(الصفحة281)
الفصل الثاني
في
اللواط والسحق والقيادة
مسألة 1 : اللواط وطء الذكران من الآدمي بإيقاب وغيره ، وهو لا يثبت إلاّ بإقرار الفاعل أو المفعول أربع مرّات ، أو شهادة أربعة رجال بالمعاينة مع جامعيّتهم لشرائط القبول1.
1 ـ يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين:
المقام الأوّل: في تعريف اللواط ، وقبل الورود فيه نقدّم أمرين:
الأوّل: قال صاحب الجواهر: واشتقاقه من فعل قوم لوط(1) . أقول: إن كان مراده أنّ اللواط بالمعنى المصطلح في الفقه ليس له سابقة قبل قوم لوط ، وعليه فلا يكون في لغة العرب بهذا المعنى أصلا ، فهو حقّ ، ويؤيّده قوله تعالى فيما حكاه عن لوط: {أَتأتُونَ الفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِن أَحَد مِنَ العَالَمِينَ}(2) حيث إنّه يدلّ
(1) جواهر الكلام: 41/374 .
(2) سورة الأعراف7: 80 .
(الصفحة282)
على أنّه لا سابقة لهذا العمل قبل قوم لوط ولو من أحد .
وإن كان مراده أنّ لفظ اللواط ولو بغير هذا المعنى لا يوجد في لغة العرب أصلا ، فيدفعه ملاحظة اللغة ، فإنّ المستفاد منها أنّ اللواط يجيء بمعنى الإلصاق ، كما في: لاط الشيء بالشيء ، أو بمعنى اللصوق كما في: لاط الشيء بقلبي ، أو بمعنى الطرد ، أو بمعنى الربا .
الثاني: إنّ حرمة اللواط وثبوت هذا الحكم له من ضروريّات الفقه بل الدين ، ويدلّ عليه من الكتاب آيات كثيرة وروايات مستفيضة ، أمّا الآيات ، فمثل الآية المتقدّمة ، وقوله تعالى حكاية عنه أيضاً: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ}(1)فإنّ التعبير عنه بالفاحشة ظاهر في الحرمة ، ويؤيّده تعليل حرمة الزنا بها في قوله تعالى: {وَلاَ تَقرَبُوا الزِّنَى إِنَّه كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً}(2) .
أمّا الروايات ، فكرواية أبي بكر الحضرمي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): من جامع غلاماً جاء يوم القيامة جنباً لا ينقيه ماء الدنيا ، وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له جهنّم وساءَت مصيراً ، ثمّ قال: إنّ الذكر يركب الذكر فيهتزّ العرش لذلك ، وإنّ الرجل ليؤتى في حقبه فيحبسه الله على جسر جهنّم حتّى يفرغ الله من حساب الخلائق ، ثمّ يؤمر به إلى جهنّم ، فيعذّب بطبقاتها طبقة طبقة حتّى يرد إلى أسفلها ولا يخرج منها(3) .
ورواية السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لو كان ينبغي
(1) سورة النمل27: 54 .
(2) سورة الإسراء17: 32 .
(3) وسائل الشيعة: 14 / 248 ، أبواب النكاح المحرّم ب17 ح1 وص252 ب18 ح1 .
(الصفحة283)
لأحد أن يرجم مرّتين لرجم اللوطي(1) .
وروايته الاخرى عنه (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): اللواط ما دون الدبر ، والدبر هو الكفر(2) .
ومرسلة يونس ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: حرمة الدبر أعظم من حرمة الفرج ، وأنّ الله أهلك اُمّة لحرمة الدبر ، ولم يهلك أحداً لحرمة الفرج(3) .
ورواية حذيفة بن منصور قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن اللواط؟ فقال: ما بين الفخذين ، وسألته عن الذي يوقب؟ فقال: ذاك الكفر بما أنزل الله على نبيّة(صلى الله عليه وآله)(4) .
وغير ذلك من الروايات الدالّة عليه ، مضافاً إلى إجماع الطائفة بل المسلمين جميعاً ، وإلى دليل العقل كما ربّما يقال .
إذا عرفت ذلك يقع الكلام في تعريف اللواط ، فنقول: لا خفاء في أنّ إضافة الوطء إلى الذكران من إضافة المصدر إلى المفعول ، لأنّه ـ مضافاً إلى أنّ الإضافة إلى الفاعل لا حاجة إليها ; لوضوح كون الواطئ مطلقاً هو المذكّر ـ تكون الخصوصيّة المميّزة للَّواط عن مثل الزنا في الموطوء دون الواطئ ، وأمّا تعميم اللواط لصورة الإيقاب وغيرها فربّما يناقش فيه كما في الجواهر بأنّ إطلاق اللواط على غير الإيقاب من التفخيذ أو الفعل بين الإليتين من المجاز(5) .
(1) وسائل الشيعة: 18 / 420 ، أبواب حدّ اللواط ب3 ح2 .
(2) وسائل الشيعة: 14 / 257 ، أبواب النكاح المحرّم ب20 ح2 .
(3) وسائل الشيعة: 14 / 249 ، أبواب النكاح المحرّم ب17 ح2 .
(4) وسائل الشيعة: 14 / 257 ، أبواب النكاح المحرّم ب20 ح3 .
(5) جواهر الكلام: 41/376 .
(الصفحة284)
ولكن يرد عليه أنّه إن أراد ذلك بحسب اللغة ، فقد عرفت أنّه لا يكون اللواط بحسبها بهذا المعنى الاصطلاحي أصلا ، وقد اعترف(قدس سره) بأنّ اشتقاقه من فعل قوم لوط ، وإن أراد ذلك بحسب الروايات وكلمات الأصحاب ، فلا إشكال في أنّ مفادها التعميم ، كما يدلّ عليه إحدي روايتي السكوني المتقدّمتين ورواية حذيفة ، بل ظاهرهما اختصاص اللواط بما دون الدبر وما بين الفخذين وخروج صورة الإيقاب عن معنى اللواط ، ولكنّهما حملتا على التعميم ، وأنّ صورة الإيقاب هي المرتبة الكاملة من اللواط المحرّم ، وهكذا رواية أبي بكر المعبّرة بالجماع والركوب الظاهرين في العموم .
وأمّا كلمات الأصحاب فصريحة في التعميم ، سيّما المتقدّمين منهم في الكتب الموضوعة لنقل فتاوى الأئمّة (عليهم السلام) بعين الألفاظ الصادرة عنهم ، فلا مجال لدعوى المجاز أصلا .
ثمّ إنّه هل المراد بالإيقاب هو إدخال جميع الآلة ، أو مقدار الحشفة ، أو ولو مقدار من الحشفة؟ الظّاهر أنّه لا مجال للاحتمال الأوّل ، لأنّه مضافاً إلى عدم إمكان تحقّقه عادة لم يحتمله أحد من الأصحاب ، فالأمر دائر بين الاحتمالين الأخيرين ، ولابدّ قبل ملاحظة الترجيح من التنبيه على أمرين:
الأوّل: أنّ البحث في المراد من الإيقاب ، وأنّه هل يتحقّق بإدخال جميع الحشفة ، أو ولو بإدخال بعضها؟ مع أنّك عرفت أنّه لا دخالة للإيقاب في مفهوم اللواط لتحقّقه بما دون الدبر ، إنّما هو بلحاظ الاختلاف في الحدّ المترتّب عليه كما سيأتي ; لأنّ اللواط الإيقابي يترتّب عليه القتل ، واللواط غيره حدّه مائة جلدة ، فلابدّ من البحث في المراد منه كما هو ظاهر .
الثاني: أنّه ذكر الشهيد الثاني(قدس سره) في المسالك في شرح الشرائع: «أنّه ـ يعني
(الصفحة285)
المحقّق ـ أراد بالإيقاب إدخال الذكر ولو ببعض الحشفة ; لأنّ الإيقاب لغة الإدخال ، فيتحقّق الحكم وإن لم يجب الغسل ، واعتبر في القواعد في الإيقاب غيبوبة الحشفة(1) . ومطلق الإيقاب لا يدلّ عليه»(2) .
ولكنّه ذكر في الروضة في شرح قول المصنّف: أي إدخال شيء من الذكر في دبره ولو مقدار الحشفة ، وظاهرهم هنا الإتّفاق على ذلك وإن اكتفوا ببعضها في تحريم أمّه وأخته وبنته(3) . وحكي نحوه عن الرياض(4) .
وعن كشف اللثام: أنّ النصوص والفتاوى مطلقة تتناول ما دون ذلك ـ أي الحشفة ـ قال: ويمكن تعميم الحشفة ـ أي في عبارة القواعد ـ للكلّ والبعض(5) .
ويظهر ممّا ذكر عدم ثبوت الاتّفاق على أحد الاحتمالين وإن استظهره الشهيد في الروضة ; لكنّه بنفسه خالف ذلك في المسالك ، فاللازم ملاحظة ما يظهر من الأدلّة ، فنقول:
إنّ ما ورد منها في باب اللواط كما سيأتي نقله يكون موضوعه مثل الإيقاب من دون خصوصيّة زائدة ، ومن الواضح تحقّقه بمجرّد المسمّى وإن لم يوقب تمام الحشفة ، وإلاّ لا يتحقّق عرفاً بتمامها أيضاً ، بل لابدّ من إدخال جميع الآلة الذي عرفت أنّه لم يحك عن أحد من الأصحاب ـ قدّس الله أسرارهم ـ ولم يقم دليل هنا على الملازمة بين الغسل وبين الحدّ ; لأنّه ـ مضافاً إلى وضوح عدم الملازمة بينهما في
(1) قواعد الأحكام: 2/256 .
(2) مسالك الأفهام: 14/401 .
(3) الروضة البهيّة: 9/143 .
(4) رياض المسائل: 10/89 .
(5) كشف اللثام: 2/407 .
(الصفحة286)
اللواط غير الإيقابي لترتّب حدّ الجلد عليه مع عدم إيجابه للغسل; لعدم تحقّق الإيقاب بوجه كما هو المفروض ـ نقول: لا دليل على الملازمة بين الغسل وبين حدّ القتل ، فاللاّزم الأخذ بمقتضى إطلاق عنوان الإيقاب المأخوذ في موضوع أدلّة حدّ القتل .
نعم ، ورد في باب الزنا والغسل روايات يستفاد من مجموعها أنّ الموضوع والموجب للغسل هو الإدخال المعبّر عنه في بعضها بالتقاء الختانين ، المفسّر بغيبوبة الحشفة الظاهرة في غيبوبة جميعها ، كما أنّه يستفاذ منه الملازمة بين الغسل والمهر والحدّ ، ولكن موردها باب الزنا ، ولا شاهد على إلغاء الخصوصيّة وإسراء الحكم إلى اللواط ، خصوصاً مع ملاحظة ما عرفت من شدّة حرمته جدّاً ، ومن كون اللواط غير الإيقابي موجباً للحدّ بلا إشكال مع عدم وجوب الغسل فيه ، وعليه فيمكن أن تكون الشدّة موجبة لثبوت حدّ القتل ولو بإدخال بعض الحشفة .
وممّا ذكرنا يظهر الجواب عمّا يمكن أن يتوهّم من جريان التعليل الوارد في بعضها في المقام ، وهي صحيحة الحلبي قال: سئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يصيب المرأة فلا ينزل أعليه الغسل؟ قال: كان عليّ (عليه السلام) يقول: إذا مسّ الختان الختان فقد وجب الغسل . قال: وكان عليّ (عليه السلام)يقول: كيف لا يوجب الغسل والحدّ يجب فيه؟ وقال: يجب عليه المهر والغسل(1) نظراً إلى ظهور التعليل في أنّه مع ثبوت الحدّ لابدّ من ثبوت الغسل ، فإذا لم يثبت الغسل لا يكون الحدّ ثابتاً أيضاً ، فيدلّ على عدم ثبوت الحدّ في إيقاب البعض ; لعدم ثبوت الغسل فيه بلا إشكال .
ولكنّ الجواب ما عرفت من وضوح عدم ثبوت الملازمة في المقام ، كما في
(1) وسائل الشيعة: 1 / 469 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ب6 ح4 .
(الصفحة287)
اللواط غير الإيقابي ، وعليه فمورد التعليل هو الزنا ، ولا يجري في اللواط بوجه .
المقام الثاني: فيما يثبت به اللواط وهو أمران:
الأوّل: الإقرار أربع مرّات من الفاعل أو المفعول بالإضافة إلى المقرّ فقط ، ويدلّ على الثبوت به وعدم الثبوت بما دون الأربع ـ مضافاً إلى ما في الجواهر من أنّه قطع به الأصحاب(1) ـ صحيحة مالك بن عطيّة أو حسنته ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال: بينما أمير المؤمنين (عليه السلام) في ملأ من أصحابه ، إذ أتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين إنّي أوقبت على غلام فطهّرني ، فقال له: يا هذا إمض إلى منزلك لعلّ مراراً هاج بك ، فلمّا كان من غد عاد إليه فقال له: يا أمير المؤمنين إنّي أوقبت على غلام فطهّرني ، فقال له: إذهب إلى منزلك لعلّ مراراً هاج بك ، حتّى فعل ذلك ثلاثاً بعد مرّته الاُولى ، فلمّا كان في الرابعة قال له: يا هذا إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) حكم في مثلك بثلاثة أحكام فاختر أيّهنّ شئت .
قال: وما هنّ يا أمير المؤمنين؟ قال: ضربة بالسيف في عنقك بالغة ما بلغت ، أو إهداب (إهداء)(2) من جبل مشدود اليدين والرجلين ، أو إحراق بالنار ، قال: يا أمير المؤمنين أيّهنّ أشدّ عليّ؟ قال: الإحراق بالنار ، قال: فإنّي قد اخترتها يا أمير المؤمنين ، فقال: خذ لذلك اُهبّتك فقال: نعم ، قال: فصلّى ركعتين ثمّ جلس في تشهّده فقال: اللهمّ إنّي قد أتيت من الذنب ما قد علمته ، وإنّي تخوّفت من ذلك فأتيت إلى وصيّ رسولك وابن عمّ نبيّك فسألته أن يطهّرني ، فخيّرني ثلاثة أصناف من العذاب ، اللّهمّ فإنّي اخترت أشدّهنّ ، اللّهم فإنّي أسألك أن تجعل ذلك كفّارة
(1) جواهر الكلام: 41/376 .
(2) الإهداء: الإماتة سقطاً من جبل ، وفي الوافي: 15/335 ح15177 دهداء . ودهده الحجر فتدهده دحرجه فتدحرج (اُنظر مجمع البحرين : 1/615) ، وفي بعض النسخ: إهذاب وأهذبت السحابة مائها أسالته بسرعة ، وفي بعضها: إهداة «المؤلّف» .
(الصفحة288)
لذنوبي ، وأن لا تحرقني بنارك في آخرتي ، ثمّ قام وهو باك حتّى دخل الحفيرة التي حفرهاله أميرالمؤمنين (عليه السلام) وهويرى النارتتأجّج حوله، قال: فبكى أمير المؤمنين (عليه السلام)وبكى أصحابه جميعاً ، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): قم يا هذا فقد أبكيت ملائكة السماء وملائكة الأرض ، فإنّ الله قد تاب عليك ، فقم ولا تعاودنّ شيئاً ممّا فعلت(1) .
وعدم الاستفصال عن الرجل بعد إقراره بالإيقاب يدلّ على عموميّته ، وعدم اختصاصه بصورة إدخال جميع الحشفة ، فتدلّ الرواية على ما اخترناه فيه ، نعم موردها صورة الإيقاب ، والمدّعى اعتبار الأربعة في الإقرار في جميع موارد اللواط وإن لم يوقب ، إلاّ أن يقال بعدم الفصل بين الموارد قطعاً .
الأمر الثاني: شهادة أربعة رجال بالمعاينة، مع الجامعية لشرائط القبول ، وفيه بحثان:
الأوّل: عدم كفاية الأقلّ من الأربعة ، ولزوم تحقّق هذا العدد في مقام الشهادة ، وعمدة ما يدلّ على عدم كفايته إجماع الطائفة الإمامية وإتّفاقهم عليه ، بل وإجماع سائر فقهاء المسلمين القائلين بثبوت الحدّ في اللواط . نعم ، من قال فيه بثبوت التعزير كالحنفية(2) على ما حكي عنهم اكتفى بشهادة الإثنين .
وقد استدلّ له بوجوه آخر أيضاً ، مثل:
أنّه حيث يكون الإقرار أتقن من الشهادة ، ولذا يكتفى بالإقرار الواحد في الأموال دون شاهد واحد ، فإذا كان اللازم فيه في المقام هو الأربعة كما مرّ ، فلزومها في الشهادة بطريق أولى .
(1) وسائل الشيعة: 18 / 423 ، أبواب حدّ اللواط ب5 ح1 .
(2) المبسوط للسرخسي: 9/77 ، المغني والشرح الكبير: 10/161 ، بدائع الصنائع: 5/487 .
(الصفحة289)
وأنّ الإقرار والشهادة من واد واحد ، بمعنى أنّ الإقرار قسم من الشهادة ، غايته أنّه شهادة على النفس ، ويدلّ عليه رواية الأصبغ بن نباتة المتقدّمة ، الدالّة على أنّ الإقرار بمنزلة الشهادة(1) ، والرواية المفصّلة المتقدّمة أيضاً ، الواردة في امرأة مجحّ ، الدالّة على أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قد عبّر عن الإقرار بالشهادة في الأقارير الأربعة بقوله: اللّهم إنّها شهادة واللّهم إنّهما شهادتان إلى الأربع(2) .
وأنّ اللواط أشدّ حرمة من الزنا ، كما صرّح به بعض الروايات المتقدّمة ، فإذا كان العدد المعتبر في الزنا في مقام الشهادة هو الأربع ، ففي اللواط يكون معتبراً بطريق أولى ، ودعوى أنّ القتل أشدّ منه مع كفاية الإثنين فيه مدفوعة بعدم كون الملاك مجرّد الأشدّية في الحرمة فقط ، بل كون الزنا مرتبطاً بالعرض والحيثيّة إنّما اقتضى اعتبار العدد المذكور وعدم الاكتفاء بالإثنين ، وهذا الأمر متحقّق في اللواط بطريق أولى ، ولا يكون متحقّقاً في القتل كما لا يخفى .
ورواية أبي بكر الحضرمي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: اُتي أمير المؤمنين (عليه السلام)بإمرأة وزوجها ، قد لاط زوجها بابنها من غيره وثقبه وشهد عليه بذلك الشهود ، فأمر به (عليه السلام) فضرب بالسيف حتّى قتل ، وضرب الغلام دون الحدّ ، وقال: أما لو كنت مدركاً لقتلتك ، لإمكانك إيّاه من نفسك بثقبك(3) .
ورواية عبدالرحمن ، عن أبي عبدالله ، عن أبيه (عليهما السلام) قال: اُتي عمر برجل قد نكح في دبره فهمَّ أن يجلده ، فقال للشهود: رأيتموه يدخله كما يدخل الميل في المكحله؟ قالوا: نعم ، فقال لعليّ (عليه السلام): ما ترى في هذا؟ فطلب الفحل الذي نكح فلم يجده ، فقال
(1) الفقيه: 4 / 31 ح17 ، وسائل الشيعة: 18 / 328 ، أبواب مقدّمات الحدود ب16 ح6 وص342 ب31 ح4 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 377 ، أبواب حدّ الزنا ب16 ح1 .
(3) وسائل الشيعة: 18 / 418 ، أبواب حدّ اللواط ب2 ح1 .
(الصفحة290)
عليّ (عليه السلام): أرى فيه أن تضرب عنقه ، قال: فأمر فضربت عنقه ، الحديث(1) .
وتقريب الاستدلال بهما أنّه قد وقع فيهما التعبير بالشهود بصيغة الجمع ، وأقلّ الجمع وإن كان ثلاثة إلاّ أنّه لا إشكال في عدم اعتبارها ، فاللازم تحقّق الأربعة .
وأورد عليه بأنّ وجود الشهود في مورد الروايتين تصادفاً لا يدلّ على اعتبارها وعدم كفاية الإثنين .
ويمكن دفعه بأنّه حيث يكون الناقل فيهما هو الإمام ، وكان غرضه من النقل بيان الأحكام ، فيجوز الاستدلال بما عبّر عنه في مقام النقل كما أشرنا إليه مراراً . والعمدة في المسألة على ما عرفت هو الإجماع كما مرّ .
البحث الثاني: في اعتبار شهادة النساء في ثبوت اللواط وعدمه ، فنقول: الظاهر أنّ المسألة اختلافية وإن ادّعي فيها الإجماع على بعض الأقوال ، فالمحكيّ عن المفيد(2) والشيخ في النهاية(3) وسلاّر(4) اعتبار أربعة رجال فقط ، الظّاهر في عدم اعتبار شهادة النساء في اللواط بوجه ، وعن عليّ بن بابويه(5) وولده في المقنع(6)والغنية(7) كفاية ثلاثة رجالوامرأتين أيضاً، وادّعى في الغنية عليهاإجماع الطائفة(8)، وعن المختلف(9) أنّ الصدوق أبدل كلمة الحدود التي اكتفي فيها بذلك بالزنا .
(1) وسائل الشيعة: 18 / 420 ، أبواب حدّ اللواط ب3 ح3 .
(2) المقنعة: 785 .
(3) النهاية: 703 .
(4) المراسم: 255 .
(5) حكى عنه في مختلف الشيعة: 8/488 .
(6) المقنع: 402 .
(7 ، 8) غنية النزوع: 438 .
(9) مختلف الشيعة: 8/488 .
(الصفحة291)
وعن الوسيلة: أنّه اكتفى في الزنا جلداً برجلين وأربع نسوة ، ثمّ قال: واللواط يثبت بمثل ما يثبت به الزنا من البيّنة ، والإقرار على الوجوه المذكورة على سواء(1) . فقد ظهر عدم ثبوت الإجماع وأنّ اللازم ملاحظة الأدلّة .
فنقول: إنّ ما ورد منها في الزنا ممّا يدلّ على اعتبار شهادة النساء فيه في الجملة لا دلالة له على الاعتبار في باب اللواط ، ولا يمكن قياسه عليه ، خصوصاً بعد كونه أشدّ منه كما لا يخفى .
وأمّا ما يمكن أن يستفاد منه حكم المقام فطائفة تدلّ بعمومها على عدم الاعتبار في باب اللواط ، وبإطلاقها على عدم الفرق بين صورة الإنفراد وصورة الإنضمام ، وواحدة تدلّ على الفرق بين الصورتين .
أمّا الطائفة الاُولى:
فمنها: صحيحة جميل بن دراج ومحمّد بن حمران ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قالا: قلنا: أتجوز شهادة النساء في الحدود؟ فقال: في القتل وحده ، إنّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول: لا يبطل دم امرىء مسلم(2) .
ومنها: رواية غياث بن إبراهيم ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن عليّ (عليهم السلام)قال: لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا في القود(3) .
والظّاهر أنّ المراد من القود أنّ القتل إذا كان موجباً للقصاص لا تقبل فيه شهادة النساء ، وعليه فيكون المراد بالقتل الذي حكم فيه في الصحيحة المتقدّمة بالقبول
(1) الوسيلة: 409 ، 414 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 258 ، كتاب الشهادات ب24 ح1 .
(3) وسائل الشيعة: 18 / 264 ، كتاب الشهادات ب24 ح29 .
(الصفحة292)
هو القتل الموجب للديّة ، كما خصّها به الشيخ(قدس سره)(1) .
ومنها: رواية موسى بن اسماعيل بن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن عليّ (عليهم السلام)قال: لا تجوز شهادة النساء في الحدود ، ولا قود(2) .
وقوله (عليه السلام): «ولا قود» يمكن أن يكون قد حذف منه كلمة «في» خطأ ، ويمكن أن يكون المراد أنّه لا قود مع شهادة النساء بالقتل، فلا يكون حينئذعطفاً على الحدود.
ومنها: رواية السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ (عليهم السلام) أنّه كان يقول: شهادة النساء لا تجوز في طلاق ولا نكاح ، ولا في حدود ، إلاّ في الديون وما لا يستطيع الرجال النظر إليه(3) .
وأمّا الرواية الواحدة ، فهي رواية عبدالرحمن ـ التي رواها عنه أبان ـ قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المرأة يحضرها الموت وليس عندها إلاّ امرأة ، تجوز شهادتها؟ قال: تجوز شهادة النساء في العذرة والمنفوس . وقال: تجوز شهادة النساء في الحدود مع الرجال(4) .
ومقتضى الجمع التصرّف في إطلاق الطائفة الاُولى وحملها على صورة الاستقلال بقرينة هذه الرواية ، الدالّة على الاعتبار مع الإنضمام .
ولكن ربّما يناقش في سندها باشتراك عبدالرحمن بين الثقة وغيره ، كما أنّه يجاب عنها بأنّ نقل أبان عنه مع كونه من أصحاب الإجماع جابر للضعف وموجب للاعتبار ، ولكنّ الاعتماد على رواية واحدة في مقابل الروايات الكثيرة خصوصاً
(1) التهذيب: 6/266 ، الإستبصار: 3/26 ـ 27 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 264 ، كتاب الشهادات ب24 ح30 .
(3) وسائل الشيعة: 18 / 267 ، كتاب الشهادات ب24 ح42 .
(4) وسائل الشيعة: 18 / 262 ، كتاب الشهادات ب24 ح21 .
(الصفحة293)
مسألة 2 : يشترط في المقرّ ـ فاعلا كان أو مفعولا ـ البلوغ ، وكمال العقل ، والحريّة ، والإختيار ، والقصد ، فلا عبرة بإقرار الصبيّ ، والمجنون ، والعبد ، والمكره ، والهازل1 .
مسألة 3: لو أقرّ دون الأربع لم يحد ، وللحاكم تعزيره بما يرى ، ولو شهد بذلك دون الأربعة لم يثبت ، بل كان عليهم الحدّ للفرية ، ولا يثبت بشهادة النساء منفردات أو منضمّات ، والحاكم يحكم بعلمه إماماً كان أو غيره2 .
مسألة 4 : لو وطئ فأوقب ثبت عليه القتل ، وعلى المفعول إذا كان كلّ
مع كون بناء الحدود على التخفيف ، وبناء الشرع على حفظ العرض وعدم هتكه مشكل، ورفع اليد عن الرواية المقيّدة مع اعتبارها من حيث السند والدلالة أشكل.
ثمّ إنّه على تقدير الأخذ بهذه الرواية لا مجال للأخذ بإطلاقها والحكم بالاعتبار مع الانضمام مطلقاً ، لعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة ، فاللازم الاقتصار على القدر المتيقّن والحكم بكفاية إنضمام امرأتين إلى ثلاثة رجال فقط ، ولا مجال للتعميم لجميع صور الإنضمام كما لا يخفى .
1 ـ قد مرّ البحث في هذه المسألة في الزنا فليراجع(1) .
2 ـ قد تقدّم الكلام في هذه المسألة في غير ما يرتبط بشهادة النساء في باب الزنا(2) ، وفيما يرتبط بها في المسألة الاُولى من مسائل المقام .
(1) في ص26 ـ 27 و81 ـ 83 .
(2) تقدّم في ص83 ـ 89 وص115 ـ 121 وص261 ـ 269 .
(الصفحة294)
منهما بالغاً عاقلا مختاراً ، ويستوي فيه المسلم والكافر والمحصن وغيره ، ولو لاط البالغ العاقل بالصبيّ موقباً قتل البالغ واُدِّب الصبيّ ، وكذا لو لاط البالغ العاقل موقباً بالمجنون ، ومع شعور المجنون أدَّبه الحاكم بما يراه ، ولو لاط الصبيّ بالصبيّ أُدِّبا معاً ، ولو لاط مجنون بعاقل حدّ العاقل دون المجنون ، ولو لاط صبيّ ببالغ حدّ البالغ وأُدِّب الصبيّ ، ولو لاط الذمّي بمسلم قتل وإن لم يوقب ، ولو لاط ذمّي بذمّي قيل: كان الإمام(عليه السلام) مخيّراً بين إقامة الحدّ عليه وبين دفعه إلى أهل ملّته ليقيموا عليه حدّهم ، والأحوط لو لم يكن الأقوى إجراء الحدّ عليه1.
1 ـ في هذه المسألة فروع:
الفرع الأوّل: فيما لو وطئ فأوقب مع كون كلّ منهما بالغاً عاقلا مختاراً ، وبعد وضوح كون الحكم فيه ثبوت القتل بنحو الإجمال لقيام الإجماع المسلَّم ، ووجود الروايات المستفيضة التي يأتي التعرّض لأكثرها نقول:
إنّ ما يمكن أن يقع البحث فيه هو استواء المحصن وغيره وعدمه ، كما في باب الزنا ، وذلك إنّما هو بالإضافة إلى خصوص الفاعل ، لا الأعمّ منه ومن المفعول ، فإنّه لا خلاف فيه نصّاً وفتوىً في الاستواء وعدم الفرق بين المحصن وغيره ، وسيأتي البحث فيه ،وأمّا الفاعل فبالنظر إلى الفتاوى حكي الاتّفاق على عدم الفرق ، بل ادّعي عليه الإجماع في كلمات غير واحد(1) . لكن حكي عن موضع من المقنع(2) ، ونسب صاحب الرياض إلى بعض متأخّري المتأخّرين الخلاف(3) ،
(1) منها: الإنتصار: 510 ـ 511 وغنية النزوع: 426 .
(2) المقنع: 437 .
(3) رياض المسائل: 10/93 .
(الصفحة295)
واختاره بعض الأعلام في هذه الأزمنة(1) ، ويظهر من نسبة المحقّق في الشرائع القول الأوّل إلى الأشهر(2) وجود شهرة في هذا القول أيضاً .
وأمّا بلحاظ الروايات فنقول: إنّها على طائفتين:
الطائفة الاُولى: ما ظاهره ثبوت القتل مطلقاً من دون فرق بين المحصن وغيره وهي كثيرة:
منها: صحيحة مالك بن عطيّة المفصّلة ، المتقدّمة آنفاً ، الواردة في رجل أتى أمير المؤمنين (عليه السلام) وأقرّ بالإيقاب على الغلام أربع مرّات ، الدالّة على أنّه (عليه السلام) حكم فيه بما حكم فيه رسول الله(صلى الله عليه وآله) من القتل بإحدى الكيفيّات الثلاثة المذكورة فيها(3) ، فإنّها تدلّ بلحاظ ترك الاستفصال على عدم الفرق بين المحصن وغيره .
ومنها: رواية سليمان بن هلال ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل يفعل بالرجل ، قال: فقال: إن كان دون الثقب فالجلد ، وإن كان ثقب أقيم قائماً ثمّ ضرب بالسيف ضربة أخذ السيف منه ما أخذ ، فقلت له: هو القتل؟ قال: هو ذاك(4) .
ومنها: رواية سيف التمّار ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: اُتي عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)برجل معه غلام يأتيه ، فقامت عليهما بذلك البيّنة ، فقال: يا قنبر النطع والسيف ، ثمّ أمر بالرجل فوضع على وجهه ، ووضع الغلام على وجهه ، ثمّ أمر بهما فضربهما بالسيف حتّى قدّهما بالسيف جميعاً ، الحديث(5) .
(1) مباني تكملة المنهاج: 1/230 ـ 232 مسألة 181 .
(2) شرائع الإسلام: 4/942 .
(3) وسائل الشيعة: 18 / 422 ، أبواب حدّ اللواط ب5 ح1 .
(4) وسائل الشيعة: 18 / 416 ، أبواب حدّ اللواط ب1 ح2 .
(5) وسائل الشيعة: 18 / 419 ، أبواب حدّ اللواط ب2 ح2 .
(الصفحة296)
ومنها: مرفوعة أبي يحيى الواسطي قال: سألته عن رجلين يتفاخذان؟ قال: حدّهما حدّ الزاني ، فإن أدعم أحدهما على صاحبه ضرب الداعم ضربة بالسيف أخذت منه ما أخذت وتركت ماتركت يريد بها مقتله، والدّاعم عليه يحرق بالنار(1).
ويلحق بهذه الطائفة ما تدلّ على الرجم مطلقاً ، وهي رواية السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لو كان ينبغي لأحد أن يرجم مرّتين لرجم اللوطي(2) فإنّ مقتضاها أنّ ثبوت الرجم مرّة في مطلق اللوطي إنّما هو لعدم إمكان التعدّد ، لا لعدم الاستحقاق .
الطائفة الثانية: ما ظاهره التفصيل والحكم بعدم ثبوت القتل أو الرجم في غير المحصن واختصاص الحكم بالثبوت بالمحصن ، وهذه الطائفة بين ما عبّر فيه بالقتل من دون التعرّض لكيفيّته ، مثل:
رواية حمّاد بن عثمان قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): رجل أتى رجلا ، قال: عليه إن كان محصناً القتل ، وإن لم يكن محصناً فعليه الجلد . قال: قلت: فما على المؤتى به؟ قال: عليه القتل على كلّ حال ، محصناً كان أو غير محصن(3) .
وما عبّر فيه بأنّ الحدّ في اللواط هو الحدّ في الزنا مثل:
رواية زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: الملوط حدّه حدّ الزاني(4) .
ولكن إستفادة حكم الفاعل مبنيّة على دلالتها على حكم اللاطي بالأولويّة ، نظراً إلى أنّ اللواط في الملوط أشدّ قبحاً منه في اللاطي ، فإذا لم يرجم الملوط
(1) وسائل الشيعة: 18 / 421 ، أبواب حدّ اللواط ب3 ح6 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 420 ، أبواب حدّ اللواط ب3 ح2 .
(3) وسائل الشيعة: 18 / 417 ، أبواب حدّ اللواط ب1 ح4 .
(4) وسائل الشيعة: 18 / 416 ، أبواب حدّ اللواط ب1 ح1 .
(الصفحة297)
غير المحصن فاللاطي بطريق أولى ، أو على كون الرواية مطابقة لما في الجواهر ، حيث نقلها هكذا: اللواط حدّه حدّ الزاني(1) .
والأوّل ممنوع ; لأنّ الإحصان في جانب المفعول لا يرتبط بعمله أصلا ، بخلافه في ناحية الفاعل ، للفرق بين المحصن وغيره فيما يرتبط بعمله ، كما لا يخفى .
والثاني أيضاً كذلك ، لأنّه ـ مضافاً إلى كون نقل الرواية في الكتب المعدّة له(2)مخالفاً لما في الجواهر ـ يكون مقتضى هذا النقل أن يعبّر بكون اللواط حدّه حدّ الزنا ، لا الزاني كما هو ظاهر .
وما عبّر فيه بالرجم مثل:
رواية العلاء بن الفضيل قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): حدّ اللوطي مثل حدّ الزاني ، وقال: إن كان قد أحصن رجم وإلاّ جلد(3) .
ورواية الحسين بن علوان ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن عليّ (عليهم السلام) أنّه كان يقول في اللوطي: إن كان محصناً رجم ، وإن لم يكن محصناً جلد الحدّ(4) .
ورواية أبي البختري ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه: أنّ عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)كان يقول: حدّ اللوطي مثل حدّ الزاني ، إن كان محصناً رجم ، وإن كان عزباً جلد مائة ، ويجلد الحدّ من يرمي به بريئاً(5) .
ورواية يزيد بن عبدالملك قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إنّ الرجم على الناكح
(1) جواهر الكلام: 41/380 .
(2) الكافي: 7/200 ح8، التهذيب: 10/55 ح202، الإستبصار: 4/221 ح826.
(3) وسائل الشيعة: 18 / 417 ، أبواب حدّ اللواط ب1 ح3 .
(4) وسائل الشيعة: 18 / 418 ، أبواب حدّ اللواط ب1 ح6 .
(5) وسائل الشيعة: 18 / 418 ، أبواب حدّ اللواط ب1 ح7 .
(الصفحة298)
والمنكوح ذكراً كان أو انثى إذا كانا محصنين ، وهو على الذكر إذا كان منكوحاً أحصن أو لم يحصن(1) .
ورواية ابن أبي عمير ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الذي يوقب أنّ عليه الرجم إن كان محصناً ، وعليه الجلد إن لم يكن محصناً(2) .
ورواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: إنّ في كتاب عليّ (عليه السلام) إذا أُخذ الرجل مع غلام في لحاف مجرّدين ضرب الرجل وأدّب الغلام ، وإن كان ثقب وكان محصناً رجم(3) .
ومقتضى القاعدة كون الطائفة الثانية الدالّة على التفصيل مقيّدة للطائفة الاُولى وموجبة لاختصاصها بالمحصن ، كما في سائر موارد الإطلاق والتقييد ، وفي الجواهر بعد ذكر الروايات ودعوى الإجماع بقسميه على خلافها قال: فوجب حمل النصوص المزبورة القاصر بعضها سنداً وآخر دلالة ـ إذ إثبات الرجم على المحصن لا ينافي الحكم بقتل غيره ، مضافاً إلى اشتمال بعضها على التفصيل بين الواطئ والموطوء ، المعلوم عدم عامل به إلاّ ما يحكى عن ظاهر اقتصار الفقيه(4) عليه ، وصريح المقنع(5) ـ على التقيّة أو طرحها(6) .
ويرد عليه ـ مضافاً إلى استفاضة هذه الروايات واعتبار جلّها من حيث السند ـ
(1) وسائل الشيعة: 18 / 418 ، أبواب حدّ اللواط ب1 ح8 .
(2) وسائل الشيعة : 18 / 421 ، أبواب حدّ اللواط ب3 ح8 .
(3) وسائل الشيعة: 18 / 421 ، أبواب حدّ اللواط ب3 ح7 .
(4) من لا يحضره الفقيه: 4/42 ح5047 .
(5) المقنع: 437 .
(6) جواهر الكلام: 41/380 ـ 381 .
(الصفحة299)
أنّ ما أفاده تعليلا للقصور من حيث الدلالة ممنوع ; لأنّ المراد من قوله: «إذ إثبات الرجم . . . » هل هو أنّ إثبات الرجم على المحصن لا ينافي الحكم بثبوته في غيره؟ بحيث كان مراده من القتل هو الرجم أيضاً ، أو أنّ المراد أنّ إثبات الرجم على المحصن لا ينافي الحكم بثبوت القتل مطلقاً ، ولو بكيفيّة مغايرة للرجم في غير المحصن ؟ وكلا الاحتمالين باطلان:
أمّا الأوّل: فلصراحة أكثر الروايات في التفصيل والحكم بعدم ثبوت الرجم في غير المحصن ، فلا معنى لدعوى أنّ إثبات الشيء لا ينفي ما عداه .
وأمّا الثاني: فمضافاً إلى التصريح بنفي القتل في غير المحصن في كثير منها نقول: إنّ رواية حمّاد المتقدّمة قد عبّر فيها بالقتل في المحصن وعدمه في غيره .
وأمّا الحمل على التقيّة فلا وجه له أصلا ; لعدم كون المقام من مصاديق الخبرين المتعارضين أوّلا; حتّى يجري فيه الروايات العلاجية الواردة فيهما، وعدم تحقّق عنوان التقيّة في المقام ثانياً; لأنّ الموافق لها على مايظهرمن كتاب الخلاف للشيخ الطوسي(قدس سره)هو الشافعي في أحد قوليه(1) فقط ، فالحمل على التقية ممّا لا وجه له أصلا.
ولكن عمدة الإشكال في المقام أنّ هذه الروايات مع كونها بمرأى ومسمع من الأصحاب ، وقد أوردوها في كتب أحاديثهم ، ومع كون الجمع بالإطلاق والتقييد لا إشكال فيه عندهم ، لم تقع مورداً لفتاويهم ، بل أفتوا بخلافها ، خصوصاً في الكتب المعدّة لنقل الفتاوى المأثورة عن العترة الطاهرة (عليهم السلام) بعين الألفاظ الصادرة عنهم ، كأكثر كتب القدماء .
نعم ، قد عرفت فتوى الصدوق في كتاب المقنع في موضع منه بخلافه ، وإن
(1) الخلاف: 50/381 مسألة 22 ، المبسوط للسرخسي: 9/77 ، المجموع: 21/315 ـ 316 .
(الصفحة300)
أفتى على طبق المشهور فيه قبله(1) ، وهذا يوجب الظنّ القويّ بوجود خلل في الروايات المفصلة وإن لم يكن ظاهراً لنا ، فالإنصاف أنّ رفع اليد عمّا يقتضيه الجمع بين الروايات في المقام مشكل ، خصوصاً مع توصيف المحقّق القول المشهور بأنّه أشهر(2) ، ورفع اليد عن الفتاوى مع الشهرة المحقّقة بين فقهاء المسلمين من العامّة والخاصّة أشدّ إشكالا ، هذا كلّه في الفاعل .
وأمّا المفعول ، فيدلّ على التفصيل فيه رواية زرارة المتقدّمة الدالّة على أنّ الملوط حدّه حدّ الزاني ، وعلى عدمه صريحاً روايتا حمّاد ويزيد بن عبدالملك المتقدّمتان أيضاً ، والجمع بينهما يقتضي حمل الظّاهر على النصّ ورفع اليد عن ظهور الرواية بصراحة الروايتين الحاكمتين بعدم الفرق بين المحصن وغيره ، مضافاً إلى ما مرّت الإشارة إليه من أنّ الإحصان لا يرتبط بعمل المفعول أصلا ، ومقتضى الفتاوى أيضاً الإطلاق ، ولم يحك هنا التفصيل عن أحد من الأصحاب ، فاللازم تعميم الحكم فيه وإن قلنا بعدمه في الفاعل .
نعم ، لو تمّ الإجماع على عدم الفصل لكان اللازم تعميم التعميم إلى الفاعل لا تعميم التفصيل إلى المفعول ، كما لا يخفى .
الفرع الثاني: ما لو لاط البالغ العاقل بالصبيّ موقباً أو بالمجنون ، وقد حكم فيهما بثبوت حدّ القتل على البالغ وتأديب الصبيّ أو المجنون مع شعوره ، ويدلّ على الحكم ـ مضافاً إلى إطلاق ما دلّ على رفع القلم عنهما(3) ـ رواية أبي بكر
(1) المقنع: 430 .
(2) شرائع الإسلام: 4/942 .
(3) وسائل الشيعة: 1 / 32 ، أبواب مقدّمة العبادات ب32 ح11 و ج19 / 66 ، أبواب القصاص في النفس ب36 ح2 .
|