2) . والظاهر أنّ مارآه بمعنى نازعه وخالفه، لكن في التهذيب: مارآه (سأله خل) .
ومنها: غير ذلك من الروايات التي سيأتي نقل بعضها في بعض المباحث الآتية(3)إن شاء الله تعالى ، ولكن هذه الروايات معارضة ظاهراً بمثل موثقة سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل وقع لي عنده مال فكابرني عليه وحلف ، ثمّ وقع له عندي مال آخذه لمكان مالي الذي أخذه وأجحده ، وأحلِف عليه كما صنع؟ قال: إن خانك فلا تخنه ولا تدخل فيما عبته عليه(4) ، وحملها صاحب الجواهر على أنّ مراد الإمام (عليه السلام) بيان نوع مرجوحيّة بسبب كونها صورة الخيانة التي قد تأكّد النهي عنها(5) .
(1) التهذيب: 6 / 348 ح982 ، الإستبصار: 3 / 52 ح168 ، الفقيه: 3 / 114 ح485 ، الوسائل: 17 / 273 ، أبواب ما يكتسب به ب83 ح4 .
(2) التهذيب: 6/347 ح979 ، الإستبصار: 3 / 53 ح174 ، الوسائل: 17 / 272 ، أبواب ما يكتسب به ب83 ح2 .
(3) يأتي في ص364 ـ 367.
(4) التهذيب: 6 / 348 ح980 ، الإستبصار: 3 / 52 ح171 ، الفقيه: 3 / 118 ح482، الكافي: 5 / 98 ح1 ، الوسائل: 17 / 274 ، أبواب ما يكتسب به ب83 ح7 .
(5) جواهر الكلام: 40 / 392 .
(الصفحة350)
ومرجعه إلى حمل النهي فيها على الكراهة; لأنّها ظاهرة في الحرمة، والنصوص المتقدّمة صريحة في الجواز ، فهي قرينة على إرادة خلاف الظاهر .
ومن الواضح أنّه مع وجود الجمع الدلالي يخرج المورد عن موضوع المتعارضين، الذي هو الموضوع لأخبار الترجيح .
ومن الواضح أيضاً اختصاص الجمع الدلالي بما إذا كان عقلائيّاً وإن لم يكن عقليّاً ، ويجمع بين العام والخاص ، حيث إنّه جمع عقلائي في مقام التقنين ، وإن كان بنظر العقل تعارضاً لمناقضة السلب الكلي مع الايجاب الجزئي وبالعكس ، وقد حقّقنا ذلك في محلّه .
وحملها بعض آخر على صورة التمكّن من القضايا وأخذ المال من طريقه ، ولكن لو سلّم التعارض فالشهرة المحقّقة موافقة للطائفة الدالّة على جواز المقاصّة ، وهي أوّل المرجّحات على ما ذكرنا في محلّه .
ويمكن أن يقال بملاحظة التعبير به «عبته عليه»: إنّ النهي إنّما هو للإرشاد; لاشتراكه معه فيما عابه عليه بحسب الصّورة وإن لم يكن واقعاً كذلك .
ثمّ إنّ الظاهر أنّ القدر المسلّم من مورد المقاصّة ما إذا كان الجحود أو المماطلة بغير حقّ; بمعنى أنّ الجاحد أو المماطل لا يرى نفسه محقّاً في ذلك ، وأمّا إذا كان إنكاره لاعتقاد محقّية نفسه ، أو لأنّه لا يدري محقّية المدّعي بوجه ، فقد استشكل فيه في المتن في جواز المقاصّة ، بل قال: الأشبه عدم الجواز .
والوجه فيه ما عرفت من كون المقاصة على خلاف القاعدة(1) ، لا يكاد يصار إليها بدون الدليل . وشمول أدلّة المقاصّة له غير معلوم بل الظاهر العدم . نعم في
(1) في ص347.
(الصفحة351)
مسألة 2: إذا كان له عين عند غيره ، فإن كان يمكن أخذها بلا مشقّة ولا ارتكاب محذور فلا يجوز المقاصّة من ماله ، وإن لم يمكن أخذها منه أصلا جاز المقاصّة من ماله الآخر ، فإن كان من جنس ماله جاز الأخذ بمقداره ، وإن لم يكن جاز الأخذ بمقدار قيمته ، وإن لم يمكن إلاّ ببيعه جاز بيعه وأخذ مقدار قيمة ماله وردّ الزائد1.
المغصوب إذا كان إنكاره مستنداً إلى نسيانه استظهر جواز المقاصّة ، والوجه فيه أنّ عدم الجواز مستلزم لضياع الحقّ ، وإن شئت قلت: إطلاق بعض الروايات المتقدّمة كصحيحة داود يشمله ، كما لايخفى .
ويؤيّده إطلاق رواية عليّ بن سليمان ، قال: كتبت إليه: رجل غصب مالا أو جارية ، ثمّ وقع عنده مال بسبب وديعة أو قرض مثل خيانة أو غصب مثل ما خانه أو غصبه أيحلّ له حبسه عليه أم لا؟ فكتب: نعم يحلّ له ذلك إن كان بقدر حقّه ، وإن كان أكثر فيأخذ منه ما كان عليه ، ويسلّم الباقي إليه إن شاء الله(1) .
1 ـ قال المحقّق في الشرائع: من كانت دعواه عيناً في يد فله انتزاعها ولو قهراً ما لم يثر فتنة ، ولا يقف ذلك على إذن الحاكم(2) .
أقول: إذا كان له عين عند غيره ، فإن كان يمكن أخذها بلا مشقّة ولا ارتكاب محذور ولو بإقامة البيّنة على أنّها ماله في صورة إنكار الغير ، فلا يجوز المقاصّة له من مال الغير; لإمكان التوصّل إلى حقّه من دون مشقّة ولا ارتكاب محذور ، وصرف جحوده وإنكاره لا يسوِّغ المقاصّة مع إمكان إقامة البيّنة الموجبة للحكم
(1) التهذيب: 6/ 349 ح985 ، الإستبصار: 3 / 53 ح173 ، الوسائل: 17 / 275 ، أبواب ما يكتسب به ب83 ح9 .
(2) شرائع الإسلام: 4 / 895 .
(الصفحة352)
له من دون عسر على ما هو المفروض كما هو ظاهر ، مضافاً إلى أنّ الحكم بالجواز في هذه الصورة يستلزم تعطيل القضاء كثيراً وإثارة الفتنة كذلك ، فالأقوى عدم الجواز في هذه الصورة .
وأمّا إذا لم يمكن أخذها منه ـ مع أنّه لا يجوز له التأخير والمماطلة فضلا عن أصل العين وتملّكها ـ فيجوز له المقاصّة من ماله الآخر ، فإن كان من جنس ماله جاز الأخذ بمقداره وردّ الزائد إن كان ، وإن لم يكن من جنس ماله جاز له الأخذ منه بمقدار قيمة ماله الذي جحده مثلا ، وإن لم يمكن إلاّ ببيعه جاز بيعه وأخذ مقدار قيمة ماله وردّ الزائد; لأنّه لا يتحقّق الاستيفاء بدونه .
ثمّ إنّه أفاد المحقّق العراقي (قدس سره) في رسالة القضاء ما محصّله: إنّ التقاصّ في صورة بقاء العين موجب لانتقالها إلى الجاحد ، أو تبقى العين على ملكية المقاص ، وإن لم يكن له ضمان على المقاص منه وجهان مبنيان على أنّ باب التقاص من قبيل المعاوضة أم من قبيل الوفاء بمرتبة من مراتب المال ، مع بقاء خصوصية العين في ملكية المالك الأوّل بلا ضمان في المالية . ثمّ جعل الأقوى هو الثاني; لأنّه المرتكز في الذهن ، لا أنّه معاملة مستقلّة ، ولا أقل من الشك ، فيبقى استصحاب بقاء ملكية شخص العين بحاله(1) .
أقول: والظاهر أيضاً ما أفاده ، وإلاّ يلزم أن يقال بأنّ المقاصّة أيضاً من المعاملات .
ثمّ إنّه ذكر صاحب الجواهر عقيب قول المصنف: «ما لم يثر فتنة» قوله: بل وإن ثارت ما لم تصل إلى حدّ وجوب الكفّ عن الحقّ له; لترتّب تلف الأنفس والأموال
(1) شرح تبصرة المتعلّمين (كتاب القضاء): 165 ـ 167 .
(الصفحة353)
وغيره من الفساد الذي يمكن دعوى العلم من مذاق الشرع بعدم جواز فعل ما يترتّب عليه ذلك ، وإن كان مباحاً في نفسه أو مستحبّاً أو واجباً ، وإن لم يكن الترتيب ترتيب سببية أو علّية(1) .
أقول: أمّا في صورة عدم وصول إثارة الفتنة إلى الحدّ المزبور فواضح ، وأمّا في صورة الوصول إليه فالظاهر أنّ المورد من مصاديق اجتماع الأمر والنهي ومثلهما فانّه هنا عنوانين: أحدهما: أخذ العين التي تكون لنفسه وملكاً لها . والآخر إثارة الفتنة . ولا مانع من بقاء كلّ منهما على حكمه من دون أن تتحقّق السراية ، وحرمة الثاني لا يستلزم حرمة الأوّل بوجه . وما ورد في بيع الوقف من أنّه ربّما حصل من الاختلاف تلف الأنفس والأموال فإنّما هو حكمة لأصل الحكم ، وهو الجواز في الصورة المذكورة، فهو غير المقام .
ثمّ إنّ جواز بيع مال الغير لأخذ الحقّ في صورة عدم إمكان أخذ عينه منه إنّما هو لأجل انحصار طريق الاستيفاء به ، فمقتضى القاعدة وإن كان هو أنّه «لا بيع إلاّ في ملك» إلاّ أنّ الالتزام بالبطلان مناف لوصوله إلى حقّه ، فالبيع في هذا المورد نظير بيع الحاكم مال المديون في صورة إبائه عن أداء الدين مع كونه واجداً ، وبيع غير المالك في سائر الموارد الجائزة .
ثمّ إنّه لو أمكن له الوصول إلى عينه لكن بعسر ومشقّة ، كدخول دار الغير الذي تكون العين عنده ، أو كسر قفل حانوته أو نحو ذلك ، فمع عدم إثارة الفتنة الظاهر جواز الأمرين ، خصوصاً فيما لو كان الغير عالماً بأنّها ماله ومع ذلك جحده وأنكره ، أمّا جواز مثل دخول الدار فلانحصار طريق الوصول إلى العين به كما هو المفروض ،
(1) جواهر الكلام: 40 / 387 .
(الصفحة354)
مسألة 3: لو كان المطلوب مثليّاً وأمكن له المقاصّة من ماله المثلي وغيره ، فهل يجوز له أخذ غير المثلي تقاصّاً بقدر قيمة ماله ، أو يجب الأخذ من المثلي ، وكذا لو أمكن الأخذ من جنس ماله ومن مثلي آخر بمقدار قيمته ، مثلا لو كان المطلوب حنطة وأمكنه أخذ حنطة منه بمقدار حنطته وأخذ مقدار من العدس بقدر قيمتها ، فهل يجب الاقتصار على الحنطة أو جاز الأخذ من العدس؟ لا يبعد
وأمّا جواز المقاصّة فلعدم وجود ما فيه العسر والحرج .
ودعوى أنّ التقاص حيث إنّه على خلاف الأصل يقتصر فيه على المورد المتيقّن ، وهو ما إذا لم يمكنه أصلا التوصل إلى أخذ حقّه بالترافع عند الحاكم ، مدفوعة: بأنّ مقتضى إطلاق أدلّة مشروعية التقاص الجواز مطلقا ، كما ذهب إليه بعض الأعلام(1) ، فلا مجال للاقتصار على المورد المتيقّن ، وان كان يبعّده كون جلّ القضاة منصوبين من قبل سلاطين الجور وكون قاضي العدل قليلا ، كما لايخفى .
نعم فيما إذا أمكن ذلك بدون العسر والحرج فالظاهر هو عدم جواز المقاصة; لأنّ مورد تلك الأدلّة على ما هو المتفاهم عند العرف صورة انحصار طريق التوصل إلى الحقّ في المقاصّة .
نعم في صورة العسر والحرج الظاهر جواز كلا الأمرين ، وعدم التعيّن في طريق الترافع منع فرض ثبوت العسر والحرج ، كما لا يخفى .
ثمّ إنّه لا يلاحظ هنا ضرر الغير; لعدم جريان قاعدة نفي الضرر بالإضافة الى الأحكام الفرعية ، وقد نبّهنا على الاختلاف في مجرى قاعدة لا ضرر وفي مفادها في موارد عديدة ، فراجع .
(1) مباني تكملة المنهاج : 1 / 46 .
(الصفحة355)
جواز التقاص مطلقا فيما إذا لم يلزم منه بيع مال الغاصب وأخذ القيمة ، ومع لزومه وإمكان التقاص بشيء لم يلزم منه ذلك ، فالأحوط بل الأقوى الاقتصار على ذلك ، بل الأحوط الاقتصار على أخذ جنسه مع الإمكان بلا مشقة ولا محذور1.
1 ـ قد عرفت أنّ مقتضى القاعدة عدم جواز المقاصة من مال الغير; لعدم حلّية التصرّف في مال الغير بغير إذنه(1) ، ولكنّ الأدلّة المتقدّمة يستفاد منها المشروعية والجواز ، واللاّزم فيما إذا لم يكن هناك إطلاق الأخذ بالقدر المتيقّن ، وعليه فما نفى عنه البعد في المتن من جواز التقاص مطلقا فيما إذا لم يلزم منه بيع مال الغير في غاية البعد; لأنّ المفروض إمكان التقاص له من الحنطة التي هي مطلوبة ، فلا مجال له لأخذ العدس مكانها بمقدار القيمة فضلا عن قيمي يماثل الحنطة في مقدار القيمة .
ولا إطلاق في شيء من روايات مشروعية المقاصة ، بل موردها القيمي أو مثل الدراهم ، كما يظهر بالمراجعة إليها ، ولكن يؤيّده أنّه لو فرض كون المطلوب مثلياً ووقع عنده قيميّ يعادله من حيث المالية ، فهل لا يجوز له التقاص إلاّ بعد بيع القيمي أو يجوز له التقاص به؟ الظاهر هو الثاني كما لايخفى . اللهمّ إلاّ أن يقال: إنّ الكلام في خصوص صورة الإمكان .
نعم في صورة المشقّة والعسر والحرج يجوز له الأخذ من العدس ، ولا يتعيّن في أخذ الحنطة ، كما ذكرنا نظيره بالنسبة إلى الترافع عند الحاكم والتقاص من دون الترافع ، من أنّه مع العسر والحرج يتخيّر بين الأمرين: الترافع والتقاص ، وسيأتي في المسألة الخامسة إن شاء الله تعالى أنّه لو أمكن أخذ ماله يعني عينه الشخصية
(1) في ص347.
(الصفحة356)
مسألة 4: لو أمكن أخذ ماله بمشقّة فالظاهر جواز التقاص ، ولو أمكن ذلك مع محذور كالدخول في داره بلا إذنه أو كسر قفله ونحو ذلك ففي جواز المقاصّة إشكال ، هذا إذا جاز ارتكاب المحذور وأخذ ماله ولو أضرّ ذلك بالغاصب ، وأمّا مع عدم جوازه كما لو كان المطلوب منه غير غاصب وأنكر المال بعذر ، فالظاهر جواز التقاص من ماله إن قلنا بجواز المقاصّة في صورة الإنكار لعذر1.
بمشقّة فالظاهر جواز التقاص .
وممّا ذكرنا ظهر وجه الأقوائية في صورة استلزام البيع ، فإنّ الحكم بصحة البيع في هذه الصورة ـ مع عدم انحصار التوصل إلى الحقّ به ـ في غاية الضعف ، خصوصاً مع أنّه «لا بيع إلاّ في ملك» ، ومع أنّ خصوصيات الأجناس ربما تكون مقصورة لمالكها ، كما لايخفى .
1 ـ أمّا جواز التقاص فيما لو أمكن أخذ ماله بمشقّة فلما عرفت(1) في بعض المسائل السابقة من جواز المقاصّة في صورة العسر والحرج ، وإن كان يمكن له الترافع إلى غير حكّام الجور مع عدم سهولة ، خصوصاً مع أنّ تعلّق الغرض بخصوصيات العين غير قليل . وأمّا في صورة إمكان الأخذ مع محذور فالظاهر أنّ المراد من المحذور الشرعي هي الحرمة التكليفية أو الوضعية كالضمان ، مع أنّه ليس هناك محذور بالإضافة إلى الغاصب لأخذ العين المغصوبة منه .
وعليه فكما أنّه يجوز الدخول في داره أو كسر قفله لأخذ عينه ، كذلك تجوز المقاصّة كماعرفت سابقاً(2)، لا لماورد في الكتب الفقهية من أنّ الغاصب يؤخذ بأشقّ
(1 و 2) في 353 ـ 354.
(الصفحة357)
الأحوال; لأنّه لا مستند له على ما ذكره الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره)(1) ، بل لأنّ جحد الغاصب يكون نوعاً مع عدم النسيان ورؤية نفسه غير محقّة ، كما لايخفى .
ثمّ إنّ الجمع بين جعل الموضوع الإمكان مع محذور ، وبين تقسيم المحذور إلى صورة الجواز وعدمه ممّا لا يستقيم ، فإنّه إن كان المراد بالمحذور الشرعي فلا معنى لفرض جوازه ، وإن كان المحذور العرفي الذي هو عبارة أخرى عن المشقة والعسر ، فلا يلائم مع المقابلة مع الفرض الأوّل ، كما لايخفى .
اللهمّ إلاّ أن يقال: إنّ المراد بالمحذور ما كان بعنوانه الأوّلي كذلك ، وبالجواز ما كان جائزاً بعنوانه الثانوي ، كما إذا توقّف حفظ نفس محترمة على دخول دار الغير بغير إذنه ، حيث إنّ دخول دار الغير بغير إذنه حرام بعنوانه الأوّلي ، وواجب بعنوان المقدّمة المنحصرة لحفظ النفس ، وهكذا المقام ، فإنّ مثل دخول دار الغير بغير إذنه حرام بالعنوان الأوّلي وجائز بعنوان توقّف التوصل إلى الحقّ عليه .
ويرد على هذا القول: إنّه خلاف ظاهر العبارة ، خصوصاً مع أنّ مبناه جواز اجتماع الأمر والنهي ، وكفاية تعدّد العنوانين في صحّة اجتماع الحكمين ، كما قرّره في الأصول .
وأمّا لو كان المطلوب منه غير غاصب وأنكر المال لعذر ، فقد عرفت في المسألة الاُولى أنّ الأشبه عدم جواز المقاصّة فيما إذا كان معتقداً بأحقّية نفسه ، أو كان لا يدري محقّية المدّعي ، وعلّلناه بأنّ المقاصة حيث تكون على خلاف القاعدة يقتصر فيها على القدر المتيقّن ، خصوصاً مع ملاحظة مورد كثير من الروايات السابقة(2) ،
(1) المكاسب: 7 / 331 .
(2) في ص348 ـ 349 .
(الصفحة358)
مسألة 5: لو كان الحقّ ديناً وكان المديون جاحداً أو مماطلا ، جازت المقاصّة من ماله وإن أمكن الأخذ منه بالرجوع إلى الحاكم1.
حيث إنّه صورة الجحد والإنكار من غير من يعتقد أحقّية نفسه ، أو كان لا يدري محقّية المدّعي ، وعليه فالحكم بالجواز واستظهاره في هذه المسألة يغاير ما تقدّم منه في المسألة الاُولى من أنّ الأشبه عدم الجواز ، وإن كان استظهاره معلّقاً على القول بالجواز في هذه الصورة، فتدبّر .
1 ـ أمّا عدم الفرق في جواز المقاصّة بين العين والدين ، فلدلالة الروايات المتقدّمة(1) الدالّة على مشروعية المقاصّة، كصحاح أبي بكر الحضرمي وأبي العباس البقباق وغيرهما على ذلك ، وعليه فلا يكون فرق بينهما من هذه الجهة .
وأمّاجوازالمقاصّة في صورة إمكان الأخذ ولوبالرجوع إلى الحاكم، فقد عرفت(2)أنّ الإمكان إن كان بسهولة كوجود الحاكم العادل والقاضي غير الجور وسهولة إقامة البيّنة الشاهدة عنده فالظاهر عدم جواز المقاصّة ، وإن كان مقروناً بالعسر والمشقة فقد عرفت(3) ثبوت التخيير في هذه الصورة بين الأمرين: المقاصة والترافع.
قال المحقّق في الشرائع: ولو كان المدين جاحداً وللغريم بيّنة تثبت عند الحاكم والوصول إليه ممكن ، ففي جواز الأخذ تردّد أشبهه الجواز ، وهو الّذي ذكره الشيخ في الخلاف والمبسوط(4) ، وعليه دلّ عموم الإذن في الاقتصاص(5) . انتهى .
(1) في ص348 ـ 349 .
(2) في ص351 ـ 352.
(3) في ص355.
(4) الخلاف: 6 / 355 ، المبسوط: 8 / 311 .
(5) شرائع الإسلام: 4 / 895 .
(الصفحة359)
مسألة 6: لو توقّف أخذ حقّه على التصرّف في الأزيد جاز ، والزائد يردّ إلى المقتصّ منه ، ولو تلف الزائد في يده من غير إفراط ولا تفريط ولا تأخير في ردّه لم يضمن1.
وذكر صاحب الجواهر (قدس سره) بعد قوله: «أشبهه»: وفاقاً للأكثر كما في كشف اللثام(1)وغيره(2) .
وذكر في ذيل كلامه أنّه لم نر للقائل بالمنع من شيء يعتدّ به(3) .
أقول: المتفاهم عند العرف من أخبار المقاصة(4) مع إطلاقها ظاهراً عدم الجواز مع إمكان أخذ الحقّ بسهولة من طريق الترافع والقضاء; لأنّ لازم الجواز انحصار موارد القضاء بصورة عدم الإمكان أو تعسّره ، وهو بعيد كما لايخفى .
1 ـ لو فرض توقّف أخذ حقّه على التصرّف في الأزيد ، كما لو كان عنده فرش زائد قيمته على الدين أو قيمة العين ، فالظاهر جواز التصرّف في الأزيد ، لكن لابدّ أن يردّ الزائد إلى المقتص منه; لأنّه يعتبر في جواز المقاصة التساوي في القيمة ، وقد عرفت التصريح بذلك في جملة من الروايات المتقدّمة(5) ، وفي الدعاء الوارد في بعضها، حيث يصرّح بأنّي لم أزدد عليه شيئاً(6) ، ولا يترتّب على تلف الزائد مع عدم التعدّي والتفريط ضمان; لأنّه أمانة شرعية ، والترخيص إنّما وقع من الشارع .
(1) كشف اللثام: 2 / 343 .
(2) مسالك الافهام: 14 / 70 ـ 71 .
(3) جواهر الكلام: 40 / 388 ـ 390 .
(4) وسائل الشيعة: 17 / 272 ـ 276 ، أبواب ما يكتسب به ب83 .
(5) وسائل الشيعة : 17 / 275 ، أبواب ما يكتسب به ب83 ح9 و ص272 ح1 وص276 ح13 .
(6) وسائل الشيعة : 17 / 272 ، أبواب ما يكتسب به ب83 ح4 .
(الصفحة360)
مسألة 7: لو توقف أخذ حقّه على بيع مال المقتصّ منه جاز بيعه وصحّ ، ويجب ردّ الزائد من حقّه ، وأمّا لو لم يتوقّف على البيع بأن كان قيمة المال بمقدار حقّه فلا إشكال في جواز أخذه مقاصّة ، وأمّا في جواز بيعه وأخذ قيمته مقاصّة ، أو جواز بيعه واشتراء شيء من جنس ماله ثمّ أخذه مقاصّة إشكال ، والأشبه عدم الجواز1.
نعم في صورة التعدّي والتفريط يكون ضامناً لضمان الأمين معهما ، ولو كانت أمانة مالكية ، فتدبّر .
1 ـ في هذه المسألة مقامان:
المقام الأوّل: فيما لو توقّف أخذ حقّه على بيع مال المقتصّ منه ، سواء كان بقدر حقّه أو أزيد ، وفي هذا المقام ذكر أنّه يجوز بيعه ويصحّ ، ويدلّ عليه أنّه قد أقامه الشارع مقام من عليه الحقّ في الاستيفاء ، فلا يلزم بالمقاصة من غير الجنس ، كما ربما يتوهّم في بادئ النظر من النصوص . نعم حيث كان هو الولي في ذلك وجب عليه الجمع بينه وبين حقّ المالك .
قال في محكيّ المبسوط: «ومن الذي يبيع؟ قال بعضهم: الحاكم; لأنّ له الولاية عليه . وقال آخرون: يحضر عند الحاكم ومعه رجل واطأه على الاعتراف بالدين والامتناع من أدائه ، ثمّ قال: والأقوى عندنا أنّ له البيع بنفسه; لأنّه قد يتعذّر عليه إثباته عند الحاكم ، والذي قالوه كذب يتنزّه عنه»(1) .
ويظهر من عبارته أنّ جواز البيع بنفسه قول علمائنا الإمامية في مقابل العامة القائلين بأحد القولين الأوّلين ، وعليه فهذا المورد كما أشرنا إليه سابقاً من الموارد
(1) المبسوط: 8 / 311 .
|