(الصفحة161)
الثاني: الرجم فقط ، فيجب على المحصن إذا زنى ببالغة عاقلة ، وعلى المحصنة إذا زنت ببالغ عاقل إن كانا شابّين ، وفي قول معروف يجمع في الشاب والشابّة بين الجلد والرجم ، والأقرب الرجم فقط1.
1 ـ إعلم أنّه لا دلالة للقرآن على ثبوت الرجم أصلا ، وروى ابن عباس ، عن عمر أنّه قال: إنّ الله عزّ وجل بعث محمّداً(صلى الله عليه وآله) بالحقّ وأنزل معه الكتاب ، فكان ممّا أنزل إليه آية الرجم ، فرجم رسول الله(صلى الله عليه وآله) ورجمنا بعده .(1) وآية الرجم التي ادّعي أنّها من القرآن رويت بوجوه ، منها: الشيخ والشيخة فارجموهما ألبتة بما قضيا من الّلذة(2) . وقد التزموا لأجله بنسخ التلاوة بعد حكمهم بعدم التحريف ، وإسناده إلى علماء الإمامية ، مع أنّه لا يعلم مرادهم من نسخ التلاوة وأنّه هل كان نسخها بأمر رسول الله(صلى الله عليه وآله) أو بأيدي من تصدّى للزعامة والخلافة بعده .
فإن كان الأوّل ، فما الدليل على النسخ بعد ثبوت كون المنسوخ من القرآن بنحو التواتر على اعتقادهم ، ولذا يقولون: بأنّه كان يقرأه من لم يبلغه النسخ ، وصرّح بذلك الآلوسي في تفسيره الكبير(3) . فإن كان المثبت له هو خبر الواحد ، فقد قرّر في علم الاصول أنّه لا يجوز نسخ الكتاب بخبر الواحد والظّاهر الاتّفاق عليه وإن كان تخصيصه به محلّ خلاف ، وإن كان هو السنّة المتواترة ، فمع عدم ثبوت التواتر كما هو واضح نقول: إنّه حكي عن الشافعي وأكثر أصحابه وأكثر أهل الظّاهر القطع بعدم جواز نسخ الكتاب بالسنّة المتواترة ، وحكي عن أحمد أيضاً في إحدى
(1) مسند أحمد: 1 / 122 قطعة من ح 391 ، جامع المسانيد والسنن: 18/99 ـ 100 .
(2) الموطّأ: 2 / 548 ح1560 ، سنن البيهقي: 8/213 ، الشرح الكبير: 10/156 .
(3) روح المعاني في تفسير القرآن العظيم: 1 / 25 .
(الصفحة162)
الروايتين ، بل أنكر جماعة من القائلين بالجواز وقوعه وتحقّقه(1) .
وإن كان الثاني ، فهو عين القول بالتحريف ، وكأنّهم زعموا أنّ النزاع في باب التحريف نزاع لفظي ، وإلاّ فأيّ فرق بينه وبين نسخ التلاوة بهذا المعنى .
ثمّ إنّه يسأل من القائل بنسخ التلاوة في آية الرجم أنّه ما وجه دخول الفاء في قوله: «فارجموهما» فيها؟ مع أنّه لا يكون هناك ما يصحّح دخولها من شرط أو نحوه ، لا ظاهراً ولا على وجه يصحّ تقديره ، وإنّما دخلت الفاء على الخبر في قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا . . .}(2) لأنّ كلمة «اجلدوا» بمنزلة الجزاء لصفة الزنا في المبتدأ ، والزنا بمنزلة الشرط ، وليس في المقام الرجم جزاء للشيخوخة .
ثمّ إنّ قضاء اللذة أعمّ من الجماع ، والجماع أعم من الزنا ; لإمكان كونه محلّلا ، والزنا أعمّ من سبب الرجم الذي هو الزنا مع الإحصان ، فكيف يصحّ إطلاق القول بوجوب رجمهما مع قضاء اللذة والشهوة ، مع أنّ مقتضى وقوعه تعليلا جريان الحكم في غير الشيخ والشيخة أيضاً ، وقد فصّلنا الكلام فيما يتعلّق بتحريف القرآن في كتابنا الموسوم بـ «مدخل التفسير» فليراجع .
ثمّ إنّه يظهر من بعض رواياتنا أيضاً ثبوت الرجم في القرآن ، مثل:
ما رواه عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: الرجم في القرآن قول الله ـ عزّ وجل ـ إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما ألبتّة فإنّهما قضيا الشهوة(3) .
ورواية سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): في القرآن رجم؟ قال: نعم ،
(1) الإحكام في أصول الأحكام: 3 / 165 .
(2) سورة النور 24: 2 .
(3) وسائل الشيعة: 18 / 347 ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح4 .
(الصفحة163)
قلت: كيف؟ قال: الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فإنّهما قضيا الشهوة(1) .
ولكن بعد قيام الأدلّة القاطعة والبراهين الساطعة على عدم وقوع التحريف في الكتاب ، وأنّ ما بأيدينا مطابق لما أنزل إلى الرسول بعنوان القرآنية ، لا يبقى مجال لمثل هذه الروايات ، بل لابدّ من حملها على التقيّة ، أو على أنّ المراد بالقرآن هو القرآن المشتمل على الخصوصيّات الاُخرى أيضاً ، من الشرح والتفسير والتأويل ، وشأن النزول وأمثالها ، كقرآن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، مع أنّه يرد على تعبير الروايتين الإشكالات المتقدّمة كلاًّ أو جلاًّ كما لا يخفى ، وقد انقدح من جميع ما ذكرنا عدم ثبوت الرجم في القرآن، بل الدليل عليه هي السنّة المستفيضة بل المتواترة، كما سيأتي .
إذاعرفت ما ذكرنا فاعلم أنّه وقع الاختلاف فيماإذا تحقّق الزنا المقرون بالإحصان من الشابّ أو الشابّة ، فالمحكي عن المفيد(2) والمرتضى(3) والشيخ(4) في أكثر كتبه ، وإبن إدريس(5) وعامّة المتأخّرين هو لزوم الجمع بين الجلد والرجم ، بل في الجواهر:ادّعى عليه الشهرة غيرواحد،بل عن الانتصار:أنّه من متفرّدات الإماميّة(6) .
والمحكيّ عن الشيخ في بعض كتبه(7) وبني زهرة(8) وحمزة(9) وسعيد(10) هو
(1) وسائل الشيعة: 18 / 350 ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح18 .
(2) المقنعة: 775 .
(3) الإنتصار: 516 .
(4) المبسوط: 8/2 ، التبيان: 7/359 ، ذيل الآية الشريفة {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى} .
(5) السرائر: 3/438 ـ 439 .
(6) جواهر الكلام: 41/320 .
(7) النهاية: 693 ، الخلاف: 5/366 مسألة2 .
(8) غنية النزوع: 422 .
(9) الوسيلة: 411 .
(10) الجامع للشرائع: 550 .
(الصفحة164)
الاقتصار على الرجم ، وهو الذي قرّبه في المتن .
ومنشأ الاختلاف وجود الروايات المختلفة في المسألة ، فإنّ الظاهر أنّها ثلاث طوائف:
الطائفة الاُولى: ما تدلّ على ثبوت الرجم فقط ، كصحيحة أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال: الرجم حدّ الله الأكبر ، والجلد حدّ الله الأصغر ، فإذا زنى الرجل المحصن رجم ولم يجلد(1) . ومن الظاهر أنّه لا خصوصيّة للرجل ، بل الحكم جار في المرأة المحصنة .
ورواية أبي العباس ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: رجم رسول الله(صلى الله عليه وآله) ولم يجلد ، وذكروا أنّ عليّاً (عليه السلام) رجم بالكوفة وجلد ، فأنكر ذلك أبو عبدالله (عليه السلام) وقال: ما نعرف هذا ، أي لم يحدّ رجلا حدّين: جلد ورجم في ذنب واحد(2) . قال في الوسائل بعد نقل الرواية: ذكر الشيخ(3) أنّ تفسير يونس للخبر غلط ، ثمّ حمله على إنكار الحكم الأوّل ، مع أنّ الظاهر خلاف ذلك .
ورواية الأصبغ بن نباتة ، المشتملة على أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) رجم واحداً من خمسة نفر اُخذوا في الزنا ، معلّلا بأنّه رجل محصن كان حدّه الرجم(4) .
والرواية المشتملة على قصّة ماعز المتقدّمة في بحث ثبوت الزنا بالإقرار(5)الظاهرة في أنّ الحدّ الجاري فيه هو الرجم فقط .
(1) وسائل الشيعة: 18 / 346 ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح1 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 347 ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح5 .
(3) التهذيب: 10/6 ـ 7 ، الإستبصار: 4/203 .
(4) وسائل الشيعة: 18 / 350 ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح16 .
(5) تقدّمت في ص84 .
(الصفحة165)
الطائفة الثانية: ما تدلّ على ثبوت الجلد والرجم معاً ، كصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في المحصن والمحصنة جلد مائة ، ثمّ الرجم(1) .
وصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في المحصن والمحصنة جلد مائة ، ثمّ الرجم(2) .
وصحيحة الفضيل قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: من أقرّ على نفسه عند الإمام بحقّ ـ إلى أن قال: ـ إلاّ الزاني المحصن ، فإنّه لا يرجمه إلاّ أن يشهد عليه أربعة شهداء ، فإذا شهدوا ضربه الحدّ مائة جلدة ، ثمّ يرجمه(3) .
ورواية زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قضى عليّ (عليه السلام) في امرأة زنت فحبلت فقتلت ولدها سرّاً ، فأمر بها فجلدها مائة جلدة ثمّ رجمت ، وكان أوّل من رجمها(4) .
ويحتمل على بعد أن يكون الجمع لأجل قتل الولد ، وإن كان يؤيّده بعض الروايات .
والمرسل عن عليّ (عليه السلام) أنّه جلد شراحة [سراجة ـ خ .ل] الهمدانيّة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة . وقال: جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله)(5) .
الطائفة الثالثة: ما تدلّ على التفصيل بين الشيخ والشيخة ، والشابّ والشابّة كرواية عبدالله بن طلحة وعبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا زنى الشيخ
(1) وسائل الشيعة: 18 / 348 ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح8 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 349 ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح14 .
(3) وسائل الشيعة: 18 / 349 ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح15 .
(4) وسائل الشيعة: 18 / 349 ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح13 .
(5) مستدرك الوسائل: 18 / 42 ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح12 ، سنن البيهقي: 8/220 .
(الصفحة166)
والعجوز جلدا ، ثمّ رجما عقوبة لهما ، وإذا زنى النَّصف من الرجال رجم ولم يجلد إذا كان قد أُحصن ، وإذا زنى الشابّ الحدث السن جلد ، ونفي سنة من مصره(1) .
ورواية عبدالرحمان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: كان عليّ (عليه السلام) يضرب الشيخ والشيخة مائة ويرجمهما ، ويرجم المحصن والمحصنة ، ويجلد البكر والبكرة وينفيهما سنة(2) . فإنّ قرينة المقابلة تقتضي أن يكون المراد بالجملة الثانية هو الشابّ والشابّة ، كما أنّ المراد من الجملة الاُولى هي صورة الاحصان قطعاً .
ورواية الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: في الشيخ والشيخة جلد مائة والرجم ، والبكر والبكرة جلد مائة ونفي سنة(3) . فإنّ تخصيص الشيخ والشيخة بثبوت الجمع بين الجلد والرجم ظاهر في الاختصاص ، وعدم الجريان في الشابّ والشابّة ، وإن لم نقل بثبوت المفهوم أصلا كما قد حقّق في محلّه .
ثمّ إنّ مقتضى القواعد جعل الطائفة الثالثة شاهدة للجمع بين الأوليين ، بحمل الاُولى على الشابّ والشابّة ، والثانية على الشيخ والشيخة ، ودعوى كون الطائفة الثالثة ضعيفة من حيث السند مدفوعة بأنّ رواية الحلبي صحيحة ، ورواية عبدالرحمن أيضاً كذلك ظاهراً ، ولذا استندوا إليها في الجمع في الشيخ والشيخة ، فلا مجال لطرحها أصلا .
وعلى تقدير ثبوت الضعف ولزوم الطرح نقول: يستفاد منها ومن الفتاوى طريق الجمع بين الأوليين ، وإن لم تكن هذه الطائفة بنفسها حجّة ، ويكون الجمع
(1) وسائل الشيعة: 18 / 349 ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح11 ، والنّصف: الرجل بين الحدث والمسنّ ، الصحاح ، نصف .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 349 ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح12 .
(3) وسائل الشيعة: 18 / 348 ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح9 .
(الصفحة167)
مسألة 2 : لو زنى البالغ العاقل المحصن بغير البالغة أو بالمجنونة فهل عليه الرجم أم الحدّ دون الرجم؟ وجهان ، لا يبعد ثبوت الرجم عليه ، ولو زنى المجنون بالعاقلة البالغة مع كونها مطاوعة فعليها الحدّ كاملة من رجم أو جلد ، وليس على المجنون حدّ على الأقوى1.
بهذا النحو جمعاً مقبولاً عند العرف ، ومخرجاً لهما عن فرض التعارض ، فلا مجال لإعمال قواعد هذا الباب ، والرجوع إلى المرجّحات التي منها المخالفة للعامّة ، الموجودة في الطائفة الثانية ، وحمل الأُخرى على التقيّة ، فإنّ الرجوع إليها فرع ثبوت التّعارض ، وهو متوقّف على عدم امكان الجمع من حيث الدلالة ، فقد ظهر أنّ مقتضى القواعد على أيّ نحو كانت الطائفة الثالثة هو التفصيل ، كما اختاره في المتن .
1 ـ أمّا الفرع الأوّل: وهو زنا المحصن بغير البالغة أو بالمجنونة ، فقد حكي عن نهاية الشيخ(1) وجامع ابن سعيد(2) ثبوت الجلد فقط ، واختاره المحقّق في الشرائع(3) . وفي محكي الروضة(4) دعوى الشهرة على عدم الرجم في المجنونة ، وإن قال في الجواهر: وإن كنّا لم نتحقّقها(5) . والمحكيّ عن الحلبي(6) وابني زهرة(7)
(1) النهاية: 696 .
(2) الجامع للشرائع: 552 .
(3) شرائع الإسلام: 4/937 .
(4) الروضة البهية: 9/102 ـ 103 .
(5) جواهر الكلام: 41/320 .
(6) الكافي في الفقه: 405 .
(7) غُنية النزوع: 424.
(الصفحة168)
وإدريس(1) هو وجوب الرجم .
وما لابدّ من ملاحظته في المقام اُمور:
الأوّل: إطلاقات أدلّة الرجم في مورد الإحصان ، فإنّ مقتضاها ثبوت الرجم في المقام ; لكونها واردة في مقام البيان ، ولم يقع فيها التقييد بوجه .
الثاني: موثّقة أبي مريم قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) في آخر ما لقيته عن غلام لم يبلغ الحلم وقع على امرأة أو فجر بإمرأة ، أيّ شيء يصنع بهما؟ قال: يضرب الغلام دون الحدّ ، ويقام على المرأة الحدّ ، قلت: جارية لم تبلغ وجدت مع رجل يفجر بها؟ قال: تضرب الجارية دون الحدّ ، ويقام على الرجل الحدّ(2) .
وهل المراد بإقامة الحدّ على المرأة في الفرض الأوّل ، وعلى الرجل في الفرض الثاني هو مطلق الحدّ القابل للإنطباق على الرجم في مورد الإحصان ، وعلى الجلد في غيره ، كما يظهر من الجواهر(3) ؟ أو أنّ المراد بالإقامة في الفرضين هو إقامة حدّ الجلد فقط؟ والشاهد له ظهور الحدّ في قوله (عليه السلام): «دون الحدّ» في خصوص الجلد ; لعدم تصوّر عنوان الدون بالإضافة إلى الرجم ، فمقتضى وحدة السياق كون المراد بالحدّ في الفرضين هو الجلد أيضاً ، وعليه فتدلّ الموثّقة على عدم ثبوت الرجم في الفرضين المذكورين فيها .
الثالث: صحيحة أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في غلام صغير لم يدرك ، ابن عشر سنين ، زنى بإمرأة ، قال: يجلد الغلام دون الحدّ ، وتجلد المرأة الحدّ كاملا ، قيل: فإن كانت محصنة؟ قال: لا ترجم; لأنّ الذي نكحها ليس بمدرك ، ولو كان
(1) السرائر: 3/443 ـ 444 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 362 . أبواب حدّ الزنا ب9 ح2 .
(3) جواهر الكلام: 41/321 .
(الصفحة169)
مدركاً رجمت(1) .
ولا إشكال في دلالتها بالصّراحة على عدم ثبوت الرجم في المحصنة إذا زنى بها غلام صغير ، وأمّا عدم ثبوته في المحصن إذا زنا بصغيرة فربّما يقال: بدلالة عموم التعليل الوارد فيها عليه ، فإنّ المستفاد منه عرفاً اعتبار البلوغ في الطرف الآخر للزنا المقرون بالإحصان ، ولكنّ الظّاهر اختصاص التعليل بمورد الرواية ; لوجود الفرق بينه وبين عكسه ; لأنّ الصبيّ غير المدرك لا يتحقّق منه النكاح الموجب لحصول اللذة للزانية كاملة ، بخلاف الزنا بالصبية ، ولكن مع دلالة الموثّقة على الفرضين بناءً على ما استفدنا منها لا يكون البحث في عموم التعليل بمهمّ ، كما هو ظاهر .
الرابع: المرسلة المحكيّة عن السرائر قال: قد روي أنّه إذا زنا الرجل بصبيّة لم تبلغ ولا مثلها قد بلغ ، لم يكن عليه أكثر من الجلد ، وليس عليه رجم ، وكذا المرأة إذا زنت بصبي لم يبلغ . وقال أيضاً: روي أنّ الرجل إذا زنى بمجنونة لم يكن عليه رجم إذا كان محصناً ، وكان عليه جلد مائة ، وليس على المجنونة شيء بحال(2) .
وقد ادّعي أنّها مجبورة بالشهرة الظاهرة والمحكية(3) . ولكنّ الظاهر كما في الجواهر(4) عدم تحقّق الشهرة ، ولذا لم يفت ابن إدريس نفسه على طبق المرسلة على ما حكي .
الخامس: الوجوه الاعتبارية التي لا مجال لشيء منها ، كالأصل ، ونقص الحرمة
(1) وسائل الشيعة: 18 / 362 . أبواب حدّ الزنا ب9 ح1 .
(2) السرائر: 3/444 .
(3) رياض المسائل: 10/47 .
(4) جواهر الكلام: 41/322 .
(الصفحة170)
الثالث: الجلد خاصّة ، وهو ثابت على الزاني غير المحصن إذا لم يملك أي لم يزوّج ، وعلى المرأة العاقلة البالغة إذا زنى بها طفل ، كانت محصنة
أو لا ، فيهما بالنسبة إلى الكاملة ، ولذا لم يحدّ قاذفهما ، ونقص الّلذة في الصغيرة ، وفحوى نفي الرجم عن المحصنة إذا زنى بها صبيّ ، وعدم القول بالفصل بين المحصنة إذا زنى بها صبيّ وبين المقام ، بمعنى أنّ كلّ من قال بعدم الرجم فيها قال به أيضاً هنا ، وكلّ من قال بثبوته عليها قال بثبوته هنا ، ومن الواضح بطلان هذه الوجوه وعدم صلاحيّتها للمقاومة في مقابل الإطلاقات ، كما لا يخفى .
وقد انقدح من ملاحظة ما ذكرنا أنّه لابدّ في هذا الفرع من التفصيل بين زنا المحصن بالصغيرة وبين زناه بالمجنونة ، بالقول بثبوت الرجم في الثاني دون الأوّل ; لعدم نهوض شيء في الثاني في مقابل الإطلاقات المذكورة في الأمر الأوّل ، وقد عرفت أنّ المرسلة غير منجبرة .
وأمّا الفرع الثاني: فلا إشكال في ثبوت الرجم فيه ; لعدم وجود دليل على العدم ولو كان مرسلا ، بل ولا خلاف إلاّ ما يحكى عن يحيى بن سعيد(1) من المساواة بين الصبيّ والمجنون في عدم الرجم . قال في الجواهر: وهو مع شذوذه غير واضح الوجه كما اعترف به بعضهم(2) . وقد مرّ منا ثبوت الرجم في عكس هذا الفرض أيضاً .
ثمّ إنّك عرفت سابقاً عدم ثبوت الحدّ على المجنون(3) ، فلا وجه لإعادة البحث فيه أصلا .
(1) الجامع للشرائع: 552 .
(2) جواهر الكلام: 41/322 .
(3) في ص22 ـ 25 .
(الصفحة171)
وعلى المرأة غير المحصنة إذا زنت1.
1 ـ حكم في المتن بثبوت الجلد خاصّة في موارد ثلاثة:
الأوّل: الرجل الزاني غير المحصن بشرط عدم كونه مملّكاً بمعنى عدم تحقّق التزويج منه أصلا ، وقد صرّح الماتن في القسم الخامس من أقسام حدّ الزنا بأنّه عبارة عن الجلد والتغريب والجزّ ، وبأنّ مورده البكر ، وهو الذي تزوّج ولم يدخل بها ، وجعل تفسير البكر بذلك هو الأقرب ، فيستفاد من المجموع أنّ غير المحصن على قسمين: أحدهما: غير البكر ، وهو الذي لم يتحقّق منه التزويج رأساً ، وحدَّه الجلد خاصّة ، والثاني: البكر أو المملَّك ، وهو الذي تزوّج ولم يدخل بها ، وحدّه الجمع بين الاُمور الثلاثة المذكورة ، وعليه ففي غير المحصن حدّان .
ويظهر هذا المعنى من محكيّ الشيخ في صريح النهاية(1) وابني زهرة(2) وسعيد(3)والكيدري(4) . بل هو ظاهر الصدوق(5) والمفيد(6) وسلاّر(7) وابن حمزة(8) . وعن العلاّمة في التحرير(9) دعوى الشهرة عليه ، واختاره فيه وفي المختلف(10) وولده في
(1) النهاية: 694 .
(2) غُنية النزوع: 424 .
(3) الجامع للشرائع: 550 .
(4) إصباح الشيعة: 514 .
(5) المقنع: 428 ، 431 .
(6) المقنعة: 775 ، 780 .
(7) المراسم: 255 .
(8) الوسيلة: 411 .
(9) تحرير الأحكام: 2/222 .
(10) مختلف الشيعة: 9/149 ـ 151 مسألة 9 .
(الصفحة172)
الإيضاح(1) وأبو العبّاس في المقتصر(2) . بل عن ظاهر الغنية الإجماع عليه .
ولكنّه يظهر من جماعة أنّ غير المحصن قسم واحد ، وحدّه الجمع بين الامور الثلاثة المذكورة ، وقد حكي هذا عن العمّاني والإسكافي(3) والحلبي(4) وصريح الشيخ في المبسوط والخلاف(5) . وعن السرائر(6) . والمسالك نسبته إلى أكثر المتأخّرين(7) . بل عن غيرها نسبته إلى الشهرة(8) . بل عن ظاهر الخلاف والسرائر الإجماع عليه .
فيظهر من المجموع أنّ المسألة اختلافية ، وأنّ دعوى الشهرة أو الإجماع في أحد طرفيها في غير محلّها ، فلابدّ من ملاحظة الأخبار الواردة فيها ، فنقول: إنّها على طائفتين:
الاُولى: ما تدلّ على أنّ حدّ غير المحصن مطلقاً ليس هو الجلد فقط ، بل يجلد وينفى ، وهذه الطائفة كثيرة:
منها: صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: في الشيخ والشيخة جلد مائة والرّجم ، والبكر والبكرة جلد مائة ونفي سنة(9) . قال في الوسائل بعد نقل هذه
(1) إيضاح الفوائد: 4/479 .
(2) المقتصر: 401 .
(3) حكى عنهما في مختلف الشيعة: 9/150 .
(4) الكافي في الفقه: 405 .
(5) المبسوط: 8/2 ، الخلاف: 5/368 .
(6) السرائر: 3/441 ـ 442 .
(7) مسالك الأفهام: 14/369 .
(8) رياض المسائل: 10/49 .
(9) وسائل الشيعة: 18 / 348 ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح9 .
(الصفحة173)
الرواية: ورواه الصدوق بإسناده عن حمّاد مثله ، وزاد: والنفي من بلد إلى بلد ، قال: وقد نفى أمير المؤمنين (عليه السلام) من الكوفة إلى البصرة(1) .
ومن الواضح أنّ البكر والبكرة في الصحيحة لا يكونان مقابلين للشيخ والشيخة ، بل للمحصن الذي هو المراد منهما بقرينة الإجماع ، والتقييد بالشيخ والشيخة لعلّه لأجل إخراج الشابّ والشابّة من جهة عدم ثبوت الجمع فيهما ، ولذا استفدنا ذلك منهما في بحثهما .
ومنها: صحيحة عبدالرّحمن ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: كان عليّ (عليه السلام) يضرب الشيخ والشيخة مائة ويرجمهما ، ويرجم المحصن والمحصنة ، ويجلد البكر والبكرة ، وينفيهما سنة(2) . وهذه الراوية واضحة الدلالة ، من جهة جعل البكر والبكرة في مقابل المحصن مطلقاً أعمّ من الشيخ والشيخة وغيرهما .
ومنها: رواية عبدالله بن طلحة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا زنى الشيخ والعجوز جلدا ثمّ رجما عقوبة لهما ، وإذا زنى النَّصف من الرجال رجم ولم يجلد إذا كان قد أُحصن ، وإذا زنى الشابّ الحدث السنّ جلد ، ونفي سنة من مصره(3) .
وتثليث الفروض بعد كون المراد بالأوّلين هو المحصن ظاهر في أنّ المراد بالقسم الثالث مطلق غير المحصن ، وأنّ التعبير عنه بالشابّ الحدث السنّ بلحاظ كونه غير محصن غالباً ، فتدلّ على أنّ مطلق غير المحصن حكمه الجلد والنفي ، من دون فرق بين من تزوّج ولم يدخل ، أو لم يتزوّج أصلا .
(1) وسائل الشيعة: 18 / 348 ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح10 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 349 ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح12 .
(3) وسائل الشيعة: 18 / 349 ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح11 ، والنَّصف: الرجل بين الحدث والمسنّ .
(الصفحة174)
ومنها: رواية إسماعيل بن أبي زياد ، عن جعفر بن محمّد ، عن آبائه (عليهم السلام) أنّ محمّد ابن أبي بكر كتب إلى عليّ (عليه السلام) في الرجل زنى بالمرأة اليهوديّة والنصرانيّة ، فكتب (عليه السلام)إليه: إن كان محصناً فارجمه ، وإن كان بكراً فاجلده مائة جلدة ثمّ انفه ، وأمّا اليهوديّة فابعث بها إلى أهل ملّتها فليقضوا فيها ما أحبّوا(1) .
ومنها: رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الزاني إذا زنى أينفى؟ قال: فقال: نعم من التي جلد فيها إلى غيرها(2) .
فإنّ السؤال عن النفي ظاهر في كون المراد بالزاني من لا يكون حدّه الرجم ، فالإطلاق وترك الاستفصال ظاهر في ثبوت النفي في مطلق غير المحصن .
ومنها: رواية سماعة قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): إذا زنى الرجل ينبغي للإمام أن ينفيه من الأرض التي جلد فيها إلى غيرها ، فإنّما على الإمام أن يخرجه من المصر الذي جلد فيه(3) . والذيل قرينة على أنّه ليس المراد بكلمة «ينبغي» مجرّد الرجحان بل اللّزوم ، ولكن روى هذه الرواية الصدوق في الفقيه(4) مع إضافة لفظة «فليس» بكلمة «ينبغي» ، وعليه فيصير المراد من الرواية أنّه لا ينبغي للإمام تعيين المحلّ الذي ينفى إليه ، بل اللازم مجرّد الإخراج من بلده ، وتعيين المحلّ الآخر إنّما هو باختياره ، ولكنّ الرواية على كلا النقلين من روايات هذه الطائفة .
ومنها: رواية مثنّى الحنّاط ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن الزاني إذا جلد
(1) وسائل الشيعة: 18 / 361 ، أبواب حدّ الزنا ب8 ح5 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 393 ، أبواب حدّ الزنا ب24 ح2 .
(3) وسائل الشيعة: 18 / 393 ، أبواب حدّ الزنا ب24 ح3 .
(4) من لا يحضره الفقيه: 4/25 ـ 26 .
(الصفحة175)
الحدّ؟ قال: ينفى من الأرض إلى بلدة يكون فيها سنة(1) .
الطائفة الثانية: ما تدلّ على اختصاص النفي والتغريب مضافاً إلى الجلد بخصوص من أملك ، أي تزوّج ولم يدخل بها ، وهي ثلاث روايات:
الاُولى: صحيحة أو حسنة محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في الشيخ والشيخة أن يجلدا مائة ، وقضى للمحصن الرجم ، وقضى في البكر والبكرة إذا زنيا جلد مائة ونفي سنة في غير مصرهما ، وهما اللذان قد أملكا ولم يدخل بها(2) . ورواه الشيخ إلاّ أنّه أسقط قوله (عليه السلام): «وهما اللّذان»(3) . واحتمال كون التفسير من الراوي ـ ولذا لم ينقله الشيخ ـ مدفوع بكونه خلاف الظاهر جدّاً ، بل الظاهر كون التفسير من أبي جعفر (عليه السلام) ، وعدم نقل الشيخ له لا إشعار فيه بذلك; لما نرى من الاختلاف في النقل في الموارد الكثيرة ، وما المانع من النقل مع الإعلام بكون التفسير من الراوي ، كما قد وقع في موارد أيضاً ، وبالجملة لا مجال لهذا الاحتمال أصلا .
نعم ، يمكن أن يناقش فيها باشتمالها على نفي المرأة أيضاً ، مع أنّ الشهرة على عدم ثبوته فيها(4) . بل ادّعى الإجماع عليه(5) . ويدفعها ـ مضافاً إلى اشتمال بعض الطائفة الاُولى على هذا الأمر أيضاً ، كصحيحتي الحلبي وعبدالرحمن المتقدّمتين ـ أنّ خروج المرأة بالإجماع أو غيره لا يوجب وهناً في الرواية ، مع أنّ ثبوت الإجماع
(1) وسائل الشيعة: 18 / 393 ، أبواب حدّ الزنا ب24 ح4 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 347 ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح2 .
(3) التهذيب: 10 / 36 ح123 .
(4) رياض المسائل: 10/51 .
(5) الخلاف: 5/368 مسألة 3 ، غنية النزوع: 430 .
(الصفحة176)
غير معلوم ، كما سيأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى . وبالجملة المناقشة في هذه الرواية سنداً أو دلالة ممّا لا مجال له أصلا .
الثانية: مرسلة يونس ، عن زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: المحصن يرجم ، والذي قد أُملك ولم يدخل بها فجلد مائة ونفي سنة(1) . ورواه الشيخ عن يونس ، عن زرارة من دون إرسال(2) . ولكنّه ربّما يقال: بأنّ ملاحظة طبقات الرواة تقتضي أنّ يونس لا يمكن له النقل عن زرارة من دون واسطة ، فلابدّ أن يقال: بأنّ الواسطة محذوفة فيتحقّق الإرسال .
كما أنّه ربّما يناقش في دلالتها بأنّ إثبات الشيء لا ينفي ما عداه ، فإثبات الجلد والنفي في مورد المملَّك لا يستلزم النفي في غير المملّك ، ولكنّ هذه المناقشة مندفعة جدّاً بظهور كون التقييد إنّما هو لبيان الاختصاص ، وإلاّ فلو كان الحكم مترتّباً على مطلق غير المحصن لم يكن وجه للتقييد ، خصوصاً مع التعرّض لحكم المحصن مطلقاً في الجملة الاُولى ، كما لا يخفى .
الثالثة: رواية زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: الذي لم يحصن يجلد مائة جلدة ولا ينفى ، والذي قد أملك ولم يدخل بها يجلد مائة وينفى(3) .
وقد نوقش فيها من حيث السند ، باشتماله على موسى بن بكر وهو واقفيّ ، ويمكن دفعها بأنّه وإن صرّح الشيخ(4) فقط في رجاله بكونه واقفياً ، إلاّ أنّه يمكن استفادة وثاقته من رواية مثل أبن أبي عمير ، وصفوان بن يحيى عنه ، مع أنّه
(1) وسائل الشيعة: 18 / 348 ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح6 .
(2) التهذيب: 10/3 ح8 .
(3) وسائل الشيعة: 18 / 348 ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح7 .
(4) رجال الطوسي: 353 رقم9 .
(الصفحة177)
روى بعض الروايات المشتملة على النصّ على الرضا (عليه السلام) أيضاً(1) . ومن حيث الدلالة بالاختلاف في متن الحديث ، فإنّ الكافي(2) والاستبصار(3) قد نقلا الرواية مثل ما ذكرنا ، لكن في الوافي عن التهذيب : «وينفى» في الموضعين بدون «لا» ، «والتي قد أملكت» على المؤنث(4) .
وعن التهذيب(5) المطبوع «لا ينفى» في الأوّل «والتي قد أملكت» على التأنيث في الثاني .
ويؤيّد عدم وجود «لا» في الجملة الثانية ـ مضافاً إلى أنّ التفكيك وإيراد جملتين لا يناسب مع وحدة الحكم ; لأنّه على هذا التقدير لم تكن حاجة إلى التفكيك ـ أنّ صحاب الوسائل لم يشر إلى هذا الاختلاف بوجه ، بل قال بعد نقل الرواية: محمّد ابن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد مثله ، وزاد في أوّله: «المحصن يجلد مائة ويرجم» .
وكيف كان فلابدّ بملاحظة هذه الطائفة من رفع اليد عن إطلاق الطائفة الاُولى وتقييده بها ، والحكم باختصاص التغريب بخصوص غير المحصن إذا أملك ، ولم يدخل بها كما اختاره في المتن .
ويؤيّده رواية أصبغ بن نباتة(6) الواردة في خمسة نفر أُخذوا في الزنا ، وأجرى
(1) اختيار معرفة الرجال ، المعروف برجال الكشي: 490 ذ رقم 933 وص494 رقم 947 .
(2) الكافي: 7/177 ح6 .
(3) الإستبصار: 4/200 ح752 .
(4) الوافي: 15 / 239 .
(5) التهذيب: 10/4 ح12 .
(6) وسائل الشيعة: 18 / 350 ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح16 .
(الصفحة178)
عليّ (عليه السلام) حدّ الجلد فقط على الثالث منهم ، معلّلا بأنّه غير محصن حدّه الجلد .
بقي الكلام في أنّ الروايات المتقدّمة لم يقع في شيء منها التعرّض للجزّ زائداً على الجلد والنفي ، مع أنّه حكى في الجواهر عن الشيخين(1) وسلاّر(2) وابني حمزة(3)وسعيد(4) والفاضلين(5) التصريح به ، بل قال: لم يحك فيه خلاف ، وإن حكي عن الصدوق والعماني والإسكافي والشيخ في الخلاف والمبسوط وابن زهرة عدم التعرّض له(6) .
ويدلّ على ثبوته رواية حنان بن سدير قال: سأل رجل أبا عبدالله (عليه السلام) وأنا أسمع عن البكر يفجر وقد تزوّج ، ففجر قبل أن يدخل بأهله؟ فقال: يضرب مائة ويجزّ شعره وينفى من المصر حولا ، ويفرّق بينه وبين أهله(7) .
ورواية عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: سألته عن رجل تزوّج امرأة ولم يدخل بها فزنى ما عليه؟ قال: يجلد الحدّ ويحلق رأسه ويفرّق بينه وبين أهله وينفى سنة(8) .
وفي مقابلهما ـ من حيث الدلالة على عدم وجوب التفريق ـ رواية رفاعة بن موسى على نقل الصدوق ، أنّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يزني قبل أن يدخل
(1) المقنعة: 780 ، النهاية 694 .
(2) المراسم: 255 .
(3) الوسيلة: 411 .
(4) الجامع للشرائع: 550 .
(5) شرائع الإسلام: 4/937 ، التحرير: 2/222 ، قواعد الأحكام: 2/252 ، إرشاد الأذهان: 2/173 .
(6) رياض المسائل: 10 / 48 .
(7) وسائل الشيعة: 18 / 359 ، أبواب حدّ الزنا ب7 ح7 .
(8) وسائل الشيعة: 18 / 359 ، أبواب حدّ الزنا ب7 ح8 .
(الصفحة179)
بأهله أيرجم؟ قال: لا ، قلت: هل يفرّق بينهما إذا زنى قبل أن يدخل بها؟ قال: لا(1) ، والمراد من التفرّق يحتمل أن يكون التفريق من حيث المكان بينه وبين أهله ، بالإلزام بعدم مصاحبة أهله معه في محلّ النفي ، ويحتمل أن يكون هو التطليق وإجباره على طلاق زوجته ، ولكنّه لم يقع شيء من الأمرين مورداً لافتاء الأصحاب .
ثمّ إنّ ذكر الرأس في الرواية الثانية قرينة على عدم كون المراد من الشعر في الرواية مطلق الشعر الشامل للّحية والحاجب ، بل خصوص شعر الرأس ، نعم ظاهره حلق جميع شعر الرأس ; لأنّه المتفاهم منه ، فلا يكفي حلق شعر الناصية فقط ، كما عن المقنعة(2) والمراسم(3) . وكونه أشنع لا دخالة له في الحكم أصلا .
ثمّ إنّه قد عبّر في الرواية الاُولى بالجزّ ، وفي الثانية بالحلق ، فإن قلنا بأنّ الثاني أخصّ من الأوّل ، فاللازم التقييد وتخصيص الحكم بالحلق ، وإن قلنا بالمغايرة فالظاهر أنّ الحكم هو التخيير بين الأمرين . هذا تمام الكلام في المورد الأوّل .
المورد الثاني: ـ من موارد ثبوت الجلد خاصّة ـ المرأة البالغة العاقلة إذا زنى بها طفل وإن كانت محصنة ، وقد مرّ البحث فيه في المسألة الثانية ، وأنّ مقتضى صحيحة أبي بصير المتقدّمة عدم ثبوت الرجم عليها ، معلّلا بأنّ الذي نكحها ليس بمدرك ، وكذا موثّقة أبي مريم ، بناءً على ما استفدنا منها ، فراجع .
المورد الثالث: المرأة غير المحصنة إذا زنت ، وفي الجواهر في شرح قول المحقّق:
(1) من لا يحضره الفقيه: 4 / 40 ح5040 ، وسائل الشيعة: 18 / 358 ، أبواب حدّ الزنا ب7 ح1 و 2 .
(2) المقنعة: 780 .
(3) المراسم: 255 .
(الصفحة180)
وأمّا المرأة فعليها الجلد مائة ولا تغريب عليها ولا جزّ(1) قال: بلا خلاف معتدّ به أجده ، بل في كشف اللثام(2) الاتّفاق عليه في الظاهر في الثاني ، وعن الخلاف(3)والغنية(4) وظاهر المبسوط(5) الإجماع عليه في الأوّل(6) . نعم عن ابني أبي عقيل والجنيد(7) ثبوت التغريب عليها .
وأمّا بالنظر إلى الروايات ، فالنصّ الدّال على الجزّ مورده الرجل ، ومع احتمال الاختصاص به خصوصاً بملاحظة الفتاوى لا مجال لإلغاء الخصوصيّة والتعدّي من الرجل إلى المرأة أصلا .
وأمّا ما ورد في التغريب فمقتضى الروايات الصحيحة المتقدّمة كصحيحة الحلبي ، وصحيحة عبدالرحمن ثبوت النفي في المرأة أيضاً ، ولكنّ الفتوى على خلافها ، وثبوت الشهرة أو الإجماع على العدم ، خصوصاً مع كون مستندهم في تغريب الرجل نفس هذه الروايات تدلّ على إطّلاعهم على رأي الأئمة (عليهم السلام) من طريق آخر ووصول هذا الرأي إليهم يداً بيد ، وإلاّ فكيف لم يفتوا بهذه الجهة من الروايات الصحيحة المعتبرة .
وهذا هو الوجه في اختصاص الحكم بالتغريب بالرجل ، لا ما ربّما يقال من
(1) شرائع الإسلام: 4/937 .
(2) كشف اللثام: 2/399 .
(3) الخلاف: 5/368 مسألة 3 .
(4) غنية النزوع: 423 .
(5) المبسوط: 8/2 .
(6) جواهر الكلام: 41/328 .
(7) حكى عنهما في مختلف الشيعة: 9/150 .
|