في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة181)

الرابع: الجلد والرجم معاً ، وهما حدّ الشيخ والشيخة إذا كانا محصنين ، فيجلدان أوّلا ثمّ يرجمان1 .

الخامس: الجلد والتغريب والجزّ ، وهي حدّ البكر ، وهو الذي تزوّج ولم يدخل بها على الأقرب2.


الاستدلال عليه بقوله تعالى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ }(1) نظراً إلى أنّه لو كانت المرأة الحرّة يجب عليها التغريب; لكان على الأمة نصف ذلك ، مع أنّ الإجماع على أنّه لا تغريب عليها ، وكذا ما يقال من أنّها لو غربت فإمّا مع محرم أو زوج {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}(2) أو بدونه ، وهو أيضاً غير جائز; لقوله(صلى الله عليه وآله): لا يحلّ لإمرأة أن تسافر من غير ذي محرم(3) . وكذا ما يقال من أنّ الشهوة غالبة فيهنّ ، والغالب أنّ انزجارهنّ عن الزنا لاستحيائهنّ من الأقارب ، ووجود الحفاظ لهنّ من الرجال، وبالتغريب تخرج من أيدي الحفاظ لهنّ من الرجال ، ويقلّ حيائهنّ لبعدهنّ من أقاربهنّ وربّما اشتدّ فقرهنّ ، فيصير مجموع ذلك سبباً لانفتاح باب هذه الفاحشة العظيمة عليهنّ ، وربّما يقهرن عليه إذا بعدن من الأقارب ، فإنّ شيئاً من ذلك لا يصلح دليلا في مقابل الروايات الصحيحة كما لا يخفى ، فالوجه ما ذكرنا .

1 ـ قد تكلّمنا في هذا القسم في القسم الثاني من أقسام حدّ الزنا مفصّلا .

2 ـ قد مرّ البحث في هذا القسم في القسم الثالث من تلك الأقسام أيضاً .


(1) سورة النساء4: 25 .
(2) سورة الأنعام 6: 164 .
(3) مسند أحمد: 3 / 54 ح7418 وص244 ح8496 .

(الصفحة182)

مسألة 3: الجزّ حلق الرأس ، ولا يجوز حلق لحيته ولا حلق حاجبه ، والظّاهر لزوم حلق جميع رأسه ، ولا يكفي حلق شعر الناصية1 .

مسألة 4: حدّ النفي سنة من البلدة التي جلد فيها ، وتعيين البلد مع الحاكم ، ولو كانت بلدة الحدّ غير وطنه لا يجوز النفي منها إلى وطنه ، بل لابدّ من أن يكون إلى غير وطنه . ولو حدّه في فلاة لا يسقط النفي ، فينفيه إلى غير وطنه ، ولا فرق في البلد بين كونه مصراً أو قرية2.


1 ـ قد وقع البحث في هذه الجهة في ذيل البحث في المورد الأوّل من الموارد الثلاثة التي يثبت فيها الجلد خاصّة .

2 ـ في هذه المسألة جهتان من البحث:
الاُولى: في مقدار النفي من حيث الزمان ، والظّاهر أنّه السنة ، لدلالة كثير من الروايات المتقدّمة على التقييد بها ، وبها يقيّد إطلاق ما كان خالياً عن هذا القيد وغير متعرّض لاعتبار السنة ، مع أنّه لا خلاف فيه ظاهراً .
الثانية: إنّ التغريب هل هو من مصره الذي هو وطن الزاني ، أو من بلد الجلد ووقوع الحدّ عليه ، أو من محلّ وقوع الزنا وتحقّق الجناية؟ وجوه حكي الثالث عن الشيخ في المبسوط(1) .
ويدلّ على الأوّل صريح رواية عبدالله بن طلحة المتقدّمة المشتملة على قوله (عليه السلام): «نفي سنة من مصره» وظاهر رواية محمّد بن قيس المتقدّمة أيضاً المشتملة على قوله: «نفي سنة في غير مصرهما» فإنّ ظاهرها نفي السنة من مصرهما


(1) المبسوط: 8/3 .

(الصفحة183)



إلى غيره .
وعلى الثاني رواية أبي بصير ، المشتملة على قوله (عليه السلام): «نعم من التي جلد فيها إلى غيرها» ورواية سماعة المشتملة على قوله (عليه السلام): «من الأرض التي جلد فيها إلى غيرها» .
وأمّا رواية مثنّى الحنّاط ، المشتملة على قوله (عليه السلام): «ينفى من الأرض إلى بلدة يكون فيها سنة» فقد احتمل في الجواهر(1) ظهورها فيما قاله الشيخ ، مع أنّه ممنوع ، ونظيرها رواية حنان بن سدير ، المشتملة على قوله (عليه السلام): «وينفى من المصر حولا» .
ثمّ إنّ هنا بعض الروايات الظّاهرة في أنّ النفي من بلد إلى بلد ، كرواية الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: النفي من بلدة إلى بلدة ، وقال: قد نفى عليّ (عليه السلام) رجلين من الكوفة إلى البصرة(2) . ورواية الحلبي المتقدّمة على نقل الصدوق المشتملة على زيادة: «والنفي من بلد إلى بلد» . قال: وقد نفى أمير المؤمنين (عليه السلام) من الكوفة(3) . والظّاهر عدم تعدّد الرواية كما أشرنا إليها مراراً .
والظّاهر أنّ المراد منه في جانب المنفى إليه لزوم كون النفي إلى ما هو محلّ الإقامة لجماعة ومسكناً لهم ، فلا يجوز النفي إلى محلّ خال من لوازم الحياة ووجود الجماعة ، وأمّا في جانب المنفى منه فلم يعلم المراد منه ، خصوصاً مع تنكير البلد وعدم إضافته إلى شيء ، ويمكن أن يكون المراد منه أنّه مع تحقّق الزنا في فلاة مثلا لابدّ وأن يكون النفي من البلد لا من محلّ وقوع الزنا .
وكيف كان ، فالظّاهر أنّه بملاحظة أنّ التغريب والنفي نوع من العذاب والعقوبة


(1) جواهر الكلام: 41/327 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 393 ، أبواب حدّ الزنا ب24 ح1 .
(3) وسائل الشيعة: 18 / 348 ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح10 .

(الصفحة184)

مسألة 5: في تكرّر الزنا مرّتين أو مرّات في يوم واحد أو أيّام متعدّدة بإمرأة واحدة أو متعدّدة حدّ واحد مع عدم إقامة الحدّ في خلالها ، هذا إذا اقتضى الزنا المتكرّر نوعاً واحداً من الحدّ كالجلد مثلا ، وأمّا إن اقتضى حدوداً مختلفة ، كأن يقتضي بعضه الجلد خاصّة وبعضه الجلد والرجم ، أو الرجم


قد حكم الشارع بثبوته في مورده ينسبق إلى الذهن أنّه لابدّ وأن يكون من موطن الشخص ومحلّ إقامته واستراحته ، وعليه فذكر بلد الجلد والنفي منه لعلّه كان بملاحظة أنّ الغالب كون بلد الجلد هو بلد الزاني وتحقّق إجراء الحدّ عليه فيه ، لاشتمال المسافرة في تلك الأعصار على مشقّة شديدة وافتقارها إلى وسائل كثيره ، بخلاف هذه الأعصار .
وعلى ما ذكرنا لا يبقى مجال لاحتمال جواز التغريب من محلّ العقوبة وإجراء الحدّ إلى موطنه لو كان مغايراً له ، وأمّا العكس فالظّاهر أنّه أيضاً غير جايز ، لمنافاته لما يدلّ على النفي من بلد الجلد، وكون الاتّحاد هوالغالب لايقتضي رفع اليد عن ظهوره، وعليه فمقتضى الاحتياط اللازم كون المنفى إليه غير بلد الزاني وغير بلد الجلد .
وأمّا ما أفيد في الذيل من عدم سقوط النفي لو تحقّق الحدّ في فلاة ، بل اللازم نفيه إلى غير وطنه ، فلأنّه لا دليل على السقوط في هذه الصورة ، وإن حكي عن كشف اللثام ، السقوط ، إلاّ أن يكون من منازل أهل البدو فيكون كالمصر(1) .
ثمّ إنّه من الواضح عدم كون المراد من المصر أو البلد الواقع في النصوص ما يقابل القرية ، بل أعمّ منها كما لا يخفى .


(1) كشف اللثام: 2/399 .

(الصفحة185)

فالظّاهر تكراره بتكرار سببه1.


1 ـ في مسألة التكرّر فروض قد أشار إلى جميعها المتن .
الأوّل: ما إذا اقيم عليه الحدّ في خلاله ، فإنّه لا ينبغي الإشكال في ترتّب حدّ آخر على الزنا الواقع بعد إقامة الحدّ ; لأنّه لا موجب للعدم بعد تحقّق موضوعه وثبوت معصية زائدة مترتّب عليها الحدّ في لسان الدليل ، وترتّبه على العمل الأوّل لا يؤثّر في عدم ترتّبه على الثاني ، كما أنّه لا يؤثّر في رفع حرمته ، فلا مجال للإشكال في هذا الفرض .
الثاني: ما إذا كان مقتضى الزنا المتكرّر حدوداً مختلفة ، كأن زنى بكراً ، ثمّ زنى محصناً ، والظّاهر في هذا الفرض تكرار الحدّ وترتّب الحدود المختلفة ; لتحقّق الموضوع بالإضافة إلى كلّ واحد منها ، ولا مجال لمسألة التداخل هنا بعد كون الأحكام متعدّدة ، حتّى لو كان مقتضى واحد منها ثبوت الجلد فقط ، ومقتضى الآخر الجلد والرجم معاً ـ كما مثّل به في المتن ـ يقع التكرار بالإضافة إلى الجلد أيضاً ، فضلا عن ثبوته مع الرجم ; لأنّ الجلد المنضمّ إلى الرجم إنّما كان مأخوذاً بعنوان جزء الحدّ ، فيغاير مع الجلد الذي هو تمام الحدّ ، والظّاهر خروج هذا الفرض عن إطلاق كلام من اكتفى بالحدّ الواحد في مورد الزنا المتكرّر ، خصوصاً مع ملاحظة ما سيأتي في المسائل الآتية من أنّه في صورة اجتماع الجلد والرجم لابدّ من تقديم الجلد وإجرائه أوّلا ، ثمّ الرجم ، ولا وجه لحملها على ما إذا كان ثبوتهما في زنا واحد ، كما في الشيخ والشيخة المحصنين ، فتدبّر .
الثالث: ما إذا كان مقتضى الزنا المتكرّر حدّاً واحداً ولم يتخلّل إجراء الحدّ في البين ، وكان من الممكن تكرّره كما في الجلد ، دون ما إذا لم يكن كما في الرجم ،

(الصفحة186)



والمشهور بين الأصحاب ثبوت حدّ واحد ، بل استند إليها العلاّمة(1) في المسألة ، وهو يشعر ـ كما في الجواهر(2)ـ بوصولها حدّ الإجماع ; لعدم حجّيّتها عنده مع عدم وصولها إلى ذلك الحدّ ، و هذا من دون فرق بين ما إذا كان الزنا المتكرّر بإمرأة واحدة ، وما إذا كان بنسوة متعدّدة ، ولكنّ المحكيّ عن الإسكافي(3)والصدوق(4) هو التفصيل والحكم بالتكرّر في الفرض الثاني ، استناداً إلى رواية أبي بصير ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يزني في اليوم الواحد مراراً كثيرة؟ قال: فقال: إن زنى بإمرأة واحدة كذا وكذا مرّة فإنّما عليه حدّ واحد ، فإن هو زنى بنسوة شتّى في يوم واحد وفي ساعة واحدة فإنّ عليه في كلّ امرأة فجر بها  حدّاً(5) .
والمناقشة في السند باعتبار اشتماله على عليّ بن أبي حمزة ، وهو واقفي ضعيف مدفوعة بأنّ رواية الحسن بن محبوب الذي هو من أصحاب الإجماع يجبر الضعف ، فلا وجه لما في الرياض من أنّه قاصر السند(6) .
كما أنّ المناقشة في الدلالة باعتبار تقييد الحكم بالتعدّد بما إذا كان في يوم واحد وفي ساعة واحدة مدفوعة أيضاً ، بأنّ التعرّض لذلك إنّما هو باعتبار كونه الفرد الخفي ، وأنّ الحكم جار في سائر الأفراد بطريق أولى .


(1) مختلف الشيعة: 9/176 .
(2) جواهر الكلام: 41/334 .
(3) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9/176 .
(4) المقنع: 438 .
(5) وسائل الشيعة: 18 / 392 ، أبواب حدّ الزنا ب23 ح1 .
(6) رياض المسائل: 10/54 .

(الصفحة187)



والعمدة إعراض الأصحاب عن هذه الرواية وطرحهم لها ، مع كونها بمرأى ومنظر منهم ، وهذا يكشف كما أشرنا إليه في المسألة السابقة عن وصول رأي الإمام (عليه السلام) إليهم يداً بيد ، وخلفاً عن سلف ، واطّلاعهم على عدم كون الرواية مطابقة لرأيهم (عليهم السلام) .
واحتمال كون مستند الأصحاب في هذه المسألة قاعدة التداخل المعنونة في الاصول ، مردود بثبوت الاختلاف فيها ; لأنّ مقتضى القاعدة عند جماعة منهم عدم التداخل ، كما يظهر بالمراجعة إلى الاُصول .
نعم ، ذكر صاحب الجواهر(1)(قدس سره) أنّه لا يكون المقام من صغريات قاعدة التداخل وعدمه أصلا ، وتقريب كلامه أنّ مورد تلك القاعدة ما إذا كان الحكم المترتّب على الطبيعة موضوعه فعل المكلّف وعمله ، القابل للتكرّر والتعدّد كالزنا مثلا ، وأمّا في المقام فالحكم إنّما ترتّب على عنوان الزانية والزاني ، كما في الآية الشريفة(2) . ومن الواضح أنّ تكرّر العمل لا يوجب تكرّر عنوان الزاني وتعدّده ، ضرورة أنّ الزاني واحد وإن كان الزنا واقعاً مكرّراً .
والإيراد عليه بأنّ تعليق الحكم على وصف الزاني مشعر بالعلّية ، فيستفاد منه كون السبب هو الزنا ، مدفوعٌ أوّلا بعدم كفاية الإشعار بمجرّده ، وثانياً بأنّ اللازم ملاحظة موضوع الحكم ، وهو الزاني الذي لا يكون متعدّداً .
كما أنّ الإيراد عليه بأنّ لازمه عدم تكرّر الحدّ ولو مع التخلّل في البين واضح الدفع.


(1) جواهر الكلام: 41/334 .
(2) سورة النور24:2 .

(الصفحة188)

مسألة 6: لو تكرّر من الحرّ غير المحصن ولو كان امرأة فأقيم عليه الحدّ ثلاث مرّات قتل في الرابعة . وقيل: قتل في الثالثة بعد إقامة الحدّ مرّتين ، وهو غير مرضيّ1.


وبالجملة لا محيص عن الحكم بما في المتن ، إمّا لأجل كشف الشهرة مع وجود النصّ على خلافها عن رأي المعصوم (عليه السلام) ، وإمّا لما أفاده صاحب الجواهر(قدس سره) .

1 ـ ما اختاره في المتن هو المشهور ، وعن الانتصار(1) والغنية(2) الإجماع عليه . والقول الآخر محكي عن الصدوقين(3) والحلّي ، بل عن السرائر الإجماع عليه(4) ، وهنا قول ثالث ذهب إليه الشيخ(قدس سره) في كتاب الخلاف ، قال: «إذا جلد الزاني الحرّ البكر أربع مرّات قتل في الخامسة ، وكذلك في القذف يقتل في الخامسة ، والعبد يقتل في الثامنة ، وقد روي أنّ الحرّ يقتل في الرابعة ، وخالف جميع الفقهاء في ذلك وقالوا: عليه الحدّ بالغاً ما بلغ . دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم»(5) . والظاهر أنّ معقد إجماعه هو أصل ثبوت القتل في مورد التكرار في مقابل العامّة ، المنكرين له رأساً(6) لا ثبوته في الخامسة ، كما لا يخفى .
وكيف كان ، فالدليل على القول الثاني صحيحة يونس ، عن أبي الحسن


(1) الإنتصار: 519 .
(2) غنية النزوع: 421 .
(3) المقنع: 428 ، ونسبه في المختلف: 9/155 إلى الصدوقين .
(4) السرائر: 3/442 .
(5) الخلاف 5 / 408 مسألة 55 .
(6) المغني لابن قدامة: 10/197 ، أسهل المدارك: 2/262 .

(الصفحة189)



الماضي (عليه السلام) قال: أصحاب الكبائر كلّها إذا اقيم عليهم الحدّ مرّتين قتلوا في الثالثة(1) . فإنّها تدلّ بعمومها على ثبوت الحكم في الزنا الذي هو من الكبائر .
والدّليل على قول المشهور موثّقة أبي بصير قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): الزاني إذا زنى يجلد ثلاثاً ويقتل في الرابعة ، يعني: جلد ثلاث مرّات(2) . والتفسير وإن كان من الراوي ، إلاّ أنّه لا يكون مخالفاً للظاهر ، بل العبارة في نفسه ظاهرة في ذلك بقرينة قوله: في الرابعة .
ورواية محمّد بن سنان ، عن الرضا (عليه السلام) فيما كتب إليه: وعلّة القتل بعد إقامة الحدّ في الثالثة على الزاني والزانية لاستحقاقهما وقلّة مبالاتهما بالضرب حتّى كأنّه مطلق لهما ذلك ، وعلّة اُخرى أنّ المستخفّ بالله وبالحدّ كافر فوجب عليه القتل لدخوله في الكفر(3) .
وقوله: في الثالثة متعلّق بإقامة الحدّ لا بالقتل ، لقربه منه أوّلا ، ولأنّ قوله: على الزاني . . . متعلّق بإقامة الحدّ قطعاً ، فلا مجال لإرجاع ما وقع في البين إلى القتل كما لا يخفى .
والجمع بين هاتين الروايتين والصحيحة المتقدّمة إنّما هو بالتخصيص ; لأنّها دالّة بالعموم ، وهما واردتان في مورد الزنا ، فيجب التخصيص ، فلا محيص عن قول المشهور ، وأمّا القول الثالث فلم يعرف له مستند أصلا ، ويمكن أن يكون مستنده ما ورد في الرواية الواردة في المملوك من قوله (عليه السلام): «لأنّ الحرّ إذا زنى أربع مرّات


(1) وسائل الشيعة: 18 / 388 ، أبواب حدّ الزنا ب20 ح3 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 387 ، أبواب حدّ الزنا ب20 ح1 .
(3) وسائل الشيعة: 18 / 388 ، أبواب حدّ الزنا ب20 ح4 .

(الصفحة190)

مسألة 7: قالوا: الحاكم بالخيار في الذمّي بين إقامة الحدّ عليه وتسليمه إلى أهل نحلته وملّته ليقيموا الحدّ على معتقدهم ، والأحوط إجراء الحدّ عليه ، هذا إذا زنى بالذمّية أو الكافرة ، وإلاّ فيجري عليه الحدّ بلا إشكال1.


واقيم عليه الحدّ قتل»(1) . ولكن في نفس الرواية شواهد على أنّ المراد هو القتل في الرابعة ، فراجع .
ثمّ إنّ تقييد الموضوع بالحرّ إنّما هو لأجل أنّ المملوك لا يقتل في الثالثة ، أو الرابعة ، بل في الثامنة أو التاسعة ، وحيث إنّه غير مبتلى به فقد ترك التعرّض لحكمه . كما أنّ التقييد بغير المحصن إنّما هو لعدم جريان هذا البحث في المحصن ، لأنّه بإجراء الحدّ عليه مرّة لا يبقى موضوع للمرّة الثانية ، فضلا عن القتل ، كما أنّ التعميم للمرأة إنّما هو لأجل عموم الدليل أو إطلاقه ، والتعبير بالزاني في الموثّقة لا يفهم منه الخصوصيّة بوجه أصلا .
نعم ، لابدّ من الالتفات إلى أنّ القتل لا يكون مترتّباً على التكرّر بما هو ، بل إنّما هو من آثار إقامة الحدّ عليه مرّتين أو ثلاثة ، فإذا ترتّب حدّ واحد على الزنا المتكرّر ألف مرّة كما مرّ في المسألة السابقة ، لا يوجب ذلك ترتّب حكم القتل ، بل يتوقّف على ترتّب حدّ آخر أو حدّين .

1 ـ المشهور في المسألة هو الحكم بالخيار ، بل قال في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه ، كما عن بعضهم الاعتراف به ، بل في الرياض(2) جعله الحجّة(3) . ويدلّ


(1) وسائل الشيعة: 18 / 402 ، أبواب حدّ الزنا ب32 ح1 .
(2) رياض المسائل: 10/58 .
(3) جواهر الكلام: 41/336 .

(الصفحة191)



عليه  أمران:
الأوّل: ظاهر الكتاب بل صريحه ، قال الله تبارك وتعالى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}(1) ولكن ربّما يتوهّم(2) أنّ قوله تعالى بعد ذلك مع فصل خمس آيات: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللهُ}(3) ناسخ للآية الاُولى ، لظهورها في تعيّن الحكم على ما تقتضيه الشريعة الإسلامية ، ويؤيّده ما حكي في بعض التفاسير(4) عن ابن عباس من كونها منسوخة بالآية الثانية .
ولكنّ السياق يشهد بعدم كونها ناسخة لها ; لأنّ الظّاهر نزولها مع الآيات المتعدّدة الاُخرى في واقعة واحدة ودفعة واحدة ، كما يظهر بملاحظة شأن نزولها ، وهو على ما في «المجمع» ملخّصاً حاكياً له عن الباقر (عليه السلام) وجماعة من المفسّرين: أنّ امرأة من خيبر ذات شرف بينهم زنت مع رجل من أشرافهم وهما محصنان ، فكرهوا رجمهما ، فأرسلوا إلى يهود المدينة وكتبوا إليهم أن يسألوا النبيَّ(صلى الله عليه وآله) عن ذلك طمعاً في أن يأتي لهم برخصة ، فانطلق قوم . . . فقالوا: يا محمّد أخبرنا عن الزاني والزانية إذا أُحصنا ما حدّهما؟ فقال: وهل ترضون بقضائي في ذلك؟ قالوا: نعم ، فنزل جبرئيل بالرجم ، فأخبرهم بذلك فأبوا أن يأخذوا به ، فقال جبرئيل:


(1) سورة المائدة5: 42 .
(2) راجع الجامع لأحكام القرآن: 6/185 ، مجمع البيان: 3/325 .
(3) سورة المائدة: 5 / 48 ، لكن يظهر من التفاسير أنّ للعامّة قول بنسخه بقوله تعالى: {وَأَن احكُم بَينَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ} يعني الآية 49 من سورة المائدة لا الآية 48 .
(4) الجامع لأحكام القرآن: 6/185 ـ 186 ، الدرّ المنثور: 2/284 ـ 285 .

(الصفحة192)



إجعل بينك وبينهم ابن صوريا ووصفه له ، فقال النبيّ(صلى الله عليه وآله): هل تعرفون ابن صوريا؟ قالوا: نعم ، قال: فأيّ رجل هو فيكم؟ قالوا: أعلم يهوديّ بقى على ظهر الأرض بما أنزل الله على موسى (عليه السلام) ، قال: فأرسلوا إليه ففعلوا ، فأتاهم عبدالله بن صوريا ، فقال له النبيّ(صلى الله عليه وآله): إنّي انشدك الله . . . هل تجدون في كتابكم الرجم على من أحصن؟ قال ابن صوريا: نعم ـ إلى أن قال: ـ فأمر بهما النبيّ فرجما عند باب المسجد(1) .
هذا ، مضافاً إلى أنّه لا مجال لاحتمال النسخ بوجه ; لعدم المنافاة بين الآيتين بعد صراحة الاُولى في التخيير ، وظهور الثانية في التعيّن ، وعدم المعارضة بين النصّ والظّاهر كما هو واضح .
الأمر الثاني: وجود طائفتين من الروايات في المسألة ، يكون مقتضى الجمع بينهما هو الحمل على التخيير ، لظهور إحداهما في تعيّن الحكم علىوفق الإسلام ، وظهور الثانية في تعيّن الحكم على طبق مذهبهم ومقتضى قوانينهم .
أمّا الطائفة الاُولى : فهي رواية عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام)قال: سألته عن يهوديّ أو نصرانيّ أو مجوسيّ أخذ زانياً ، أو شارب خمر ما عليه؟ قال: يقام عليه حدود المسلمين إذا فعلوا ذلك في مصر من أمصار المسلمين ، أو في غير أمصار المسلمين إذا رفعوا إلى حكّام المسلمين(2) .
وصحيحة أبي بصير قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن دية اليهود والنصارى والمجوس ، قال: هم سواء ثمانمائة درهم ، قلت: إن أُخذوا في بلاد المسلمين وهم يعملون الفاحشة أيقام عليهم الحدّ؟ قال: نعم يحكم فيهم بأحكام المسلمين(3) .


(1) مجمع البيان: 3 / 320 ـ 321 ، البرهان في تفسير القرآن: 1/472 ـ 473 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 338 ، أبواب مقدّمات الحدود ب29 ح1 .
(3) وسائل الشيعة: 19 / 162 ، كتاب الديات ، أبواب ديات النفس ب13 ح8 .

(الصفحة193)



وأمّا الطائفة الثانية: فهي رواية إسماعيل بن أبي زياد ـ السكوني ـ عن جعفر بن محمّد ، عن آبائه (عليهم السلام): أنّ محمّد بن أبي بكر كتب إلى عليّ (عليه السلام) في الرجل زنى بالمرأة اليهوديّة والنصرانيّة ، فكتب (عليه السلام) إليه: إن كان محصناً فارجمه ، وإن كان بكراً فاجلده مائة جلدة ثمّ انفه ، وأمّا اليهوديّة فابعث بها إلى أهل ملّتها فليقضوا فيها ما  أحبّوا(1) .
وما رواه في كتاب الغارات عن الحارث ، عن أبيه قال : بعث عليّ (عليه السلام) محمّد بن أبي بكر أميراً على مصر ، فكتب إلى عليّ (عليه السلام) يسأله عن رجل مسلم فجر بامرأة نصرانيّة ، وعن قوم زنادقة . . . فكتب إليه عليّ (عليه السلام): أن أقم الحدّ فيهم على المسلم الذي فجر بالنصرانيّة ، وادفع النصرانيّة إلى النصارى يقضون فيها ما شاؤوا ، وأمره في الزنادقة . . .(2) .
والظّاهر إتّحادها مع الرواية الاُولى ، بمعنى كون الكتابة مرّة واحدة ، غاية الأمر تعدّد الناقل .
وقد عرفت أنّ مقتضى القاعدة الحمل على التخيير ; لأنّ الظهور في كليهما ظهور إطلاقيّ ، وهو موقوف على عدم وجود القرينة على التقييد ، مع أنّ الطرف الآخر صالح للمقيديّة ، فبقرينته يرفع اليد عن الظهور ويرتفع التعيّن من البين .
ويؤيّد التخيير أيضاً رواية أبي بصير ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنّ الحاكم إذا أتاه أهل التوراة وأهل الإنجيل يتحاكمون إليه كان ذلك إليه ، إن شاء حكم بينهم ،


(1) وسائل الشيعة: 18 / 361 ، أبواب حدّ الزنا ب8 ح5 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 415 ، أبواب حدّ الزنا ب50 ح1 .

(الصفحة194)



وإن شاء تركهم(1) نظراً إلى أنّ موضوع الحكم بالتخيير فيها وإن كان مورد التحاكم والتخاصم ، إلاّ أنّ المستفاد منها ثبوت التخيير في جميع الموارد ، كما لا يخفى .
ثمّ إنّ ظاهر عبارات الفقهاء أنّ أحد طرفي التخيير هو أن يدفعه الإمام إلى أهل نحلته ليقيموا الحدّ على معتقدهم ، ومرجع ذلك إلى عدم الاكتفاء بمجرّد الإعراض والترك وعدم الدخالة ، ولكنّه فسّر الدفع في محكيّ كشف اللثام بالإعراض ، قال: فإن الدفع ليقيم عليه من الحدّ ما يراه أمر بالمنكر إن خالف الواجب في شرعنا . نعم ، يجوز إذا وافقه(2) .
ويؤيّده التعبير بالإعراض في الآية الشريفة ، وبالترك في رواية أبي بصير الأخيرة .
ولكنّ الظّاهر أنّه لا مجال لرفع اليد عن مثل رواية السكوني ، الظاهرة في لزوم الدفع إلى النصارى والتسليم إليهم حتّى يقضوا فيها ما يشاؤا ، ولا مجال معه لدعوى كون الدفع أمراً بالمنكر إن خالف الواجب في شرعنا ; لعدم إحاطتنا بمصالح الأحكام ، والفقيه تابع للدليل ، فهي اجتهاد في مقابل النصّ والفتوى ، كما في الجواهر(3) . وبمثل الرواية يفسّر الإعراض في الآية ويقال بأنّه ليس المراد منها مجرّد الترك ، بل الترك والإرجاع إلى قضاتهم ، فتدبرّ .
ثمّ إنّه يظهر من المتن الترديد في أصل الحكم بالتخيير ، حيث نسب هذا الحكم


(1) وسائل الشيعة: 18 / 218 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب27 ح1 .
(2) كشف اللثام: 2/404 .
(3) جواهر الكلام: 41/336 .

(الصفحة195)



إلى الأصحاب ، واحتاط لزوماً إجراء أحكام الإسلام عليه ، ولعلّه لأجل كون الحكم على خلاف القاعدة ; لأنّ مقتضاها تعيّن إجراء أحكام الإسلام بعد ثبوتها بالإضافة إلى المسلمين والكافرين ، والحكم على خلاف القاعدة يحتاج ثبوته إلى دليل قويّ ، وليس من بين الأدلّة المذكورة ما ينطبق على قول الأصحاب ، إلاّ رواية السكوني ، وهل يمكن إثبات مثل هذا الحكم بها ؟
ولكن بعد ملاحظة ما ذكرنا يظهر أنّه لا مجال للمناقشة في أصل التخيير ; لدلالة الكتاب والسنّة مضافاً إلى الفتاوى عليه .
بقي الكلام في الفرض المذكور في الذيل ، وهو ما إذا زنى الذمّي بالمسلمة ، وقد نفى الإشكال في المتن عن إجراء الحدّ عليه ـ أي متعيّناً ـ تبعاً لصاحب الجواهر حيث قال: على الإمام قتله ، ولا يجوز الإعراض ; لأنّه هتك حرمة الإسلام وخرج عن الذمّة(1) .
أقول: إن كان مراده أنّه بذلك يخرج حقيقة من الذمّة ، ويدخل في الكافر الحربي الذى يجب قتله ليس إلاّ ، فمن الواضح عدم خروج الذمّي بذلك عن عنوان الذمّة ، بحيث صار من مصاديق الكافر الحربي .
وإن كان مراده أنّ الإسلام حكم في هذا المورد بثبوت القتل ، كما عرفت في الموارد الثلاثة التي كان الحكم فيها القتل ، فذلك لا ينافي ثبوت التخيير ; لأنّ القتل إنّما هو حكمه في الإسلام إذا اريد إجراء أحكام الإسلام عليه ، وأمّا إذا دفع إلى حكّامهم فلا .
وبالجملة : فأيّ فرق بين هذه الصورة ، وبين ما إذا زنى بذات محرم من النسب


(1) جواهر الكلام: 41/336 .

(الصفحة196)

مسألة 8: لا يقام الحدّ رجماً ولا جلداً على الحامل ، ولو كان حمله من الزنا ، حتى تضع حملها وتخرج من نفاسها إن خيف في الجلد الضرر علىولدها ، وحتى ترضع ولدها إن لم تكن له مرضعة ، ولو كان جلداً إن خيف الإضرار برضاعها ، ولو وجد له كافل يجب عليها الحدّ مع عدم الخوف عليه1.


من جهة كون حكم الإسلام في كلتيهما هو القتل ، ومجرّد كون الموضوع للقتل في المقام هو الذمّي ـ بخلاف الزنا بذات المحرم ، الذي هو أعمّ من المسلم والكافر ـ لا يقتضي الفرق ; لأنّه بعد فرض كون دليل التخيير حاكماً على الأدلّة الأوّلية وناظراً إليها ، لا تكون هذه الجهة بفارقة ; لعدم ملاحظة النسبة في مسألة الحكومة بوجه .
ولكن التحقيق أنّ نسبة أدلّة التخيير الواردة في خصوص الذمّي إلى أدلّة الحدود ، كدليل الزنا بذات محرم ، هي نسبة التخصيص أو التقييد ; لأنّ أدلّة الحدود واردة في مورد عموم المكلّفين من المسلم والكافر ، وأدلّة التخيير بمنزلة الاستثناء الوارد عليها ، كأنّه قيل: الزنا بذات محرم يوجب القتل من أيّ شخص تحقّق إلاّ إذا كان الزاني ذمّياً ، فإنّه لا يتعيّن فيه القتل ، بل يتخيرّ الحاكم بينه وبين أن يدفعه إلى حكّامهم حتّى يقضوا فيه ما أحبّوا .
وإذا كانت النسبة كذلك ، فمن الواضح أنّه لا مجال لكون أدلّة التخيير مخصّصة لما ورد في الذمّي إذا زنى بالمسلمة ; لأنّ النسبة بينها وبينه تكون على العكس ، بمعنى أنّ ما ورد في الذمّي الزاني بالمسلمة يكون مخصّصاً لأدلّة التخيير وبمنزلة الاستثناء لها ، فتصير النتيجة تعيّن القتل في هذا المورد كما أفيد في المتن .

1 ـ أمّا عدم إقامة الحدّ على الحامل ولو كان حمله من الزنا ، فيدلّ عليه ـ مضافاً

(الصفحة197)



إلى ما في الجواهر من قوله: بلا خلاف أجده نصّاً وفتوى ، بل ولا إشكال مع فرض خوف الضرر على ولدها لو جلدت(1) ـ ما رواه المفيد في الإرشاد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال لعمر وقد اُتي بحامل قد زنت ، فأمر برجمها ، فقال له عليّ (عليه السلام): هب لك سبيل عليها ، أيّ سبيل لك على ما في بطنها ، والله يقول: { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}(2) فقال عمر: لا عشت لمعضلة لا يكون لها أبو الحسن ، ثمّ قال: فما أصنع بها يا أبا الحسن؟ قال: احتط عليها حتّى تلد ، فإذا ولدت ووجدت لولدها من يكفله فأقم الحدّ عليها(3) .
وموردها وإن كان هو الرجم إلاّ أنّه يستفاد منها خصوصاً بملاحظة الاستشهاد بالآية أنّه لا يجوز إقامة حدّ الجلد أيضاً إذا كان مضرّاً بالولد ، كما أنّ استناد الأصحاب إلى الرواية في الفتوى المذكورة يوجب جبر ضعفها بالإرسال ، خصوصاً بملاحظة الاستشهاد المذكور .
وأمّا عدم إقامة الحدّ عليها حتّى تخرج من نفاسها ، فالظاهر أنّه إن كان الحدّ هو الرجم وقد مات الولد حين وضعه ، أو ولد ميّتاً لا مانع من رجمها أصلا ; لكون مورد الرواية السابقة صورة وجود الولد ، وليس هنا ما يدلّ على تأخير الرجم ، بل لا وجه له . نعم ، لو كان الحدّ هو الرجم ، وكان الولد موجوداً ، لابدّ من ملاحظة الولد ، وأنّه هل يوجد له كافل أم لا؟ وأنّه هل يكون هناك خوف بالإضافة إليه أم لا؟ والمنشأ هي الرواية المتقدّمة بضميمة الاستشهاد المذكور فيها .
وأمّا لو كان الحدّ هو الجلد ، فإن كان في ذلك خوف التلف بالإضافة إليها ،


(1) جواهر الكلام: 41/337 .
(2) سورة فاطر35: 18 .
(3) الإرشاد للمفيد: 1 / 204 ، وسائل الشيعة: 18 / 381 ، أبواب حدّ الزنا ب16 ح7 .

(الصفحة198)



فالظّاهر لزوم التأخير; لقول أمير المؤمنين (عليه السلام): إنّ أمة لرسول الله(صلى الله عليه وآله) زنت فأمرني أن أجلدها فإذا هي حديث بنفاس ، فخشيت أن أجلدها فأقتلها ، فذكرت ذلك للنبيّ(صلى الله عليه وآله) فقال: دعها حتّى ينقطع دمها ، ثمّ أقم عليها الحدّ(1) . كما أنّه لو كان في ذلك خوف الضرر على ولدها يلزم التأخير ، لما يستفاد من رواية الإرشاد المتقدّمة .
وممّا ذكرنا تظهر المناقشة في عبارة المتن من جهتين: من جهة أنّ مقتضى إطلاقها لزوم تأخير الرجم حتّى تخرج من نفاسها ، ولو فرض موت الولد حين وضعه مثلا ، مع أنّه لا دليل عليه ، وإن كان مقتضى جملة من الروايات المرسلة المنقولة في المستدرك عن الجعفريات والدعائم والعوالي عدم إقامة الحدّ على النفساء مطلقاً حتّى تطهر(2) ، إلاّ أنّ الظّاهر عدم إلتزام الأصحاب به ، وإن كان مقتضى جملة من عباراتهم أيضاً ذلك ، كعبارة المحقّق في الشرائع(3) . لكن صاحب الجواهر(قدس سره) قد صرّح بأنّه لو مات الولد حين وضعه رجمت(4) ، من غير إشعار باحتمال الخلاف في المسألة .
ومن جهة تقييد الخروج من النفاس بخصوص ما إذا خيف الضرر في الجلد على الولد ، مع أنّه ربّما يخاف على نفسها أيضاً كما عرفت في الرواية المتقدّمة .
وأمّا عدم إقامة الحدّ عليها حتّى ترضع إن لم يكن له مرضعة ، فيدلّ عليه ـ مضافاً إلى رواية الإرشاد المتقدّمة ; لأنّ الاحتياج إلى المرضعة أقوى من الاحتياج إلى الكافل ـ موثقة عمّار الساباطي قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن محصنة زنت


(1) سنن البيهقي: 8/229 ، سنن أبي داود: 4 / 400 ح4473 .
(2) مستدرك الوسائل: 18 / 16 ، أبواب مقدّمات الحدود ب11 .
(3) شرائع الإسلام: 4/938 .
(4) جواهر الكلام: 41/339 .

(الصفحة199)



وهي حبلى ، قال: تقرّ حتّى تضع ما في بطنها وترضع ولدها ، ثمّ ترجم(1) .
ويؤيّده النبوي أنّه قال لها: حتّى تضعي ما في بطنك ، فلما ولدت قال: إذهبي فارضعيه حتّى تفطميه(2) .
والنبوي الآخر أنّها لمّا ولدته قال: إذن لا نرجمها وندع ولدها صغيراً ليس له من يرضعه ، فقام رجل من الأنصار فقال: إليّ رضاعه يا نبي الله ، فرجمها(3) .
ولكن ظاهر رواية أبي مريم خلاف ذلك ، حيث إنّها تدلّ على أنّها بعد ما أقرّت بالفجور أربع مرّات أمر أمير المؤمنين (عليه السلام) بها فحبست وكانت حاملا ، فتربّص بها حتّى وضعت ، ثمّ أمر بها بعد ذلك فحفر لها حفيرة . . .(4) ولكنّها لا تصلح للمعارضة لما ذكر ; لإمكان حملها على صورة وجود الكافل والمتصدّي للرضاع .
وأمّا وجوب إقامة الحدّ عليها مع وجود الكافل والمتصدّي للرضاع فيدلّ عليه أيضاً ـ مضافاً إلى رواية الإرشاد لدلالتها على وجوب الإقامة مع وجود من يكفله ـ رواية ميثم المفصلّة ، المتقدّمة في بعض المباحث السابقة(5) الظّاهرة في تأخّر الحدّ عن مسألة الكفالة ، ولكن تجري فيها المناقشة من وجهين:
أحدهما: كون التأخير فيها قبل ثبوت الحكم عليها بسبب الإقرار وقبل تنجّز الحدّ ، حيث لم يثبت بالإقرارات الأربع بعدُ .
ثانيهما: من جهة كون الكفالة المذكورة فيها هي الكفالة بعد تمامية الرضاع حولين كاملين ، حتّى يعقل الولد أن يأكل ويشرب ولا يتردّى من سطح ولا يتهوّر


(1) وسائل الشيعة: 18 / 380 ، أبواب حدّ الزنا ب16 ح4 .
(2 ، 3) سنن البيهقي: 8/229 .
(4) وسائل الشيعة: 18 / 380 ، أبواب حدّ الزنا ب16 ح5 .
(5) وسائل الشيعة: 18 / 377 ، أبواب حدّ الزنا ب16 ح1 ، وقد تقدّمت في ص84 ـ 86 .

(الصفحة200)



في بئر ، مع أنّ الكفالة في كلام الفقهاء هي التصدّي للرضاع ذلك المقدار ، وهي الواقعة مقام المرضع .
ولكن يمكن دفع المناقشة من الجهة الاُولى بظهور الرواية في تأخّر الرجم عن ذلك ، وإن كان موردها قبل تنجّز الحدّ بسبب الإقرار .
ثمّ إنّ المحكيّ عن كشف اللثام أنّه قال بعد نقل هذه الرواية: ولمّا لم يكمل نصاب الإقرار إلاّ بعد ذلك لم يسترضع (عليه السلام) لولدها ، وإلاّ فالظّاهر وجوبه والأُجرة من بيت المال إن لم يتبرّع أحد ولا كان للولد مال ، إذ ليس في الحدود نظر ساعة إذ لا مانع(1) .
وأورد عليه في الجواهر بأنّ إطلاق الموثّق والنبويّ المزبورين يقضي بعدم وجوب ذلك ، مضافاً إلى الأصل وبناء الحدود على التخفيف الذي يصلح أن يكون هذا وشبهه عذراً في تأخيره(2) .
ويؤيّده ظهور رواية الإرشاد في وجود الكافل وحصوله بنفسه من دون تحصيله والتتبّع عنه ، وكذا رواية ميثم موردها أيضاً ذلك ، فتدبّر .
ثمّ إنّه قد قيّد في المتن إجراء الحدّ مع وجود الكافل بما إذا لم يتحقّق الخوف عليه ، والظاهر أنّ المراد هو الخوف من جهة فقدان الاُمّ ، فإنّه قد يوجد الكافل بعد مضيّ سنة من حياة الولد مثلا ، وفي مثله ربّما يتحقّق اُنس الولد بالأُمّ بمثابة يكون الفراق والفصل موجباً لتحقّق الخوف عليه ، وعليه فلابدّ من تأخير الحدّ إلى إرتفاع الخوف وزواله ، ووجهه يظهر ممّا ذكرنا .


(1) كشف اللثام: 2/403 .
(2) جواهر الكلام: 41/339 .
<<التالي الفهرس السابق>>