(الصفحة601)
واليسار صحيحة ، أو العكس ، أو هما شلاّء . نعم ، لو خيف الموت بقطع الشلاّء لاحتمال عقلائيّ له منشأ عقلائيّ كإخبار الطبيب بذلك لم تقطع احتياطاً على حياة السارق ، فهل تقطع اليسار الصحيحة في هذا الفرض ، أو اليسار الشلاّء مع الخوف في اليمين دون اليسار؟ الأشبه عدم القطع 1.
1 ـ أمّا عدم قطع اليسار مع وجود اليمين مطلقاً ، سواء كانت اليمين شلاّء واليسار صحيحة أو العكس ، أو كانتا شلاّئين فهو الذي اختاره المشهور ، بل عن الخلاف(1)والغنية(2) الإجماع عليه ، وعن أبي عليّ الإسكافي عدم القطع على من كانت يساره شلاّء أو معدومة ، بل يخلد في الحبس(3) .
ويدلّ على المشهور ـ مضافاً إلى إطلاق مثل الآية الشريفة الشامل لما إذا كانت اليمين أو اليسار أو هما معاً شلاّء ـ صحيحة عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل أشلّ اليد اليمنى أو أشلّ الشمال سرق ، قال : تقطع يده اليمنى على كلّ حال(4) .
وصحيحتا زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) وعبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّ الأشلَّ إذا سرق قطعت يمينه على كلّ حال ، شلاّء كانت أو صحيحة ، فإن عاد فسرق قطعت رجله اليسرى ، فإن عاد خلّد في السجن ، واُجري عليه من بيت المال وكفّ عن الناس(5) .
(1) الخلاف: 5 / 441 مسألة 37.
(2) غنية النزوع: 432.
(3) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9 / 242 ـ 243 مسألة 93.
(4) وسائل الشيعة: 18 / 501، أبواب حدّ السرقة ب11 ح1.
(5) وسائل الشيعة: 18 / 502، أبواب حدّ السرقة ب11 ح4.
(الصفحة602)
مسألة 4 : لو لم يكن للسارق يسار قطعت يمناه على المشهور ، وفي رواية صحيحة : لا تقطع ، والعمل على المشهور ، ولو كان له يمين حين ثبوت
السرقة وبهذه الأدلّة يجاب عمّا استدلّ به للإسكافي من رواية المفضّل بن صالح ، عن بعض أصحابه قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : إذا سرق الرجل ويده اليسرى شلاّء لم تقطع يمينه ولا رجله ، وإن كان أشلّ ثمّ قطع يد رجل قصَّ منه ، يعني لا يقطع في السرقة ، ولكن يقطع في القصاص(1) ; لعدم مقاومتها مع إرسالها للروايات الصحيحة المتقدّمة .
وربّما يستدلّ له أيضاً بما في صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج الآتية في المسألة الرابعة من قول عليّ (عليه السلام) : إنّي لأستحيي من ربّي أن لا أدع له يداً يستنجي بها ، أو رجلا يمشي عليها(2) . ولكنّه مع وقوعه في مقام التعليل لا ينهض في مقابل الروايات الصحيحة الصريحة ، الدالّة على قطع اليد اليمنى ولو كانت اليسرى شلاّء ، فاللازم العمل بها .
نعم ، لو أخبر الطبيب مثلا بأنّ قطع اليد اليمنى الشلاّء يوقعه في خطر الهلاك ; لبقاء أفواه العروق مع القطع مفتّحة ، فلا يبقى مجال حينئذ للقطع ; لعدم إرادة القتل من الحدّ في هذه المرتبة ، ولزوم التحفّظ على حياة السارق .
كما أنّه لا يبقى مجال لقطع اليسار الصحيحة أو الشلاّء مع عدم ثبوت الخطر في قطعها ; لأنّ سقوط قطع اليمنى لثبوت خوف الهلاك لا يستلزم لزوم قطع اليسار بعد عدم ثبوت دليل عليه وافتقار القطع إلى الدليل ، كما لا يخفى .
(1) وسائل الشيعة: 18 / 502، أبواب حدّ السرقة ب11 ح2.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 495، أبواب حدّ السرقة ب5 ح9.
(الصفحة603)
فذهبت بعده لم تقطع اليسار 1.
1 ـ في هذه المسألة فرعان :
الأوّل : ما لو لم يكن للسارق يسار ، والمشهور أنّه تقطع يمينه ، والمخالف هو الإسكافي في عبارته المتقدّمة ، ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى أولويّة المقام من الشلاّء ، فيدلّ عليه ما دلّ على السقوط هناك كرواية المفضّل المتقدّمة بطريق أولى ـ صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن السارق يسرق فتقطع يده ، ثمّ يسرق فتقطع رجله ، ثمّ يسرق هل عليه قطع؟ فقال : في كتاب عليّ (عليه السلام) : أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) مضى قبل أن يقطع أكثر من يد ورجل ، وكان عليّ (عليه السلام)يقول : إنّي لأستحيي من ربّي أن لا أدع له يداً يستنجي بها ، أو رجلا يمشي عليها . قلت : له لو أنّ رجلا قطعت يده اليسرى في قصاص فسرق ما يصنع به؟ قال : فقال : لا يقطع ولا يترك بغير ساق ، قال : قلت : لو أنّ رجلا قطعت يده اليمنى في قصاص ، ثمّ قطع يدرجل اقتصَّ منه أم لا؟ فقال : إنّما يترك في حقّ الله ، فأمّا في حقوق الناس فيقتصّ منه في الأربع جميعاً(1) .
ودلالة الرواية على عدم قطع اليمنى مع عدم ثبوت اليسرى واضحة من جهة قوله (عليه السلام) : «لا يقطع» جواباً عن نفس هذه المسألة ، ومن جهة قول عليّ (عليه السلام) : «إنّي لأستحيي» ، ومن جهة التفصيل في الذيل بين حقّ الله الموجب لعدم القطع كما في السرقة ، وحقّ الناس الموجب له كما في القصاص .
نعم ، يبقى إجمال قوله : «ولا يترك بغير ساق» بعد قوله : «لا يقطع» ، مع أنّ الحدّ في المرّة الأولى لا يرتبط بالرجل والساق أصلا ، وعلى تقديره لا يكون الحدّ في المرّة
(1) أورد صدرها في الوسائل: 18 / 495، أبواب حدّ السرقة ب5 ح9، وذيلها في ص502 ب11 ح3.
(الصفحة604)
الثانية موجباً لانتفاء الساق ، سواء كان القطع من وسط القدم أو من مفصل الساق ، وعلى تقديره يكون ساق الرجل اليمنى محفوظاً بحاله ، فلا يبقى بغير ساق كما لا يخفى .
ولكنّ الظاهر أنّ إجمال هذا القول وعدم تبيّنه لا يضرّ بما هو المقصود من الاستدلال بالرواية ; لأنّ وضوح دلالتها على عدم القطع فيما هو المفروض لا مجال للمناقشة فيه .
مع أنّه حكى في الجواهر أنّه قيل : إنّ الساق في اللغة الأمر الشديد ، فلعلّ المراد بقوله (عليه السلام) : «ولا يترك بغير ساق» أنّه لا يقطع ولا يترك أيضاً ، من دون أمر آخر شديد مكان القطع ، بل يفعل به ما يقوم مقام قطع اليد(1) .
هذا ، ولكن إعراض المشهور عن الرواية ـ مع كونها صحيحة من حيث السند ظاهرة من حيث الدلالة ، وكونها بمرأى ومسمع منهم ـ يوجب عدم جواز الإعتماد عليها . نعم ، لو قيل بعدم قدح إعراض المشهور بوجه ، والملاك تماميّة السند والدلالة وسائر الجهات المشابهة ، فاللازم الالتزام بمفادها والفتوى على طبقها .
الفرع الثاني : ما لو كان له يمين حين ثبوت السرقة والحكم عليه بقطعها ، ولكنّها ذهبت قبل إجراء الحدّ عليه للتصادم مع السيّارة مثلا ، والحكم فيه أنّه لا تقطع اليسار مكانها قولا واحداً كما في محكيّ المسالك(2) ، واستظهر انتفاء الخلاف فيه في محكيّ كشف اللثام(3) ، والوجه فيه انتفاء موضوع الحكم بذهابها فينتفى الحكم ،
(1) جواهر الكلام: 41 / 537.
(2) مسالك الأفهام: 14 / 522.
(3) كشف اللثام: 2 / 429.
(الصفحة605)
مسألة 5 : من سرق وليس له اليمنى قيل : فإن كانت مقطوعة في القصاص أو غير ذلك وكانت له اليسرى قطعت يسراه ، فإن لم تكن له أيضاً اليسرى قطعت رجله اليسرى ، فإن لم يكن له رجل لم يكن عليه أكثر من الحبس ، والأشبه في جميع ذلك سقوط الحدّ والإنتقال إلى التعزير 1.
ولا دليل على الإنتقال إلى غيرها ، كما أنّه لا دليل على أنّه لابدّ من تحقّق قطع في المرّة الأولى ، فالظاهر انتفاء الحكم ، ويؤيّده ما في الصحيحة المتقدّمة من لزوم إبقاء اليد اليسرى لمثل الاستنجاء والتنظيف .
كما أنّ الظاهر انتفاء التعزير في هذه الصورة ; لأنّ الحكم الثابت عليه كان هو الحدّ بلحاظ وجود اليمين حينه ، فإذا انتفى بانتفاء موضوعه لا مجال لثبوت التعزير بعد كون مورده ما إذا لم يكن هناك حدّ ، والمفروض ثبوته في المقام .
1 ـ من سرق وقد كان لا يمين له لخلقة ، أو قصاص ، أو تصادم أو غيرها من غير القطع لسرقة ، له فروض :
الأوّل : ثبوت اليد اليسرى له ، والأقوال في هذا الفرض ثلاثة :
أحدها : لزوم قطع اليد اليسرى في هذه الصورة ، حكي هذا القول عن نهاية الشيخ(1) والوسيلة(2) والكامل(3) ، ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى أنّ فتوى الشيخ بذلك في كتاب النهاية دليل على ثبوت الرواية على طبقها ، كما أشرنا إلى وجهه مراراً ، وصرّح بذلك الشيخ في عبارة المبسوط الآتية في القول الثاني ـ إطلاق الآية
(1) النهاية: 717.
(2) الوسيلة: 420.
(3) أي الكامل لابن البرّاج، حكى عنه في مختلف الشيعة: 9 / 222 مسألة 78.
(الصفحة606)
الشريفة ; نظراً إلى أنّه يقتصر في تقييدها باليمين على القدر المتيقّن ، وهي صورة وجود اليمين ، ففي صورة العدم يبقى إطلاق الآية الدالّة على لزوم قطع اليد بحاله ، فتقطع اليد اليسرى مع عدم اليمنى .
ويدفع الاستدلال بالآية أنّه لو كان لدليل التقييد إطلاق لكان اللازم الأخذ به وتحكيمه على إطلاق دليل المطلق ، فإذا فرض ثبوت الإطلاق لقوله : لا تعتق الرقبة الكافرة ، من جهة أنّه لا فرق في هذه الجهة بين وجود الرقبة المؤمنة وعدمها ، لا يبقى مجال للاقتصار على القدر المتيقّن ، والحكم بأنّ إطلاق قوله : «اعتق رقبة» يكون مرفوعاً عنه في خصوص صورة وجود الرقبة المؤمنة ، والمقام من هذا القبيل ، فلا مجال لهذا الاستدلال .
ثانيها : الانتقال إلى الرجل اليسرى ، قال في محكيّ المبسوط : عندنا ينتقل إلى رجله اليسرى وإن كان الأوّل قد روي أيضاً(1) . وتبعه في محكيّ المهذّب(2) ، والوجه فيه ثبوت الرواية كما يظهر من المبسوط ، مضافاً إلى ثبوت القطع للرجل اليسرى في الجملة ولو في المرّة الثانية ، فالظاهر قيامه مقام القطع في المرّة الاُولى مع عدم إمكانه كما هو المفروض .
ولكن رواية المبسوط مرسلة فاقدة للحجيّة والاعتبار ، وإن كانت الرواية المطابقة للنهاية يشكل رفع اليد عنها لهذه الجهة ، فتدبّر ، والقيام مقام القطع في المرّة الأولى يفتقر إلى دليل ، وهو مفقود .
ثالثها : التعزير ، وهو الذي يظهر من صاحب الجواهر(قدس سره)(3) . ويمكن استفادته من
(1) المبسوط: 8 / 39.
(2) المهذّب: 2 / 544.
(3) جواهر الكلام: 41 / 539.
(الصفحة607)
المحقّق في الشرائع(1) بلحاظ الاستشكال في القولين المتقدّمين ، وقد جعله في المتن أشبه ، والمراد كونه أشبه بالقواعد والضوابط ; نظراً إلى أنّه بعد عدم الدليل على الإنتقال إلى اليد اليسرى ، ولا على الإنتقال إلى الرجل اليسرى ، يبقي بلا حدّ ، فيثبت فيه التعزير الثابت في خصوص المعاصي الكبيرة ، أو مطلق المعاصي على الخلاف المتقدّم(2) ، ولم يقم دليل على ثبوت الحدّ بعنوانه في جميع موارد السرقة ، والظاهر هو هذا القول .
الفرض الثاني : انتفاء اليد اليسرى أيضاً ووجود الرجل ، وقد حكى في الجواهر عن المبسوط قطع الرجل اليسرى(3) وعن كشف اللثام(4) أنّه في النهاية اليمنى ، ثمّ نقل في الذيل عبارة النهاية عمّا حضره من النسخة المعتبرة ، وفيها الحكم بقطع الرجل من دون التعرّض لكونها يسرى أو يمنى(5) ، ولكنّ الموجود في نسخة النهاية المطبوعة في ضمن الجوامع الفقهيّة التصريح بالرجل اليسرى(6) .
وكيف كان ، فلو كان المراد هو الرجل اليسرى ، فالدليل عليه ما مرّ من قيامه مقام القطع في المرّة الاُولى مع عدم إمكانه ، وقد عرفت جوابه ، ولو كان المراد هو الرجل اليمنى ، فالدليل عليه هو كونها أقرب إلى اليد اليمنى من جهة القيام مقامها ، وجوابه أيضاً ظاهر .
(1) شرائع الإسلام: 4 / 956.
(2) في ص418 ـ 419.
(3) يستفاد من ظاهر عبارة المبسوط: 8 / 39، نعم صرّح به في النهاية: 717.
(4) كشف اللثام: 2 / 429.
(5) جواهر الكلام: 41 / 538.
(6) الجوامع الفقهيّة: 399.
(الصفحة608)
مسألة 6 : لو قطع الحدّاد يساره مع العلم حكماً وموضوعاً فعليه القصاص ، ولا يسقط قطع اليمنى بالسرقة ، ولو قطع اليسرى لاشتباه في الحكم أو الموضوع فعليه الدية ، فهل يسقط قطع اليمين بها؟ الأقوى ذلك 1.
والظاهر أنّ الحكم فيه هو التعزير ، كما اخترناه في الفرض الأوّل .
الفرض الثالث : كونه مقطوع اليدين والرجلين ، وظاهر ذيل عبارة الشيخ في النهاية الانتقال إلى الحبس(1) ، الظاهر في كون المراد هو الحبس الدائم ، لكن المحكيّ عن ابن إدريس التعزير في هذا الفرض(2) ، وعن بعض آخر اختياره ونفي البأس عنه(3) .
وعن المسائل الحلبيّة للشيخ : المقطوع اليدين والرجلين إذا سرق ما يوجب القطع وجب أن نقول : الإمام مخيّر في تأديبه وتعزيره ، أيّ نوع أراد فعل ; لأنّه لا دليل على شيء بعينه . وإن قلنا : يجب أن يحبس أبداً لانتفاء إمكان القطع ـ وغيره ليس بممكن ، ولا يمكن إسقاط الحدود ـ كان قويّاً(4) .
ولكن يرد على ما قوّاه أنّه لا دليل على الانتقال إلى الحبس في هذه الصورة بعد كون مورده بمقتضى الدليل هي المرّة الثالثة بعد قطع اليد والرجل ، فالظاهر أنّ الحكم في هذه الصورة أيضاً هو التعزير كما اختاره الشيخ أوّلا .
1 ـ لو قطع الحدّاد اليسار مكان اليمين ، فتارة يكون مع العلم والتوجّه إلى الحكم
(1) النهاية: 717.
(2) السرائر: 3 / 490.
(3) مختلف الشيعة: 223 ذ مسألة 78، واختاره في نكت النهاية: 3 / 328، ورياض المسائل: 10/197.
(4) حكاه عنها ابن إدريس في السرائر: 3 / 489 والعلاّمة في مختلف الشيعة: 9 / 222.
(الصفحة609)
والموضوع ، واُخرى يكون مع الاشتباه في أحدهما .
أما الصورة الاُولى : فلا مجال للإشكال في ثبوت القصاص على الحدّاد ; لأنّه قطع عمديّ لا يرتبط بإجراء حدّ السرقة بوجه ، بل جناية مستقلّة عمديّة حكمها القصاص .
وأمّا قطع يمين السارق بالسرقة إجراءً للحدّ ، فالمشهور(1) ـ بل في الجواهر بلا خلاف ولا إشكال(2)ـ عدم سقوطه ; نظراً إلى إطلاق الأدلّة كتاباً وسنّةً ، الذي مقتضاه أنّه لا فرق بين كون يسراه مقطوعةً أم لا ، وبين كون القاطع هو الحدّاد أو غيره ، ولكنّه ربّما يقال بالسقوط ، نظراً إلى أنّه يستفاد من بعض الروايات المتقدّمة أنّه لا يترك بغير يد .
ولكنّ الظاهر عدم نهوض مثل هذا التعبير في مقابل الإطلاقات الكثيرة الدالّة على لزوم قطع اليمنى ، مضافاً إلى أنّ عمدة الدليل على ذلك قول عليّ (عليه السلام) في صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج المتقدّمة : إنّي لأستحيي من ربّي أن لا أدع له يداً يستنجي بها ، أو رجلا يمشي عليها(3) .
والظاهر بلحاظ وقوع نقل هذا القول عقيب ما في كتاب عليّ (عليه السلام) من «أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) مضى قبل أن يقطع أكثر من يد ورجل» أنّ المراد من هذا التعبير عدم كون السرقة موجبة لقطع أزيد من يد واحدة ورجل واحدة ، وحاصل المراد أنّ الحدّ في السرقة عبارة عن مجرّد قطع يد واحدة في المرتبة الاُولى ، ورجل واحدة في المرتبة الثانية ، لا أنّه لا تقطع اليد الواحدة أيضاً ، إذا لم يكن هناك يدٌ اُخرى ، وبين
(1) مباني تكملة المنهاج: 1 / 310 مسألة 246.
(2) جواهر الكلام: 41 / 541.
(3) وسائل الشيعة: 18 / 495، أبواب حدّ السرقة ب5 ح9.
(الصفحة610)
هذين التعبيرين فرق واضح ، ومفاد الرواية هو الأوّل دون الثاني .
وأمّا الصورة الثانية : فلا إشكال في أنّه ليس على الحدّاد القصاص ; لأنّ المفروض تحقّق الاشتباه في الحكم أو الموضوع ، بل الظاهر ثبوت الدية ; لأنّه شبيه العمد الذي مقتضاه الدية .
وأمّا سقوط قطع يمين السارق بعد يساره كذلك فمحلّ للاختلاف ، فالمحكيّ عن الشيخ في المبسوط(1) والعلاّمة في التحرير(2) عدم السقوط ، واختاره صاحب الجواهر جزماً(3) ، ويظهر من المحقّق في الشرائع الترديد(4) ، حيث اقتصر على نقل قول الشيخ والرواية الدالّة على خلافه من دون ترجيح ، والمحكيّ عن الفقيه(5)والمختلف(6) اختيار مفاد الرواية .
والعمدة في المسألة هي الرواية ، فإنّها لو كانت صحيحة من حيث السند وظاهرة من حيث الدلالة ، فالّلازم الأخذ بها في مقابل الإطلاقات المتقدّمة الدالّة على لزوم قطع اليمين في هذه الصورة أيضاً ; لعدم تحقّق إجراء الحدّ ، والاشتباه لاينفيه ، ولو جرت فيها المناقشة لكان اللازم الأخذ بمقتضى الإطلاقات .
والرواية : ما رواه في الكافي بسندين ـ عن ابن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد ، عن محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ـ أحدهما : عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه .
(1) المبسوط: 8 / 39.
(2) تحرير الأحكام: 2 / 231.
(3) جواهر الكلام: 41 / 541 ـ 542.
(4) شرائع الإسلام: 4 / 957.
(5) من لا يحضره الفقيه: 4 / 64.
(6) مختلف الشيعة: 9 / 255 مسألة 109.
(الصفحة611)
مسألة 7 : سراية الحدّ ليست مضمونة لا على الحاكم ولا على الحدّاد وإن أقيم في حرٍّ أو برد . نعم ، يستحبّ إقامته في الصيف في أطراف النهار ، وفي الشتاء في وسطه ; لتوقّي شدة الحرّ والبرد 1.
والثاني : عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، والرواية بهذا السند وإن لم تكن معتبرة ; لاختلاف كلمات الشيخ في سهل بن زياد ، وتصريح بعض آخر بعدم وثاقته ، إلاّ أنّها بالسند الأوّل صحيحة لا مجال للإشكال فيها ، وتضعيفها كما في الجواهر غير صحيح .
وأمّا متنها ، قال : قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل أُمر به أن تقطع يمينه ، فقدّمت شماله فقطعوها وحسبوها يمينه ، وقالوا : إنّما قطعنا شماله ، أتقطع يمينه؟ قال : فقال : لا ، لا تقطع يمينه ، قد قطعت شماله ، الحديث(1) .
والظاهر أنّ المراد من قوله : «قد قطعت شماله» ليس مجرّد قطع الشمال بأيّ نحو تحقّق حتّى تشمل الرواية الصورة الاُولى أيضاً ، بل هو القطع في مقام إجراء الحدّ مرتبطاً به ، ومن الواضح أنّ القطع في الصورة الأولى لا يرتبط بإجراء الحدّ بوجه ، بل هو جناية عمديّة مستقلّة .
وكيف كان ; فحيث إنّ الرواية تامّة سنداً ودلالة فاللازم الأخذ بها والحكم بالسقوط وإن كان مقتضى الإطلاقات خلافه ، كما عرفت .
1 ـ والظاهر أنّه لا خلاف في عدم كون السراية مضمونة ، سواء بلغت حدّ الموت أم لم تبلغ ، وقد وردت روايات معتبرة دالّة على عدم الضمان ، مثل :
صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : أيّما رجل قتله الحدّ أو القصاص
(1) وسائل الشيعة: 18 / 496، أبواب حدّ السرقة ب6 ح1.
(الصفحة612)
فلا دية له ، الحديث(1) .
وصحيحة أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث ، قال : سألته عن رجل قتله القصاص له دية؟ فقال : لو كان ذلك لم يقتصّ من أحد ، وقال : من قتله الحدّ فلا دية له(2) . وغيرهما من الروايات الدالّة على ذلك .
وفي مقابلها روايتان :
إحداهما : رواية الحسن بن صالح الثوري ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سمعته يقول : من ضربناه حدّاً من حدود الله فمات فلا دية له علينا ، ومن ضربناه حدّاً من حدود الناس فمات فإنّ ديته علينا(3) .
ثانيتهما : مرسلة الصدوق قال : قال الصادق (عليه السلام) : من ضربناه حدّاً من حدود الله فمات فلا دية له علينا ، ومن ضربناه حدّاً من حدود الناس فمات فإنّ ديته علينا(4) .
لكنّ الرواية الأولى ضعيفة باعتبار الحسن بن صالح . والثانية وإن كانت معتبرة لما مرّ مراراً من اعتبار هذا النحو من الإرسال ، إلاّ أنّه باعتبار إعراض المشهور والفتوى بخلافها لا يبقى مجال للاعتماد عليها .
ثمّ إنّه قد تقدّم الكلام في استحباب إقامة الحدّ في الصيف في أطراف النهار وفي الشتاء في وسطه ; ليتوقّى من شدّة الحرّ والبرد ، ولا نطيل بالإعادة(5) .
(1) وسائل الشيعة: 19 / 47، أبواب القصاص في النفس ب24 ح9.
(2) وسائل الشيعة: 19 / 46، أبواب القصاص في النفس ب24 ح1.
(3) وسائل الشيعة: 19 / 46، أبواب القصاص في النفس ب24 ح3.
(4) وسائل الشيعة: 18 / 312، أبواب مقدّمات الحدود ب3 ح4.
(5) تقدّم في ص208.
(الصفحة613)
القول في اللّواحق
مسألة 1 : لو سرق إثنان نصاباً أو أكثر بما لا يبلغ نصيب كلّ منهما نصاباً ، فهل يقطع كلّ واحد منهما أو لا يقطع واحد منهما؟ الأشبه الثاني1.
1 ـ لا إشكال في ثبوت القطع فيما لو سرق إثنان وبلغ نصيب كلّ واحد منهما نصاباً ، كما أنّه لا إشكال في عدم ثبوته فيما إذا كان ما أخرج كلّ واحد منهما مستقلاًّ غير بالغ حدّ النصاب ، إنّما الإشكال والخلاف فيما إذا اشتركا في الإخراج ، ولم يبلغ نصيب كلّ واحد منهما حدّ النصاب ، ولكن بلغ المجموع إلى النصاب أو أكثر ، فالمحكيّ عن المفيد(1) والمرتضى(2) ونهاية الشيخ(3) وجميع أتباعه(4) وجوب القطع ،
(1) المقنعة: 804.
(2) الإنتصار: 531.
(3) النهاية: 718 ـ 719.
(4) المهذّب: 2 / 540، الوسيلة: 419، إصباح الشيعة: 524.
(الصفحة614)
وعن الإنتصار والغنية(1) الإجماع عليه .
والمحكيّ عن الخلاف(2) والمبسوط(3) أنّه إذا نقب ثلاثة ، فبلغ نصيب كلّ واحد نصاباً قطعوا ، وإن كان دون ذلك فلا قطع كما عن ابن الجنيد(4) وابن إدريس(5) والعلاّمة(6) ، بل نسب إلى عامّة المتأخّرين(7) ، بل عن الخلاف الإجماع عليه .
والبحث في المسألة تارةً من جهة القاعدة ، واُخرى من جهة بعض الروايات الواردة في المسألة .
أمّا من الجهة الأولى ، فربّما يقال : بأنّه تصدق سرقة النصاب على مجموعهما المستلزم لسقوط الحدّ مع ترك قطعهما بعد وجود شرائطه ، وقطع أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجّح فليس إلاّ قطعهما .
ولكنّ الظاهر خلاف ذلك ; لعدم وجود شرائط القطع في المقام ، فإنّ السرقة الموجبة للقطع المعتبر فيها النصاب هو ما لوحظ بالإضافة إلى سارق واحد في سرقة واحدة ، ضرورة أنّه لا مجال لاعتبار النصاب في أزيد من سارق واحد ، كما أنّه لا مجال لاعتباره في أزيد من سرقة واحدة ، فإذا سرق شخص واحد من شخص آخر مرّات متعدّدة ، ولم يبلغ شيء من المرّات حدّ النصاب لا يتحقّق
(1) غنية النزوع: 433.
(2) الخلاف: 5 / 420 مسألة 8.
(3) المبسوط: 8 / 28.
(4) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9 / 228 مسألة 84.
(5) السرائر: 3 / 492.
(6) قواعد الأحكام: 2 / 265، تحرير الأحكام: 2 / 232، مختلف الشيعة: 9 / 228 مسألة 84.
(7) رياض المسائل: 10 / 201.
(الصفحة615)
موجب القطع بوجه .
والمقام من هذا القبيل ، فإنّه وإن كان يصدق على كلّ واحد منهما عنوان السارق ، إلاّ أنّه لا يصدق عليه أنّه سرق النصاب ، والاشتراك في الإخراج لا يوجب تحقّق هذا العنوان ، وإضافة سرقة النصاب إلى المجموع لا تكفي بعد اعتبار لزوم ملاحظة ذلك بالنسبة إلى كلّ واحد منهما ، فالقاعدة تقتضي عدم القطع .
وأمّا من الجهة الثانية ، فقد ورد في المسألة روايتان :
إحداهما : صحيحة محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في نفر نحروا بعيراً فأكلوه فامتحنوا أيّهم نحروا ، فشهدوا على أنفسهم أنّهم نحروه جميعاً ، لم يخصّوا أحداً دون أحد ، فقضى (عليه السلام) أن تقطع أيمانهم(1) .
ثانيتهما : مرسلة الشيخ في الخلاف ، قال : روى أصحابنا أنّه إذا بلغت السرقة نصاباً وأخرجوها بأجمعهم وجب عليهم القطع(2) .
والرواية الاُولى وإن كانت صحيحة كما عرفت ، إلاّ أنّ الظاهر ثبوت الإجمال فيها من حيث الدلالة ; لظهورها في أنّ منشأ القطع وموجبه هو وقوع النحر من الجميع واستناده إليهم ، مع أنّ القطع على تقديره إنّما هو لأجل سرقة البعير وإخراجه من الحرز ، ولو سلّم كون مراعاة المالك له في الصحراء حرزاً بالإضافة إليه على خلاف ما قويّناه في السابق ، فالقطع مستند إلى السرقة من دون فرق بين النحر وعدمه ، مع أنّ الرواية ظاهرة في إستناده إلى النحر ، فاللازم أن يقال بكونها
(1) وسائل الشيعة: 18 / 531، أبواب حدّ السرقة ب34 ح1.
(2) الخلاف: 5 / 421 في ذيل مسألة 8.
(الصفحة616)
مسألة 2 : لو سرق ولم يقدر عليه ، ثمّ سرق ثانية فأُخذ وأُقيمت عليه البيّنة بهما جميعاً معاً دفعة واحدة أو أقرَّ بهما جميعاً كذلك قطع بالأولى يده ولم تقطع بالثانية رجله ، بل لا يبعد أن يكون الحكم كذلك لو تفرّق الشهود فشهد إثنان بالسرقة الاُولى ، ثمّ شهد إثنان بالسرقة الثانية قبل قيام الحدّ ، أو أقرّ مرّتين دفعة بالسرقة الاُولى ومرّتين دفعة اُخرى بالسرقة الثانية قبل قيام الحدّ ، ولو قامت الحجّة بالسرقة ثمّ أمسكت حتى أُقيم الحدّ وقطع يمينه ثمّ قامت الأُخرى قطعت رجله1.
قضيّة في واقعة .
والرواية الثانية وإن كانت مرسلة ، إلاّ أنّها موافقة للشهرة المحقّقة بين القدماء من الأصحاب كما مرّ ، ولهذه الجهة يمكن دعوى إنجبار ضعفها بذلك ، ومخالفة الشهرة بين المتأخّرين لا تقدح في الإنجبار ، فتصير المسألة من هذه الجهة مشكلة ، ولعلّه لذا قال المحقّق في الشرائع : والتوقّف أحوط(1) .
1 ـ لو سرق مرّتين وأُقيمت عليه البيّنة بهما معاً دفعة واحدة، ففي المسألة قولان:
أحدهما : ما عن المقنع(2) والفقيه(3) والكافي للحلبي(4) وقواعد العلاّمة(5) من أنّه يقطع بالاُولى .
(1) شرائع الإسلام: 4 / 957.
(2) المقنع: 446.
(3) من لا يحضره الفقيه: 4 / 65.
(4) الكافي في الفقه: 412.
(5) قواعد الأحكام: 2 / 271، وكذا في تحرير الأحكام: 2 / 232.
(الصفحة617)
ثانيهما : ما اختاره المحقّق في الشرائع من أنّه يقطع بالأخيرة(1) .
والظاهر أنّ المراد من القطع بالأُولى هو قطع اليد اليمنى الثابت في أوّل مراتب حدّ السرقة كما مرّ ، ومن القطع بالثانية هو قطع الرجل اليسرى الثابت في المرتبة الثانية من حدّها ، وعليه ففائدة الخلاف في المسألة ظاهرة ، لرجوعه إلى أنّه هل اللازم قطع اليد اليمنى أو قطع الرجل اليسرى؟ ولا مجال لإثبات فائدة اُخرى غير هذه الفائدة .
ولكن قال في الجواهر : قيل : وتظهر فائدة القولين لو عفا من حكم بالقطع لأجله مع تعدّد المسروق منه(2) ثمّ نقل عن المسالك(3) إنكار هذه الفائدة وأجاب عنه ، ثمّ حكى عن كشف اللثام(4) الإنكار بنحو آخر وأجاب عنه أيضاً(5) .
ويظهر من ذلك أنّهم تخيّلوا أنّ محلّ الخلاف هو قطع خصوص يد اليمنى ، غاية الأمر أنّ النزاع وقع في أنّ منشأه هل هو السرقة الاُولى أو السرقة الثانية ، فإنّه على هذا الفرض ينبغي البحث في ثمرة هذا الخلاف ، وأمّا على ما ذكرنا فلا تصل النوبة إلى هذا البحث .
والتحقيق أن يقال : إنّه قد وردت في هذه المسألة رواية واحدة ، فتارة يقال باعتبارها من حيث السند وصحّتها كما هو الحقّ ، فلا يبقى مجال لكثير من المباحث، واُخرى يقال بضعفها وعدم إمكان الاعتماد عليها ، فاللاّزم حينئذ البحث على طبق
(1) شرائع الإسلام: 4 / 957.
(2) راجع المهذّب البارع: 5 / 120.
(3) مسالك الأفهام: 14 / 529.
(4) كشف اللثام: 2 / 430.
(5) جواهر الكلام: 41 / 548.
(الصفحة618)
القاعدة ، والإنصاف وقوع الإضطراب في الكلمات سيّما ما في الجواهر ، فإنّه يستفاد من بعض عباراته كأنّه لم يرد في المسألة نصّ ، ومن بعض آخر الاعتماد عليه .
وكيف كان ، فالرواية الواردة هي ما رواه الكليني عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، وعن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه جميعاً ، عن ابن محبوب ، عن عبدالرحمن بن الحجّاج و(عن خ ل) بكير بن أعين ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجل سرق فلم يقدر عليه ، ثمّ سرق مرّة اُخرى ولم يقدر عليه ، وسرق مرّة اُخرى فاُخذ ، فجاءت البيّنة فشهدوا عليه بالسرقة الاُولى والسرقة الأخيرة ، فقال : تقطع يده بالسرقة الاُولى ، ولا تقطع رجله بالسرقة الأخيرة ، فقيل له : وكيف ذاك؟ قال : لأنّ الشهود شهدوا جميعاً في مقام واحد بالسرقة الاُولى والأخيرة قبل أن يقطع بالسرقة الاُولى ، ولو أنّ الشهود شهدوا عليه بالسرقة الاُولى ثمّ أمسكوا حتّى يقطع ، ثمّ شهدوا عليه بالسرقة الأخيرة قطعت رجله اليسرى(1) .
والرواية وإن كانت مخدوشةً بملاحظة السند الأوّل الواقع فيه سهل بن زياد ، إلاّ أنّها صحيحة بملاحظة السند الثاني ، وإن وقع فيه أبو عليّ بن إبراهيم . وأمّا من جهة الدلالة ، فهي صريحة في أنّه تقطع يده اليمنى بالسرقة الاُولى ، ولا تقطع رجله اليسرى بالسرقة الثانية . ومن الواضح أنّ القطع إنّما هو مع شرائطه التي منها مطالبة المسروق منه ، فهذا القطع إنّما هو كالقطع في أوّل مراتب حدّ السرقة ، كما أنّه لا فرق في عدم قطع الرجل اليسرى بين صورة المطالبة وعدمها ، فالبحث عن العفو والمطالبة لا يرتبط بالمقام بلحاظ الرواية أصلا .
(1) وسائل الشيعة: 18 / 499، أبواب حدّ السرقة ب9 ح1.
(الصفحة619)
ثمّ إنّ الرواية وإن كان موردها صورة مجيء البيّنة ، ولكنّ الظاهر أنّ المراد هو ثبوت السرقة ، سواء كانت بالبيّنة أو بالإقرار ، كما أنّ الظاهر بملاحظة جواب الإمام (عليه السلام) المشتمل على التعليل ، وقوله : «قبل أن يقطع بالسرقة الاُولى» أنّه لا يختصّ الحكم بما إذا شهد الشهود جميعاً في مقام واحد ، بل يشمل ما إذا شهد إثنان بالسرقة الاُولى ، ثمّ شهد آخران بالسرقة الثانية قبل قيام الحدّ وتحقّق القطع بالأُولى ، وكذلك إذا كان هناك إقرار ، فإنّ الحكم في الجميع هو القطع بالأُولى دون الثانية ، كما أنّ ذيل الرواية صريح في التعدّد في الفرع الأخير المذكور في المتن .
وبالجملة : بعد ملاحظة الرواية والاستناد إليها لا يبقى مجال للإشكال في جميع ما اُفيد في المتن ، هذا كلّه بالنسبة إلى الرواية .
وأمّا مع قطع النظر عنها ، فيبقى السؤال عن أنّه لم جعل الخلاف في أنّه هل القطع إنّما هو بسبب السرقة الاُولى أو الثانية؟ فلم لا يكون الحكم هو قطع اليد والرجل معاً بسبب كلتا السرقتين؟ غاية الأمر تقديم قطع اليد على الرجل في مقام الإجراء والعمل . ودعوى أنّ الحكم هو عدم تعدّد الحدّ بسبب تعدّد السرقة مع عدم التخلّل مدفوعة ، بأنّ مستند هذا الحكم هو هذه الرواية لا شيء آخر ، والروايات الدالّة على عدم الانتقال إلى شيء من المراتب المتأخّرة ما لم يتخلّل حدّ المرتبة المتقدّمة لا دلالة لها على أنّه إذا ثبتت السرقة المتعدّدة دفعةً واحدةً لا يكون فيها إلاّ حدّ واحد .
فعمدة الدليل هي الرواية ، إلاّ أن يقال بثبوت الإجماع ـ مع قطع النظر عنها ـ على عدم التعدّد مع عدم التخلّل .
وكيف كان ، فمقتضى التحقيق هو لزوم الأخذ بالرواية والفتوى على طبقها ومقتضاه ما اُفيد في المتن كما عرفت .
(الصفحة620)
مسألة 3 : لو أقيمت البيّنة عند الحاكم ، أو أقرّ بالسرقة عنده ، أو علم ذلك لم يقطع حتى يطالبه المسروق منه ، فلو لم يرفعه إلى الحاكم لم يقطعه ، ولو عفا عنه قبل الرفع سقط الحدّ ، وكذا لو وهبه المال قبل الرفع ، ولو رفعه إليه لم يسقط الحدّ ، وكذا لو وهبه بعد الرفع ، ولو سرق مالا فملكه بشراء ونحوه قبل الرفع إلى الحاكم وثبوته سقط الحدّ ، ولو كان ذلك بعده لم يسقط 1.
1 ـ في هذه المسألة فروع :
الأوّل : ما إذا لم يطالب المسروق منه ولم يرفع إلى الحاكم أصلا ، لكن قامت البيّنة الحسبيّة عند الحاكم ـ بناءً على اعتبارها وقبولها ـ أو أقرّ السارق نفسه عنده بالسرقة مرّتين ، أو تحقّق العلم للحاكم بذلك من القرائن والشواهد ، فالمشهور أنّه لا تقطع يد السارق في هذه الصورة .
واستدلّوا لذلك بصحيحة الحسين بن خالد ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سمعته يقول : الواجب على الإمام إذا نظر إلى رجل يزني أو يشرب الخمر أن يقيم عليه الحدّ ، ولا يحتاج إلى بيّنة مع نظره ; لأنّه أمين الله في خلقه ، وإذا نظر إلى رجل يسرق أن يزبره وينهاه ويمضي ويدعه ، قلت : وكيف ذلك؟ قال : لأنّ الحقّ إذا كان لله فالواجب على الإمام إقامته ، وإذا كان للناس فهو للناس(1) .
وربّما يقال : بأنّها معارضة بصحيحة الفضيل ، قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام)يقول :ـ إلى أن قال :ـ فقال له بعض أصحابنا : يا أبا عبدالله فما هذه الحدود التي إذا أقرّ بها عند الإمام مرّةً واحدةً على نفسه اُقيم عليه الحدّ فيها؟ فقال : إذا أقرّ على نفسه عند الإمام بسرقة قطعه ، فهذا من حقوق الله ، وإذا أقرّ على نفسه أنّه شرب خمراً حدّه ،
(1) وسائل الشيعة: 18 / 344، أبواب مقدّمات الحدود ب32 ح3.
|