(الصفحة441)
تقبل شهادة الزوج لزوجته والزوجة لزوجها مع غيرها من أهل العدالة ، ومنهم من شرط في الزوج الضميمة كالزوجة(1) ، ولا وجه له(2) .
هذا ، ولكن حكى صاحب الجواهر عن المتأخرين كافّة(3) وظاهر أكثر القدماء(4) عدم اعتبار الضميمة في الزوجة أيضاً(5) ، والروايات الواردة في هذا المجال لا تتجاوز عن ثلاث :
الأولى : صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : قال : تجوز شهادة الرجل لامرأته ، والمرأة لزوجها إذا كان معها غيرها(6) ، والظاهر انّ ضميري التأنيث في آخر الرواية ترجعان إلى الزوجة ، فيكون الحكم مختصاً بها لا إلى الشهادة حتى يعمّ الحكم لكليهما ، فالرواية ظاهرة أو صريحة في التفصيل بين الزوجين ، وأنّ شهادة الزوج لا تحتاج إلى انضمام الغير بخلاف شهادة الزوجة .
الثانية : موثّقة سماعة في حديث ، قال: سألته عن شهادة الرجل لامرأته؟ قال : نعم ، والمرأة لزوجها؟ قال : لا ، إلاّ أن يكون معها غيرها(7) ، وحمل قوله(عليه السلام) : «نعم» على أنّه مجرّد خطاب ، ومرجعه إلى تفهيم السائل أنّه في مقام الاستماع كما هو متعارف الآن في المخاطبة ، والجواب عن كليهما هو قوله : «لا» إلى آخره خلاف
(1) كالشيخ في النهاية : 330 ، والقاضي في المهذّب : 2 / 557 ، وابن حمزة في الوسيلة : 231 .
(2) شرائع الإسلام : 4 / 915 .
(3) راجع رياض المسائل : 9 / 479 .
(4) المقنعة : 726 ، المبسوط : 8 / 220 ، الخلاف : 6 / 299 مسألة 49 ، الكافي في الفقه : 436 ، السرائر : 2/134 .
(5) جواهر الكلام : 41 / 79 .
(6) وسائل الشيعة : 27 / 366 ، كتاب الشهادات ب25 ح1 .
(7) وسائل الشيعة : 27 / 367 ، كتاب الشهادات ب25 ح3 .
(الصفحة442)
الظاهر جدّاً ، كما أنّ إرجاع ضميري التأنيث إلى الشهادة يكون كذلك ، فالإنصاف ظهور الرواية في التفصيل أيضاً ، كالرواية السابقة .
الثالثة : رواية عمّار بن مروان قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام) ـ أو قال: سأله بعض أصحابنا ـ عن الرجل يشهد لامرأته؟ قال : إذا كان خيراً جازت شهادته(1) ، وهذه الرواية ظاهرة في عدم اعتبار الضميمة في شهادة الزوج من دون تعرّض للعكس .
وأنت خبير أنّه بملاحظة هذه الروايات لابدّ وأن يقال بعدم اعتبار الضميمة في شهادة الزوج ، وامّا بالإضافة إلى شهادة الزوجة فقد يقال كما في الجواهر(2) : بأنّه يحتمل أن يكون ورود الشرط في الصحيحة والموثقة الاُوليين مورد الغالب ، وعليه فلا دلالة لهما على العدم في غيره ، ولكنّ الظاهر أنّه لا مجال لهذا الاحتمال خصوصاً في الموثقة المشتملة على النفي والاثبات ، فتدبّر جيّداً . فالإنصاف تمامية دلالة الرواية على التفصيل كما اختاره المحقّق في الشرائع على ما عرفت .
نعم اعتبار الضميمة في الزوجة انّما هو باعتبار كونها مرأة لا زوجة; لعدم اعتبار شهادة المرأة الواحدة حتى مع ضمّ اليمين ، كما تقدّم في كتاب القضاء(3) ، نعم مقتضى اطلاق ما دلّ على ثبوت الربع بشهادة المرأة الواحدة في باب الوصية ثبوت الربع في ذلك المقام مع شهادة الزوجة فقط ، وممّا ذكرنا يظهر أنّ جعل الفائدة وظهورها في باب الوصية من جهة ثبوت الربع بشهادة الزوجة فقط ـ مع عدم اعتبار الضميمة وعدم ثبوت الربع بها ، بناء على اعتبار الضميمة كما في المتن ـ ليس على ما
(1) وسائل الشيعة : 27 / 366 ، كتاب الشهادات ب25 ح2 .
(2) جواهر الكلام : 41 / 79 .
(3) ص189 مسألة 1 من «القول في الشاهد واليمين».
(الصفحة443)
مسألة 6 ـ تقبل شهادة الصديق على صديقه وكذا له ، وإن كانت الصداقة بينهما أكيدة والموادّة شديدة ، وتقبل شهادة الضيف وإن كان له ميل إلى المشهود له . وهل تقبل شهادة الأجير لمن آجره؟ قولان : أقربهما المنع ، ولو تحمّل حال الإجارة وأدّاها بعدها تقبل1.
ينبغي ، وإن كان يظهر ذلك من صاحب الجواهر(1) أيضاً تبعاً للشرائع(2); لأنّ الظاهر أنّ إطلاق ما ورد(3) في ثبوت الربع بشهادة المرأة في باب الوصية ثبوته بشهادتها ، مع أنّه لم يكن غيرها معها .
وامّا إذا كانت الضميمة موجودة فلا مجال لدعوى ثبوت الربع فقط ، والظاهر أنّ المستند في ذلك كون الروايتين في شهادة الزوجة في المقام الدالتين على اعتبار الضميمة أخصّين مما ورد في ثبوت الربع بشهادة المرأة في باب الوصية فيخصّص بهما ، مع أنّ الظاهر ما عرفت من أنّ اعتبار الضميمة في شهادة الزوجة انّما هو باعتبار كونها مرأة ولاخصوصية للزوجة في ذلك، وعليه فالظاهر أنّ إطلاق ما ورد في باب الوصية الشامل للزوجة محكّم على الروايتين الواردتين فيها ، وحاكم عليهما ، ودالّ على أنّ اعتبار الضميمة انّما هو في غير باب الوصية ، وامّا في ذلك الباب فشهادة الزوجة كافية ولو من دون انضمام ، فتدبّر في المقام فانّه من مزالّ الأقدام .
1 ـ في هذه المسألة فروع :
الأوّل : أنّه تقبل شهادة الصديق لصديقه وكذا عليه ، وان كانت الصداقة كاملة
(1) جواهر الكلام : 41 / 80 .
(2) شرائع الإسلام : 4 / 915 .
(3) وسائل الشيعة : 27 / 355 ، كتاب الشهادات ب24 ح15 و 16 .
(الصفحة444)
والموادّة كثيرة شديدة ، ولا خلاف فيه بيننا بل الإجماع عليه(1) ، مضافاً إلى أنّ القبول لا يحتاج إلى الدليل; لأنّ المانع هي التهمة العرفية ، وقد عرفت أنّه لا دليل على مانعيتها مطلقاً مع ثبوت العدالة المانعة عن التسامح في مقام الشهادة ، خلافاً لمالك(2) وبعض الشافعية(3) ، فردّها مع الملاطفة ، وضعفه ظاهر .
الثاني : أنّه تقبل شهادة الضيف وإن كان له ميل إلى المشهود له ، بلا خلاف فيه بيننا(4) ، ويدلّ عليه ـ مع أنّ القبول لا يحتاج إلى الدليل كما عرفت ـ موثقة أبي بصير ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : لا بأس بشهادة الضيف إذا كان عفيفاً صائناً . قال : ويكره شهادة الأجير لصاحبه ، ولا بأس بشهادته لغيره ، ولا بأس به له بعد مفارقته(5) .
الثالث : قبول شهادة الأجير لمن آجره وعدمه ، وفيه قولان ، فالمشهور بين المتأخّرين بل في محكيّ المسالك(6) نسبته إليهم هو القبول ، والمحكي عن أكثر المتقدّمين كالصدوقين(7) والشيخ في بعض كتبه(8) والحلبي (9) والقاضي(10) وبني حمزة
(1) راجع جواهر الكلام : 41 / 80 .
(2) المدوّنة الكبرى : 5 / 156 ، المغني لابن قدامة : 12 / 70 ، الخلاف : 6/299 مسألة 48 .
(3) نسب إليهم الشهيد الثاني في مسالك الأفهام : 14 / 199 ، ولكن لم ينقل هذا الخلاف عن الشافعية في كتب العامّة ، راجع الحاوي الكبير : 21 / 175 ، المغني لابن قدامة : 12 / 70 ، العزيز شرح الوجيز : 13 /30 .
(4) راجع مسالك الأفهام : 14 / 200 .
(5) وسائل الشيعة : 27 / 372 ، كتاب الشهادات ب29 ح3 .
(6) مسالك الأفهام : 14 / 200 .
(7) المقنع : 398 ، الهداية : 75 ، وحكاه عن الصدوقين العلاّمة في مختلف الشيعة : 9/501 مسألة 78 .
(8) النهاية : 325 .
(9) الكافي في الفقه : 436 .
(10) المهذّب : 2 / 558 .
(الصفحة445)
وزهرة(1) عدم القبول ، واستقرب في المتن هذا القول .
ويدلّ على الأوّل ـ مضافاً إلى أنّ الجواز لا يحتاج إلى إقامة الدليل عليه ـ الموثقة المتقدّمة في الفرع الثاني بناء على إرادة المعنى المصطلح من الكراهة المذكورة فيها .
ويدلّ على القول الثاني الروايات المستفيضة :
منها : موثقة سماعة قال : سألته عمّا يردّ من الشهود؟ قال : المريب ، والخصم ، والشريك ، ودافع مغرم ، والأجير ، والعبد ، والتابع ، والمتهم ، كلّ هؤلاء تردّ شهاداتهم(2) .
ومثلها مرسلة الفقيه ، وإن كانت مشتملة على عدم قبول شهادة شارب الخمر ، واللاعب بالشطرنج والنرد ، والمقامر(3) ، ورواية العلاء بن سيابة ، عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : كان أمير المؤمنين(عليه السلام) لا يجيز شهادة الأجير(4) .
ومنها : مرسلة الصدوق في معاني الأخبار المعتبرة المتقدّمة ، المشتملة على عدم قبول شهادة جماعة ، منهم : القانع مع أهل البيت ، مع تفسير الصدوق بأنّ المراد به رجل يكون مع قوم في حاشيتهم ، كالخادم لهم والتابع والأجير(5) .
ومنها : صحيحة صفوان ، عن أبي الحسن(عليه السلام) قال : سألته عن رجل أشهد أجيره على شهادة ثم فارقه ، أتجوز شهادته له بعد أن يفارقه؟ قال : نعم ، وكذلك
(1) الوسيلة : 230 ، غنية النزوع : 440 .
(2) وسائل الشيعة : 27 / 378 ، كتاب الشهادات ب32 ح3 .
(3) وسائل الشيعة : 27 / 379 ، كتاب الشهادات ب32 ح7 .
(4) وسائل الشيعة : 27 / 372 ، كتاب الشهادات ب29 ح2 .
(5) تقدّمت في ص431.
(الصفحة446)
العبد إذا اُعتق جازت شهادته(1) .
هذا ، ومقتضى الجمع الدلالي العرفي بين هذه الروايات ـ مع كثرتها ووجود الصحيحة والموثقة أو كالصحيحة فيها مع موثقة أبي بصير المتقدّمة المشتملة على لفظ الكراهة ـ حمل الكراهة فيها على غير المعنى المصطلح وغير المنافية مع الحرمة ، كما أنّه ربما تستعمل الكراهة في هذا المعنى كثيراً ، وبذلك يتحقّق الخروج عن عنوان المتعارضين الذي هو الموضوع في الأخبار العلاجيّة ، ولا مجال لاحتمال العكس بأن تجعل الكراهة في الموثقة قرينة على عدم إرادة الحرمة من الروايات الدالة على المنع; لأنّه مضافاً إلى عدم موافقة العرف مع ذلك ـ وإلى أنّ الكراهة الاصطلاحية لا معنى لأن تستعمل في الحكم الوضعي الذي هو المقصود في المقام من نفوذ شهادة الأجير وعدمه ، بل لابدّ أن يكون متعلّقها فعل المكلّف من الاشهاد أو تحمّل الشهادة أو إقامتها كما لا يخفى ، فلابدّ أن يكون المراد بها هي الحرمة الوضعية الراجعة إلى عدم القبول ـ تكون الأخبار الناهية مشتملة على من لا تقبل شهادته قطعاً .
ودعوى أنّه لا مانع من الحمل على الكراهة بالمعنى الأعمّ من الحرمة والكراهة مدفوعة ، بأنّه وان كان يمكن ذلك بالإضافة إلى صيغة النهي ، إلاّ أنّ التعبير في كثيرها بما يردّ من الشهود ، وذكر بعض من يردّ مسلّماً مانع عن ذلك ، فالإنصاف يقتضي ما أفاده في المتن من القول بالمنع ، كما لايخفى .
ثمّ إنّه ربما يستشكل في بعض الروايات المانعة كالموثقة والمرسلة ، وكذا تفسير الصدوق بالإضافة إلى مرسلة معاني الأخبار بالاشتمال على التابع قبل الأجير أو
(1) وسائل الشيعة : 27 / 371 ، كتاب الشهادات ب29 ح1 .
(الصفحة447)
بعده ، مع أنّه لا قائل معتدّ به بأنّه لا تقبل شهادة التابع ، كما أفاده في الجواهر قال : وبذلك تضعف دلالة الخبرين المزبورين; لكون المراد بالردّ فيهما حينئذ الأعمّ من الردّ الواجب والمرجوح ، بل قد يقوّى بقرينة خبر أبي بصير المنجبر بفتوى المتأخرين تعيين إرادة الردّ الكراهي بالمعنى الذي ذكرناه(1) .
ويرد عليه ـ مضافاً إلى ما عرفت من أنّ الكراهة الاصطلاحية لا معنى لها في الأحكام الوضعية المردّدة بين الوجود والعدم ـ أنّ عدم وجود القائل المعتدّ به بعدم قبول شهادة التابع على فرض تحقّق الشهرة وثبوتها لا يوجب إلاّ الإعراض عن خصوص هذا الحكم ، ولا يقتضي الاعراض عن الجميع ، والظاهر أنّ في تعارض الشهرتين القدماء والمتأخّرين يكون الترجيح مع الأوّل ، كما حقّق في محلّه ، وإن كان يظهر من الجواهر الثاني .
ثم إنّ الظاهر أنّ المراد بالأجير ـ بعد كونه عنواناً غير المستأجر ـ هو الأجير الخاصّ الذي استؤجر بجميع منافعه في مدّة معينة ، ولا أقلّ بمنفعته الخاصة في تلك المدّة ، وأمّا الأجير لعمل مخصوص كالخياطة والقصارة فلا منع فيه ، وإلاّ يلزم المحذور في كثير من الموارد سيّما إذا لم يعتبر فيه المباشرة ، بل كان المستأجر عليه العمل الكلّي في الذمة ، مع أنّ التعبير بالمفارقة كما في بعض الروايات لا يناسب مطلق الأجير ، وأنّ جعل الأجير من مصاديق القانع مع أهل البيت ، وعطفه على التابع والخادم في مرسلة الصدوق المعتبرة المتقدّمة يؤيّد هذا المعنى ، كما لايخفى .
ثم إنّ الظاهر أيضاً أنّ المراد هو الأجير في حال اداء الشهادة وإقامتها ، وامّا
(1) جواهر الكلام : 41 / 85 ـ 86 .
(الصفحة448)
مسألة 7 ـ من لا يجوز شهادته لصغر أو فسق أو كفر إذا عرف شيئاً في تلك الحال ثم زال المانع و استكمل الشروط فأقام تلك الشهادة تقبل ، و كذا لو أقامها في حال المانع فردّت ثم أعادها بعد زواله ، من غير فرق بين الفسق و الكفر الظاهرين و غيرهما.1
الأجير حال التحمّل المؤدّي في حال عدم كونه أجيراً فالظاهر أنّه لا منع فيه ، ويدلّ عليه الصحيحة المتقدّمة الدالّة على الجواز بعد أن يفارقه ، كما لايخفى .
1 ـ وقع التعرّض في هذه المسألة لأمرين :
أحدهما : انّ الصفات المعتبرة في الشاهد المتقدمة كالبلوغ والايمان والعدالة انّما يعتبر فيه في حال إقامته الشهادة وادائها ، سواء كانت موجودة في حال التحمّل أيضاً أم لم تكن موجودة في تلك الحال ، فلو تحمّل في حال وجود المانع وزال المانع في حال الإقامة تكون شهادته مقبولة ، وذلك لأنّ ظاهر أدلّة اعتبار تلك الصفات اعتبارها عند الإقامة ، ومقتضى إطلاقها أنّه لا فرق بين الوجود حال التحمّل أيضاً وبين عدمه ، مضافاً إلى خصوص ما ورد من ذلك في الصغير والكافر وغيرهما .
مثل صحيحة صفوان بن يحيى ، أنّه سأل أبا الحسن(عليه السلام)عن رجل أشهد أجيره على شهادة ثم فارقه ، أتجوز شهادته بعد أن يفارقه؟ قال : نعم . قلت : فيهوديٌّ أشهد على شهادة ثم أسلم أتجوز شهادته؟ قال : نعم(1) ، وغيرها من الروايات التي ادّعيت استفاضتها بل تواترها(2) ، نعم في صحيحة جميل قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن نصرانيّ أشهد على شهادة ثم أسلم بعد أتجوز شهادته؟ قال : لا(3) . وقال
(1) وسائل الشيعة : 27 / 387 ، كتاب الشهادات ب39 ح2 .
(2) راجع جواهر الكلام : 41 / 86 .
(3) وسائل الشيعة: 27 / 389، كتاب الشهادات ب39 ح7 .
(الصفحة449)
مسألة 8 ـ إذا سمع الإقرار مثلا صار شاهداً وإن لم يستدعه المشهود له أو عليه ، فلا يتوقف كونه شاهداً على الاشهاد والاستدعاء ، فحينئذ إن لم يتوقّف أخذ الحقّ على شهادته فهو بالخيار بين الشهادة والسكوت ، وان توقّف وجبت عليه الشهادة بالحق ، وكذا لو سمع إثنين يوقعان عقداً كالبيع ونحوه أو شاهد غصباً أو جناية ، ولو قال له الغريمان أو أحدهما : لا تشهد علينا فسمع ما يوجب حكماً ففي جميع تلك الموارد يصير شاهداً1.
صاحب الوسائل بعد نقلها : ذكر الشيخ أنّه خبر شاذّ ، وحمله على التقية; لأنّه مذهب بعض العامة(1) ـ إلى أن قال : ـ ويحتمل الحمل على ما لو شهد بها في حال كفره ، فلا تقبل وان أسلم بعد ، وعلى عدم عدالته بعد الإسلام .
ثانيهما : لو أقامها أحدهم في حال المنع فردّت الشهادة لأجل ذلك ثم أعادها بعد زوال المانع قبلت أيضاً ، ضرورة أنّ ردّها للمانع لا ينافي قبولها بعد زواله ، إذ كلّ منهما قد كان لأدلّته من غير فرق بين الفسق والكفر الظاهرين وغيرهما ، نعم ذكر المحقّق في الشرائع : امّا الفاسق المستتر إذا أقام فردّت ـ أي بجرحه ممّن له خبرة بباطن أمره ـ ثم تاب وأعادها ، فهنا تهمة الحرص على دفع الشبهة عنه; لاهتمامه باصلاح الظاهر(2) ، بل ربما حكي ذلك قولا وإن كان لم يعرف قائله .
1 ـ إذا سمع الشاهد الإقرار فقط يصير بالسّماع شاهداً من غير فرق بين أن يستدعيه المشهود له أو عليه وبين ما إذا لم يستدعه ، فلايتوقّف كونه شاهداً ومتصفاً بهذا العنوان على الاستشهاد والاستدعاء ، فحينئذ ان لم يتوقّف أخذ الحق
(1) التهذيب : 6 / 254 ، الإستبصار : 3 / 19 .
(2) شرائع الإسلام : 4 / 916 .
(الصفحة450)
على شهادته وادائه للشهادة فلا دليل على وجوب إقامته الشهادة وادائه لها; لأنّ المفروض عدم الاشهاد ، وعدم توقّف أخذ الحق على شهادته وسماعه للإقرار لا يوجب عليه ذلك ، فهو بالخيار بين الشهادة والاباء عن إقامتها واختيار السكوت . وان توقف عليها ففي المتن أنّه وجبت عليه الشهادة بالحقّ ، وقد ورد في أصل المسألة روايات متعدّدة .
مثل صحيحة ابن مسلم ، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : إذا سمع الرجل الشهادة ولم يشهد عليها فهو بالخيار ، إن شاء شهد وإن شاء سكت(1) .
وصحيحة هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : إذا سمع الرجل الشهادة ولم يشهد عليها فهو بالخيار ، إن شاء شهد وإن شاء سكت . وقال : إذا أشهد لم يكن له إلاّ أن يشهد(2) .
وقد روى في الوسائل عن محمد بن مسلم ما يتجاوز عن أربع روايات بهذا المضمون في باب واحد ، وفي بعضها استثناء ما «إذا علم مَن الظالم فيشهد» وزيادة «ولا يحلّ له إلاّ أن يشهد»(3) .
ولكنّ الظاهر أنّ الروايات الدالّة على الخيار بين الشهادة والسكوت محمولة على صورة عدم توقّف أخذ الحق على الشهادة ، وإلاّ فمقتضى قوله تعالى : {وأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلّهِ}(4) ـ بناء على كون المراد وجوب إقامة الشهادة مطلقا لا خصوص الشهادة عقيب الاشهاد مطلقاً أو خصوص الطلاق ، كما ربما يؤيّد الأخير وقوعه
(1) وسائل الشيعة : 27 / 317 ، كتاب الشهادات ب5 ح1 .
(2) وسائل الشيعة : 27 / 318 ، كتاب الشهادات ب5 ح2 .
(3) وسائل الشيعة : 27 / 318 ، كتاب الشهادات ب5 ح4 .
(4) الطلاق 65 : 2 .
(الصفحة451)
مسألة 9 ـ المشهور بالفسق إن تاب لتقبل شهادته لا تقبل حتى يستبان منه الاستمرار على الصلاح وحصول الملكة الرادعة . وكذا الحال في كلّ مرتكب للكبيرة بل الصغيرة ، فميزان قبول الشهادة هو العدالة المحرزة بظهور الصّلاح ، فإن تاب وظهر منه الصّلاح يحكم بعدالته وتقبل شهادته1.
عقيب قوله تعالى : {وَأَشهِدُوا ذَوَي عَدل مِنكُم}(1) ، والروايات الكثيرة الدالّة على وجوب الإقامة(2) ـ الوجوب مطلقا ، وانّها بمنزلة الأمانة التي يجب على من عنده اداؤها ، وان لم يستأمنه إيّاها صاحبها ، نحو الثوب الذي أطارته الريح عند غير صاحبه ، ويؤمي إليه استثناء صورة العلم بالظالم في جملة من الروايات التي منها ما عرفت ، وظاهر إطلاق كثير من الروايات المتقدّمة وجوب الشهادة عند الإشهاد مطلقاً ولو لم يتوقف أخذ الحق عليها ، وعليه ففي المسألة تفصيل بين صورة الإشهاد وعدمه ، كما عليه جماعة من قدماء الفقهاء(3) ، بل لعلّه يظهر من صاحب الجواهر(قدس سره)(4) .
هذا ، ومثل الإقرار ما لو سمع الشاهد أنّهما يوقعان عقداً ، أو شاهد غصباً أو جناية ، أو قال له الغريمان أو أحدهما : لا تشهد علينا فسمع ما يوجب حكماً ، ففي جميع تلك الموارد يصير شاهداً .
1 ـ غير خفيّ أنّ المشهور بالفسق إن تاب لغرض قبول شهادته ـ لأنّ شهادة
(1) الطلاق 65 : 2 .
(2) راجع وسائل الشيعة : ب 1 و 2 من كتاب الشهادات .
(3) كالشيخ في النهاية : 330 ، والقاضي في المهذّب : 2 / 561 ، وأبي الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : 436 ، وابن زهرة في غنية النزوع : 441 .
(4) جواهر الكلام : 41 / 102 .
(الصفحة452)
الفاسق غير مقبولة ـ لا تقبل شهادته بمجرّد التوبة ، بل لابُدّ أن يتحقّق فيه الملكة الرادعة والاستمرار على الصلاح بالإجتناب عن ترك الواجبات والإتيان بالمحرمات ، الذي يمنع عن تحقّق العدالة ، وحكى المحقّق في الشرائع(1) عن الشيخ أنّه قال : يجوز أن يقول ـ أي الحاكم للفاسق ـ : تب أقبل شهادتك(2) ، ولكن في الجواهر : إنّ التوبة لقبول الشهادة ليست توبة حقيقية ، بل يمكن أن تكون هي فسقاً آخر باعتبار منافاة ذلك للاخلاص المعتبر فيها(3) .
هذا ، ولكنّ الظاهر أنّ المنافاة للاخلاص مانعة عن كونها هي التوبة المأمور بها ، ولا تستلزم كونها فسقاً إلاّ أن يقال : بأنّ لازم ذلك عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه وهو يستلزم ذلك ، فتدبّر جيّداً .
وكيف كان فمثل هذه التوبة لا يوجب قبول الشهادة ، ومقتضى الإطلاق عدم القبول ولو كانت الشهرة بالإضافة إلى فسق واحد ولو مرّة واحدة ، ومن الواضح عدم منافات بعض صوره لبقاء الملكة الرادعة ، إلاّ أن يقال : بأنّ المراد بالمشهور بالفسق من لا يكون فيه الملكة الرادعة لارتكابه معاصي متعدّدة ، أو المعصية الواحدة أزيد من مرّة ، كما يؤيّده عطف المرتكب للكبيرة عليه مرّة واحدة ، مع أنّ ارتكاب الكبيرة كذلك لا يوجب زوال الملكة على تقديرها ، وتتحقّق العدالة بمجرّد التوبة عنها حقيقة ، ويمكن أن يقال في وجه كلام الشيخ(قدس سره) : إنّ العدالة عنده كما تقدّم في البحث عن حقيقة العدالة لا تكون عبارة عن الملكة الراسخة المشهورة في معنى العدالة، بل أمر آخر يتحقّق بمجرّد التوبة، ولايكون كلامه مشعراً بأنّ الغاية
(1) شرائع الإسلام : 4 / 917 .
(2) المبسوط : 8 / 179 .
(3) جواهر الكلام : 41 / 110 .
(الصفحة453)
الحقيقية للتوبة هي قبول الشهادة ، خصوصاً مع أنّ قبول الشهادة مترتّب على التوبة الواقعية ، كالصلاة الإستيجارية التي يترتّب استحقاق الأجرة على الإتيان بالعمل المستأجر عليه ، وهي الصلاة مثلا بعنوان العبادة وقصد القربة ، وقد تكلّمنا في كتابنا «القواعد الفقهية»(1) في عدم المنافاة بين أخذ الاُجرة والإتيان بالواجب ، سواء كان الواجب هو الوفاء بعقد الإجارة أو عنوان العمل بنفسه .
وبالجملة : فقد ذكر في المتن : إنّ الميزان في قبول الشهادة هي العدالة المحرزة بظهور الصلاح ، مع انّك عرفت أنّ الشارع جعل حسن الظاهر في باب العدالة أمارة شرعية ، كما دلّت عليه صحيحة ابن أبي يعفور(2) المشهورة في باب العدالة ، ومعنى كونها أمارة شرعية أنّه مع ثبوتها لا معنى للرجوع إلى استصحاب الفسق; لأنّه لا مجال للأصل مطلقاً مع وجود الأمارة ، كما أنّه لا تحتاج إلى حصول الظنّ الشخصي ، بل هي حجّة ولو مع الظن الشخصي بالخلاف .
وحينئذ فمراد المتن إن كان لزوم احراز العدالة الواقعية فيرد عليه أنّه لا دليل عليه ، وإن كان وجود ما يكشف عنها شرعاً فلا مانع منه ، كما لايخفى .
(1) القواعد الفقهية : 1 / 590 .
(2) وسائل الشيعة : 27 / 391 ، كتاب الشهادات ب41 ح1 .
(الصفحة454)
(الصفحة455)
القول فيما به يصير الشاهد شاهداً
مسألة 1 ـ الضابط في ذلك العلم القطعي واليقين ، فهل يجب أن يكون العلم مستنداً إلى الحواس الظاهرة فيما يمكن كالبصر في المبصرات والسمع في المسموعات والذوق في المذوقات وهكذا ، فإذا حصل العلم القطعي بشيء من غير المبادئ الحسيّة حتى في المبصرات من السماع المفيد للعلم القطعي لم يجز الشهادة ، أم يكفي العلم القطعي بأيّ سبب كالعلم الحاصل من التواتر والاشتهار؟ وجهان ، الأشبه الثاني ، نعم يشكل جواز الشهادة فيما إذا حصل العلم من الاُمور غير العادية ، كالجفر والرمل وان كان حجّة للعالم1.
1 ـ قال المحقّق في الشرائع : والضابط العلم لقوله تعالى : {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}(1) ، ومستندها امّا المشاهدة ، أو السماع ، أو هما إلى آخره(2) .
أقول : قبل ذكر الآيات والكتاب في هذا المجال ينبغي التعرّض لاُمور مرتبطة بهذا المقال ، وهي :
(1) الإسراء 17 : 36 .
(2) شرائع الإسلام : 4 / 917 .
(الصفحة456)
1 ـ انّ اصطلاح الشهيد والشاهد اصطلاح قرآني ، وإن كانت الروايتان المنقولتان عن النبي(صلى الله عليه وآله) مشتملتين على ذكر البيّنة ، مثل قوله(صلى الله عليه وآله) : انّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان(1) وقوله(صلى الله عليه وآله) : البيّنة على من ادّعى ، واليمين على من ادّعي عليه(2) ، وامّا القرآن فهو مشتمل على مثل قوله تعالى : {وَاستَشهِدُوا شَهِيدَينِ مِن رِجَالِكُم}(3) ، وغيره ممّا وردت فيه هذه العبارة .
2 ـ انّ الشاهد مشتق من الشهود في مقابل الغيب ، والشاهد في مقابل الغائب ، والغيب المطلق هو البارئ تعالى ، فالشاهد من يكون حاضراً ولا يكون حاجز بينه وبين الواقعة إلاّ مثل الحواس الظاهرة بتفصيل يأتي إن شاء الله تعالى .
3 ـ قد عرفت أنّ الاتصاف بالشهادة لا يتوقّف على الاشهاد ، بل يجتمع حتى مع النهي عن الشهادة .
إذا عرفت ذلك فاعلم انّه ذكر في المتن : إنّ الضابط في ذلك العلم القطعي واليقين للكتاب والسّنة، أمّاالكتاب فمثل قوله تعالى : {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} ، وقد استدلّ به في الاُصول في باب أنّ الأصل في المظنة عدم الحجّية وعدم الاعتبار ، وما خرج من هذا الأصل فانّماخرج بدليل قطعي، والتحقيق الزائد موكول الى ذلك العلم.
وامّا السنّة فروايات متعدّدة ، مثل :
رواية الحسين بن سعيد المضمرة قال : كتب إليه جعفر بن عيسى : جعلت فداك جاءني جيران لنا بكتاب زعموا أنّهم أشهدوني على ما فيه ، وفي الكتاب اسمي بخطّي قد عرفته ولست أذكر الشهادة ، وقد دعوني إليها ، فأشهد لهم على
(1) وسائل الشيعة : 27 / 232 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ب2 ح1 .
(2) وسائل الشيعة : 27 / 233 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ب3 ح1 .
(3) البقرة 2 : 282 .
(الصفحة457)
معرفتي أنّ اسمي في الكتاب ولست أذكر الشهادة؟ أو لا تجب الشهادة عليّ حتى أذكرها كان اسمي في الكتاب أو لم يكن؟ فكتب : لا تشهد(1) .
ورواية عليّ بن غياث ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا تشهدنّ بشهادة حتى تعرفها كما تعرف كفّك(2) .
ورواية السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : لا تشهد بشهادة لا تذكرها ، فانّه من شاء كتب كتاباً ونقش خاتماً(3) .
وقوله(صلى الله عليه وآله) وقد سُئل عن الشهادة: هل ترى الشمس على مثلها فاشهد أو دع(4).
لكن في مقابلها صحيحة عمر بن يزيد المروية في الكتب الأربعة ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الرجل يشهدني على شهادة فأعرف خطّي وخاتمي ، ولا أذكر من الباقي قليلا ولاكثيراً، قال: فقال لي: إذاكان صاحبك ثقة ومعه رجل ثقة فاشهد له(5).
فإن كان المراد حصول العلم من هذه الثلاثة التي هي عبارة عن خطّه وخاتمه وكون صاحبه ثقة والرجل الآخر الذي معه ثقة ، كما ربما يؤيّده التعبير بكون الشاهد الآخر ثقة ، نظراً إلى أنّ المراد من الوثاقة هي العدالة; لأنّها الشرط الرابع المعتبر في الشاهد كما عرفت ، وعليه يصير قرينة على أنّ المراد بكون الصاحب ثقة هي العدالة أيضاً ، فاجتماع عدلين مع وجود خطّه وخاتمه يفيد العلم غالباً ، وعليه فلا تعارض بين الطائفتين ، بل الجمع الدلالي العقلائي المخرج عن موضوع
(1) وسائل الشيعة : 27 / 322 ، كتاب الشهادات ب8 ح2 .
(2) وسائل الشيعة : 27 / 322 ، كتاب الشهادات ب8 ح3 .
(3) وسائل الشيعة : 27 / 323 ، كتاب الشهادات ب8 ح4 .
(4) مستدرك الوسائل : 17 / 422 ، كتاب الشهادات ب15 ح2 .
(5) وسائل الشيعة : 27 / 321 ، كتاب الشهادات ب8 ح1 .
(الصفحة458)
المتعارضين موجود ، فيخرج عن الاخبار العلاجية التي موضوعها المتعارضان عند العرف والعقلاء ، كما لايخفى .
وان لم يكن المراد خصوص صورة العلم بل أعمّ منها ومن صورة عدم العلم فتارة يقال : بأنّ الصحيحة معرَض عنها نظراً إلى أنّ اعتبار كون المدّعي أيضاً ثقة لم يقل به من الجماعة غير والد الصدوق رحمهما الله تعالى(1) ، فالعامل بها على هذا نادر كما أفاده في الرياض(2) ، واُخرى لا يقال بذلك ، لا إشكال على الأوّل في لزوم طرح الصحيحة; لأن اعراض المشهور عن رواية ولو كانت في عليا درجة الصحّة قادح في اعتبارها ، كما ذكرنا مراراً .
وامّا على الثاني يشكل الأمر نظراً إلى أنّ التعارض بينها وبين الروايات المتقدّمة الدالّة على اعتبار العلم تعارض العموم من وجه; لاختصاص تلك الروايات بصورة العلم واختصاص هذه الصحيحة بما إذا كان المدّعي ثقة ويكون معه شاهد آخر كذلك ، ومورد الاجتماع صورة وجود هذين الشرطين وعدم تحقق العلم ، ولا مجال لدعوى تقدّم الروايات المتقدّمة لأجل الكثرة ، أو لأجل أنّ الشهرة بين المتأخّرين أرجح من الشهرة بين القدماء كما في الجواهر(3) ، وذلك لأنّ الكثرة لا تكون مرجّحة ، وأرجحيّة الشهرة المتأخّرة عن الشهرة المتقدّمة ممنوعة ، فاللازم أن يقال بعد عدم ثبوت الشهرة بين القدماء أصلا : بأنّ المرجّح حينئذ موافقة الكتاب التي أشار إليها المحقّق في عبارته المتقدّمة .
بقي في هذه المسألة أمران :
(1) حكاه عنه العلاّمة في مختلف الشيعة : 8 / 530 مسألة 92 .
(2) رياض المسائل : 9 / 564 .
(3) جواهر الكلام : 41 / 124 .
(الصفحة459)
مسألة 2 ـ التسامع والاستفاضة إن أفادا العلم تجوز الشهادة بهما لا لمجرّد الاستفاضة بل لحصول العلم . وحينئذ لا ينحصر في اُمور خاصّة كالوقف والزوجيّة والنسب والولاء والولاية ونحوها ، بل تجوز في المبصرات والمسموعات إذا حصل منهما العلم القطعي ، وإن لم يفدا علماً وإنّما أفادا ظنّاً ولو متأخماً للعلم ، ولا تجوز الشهادة بالمسبب ، نعم تجوز الشهادة بالسّبب بأن يقول : إنّ هذا مشهور مستفيض ، أو إنّي أظنّ ذلك أو من الاستفاضة1.
أحدهما : ما أفاده في المتن من انّ المبصرات والمسموعات والمذوقات ومثلها إن ادركت بالحواس الظاهرة المرتبطة بها فلا إشكال في الاكتفاء به في مقام الشهادة; لأنّها القدر المتيقّن من صورة العلم وان ادركت بالحواس الظاهرة غير المرتبطة ، كما إذا سمع المبصر وهكذا ، ففي الاكتفاء به وجهان ، جعل في المتن الأشبه الثاني ، والوجه فيه أنّه بعد تحقّق العلم بالحواس الظاهرة لا مجال للخدشة في اعتباره وكفايته في الشهادة ، وان كان بسبب غير الحاسة المرتبطة ، وأمّا إذا حصل العلم من الاُمور غير العادية كالجفر والرمل فهو وان كان حجّة بالنسبة إلى العالم; لعدم الفرق في حجّية القطع الطريقي بين سبب وسبب ، إلاّأنّ كفايته في مقام الشهادة مشكلة بل ممنوعة ; لانصراف الأدلّة إلى اعتبار العلم الحاصل من الاُمور العادية ، كالاكتفاء بذلك في مقام الافتاء ، كما لايخفى .
ثانيهما : انّا وإن ذكرنا مراراً أنّ العرف والعقلاء يعاملون مع الظنّ المتأخّم للعلم أي الاطمئنان معاملة القطع واليقين الذي هو حجّة عقلية ، إلاّ أنّ الظاهر عدم اعتباره في مقام الشهادة لظهور الأدلّة في خلافه .
1 ـ قال في محكي الدّروس : والضابط في تحمّل الشهادة العلم بالسّماع أو الرؤية
(الصفحة460)
أو بهما ، فيكفي الاستفاضة في تسعة : النّسب ، والملك المطلق ، والوقف ، والنكاح ، والموت ، والولاية ، والولاء ، والعتق ، والرقّ ، والمراد بها اخبار جماعة يتاخم قولهم العلم ، وقيل : يحصّله . وقيل : يكفي شاهدان بناء على اعتبار الظنّ(1) .
وحكي عن الإسكافي(2) الاقتصار فيه على النسب خاصّة ، وعن الاصباح(3)ثلاثة : النسب ، والموت ، والملك المطلق ، وفي النافع(4) والتبصرة(5) أربعة بحذف الموت وزيادة النكاح والوقف ، وفي محكي المبسوط(6) وجمع من الكتب الاُخرى(7)سبعة بزيادة العتق وولاية القاضي ، وعن جامع المقاصد(8) الولاء بدل الولاية ، وعن التحرير(9) ثمانية بزيادة الولاء ، وعن غيره(10) زيادة تاسع وهو الرّق ، وفي شرح الصيمري عشرة بزيادة العدالة ، بل قال: هذا هو المحقّق من فتاوى الأصحاب(11) ، بل قيل : بزيادة سبعة عشر إليها ، وهي العزل ، والرضاع ، وتضرّر الزوجة،والتعديل،والجرح، والإسلام، والكفر،والرشد،والسّفه،والحمل، والولادة، والوصاية، والحرّية ، واللوث ، والغصب ، والدين ، والإعسار . وكيف كان فقد اتّفق
(1) الدروس الشرعية : 2 / 134 .
(2) حكى عنه في مختلف الشيعة : 8 / 550 مسألة 109 .
(3) إصباح الشيعة: 531 .
(4) المختصر النافع : 289 .
(5) تبصرة المتعلّمين : 183 .
(6) المبسوط : 8 / 180 ـ 183 .
(7) كالوسيلة : 233 ، وقواعد الأحكام: 2 / 240 ، وإرشاد الأذهان: 2 / 160 ، واللمعة الدمشقية: 54.
(8) لم نعثر عليه ، ولكن حكى عنه في كشف اللثام : 2 / 381 ، وفي الوسيلة : 233 : «الولاء» بدل «الولاية» .
(9) تحرير الأحكام : 2 / 211 .
(10) كما في الدروس الشرعية على ما تقدّم من قوله .
(11) غاية المرام : 4 / 289 ، وقال في تلخيص الخلاف : 3 / 374 : هو المشهور عند محققي أصحابنا .
|