(الصفحة421)
شهادة ، ولا يؤمّ الناس ، لم يحمله نوح في السفينة ، وقد حمل فيها الكلب والخنزير(2) .
وغير ذلك من الروايات الواردة في هذا الباب .
وعن المسالك المناقشة في سند الروايات إلاّ صحيحة الحلبي، ثم قال : ولكن دلالته لاتخلو عن قصور(3)، حكى عن ابن إدريس التعليل بالكفر(4)، وعن المرتضى الاستدلال بما ورد من أنّ ولد الزنا لا ينجب(5) . وعن ابن الجنيد أنّه شرّ الثلاثة(6) .
أقول : المناقشة في أدلّة الثلاثة واضحة ، والظاهر أنّ قصور دلالة الصحيحة باعتبار اشتمالها على قبول شهادة العبد مع أنها مقبولة مطلقاً أو في الجملة .
وفي الجواهر: لا حاجة إلى صحّة السند بعد الانجبار والاعتضاد بما عرفت ، مع أنّه أطنب بعض الأفاضل في فساد مناقشته في السّند ، فانّ كثيراً منها معتبر(7).
ثمّ إنّ في مقابل هذه الروايات روايتين آخرتين :
إحداهما : الرواية الدالّة على قبول شهادة ولد الزنا وهي رواية عبدالله بن الحسن ، عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه قال : سألته عن ولد الزنا هل تجوز شهادته؟
(1) وسائل الشيعة : 27 / 376 ، كتاب الشهادات ب31 ح6 .
(2) وسائل الشيعة : 27 / 377 ، كتاب الشهادات ب31 ح9 .
(3) مسالك الأفهام : 14 / 222 .
(4) السرائر : 2 / 122 .
(5) هكذا حكى عنه الشهيد الثاني في مسالك الأفهام : 14 / 223 ، ولكن الموجود في الإنتصار : 502 مسألة 275 «إنّ طائفتنا مجمعة على أنّ ولد الزنا لا يكون نجيباً . . .» ولم نجد رواية بهذا اللفظ في جوامع الحديث ، والظاهر أنّه معقد إجماع ادّعاه السيّد المرتضى في الإنتصار .
(6) مختلف الشيعة : 8 / 503 مسألة 80 .
(7) جواهر الكلام : 41 / 119 .
(الصفحة422)
قال : نعم تجوز شهادته ولا يؤمّ(1) . وفي كتاب قرب الاسناد زيادة : وليس لك إلاّ لها(2) ، كما أنّه روى في الوسائل عن كتاب عليّ بن جعفر ، عن أخيه قال : لا تجوز شهادته ولا يؤمّ(3) .
وكيف كان فلا يعلم أنّ الرواية تنفي الجواز أو تثبته ، وعلى التقدير الثاني فالشهرة الفتوائية التي هي أوّل المرجّحات ، مع ما يدلّ على المنع خصوصاً مع جريان احتمال التقية فيها ، بلحاظ أنّ أكثر العامة(4) قائلون بالجواز ، ومع أنّ عبدالله ابن الحسن لم يرد فيه توثيق بل ولا مدح .
ثانيتهما : الرواية المفصّلة التي أفتى على طبقها الشيخ في النهاية(5) ، وهي رواية عيسى بن عبدالله قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن شهادة ولد الزنا؟ فقال : لاتجوز إلاّ في الشيء اليسير إذا رأيت منه صلاحاً(6) ، ويرد على الأخذ بها مضافاً إلى اشتراك عيسى بن عبدالله بين الثقة وغيرها ـ وان كان يظهر من بعض الأعلام(قدس سرهم)(7) أنّ عيسى بن عبدالله في الرواية هو عيسى بن عبدالله القمي الأشعري الذي ورد فيه
بسند صحيح مدح بليغ عن الصادق (عليه السلام)(8) ، وعليه فتكون الرواية معتبرة ـ وإلى إعراض المشهور عنها ، عدم دلالتها على ثبوت المعيار للشيء اليسير ، فانّ كلّ
(1) وسائل الشيعة : 27 / 376 ، كتاب الشهادات ب31 ح7 .
(2) قرب الإسناد : 298 ح1171 .
(3) وسائل الشيعة : 27 / 377 ، كتاب الشهادات ب31 ح8 .
(4) راجع المغني لابن قدامة : 12 / 73 ، والخلاف : 6 / 309 مسألة 57 .
(5) النهاية : 326 .
(6) وسائل الشيعة : 27 / 376 ، كتاب الشهادات ب31 ح5 .
(7) مباني تكملة المنهاج : 1 / 110 مسألة 94 .
(8) راجع رجال الكشي : 333 ، الرقم 610 .
(الصفحة423)
يسير غير يسير بالإضافة إلى ما دونه ويسير بالإضافة إلى ما فوقه; لأنه من الاُمور الإضافية المختلفة بحسب الأشياء والأشخاص والأزمنة والأمكنة .
ثم إنّ ولد الزنا ان علم كونه كذلك فالحكم ما ذكرنا ، وان جهلت حاله فان كان ملحقاً بفراش وكان فيه شرائط اللحوق الشرعي بفرد فلا إشكال في قبول شهادته ، ولا يقدح في ذلك انالته الألسن وحتى الشيوع غير المفيد للعلم والاطمئنان ، وان لم يكن ملحقاً بفراش ففي المتن إنّ في قبول شهادته اشكالا ، ولكن ذكر بعض الأعلام(قدس سره) أنّه يكفي في قبول شهادته العمومات والاطلاقات ، فانّ المخصص عنوان وجودي فيثبت عدمه عند الشك فيه بالأصل(2) .
هذا ، والظاهر عدم جريان مثل هذا الأصل على ما ذكرناه في استصحاب عدم قرشية المرأة من أنّ القضيّة المشكوكة سالبة بانتفاء المحمول ، والقضية المتيقّنة سالبة بانتفاء الموضوع ولا اتحاد بين القضيتين ، والمقام من هذا القبيل ، فان ولد الزنا كذلك يكون مشكوكاً من حين انعقاد نطفته ، ولم يمض عليه زمان علم بعدم كونه من زنا حتى يستصحب العدم ، والعجب من الاستاد الماتن(قدس سره) انّه مع شدّة إنكاره جريان الأصل في مثل استصحاب عدم القرشية كيف استشكل في قبول شهادة المجهول حاله ، مع أنّ لازم انكاره عدم القبول ، ولا وجه للتمسك بالعمومات; لأنّه من قبيل التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصّص فتدبّر ، والتحقيق الأزيد في محلّه .
ويمكن أن يكون وجه الإشكال في المتن أحد أمرين آخرين :
إحدهما : أنّ اعتبار طيب المولد هل يكون بنحو الشرطية أو كون الشاهد ولد
(1) مباني تكملة المنهاج : 1 / 111 مسألة 94 .
(الصفحة424)
السادس : ارتفاع التهمة ، لا مطلقاً بل الحاصلة من أسباب خاصّة ، وهي اُمور :
منها : أن يجرّ بشهادته نفعاً له عيناً أو منفعة أو حقّاً كالشريك فيما هو شريك فيه ، وأمّا في غيره فتقبل شهادته ، وصاحب الدّين إذا شهد للمحجور عليه بمال يتعلّق دينه به بخلاف غير المحجور عليه ، وبخلاف مال لم يتعلق حجره به ، والوصي والوكيل إذا كان لهما زيادة أجر بزيادة المال ، بل وكذا فيما كان لهما الولاية عليه وكانا مدّعيين بحقّ ولايتهما ، وأمّا عدم القبول مطلقا منهما ففيه تأمّل ، وكشهادة الشريك لبيع الشقص الذي فيه له الشفعة ، إلى غير ذلك من موارد جرّ النفع1.
زنا بنحو المانعية ، فعلى الأوّل لابدّ من الاحتراز دون الثاني ، وفيه أنّ الفرق بين الشرط والمانع بهذا النحو غير صحيح ، بل لابدّ في المانع أيضاً من احراز العدم ولو بالأصل .
ثانيهما : أنّه يمكن أن يستظهر من الأدلّة الواردة في المقام أنّه لا تعتبر شهادة من أحرز كونه ولد الزنا لا ولد الزنا الواقعي ، وفيه منع واضح .
وقد انقدح من جميع ذلك أنّ الظاهر بمقتضى الأدلّة عدم قبول شهادة المشكوك كمشكوك العدالة مع عدم احرازها وجوداً أو عدماً بالأصل .
1 ـ ويدلّ عليه موثقة سماعة قال : سألته عمّا يردّ من الشهود؟ قال : المريب ، والخصم ، والشريك ، ودافع مغرم ، والأجير ، والعبد ، والتابع ، والمتّهم ، كلّ هؤلاء تردّ شهادتهم(1).
(1) وسائل الشيعة : 27 / 378 ، كتاب الشهادات ب32 ح3 .
(الصفحة425)
وصحيحة عبيدالله بن علي الحلبي قال : سئل أبو عبدالله (عليه السلام) عمّا يردّ من الشهود؟ فقال : الظنين ، والمتّهم ، والخصم ، قال : قلت : فالفاسق والخائن؟ فقال : هذا يدخل في الظنين(1) .
وصحيحة عبدالله بن سنان قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : مايردّ من الشهود؟ قال : فقال : الظنين ، والمتهم ، قال : قلت : فالفاسق والخائن؟ قال : ذلك يدخل في الظنين(2) .
وهنا شيء وهو أنّ جعل العنوان في إعتبار هذا الأمر «إرتفاع التهمة» في الجملة لا ينطبق على هذه الروايات المذكور فيها عنوان المتهم من دون قيد ، وكأنـّه تبع في ذلك المحقق في الشرائع ، حيث جعل الشرط الخامس إرتفاع التهمة ، ثم قال : ويتحقّق المقصود ببيان مسائل(3) وأفاد صاحب الجواهر(قدس سره)(4) أنّ المقصود حصر التهمة المانعة بها لإستفاضة الأخبار بأنّ التهمة غير مانعة مطلقا ، كالصديق بالإضافة إلى صديقه ، والزوج بالنسبة إلى زوجته وبالعكس ، وهكذا .
ومن هنا استظهر بعض الأعلام(قدس سره) أنّ المراد بالمتهم في هذه الروايات من لم تثبت عدالته ، وكانت شهادته في معرض شهادة الزور في قبال من كان عفيفاً صائناً ثابت العدالة ، فانّ ذلك هو المتفاهم العرفي من لفظ المتهم ، كما يستفاد ذلك من رواية يحيى بن خالد الصيرفي ، عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) قال : كتبت إليه في رجل مات وله اُمّ ولد ، وقد جعل لها سيّدها شيئاً في حياته ثم مات ، فكتب (عليه السلام) : لها ما
(1) وسائل الشيعة : 27 / 374 ، كتاب الشهادات ب30 ح5 .
(2) وسائل الشيعة : 27 / 373 ، كتاب الشهادات ب30 ح1 .
(3) شرائع الإسلام : 4 / 914 .
(4) جواهر الكلام : 41 / 61 .
(الصفحة426)
أثابها به سيّدها في حياته معروف لها ذلك ، تقبل على ذلك شهادة الرجل والمرأة والخدم غير المتّهمين(1) (2) .
فانّ الظاهر قبول شهادة هؤلاء مع إحراز عدالتهم دون المتّهمين الذين لم تثبت عدالتهم ، وعليه فيدخل في اعتبار العدالة في الشاهد على ما عرفت ، ويؤيّد هذا الاستظهار عطف المتهم من دون قيد على مثل الخصم والظنين وغيرهما ، مع أنّهما داخلان في الإتهام بقول مطلق ، وعليه فاللازم ملاحظة الأسباب الخاصة .
ثم إنّه حكى في مجمع البحرين عن بعض ما خلاصته : انّ كلمة الظنّ تقع لمعان أربعة ، منها : معنيان متضادّان ، أحدهما الشك والآخر اليقين الذي لا شك فيه ، ومنها : معنيان غير متضادّين ، أحدهما الكذب والآخر التهمة ، واستُشهد لكلّ واحد من المعاني الأربعة ببعض الآيات والاستعمالات(3) ، ولابدّ في المقام من ملاحظة معنى الظنين خصوصاً مع وقوعه في مقابل المتّهم في الصحيحتين ، وخصوصاً مع دخول الفاسق القطعي والخائن كذلك في معناه على ما دلّتا عليه ، ومن العجيب استدلال بعض للمقام بآية {وَمَا هُوَ عَلَى الغَيبِ بِضَنِين}(4) مع أنّ الظنين هناك يكون بالضاد ـ أي بخيل ـ لا بالظاء أخت الطاء ، ولا يرتبط بالمقام أصلا ، فالظاهر أنّ الظنين من يجري فيه ظنّ التهمة بالظن الذي يكون متأخماً للعلم ، ولذا يدخل فيه الفاسق القطعي والخائن كذلك ، والمتهم من يجري فيه شبهة الإتّهام من الشكّ في العدالة أو مطلقا ، وعطف الخصم عليهما في صحيحة الحلبي
(1) وسائل الشيعة : 27 / 364 ، كتاب الشهادات ب24 ح47 .
(2) مباني تكملة المنهاج : 1 / 92 ـ 93 .
(3) مجمع البحرين : 2 / 1143 .
(4) التكوير 81 : 24 .
(الصفحة427)
المتقدّمة إمّا باعتبار كون الخصومة موجبة لاداء الشهادة على غير ما هي عليه ، وامّا باعتبار كونه عطفاً تفسيرياً للمتهم ، ويؤيّده عدم ذكره مع المتّهم في الروايتين الأخيرتين ، هذا كلّه بالإضافة إلى أصل اعتبار هذا الأمر .
وأمّا بالإضافة إلى الشركة وشهادة الشريك فتدلّ على عدم قبول شهادة الشريك في شيء له فيه نصيب صحيحة أبان على نقل الصدوق ومرسلته على نقل الشيخ(قدس سرهما) قال : سئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن شريكين شهد أحدهما لصاحبه ، قال : تجوز شهادته إلاّ في شيء له فيه نصيب(1) .
لكن في مقابلها صحيحة عبد الرحمن قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن ثلاثة شركاء ادّعى واحد وشهد الإثنان ، قال : يجوز(2) . لكن في رواية اُخرى رواها أبان ابن عثمان ، عن عبد الرحمن بن أبي عبدالله قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام)عن ثلاثة شركاء شهد اثنان عن (على خ ل) واحد ؟ قال : لا تجوز شهادتهما(3) .
والظاهر عدم كونهما روايتين وان عدّهما في الوسائل كذلك ، وعليه فلم تثبت أنّ الصادر من الإمام (عليه السلام) هو النفي أو الإثبات ، فاللازم الالتزام بعدم قبول شهادة الشريك في شيء له فيه نصيب لا في غيره ، وان كان الشاهد شريكاً .
وممّا ذكرنا يظهر انّ صاحب الدين إذا شهد للمحجور عليه بمال يتعلّق دينه به لا
تكون شهادته مقبولة ، بخلاف غير المحجور عليه وبخلاف مال لم يتعلّق حجره به ، فانّه لا مانع من قبول شهادته; لعدم الاتهام فيه أصلا .
وأما الوصي والوكيل فإذا كان لهما زيادة أجر بزيادة المال فلا تقبل شهادتهما
(1) وسائل الشيعة : 27 / 370 ، كتاب الشهادات ب27 ح3 .
(2) وسائل الشيعة : 27 / 370 ، كتاب الشهادات ب27 ح4 .
(3) وسائل الشيعة : 27 / 369 ، كتاب الشهادات ب27 ح1 .
(الصفحة428)
أصلا لجرّهما النفع بذلك ، وفي المتن «بل وكذا فيما كان لهما الولاية عليه وكانا مدّعيين بحقّ ولايتهما» ، والظاهر أنّ الوجه في ذلك ظهور لزوم كون الشهود غير المدّعي ، كما هو المتفاهم عند العرف من قوله(صلى الله عليه وآله): البيّنة على من ادّعى ، واليمين على من ادّعي عليه(1) ، لكن في مكاتبة الصفّار إلى أبي محمد (عليه السلام): هل تقبل شهادة الوصي للميّت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل؟ فوقّع : إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدّعي يمين . وكتب : أيجوز للوصي أن يشهد لوارث الميّت صغيراً أو كبيراً ، وهو القابض للصغير وليس للكبير بقابض؟ فوقّع (عليه السلام) : نعم ، وينبغي للوصي أن يشهد بالحقّ ولا يكتم الشهادة . وكتب أوتقبل شهادة الوصي على الميت مع شاهد آخر عدل؟ فوقّع (عليه السلام) : نعم من بعد يمين(2) ، وعن كشف اللّثام : ليس فيها إلاّ أنّ عليه الشهادة وامّا قبولها فلا(3) .
ولكنّه كما ترى خلاف لما هو المتفاهم عند العرف من الملازمة بين النهي عن كتمان الشهادة وبين قبولها ، كما لا يخفى ، وما في الجواهر من إمكان حملها على قبول شهادة الوصيّ إذا كان المدّعي للميت أحد ورثته; لأنّ كلّ واحد منهم يقوم مقام الميّت في ذلك ، فليس الوصي حينئذ مدّعياً بل الوارث ، وان كان بعد الثبوت يتعلّق به حقّ الوصاية ، وربما يشهد لذلك قوله (عليه السلام) : «فعلى المدّعي يمين» الظاهر في كون
المدّعي غيره ، قال : ولعلّ اليمين المزبورة استحباباً للاستظهار(4) . فهو ليس بحمل للرواية على خلاف معناها الظاهر منها ، بل حمل لها على ظاهرها . ويؤيّده قوله :
(1) وسائل الشيعة : 27 / 233 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ب3 ح1 .
(2) وسائل الشيعة : 27 / 371 ، كتاب الشهادات ب28 ح1 .
(3) كشف اللثام : 2 / 375 .
(4) جواهر الكلام : 41 / 68 .
(الصفحة429)
ومنها : ما إذا دفع بشهادته ضرراً عنه ، كشهادة العاقلة بجرح شهود الجناية خطأً ، وشهادة الوكيل والوصيّ بجرح الشهود على الموكّل ، والموصي في مثل الموردين المتقدّمين1.
«فعلى المدّعي يمين» وإلاّ لكان المناسب الاقتصار على الضمير كما في قوله : «إذا شهد معه» كما لا يخفى .
ومقتضى إطلاقها حينئذ أنّه لا فرق بين زيادة الأجرة بشهادته وبين عدمها ، لكن ينبغي ترك القبول في صورة الزيادة . وعليه فالنسبة بينها وبين الرواية الواردة في الشريك ، المتقدّمة المشتملة على استثناء شيء فيه نصيب ـ بناءً على استفادة شبه التعليل منها ـ هي العموم والخصوص من وجه ، ومادّة الإجتماع هو الوصي مع زيادة الاُجرة ، والترجيح بعد التعارض مع هذه الرواية المطابقة للعموم لو لم نقل بأظهرية الآخر ، فتدبّر .
وكذا شهادة الشريك بالإضافة إلى بيع الشقص الذي له فيه الشفعة ، وفي الشرائع وكذا لا تقبل شهادة من يستدفع بشهادته ضرراً ، كشهادة أحد العاقلة بجرح شهود الجناية ، وكذا شهادة الوكيل والوصي بجرح شهود المدّعي على الموصي والموكّل(1); لأنّ المستفاد من الرواية الواردة في الشريك عدم كون الشهادة موجبة لجرّ النفع إلى الشاهد ، ومن الواضح أنّ استدفاع الضرر جرّ نفع عند العقلاء ، فلا تقبل الشهادة في مثل هذه الموارد .
1 ـ قد عرفت عبارة الشرائع في ذلك في ذيل المسألة السابقة مع استدلال له منّا ، ولكنه ذكر صاحب الجواهر(قدس سره) في مقام الاستدلال قوله : ضرورة كون الجارح
(1) شرائع الإسلام : 4 / 914 .
(الصفحة430)
ومنها : أن يشهد ذو العداوة الدنيوية على عدوّه ، وتقبل شهادته له إذا لم يستلزم العداوة الفسق ، وأمّا ذو العداوة الدينيّة فلا تردّ شهادته له أو عليه حتى إذا أبغضه لفسقه واختصمه لذلك1.
في الجميع هو المدّعى عليه ، فلا وجه لقبول شهادته في دفع الدعوى عنه كما هو واضح(1) .
1 ـ لا خلاف في أنّ العداوة الدنيوية غير المستلزمة للفسق إذا كانت الشهادة على عدوّه كذلك تكون مانعة عن القبول ، كما إذا كانت مستلزمة للفسق بلا إشكال ، وذلك لما عرفت من اشتمال بعض الروايات المتقدّمة على عنوان الخصم في مقابل الظنين والمتّهم ، بناء على عدم كونه عطفاً تفسيريّاً وكونه عنواناً آخر ، كما أنّه قد فسّره بعضهم بالعدوّ ، والقدر المتيقّن منه هي العداوة الدنيوية والعرفية ، ولرواية إسماعيل بن مسلم ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه(عليهم السلام)قال : لا تقبل شهادة ذي شحناء ، أو ذي مخزية في الدين(2) .
والظاهر أنّ المعروف كما صرّح الشيخ في الفهرست(3) أنّ اسم أبي زياد مسلم ،
وحينئذ يشكل الأمر من جهة إحتمال وحدة هذه الرواية مع روايته السابقة(4)، المشتملة على «فحّاش» مكان «الشحناء» ; لاشتراكهما في عنوان ذي مخزية في الدين، وعليه فيحتمل أن يكون الصادر هو عنوان الفحاش لاالشحناء، كما لايخفى .
(1) جواهر الكلام : 41 / 69 .
(2) وسائل الشيعة : 27 / 378 ، كتاب الشهادات ب32 ح5 .
(3) الفهرست : 50 الرقم 38 .
(4) تقدّمت في ص400 .
(الصفحة431)
وفي رواية معاني الأخبار قال: قال النبي(صلى الله عليه وآله) : لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة، ولا ذي غمز على أخيه ، ولا ظنين في ولاء ، ولا قرابة ، ولا القانع مع أهل البيت(1)وقد تقرّر في محلّه انّ هذا النحو من الإرسال الذي يسند مثل الصدوق مقول القول إلى النبي أو الإمام دون الرواية يكون معتبراً; لأنّه بمنزلة توثيق الوسائط بينه وبينه كما لا يخفى ، بخلاف ما إذا كان مسنداً إلى الرواية مثل «روي عنه» .
ثم حكي عن الصدوق(قدس سره) أنّه قال : الغمز: الشحناء والعداوة ، والظنين: المتّهم في دينه ، والظنين في الولاء والقرابة : الذي يتّهم بالدعاء إلى غير أبيه ، والمتولّي غير مواليه ، والقانع من أهل البيت : الرجل يكون مع قوم في حاشيتهم ، كالخادم لهم والتابع والأجير ونحوه .
ثم إنّه يظهر من مناسبة الحكم والموضوع أنّ شهادة الخصم إذا لم تكن على عدوّه بل كان بنفع عدوّه لا مانع عن قبولها بوجه ، كما أنّه ظهر ممّا ذكرنا انّ العداوة الدينية لا تكون مانعة عن قبول الشهادة بوجه ، كشهادة المسلم على الكافر أو له ، ويؤيّده انّ الشهود في باب موجبات الحدّ الشرعي لا تكون خالية عن هذه العداوة ، فتدبّر جيّداً .
ثم إنّ المحقّق في الشرائع بعد أن ذكر أنّ العداوة الدنيوية تمنع ، سواء تضمّنت
فسقاً أو لم تتضمّن ، قال : وتتحقّق العداوة بأن يعلم من حال أحدهما السرور بمساءة الآخر والمساءة بسروره ، أو يقع بينهما تقاذف(2) .
ويرد عليه مضافاً إلى أنّ العداوة قد تكون من جانب واحد لا من الطرفين ، ما
(1) معاني الأخبار : 208 ح3 ، وسائل الشيعة: 27 / 379، كتاب الشهادات ب32 ح8 .
(2) شرائع الإسلام : 4 / 915 .
(الصفحة432)
ومنها : السؤال بكفّه ، والمراد منه من يكون سائلا في السوق وأبواب الدّور وكان السؤال حرفة وديدناً له ، وأمّا السؤال أحياناً عند الحاجة فلا يمنع من قبول شهادته1.
أورده عليه جماعة من الفقهاء(2) من استلزام الفرح بمساءة المؤمن وبالعكس المعصية ، إلاّ أن يقال بأنّ الإصرار لا يتحقّق إلاّ بالإكثار من الصغائر لا بالإستمرار على معصية واحدة ، أو بعدم كونه معصية ما دام لم يقع التظاهر به ، أو إذا لم يكن هو البادئ .
1 ـ العمدة في هذا الأمر وجود روايات كثيرة دالّة عليه :
منها : صحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه أبي الحسن (عليه السلام) قال : سألته عن السائل الذي يسأل بكفّه هل تقبل شهادته؟ فقال : كان أبي لا يقبل شهادته إذا سأل في كفّه(3) . ورواه عبدالله بن الحسن ، عن علي بن جعفر (عليه السلام)(4) .
ومنها : صحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : ردّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)شهادة السائل الذي يسأل في كفّه ، قال أبو جعفر (عليه السلام) : لأنّه لا يؤمن على الشهادة ،
وذلك لأنّه إن اُعطي رضى وإن منع سخط(4) .
والظاهر أنّ عنوان السائل بكفّه عنوان كنائي عمّن يكون سائلا في أبواب الدور والطرق والسوق ، وأمّا ما عن المسالك من أنّه كناية عمّن يباشر السؤال والأخذ
(1) كالشهيد الثاني في مسالك الأفهام : 14 / 193 ، والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان : 12 / 390 ، والطباطبائي في رياض المسائل : 9 / 472 .
(2، 3) وسائل الشيعة : 27 / 382 ، 383 ، كتاب الشهادات ب35 ح1 و 3.
(4) وسائل الشيعة : 27 / 382 ، كتاب الشهادات ب35 ح2 .
(الصفحة433)
بنفسه(1) ، ففيه أنّه خلاف ما هو المتفاهم منه عند العرف; لأنّ المنساق منه من يدور الأبواب والناس بسؤال الشيء اليسير كالخبز والدرهم مثلا ، وامّا مجرّد المباشرة في السؤال والأخذ بنفسه فلا يصدق عليه السائل بالكفّ; لتداول ذلك بين الناس كثيراً ، ومن الواضح عدم صدق هذا العنوان عليهم .
ثم الظاهر كون السؤال حرفة وديدناً له لا احياناً ولو مرّتين أو مرّات ، والجمع في الجواب في الصحيحة الاُولى مع كون السؤال فيها عن السائل الذي يسأل بكفّه ، بين عدم قبول شهادته وبين ما إذا سأل في كفّه ، هل هو لأجل التأكيد وبيان أنّ هذا العنوان بنفسه مانع عن قبول الشهادة وإن كان شرائط الشهادة بأجمعها موجودة ، أو لأجل أنّ هذا الحكم مادامي ، وانّ عدم قبول شهادته ما دام كونه سائلا بكفّه ، فإذا زال هذا العنوان يرتفع الحكم ، ولو قلنا بأنّ المشتق حقيقة في الأعم من المقتضى عنه المبدأ ، ويؤيّد الأوّل خلوّ رواية عبدالله بن الحسن ، عن علي بن جعفر (عليه السلام)المروية في قرب الاسناد(2) عن هذه الزيادة ، فتدبّر .
ثم إنّ التعليل في صحيحة محمّد بن مسلم بقوله (عليه السلام) : «لأنّه لا يؤمن على الشهادة» الى آخره ، يعطي أنّه لو فرض في مورد تحقق الأمن بأن علم أنّ الاعطاء والمنع غير مؤثّرين فيه في مقام الشهادة ، فاللازم الأخذ بشهادته ; لأن العلّة
منصوصة لابدّ فيها من الإقتصار على موردها ، كما لا يخفى .
ثم إنّ السؤال بالكفّ بالنحو المذكور هل يكون محرّماً مطلقاً ، أو في خصوص المدلّس بإظهار الحاجة مع عدم كونه كذلك واقعاً ، أو لا يكون له حرمة بعنوانه ،
(1) مسالك الأفهام : 14 / 199 .
(2) قرب الإسناد: 298 ح1172 .
(الصفحة434)
ومنها : التبرع بالشهادة في حقوق الناس ، فانه يمنع عن القبول في قول معروف ، وفيه تردّد ، وأمّا في حقوق الله كشرب الخمر والزنا وللمصالح العامة فالأشبه القبول1.
كما يؤيده ذكره في مقابل الفاسق وفاقد العدالة ، نعم التدليس المستلزم للكذب القولي أو العملي حرام ، وفي الجواهر : أنّ النصوص مستفيضة بالنهي عن سؤال الناس ، لكن كثيراً منها محمول على بعض مراتب الأولياء ، وهو الغناء عن الناس والالتجاء إلى الله تعالى ، وآخر محمول على المدلّس بإظهار الحاجة والفقر لتحصيل المال من الناس بهذا العنوان ـ إلى أن قال : ـ وامّا حرمة السؤال من حيث كونه سؤالا ولوبالكفّ فلادليل مطمئنّ به على حرمته، وإن كان ذلك مغروساً في الذهن(1).
1 ـ معنى التبرّع بالشهادة هو إقامتها واداؤها قبل طلب الحاكم وسؤاله ، وهو بالإضافة إلى حقوق الآدميين كالبيّنة الشاهدة للمدّعي يمنع عن القبول ، ونفى في الجواهر وجدان الخلاف فيه(2) ، بل حكى عن كشف اللثام أنّه ممّا قطع به الأصحاب ، سواء كان قبل دعوى المدّعي أو بعدها(3) . وقد وقع في كلام كثير
كالمحقق في الشرائع (4) التعليل بالتهمة ، وقد عرفت أنّ هذا العنوان بمعناه العام العرفي لا يكون مانعاً عن قبول الشهادة ، مع أنّ ظاهر كلامهم ردّ المتبرّع بشهادته وان انتفت التهمة عنه بقرائن الأحوال ، ككون المشهود له عدوّاً له والمشهود عليه
(1) جواهر الكلام : 41 / 82 ـ 83 .
(2) جواهر الكلام : 41 / 104 .
(3) كشف اللثام : 2 / 376 .
(4) شرائع الإسلام : 4 / 917 ، وكذا الفاضل الآبي في كشف الرموز : 2 / 524 ، والعلاّمة في قواعد الأحكام : 2 / 238 ، والشهيد الثاني في الروضة البهية : 3 / 134 .
(الصفحة435)
صديقاً له ، أو يعلم منه أنّ ذلك كان منه جهلا بالحكم الشرعي .
اللّهم إلاّ أن يقال : إنّ المراد من التهمة الواقعة في التعليل هي التهمة الشرعية الصادقة مع عدم التهمة العرفية أيضاً ، والدليل على ثبوت التهمة الشرعية هو الاجماع المزبور المؤيّد بالنبويّ ، المروي عن غير طرقنا الوارد في مقام الذمّ: ثم يجيء قَوم يتسمَّنون يحبّون السمن يعطون الشهادة قبل أن يسألوها(1) ، وآخر : ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل وما يُستشهد(2) ومثل ذلك ، إلاّ أن يقال : لو كان المستند هو الإجماع لما كان هناك حاجة إلى قيام الاجماع على ثبوت التهمة الشرعية ثم ردّ الشهادة لأجل ذلك ، بل كان قيام الاجماع على الردّ مستقيماً كافياً في ذلك ، لكن الشأن مع ذلك كلّه في أصل انعقاد الاجماع; ولذا تردّد فيه في المتن . هذا كلّه بالنسبة إلى حقوق الآدميين .
وأمّا بالنسبة إلى حقوق الله تعالى والمصالح العالية كالأمثلة المذكورة في المتن، فالمشهور شهرة عظيمة القبول(3) ، بل لم يعرف الخلاف فيه إلاّ من الشيخ في بعض
كتبه(4) ، وإن وافق المشهور في البعض الآخر(5) وعلّل بأنّه لا مدّعي لها ، مع أنّه لو كان التبرّع مانعاً فيها لتعطّلت الحدود ، مع أنّ الناس خصوصاً في هذه الأزمنة لهم مشاغل كثيرة لا يمكن لهم نوعاً الانتظار وصرف الوقت ولو ساعة مثلا .
(1) مسند أحمد : 7 / 193 ح19841 .
(2) سنن ابن ماجة : 3 / 129 ح2363 .
(3) راجع غاية المرام : 4 / 284 ، ورياض المسائل : 9 / 502 ، وجواهر الكلام : 41 / 106 .
(4) النهاية : 330 .
(5) أي في المبسوط ، على ما نقل عنه الفاضل الآبي في كشف الرموز : 2/524 ـ 525 ، ولكن لم نعثر عليه .
(الصفحة436)
مسألة 5 ـ النسب لا يمنع عن قبول الشهادة ، كالأب لولده وعليه والولد لوالده والأخ لأخيه وعليه ، وسائر الأقرباء بعضها لبعض وعليه ، وهل تقبل شهادة الولد على والده؟ فيه تردّد ، وكذا تقبل شهادة الزوج لزوجته وعليها وشهادة الزوجة لزوجها وعليه ، ولا يعتبر في شهادة الزوج الضميمة ، وفي اعتبارها في الزوجة وجه والأوجه عدمه ، وتظهر الفائدة فيما إذا شهدت لزوجها في الوصية ، فعلى القول بالاعتبار لا تثبت ، وعلى عدمه يثبت الرابع1.
وامّا الحقوق المشتركة بين الله وبين الناس كالسرقة لوجود القطع فيها والغرامة ، فالظاهر وان كان في بادئ النظر هو التبعيض فيها ، فيكون التبرّع بالشهادة مانعاً عن القبول في حق الناس دون حق الله ، إلاّ أنّه في المقام خصوصية تقتضي القبول ولو بالإضافة إلى حق الناس ، وهي أنّ الدليل على المنع في حق الناس على تقديره هو الاجماع ، وحيث أنّه من الأدلّة اللبّية فاللازم الاقتصار على القدر المتيقّن وهو حق الناس محضاً، فلايشمل الحق المشترك، مع أنّ ثبوت الاجماع أيضاً كان محلّ ترديد وكلام.
1 ـ النسب لا يمنع عن قبول الشهادة وإن كانت التهمة العرفية متحقّقة; لعدم الدليل على الكبرى كما عرفت ، فتجوز شهادة الأب لولده أو عليه والأخ كذلك وسائر الأقرباء كذلك ، مضافاً إلى قيام الدليل على الجواز في كثير من الموارد ، ففي صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن شهادة الوالد لولده ، والولد لوالده ، والأخ لأخيه؟ فقال : تجوز(1) .
وفي مضمرة سماعة قال: سألته عن شهادة الوالد لولده ، والولد لوالده ، والأخ
(1) وسائل الشيعة : 27 / 368 ، كتاب الشهادات ب26 ح3 .
(الصفحة437)
لأخيه؟ قال : نعم ، الحديث (1) .
ثم إنّه حكي عن الشيخ(2) أنّه يعتبر في قبول شهادة القريب للقريب انضمام شاهد أجنبي ، وقد استدلّ له بموثقة السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه(عليهما السلام) أنّ شهادة الأخ لأخيه تجوز إذا كان مرضياً ومعه شاهد آخر(3) . وأنت خبير بعدم دلالتها على كون الشاهد الآخر أجنبيّاً ، كما لايخفى .
انّما الكلام في أمرين :
الأمر الأوّل: شهادة الولد على والده ، فالمشهور شهرة عظيمة(4) ـ بل عن جملة من الكتب الفقهية القديمة الإجماع عليه(5) ـ هو عدم القبول ، خلافاً للمرتضى(6) والمحكي عن الإسكافي من القبول(8) ، وهو الذي قوّاه في محكي الدروس(9) ، وتردّد فيه الفاضل في التحرير(3) كما في المتن .
(1) وسائل الشيعة : 27 / 368 ، كتاب الشهادات ب26 ح3 .
(2) النهاية : 330 .
(3) وسائل الشيعة : 27 / 368 ، كتاب الشهادات ب26 ح5 .
(4) المقنع : 397 ، المقنعة : 726 ، النهاية : 330 ، المهذّب : 2 / 557 ، السرائر : 2 / 134 ، الوسيلة : 231 ، شرائع الإسلام : 4 / 915 ، قواعد الأحكام : 2 / 237 ، وقال صاحب الرياض : «وبشهرته صرّح جماعة حدّ الإستفاضة» رياض المسائل : 9 / 475 .
(5) جوابات المسائل الموصليات (رسائل السيد المرتضى) المجموعة الاُولى : 246 مسألة 62 ، الخلاف : 6/297 ـ 298 مسألة 45 ، السرائر : 2 / 134 .
(6) الانتصار: 496 مسألة 273، لكن يستفاد مخالفته من ظاهر كلامه حيث نسب عدم القبول إلى بعض الأصحاب.
(7) اُنظر مسالك الأفهام : 14 / 195 .
(8) الدروس الشرعية : 2 / 132 .
(9) تحرير الأحكام : 2 / 209 .
(الصفحة438)
ونقول : إنّه ربّما يقال : إنّ ظاهر قوله تعالى : {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً}(1)هو عدم القبول ، فانّه ليس من المعروف الشهادة على الوالد والردّ لقوله واظهار تكذيبه ، بل هو من مصاديق العقوق ، ولكن قوله تعالى : {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أوِ الوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ . . .}(2) قرينة على أنّ الشهادة على الوالد لا تنافي المصاحبة بالمعروف ، مع أنّ لازمه اشتراك الوالدة مع الوالد في هذه الجهة .
ودعوى أعمّية وجوب الشهادة عن القبول واضحة المنع ، وامّا الروايات فلا يكون فيها ما يدلّ على المنع إلاّ مرسلة الصدوق ، حيث قال : وفي خبر آخر أنّه لا تقبل شهادة الولد على والده(3) ، ومن الواضح أنّها لا تكون من المرسلات المعتبرة ، خصوصاً مع أنّ في مقابلها رواية داود بن الحصين الثقة ، قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام)يقول : أقيموا الشهادة على الوالدين والولد ، ولا تقيموها على الأخ في الدين الضير ، قلت : وما الضير؟ قال : إذا تعدّى فيه صاحب الحق الذي يدّعيه قبله
خلاف ما أمر الله به ورسوله ، ومثل ذلك : أن يكون لآخر على آخر دين وهو معسر ، وقد أمر الله بانظاره حتى ييسر ، فقال تعالى : {فَنَظِرَةٌ إِلى مَيسَرَة}(4)ويسألك أن تقيم الشهادة وأنت تعرفه بالعسر ، فلا يحلّ لك أن تقيم الشهادة في حال العسر(5) .
(1) لقمان 31: 15.
(2) النساء 4 : 135 .
(3) وسائل الشيعة : 27 / 369 ، كتاب الشهادات ب26 ح6 .
(4) البقرة 2 : 280 .
(5) وسائل الشيعة : 27 / 340 ، كتاب الشهادات ب19 ح3 .
(الصفحة439)
ورواية علي بن سويد السائي الثقة ـ المروية بأسانيد مختلفة عنه ـ عن أبي الحسن (عليه السلام) في حديث قال : كتب إليّ في رسالته إليّ: وسألت عن الشهادات لهم ، فأقم الشهادة لله ولو على نفسك أو الوالدين والأقربين فيما بينك وبينهم ، فان خفت على أخيك ضيماً فلا(1) .
هذا ، ولكن صاحب الجواهر(2) تبعاً للمحقّق في الشرائع(3) جعل الأظهر في المسألة المنع ، نظراً إلى أنّ الرواية الدالّة عليه وإن كانت مرسلة إلاّ انّها منجبرة بفتوى المشهور بل المجمع عليه ، وأنّ المرتضى لم يقل بالجواز إلاّ بمقتضى إطلاق كلامه في الانتصار(4) لا صريحه ، وأنّ الإسكافي قد اختلف النقل عنه ، بل ربما يقال(5) بأنّه لم يتعرّض للمسألة ، فلا يبقى إلاّ الشهيد في الدروس(6) وجملة من المتأخّرين عنه(7) ، والأوّل قد اختار المنع في شرح الإرشاد(8) ، والآية الظاهرة في الجواز غير صريحة في الشهادة بالمعنى المراد في المقام ، والروايتان الدالّتان عليه لا جابر لهما بالإضافة إلى مفادهما .
ولكن يرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ الجواز لا يحتاج إلى إقامة الدليل عليه ، بل
(1) وسائل الشيعة : 27 / 315 ، كتاب الشهادات ب3 ح1 .
(2) جواهر الكلام : 41 / 78 .
(3) شرائع الإسلام : 4 / 915 .
(4) الإنتصار : 496 مسألة 273 .
(5) قاله العلاّمة في مختلف الشيعة : 8 / 510 مسألة 84 ، وكذا الشهيد الثاني في مسالك الأفهام : 14 / 195 .
(6) الدروس الشرعية : 2 / 132 .
(7) كأبي العباس في المقتصر : 389 ، والشهيد الثاني في مسالك الأفهام : 14 / 195 ـ 196 ، والمقدّس الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان : 12 / 405 ـ 406 .
(8) حكى عنه في مسالك الأفهام : 14 / 196 .
(الصفحة440)
اللازم ملاحظة دليل المنع ـ أنّ غاية ما يمكن أن يقال بالإضافة إلى الآية عدم اختصاصها بالشهادة بالمعنى الأخصّ لا عدم دخولها فيها قطعاً ، كما أنّ الحمل على صورة الموت خلاف الظاهر جدّاً ، وان ادّعي الاجماع على القبول في صورة الموت(1) ، فالإنصاف أنّ في المسألة تردّداً كما في المتن من وجود رواية دالّة على المنع ، وان كانت مرسلة غير معتبرة في حدّ ذاتها ، لكنّها منجبرة بفتوى المشهور شهرة محقّقة على طبقها لولا الاجماع ، ومستند بعض المدّعين للاجماع وان كان قابلا للخدشة كالشيخ الذي يستند إلى قاعدة اللطف الممنوعة كما حقّق في محلّه ، إلاّ أنّ عدم حكاية الخلاف الصريح عمّن قبل الشهيد في الدروس يؤيّد تحقّقه ، والروايتان الدالّتان على الجواز لا تكونان منجبرتين ; لعدم الدليل على عدم جواز الشهادة على المعسر وان لا يكون اعساره ثابتاً عند المدّعى ، أو يعمل بالإضافة إليه على خلاف أمر الله ورسوله ، وكذا بالنسبة إلى الضيم الذي يكون معناه المظلوم ، ومن أنّ السيّد في الانتصار يجعل ممّا انفردت به الإمامية القول بجواز شهادة ذوي الأرحام بعضهم لبعض إذا كانوا عدولا ، ويستثنى ما يقول به بعض الأصحاب: من عدم جواز شهادة الولد على والده ، وحمل الآية على حال الموت أو على عدم كون المراد الشهادة الاصطلاحية أصلا خلاف الظاهر ، وان كان يؤيّده الشهادة على الأنفس غير المحققة في باب القضاء ، كما لايخفى .
الأمر الثاني : لا إشكال ولا خلاف في اعتبار شهادة الزوج لزوجته وبالعكس في الجملة ، وانّما الإشكال في اعتبار الضميمة وعدمه ، قال المحقّق في الشرائع : وكذا
(1) غنية النزوع : 440 .
|