في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة321)



قبّل غلاماً بشهوة ألجمه الله يوم القيامة بلجام من النار(1) أو من قبّل غلاماً بشهوة عذّبه الله ألف عام في النار(2) أو إذا قبَّل الرجل غلاماً بشهوة لعنته ملائكة السماء ، وملائكة الأرض ، وملائكة الرحمة ، وملائكة الغضب ، وأعدّ له جهنّم وسائت مصيراً(3) . وغير ذلك من التعبيرات الواقعة في الروايات ، الظّاهرة في ثبوت الحرمة المقتضية للتعزير ، فلا إشكال من هذه الجهة .
نعم ، هنا رواية ربّما يستفاد منها ثبوت الحدّ في المقام ، وهي رواية إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): مجذم (محرم خ ل) قبّل غلاماً بشهوة ، قال: يضرب مائة سوط(4) . هكذا نقلت في الوسائل الجديدة .
ويرد على الاستدلال بها ـ مضافاً إلى ضعف سندها بسبب يحيى بن المبارك لكونه مجهولا ، وإن استظهر وثاقته بعض المتأخّرين(5) لكنّها لم تثبت ـ أنّ الظّاهر عدم كون السؤال عن المجذم ; لعدم مناسبة ذكر هذا العنوان في الموضوع وعدم مدخليّته في الحكم أصلا ، مع ملاحظة أنّ العناوين المأخوذة في الأسئلة إنّما هي العناوين التي لها ارتباط بالحكم ويكون لها دخل فيه ، كما أنّ الظّاهر عدم كون السؤال عن المحَرم ـ بالفتح ـ لأنّ الابتداء بعنوان المحرم مع كونه من العناوين المتحقّقة بين الاثنين خصوصاً مع تنكير الغلام لا يستقيم بوجه ; لأنّه لو كان المراد ذلك لكان اللازم التعبير بمثل: إنّ رجلا قبّل غلاماً محرماً له بشهوة ، كما لا يخفى .


(1) وسائل الشيعة: 14 / 257 ، أبواب النكاح المحرّم ب21 ح1 .
(2) مستدرك الوسائل: 14 / 351 ، أبواب النكاح المحرّم ب18 ح4 .
(3) مستدرك الوسائل: 14 / 351 ، أبواب النكاح المحرّم ب18 ح3 .
(4) وسائل الشيعة: 18 / 422 ، أبواب حدّ اللواط ب4 ح1 .
(5) قال في معجم رجال الحديث ج20/86 : ورد في سند تفسير القمّي فهو ثقة .

(الصفحة322)

مسألة 8: لو تاب اللائط إيقاباً أو غيره قبل قيام البيّنة سقط الحدّ ، ولو تاب بعده لم يسقط ، ولو كان الثبوت بإقراره فتاب فللإمام(عليه السلام) العفو والإجراء ، وكذا لنائبه على الظّاهر1.


فالظّاهر أنّه هو المحُرم ـ بالضم ـ ومحطّ السؤال أنّه إذا كان التقبيل بشهوة الذي هو محرّم والسائل يعلمه واقعاً في حال الإحرام فماذا حكمه من جهة الحدّ أو التعزير؟ فأجاب الإمام (عليه السلام) بثبوت الحدّ فيه ، وهذا لا ينافي ثبوت التعزير في غير حال الإحرام ، وبهذا يجاب عمّا في الرياض من أنّه بعد استحسانه لما في الرواية قال: لو لا أنّ المشهور عدم اشتراط بلوغ التعزير الحدّ(1) ، فإنّ ذلك إنّما هو فيما إذا كان هناك جهة واحدة لا أزيد ، كما في مورد الرواية .
ويمكن أن يكون محطّ السؤال هي صحّة إحرامه وعدمها ، ويستفاد من اقتصار الإمام (عليه السلام) في الجواب على الضرب عدم قدحه في الإحرام ، فتدبّر .
وكيف كان ، فالرواية لا دلالة لها على ثبوت أزيد من التعزير في المقام .

1 ـ قد مرّ البحث في هذه المسألة في باب الزنا(2) ، ويدلّ على جواز عفو الإمام في المقام صحيحة مالك بن عطيّة المتقدّمة ، التي ورد في ذيلها بعد إقرار الرجل أربع مرّات ، واختياره الإحراق بالنار لكونه أشدّ من الكيفيّتين الآخرتين وصلاته ركعتين ، وتوبته ممّاارتكب: ثمّ قاموهوباك حتّى دخل الحفيرة التي حفرها له أمير المؤمنين (عليه السلام)وهو يرى النار تتأجّج حوله . قال: فبكى أمير المؤمنين (عليه السلام) وبكي أصحابه جميعاً ، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): قم يا هذا فقد أبكيت ملائكة السماء


(1) رياض المسائل: 10/99 .
(2) في ص109 ـ 113 و 135 ـ 138 .

(الصفحة323)

مسألة 9: يثبت السحق وهو وطء المرأة مثلها بما يثبت به اللواط ، وحدّه مائة جلدة بشرط البلوغ والعقل والإختيارمحصنة كانت أم لا، وقيل: في المحصنة الرجم ، والأشبه الأوّل ، ولا فرق بين الفاعلة والمفعولة ولا الكافرة والمسلمة1.


وملائكة الأرض ، فإنّ الله قد تاب عليك ، فقم ولا تعاودنّ شيئاً ممّا فعلت(1) . والظّاهر كما مرّ في تلك المسألة عدم اختصاص حقّ العفو بالإمام المعصوم (عليه السلام) ، وثبوت ذلك للنائب من قبله(2) .

1 ـ لا إشكال في حرمة السحق ، وهو وطء المرأة مرأة اُخرى ، وهو المعبّر عنه في بعض النصوص بـ «اللواتي باللواتي»(3) . وفي بعض الروايات: إنّ أوّل من عمل هذا العمل قوم لوط(4) . وفي بعض آخر: إنّه جاءت به لاقيس بنت إبليس(5) . وفي بعضها إنّها المتشبّهات من النساء بالرجال ، الملعونة في لسان الرسول(صلى الله عليه وآله)(6) . وفي بعض آخر إنّها المراد من أصحاب الرسّ المذكورة في القرآن(7) .
وكيف كان ، فيدلّ على حرمته ـ مضافاً إلى قوله تعالى: {فَمِن ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}(8) وإلى إجماع جميع فقهاء المسلمين عليها وإن اختلفوا في ثبوت الحدّ أو التعزير ـ الروايات المستفيضة الدالّة على لعن الله والملائكة ومن بقي


(1) وسائل الشيعة: 18 / 422 ، أبواب حدّ اللواط ب5 ح1 .
(2) قد مرّ في ص112 .
(3 ، 4) وسائل الشيعة: 14 / 261 ، أبواب النكاح المحرّم ب24 ح2 ، 3 .
(5 ، 6) وسائل الشيعة: 14 / 262 ، أبواب النكاح المحرّم ب24 ح5 ، 6 .
(7) وسائل الشيعة: 14 / 262 ، أبواب النكاح المحرّم ب24 ح8 .
(8) سورة المؤمنون 23: 7 .

(الصفحة324)



في أصلاب الرجال وأرحام النساء(1) أو على ثبوت عذاب شديد لهنّ(2) ، أو على ثبوت الحدّ في هذا العمل(3) ، فإنّ الحدّ إنّما هو في مورد ثبوت التحريم كما هو ظاهر ، فلا إشكال في الحرمة ، إنّما الكلام في حدّ المساحقة .
فنقول: لا إشكال ولا خلاف في أنّ الحدّ مع عدم الإحصان مائة جلدة ، التي هي حدّ اللواط غير الإيقابي ، ويدلّ عليه أكثر الروايات الآتية ، وأمّا ما عن الجعفريّات من أنّ عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) أُتي بمساحقتين فجلدهما مائة إلاّ إثنين ، ولم يبلغ بهما الحدّ(4) . فهي قضية في واقعة ولا تصلح للنهوض في مقابل تلك الروايات ، خصوصاً مع أنّه لم يفت أحد على طبقها .
وأمّا مع الإحصان ، فقد وقع الخلاف في أنّ حدّه الجلد أو الرجم ، وقد نسب الأوّل في محكيّ المسالك إلى المفيد(5) والمرتضى(6) وأبي الصلاح(7) وابن إدريس(8)وسائر المتأخّرين(9) . بل عن السرائر نسبته إلى بعض أصحابنا ، مشعراً بالإجماع عليه ، كظاهر المحكيّ عن الإنتصار .


(1) وسائل الشيعة: 14 / 262 ، أبواب النكاح المحرّم ب24 ح5 .
(2) وسائل الشيعة: 14 / 261 و 263 ، أبواب النكاح المحرّم ب24 ح3 و4 و11 .
(3) وسائل الشيعة: 14 / 261 و 262 ، أبواب النكاح المحرّم ب24 ح3 و 8 .
(4) مستدرك الوسائل: 18 / 85 ، أبواب حدّ السحق والقيادة ب1 ح2 .
(5) المقنعة: 487 ـ 488 .
(6) الإنتصار: 513 .
(7) الكافي في الفقه: 409 .
(8) السرائر: 3/463 .
(9) الجامع للشرائع: 555 ، قواعد الأحكام: 2/257 ، اللمعة الدمشقية : 167 ، المقتصر: 408 ، مسالك الأفهام: 14 / 413 .

(الصفحة325)



وحكي الثاني عن الشيخ(قدس سره) في النهاية بأنّه قال : ترجم المحصنة وتجلد غيرها(1) ، وتبعه القاضي(2) وابن حمزة(3) ، وعن المسالك الميل إليه(4) .
ويدلّ على الأوّل موثّقة أبان بن عثمان ، عن زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : السحاقة تجلد(5) . نظراً إلى ظهورها في كون المراد حدّ الجلد المقابل للرجم ، وهو المائة، لوروده في الكتاب ومعهوديّته في الأذهان، فلا إشكال من هذه الجهة خصوصاً مع ملاحظة كونه مقابلا للرجم ، ولم يقل أحد بأقلّ من المائة .
ويظهر من محكيّ المسالك الاستشكال في الاستدلال بالرواية من جهة السند بقوله: وإنّ في سند الروايه كلاماً، ومن جهة الدلالة بقوله: إنّ المفردالمعرّف لا يعمّ(6).
ويدفع الأوّل أنّ أبان بن عثمان ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه ، على ما قاله الكشي صاحب الرجال(7) ، ونقله العلاّمة في الخلاصة(8) ، وكون مسلكه ناووسيّاً لا يقدح في اعتبار روايته بعد ظهور وثاقته .
ويدفع الثاني ، أنّ الاستدلال لا يبتني على دعوى كون المفرد المعرّف مفيداً للعموم حتّى يمنع ذلك ، بل على دعوى الإطلاق الموجود في قوله : «السحاقة» نظراً إلى أنّ أخذ الطبيعة موضوعة للحكم مع كون المولى في مقام بيان تمام ما له دخل في


(1) النهاية: 706.
(2) المهذّب 2 / 531 ـ 532.
(3) الوسيلة: 414.
(4) مسالك الأفهام: 14 / 414 ـ 415.
(5) وسائل الشيعة: 18 / 425، أبواب حدّ السحق والقيادة ب1 ح2.
(6) مسالك الأفهام: 14 / 414.
(7) اختيار معرفة الرجال ، المعروف برجال الكشّي: 375 رقم 705.
(8) خلاصة الأقوال: 74 رقم 121.

(الصفحة326)



الموضوع ووجود سائر مقدّمات الحكمة يفيد أنّها تمام الموضوع ، وليس لشيء من الخصوصيّات والحالات مدخليّة فيه ، والفرق بين الإطلاق والعموم قد بيّن في محلّه من الاصول ، والمقام من قبيل الأوّل لا الثاني ، فالاستدلال بهذه الرواية تامّ ، ومنها يستفاد عدم مدخليّة قيد كعدم الإحصان في ترتّب الحكم المذكور فيها .
ويؤيّده ما رواه في الدعائم عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال : السحق في النساء كاللواط في الرجال ، ولكن فيه جلد مائة ; لأنّه ليس فيها إيلاج(1) . والمراد بالتشبيه في الصدر هو التشبيه في أصل الحرمة ، بل وفي شدّتها أيضاً ، وأمّا الحدّ فهو مذكور في الذيل ، كما أنّ التعليل ظاهر في أنّه لا فرق بين صورتي الإحصان وعدمه .
ويستدلّ على القول الثاني بما يدلّ على أنّ حدّ السحق حدّ الزنا ، بضميمة وضوح اختلاف الحدّ في الزنا بين صورتى الإحصان وعدمه .
أو بما يدلّ صريحاً على ثبوت الرجم على المساحقة المحصنة . كصحيحة محمّد ابن أبي حمزة ، وهشام ، وحفص ، كلّهم عن أبي عبدالله (عليه السلام)أنّه دخل عليه نسوة فسألته امرأة منهنّ عن السحق؟ فقال : حدّها حدّ الزاني ، فقالت المرأة : ما ذكر الله ذلك في القرآن ، فقال : بلى ، قالت : واين هنّ؟ قال : هنّ أصحاب الرسّ(2) .
ورواية إسحاق بن جرير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث ، إنّ امرأة قالت له : أخبرني عن اللواتي باللواتي ما حدّهنّ فيه؟ قال : حدّ الزنا ، أنّه إذا كان يوم القيامة يؤتى بهنّ قد ألبسن مقطّعات من نار ، وقنّعن بمقانع من نار ، وسرولن من نار ، واُدخل في أجوافهنّ إلى رؤوسهنّ أعمدة من نار ، وقذف بهنّ في النار ، أيّتها المرأة


(1) مستدرك الوسائل: 18 / 86 أبواب حدّ السحق والقيادة ب1 ح4.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 424، أبواب حدّ السحق والقيادة ب1 ح1.

(الصفحة327)



إنّ أوّل من عمل هذا العمل قوم لوط ، الحديث (1) .
وفي الجعفريات عن واثلة بن الأسقع ، عن النبي(صلى الله عليه وآله) قال : سحاق النساء بينهنّ زناً(2) . وغير ذلك من الروايات الدالّة على أنّ حدّ السحق هو حدّ الزنا .
وأمّا ما يدلّ على رجم المحصنة صريحاً فهي صحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر وأبا عبدالله (عليهما السلام) يقولان : بينما الحسن بن علي (عليهما السلام) في مجلس أمير المؤمنين (عليه السلام) ، إذ أقبل قوم فقالوا : يا أبا محمّد أردنا أمير المؤمنين ، قال : وما حاجتكم؟ قالوا : أردنا أن نسأله عن مسألة ، قال : وما هي تخبرونا بها؟ قالوا : امرأة جامعها زوجها فلمّا قام عنها قامت بحموتها ، فوقعت على جارية بكر فساحقتها ، فوقعت النطفة فيها فحملت ، فما تقول في هذا؟ فقال الحسن (عليه السلام) : معضلة وأبو الحسن لها ، وأقول : فإن أصبت فمن الله ومن أمير المؤمنين ، وإن أخطأت فمن نفسي ، فأرجوا أن لا أخطىء إن شاء الله : يعمد إلى المرأة فيؤخذ منها مهر الجارية البكر في أوّل وهلة ; لأنّ الولد لا يخرج منها حتّى تشقّ فتذهب عذرتها ، ثمّ ترجم المرأة لأنّها محصنة ، وينتظر بالجارية حتّى تضع ما في بطنها ويردّ الولد إلى أبيه صاحب النطفة ، ثمّ تجلد الجارية الحدّ ، قال : فانصرف القوم من عند الحسن (عليه السلام) فلقوا أمير المؤمنين (عليه السلام)فقال : ما قلتم لأبي محمّد؟ وما قال لكم؟ فأخبروه ، فقال : لو أنّني المسؤول ما كان عندي فيها أكثر ممّا قال إبني(3) .
ودلالتها على كون الرجم حكم المساحقة مطلقاً مع الإحصان ظاهرة ، ولا مجال لاحتمال مدخليّة مثل المورد ممّا إذا كانت المساحقة مؤثّرة في انتقال النطفة إلى


(1) وسائل الشيعة: 14 / 261، أبواب النكاح المحرّم ب24 ح3.
(2) مستدرك الوسائل: 18 / 85، أبواب حدّ السحق والقيادة ب1 ح3.
(3) وسائل الشيعة: 18 / 426، أبواب حدّ السحق والقيادة ب3 ح1.

(الصفحة328)



البكر ، وموجبة للحمل الملازم لزوال العذرة عادة ، ضرورة أنّ هذه الخصوصيّات لها مدخليّة في مثل الحكم بثبوت المهر ، وأمّا الرجم فهو مترتّب على العمل المحرّم وهي نفس المساحقة مع الإحصان ، خصوصاً مع التعليل بكونها محصنة ، الظاهر في أنّ الإحصان في مورد المساحقة علّة تامّة لثبوت هذا الحكم ، ومع مقابلته بثبوت الجلد في البكر غير المحصنة .
وبالجملة : فكما أنّه لا خصوصيّة للمساحقة في المورد في زوال البكارة ، فيترتّب الحكم بالمهر مع إزالتها بغيرها ، كذلك لا خصوصيّة للمورد في ترتّب حكم الرجم ، فيترتّب في مطلق المساحقة مع الإحصان وإن لم تكن بالكيفيّة المذكورة في الرواية .
ومثلها رواية إسحاق بن عمّار ، عن المعلّى بن خنيس قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام)عن رجل وطئ امرأته فنقلت ماءَه إلى جارية بكر فحبلت؟ فقال : الولد للرجل ، وعلى المرأة الرجم ، وعلى الجارية الحدّ(1) .
ورواية إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا أتى رجل امرأة فاحتملت ماءه(ها خ ل) فساحقت به جارية (يته خ ل) فحملت ، رجمت المرأة وجلدت الجارية ، وأُلحق الولد بأبيه(2) . والظاهر اتّحادها مع الرواية السابقة ; لأنّ الراوي في كليهما هو إسحاق بن عمّار ، غاية الأمر أنّه رواها تارة بنفسه وبلا واسطة ، واُخرى مع وساطة المعلّى ، وهذا لا يوجب التعدّد كما في الوسائل .
وبعض الروايات الاخر ، الوارد بهذا المضمون ، المذكور في الوسائل في الباب


(1) وسائل الشيعة: 18 / 428، أبواب حدّ السحق والقيادة ب3 ح4.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 428، أبواب حدّ السحق والقيادة ب3 ح5.

(الصفحة329)



الثالث من أبواب حدّ السحق والقيادة ، فليراجع .
ثمّ إنّ مقتضى الجمع بين هذه الروايات التي عمدتها صحيحة محمّد بن مسلم ، وبين الروايات الدالّة على القول الأوّل ، التي عمدتها موثّقة زرارة المتقدّمة ، هو حمل المطلق على المقيّد ، كما في سائر موارد حمل المطلق على المقيّد ، فاللاّزم حينئذ الالتزام بثبوت الرجم في المحصنة ، وليست الشهرة في مقابلها موجبة لترجيحها أو كاشفة عن وجود خلل وضعف فيه ; لعدم بلوغها إلى المرتبة الموجبة لاتّصاف المقابل بالشذوذ والندرة ، مع ملاحظة فتوى الشيخ في النهاية(1) وجماعة(2) أُخر بثبوت الرجم ، مع أنّ الترجيح إنّما هو في مورد ثبوت التعارض والتخالف ، والمطلق والمقيّد خارجان عن هذا العنوان ; لثبوت الجمع بينهما عند العقلاء .
والشهرة الفتوائيّة المرجّحة على ما يستفاد من مقبولة عمر بن حنظلة المعروفة إنّما هي في مورد المتعارضين(3) ، فالإنصاف أنّ مقتضى القواعد هو التفصيل كما عرفت .
ثمّ إنّ هنا روايات تدلّ على أنّ السحق مثل اللواط ، مثل ما رواه الطبرسي في محكيّ مكارم الأخلاق عن النبي(صلى الله عليه وآله) قال : السحق في النساء بمنزلة اللواط في الرجال ، فمن فعل ذلك شيئاً فاقتلوهما ثمّ اقتلوهما(4) ، وفي فقه الرضا (عليه السلام) : «إعلم أنّ السحق مثل اللواط ، إذا قامت على المرأتين البيّنة بالسحق ، فعلى كلّ واحدة منهما ضربة بالسيف ، أو هدمة ، أو طرح جدار ، وهنّ الرسيّات اللواتي ذكرن


(1) النهاية: 706.
(2) المهذّب: 2 / 531 ـ 532، الوسيلة: 414، مسالك الأفهام: 14 / 414 ـ 415.
(3) وسائل الشيعة: 18 / 98، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي ب11 ح1.
(4) وسائل الشيعة: 18 / 425، أبواب حدّ السحق والقيادة ب1 ح3.

(الصفحة330)



في القرآن»(1) .
وفي رواية سيف التمّار ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث ، قال : اُتي أمير المؤمنين (عليه السلام)بإمرأتين وجدتا في لحاف واحد ، وقامت عليهما البيّنة أنّهما كانتا تتساحقان ، فدعا بالنطع ثمّ أمر بهما فاُحرقتا بالنار(2) .
ولا يخفى أنّ هذه الروايات مضافاً إلى ضعف سندها معرض عنها ، لعدم الفتوى على طبقها أصلا ، وعلى تقديره يكون مقتضى الجمع بينها وبين أدلّة الرجم هو الحمل على التخيير ، كما لا يخفى .
بقي الكلام في هذه المسألة فيما يثبت به المساحقة ، وقد ذكر في المتن أنّها تثبت بما يثبت به اللواط ، ومقتضاه اعتبار الأربعة أوّلا في الإقرار والشهادة ، وعدم اعتبار شهادة النساء ولو منضمّة ثانياً .
أمّا اعتبار الأربعة ، فقد خالف فيه المحقّق الأردبيلي(قدس سره) في محكيّ مجمع الفائدة والبرهان ، حيث ادّعى ثبوت السحق بالإقرار مرّتين ، وشهادة العدلين(3) مفسّراً به عبارة الإرشاد(4) ، وقد استغرب هذا التفسير صاحب الجواهر(5) استناداً إلى أنّ العلاّمة نصّ في القواعد على اعتبار الأربع في الشهادة والإقرار(6) .
وكيف كان ، فالمحكيّ عن كشف اللثام الإجماع عليه في الظاهر(7) ، ويظهر من


(1) مستدرك الوسائل: 18 / 86، أبواب حدّ السحق والقيادة ب1 ح5.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 425، أبواب حدّ السحق والقيادة ب1 ح4.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 13 / 127.
(4) إرشاد الأذهان: 2 / 176.
(5) جواهر الكلام: 41 / 391.
(6) قواعد الأحكام: 2 / 257.
(7) كشف اللثام: 2 / 409.

(الصفحة331)

مسألة 10 : إذا تكرّرت المساحقة مع تخلّلها الحدّ قتلت في الرابعة ، ويسقط الحدّ بالتوبة قبل قيام البيّنة ولا يسقط بعده ، ولو ثبتت بالإقرار فتابت


الجواهر أنّه مسلّم عندهم ، حيث ذكر أنّ المسألة مفروغ عنها ، واستدلّ عليه في الكشف بقوله تعالى : {وَالَّـتِى يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنكُمْ}(1) نظراً إلى إطلاق الفاحشة وشمولها للمساحقة ، خصوصاً بعدما عرفت من الروايات الواردة في حرمتها ، الدالّة على شدّتها وترتّب عقوبات كثيرة عليها ، وبقوله تعالى أيضاً : {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ}(2) نظراً إلى إطلاق الرمي وعدم اختصاصه بالرمي بخصوص الزنا ، وسيأتي في تعريف القذف البحث في ذلك .
وتتميم الدليل في الإقرار إنّما هو بضميمة ما مرّ من بعض الروايات ، الظاهرة في إطلاق الشهادة على الإقرار ، الدالّ على أنّ اعتباره إنّما هو لأجل كونه من مصاديقها ; لكونه شهادة على النفس وإن كان لا يعتبر فيه العدالة ومثلها .
وأمّا عدم اعتبار شهادة النساء ولو منضمّة ، فالظاهر عدم كونه مسلّماً هنا ; لدلالة بعض العبائر على الاعتبار ، وقد مرّ أنّ مقتضى الجمع بين الروايات المختلفة الواردة اعتبارها منضمّة ، غاية الأمر أنّه حيث لا إطلاق لما دلّ على ذلك فاللاّزم الاقتصار على القدر المتيقّن من صور الإنضمام ، وهو ما إذا كان المنضمّ إليه ثلاثة رجال وانضمّ إليها شهادة إمرأتين ، ولا يعمّ الدليل لسائر الصور ، فتدبّر .


(1) سورة النساء 4: 15.
(2) سورة النور 24: 4.

(الصفحة332)

يكون الإمام(عليه السلام) مخيّراً كما في اللواط ، والظاهر أنّ نائبه مخيّر أيضاً1.


1 ـ قد تقدّم أنّه وردت رواية صحيحة تدلّ على أنّ أصحاب الكبائر كلّها إذا أقيم عليهم الحدّ مرّتين قتلوا في الثالثة ، وأنّه قد ورد في باب الزنا ما يدلّ على ثبوت القتل في الرابعة(1) ، وقد تقدّم إلحاق اللواط بالزنا ، وأمّا هنا فقد أفتى المحقّق في الشرائع(2) والشهيد في اللمعة بثبوت القتل في الرابعة(3) ، مع حكمهما بثبوته في الثالثة في الزنا واللواط ، وفي محكيّ الروضة : وظاهرهم هنا عدم الخلاف وإن حكمنا بقتل الزاني واللائط في الثالثة ، كما اتّفق في عبارة المصنّف(4) . وهذا ممّا يوهم ثبوت الإجماع في خصوص المقام ، وإن صرّح في الجواهر بأنّ المسألة في المقام على الكلام السابق في نظائرها ، وأنّه لا خصوصيّة لها(5) .
وكيف كان ، فالظاهر أنّه لا إجماع في خصوص المقام ، بل اللازم ملاحظة الروايات ، ولابدّ من إقامة الدليل في مقابل تلك الصحيحة على اشتراك حكم المساحقة مع الزنا .
فنقول : يدلّ على ذلك الروايات المتقدّمة الدالّة على أنّ حدّها حدّ الزاني ، كصحيحة محمّد بن حمزة وهشام وحفص ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) .
ورواية إسحاق بن جرير المتقدّمة أيضاً ، المعبّرة عن المساحقة بـ «اللواتي باللواتي» ، ورواية الجعفريّات الدالّة على أنّ سحاق النساء بينهنّ


(1) وسائل الشيعة: 18 / 313 ـ 314، أبواب مقدّمات الحدود ب5 ح1، 3.
(2) شرائع الإسلام: 4 / 943.
(3) اللمعة الدمشقية: 167.
(4) الروضة البهية: 9 / 159 ـ 160.
(5) جواهر الكلام: 41 / 390.

(الصفحة333)

مسألة 11 : الأجنبيّتان إذا وجدتا تحت إزار واحد مجرّدتين عزّرت كلّ واحدة دون الحدّ ، والأحوط مائة إلاّ سوطاً1.


زناً ، بناءً على كون التشبيه في جميع الأحكام لا في خصوص الحرمة وشدّتها ، ويدلّ عليه أيضاً ما دلّ على كون السحق في النساء بمنزلة اللواط في الرجال(1) ، وإن كان لا يناسبه ذيله ، فتدبّر .
وبالجملة : فالظاهر أنّ الحكم هنا أي القتل في الرابعة أظهر من الحكم في اللواط .
ثمّ إنّ البحث في سقوط الحدّ بالتوبة قد تقدّم تفصيلا ولا حاجة إلى الإعادة فليراجع .

1 ـ والمراد بالأجنبيّتين بقرينة ما سبق من تقييد المجتمعين تحت إزار واحد بقوله : ولم يكن بينهما رحم(2) ، هما المرأتان اللتان لم يكن بينهما قرابة ورحميّة ، ولولا القرينة المزبورة لكان الظاهر منهما المرأتان اللتان لم تكن بينهما محرميّة ، بحيث لو كانت إحداهما مذكّراً لكانت محرّمة على الآخر وبالعكس ، وقد تقدّم البحث في هذه الجهة في مسألة المجتمعين .
وكيف كان ، فيستفاد من قول صاحب المسالك في شرح مثل هذه العبارة على نحو ما سمعته في الرجلين ، أنّ الشهرة هنا أيضاً على ثلاثين إلى تسعة وتسعين ، (3)


(1) مستدرك الوسائل: 18 / 86، أبواب حدّ السحق والقيادة ب1 ح4 و 5.
(2) أي قول الماتن (قدس سره) في ص312 مسألة 7.
(3) مسالك الافهام 14 / 416.
(4) كشف اللثام: 2 / 409.

(الصفحة334)



وأورد عليه في الجواهر بأنّ في كشف اللثام(4) حكاية ذلك من النهاية خاصّة(1) ، وأضاف إليه بقوله : إلاّ أنّ الدليل فيهما واحد(2) ، والظاهر عدم وحدة الدليل أيضاً كما سيظهر .
والأخبار الواردة في هذا المقام مختلفة ، فطائفة منها تدلّ على ثبوت الحدّ التام والجلد مائة ، وهي كثيرة :
منها : صحيحة أبي عبيدة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : كان عليّ (عليه السلام) إذا وجد رجلين في لحاف واحد مجرّدين جلدهما حدّ الزاني ، مائة جلدة كلّ واحد منهما ، وكذلك المرأتان إذا وجدتا في لحاف واحد مجرّدتين جلدهما كلّ واحدة منهما مائة جلدة(3) .
ومنها : صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : حدّ الجلد أن يوجدا في لحاف واحد ، والرجلان يجلدان إذا وجدا في لحاف واحد الحدّ ، والمرأتان تجلدان إذا اُخذتا في لحاف واحد الحدّ(4) .
ومنها : صحيحة عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سمعته يقول : حدّ الجلد في الزنا أن يوجدا في لحاف واحد ، والرجلان يوجدان في لحاف واحد ، والمرأتان توجدان في لحاف واحد(5) .
ومنها : صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : كان عليّ (عليه السلام) إذا وجد الرجلين في لحاف واحد ضربهما الحدّ ، فإذا أخذ المرأتين في لحاف


(1) النهاية: 707.
(2) جواهر الكلام: 41 / 391.
(3) وسائل الشيعة: 18 / 366، أبواب حدّ الزنا ب10 ح 15.
(4) وسائل الشيعة: 18 / 363، أبواب حدّ الزنا ب10 ح 1.
(5) وسائل الشيعة: 18 / 364، أبواب حدّ الزنا ب10 ح4.

(الصفحة335)



ضربهما الحدّ(1) .
ومنها : صحيحة عبدالله بن مسكان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سمعته يقول : حدّ الجلد في الزنا أن يوجدا في لحاف واحد ، والرجلان يوجدان في لحاف واحد ، والمرأتان توجدان في لحاف واحد(2) .
ومنها : رواية سماعة بن مهران قال : سألته عن المرأتين توجدان في لحاف واحد؟ قال : تجلد كلّ واحدة منهما مائة جلدة(3) .
ورواية واحدة تدلّ على أنّ الجلد أقلّ من المائة ، وهي صحيحة معاوية بن عمّار قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : المرأتان تنامان في ثوب واحد؟ فقال : تضربان ، فقلت : حدّاً؟ قال : لا . قلت : الرجلان ينامان في ثوب واحد ؟ قال : يضربان . قال : قلت : الحدّ ؟ قال : لا(4) . وظاهرها كون الجلد أقلّ من المائة من دون تعيين مقدار خاصّ بعنوان الأقلّ أو الأكثر .
ورواية واحدة تدلّ على ثلاثين سوطاً ، وهي رواية سليمان بن هلال ، المشتملة على قوله : قلت : فإمرأة نامت مع امرأة في لحاف؟ فقال : ذواتا محرم؟ قلت : لا ، قال: من ضرورة؟ قلت: لا. قال: تضربان ثلاثين سوطاً ثلاثين سوطاً، الحديث(5).
ورواية واحدة أيضاً ربما يستظهر منها عدم ثبوت الجلد في المرّة الاُولى أصلا ، وهي رواية أبي خديجة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : ليس لامرأتين أن تبيتا في لحاف


(1) وسائل الشيعة: 18 / 365، أبواب حدّ الزنا ب10 ح6.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 368، أبواب حدّ الزنا ب10 ح22 و 23.
(3) وسائل الشيعة: 18/ 426، أبواب حدّ السحق والقيادة ب2 ح3.
(4) وسائل الشيعة: 18 / 367، أبواب حدّ الزنا ب10 ح 16.
(5) وسائل الشيعة: 18 / 367، أبواب حدّ الزنا ب10 ح 21.

(الصفحة336)



واحد إلاّ أن يكون بينهما حاجز ، فإن فعلتا نهيتا عن ذلك ، وإن وجدتا مع النهي جلدت كلّ واحدة منهما حدّاً حدّاً ، فإن وجدتا أيضاً في لحاف جلدتا ، فإن وجدتا الثالثة قتلتا(1) .
هذه هي مجموع الروايات الواردة في المقام ، ومقتضى الجمع بين الأخيرة وبين غيرهاهو حملها على صورة الجهل بالحرمة الدارء للحدّ والتعزير، ويؤيّده أنّ الغالب في النساء هو الجهل بذلك، كما أنّ رواية سليمان غيرمعتبرة على ماعرفت في الرجلين ، فلم يبق إلاّ الطائفتان الأوّلتان، وحيث إنّ الطائفة الاُولى معرض عنها عند المشهور; لعدم تحقّق الفتوى على طبقها إلاّ من الصدوق(2) وبعض آخر في الرجلين(3) ولم يحك منهما في المقام شيء ، فاللاّزم الأخذ على طبق صحيحة معاوية بن عمّار ، التي يكون ظاهرها أنّ الجلد هنا أقلّ من المائة من دون تعيين مقدار خاصّ .
ولم ترد في المقام رواية تدلّ على أنّه أقلّ من المائة بسوط الظاهر في تعيّنه ; لأنّ الروايات المشتملة على ذلك واردة في الرجل والمرأة أو في الرجلين ، ولم يقم دليل على وحدة حكم المسائل الثلاث ، كما أنّ الرواية الواردة في قصّة عبّاد المتقدّمة(4)الظاهرة في دوران الحكم بين المائة وبينها باستثناء سوط واردة في الرجلين ، ولا  ارتباط لها بالمقام .
فالإنصاف بمقتضى ما ذكرنا أنّ الحكم هو التعزير ، وأنّ تعيين مقدار خاصّ لا مجال له ، ومن هنا يخدش فيما في المتن من أنّ الأحوط مائة إلاّ سوطاً ، كما لا يخفى .


(1) وسائل الشيعة: 18 / 425، أبواب حدّ السحق والقيادة ب2 ح1.
(2) المقنع: 433.
(3) مثل أبو علي، حكي عنه في مختلف الشيعة: 9 / 193.
(4) في ص315.

(الصفحة337)

مسألة 12 : إن تكرّر الفعل منهما والتعزير مرّتين أُقيم عليهما الحدّ ، ولو عادتا بعد الحدّ فالأحوط التعزير مرّتين والحدّ في الثالثة ، وقيل : تقتلان ، وقيل : تقتلان في التاسعة أو الثانية عشر ، والأشبه ما تقدّم 1.


1 ـ لابدّ في هذه المسألة من البحث أوّلا في ثبوت القتل في صورة التكرّر إجمالا وعدمه ، كما أنّ مفروضها ما إذا كان الثابت في المرّة الاُولى وفي المرّة الثانية هو التعزير ، إمّا مطلقاً أو خصوص المائة إلاّ سوطاً ، أو التخيير بينها وبين الثلاثين أو أقلّ . فنقول : قد صرّح ابن إدريس في كتاب السرائر بثبوت القتل في المرّة الثالثة بعد التعزير في الاُوليين(1) والظاهر أنّ مستنده في ذلك صحيحة يونس ـ المتقدّمة مراراً ـ الدالّة على أنّ أصحاب الكبائر كلّها إذا اُقيم عليهم الحدّ مرّتين قتلوا في الثالثة(2) ، نظراً إلى أنّ المراد بالحدّ أعمّ من التعزير ، وعليه فيثبت القتل في المرّة الثالثة ولو كان مسبوقاً بالتعزيرين .
ويرد عليه : أنّ إطلاق الحدّ على ما يشمل التعزير وإن كان كثيراً في الروايات وفي ألسنة الفقهاء ، إلاّ أنّه لا يكاد يصار إليه فيما إذا لم يكن هناك قرينة عليه ، فالظاهر أنّ المراد بالحدّ في الصحيحة ما يقابل التعزير .
نعم ، يمكن الاستدلال لهذا القول برواية أبي خديجة الآتية بتقريب يأتي .
وقال الشيخ في محكيّ النهاية في مسألة المرأتين ، بعد الحكم بثبوت التعزير من ثلاثين إلى تسعة وتسعين : فإن عادتا نهيتا واُدِّبتا ، فإن عادتا ثالثة اُقيم عليهما الحدّ كاملا، فإن عادتا رابعة كان عليهما القتل(3). والظاهر أنّ مراده من النهي والتأديب في


(1) السرائر: 3 / 467.
(2) تقدّمت في ص311.
(3) النهاية: 707.

(الصفحة338)



المرّة الثانية هو التعزير الثابت في المرّة الاُولى ، كما أنّ الظاهر أنّ مستنده في ذلك هي رواية أبي خديجة التي سيأتي البحث فيها .
ويظهر من الجواهر ثبوت القتل في التاسعة ، أو الثانية عشر(1) ، أمّا الأوّل فلصحيحة يونس المتقدّمة ، نظراً إلى أنّ مقتضى ثبوت الحدّ في المرّة الثالثة وفي المرّة السادسة ثبوت القتل في المرّة التاسعة ; لكونه مسبوقاً بثبوت حدّين ، وأمّا الثاني فلأنّ المقام من لواحق المساحقة ، وبعد كون القتل فيها ثابتاً في المرّة الرابعة المسبوقة بثلاثة حدود يكون مقتضى القاعدة هنا ثبوت القتل في الثانية عشر ، لتخلّل حدود ثلاثة ، مضافاً إلى كونه مقتضى الاحتياط في الدماء .
ويرد عليه : أنّ الظاهر من صحيحة يونس ترتّب القتل بعد الحدّين فيما إذا كان حكمه الأوّلي عبارة عن الحدّ ، بمعنى أنّ ظاهرها أنّ المراد بالكبائر فيها هي الكبائر التي يترتّب عليها الحدّ أوّلا ، وأمّا الكبيرة التي كان حكمها الأوّلي هو التعزير ، غاية الأمر ثبوت الحدّ في بعض المرّات فلم يعلم شمول الصحيحة لها ، كما أنّ قياس المقام بباب المساحقة لا وجه له ، خصوصاً مع كون مقتضى الاحتياط ترك القتل مطلقاً ، ولذا قال المحقّق في الشرائع بعد نقل قول الشيخ في النهاية : والأولى الإقتصار على التعزير احتياطاً في التهجّم على الدم(2) ، وقد تبعه كثير من المتأخّرين عنه ، مثل العلاّمة(3) والشهيدين(4) وصاحب الرياض(5) والمتن .


(1) جواهر الكلام: 41 / 394.
(2) شرائع الإسلام: 4 / 943.
(3) إرشاد الأذهان: 2 / 167، قواعد الأحكام: 2 / 257، تحرير الأحكام: 2 / 225.
(4) اللمعة الدمشقية: 167، الروضة البهيّة: 9 / 160، مسالك الأفهام: 14 / 416 ـ 417.
(5) رياض المسائل: 10 / 103 ـ 104.

(الصفحة339)



ثمّ إنّه ممّا ذكرنا ظهر أنّ المراد بقول الماتن : وقيل : تقتلان ، هو الإشارة إلى فتوى الشيخ في النهاية وابن إدريس في السرائر ، وإن كان ظاهره هو ثبوت القتل في المرّة السادسة ، لكنّه لم يعرف القائل به ، مضافاً إلى أنّه من المستبعد ترك التعرّض لمثل فتوى الشيخ ، خصوصاً مع تعرّض مثل المحقّق له كما مر .
إذا ظهر لك ما ذكرنا فاعلم أنّ عمدة الأدلّة في المقام رواية أبي خديجة ، قال : لا ينبغي لامرأتين تنامان في لحاف واحد إلاّ وبينهما حاجز ، فإن فعلتا نهيتا عن ذلك ، فإن وجدهما بعد النهي في لحاف واحد جلدتا كلّ واحدة منهما حدّاً حدّاً ، فإن وجدتا الثالثة في لحاف حدّتا ، فإن وجدتا الرابعة قتلتا . هكذا رواه في الوسائل في الباب العاشر من أبواب حدّ الزنا(1) ، ولكنّه رواه في الباب الثاني من أبواب حدّ السحق والقيادة عن الكليني هكذا : أبي خديجة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : ليس لامرأتين أن تبيتا في لحاف واحد إلاّ أن يكون بينهما حاجز ، فإن فعلتا نهيتا عن ذلك ، وإن وجدتا مع النهي جلدت كلّ واحدة منهما حدّاً حدّاً ، فإن وجدتا أيضاً في لحاف جلدتا ، فإن وجدتا الثالثة قتلتا(2) .
وكيف كان ، فقد حكم صاحب الجواهر بضعف سند الرواية(3) ، ولعلّه من جهة تصريح الشيخ(قدس سره) في الفهرست بأنّ سالم بن مكرم يكنّى أبا خديجة ضعيف(4) ، ولكنّه صرّح النجاشي والكشي بتوثيقه وتبجيله(5) ، وعن العلاّمة في الخلاصة أنّه صرّح


(1، 2) وسائل الشيعة: 18 / 368، أبواب حدّ الزنا ب10 ح25، وص425، أبواب حدّ السحق والقيادة ب2 ح1.
(3) جواهر الكلام: 41 / 393.
(4) الفهرست للطوسي: 141 رقم 337.
(5) رجال النجاشي: 188 رقم 501، إختيار معرفة الرجال، المعروف برجال الكشّي: 352 رقم 661.

(الصفحة340)



الشيخ أيضاً في موضع آخر بكونه ثقة(1) ، وممّا ذكرنا يظهر صحّة روايته وثبوت وثاقته ، خصوصاً مع ما في قاموس الرجال : من أنّ تضعيف الشيخ له مبنيّ على زعمه اتّحاده مع سالم بن أبي سلمة ، الذي ضعّفه الغضائري والنجاشي(2) ،(3)مع أنّه اشتباه ، وأنّه لا يكون متّحداً معه ، وأنّ أبا سلمة هو كنية سالم لا كنية أبيه ، ويظهر من بعض الروايات أنّ هذه الكنية قد كنّاه بها أبو عبدالله (عليه السلام) .
وبالجملة : فالظاهر أنّه لا مجال للمناقشة في سند الرواية .
وأمّا دلالتها ، فيجري في قوله (عليه السلام) : «فإن فعلتا نهيتا عن ذلك» احتمال كون المراد من النهي هو النهي العملي المساوق للتأديب والتعزير ، ويؤيّده إثبات الحدّ في المرّة الثانية والثالثة ، واحتمال كون المراد هو النهي القولي من باب النهي عن المنكر ، ولازمه عدم ثبوت شيء من الحدّ أو التعزير في المرّة الاُولى أصلا ، واحتمال ثالث ، وهو كون المراد هو النهي من باب الإرشاد وإعلام الجاهل ، وحمل هذه العبارة على صورة الجهل بالحرمة ، كما ذكرنا ذلك في مقام الجمع بينها وبين الروايات الكثيرة المتقدّمة ، الدالّة على ثبوت التعزير ، وأيّدنا ذلك بغلبة الجهل في النساء بهذا الحكم ، ويؤيّده أيضاً خروج هذا الفرض عن الرواية على النقل الثاني ، الظاهر في ثبوت القتل في الثالثة بعد الحكم بثبوت الحدّ مرّتين قبلها ; لظهورها في عدم الاعتناء بهذه الصورة ، فتدبّر .
وكيف كان ، فالرواية لا تنطبق لا على فتوى الشيخ في النهاية ، ولا على فتوى مشهور المتأخّرين ، أمّا الأوّل فلتصريح الشيخ بثبوت التعزير دون الحدّ في


(1) خلاصة الأقوال: 354 رقم 1404.
(2) مجمع الرجال: 3 / 92، رجال النجاشي: 190 رقم 509.
(3) قاموس الرجال: 4 / 615.
<<التالي الفهرس السابق>>