(الصفحة361)
شيء إليه ، ولا للامّ ، لاحتمال الأب ، ولا للأب ، لاحتمال الامّ ، فإنّه إذا تعدّد الاحتمال في اللفظ بالنسبة إلى كلّ منهما لم يعلم كونه قذفاً لأحدهما بخصوصه ، فتحصل الشبهة الدارئة له ،وصراحة اللفظ في القذف مع اشتباه المقذوف لا تجدي ; لتوقّفه على مطالبة المستحقّ ، وهو غير معلوم ، كما لو سمع واحد يقذف أحداً بلفظ صريح ولم يعلم المقذوف ، فإنّه لا يحدّ بذلك(1) .
ويمكن استفادة ذلك من الآية الشريفة المتقدّمة ، الواردة في حدّ القذف ، نظراً إلى أنّ الحكم بإيجاب الجلد قد علّق على رمي المحصنات وعدم الإتيان بأربعة شهداء ، وهو ظاهر في أنّ تحقّق القذف إنّما هو فيما لو أتى بهم لسقط عنه الحدّ ، مع أنّ الظاهر أنّه يعتبر في الشهادة على الزنا أن تكون الشهادة واقعة على فرد مشخّص ، فلو شهد الأربع بأنّ واحداً من زيد أو عمرو قد زنى ، فالظاهر عدم ترتّب الأثر على هذه الشهادة ; لعدم معلوميّة من تحقّق منه الزنا ، ومن ذلك يستفاد عدم تحقّق القذف في مثل هذا المورد أيضاً ; لعدم إمكان إقامة الشاهد عليه بنحو يسقط به حدّ القذف ، فتدبّر .
ثمّ إنّه على تقدير كونه قذفاً ، فالمحكيّ عن الشيخين(2) والقاضي(3) والمحقّق في النكت(4) وجماعة(5) أنّه قذف للامّ ; لاختصاصها بالولادة ظاهراً ، خصوصاً بعد التعدية بحرف الجرّ الظاهر في ذلك عرفاً .
(1) جواهر الكلام: 41 / 405.
(2) المقنعة: 793 ـ 794، النهاية: 723.
(3) المهذّب: 2 / 547.
(4) نكت النهاية: 3 / 339.
(5) مختلف الشيعة: 9 / 266 مسألة 116.
(الصفحة362)
وعن الفاضل(1) والشهيدين(2) متعلّقه الأبوان معاً ; لأنّ نسبته إليهما واحدة ، فلا اختصاص لأحدهما دون الآخر ، ولأنّ الولادة إنّما تتمّ بهما معاً ، فهما والدان لغة وعرفاً ، وقد نسبت الولادة إلى الزنا وهي قائمة بهما ، فيكون القذف لهما .
ويرد على الأوّل منع كون اللفظ ظاهراً بالظهور المعتمد عليه عند العقلاء ، كما مرّ اعتباره في النسبة إلى الامّ فقط بعد احتمال إنفراد الأب ، أو اشتراكها معه في ذلك . كما أنّه يرد على الثاني أنّ جعل منشأ الولادة هو الزنا لا يكون ظاهراً في تحقّق الزنا من كلا الأبوين ، وقيام الولادة بهما لا يلازم ذلك كما لا يخفى .
وأمّا كونه قذفاً لأحدهما فيظهر من المسالك ، حيث قال : «ويمكن الفرق ـ أي بين المقام وبين ما إذا لم يعلم هناك مقذوف ـ بانحصار الحقّ في المتنازع في الأبوين ، فإذا اجتمعا على المطالبة تحتّم الحدّ ; لمطالبة المستحقّ قطعاً وإن لم يعلم عينه ، ولعلّ هذا أجود . نعم ، لو انفرد أحدهما بالمطالبة تحقّق الاشتباه ، واتّجه عدم ثبوت الحدّ حينئذ ; لعدم العلم بمطالبة المستحقّ به»(3) .
وقد اختاره العلاّمة في القواعد في قوله : أحدكما زان(4) بعد أن استشكل فيه ، نظراً إلى ثبوت حقّ في ذمّته وقد أبهمه ، فلنا المطالبة بالقصد ، وإلى أنّ في ذلك إشاعة الفاحشة ، وزيادة في الإيذاء والتعيير .
والظاهر ما ذكره صاحب الجواهر ، خصوصاً مع ملاحظة التأييد الذي عرفت ، ومع أنّ الحدود تدرأ بالشّبهات .
(1) قواعد الأحكام: 2 / 260.
(2) اللمعة الدمشقية: 167 ـ 168، الروضة البهيّة: 9 / 167 ـ 168.
(3) مسالك الأفهام: 14 / 428.
(4) قواعد الأحكام: 2 / 260.
(الصفحة363)
مسألة 6 : لو قال «زنيت أنت بفلانة» أو «لطت بفلان» فالقذف للمواجه دون المنسوب إليه على الأشبه ، وقيل : عليه حدّان 1.
ثمّ إنّ الظاهر عدم الفرق بين قوله : ولدت من الزنا وبين قوله : ولدتك أمّك من الزنا ، وما يظهر من الشرائع من الفرق بينهما بكون الثاني قذفاً للاُمّ(1) ممنوع ; لأنّ نسبة الولادة إلى الاُمّ لا توجب الفرق أصلا ، ضرورة كون الولادة مضافة إليها في جميع الموارد ، وإضافتها إليها لا تستلزم إضافة الزنا إليها أيضاً . نعم ، لو قال : ولدت من زنا امّك بحيث كان ذكر الامّ متأخّراً ومضافاً إليها الزنا ، لكان ذلك نسبة إليها وقذفاً لها ، لكن من الواضح وجود الفرق بين هذين التعبيرين .
1 ـ لا إشكال ولا خلاف في ثبوت القذف في مفروض المسألة بالإضافة إلى المواجه والمخاطب ، لإسناد الزنا أو اللواط المحرّمين إليهما صريحاً ، وأمّا بالإضافة إلى فلان وفلانة ، المفروض تعيينهما وذكرهما بالإسم والخصوصيّات ، ففي كونه قذفاً أم لا إشكال وخلاف ، فالمحكيّ عن المفيد(2) والشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف(3) وجماعة ، كابن زهرة في الغنية(4) والشهيد الثاني(5)وغيرهما(6) ثبوت القذف وترتّب حدّين عليه ، وعن إبن إدريس(7) والعلاّمة في
(1) شرائع الإسلام: 4 / 944.
(2) المقنعة: 793.
(3) النهاية: 725 ـ 726، المبسوط: 8 / 16، الخلاف: 5 / 405 مسألة 49.
(4) غنية النزوع: 428.
(5) مسالك الأفهام: 14 / 430.
(6) إصباح الشيعة: 520، الكافي في الفقه: 414، المهذّب: 2 / 548، فقه القرآن للراوندي: 2 / 389.
(7) السرائر: 3 / 520.
(الصفحة364)
التحرير العدم(1) واختاره صاحب الجواهر(2) والمتن ، وتردّد فيه في الشرائع وإن كان ذيل كلامه مشعراً بالعدم(3) .
واستدلّ الأوّلون بأنّ الزنا فعل واحد متى كذب في أحدهما كذب في الآخر ; لأنّه واقع بين اثنين نسبة أحدهما إليه بالفاعليّة كنسبة الآخر إليه بالمفعوليّة ، فهو قذف لكليهما .
وأورد عليه المحقّق في الشرائع بقوله : نحن لا نسلم أنّه فعل واحد ; لأنّ موجب الحدّ في الفاعل غير الموجب في المفعول ، وحينئذ يمكن أن يكون أحدهما مختاراً دون صاحبه .
ومرجعه إلى عدم ظهور الكلام في إسناد الزنا إلى فلانة مثلا ; لعدم استلزام وقوع الزنا من المخاطب ; لوقوعه منها بعد احتمال مثل الإكراه وجريانه فيها ، وقد عرفت أنّه يعتبر في تحقّق القذف صراحة اللفظ أو ظهوره عند العرف والعقلاء في ذلك ، وهو غير متحقّق في المقام ; للفرق بين هذه العبارة وبين ما لو قال : زنيت أنت بفلانة الزانية .
وبالجملة : فمجرّد إسناد الزنا إلى المخاطب وتعيين من وقع بها الزنا لا يلازم الإسناد إلى ذلك الشخص أيضاً ، بعد احتمال وقوع العمل من ناحيته عن إكراه أو اشتباه مثلا ، فمقتضى القاعدة عدم تحقّق الزائد من قذف واحد ، خصوصاً مع أنّ الحدود تدرأ بالشّبهات .
ثمّ إنّ هنا روايتين ربما تجعل إحداهما مؤيّدة لما ذكرنا ، والاُخرى مخالفة له ،
(1) التحرير: 2 / 237، وكذا في المختلف: 9 / 268 مسألة 120.
(2) جواهر الكلام: 41 / 407.
(3) شرائع الإسلام: 4 / 944 ـ 945.
(الصفحة365)
ولابدّ من ملاحظتهما ، فنقول :
الاُولى : صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجل قال لامرأته : يا زانية أنا زنيت بك ، قال : عليه حدّ واحد لقذفه إيّاها ، وأمّا قوله : أنا زنيت بك فلا حدّ فيه ، إلاّ أن يشهد على نفسه أربع شهادات بالزنا عند الإمام(1) .
نظراً إلى دلالتها على ثبوت حدّ واحد ونفي الزائد عليه ، ولكنّ الظاهر اختلاف موردها مع المقام من جهتين :
إحداهما : التصريح بثبوت الزنا وإسناده إلى شخصين ، ومن الواضح أنّه لو تحقّق مثل ذلك في المقام فلا إشكال في ثبوت حدّين ، كما مرّ في المثال .
ثانيتهما : كون المنسوب إليه هو نفس القاذف ، ومن الواضح أنّ القذف إنّما يتحقّق بالإسناد إلى الغير دون النفس ، فالرواية لا تكون مؤيّدة للمقام بوجه .
الثانية : موثّقة عباد بن صهيب ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سمعته يقول : كان عليٌّ (عليه السلام) يقول : إذا قال الرجل للرجل : يا معفوج (مفتوح خ ل) ، يا منكوح في دبره ، فإنّ عليه حدّ القاذف(2) .
نظراً إلى أنّ إسناد المنكوحيّة في الدبر لا يلازم إسناد الملوطيّة إليه ; لاحتمال كون النكاحواقعاًمع اشتباه المنكوح أو كونه مكرهاً عليه . ومع ذلك فقدحكم في الرواية بثبوت حدّ القذف ، فيستفاد منها أنّ احتمال مثل الإكراه لا يمنع عن تحقّق القذف . ولكنّ الظاهر هوالفرق بينه وبين المقام ; لظهور مورد الرواية عند العرف في الإسناد المذكور دون المقام الذي لم يذكر الغير فيه إلاّ بعنوان من وقع بها العمل ، كما لا يخفى .
(1) وسائل الشيعة: 18 / 446، أبواب حدّ القذف ب13 ح1.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 433، أبواب حدّ القذف ب3 ح2.
(الصفحة366)
مسألة 7 : لو قال لابن الملاعنة : «ياابن الزانية» أو لها : «يا زانية» فعليه الحدّ لها ، ولو قال لامرأة : «زنيت أنا بفلانة» أو «زنيت بك» فالأشبه عدم الحدّ لها ، ولو أقرّ بذلك أربع مرّات يحدّ حدّ الزاني 1.
1 ـ قد تحقّق في كتاب اللعان أنّ اللعان قد يكون لنفي الولد ، وقد يكون في مورد القذف وإسناد الزنا إلى الزوجة ، وتحقّق هناك أيضاً أنّه في مورد الإسناد يثبت حدّ القذف على الزوج ، وبلعانه يسقط الحدّ ، ويثبت حدّ الزنا على الزوجة ، غاية الأمر أنّ لعانها يوجب سقوط حدّ الزنا عنها ، ويتفرّع على لعانهما انفساخ الزوجيّة وترتّب الحرمة الأبديّة بحيث لا يجوز له نكاحها بعداً أيضاً .
والمقصود في المقام من إسناد الزنا إلى الملاعنة ، سواء كان بنحو يا زانية مخاطباً لها ، أو بنحو يابن الزانية مخاطباً لابنها ، أنّه حيث كانت الملاعنة قد ثبت زناؤها بلعان زوجها وإن أسقطت حدّه بلعانها ، فهل إسناد الزنا إليها بلحاظ كونها ملاعنة يوجب القذف فيترتّب عليه الحدّ أم لا؟ ومن هنا يتحقّق الانتقال إلى مسألة اُخرى لم يقع التعرّض لها في المتن وإن تعرّض لها المحقّق في الشرائع(1) وهي : إسناد الزنا إلى الزانية المحدودة بلحاظ نفس ذلك الزنا الذي ترتّب عليه الحدّ ، واللازم التكلّم فيها أيضاً بعد البحث في المقام ، فنقول :
الظاهر بمقتضى القاعدة ثبوت القذف وترتّب الحدّ كما في المتن ; لصدق الرّمي المأخوذ موضوعاً في الآية الشريفة ، وشهادات الزوج ولعانه وإن أوجب عليها حدّ الزنا ، إلاّ أنّه ليس كالبيّنة الموجبة لثبوت الزنا في حقّها ; ولذا يمكن لها دفعه باللعان الصادر منها ، بخلاف البيّنة التي لا تدفع بذلك . وبالجملة الثبوت في المقام
(1) شرائع الإسلام: 4 / 945.
(الصفحة367)
ليس هو الثبوت في مورد البيّنة والإقرار ، وعليه فلا يجوز قذفها وإسناد الزنا إليها .
هذا ، مضافاً إلى دلالة روايات على هذا الأمر ، كرواية سليمان ـ يعني : ابن خالد ـ عن أبي عبدالله ، عن أبيه (عليهما السلام) قال : يجلد قاذف الملاعنة(1) .
ولو نوقش في ظهور الجلد في الحدّ واحتمل أن يكون المراد به هو التعزير ، فهي تندفع بصحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل قذف ملاعنةً ، قال : عليه الحدّ(2) .
ورواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) عن رجل قذف امرأته فتلاعنا ، ثمّ قذفها بعدما تفرّقا أيضاً بالزنا أعليه حدّ؟ قال : نعم عليه حدّ(3) .
والظاهر أنّ المراد هو القذف بالزنا الذي تلاعنا لأجله ، ضرورة أنّ القذف بالزنا الجديد يوجب الحدّ بلا إشكال .
وأمّا المسألة الاُخرى ، وهي إسناد الزنا إلى المحدودة ، فقد تعرّض لها المحقّق بقوله : ولو قال لابن المحدودة : ـ ياابن الزانية ، أو لها : يا زانية ـ قبل التوبة ، لم يجب به الحدّ ، وبعد التوبة يثبت الحدّ(4) .
أقول : أمّا عدم الثبوت قبل التوبة فالوجه فيه واضح ; لعدم تحقّق الفرية عليها بوجه ، لأنّ المفروض ثبوت الزنا شرعاً بالبيّنة أو الإقرار وترتّب الحدّ عليه ، وأمّا الثبوت بعد التوبة فلا تقتضيه القاعدة بوجه ; لأنّ التوبة لا توجب تحقّق الفرية مع كون المفروض هو الاتّصاف بالزنا الذي ثبت وترتّب عليه الحدّ .
(1) وسائل الشيعة: 18 / 442، أبواب حدّ القذف ب8 ح1.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 442، أبواب حدّ القذف ب8 ح3.
(3) وسائل الشيعة: 18 / 447، أبواب حدّ القذف ب13 ح2.
(4) شرائع الإسلام: 4 / 945.
(الصفحة368)
نعم ، هنا رواية وهي رواية الفضل بن إسماعيل الهاشمي ، عن أبيه قال : سألت أبا عبدالله وأبا الحسن (عليهما السلام) عن امرأة زنت فأتت بولد وأقرّت عند إمام المسلمين بأنّها زنت ، وأنّ ولدها ذلك من الزنا ، فأُقيم عليها الحدّ ، وأنّ ذلك الولد نشأ حتّى صار رجلا ، فافترى عليه رجل ، هل يجلد من افترى عليه؟ فقال : يجلد ولا يجلد ، فقلت : كيف يجلد ولا يجلد؟ فقال : من قال له : يا ولد الزنا لم يجلد ويعزّر وهو دون الحدّ ، ومن قال له : يابن الزانية جلد الحدّ كاملا ، قلت له : كيف (صار خ ل) جلد هكذا؟ فقال : إنّه إذا قال له : يا ولد الزنا ، كان قد صدق فيه وعزِّر على تعييره اُمّه ثانية ، وقد اُقيم عليها الحدّ ، فإن قال له : يابن الزانية ، جلد الحدّ تامّاً ; لفريته عليها بعد إظهارها التوبة وإقامة الإمام عليها الحدّ(1) .
ويظهر من الجواهر الميل إلى ذلك ، حيث لم يناقش فيما أفاده المصنّف(2) ، ويمكن أن يناقش في استدلال الرواية بما ذكر من أنّ إظهار التوبة وإقامة الحدّ لا يوجب تحقّق الفرية .
وبعبارة أُخرى لو كان الملاك في القذف هو الإسناد مع عدم إمكان الإثبات شرعاً فهو غير متحقّق في المحدودة مطلقاً لفرض الثبوت كذلك ، ولو كان الملاك هو تحقّق الإيذاء والهتك والإهانة فهو متحقّق فيها كذلك ; لأنّ عدم التوبة لا يسوّغ الإيذاء والهتك . وظاهر الاستدلال في الرواية عدم كونه تعبديّاً ; لمنافاته معه كما لا يخفى ، ولعلّه لما ذكرنا ترك التعرّض لهذه المسألة في المتن ، فتدبّر .
بقي الكلام في المتن فيما إذا قال لامرأة : أنا زنيت بفلانة أو زنيت بك ، وقد مرّ في
(1) وسائل الشيعة: 18 / 441، أبواب حدّ القذف ب7 ح1.
(2) جواهر الكلام: 41 / 408.
(الصفحة369)
مسألة 8 : كلّ فحش نحو «يا ديّوث» أو تعريض بما يكرهه المواجه ولم يفد القذف في عرفه ولغته ، يثبت به التعزير لا الحدّ ، كقوله : «أنت ولد حرام» أو «يا ولد الحرام» أو «يا ولد الحيض» أو يقول لزوجته : «ما وجدتك عذراء» أو يقول : «يا فاسق» «يا فاجر» «يا شارب الخمر» وأمثال ذلك ممّا يوجب الإستخفاف بالغير ولم يكن الطرف مستحقّاً ففيه التعزير لا الحدّ ، ولو كان مستحقّاً فلا يوجب شيئاً 1.
المسألة السادسة عدم كون مثل هذه الإضافة موجبة لتحقّق القذف بعد احتمال كون الزنا واقعاً من طرفه خاصّة وكون الآخر مكرهاً عليه أو مشتبهاً ، فلا يكون هنا حدّ إلاّ مع تماميّة الإقرار الموجب لحدّ الزنا .
1 ـ التمثيل بالديّوث مبنيّ على أن لا يكون المراد به هو القذف بالزوجة ، كما حكي عن أهل اللغة(1) ; لأنّه على هذا التقدير يكون مفيداً للقذف لغةً . نعم ، حكى في المسالك القول بأنّ الديّوث هو الذي يدخل الرجال على امرأته(2) ، وعلى هذا القول لابدّ وأن لا يكون ظاهراً في تحقّق الزنا ، وكون المراد من الإدخال هو الإدخال المستلزم لتحقّق الزنا ، إلاّ أن يكون المراد تحقّق الزنا من ناحية الزوجة كرهاً ومن دون طيب النفس . وكان اللازم في العبارة تقييد هذا الأمر أيضاً بما إذا لم يفد القذف في عرفه ولغته ، وإرجاع القيد إلى كلا الأمرين لا يستقيم مع العبارة ، كما أنّ جعل التعريض المذكور مقابلا للفحش وجهه غير ظاهر ; لأنّ التعريض الكذائي من مصاديق الفحش ، فتدبّر .
(1) القاموس المحيط: 1 / 173.
(2) مسالك الأفهام: 14 / 433، وهكذا في المغني لابن قدامة: 10 / 214.
(الصفحة370)
وكيف كان ، فهل المراد بكلمه «التعريض» هو ما يقع في مقابل الدلالة الصريحة أو الظاهرة العرفية ، بحيث كان المراد هو اللفظ الدال على القذف ، لكن لا بالدلالة المعتبرة فيه بل بالدلالة التعريضيّة التي هي قسم من الكناية ، أو أنّ المراد بهذه الكلمة ما لا يرتبط بذلك ، بل المراد بها هو الإظهار والتعرّض لما يكرهه المواجه؟
الظاهر هو الوجه الثاني ; لعدم كون كثير من الأمثلة دالاًّ على القذف ولو بالدلالة التعريضيّة ، فإنّ قوله : يا ولد الحيض مثلا لا يستشمّ منه رائحة القذف أصلا ، وكذا يا شارب الخمر وأمثال ذلك ، مضافاً إلى أنّ التخصيص بالمواجه بمعنى المخاطب ظاهر في خصوصيّة الخطاب والمواجهة ، مع أنّه في القذف لا خصوصيّة للمخاطب أصلا ، بل الملاك هي النسبة إلى المنسوب إليه ، سواء كان حاضراً أم غائباً ، كما عرفت في مثل يابن الزانية ونحوه .
وكيف كان ، فالضابط في المقام هو التعريض الذي لم يفد القذف لا في عرفه ولغته ، ولا في عرف المخاطب إذا قاله له على وفق عرفه .
والدليل على ثبوت التعزير ـ بعد عدم ثبوت حدّ القذف ; لعدم تحقّق ما اعتبر فيه ـ أنّه إيذاء وهتك وإهانة بالإضافة إلى المؤمن ، وقد وردت روايات دالّة على ثبوت التعزير في مطلق السبّ والهجاء ، وروايات اُخرى دالّة على ثبوته في جملة من الأمثلة المذكورة في المتن .
فمن القسم الثاني ما ورد فيما إذا قال لزوجته : ما وجدتك عذراء ، مثل رواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال في رجل قال لامرأته : لم أجدك عذراء ، قال : يضرب ، قلت : فإن عاد؟ قال : يضرب ، فإنّه يوشك أن ينتهي(1) . ورواه الكليني
(1) وسائل الشيعة: 15 / 609، كتاب اللعان ب17 ح2.
(الصفحة371)
عن يونس وزاد : قال يونس : يضرب ضرب أدب ، ليس بضرب الحدّ ; لئلا يؤذي امرأة مؤمنة بالتعريض(1) .
ورواية زرارة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) فى رجل قال لامرأته : لم تأتني عذراء ، قال : ليس بشيء (ليس عليه شيء خ ل) ; لأنّ العذرة تذهب بغير جماع(2) .
والظاهر أنّ المراد من الشيء الذي ليس عليه هو الحدّ ، لا ما يعمّ التعزير ولو بقرينة الرواية الاُولى .
وفي مقابلهما صحيحة عبدالله بن سنان قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : إذا قال الرجل لامرأته : لم أجدك عذراء ، وليست له بيّنة ، يجلد الحدّ ، ويخلّى بينه وبينها(3) . والمحكيّ عن الشيخ(قدس سره) حمل مثلها على التعزير(4) .
ولكنّه خلاف الظاهر ، والأولى حملها على ما إذا كانت هناك قرينة على كون المراد هو القذف بالزنا ، ويشهد له قوله (عليه السلام) : «وليست له بيّنة» فإنّ البيّنة التي يمكن أن تتحقّق نوعاً في مثل المقام هي البيّنة على الزنا ، لا البيّنة على أنّه لم يجدها عذراء ، كما لا يخفى وجهه .
ومن هذا القسم أيضاً ما ورد في قوله : يا فاسق ، وهي رواية أبي حنيفة قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل قال لآخر : يا فاسق ، قال : لا حدّ عليه ويعزَّر(5) .
ومنه أيضاً ما ورد فيمن قال لرجل : إنّه احتلم بامّه ، وهو ما رواه الحسين بن
(1) الكافي: 7 / 212 ح11.
(2) وسائل الشيعة: 15 / 609، كتاب اللعان ب17 ح1.
(3) وسائل الشيعة: 15 / 610، كتاب اللعان ب17 ح5.
(4) التهذيب: 8 / 196 وج10 / 78، الإستبصار: 4 / 231.
(5) وسائل الشيعة: 18 / 453، أبواب حدّ القذف ب19 ح4.
(الصفحة372)
أبي العلاء ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إنّ رجلا لقى رجلا على عهد أمير المؤمنين (عليه السلام)فقال : إنّ هذا افترى عليَّ ، قال : وما قال لك؟ قال : إنّه احتلم بامّ الآخر ، قال : إنّ في العدل إن شئت جلدت ظلّه ، فإنّ الحلم إنّما هو مثل الظلّ ، ولكنّا سنوجعه ضرباً وجيعاً حتّى لا يؤذي المسلمين ، فضربه ضرباً وجيعاً(1) .
ومنه أيضاً ما ورد فيمن قال لرجل : أنت خبيث أو خنزير ، وهي رواية جرّاح المدائني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا قال الرجل : أنت خبيث (خنث خ ل) أو أنت خنزير ، فليس فيه حدّ ، ولكن فيه موعظة وبعض العقوبة(2) .
ومن القسم الأوّل رواية أبي بصير ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : سباب المؤمن فسوق ، وقتاله كفر ، وأكل لحمه معصية ، وحرمة ماله كحرمة دمه(3) .
ومنه أيضاً رواية السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : سباب المؤمن كالمشرف على الهلكة(4) .
ورواية معلّى بن خنيس ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سمعته يقول : قال الله عزّ وجل : ليأذن بحرب منّي من أذلّ عبدي المؤمن ، وليأمن غضبي من أكرم عبدي المؤمن(5) .
ومثلها رواية هشام بن سالم قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : قال الله عزّ وجل :
(1) وسائل الشيعة: 18 / 458، أبواب حدّ القذف ب24 ح1.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 452، أبواب حدّ القذف ب19 ح2.
(3) وسائل الشيعة: 8 / 610، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة ب158 ح3.
(4) وسائل الشيعة: 8 / 611، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة ب158 ح4.
(5) وسائل الشيعة: 8 / 590، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة ب147 ح1.
(الصفحة373)
ليأذن بحرب منّي من آذى عبدي المؤمن ، وليأمن غضبي من أكرم عبدي المؤمن(1) .
ومنه أيضاً رواية مفضّل بن عمر قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين الصدود (العدو خل) لأوليائي؟ فيقوم قوم ليس على وجوههم لحم ، فيقال : هؤلاء الذين آذوا المؤمنين ، ونصبوا لهم وعاندوهم ، وعنّفوهم في دينهم ، ثمّ يؤمر بهم إلى جهنّم(2) .
ومنه أيضاً رواية عبدالرحمن بن أبي عبدالله قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل سبّ رجلا بغير قذف يعرض به هل يجلد؟ قال : عليه تعزير(3) . ويستفاد من هذه الرواية ما ذكرنا من عدم كون التعريض مغايراً للسبّ ، كما لا يخفى .
ومنه أيضاً رواية أبي مريم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في الهجاء التعزير(4) .
ولو احتمل اختصاص الهجاء بالشعر كما ربما يحكى عن بعض ، فلا يجوز إلغاء الخصوصية بعد ظهور كون أثر الشعر مغايراً لأثر غيره . نعم ، يستفاد من رواية اُخرى واردة في هذا القسم أيضاً عدم الاختصاص ، وهي رواية إسحاق بن عمّار ، عن جعفر (عليه السلام) أنّ عليّاً (عليه السلام) كان يعزّر في الهجاء ، ولا يجلد الحدّ إلاّ في الفرية المصرّحة أن يقول : يا زاني ، أو ياابن الزانية ، أو لست لأبيك(5) . فإنّ ذكر الهجاء في مقابل
(1) وسائل الشيعة: 8 / 587، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة ب145 ح1.
(2) وسائل الشيعة: 8 / 587، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة ب145 ح2.
(3) وسائل الشيعة: 18 / 452، أبواب حدّ القذف ب19 ح1.
(4) وسائل الشيعة: 18 / 453، أبواب حدّ القذف ب19 ح5.
(5) وسائل الشيعة: 18 / 453، أبواب حدّ القذف ب19 ح6.
(الصفحة374)
الفرية المصرّحة يظهر منه أنّ المراد به مطلق السبّ غير البالغ مرتبة القذف .
وبملاحظة ما ذكرنا لا يبقى إشكال في ثبوت التعزير فقط في الموارد المذكورة في المتن وأمثالها ممّا يوجب استخفاف الغير من دون تحقّق القذف ، وقد قيّده في المتن بما إذا لم يكن الغير مستحقّاً للاستخفاف المذكور ، مصرّحاً بعدم ثبوت شيء في صورة الاستحقاق ، ونقول :
منشأ الاستحقاق وموجبه إن كان هو الكفر ، فسيأتي البحث فيه في الأُمور المعتبرة في القذف . وإن كان هو التظاهر والتجاهر بالفسق ، فقد وردت فيه رواية هارون بن الجهم ، عن الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) قال : إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولا غيبة(1) .
وإن كان هو البدعة والرّيبة ، فقد وردت فيه رواية داود بن سرحان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : إذا رأيتم أهل الرّيب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم ، وأكثروا من سبّهم ، والقول فيهم ، والوقيعة ، وباهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام ، ويحذرهم الناس ولا يتعلّمون من بدعهم ، يكتب الله لكم بذلك الحسنات ، ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة(2) .
وظاهر الرواية الوجوب لا مجرّد الجواز بل الرجحان ، والظاهر أنّه من باب وجوب النهي عن المنكر ، وعليه فربما يترتّب على تركه التعزير كما لا يخفى .
(1) وسائل الشيعة: 8 / 604، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة ب154 ح4.
(2) وسائل الشيعة: 11 / 508، كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أبواب الأمر والنهي ب39 ح1.
(الصفحة375)
القول في القاذف والمقذوف
مسألة 1 : يعتبر في القاذف البلوغ والعقل ، فلو قذف الصبيّ لم يحدّ وإن قذف المسلم البالغ العاقل . نعم ، لو كان مميّزاً يؤثّر فيه التأديب اُدّب على حسب رأي الحاكم ، وكذا المجنون ، وكذا يعتبر فيه الإختيار ، فلو قذف مكرهاً لا شيء عليه .
والقصد ، فلو قذف ساهياً أو غافلا أو هزلا لم يحدّ 1.
1 ـ يدلّ على اعتبار البلوغ والعقل في القاذف الذي يجب أن يحدّ ـ مضافاً إلى أنّ ترتّب الحدّ وثبوته إنّما هو في مورد ثبوت الحرمة الفعليّة ، واتّصاف العمل بكونه محرّماً كذلك ، ومن الواضح عدم ثبوت التكليف الفعلي في موردهما ، لحديث رفع القلم عنهما(1) ـ رواية أبي مريم الأنصاري قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الغلام
(1) وسائل الشيعة: 1 / 32، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات ب4 ح11، وج19 / 66، أبواب القصاص في النفس ب36 ح2.
(الصفحة376)
مسألة 2 : لو قذف العاقل أو المجنون أدواراً في دور عقله ، ثمّ جنّ العاقل وعاد دور جنون الأدواري ثبت عليه الحدّ ولم يسقط ، ويحدّ حال جنونه1.
لم يحتلم يقذف الرجل هل يجلد؟ قال : لا ، وذلك لو أنّ رجلا قذف الغلام لم يجلد(1) .
وفي السند قاسم بن سليمان ، ولم يرد فيه توثيق بالخصوص ، إلاّ أنّه من الرواة الواقعة في بعض أسانيد تفسير عليّ بن إبراهيم(2) ، الذي صرّح في مقدّمته بوثاقة جميع رواة أسانيد الأحاديث الواردة في كتابه ، وبأنّه اقتصر في نقل الرواية فيه على ما رواه الثقات ، ولعلّ هذا المقدار من التوثيق يكون كافياً .
وصحيحة فضيل بن يسار قال سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : لا حدّ لمن لا حدّ عليه ، يعني لو أنّ مجنوناً قذف رجلا لم أر عليه شيئاً ، ولو قذفه رجل فقال : يا زان ، لم يكن عليه حدّ ، ورواه إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) نحوه(3) .
وأمّا اعتبار الإختيار ، فيدلّ على رفع الحكم التكليفي وكذا الحكم الوضعي مع الاستكراهوعدم الاختيار مثل حديث الرفع المعروف(4) ولا حاجة إلى دليل خاصّ، وأمّا اعتبار القصد ، فيمكن أن يكون لأجل مدخليّته في ماهيّة القذف ; لعدم كون القدف مع عدمه قذفاً عند العرف ، وعلى تقديره فلا حرمة مع عدم القصد .
1 ـ وجه عدم السقوط أنّه لا دليل عليه بعد تحقّق القذف في حال العقل أو دوره . وأمّا إجراء الحدّ عليه في حال الجنون ; فلأنّ المفروض ثبوت التمييز علىوجه يؤثّر فيه الحدّ ، فلا وجه للتأخير .
(1) وسائل الشيعة: 18 / 439، أبواب حدّ القذف ب5 ح1.
(2) تفسير القمّي: 1 / 383 في تفسير قوله تعالى في سورة النحل 16: 16: (وَعَلاَمَات وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ).
(3) وسائل الشيعة: 18 / 332، أبواب مقدّمات الحدود ب19 ح1.
(4) وسائل الشيعة: 11 / 295، أبواب جهاد النفس ب56.
(الصفحة377)
مسألة 3 : يشترط في المقذوف الإحصان ، وهو في المقام عبارة عن البلوغ والعقل والحريّة والإسلام والعفّة ، فمن استكملها وجب الحدّ بقذفه ، ومن فقدها أو فقد بعضها فلا حدّ على قاذفه ، وعليه التعزير ، فلو قذف صبيّاً أو صبيّة أو مملوكاً أو كافراً يعزّر ، وأمّا غير العفيف فإن كان متظاهراً بالزنا أو اللواط فلا حرمة له ، فلا حدّ على القاذف ولا تعزير ، ولو لم يكن متظاهراً بهما فقذفه يوجب الحدّ ، ولو كان متظاهراً بأحدهما ففيما يتظاهر لا حدّ ولا تعزير ، وفي غيره الحدّ على الأقوى ، ولو كان متظاهراً بغيرهما من المعاصي فقذفه يوجب الحدّ 1.
ثمّ إنّه لم يقع التعرّض في المتن للسكران ، وقد وردت فيه رواية زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قال : إنّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول : إنّ الرجل إذا شرب الخمر سكر ، وإذا سكر هذى ، وإذا هذى إفترى ، فاجلدوه حدّ المفتري(1) .
ويستفاد منها أنّ الحدّ المترتّب على شرب المسكر إنّما هو لأجل ملازمته مع القذف والافتراء ، فيدلّ على ثبوت حدّ القذف في حال السكر كما لا يخفى . لكن سيأتي البحث في أنّ شرب المسكر هل له موضوعيّة في ثبوت الحدّ ، أو أنّه يترتّب عليه ذلك لأجل الملازمة المذكورة ؟
1 ـ قد وقع تفسير الإحصان بتحقّق الامور الخمسة المذكورة في المتن في كلام الفقهاء ، فإن كان المراد بالإحصان المذكور في آية القذف بقوله تعالى : {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ}(2) هو مجموع هذه الامور ، فالظاهر أنّه لا دليل عليه ، وأنّ
(1) وسائل الشيعة: 18 / 467، أبواب حدّ المسكر ب3 ح4.
(2) سورة النور 24: 4.
(الصفحة378)
المراد بالإحصان فيه هو العفّة . وإن كان المراد أنّ الإحصان في مقام القذف له اصطلاح خاصّ فقهي فلا بأس بالالتزام به . وكيف كان ، فلابدّ من إقامة الدليل على اعتبار كلّ واحد من هذه الأمور الخمسة ، فنقول :
يدلّ على اعتبار البلوغ والعقل الروايات الثلاثة المتقدّمة في القاذف ، ورواية عاصم بن حميد ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل يقذف الصبيّة يجلد؟ قال : لا ، حتّى تبلغ(1) .
ورواية عاصم بن حميد ، أو هو عن أبي بصير قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يقذف الجارية الصغيرة ؟ قال : لا يجلد إلاّ أن تكون أدركت أو قاربت (قارنت خ ل)(2) .
وعلى تقدير كون الراوي أبا بصير لا تكون هذه الرواية رواية مستقلّة ، بل متّحدة مع الرواية الاُولى . وكيف كان ، فربّما يفسّر الإدراك برؤية الحيض والمقاربة بإكمالها تسع سنين ، والظاهر أنّ الإدراك بمعنى البلوغ الواقع في الرواية الاُولى ، والمقاربة هي القرب منه ، غاية الأمر أنّه مخالف للفتاوى كما لا يخفى .
ويدلّ على اعتبار الحريّة صحيحة أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : من افترى على مملوك عزِّر لحرمة الإسلام(3) .
ويمكن المناقشة في دلالة الرواية بعدم ظهورها في كون المراد من التعزير فيها هو التعزير في مقابل الحدّ ; لأنّه يحتمل أن يكون المراد به هو الحدّ ; لأنّها في مقام دفع توهّم عدم الثبوت ، ويؤيّده التعليل المذكور فيه ، فتدبّر .
(1) وسائل الشيعة: 18 / 440، أبواب حدّ القذف ب5 ح4.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 439، أبواب حدّ القذف ب5 ح3.
(3) وسائل الشيعة: 18 / 436، أبواب حدّ القذف ب4 ح12.
(الصفحة379)
وصحيحة منصور بن حازم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الحرّ يفتري على المملوك ، قال : يسأل؟ فإن كان أمّه حرّة جلد الحدّ(1) .
والجواب قرينة على أنّ المراد بالافتراء على المملوك هو التعبير فيه بمثل يابن الزانية ، لا إسناد الزنا إلى نفسه ، وتقييد الامّ بكونها حرّة ظاهر في عدم ثبوت الحدّ في مورد قذف غيرها .
ورواية عبيد بن زرارة قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : لو أتيت برجل قذف عبداً مسلماً بالزنا لا نعلم منه إلاّ خيراً لضربته الحدّ ، حدّ الحرِّ إلاّ سوطاً(2) .
ويدلّ على اعتبار الإسلام صحيحة عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه نهى عن قذف من ليس على الإسلام ، إلاّ أن يطّلع على ذلك منهم ، وقال : أيسر ما يكون أن يكون قد كذب(3) .
وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه نهى عن قذف من كان على غير الإسلام ، إلاّ أن تكون قد اطّلعت على ذلك منه(4) .
والمستفاد من الروايتين عدم كون القذف في صورة الإطّلاع منهيّاً عنه ، وفي صورة العدم ربما ينطبق عليه عنوان الكذب وهو لا يوجب الحدّ .
ورواية إسماعيل بن الفضل قال: سألت أباعبدالله (عليه السلام) عن الإفتراء على أهلّ الذمّة وأهل الكتاب هل يجلد المسلم الحدّ في الإفتراء عليهم؟ قال : لا ، ولكن يعزّر(5) .
(1) وسائل الشيعة: 18 / 436، أبواب حدّ القذف ب4 ح11.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 434، أبواب حدّ القذف ب4 ح2.
(3) وسائل الشيعة: 18 / 430، أبواب حدّ القذف ب1 ح1.
(4) وسائل الشيعة: 18 / 430، أبواب حدّ القذف ب1 ح2.
(5) وسائل الشيعة: 18 / 450، أبواب حدّ القذف ب17 ح4.
(الصفحة380)
والتعبير في الرواية بالإفتراء لعلّه ظاهر في صورة عدم الإطّلاع ، فلا تنافي بينها وبين الأوّلتين .
ويدلّ على اعتبار العفّة ـ مضافاً إلى الآية الشريفة الواردة في القذف ، الظاهرة في ثبوت الحكم بالجلد في مورد رمي المحصنات ، من دون فرق بين أن يكون المراد بها خصوص العفائف أو مجموع الأمور الخمسة ، التي منها العفّة قطعاً ـ موثّقة سماعة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال في الرجل إذا قذف المحصنة : يجلد ثمانين ، حرّاً كان أو مملوكاً(1) . بناءً على أن يكون المراد بالمحصنة هي العفيفة كما هو الظاهر ، دون من كان لها زوج كما ربّما يحتمل .
ورواية عبيد بن زرارة المتقدّمة آنفاً ، التي علّق فيها الحكم على أنّه لم يعلم منه إلاّ خير ، فإنّ ظاهرها أنّ المراد به هو عدم التجاهر بالزنا وثبوت العفّة له من هذه الجهة .
كما أنّه يدلّ على اعتبار هذا الأمر الرواية المتقدّمة(2) الواردة في المتجاهر بالفسق الدالّة على أنّه إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولا غيبة . فإنّ مقتضى عدم ثبوت الحرمة له بوجه جواز قذفه والإسناد إليه ، فلا يترتّب عليه شيء .
ثمّ إنّ هذه الأمور الخمسة وإن كانت مشتركة في الاعتبار من جهة حدّ القذف ، إلاّ أنّها مختلفة من جهة التعزير ; لثبوته في الأربعة الأولى دون الأخير ; لأنّ مقتضى نفي الحرمة في المتجاهر بالفسق عدم ثبوت التعزير في قذفه أيضاً ، كما أنّ مقتضى ما ذكر عدم ثبوت التعزير في قذف الكافرة مع الإطّلاع على صدور الزنا
(1) وسائل الشيعة: 18 / 434، أبواب حدّ القذف ب4 ح1.
(2) في ص374.
|