(الصفحة341)
مسألة 13 : لو وطىء زوجته فساحقت بكراً فحملت البكر فالولد للواطىء صاحب الماء ، وعلى الصبيّة الجلد مائة بعد وضعها إن كانت مطاوعة ، والولد يلحق بها أيضاً ، ولها بعد رفع العذرة مهر مثل نسائها . وأمّا المرأة فقد ورد أنّ عليها الرجم ، وفيه تأمّل ، والأحوط الأشبه فيها الجلد مائة 1.
المرّتين الأُوليين ، مع أنّ الرواية ظاهرة في ثبوت الحدّ في المرّة الثانية أيضاً ، وأمّا الثاني ـ فمضافاً إلى ذلك ـ لا يكون القتل المذكور فيها في الرابعة مورداً لفتوى المشهور .
نعم ، لو كان المراد من قوله (عليه السلام) : «فإن فعلتا نهيتا عن ذلك» هو الاحتمال الثالث ، وكان المراد من الحدّ في المرتبتين هو التعزير بقرينة الروايات الكثيرة المتقدّمة ، الدالّة على ثبوت التعزير مطلقاً ، تنطبق الرواية على قول ابن إدريس القائل بثبوت القتل بعد التعزيرين .
وبالجملة : فما يمكن أن يستشكل به قول المشهور أنّ الأخذ بالرواية لا يكاد ينفكّ عن الالتزام بالقتل ، وعدم الأخذ بها يجعل الحكم بثبوت الحدّ في الثالثة ، وكذا في السادسة ومثلهما بلا دليل ; لأنّه ليس في مقابل الروايات الظاهرة في التعزير مطلقاًما يمكن استفادة الحدّ منه أصلا ، والأخذ بالاحتياط للفرار عن القتل يوجب الفرار عن الحدّ أيضاً ; لعدم دليل عليه ، وبهذا يظهر أنّ المسألة في غاية الإشكال .
1 ـ الأصل في هذه المسألة روايات متعدّدة مذكورة في الباب الثالث من أبواب حدّ السحق والقيادة من كتاب الوسائل ، ولا بأس بنقل واحدة منها وإن كان قد تقدّم نقلها(1) ، وهي صحيحة محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر وأبا عبدالله (عليهما السلام)
(1) في ص327.
(الصفحة342)
يقولان : بينما الحسن بن عليّ (عليهما السلام) في مجلس أمير المؤمنين (عليه السلام) إذ أقبل قوم فقالوا : يا أبا محمّد أردنا أمير المؤمنين ، قال : وما حاجتكم؟ قالوا : أردنا أن نسأله عن مسألة . قال : وما هي تخبرونا بها؟ قالوا : امرأة جامعها زوجها ، فلمّا قام عنها قامت بحموتها (أي شهوتها) فوقعت على جارية بكر فساحقتها ، فوقعت النطفة فيها فحملت ، فما تقول في هذا؟ فقال الحسن (عليه السلام) : معضلة وأبو الحسن لها ، وأقول : فإن أصبت فمن الله ومن أمير المؤمنين ، وإن أخطأت فمن نفسي ، فأرجو أن لا اُخطىء إن شاء الله : يعمد إلى المرأة فيؤخذ منها مهر الجارية البكر في أوّل وهلة ; لأنّ الولد لا يخرج منها حتّى تشقّ فتذهب عذرتها ، ثمّ ترجم المرأة لأنّها محصنة ، وينتظر بالجارية حتّى تضع ما في بطنها ، ويردّ الولد إلى أبيه صاحب النطفة ، ثمّ تجلد الجارية الحدّ ، قال : فانصرف القوم من عند الحسن (عليه السلام) ، فلقوا أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فقال : ما قلتم لأبي محمّد؟ وما قال لكم؟ فأخبروه ، فقال : لو أنّني المسؤول ما كان عندي فيها أكثر ممّا قال ابني(1) .
أقول : في هذه المسألة جهات من الكلام :
الاُولى : جهة الحدّ المترتّب على المساحقة الواقعة بين المرأة والجارية ، وقد تقدّم في المسألة التاسعة المتقدّمة البحث في هذه الجهة ، وأنّ الأشبه ما هو مقتضى هذه الرواية من التفصيل بينهما ، والحكم بثبوت الرجم في المرأة والجلد في الجارية ، كما أفتى به الشيخ في النهاية(2) ، وحكاه في المسالك عن أتباعه(3) أيضاً ، فلا وجه
(1) وسائل الشيعة: 18 / 426، أبواب حدّ السحق والقيادة ب3 ح1.
(2) النهاية: 707.
(3) مسالك الأفهام: 14 / 420، وأتباع الشيخ مثل ابن البرّاج في المهذّب: 2 / 532.
(الصفحة343)
لإعادة هذا البحث .
الجهة الثانية : لحوق الولد بالرجل صاحب النطفة ، فنقول : لا إشكال بملاحظة الروايات الواردة في المقام ـ التي منها صحيحة محمّد بن مسلم ـ في أنّه يلحق به . والتعبير فيها عن الرجل بالأب وتوصيفه بأنّه صاحب النطفة يشعر ، بل يدلّ على عدم كون الحكم باللحوق تعبديّاً خاصّاً بالمورد ، بل هو حكم على طبق القاعدة .
ولو قطعنا النظر عن الروايات وأردنا ملاحظة المسألة من جهة الضوابط فهل مقتضاها اللحوق بالرجل أو العدم؟ فيه وجهان بل قولان : اختار ثانيهما الحلّي في السرائر(1) ، ووافقه على ذلك صاحب الجواهر ، نظراً إلى أنّ مجرّد ذلك لا يكفي في لحوق الولد شرعاً ; لأنّ الثابت من النسب فيه الوطء الصحيح ولو شبهة ، وليس مطلق التولّد من الماء موجباً للنسب شرعاً ; لعدم كون العنوان فيه الخلق من مائه ، والصدق اللغوي بعد معلوميّة الفرق بين الإنسان والحيوان بمشروعيّة النكاح فيه دونه ، بل المراد منه تحقّق النسب(2) .
واختار الأوّل المحقّق في الشرائع مستدلاًّ بأنّه ماء غير زان ، وقد انخلق منه الولد فيلحق به(3) ، وهو الموافق للقاعدة ; لأنّ الولديّة من الحقائق اللغويّة والعرفيّة ، وليست لها حقيقة شرعية ، والملاك فيها هو الإنخلاق من ماء الرجل والتكوّن من نطفته ، الموجب لإضافته إليه والانتساب به ، وخروج ولد الزنا مضافاً إلى أنّه لدليل خاصّ يكون خروجاً في الجملة ، لالتحاقه به في مثل المحرميّة وحرمة
(1) السرائر: 3 / 465.
(2) جواهر الكلام: 41 / 398.
(3) شرائع الإسلام: 4 / 943.
(الصفحة344)
النكاح والنفقة ، ومشروعية النكاح وإن كانت للتحفّظ على النسب ورعاية الإضافة الخاصّة ، إلاّ أنّه لا دليل على انحصار الطريق به ، بل هو طريق غالبيّ لتحقّق هذه الإضافة ، وإلاّ فكيف يمكن جعل الولد في مفروض المسألة بلا أب ، مع عدم تحقّق عمل غير مشروع من ناحية صاحب النطفة وكونها ماء غير زان ، فالإنصاف أنّ مقتضى القاعدة هو الالتحاق فيها وفي مثلها ، كما إذا وقعت النطفة في رحم الزوجة من غير طريق المجامعة والوطء وتكوّن منها الولد ، بل وكما إذا ربيت النطفة في غير الرحم ، كما ربما يدّعى إمكانه .
والظاهر أنّ الولد كما يلحق بالرجل صاحب النطفة ، كذلك يلحق بالجارية التي ولدته ; لعدم كونها زانية ، وكونه متكوّناً في رحمها متولّداً منها ، فما عن المسالك من أنّ المتّجه عدم لحوقه بها(1) لا وجه له .
نعم ، لا يلحق بالزوجة ; لعدم الإضافة إليها أصلا .
الجهة الثالثة : ثبوت مهر مثل الجارية على المرأة المساحقة معها ، ولا إشكال في هذه الجهة أيضاً من جهة الرواية ; لتصريحها بذلك ، نعم ظاهر الصحيحة المتقدّمة الأخذ منها في أوّل وهلة ، مع أنّه يمكن أن يستشكل فيه بأنّه غرامة قبل تحقّق السبب ، ومن الممكن أن لا يتحقّق السبب فيه بوجه بموتها أو تزويجها من الرجل صاحب النطفة ، وزوال البكارة بدخوله ، ويمكن حمل الرواية على بيان أصل الاستحقاق على فرض التحقّق ، لا تعجيل الأداء وإن كان خلاف ظاهرها ، وإليه أشار في المتن بقوله : ولها بعد رفع العذرة مهر مثل نسائها .
وأمّا مع قطع النظر عن الرواية ، فالمحكيّ عن إبن إدريس أنّ المساحقة كالزانية
(1) مسالك الأفهام: 14 / 421.
(الصفحة345)
مسألة 14 : تثبت القيادة ـ وهي الجمع بين الرجل والمرأة أو الصبية للزنا أو الرجل بالرجل أو الصبيّ للّواط ـ بالإقرار مرّتين ، وقيل : مرّة ، والأوّل أشبه ، ويعتبر في الإقرار بلوغ المقرّ وعقله واختياره وقصده ، فلا عبرة بإقرار الصبيّ والمجنون والمكره والهازل ونحوه ، وثتبت أيضاً بشهادة شاهدين عدلين 1.
في سقوط دية العذرة(1) ، وردّه المحقّق في الشرائع بأنّ ثبوت المهر عليها إنّما هو لأجل أنّها سبب في إذهاب العذرة ، وليست كالزانية في سقوط ديتها ; لأنّ الزانية أذنت في الافتضاض ، وليس هذه كذلك(2) .
نعم ، يمكن استثناء ما إذا علمت الجارية بوطء الزوج للمرأة وتحقّق الإنزال ، وبأنّ المساحقة توجب انتقال النطفة إلى رحمها ، فإنّها حينئذ يجري عليها حكم الزانية ، لاستناد زوال العذرة إلى عملها دون المرأة ، كما لا يخفى .
1 ـ في هذه المسألة جهات من الكلام :
الاُولى : معنى القيادة ، وهو بحسب اللغة الهداية والإراءة ، يقال : قائد الجيش كان رئيساً عليهم ، وقائد الدابّة مشى أمامها آخذاً بقيادها .
وبحسب الاصطلاح هو الجمع بين الشخصين لتحقّق عمل غير مشروع إجمالا ، والقدر المتيقّن منه المذكور في الروايات الآتية هو الجمع بين الرجل والمرأة للزنا ، والظاهر أنّه ليس المراد بالجمع مجرّد إراءة الطريق وهدايته إليها ، أو هدايتها إليه ، كما أنّه ليس المراد هو تحقّق الجمع خارجاً وترتّب الزنا عليه كذلك ، بل مجرّد تهيئة مقدّمات الجمع وتحصيل أسبابه وتحقّق الجمع بعدها ، وإن لم يتحقّق
(1) السرائر: 3 / 465.
(2) شرائع الإسلام: 4 / 943.
(الصفحة346)
الزنا خارجاً لجهة .
وأمّا الجمع بين الرجلين للّواط ، فيمكن إلحاقه بالأوّل ، نظراً إلى كون اللواط أشدّ قبحاً وحكماً من الزنا كما تقدّم ، وأمّا الجمع بين المرأتين للمساحقة ، فالمحكيّ عن الغنية(1) والجامع(2) والإصباح(3) إلحاقه به أيضاً .
وأورد عليه صاحب الجواهر(قدس سره) بقوله : وإن لم أتحقّقه لغة بل ولا عرفاً(4) ، مع أنّ القيادة بهذا المعنى ليس له أثر في اللغة أصلا ، كما أنّ اللواط بالمعنى الاصطلاحي لا يكون معنوناً في كتب اللغة ، فكيف يكون الجمع لأجله موجباً لتحقّق القيادة بالمعنى اللغوي ، وأمّا العرف الذي يكون المراد به عرف المتشرّعة ، فالظاهر عدم كون الجمع بين الرجلين عندهم معنوناً بعنوان القيادة .
وكيف كان ، فيمكن الاستدلال على لحوقه أيضاً بما ورد في بعض الروايات المتقدّمة في المساحقة من أنّ «سحاق النساء بينهنّ زناً»(5) ، ومثل ذلك من التعبيرات ، ولكن مع ذلك كلّه الحكم بثبوت أحكام القيادة في هذه الصورة مشكل ، خصوصاً مع أنّ الحدود تدرأ بالشُّبهات .
الثانية : حرمة القيادة وعدم جوازها ، ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى أنّه لا خلاف فيها بل لعلّها من ضروريّات الفقه ، وإلى الرواية الآتية الدالّة على ثبوت الحدّ فيها الدالّ على الحرمة ; لأنّه لا معنى لثبوت الحدّ مع عدم الحرمة ـ ما في بعض الأحاديث عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) من قوله : ومن قاد بين امرأة ورجل حراماً حرّم الله عليه الجنّة
(1) غنية النزوع: 427.
(2) الجامع للشرائع: 557.
(3) إصباح الشيعة: 519.
(4) جواهر الكلام: 41 / 399.
(5) تقدّمت في ص327.
(الصفحة347)
ومأواه جهنّم وساءت مصيراً ، ولم يزل في سخط الله حتّى يموت(1) .
ورواية إبراهيم بن زياد الكرخي قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : لعن رسول الله(صلى الله عليه وآله) الواصلة والمستوصلة ، يعني الزانية والقوّادة(2) .
الثالثة : طريق ثبوتها ، وهو أمران :
الأوّل : الإقرار ، ولا إشكال ولا خلاف في ثبوتها بالإقرار مرّتين ، إنّما الإشكال في ثبوتها بالإقرار مرّة واحدة ، واستدلّ على عدم الاكتفاء به كما في الجواهر بفحوى اعتبار الأربع فيما تثبته شهادة الأربع(3) ، ويؤيّده ما مرّ من بعض الروايات الواردة في الإقرار بالزنا ، الظاهرة في التعبير عن الإقرار بالشهادة ، التي يستفاد منها أنّ اعتبار الإقرار إنّما هو من جهة كونه من مصاديق الشهادة ، غاية الأمر أنّه شهادة على النفس ، ولأجله لا يعتبر فيه عدالة المقرّ ، فكلّ مرّة من الإقرار فهي بمنزلة الشهادة ، وحيث يعتبر في الشاهد التعدّد ـ كما يأتي ـ فاللاّزم اعتباره في الإقرار أيضاً ، ولذا حكي عن المراسم أنّه قال : كلّ ما يثبته شاهدان من الحدود فالإقرار فيه مرّتان(4) ، ووافقه على ذلك في محكيّ المختلف(5) ، ويؤيّده أنّ الأصل عدم ثبوته إلاّ بالمتيقّن .
وربما يستدلّ على الاكتفاء بعموم : «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»(6) وشموله لباب الحدود ، وظاهره مجرّد الإقرار المتحقّق بمرّة واحدة ، ولكنّ الاستدلال بهذا
(1، 2) وسائل الشيعة: 14 / 266، أبواب النكاح المحرّم ب27 ح1 و2.
(3) جواهر الكلام: 41 / 399.
(4) المراسم: 261.
(5) مختلف الشيعة: 9 / 224 مسألة 80.
(6) وسائل الشيعة: 16 / 111، كتاب الإقرار ب3 ح2.
(الصفحة348)
مسألة 15 : يحدّ القوّاد خمس وسبعون جلداً ، ثلاثة أرباع حدّ الزاني ، وينفى من البلد إلى غيره ، والأحوط أن يكون النفي في المرّة الثانية ، وعلى قول مشهور يحلق رأسه ويشهر ، ويستوي فيه المسلم والكافر والرجل والمرأة ، إلاّ أنّه ليس في المرأة إلاّ الجلد ، فلا حلق ولا نفي ولا شهرة عليها ، ولا يبعد أن يكون حدّ النفي بنظر الحاكم 1.
العموم فرع كونه بهذا اللفظ مذكوراً في رواية معتبرة ، بحيث لم تكن قاعدة اصطيادية مستفادة من الموارد المختلفة ، وإلاّ لا مجال للاستناد إليه ، والتحقيق موكول إلى كتاب الإقرار . ثمّ إنّ شرائط قبول الإقرار في المقام هي الشرائط في سائر المقامات ، وقد تقدّم البحث في ذلك .
الثاني : الشهادة ، ولا إشكال في ثبوتها بشهادة عدلين ; لعدم وجود دليل يدلّ على اعتبار أزيد منهما ، كما في باب الزنا واللواط ، إنّما الإشكال في أنّه هل يكتفى بشهادة رجل وامرأتين أم لا؟ ظاهر مثل المتن العدم ، ولكن مقتضى ما ذكرنا سابقاً من أنّ المستفاد من مجموع الروايات الواردة في شهادة النساء في الحدود هو اعتبارها في صورة الإنضمام لا مطلقاً ، بل القدر المتيقّن منه كما مرّ الإكتفاء بشهادة رجل وامرأتين في المقام ، فراجع(1) .
1 ـ أمّا الجلد ، فيدلّ عليه ـ مضافاً إلى دعوى الإجماع عليه كما في محكيّ الإنتصار(2) والغنية(3) والمسالك(4) ـ رواية عبدالله بن سنان قال : قلت
(1) مرّ في ص116 ـ 121.
(2) الإنتصار: 515.
(3) غنية النزوع: 427.
(4) مسالك الأفهام: 14 / 422.
(الصفحة349)
لأبي عبدالله (عليه السلام) : أخبرني عن القوّاد ما حدّه؟ قال : لا حدّ على القوّاد ، أليس إنّما يعطى الأجر على أن يقود؟! قلت : جعلت فداك إنّما يجمع بين الذكر والانثى حراماً ، قال : ذاك المؤلّف بين الذكر والانثى حراماً ، فقلت : هو ذاك ، قال : يضرب ثلاثة أرباع حدّ الزاني خمسة وسبعين سوطاً ، وينفى من المصر الذي هو فيه ، الحديث(1) . وضعف السند بمحمّد بن سليمان لجهالته وعدم وجود قدح ولا مدح فيه مجبورٌ باستناد الأصحاب إليها ، والظاهر أنّه يستوي في الجلد المسلم والكافر والرجل والمرأة من دون فرق .
وأمّا النفي ، ففيه جهات من الكلام :
الاُولى : في أصل ثبوته ،والدليل عليه هي الرواية المتقدّمة المنجبرة بفتوى المشهور على طبقها واستنادهم إليها ، وعليه فلا مجال لدعوى عدم الثبوت ، نظراً إلى عدم الدليل عليه ، لضعف الرواية وعدم كونها قابلة للاعتماد عليها ، هذا مضافاً إلى أنّه لم ينقل الخلاف في ذلك ، وإن وقع الخلاف في أنّه هل يثبت بأوّل مرّة أو في المرّة الثانية .
الثانية: أنّ النفي هل يكون في المرّة الاُولى، كماعن الشيخ في النهاية(2) وابني إدريس وسعيد في السرائر(3) والجامع(4) ، أو في المرّة الثانية ، كما عن المفيد(5) وابني زهرة(6)
(1) وسائل الشيعة: 18 / 429، أبواب حدّ السحق والقيادة ب5 ح1.
(2) النهاية: 710.
(3) السرائر: 3 / 471.
(4) الجامع للشرائع: 557.
(5) المقنعة: 791.
(6) غنية النزوع: 427.
(الصفحة350)
وحمزة(1) وسلاّر(2) وغيرهم(3) ، بل عن الغنية الإجماع عليه؟ قولان .
والدليل على الأوّل هي الرواية المتقدّمة التي هي الأصل في الباب ; الظاهرة في ثبوت النفي في المرّة الاُولى ; لعطفه على الجلد الثابت فيها ، ومثله نسب إلى فقه الرضا (عليه السلام)(4) ، وفي الجواهر نفى الريب عن أنّ الأحوط هو الثاني(5) ، وحكى عن الرياض قوله : لعلّه المتعيّن ، ترجيحاً للاجماع المزبور على الرواية من وجوه : منها صراحة الدلالة فتقيّد به الرواية(6) .
ويرد على الرياض أنّه لو كان هناك إجماع محصّل أو منقول معتبر على ذلك لكان مقتضاه ما ذكر ، وأمّا مع فرض عدم حجيّة الإجماع المنقول في مثل المقام خصوصاً مع ملاحظة مخالفة الشيخ في النهاية ومن تبعه ممّن تقدّم خصوصاً ابن إدريس ، حيث أفتى بكون النفي في المرّة الاُولى مع عدم حجيّة خبر الواحد عنده ، فلا مجال للتقييد ، إلاّ أن يقال بعدم انجبار ضعف سند الرواية بالإضافة إلى هذه الجهة ; لعدم تحقّق فتوى المشهور على طبقها ، أو يقال : بأنّ فتوى مثل المفيد ومن تبعه بذلك مع ظهور الرواية في ثبوت النفي في المرّة الاُولى تكشف لا محالة عن وجود دليل معتبر عندهم ، وإلاّ فمن أين جائت هذه الفتيا ، وكلا الأمرين وإن كانا قابلين للمناقشة إلاّ أنّه لا ينبغي الإشكال في أنّ مقتضى الاحتياط هو النفي في المرّة
(1) الوسيلة: 414.
(2) المراسم: 259.
(3) الكافي في الفقه: 410، إصباح الشيعة: 519.
(4) مستدرك الوسائل: 18 / 87، أبواب حدّ السحق والقيادة ب5 ح1.
(5) جواهر الكلام: 41 / 401.
(6) رياض المسائل: 10 / 108.
(الصفحة351)
الثانية ، كما لا يخفى .
الثالثة : في المراد من النفي وفي حدّه ، والظاهر من كلمة النفي الواردة في الرواية خصوصاً مع إضافة قوله (عليه السلام) : «من المصر الذي هو فيه» ، هو إخراجه من بلده إلى غيره ، لكن في محكيّ الرياض : وفي الرضوي وغيره روي أنّ المراد به الحبس سنة أو يتوب(1) . ولعلّه المراد بما في كشف اللثام من أنّه في بعض الأخبار : «النفي هو الحبس سنة»(2) .
وحيث إنّه لا مجال للاعتماد على الرواية المرسلة المذكورة في الرضوي وغيره ، فلا مجال لرفع اليد عمّا هو ظاهر الرواية المتقدّمة من كون المراد به هو الإخراج من البلد ، كما عرفت .
وأمّا تحديده بالتوبة كما يظهر من صاحب الجواهر ، نظراً إلى أنّه بدونها يصدق عليه اسمه(3) ، فالظاهر أنّه لا وجه له ; لأنّ التوبة لا تقتضي تغيير الإسم والعنوان ، كما في سائر الموارد ، والظاهر يساعد ما اختاره في المتن ونفى البعد عنه من كونه بنظر الحاكم ، كما في سائر المقامات التي لم يقع التعرّض فيها للتحديد .
الرابعة : في اختصاص النفي بالرجل وعدمه ، وقد نفى الخلاف في الجواهر عن الاختصاص(4) ، بل عن الغنية والإنتصار الإجماع عليه(5) ، ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى ذلك ، وإلى الأصل للشكّ في ثبوته في المرأة ، وإلى كونه مخالفاً لما هو ظاهر من مذاق الشارع بالإضافة إلى النساء ـ اختصاص الرواية التي هي الأصل في الباب
(1) رياض المسائل: 10 / 108، فقه الرضا(عليه السلام): 310 باب 56.
(2) كشف اللثام: 2 / 410.
(3، 4) جواهر الكلام: 41 / 401.
(5) غنية النزوع: 427، الإنتصار: 515.
(الصفحة352)
بالرجل ، وإلغاء الخصوصيّة بالإضافة إلى الجلد لا يلازم إلغائها في مورد النفي أيضاً .
وأمّا حلق رأس الرجل بسبب القيادة وإشهاره بين الناس ، فالمشهور بين الأصحاب الذين منهم إبن إدريس ـ الذي لا يعمل بأخبار الآحاد ـ ثبوتهما(1) ، بل عن الإنتصار والغنية الإجماع عليه(2) ، وحيث إنّ الرواية المتقدّمة خالية عن الدلالة على هذه الجهة ، فمن فتوى المشهور يستكشف وجود دليل معتبر على هذا المعنى ، خصوصاً مع موافقة إبن إدريس ، وهذا المقدار يكفي في الحكم بالثبوت ، كما أنّه يختصّ بالرجل لإختصاص مورد الفتوى به ، فلا يجريان في المرأة ، مضافاً إلى عدم ترتّب الأثر فيها على الحلق وكون إشهارها مخالفاً لمذاق الشارع قطعاً .
(1) السرائر: 3 / 471.
(2) الإنتصار: 515، غنية النزوع: 427.
(الصفحة353)
الفصل الثالث
في
حدّ القذف
والنظر فيه
في الموجِب ، والقاذف والمقذوف ، والأحكام
القول في الموجب
مسألة 1 : موجب الحدّ الرمي بالزنا أو اللواط ، وأمّا الرمي بالسحق وسائر الفواحش فلا يوجب حدّ القذف . نعم ، للإمام(عليه السلام) تعزير الرامي 1.
1 ـ قد اتّفقت الكتاب والسُّنّة والإجماع على حرمته وترتّب الحدّ عليه ، قال : الله تعالى : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}(1) ودلالته على الحرمة من جهة إثبات الحدّ فيه ومن جهة الحكم بالفسق وعدم قبول الشهادة واضحة ، كما أنّ التعبير فيه عن القذف بالرمي ظاهرٌ في أنّ المراد به هو الرمي ، كأنّ القاذف يرمي المقذوف بألفاظه .
(1) سورة النور 24: 4.
(الصفحة354)
وأمّا السّنة : فيدلّ على تحريمه منها ـ مضافاً إلى ما دلّ منها على ثبوت الحدّ فيه الملازم للحرمة من النصوص الآتية ـ ما روي من أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال : اجتنبوا السبع الموبقات ، قيل : وما هنَّ؟ قال : الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرّم الله إلاّ بالحقّ ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات(1) . وغير ذلك من الروايات الواردة في الباب ، وأمّا الإجماع فواضح .
ثمّ إنّه لا إشكال في إيجاب الرمي بالزنا للحدّ ، لدلالة الآية المتقدّمة وغيرها عليه ، كما أنّه لا إشكال ولا خلاف في إيجاب الرمي باللواط له ، ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى ذلك ـ بعض الروايات الآتية المصرّحة بذلك .
وأمّا الرمي بالسحق ، ففي إيجابه للحدّ خلاف وإشكال ، فالمحكيّ عن أبي عليّ(2)والمحقّق الإيجاب(3) ، وعن السرائر(4) والمختلف(5) خلافه ، واختاره صاحب الجواهر(قدس سره)(6) . واختاره في المتن أيضاً ، واستشكل العلاّمة فيه في محكيّ القواعد(7) .
ويمكن الاستدلال للأوّل بالآية المتقدّمة ; لأنّ الرمي أعمّ ، ويشمل الرمي بالسحق أيضاً ، خصوصاً مع ملاحظة اعتبار شهادة الأربع فيه كالزنا ، ويؤيّده بعض الروايات المتقدّمة في المساحقة ; الدالّة على أنّ «سحاق النساء بينهنّ
(1) وسائل الشيعة: 11 / 261، أبواب جهاد النفس ب46 ح34.
(2) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9 / 281 مسألة 140.
(3) نقل عنه في كشف اللثام: 2 / 416 وجواهر الكلام: 41 / 402 ـ 403، ولكن لم نجده في كتب المحقّق.
(4) لم نجد تصريحاً بهذا القول في السرائر، ولكن إطلاق كلامه في ج3 / 529 تفيده.
(5) مختلف الشيعة: 9 / 281 مسألة 140.
(6) جواهر الكلام: 41 / 403.
(7) قواعد الأحكام: 2 / 262.
(الصفحة355)
مسألة 2 : يعتبر في القذف أن يكون بلفظ صريح أو ظاهر معتمد عليه ، كقوله : «أنت زنيت» أو «لُطْتَ» ، أو «أنت زان» أو «لائط» ، أو «ليط بك» ، أو «أنت منكوح في دبرك» ، أو «يا زاني يا لاطي» ، ونحو ذلك ممّا يؤدّي
زناً»(1) نظراً إلى أنّ مقتضى الحكم باتّحاده مع الزنا من جميع الجهات ـ كما هو ظاهرها ـ ثبوت حكم الرمي بالزنا في الرمي بالمساحقة أيضاً .
وقد استدلّ في الجواهر(2) لما قوّاه مضافاً إلى الأصل بصحيحة عبدالله ابن سنان قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّ الفرية ثلاث ، يعني ثلاث وجوه : إذا رمى الرجل الرجل بالزنا ، وإذا قال : إنّ اُمّه زانية ، وإذا دعا لغير أبيه ، فذلك فيه حدّ ثمانون(3) . واختصاص الرواية بالزنا لا ينافي الشمول للّواط ; لأجل ما دلّ على الثبوت فيه أيضاً ، كرواية عبّاد بن صهيب ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال : سمعته يقول : كان عليّ (عليه السلام) يقول : إذا قال الرجل للرجل يا معفوج (مفتوح خ ل) ، يا منكوح في دبره ، فإنّ عليه حدّ القاذف(4) .
هذا ، مضافاً إلى ثبوت الإجماع فيه .
وأمّا الآية ، فيمكن المناقشة في دلالتها ، بأنّ المنسبق إلى الأذهان منها هو الرمي بالزنا ، كما أنّ ما دلّ على أنّ «سحاق النساء بينهنّ زناً» ليس له ظهور في الحكم بالاتّحاد من هذه الجهة أيضاً ، مضافاً إلى عدم اعتبار سنده ظاهراً ، وعليه فلا يبعد ترجيح ما في المتن من عدم الشمول للرمي بالمساحقة .
(1) تقدّمت في ص327.
(2) جواهر الكلام: 41 / 403.
(3) وسائل الشيعة: 18 / 432، أبواب حدّ القذف ب2 ح2.
(4) وسائل الشيعة: 18 / 433، أبواب حدّ القذف ب3 ح2.
(الصفحة356)
المعنى صريحاً أو ظاهراً معتمداً عليه ، وأن يكون القائل عارفاً بما وضع له اللفظ ومفاده في اللّغة التي يتكّلم بها ، فلو قال عجميّ أحد الألفاظ المذكورة مع عدم علمه بمعناها لم يكن قاذفاً ولا حدّ عليه ولو علم المخاطب ، وعلى العكس لو قاله العارف باللّغة لمن لم يكن عارفاً فهو قاذف وعليه الحدّ 1.
1 ـ قد اعتبر في هذه المسألة في القذف أمرين :
الأوّل : أن يكون بلفظ صريح أو ظاهر معتمد عليه ، وهو يشعر إلى عدم كفاية مثل الإشارة ، وإن كانت مفهمة ظاهرة عند العرف في المعنى المراد والمقصود ، ولعلّه لعدم تحقّق عنوان الرمي المذكور في الكتاب بذلك ، وهو محلّ تأمّل ، وبالجملة فإذا كان هناك لفظ ، فاللاّزم أن يكون صريحاً أو ظاهراً معتمداً عليه عند العرف ، بحيث لا يفهمون من اللفظ إلاّ المعنى الذي يكون فيه ظاهراً ، كما في سائر الموارد التي يعتمد على الظواهر لأجل سائر الأغراض والمقاصد .
لكن هنا روايتان ربما يمكن استفادة اعتبار خصوص الصراحة وعدم ثبوت الحدّ في مورد الظهور فضلا عن غيره ، وهما : رواية وهب بن وهب ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه (عليهما السلام) أنّ عليّاً (عليه السلام) لم يكن يحدُّ في التعريض حتّى يأتي بالفرية المصرَّحة يا زان ، أو يا ابن الزانية ، أو لست لأبيك(1) .
لكن مقابلة التصريح مع التعريض والأمثلة المذكورة فيها خصوصاً قوله (عليه السلام) : لست لأبيك ، غير الصريح في القذف ، كما يأتي قرينتان على أنّه ليس المراد بالتصريح إلاّ ما يعمّ الظهور المعتمد عليه عند العرف ، كما لا يخفى .
ومثلها رواية إسحاق بن عمّار ، عن جعفر (عليه السلام) أنّ علياً (عليه السلام) كان يعزّر في الهجاء ،
(1) وسائل الشيعة: 18 / 454، أبواب حدّ القذف ب19 ح9.
(الصفحة357)
مسألة 3 : لو قال لولده الذي ثبت كونه ولده ـ بإقرار منه أو بوجه شرعي ـ : «لست بولدي» ، فعليه الحدّ ، وكذا لو قال لغيره الذي ثبت بوجه شرعي أنّه ولد زيد : «لست بولد زيد» أو «أنت ولد عمرو» . نعم ، لو كان في
ولا يجلد الحدّ إلاّ في الفرية المصرّحة أن يقول : يا زان ، أو يابن الزانية ، أو لست لأبيك(1) .
ثمّ إنّ الأمثلة المذكورة في المتن بين ما هو صريح في الرمي وما هو ظاهر فيه ، وقد استشكل صاحب الجواهر في قوله : أنت زان ، أو لائط(2) ، ولعلّ منشأ الإشكال احتمال كون المراد بالعنوانين هو عدم إباء الرجل عن الزنا أو اللواط ، لا التلبّس بهما واقعاً ، احتمالا مانعاً عن انعقاد الظهور لهما ، ويمكن أن يكون المنشأ احتمال كون المراد بهما هو الاتّصاف في الاستقبال ، نظراً إلى أنّ الرمي كذلك لا يوجب تحقّق القذف ، فإذا قال : أنت تزني في يوم الجمعة الآتي مثلا لا يكون قذفاً ، وكلا المنشأين ممنوعان ، فتأمّل .
الثاني : أن يكون القاذف عارفاً بمفاد اللغة التي يتكلّم بها ، ولا يلزم ذلك في المقذوف ، أمّا الأوّل فلأنّه مع الجهل بالمفاد وما وضع له اللفظ لا يتحقّق منه القصد إلى المعنى ، فلا يتحقّق استعمال اللفظ فيه .
نعم ، لا يلزم أن يكون عارفاً بجميع خصوصيّات اللفظ ، فلو علم إجمالا أنّ قوله : أنت زنيت يدلّ على إسناد الزنا إليه يكفي ولو لم يعلم بمفاد كلّ كلمة ، وأمّا المقذوف فلأنّه لايعتبر إطّلاعه وحضوره ، فضلا عن علمه بالمفاد وعرفانه بالمعنى.
(1) وسائل الشيعة: 18 / 453، أبواب حدّ القذف ب19 ح6.
(2) جواهر الكلام: 41 / 403.
(الصفحة358)
أمثال ذلك قرينة على عدم إرادة القذف ولو للتعارف فليس عليه الحدّ ، فلو قال : «أنت لست بولدي» مريداً به ليس فيك ما يتوقّع منك ، أو «أنت لست بابن عمرو» مريداً به ليس فيك شجاعته مثلا فلا حدّ عليه ولا يكون قذفاً 1.
1 ـ قال في الجواهر بعد حكم المصنّف بثبوت الحدّ في الفرضين : بلا خلاف أجده فيه بيننا(1) ، بل في المسالك : هذه الصيغة عندنا من ألفاظ القذف الصريح لغةً وعرفاً ، فيثبت بها الحدّ لأمّه(2) .
ويدلّ على الثبوت فيهما ـ بعد كون المفروض فيهما ما إذا لم يكن هناك قرينة ، ولو كانت هي التعارف على عدم إرادة القذف ، فإذا قال : أنت لست بولدي مريداً به أنّه لست مثلي في الخصال والفضائل التي تتوقّع منك ، فلا يتحقّق القذف بوجه ـ ظهور كون النفي ظاهراً في إسناد الزنا إلى الامّ وتحقّق هذا العمل غير المشروع منها ، وإن كان في البين احتمال الإكراه والشبهة ونحوهما ممّا ينافي تحقّق الزنا المحرّم على ما عرفت في تعريف الزنا ، إلاّ أنّ هذا الاحتمال لا ينافي الظهور في غيره .
وبالجملة : لا ينبغي الإشكال في ظهور النفي مع عدم القرينة المذكورة في الإسناد إلى الامّ ، فيتحقّق القذف والرمي في الفرضين ، غاية الأمر تحقّق موضوع اللّعان في الفرض الأوّل ، وهو يسقط حدّ القذف كما سيأتي .
هذا ، مضافاً إلى أنّه يدلّ على الثبوت في الفرض الثاني كثير من الروايات المتقدّمة في المسألتين الأوّلتين ، وفي الفرض الأوّل رواية السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : من أقرّ بولد ثمّ نفاه جلد الحدّ واُلزم الولد(3) .
(1) جواهر الكلام: 41 / 404.
(2) مسالك الأفهام: 14 / 425.
(3) وسائل الشيعة: 18 / 457، أبواب حدّ القذف ب23 ح1.
(الصفحة359)
مسألة 4 : لو قال : «يا زوج الزانية» أو «يا أخت الزانية» أو «ياابن الزانية» أو «زنت أمّك» وأمثال ذلك ، فالقذف ليس للمخاطب بل لمن نسب إليه الزنا ، وكذا لو قال : «ياابن اللاطئ» أو «ياابن الملوط» أو «يا أخ اللاطئ» أو «يا أخ الملوط» مثلا فالقذف لمن نسب إليه الفاحشة لا للمخاطب . نعم ، عليه التعزير بالنسبة إلى إيذاء المخاطب وهتكه فيما لا يجوز له ذلك 1.
ولا تعارضها رواية العلاء بن الفضيل ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت له : الرجل ينتفي من ولده وقد أقرّ به ، قال : فقال : إن كان الولد من حرّة جلد الحدّ خمسين سوطاً حدّ المملوك ، وإن كان من أمة فلا شيء عليه(1) ، لأنّه كما في كشف اللثام ضعيف متروك(2) .
1 ـ أمّا أصل تحقّق القذف في مثل هذه الألفاظ فلا إشكال فيه ، وقد وقع التصريح في بعض الروايات المتقدّمة بأنّ قوله : «ياابن الزانية» قذف موجب لترتّب الحدّ ، والمقصود في هذه المسألة ليس بيان تحقّق أصل القذف ، بل بيان طرف الإضافة والشخص المنسوب إليه ، وأنّه ليس هو المواجه والمخاطب ، بل من نسب إليه الفاحشة من الزنا ، أو اللواط ، فاعلا أو مفعولا ، ويترتّب عليه الثمرة بلحاظ بعض الأحكام الآتية ، مثل التوقّف على المطالبة وغيره .
وأمّا بالنسبة إلى المواجه فلا يكون في البين قذف ، نعم يثبت التعزير بلحاظ إيذاء المخاطب وهتكه لأجل نسبة الفاحشة إلى من هو منسوب ومضاف إليه فيما كان الإيذاء والهتك محرّماً .
(1) وسائل الشيعة: 18 / 457، أبواب حدّ القذف ب23 ح2.
(2) كشف اللثام: 2 / 411.
(الصفحة360)
مسألة 5 : لو قال : «ولدتك أمّك من الزنا» فالظاهر عدم ثبوت الحدّ ، فإنّ المواجه لم يكن مقذوفاً ، ويحتمل إنفراد الأب بالزنا أو الأمّ بذلك ، فلا يكون القذف لمعيّن ، ففي مثله تحصل الشبهة الدارأة ، ويحتمل ثبوت الحدّ مع مطالبة الأبوين ، وكذا لو قال : «أحدكما زان» فإنّه يحتمل الدرء ، ويحتمل الحدّ بمطالبتهما1.
1 ـ قال المحقّق في الشرائع : «ولو قال : ولدت من الزنا ففي وجوب الحدّ لامّه تردّد ; لاحتمال إنفراد الأب بالزنا ، ولا يثبت الحدّ مع الاحتمال ، أمّا لو قال : ولدتك أمّك من الزنا ، فهو قذف للامّ ، وهذا الاحتمال أضعف ، ولعلّ الأشبه عندي التوقّف لتطرّق الاحتمال وإن ضعف»(1) .
ويظهر من هذا القول أنّ هنا مسألتين بينهما الاختلاف في الحكم من جهة أنّ التصريح بالامّ موجب لانطباق القذف عليها ، دون ما إذا لم يصرّح بها ، ولأجله يتوجّه على المتن إشكال عدم التعرّض للمسألة الاُولى، بل على تقديرعدم الاختلاف بينهما في الحكم لكان ينبغي التعرّض لها ، خصوصاً مع كونها أشدّ ابتلاءً من المسألة الثانية ، ومع ملاحظة وقوع التعرّض لها في كلمات الأصحاب كما سيأتي .
ونحن نتعرّض لكلتيهما إن شاء الله تعالى فنقول : إذا قال للمواجه : ولدت من الزنا ، فهل يثبت هنا قذف موجب للحدّ أم لا؟ وعلى تقدير تحقّق القذف فهل يكون قذفاً للامّ فقط ، أو للأبوين جميعاً ، أو لأحدهما ، كما فيما إذا قال : أحدكما زان لا على التعيين؟
يظهر من صاحب الجواهر عدم تحقّق القذف بوجه ، لا للمواجه ; لعدم نسبة
(1) شرائع الإسلام: 4 / 944.
|