في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة581)



يكون الإمام مخيّراً بين القطع والعفو كما عن الخلاف(1) وموضع آخر من النهاية(2)مدّعياً في الأول الإجماع عليه؟ وجوه وأقوال .
ويدلّ على الأوّل ـ مضافاً إلى إطلاق دليل نفوذ الإقرار وحجيّته ـ صحيح الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل أقرّ على نفسه بحدّ ، ثمّ جحد بعد ، فقال : إذا أقرّ على نفسه عند الإمام أنّه سرق ثمّ جحد قطعت يده وإن رغم أنفه ، وإن أقرّ على نفسه أنّه شرب خمراً أو بفرية ، فاجلدوه ثمانين جلدة ، قلت : فإن أقرّ على نفسه بحدّ يجب فيه الرجم أكنت راجمه؟ فقال : لا ، ولكن كنت ضاربه الحدّ . ورواه الشيخ بسند صحيح عن محمّد بن مسلم عنه أيضاً(3) ، وعليه فيكون هنا روايتان وإن جعلهما في الوسائل رواية واحدة .
وربّما يقال بأنّه يؤيّدهما رواية سماعة بن مهران ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : من أخذ سارقاً فعفا عنه فذلك له ، فإذا رفع إلى الإمام قطعه ، فإن قال الذي سرق له : أنا أهبه له لم يدعه إلى الإمام حتّى يقطعه إذا رفعه إليه ، وإنّما الهبة قبل أن يرفع إلى الإمام ; وذلك قول الله عزّ وجل : {وَالحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ}(4) فإذا انتهى الحدّ إلى الإمام فليس لأحد أن يتركه(5) . لكن في التأييد نظر كما لا يخفى .
واستدلّ للقول الثاني بمرسلة جميل بن درّاج ، عن بعض أصحابنا ، عن


(1) حكى عنه في رياض المسائل: 10 / 188، لكن في الخلاف: 5 / 444 مسألة 41: «إذا ثبت القطع بإعترافه، ثمّ رجع عنه سقط برجوعه، وبه قال جماعة الفقهاء».
(2) النهاية: 718.
(3) وسائل الشيعة: 18 / 318، أبواب مقدّمات الحدود ب12 ح1.
(4) سورة التوبة 9: 112.
(5) وسائل الشيعة: 18 / 330، أبواب مقدّمات الحدود ب17 ح3.

(الصفحة582)



أحدهما (عليهما السلام) في حديث ، قال : لا يقطع السّارق حتّى يقرّ بالسرقة مرّتين ، فإن رجع ضمن السرقة ، ولم يقطع إذا لم يكن شهود(1) .
وضعفها بالإرسال وإن أمكن انجباره بما ربّما يقال ـ كما مرّ ـ : بأنّ هذا القول هو الأشهر بين القدماء ، وعليه فيكون استنادهم إليها جابراً لضعفها ، إلاّ أنّ المناقشة فيها من حيث الدلالة غير قابلة للدفع ; لأنّه من المحتمل قويّاً بل الظاهر أنّ المراد من قوله (عليه السلام) : «فإن رجع» هو الرجوع بعد الإقرار الأوّل ، لا الرجوع بعد الإقرار الثاني ، وعليه فالمراد أنّه لو تحقّق الرجوع مكان الإقرار الثاني لا يترتّب حدّ القطع ، بل يكون ضمان السرقة فقط .
ويؤيّد ما ذكرنا كون الحصر إضافيّاً مسوقاً لبيان لزوم إضافة الإقرار الثاني إلى الإقرار الأوّل ، وإلاّ ينافي قوله (عليه السلام) : «إذا لم يكن شهود» كما لا يخفى ، وتفريع الرجوع على الحصر المذكور بكلمة «الفاء» ، ولو كان المراد هو الرجوع بعد الإقرار الثاني لكان المناسب الإتيان بكلمة «الواو» . وبالجملة لو لم تكن المرسلة ظاهرة فيما ذكر ، فلا أقلّ من احتمالها له احتمالا مساوياً لما هو مبنى الاستدلال ، فلا يبقى له مجال .
واستدلّ للقول الثالث برواية طلحة بن زيد ، عن جعفر (عليه السلام) قال : حدّثني بعض أهلي أنّ شاباً أتى أمير المؤمنين (عليه السلام) فأقرّ عنده بالسرقة ، قال : فقال له عليّ (عليه السلام) : إنّي أراك شابّاً لا بأس بهبتك ، فهل تقرأ شيئاً من القرآن؟ قال : نعم سورة البقرة ، فقال : قد وهبت يدك لسورة البقرة ، قال : وإنّما منعه أن يقطعه ، لأنّه لم يقم عليه بيّنة(2) .
ومرسلة أبي عبدالله البرقي، عن بعض أصحابه، عن بعض الصادقين (عليهم السلام) قال: جاء


(1) وسائل الشيعة: 18 / 487، أبواب حدّ السرقة ب3 ح1.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 488، أبواب حدّ السرقة ب3 ح5.

(الصفحة583)



رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فأقرّ بالسرقة ، فقال له : أتقرأ شيئاً من القرآن؟ قال : نعم سورة البقرة ، قال : قد وهبت يدك لسورة البقرة ، قال : فقال الأشعث : أتعطّل حدّاً من حدود الله؟ فقال : وما يدريك ما هذا؟ إذا قامت البيّنة فليس للإمام أن يعفو ، وإذا أقرّ الرجل على نفسه فذاك إلى الإمام ، إن شاء عفا وإن شاء قطع . هذا على نقل الشيخ ، ورواه الصدوق بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين (عليه السلام) . وبإسناده عن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن يحيى ، عن طلحة بن زيد ، عن جعفر بن محمّد (عليهما السلام) نحوه(1) .
وممّا ذكرنا يظهر عدم تعدّد الرواية ، بمعنى أنّ القصّة الواقعة في زمن المولى قصّة واحدة والحكاية متعدّدة ، كما أنّ الظاهر اعتبار الرواية ; لأنّ الظاهر وثاقة طلحة وإن كان عامّياً ، كما أنّ ما رواه الصدوق بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين (عليه السلام)صحيح ظاهراً ، فالإشكال من حيث السند كما في الجواهر(2) ممّا لا مجال له أصلا ، كما أنّ الحمل على صورة وحدة الإقرار مع عدم ثبوت السرقة به ممّا لا سبيل إليه بعد ظهورالرواية في ثبوت السرقة ،خصوصاًمع الجواب عن الاعتراض بالتعطيل بالفرق بين البيّنة والإقرار ، الظاهر في كون المراد هو الإقرار الموجب للثبوت ، كما لا يخفى .
نعم ، يرد على الاستدلال بهما عدم انطباقهما على المدّعى ; لأنّ الكلام في صورة الإنكار بعد الإقرار ، وليس في الروايتين فرض الإنكار أصلا ، وثبوت التخيير في مورد الإقرار لا يلازم ثبوته في صورة الإنكار بعده أيضاً ، خصوصاً بعد ملاحظة


(1) وسائل الشيعة: 18 / 331، أبواب مقدّمات الحدود ب18 ح3.
(2) جواهر الكلام: 41 / 427 ـ 428.

(الصفحة584)



أنّ الإنكار يوجب تزلزل الإقرار ، ومن الممكن أن يكون الاعتراف المجرّد عن الإنكار موضوعاً للحكم بالتخيير من جهة أنّه اعتراف بالعذاب ، كما أشير إليه في بعض الروايات المتقدّمة ، وقد انقدح من ذلك أنّ اللازم هو الأخذ بالقول الأوّل .
الفرع الثاني : ما لو أنكر بعد الإقرار مرّةً ، والحكم فيه أنّه يؤخذ منه المال ولا يقطع ، أمّا عدم القطع فلعدم تحقّق تعدّد الإقرار مع اعتباره في ترتّبه ، وأمّا أخذ المال ، فلأنّه يكفي في ثبوته الإقرار مرّة واحدة ، ومقتضى إطلاق دليل نفوذه عدم تأثير الإنكار بعده كما في سائر موارد الإقرار بالمال ، وينطبق على هذا الفرع مرسلة جميل المتقدّمة في الفرع الأوّل ، بناءً على ما استظهرنا منها من كون المراد هو الرجوع عن الإقرار الأوّل ، كما عرفت .
الفرع الثالث : ما لو تاب قبل قيام البيّنة وقبل الإقرار ، والحكم فيه سقوط الحدّ ، وفي الجواهر بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه(1) ، ويدلّ عليه صحيحة عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : السارق إذا جاء من قبل نفسه تائباً إلى الله عزّ وجل تردّ سرقته إلى صاحبها ولا قطع عليه(2) .
وليس المراد من قوله (عليه السلام) : «ولا قطع عليه» هو عدم ثبوت القطع بملاحظة مجرّد التوبة ، فلا ينافي ثبوته بقيام البيّنة بعده أو الإقرار ، بل المراد عدم ثبوت القطع ولو ثبتت السرقة بعد التوبة ، كما لا يخفى .
ومرسلة جميل بن درّاج ، عن رجل ، عن أحدهما (عليهما السلام) في رجل سرق أو شرب الخمر أو زنى فلم يعلم ذلك منه ، ولم يؤخذ حتّى تاب وصلح ، فقال : إذا صلح


(1) جواهر الكلام: 41 / 539.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 327، أبواب مقدّمات الحدود ب16 ح1.

(الصفحة585)



وعرف منه أمر جميل لم يقم عليه الحدّ ، الحديث(1) .
الفرع الرابع : ما لو تاب أو أنكر بعد قيام البيّنة ، والحكم فيه ثبوت القطع وعدم ترتّب أثر على التوبة من هذه الجهة ; وذلك لإطلاق دليل حجيّة البيّنة الشامل لصورة التوبة بعد قيامها ، مضافاً إلى قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في رواية أبي عبدالله البرقي المتقدّمة : «إذا قامت البيّنة فليس للإمام أن يعفو» ، ولكنّ الظاهر أنّ مورده صورة عدم التوبة ، ولا إطلاق له يشمل صورة التوبة أيضاً .
هذا ، وربّما يقال : بأنّ مقتضى إطلاق صحيحة ابن سنان ، الدالّة على سقوط القطع الشمول لهذا الفرع ، نظراً إلى أنّ المراد بالسارق فيها هو من ثبتت سرقته ، أعمّ من أن يكون ثبوتها بالبيّنة أو بالإقرار ، فتدلّ على أنّ التوبة بعد قيام البيّنة مسقطة للحدّ .
ولكنّ الظاهر أنّه ليس المراد بالسّارق فيها هو من ثبتت سرقته حتّى يتمسّك بإطلاقه ، بل مقتضى قوله (عليه السلام) : «إذا جاء من قبل نفسه» أنّ هذا العنوان إّنما هو بلحاظ دلالة التوبة على الإقرار الضمني بالسرقة ، وعليه فليس المراد به إلاّ ما ذكر ، ويؤيّده قول الراوي في المرسلة بعد فرض السرقة : «فلم يعلم ذلك منه» فإنّ ظاهره أنّ إسناد السرقة إنّما هو بلحاظ الإقرار الذي يتضمّنه التوبه ، لا بلحاظ ثبوتها بالبيّنة أو الإقرار .
وممّا ذكرنا يظهر أنّ دعوى إنصراف الإطلاق إلى خصوص من ثبتت سرقته بالإقرار ممنوعة جدّاً . والعجب من هذا المدّعي أنّه مع الاعتراف بذلك ينكر بعد أسطر وجود الدليل على سقوط القطع فيمالوتاب بعدالإقرار الذي هو


(1) وسائل الشيعة: 18 / 327، أبواب مقدّمات الحدود ب16 ح3.

(الصفحة586)



الفرع  الآتي(1) .
والحقّ أنّه ليس المراد بالسارق من ثبتت سرقته حتّى يكون إطلاقه شاملا للمقام ، أو يدّعى إنصرافه إلى خصوص صورة الإقرار .
الفرع الخامس : ما لو تاب بعد الإقرار ، والمحكيّ عن ابن إدريس تحتّم القطع(2) . وعن النهاية(3) والجامع(4) وإطلاق الكافي(5) والغنية(6) تخيّر الإمام في الإقامة والعفو .
ويدلّ على الأوّل إطلاق دليل نفوذ الإقرار الشامل لصورة التوبة بعده ، وربّما يستدلّ عليه كما في الجواهر(7) بصحيحي محمّد بن مسلم والحلبي المتقدّمين في الفرع الأوّل ، والظاهر عدم تماميّته ; لأنّ موردهما ما إذا أنكر بعد الإقرار . والكلام إنّما هو فى التوبة بعده ، ومن الممكن اختلاف حكم التوبة مع حكم الإنكار ، خصوصاً مع ملاحظة أنّ التوبة إنّما توجب تأكيد ما هو مقتضى الإقرار ، ومن الممكن مدخليّة ذلك في سقوط القطع ، وهذا بخلاف الإنكار الذي يوجب تزلزل الإقرار .
وربّما يستدلّ على الثاني ـ مضافاً إلى أنّ التوبة إذا كانت مسقطة لعذاب الآخرة ، فإسقاطها لعذاب الدنيا إنّما هو بطريق أولى ـ بروايتي طلحة وأبي عبدالله البرقي


(1) مباني تكملة المنهاج: 1 / 309.
(2) السرائر: 3 / 491.
(3) النهاية: 718.
(4) الجامع للشرائع: 561.
(5) الكافي في الفقه: 412.
(6) غنية النزوع: 434.
(7) جواهر الكلام: 41 / 540.

(الصفحة587)



المتقدّمتين ، الظاهرتين في تخيّر الإمام بين العفو والقطع .
والجواب : أمّا عن الدليل الأوّل ـ مضافاً إلى أنّ مقتضاه تعيّن السقوط لا التخيير كما هو المدّعى ـ أنّ قياس الحدود بعذاب الآخرة مع الفارق ; لأنّ عذاب الآخرة قد لوحظ بالإضافة إلى شخص الكافر والعاصي ، والحدود قد لوحظ فيها مضافاً إلى ذلك المصالح الاجتماعيّة المرتبطة بالاجتماع ، فقطع يد السارق يوجب ارتداع الناس وعدم ارتكابهم للسرقة ، فالقياس مع الفارق .
وأمّا عن الدليل الثاني ، فربّما يقال : بأنّه عبارة عن ضعف الرواية بالإرسال وغيره ، ولكن قد عرفت اعتبار الرواية وخلوّها عن الضعف .
والحقّ في الجواب أن يقال : إنّ موردهما صورة خصوص الإقرار من دون أن يكون متعقّباً بالتوبة ، فلو كان الحكم في مورد الإقرار المجرّد هو التخيير لأمكن أن يقال : بأنّ ثبوته في صورة التوبة إنّما هو بطريق أولى ، وأمّا لو قلنا بعدم إمكان الالتزام بثبوت التخيير في الإقرار المجرّد ، فلازمه عدم إمكان الالتزام بالرواية في موردها ، ومعه لا يبقى مجال للتمسّك بالأولويّة ، فالحقّ في هذا الفرع هو ما حكي عن ابن إدريس من تحتّم القطع .

22 شعبان المعظّم 1405هـ


(الصفحة588)






(الصفحة589)







القول في الحدّ


مسألة 1 : حدّ السّارق في المرّة الأولى قطع الأصابع الأربع من مفصل أُصولها من اليد اليمنى ، ويترك له الراحة والإبهام ، ولو سرق ثانية قطعت رجله اليسرى من تحت قبّة القدم حتى يبقى له النصف من القدم ومقدار قليل من محلّ المسح ، وإن سرق ثالثاً حبس دائماً حتى يموت ، ويجري عليه من بيت المال إن كان فقيراً ، وإن عاد وسرق رابعاً ولو في السجن قتل 1.


1 ـ أمّا قطع الأصابع الأربع من مفصل أُصولها من اليد اليمنى  ، فهو الذي نفى وجدان الخلاف فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه في الجواهر(1) ، وهو محلّ الخلاف بيننا وبين أهل الخلاف .
قال الشيخ في الخلاف : موضع القطع في اليد من أُصول الأصابع دون الكفّ ، ويترك له الإبهام ، ومن الرجل عند معقد الشراك من عند الناتئ على ظهر القدم ،


(1) جواهر الكلام: 41 / 528.

(الصفحة590)



يترك له ما يمشي عليه ، وهو المرويّ عن عليّ (عليه السلام)(1) وجماعة من السلف .
وقال جميع الفقهاء وأبو حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي : إنّ القطع في اليد من الكوع ـ وهو المفصل الذي بين الكفّ والذراع ـ وكذلك تقطع الرجل من المفصل بين الساق والقدم(2) . وقالت الخوارج : يقطع من المنكب ; لأنّ اسم اليد يقع على هذا(3) . دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم ، وأيضاً قوله تعالى : {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيدِيْهِم}(4) ومعلوم أنّهم يكتبون بأصابعهم دون الساعد والكفّ ، وأيضاً ما قلناه مجمع على وجوب قطعه ، وما قالوه ليس عليه دليل(5) .
والروايات المستفيضة من طرقنا تدلّ على ذلك ـ كما أشار إليه الشيخ(قدس سره) ـ والمناسب إيراد بعضها :
كموثّقة إسحاق بن عمّار ، عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال : تقطع يد السّارق ويترك إبهامه وصدر راحته ، وتقطع رجله ويترك له عقبه يمشي عليها(6) .
وذكر اليد مكان الأصابع مع أنّ القاعدة تقتضي التصريح بها ; لعلّه للإشارة إلى أنّ المراد من اليد في الآية الشريفة هو ما تدلّ عليه الرواية ، كما أنّ المراد من الراحة فيها هو الكفّ ، وعليه فالمقصود من الصدر ما يقابل الذيل ، وهو عبارة عن باطن


(1) دعائم الإسلام: 2 / 469 ح1671، من لا يحضره الفقيه: 4 / 64 ـ 65، تفسير العيّاشي: 1 / 318 ح104.
(2) الاُمّ: 6 / 150، مختصر المزني: 264، المجموع: 21 / 422، المغني لابن قدامة: 10 / 264، بداية المجتهد: 2/447، أسهل المدارك: 2 / 269، شرح فتح القدير: 5 / 153.
(3) المحلّى بالآثار: 12 / 354، بدائع الصنائع: 6 / 42.
(4) سورة البقرة 2: 79.
(5) الخلاف: 5 / 437 ـ 438 مسألة 31.
(6) وسائل الشيعة: 18 / 490، أبواب حدّ السرقة ب4 ح4.

(الصفحة591)



الأصابع ، فالرواية ظاهرة فيما أفتى به الأصحاب .
وموثّقة عبدالله بن هلال ، عن أبيه ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت له : أخبرني عن السارق لم تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى ، ولا تقطع يده اليمنى ورجله اليمنى؟ فقال : ما أحسن ما سألت ، إذا قطعت يده اليمنى ورجله اليمنى سقط على جانبه الأيسر ولم يقدر على القيام ، فإذا قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى اعتدل واستوى قائماً ، قلت له : جعلت فداك ، وكيف يقوم وقد قطعت رجله؟ فقال : إنّ القطع ليس من حيث رأيت يقطع ، إنّما يقطع الرجل من الكعب ، ويترك له من قدمه ما يقوم عليه ويصلّي ويعبد الله ، قلت له : من أين تقطع اليد؟ قال : تقطع الأربع أصابع ، ويترك الإبهام يعتمد عليها في الصلاة ويغسل بها وجهه للصلاة ، قلت : فهذا القطع من أوّل من قطع؟ قال : قد كان عثمان بن عفّان حسّن ذلك لمعاوية(1) .
ورواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : القطع من وسط الكفّ ، ولا يقطع الإبهام ، وإذا قطعت الرجل ترك العقب لم يقطع(2) .
والظاهر أنّ المراد من وسط الكفّ هو مفصل أُصول الأصابع ; لانّه يوجب انقسام الكفّ إلى الصدر والذيل ، وعليه فالمراد بهذه العبارة كما في بعض الروايات الأُخر أيضاً هذا المعنى وإن كان خالياً عن التعرّض لعدم قطع الإبهام ، كما لا يخفى .
وروايات اُخرى كثيرة ، وإن كان في سند بعضها خلل من جهة الإرسال وغيره .
وفي مقابلها صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت له : من أين يجب


(1) وسائل الشيعة: 18 / 494، أبواب حدّ السرقة ب5 ح8.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 489، أبواب حدّ السرقة ب4 ح2.

(الصفحة592)



القطع؟ فبسط أصابعه وقال : من هاهنا ، يعني من مفصل الكفّ(1) .
والظاهر بقرينة النصّ والفتوى لزوم حملها على التقيّة ; لموافقتها لمذهب العامّة كما عرفت .
ويمكن المناقشة في دلالتها أيضاً ; نظراً إلى أنّه لو كان مراد الإمام (عليه السلام) هو القطع من مفصل الكفّ ، لم تكن حاجة إلى بسط الأصابع ; لعدم مدخليّة البسط في هذا المعنى أصلا ، بل المناسب لبسط الأصابع هو القطع من مفصل اُصولها ، وعليه فيحتمل وقوع الخطأ والاشتباه في هذا التفسير ولو من أحد من الرواة بعد الحلبي .
ثمّ إنّه لو كانت يده ناقصة يجتزى بالناقص ولو كانت إصبعاً واحدة . نعم ، لو لم يكن له من الأصابع الأربع شيء من اليد اليمنى يدخل في بعض المسائل الآتية .
والوجه في الاجتزاء بالناقص ، أنّه لو اُريد قطع الإبهام أو الراحة أو كليهما مكانه فظاهر النصّ الدال على لزوم ترك الإبهام والراحة ينفي ذلك ، ولو احتمل الانتقال إلى اليد الاُخرى ، فالظاهر أنّه لا مجال له بعد عدم انتفاء اليد اليمنى وبقائها ولو بإصبع واحدة ، ودعوى أنّ ظاهر النص لزوم قطع الأصابع الأربع ، والمفروض انتفاؤها في المقام ، مدفوعة بأنّ ظاهره لزوم تأثير القطع في انتفاء الأصابع الأربع الأصليّة ، من دون فرق بين كون انتفاء الجميع مستنداً إلى القطع ، أو كان انتفاء بعضها مستنداً إلى علّة سابقة ، أو النقص من جهة الخلقة ، فالظاهر ما ذكرنا كما أشار إليه في الجواهر(2) .
ولو كانت له إصبع زائدة مثلا ففيه فروض ثلاثة :


(1) وسائل الشيعة: 18 / 489، أبواب حدّ السرقة ب4 ح1.
(2) جواهر الكلام: 41 / 530.

(الصفحة593)



الأوّل : ما لو كانت الإصبع الزائدة متّصلة بأحد الأربع وتابعة له ، بحيث لا يمكن قطعه إلاّ بها ، والمحكيّ عن القواعد(1) لزوم قطع البقيّة ، وعدم قطع المشتمل على الزائدة إلاّ بمقدار لا يوجب قطعها ; ولعلّه لحرمة قطع الزائدة ، فلا مجال لقطع المشتمل عليها المستلزم لقطعها .
وفي الجواهر وربّما يحتمل عدم المبالاة بالزائدة ، فيقطع الأربع إذا لم يمكن قطعها بدونها ، ولكنّه ضعيف(2) .
والظاهر قوّة هذا الاحتمال ; لأنّ مفاد الروايات لزوم قطع الأصابع الأربع الأصليّة وترك الراحة والإبهام ، فإذا فرض كون الزيادة تابعة لا مجال لرفع اليد عن حكم المتبوع ، ودعوى كون قطع الزائدة محرّمة في هذا الفرض ، مدفوعة بأنّه أوّل الكلام ، ونحن نستفيد من الروايات العدم .
الثاني : ما لو لم تكن الإصبع الزائدة كذلك ، أي متّصلة بأحد الأربع الأصليّة ، ولكنّها كانت متميّزة متشخّصة ، ولا يتوقّف قطع الأربع على قطعها ، والظاهر أنّه لا دليل على لزوم قطعها في هذا الفرض ; لدلالة النصوص على لزوم قطع الأصابع الأربع الأصليّة ، والحكم بلزوم ترك الإبهام والراحة لا دلالة فيه ـ بل ولا إشعار ـ على لزوم القطع . وممّا ذكرنا يظهر أنّه لا يجوز قطعها مكان أحد الأصابع الأصلية ، بل اللازم إبقاؤها بعنوانها .
الثالث : الفرض الثاني مع عدم كون الزائدة متميّزة متشخّصة . ويجري فيه احتمالات ثلاث :


(1) قواعد الأحكام: 2 / 271.
(2) جواهر الكلام: 41 / 530.

(الصفحة594)



أحدها : القرعة ، نظراً إلى أنّها لكلّ أمر مشتبه أو مشكل ، والمقام أيضاً من حقوق الناس ، والظاهر قوّة هذا الاحتمال .
ثانيها : ثبوت التخيير العقلي ; لدوران الأمر بين المحذورين ; للعلم الإجمالي بوجوب قطع الأصليّة وحرمة قطع الزائدة ، والمفروض عدم تميّزهما بوجه .
ثالثها : قطع الجميع ; لعدم الدليل على حرمة قطع الزائدة في هذا الفرض ، فإذا توقّف قطع الأصليّة على قطع كلتيهما يجب ، كما في الزائدة التابعة على ما عرفت في الفرض الأوّل ، وهذا الاحتمال أقوى بعد الاحتمال الأوّل .
ثمّ إنّه حكي عن المبسوط أنّه قال : فإذا قدِّم السارق للقطع أُجلس ولا يقطع قائماً ; لأنّه أمكن له وأضبط حتّى لا يتحرّك فيجني على نفسه ، وتشدّ يده بحبل وتمدّ حتّى يتبيّن المفصل ، وتوضع على شيء : لوح أو نحوه ، فإنّه أسهل وأعجل لقطعه ، ثمّ يوضع على المفصل سكّين حادّة ، ويدقّ من فوقه دقّةً واحدة حتّى تنقطع باعجل ما يمكن ، قال : وعندنا يفعل مثل ذلك باُصول الأصابع إن أمكن ، أو يوضع على الموضع شيء حادّ ويمدّ عليه مدّة واحدة ، ولا يكرّر القطع فيعذّبه ; لأنّ الغرض إقامة الحدّ من غير تعذيب ، فإن علم قطع أعجل من هذا قطع به(1) .
ولا بأس بذلك وإن لم أجده فيما حضرني من النصوص ، ولازم ما أفاده جواز القطع في زماننا هذا مع فقد الحسّ لموضع القطع ، بحيث لا يتأذّى بذلك أصلا ، أو القطع بإعانة المادّة الكهربائيّة وأمثال ذلك ، ولا يبعد الالتزام به . هذا تمام الكلام في حدّ المرّة الاُولى .
وأمّا الحدّ في المرّة الثانية ، فلا إشكال ولا خلاف نصّاً وفتوىً في أنّه عبارة عن


(1) المبسوط: 8 / 35.

(الصفحة595)



قطع الرجل اليسرى ، وقد وقع الخلاف في محلّ القطع ، فعن المقنعة(1) والنهاية(2)والنافع(3) ومجمع البيان(4) والمراسم(5) والروضة(6) أنّه من مفصل القدم ، ويترك له العقب يعتمد عليها . واختاره المحقّق في الشرائع(7) والعلاّمة في جلّ كتبه(8) .
واختار جمع كثير من المتقدّمين والمتأخرين أنّه من وسط القدم ، وإن كانت عباراتهم في إفادة هذا المعنى مختلفة بحسب الظاهر ، ولكنّ المراد متّحد ، فعن الصدوق في المقنع مثل ما ذكر من التعبير بوسط القدم(9) ، وعن الخلاف(10)والمبسوط(11) والتلخيص للعلاّمة : يقطع من عند معقد الشراك من عند الناتئ على ظهر القدم(12) ، وعن السرائر : من مفصل المشط ما بين قبّة القدم وأصل الساق ، ويترك بعض القدم الذي هو الكفّ يعتمد عليها في الصلاة(13) . والمشط هو العظام


(1) المقنعة: 802.
(2) النهاية: 717.
(3) المختصر النافع: 303.
(4) مجمع البيان: 3 / 318.
(5) المراسم: 261.
(6) الروضة البهيّة: 9 / 284.
(7) شرائع الإسلام: 4 / 956.
(8) إرشاد الأذهان: 2 / 184، قواعد الأحكام: 2 / 270، تحرير الأحكام: 2 / 231، تبصرة المتعلِّمين: 188.
(9) المقنع: 445.
(10) الخلاف: 5 / 437 مسألة 31.
(11) المبسوط: 8 / 35.
(12) حكى عنه في كشف اللثام : 2/428 ـ 429 .
(13) السرائر: 3 / 488 ـ 489.

(الصفحة596)



الرقاق المنتشرة في ظهر القدم . وعن الكافي(1) والغنية(2) والإصباح : أنّه من عند معقد الشراك ، ويترك له مؤخّر القدم والعقب(3) .
وعن الإنتصار : يقطع من صدر القدم ويبقى له العقب(4) . والظاهر أنّ تقسيم القدم إلى الصدر والذيل إنّما هو بلحاظ ظاهره لا باطنه ، فلا يبقى ظهور لقوله : «ويبقى له العقب» في إبقاء خصوص العقب .
وعن الجامع : أنّه من الكعب ، وأنّه يبقى له عقبه(5) . وقد فسّر الكعب في كتاب الطهارة بقبّة القدم(6) ، والحكم بإبقاء العقب نظير ما ذكرنا .
وهنا قول ثالث يظهر من محكيّ التبيان ، قال : فأمّا الرجل فعندنا تقطع الأصابع الأربع من مشط القدم ، ويترك الإبهام والعقب(7) ، ولكنّه ذكر في الجواهر بعد نقله : إنّي لم أجده قولا لأحد من العامّة والخاصّة ، فضلا عن أن يكون مجمعاً عليه بيننا كما هو ظاهر عبارته(8) . هذا بالنظر إلى الفتاوى .
وأمّا بالنظر إلى النصوص ، فمقتضى قوله (عليه السلام) في خبر أبي بصير المتقدّم في حدّ المرّة الأولى : «وإذا قطعت الرجل ترك العقب لم يقطع» هو اختصاص المتروك بخصوص العقب ، وكذا قوله (عليه السلام) في موثّقة إسحاق بن عمار المتقدّمة : «وتقطع رجله


(1) الكافي في الفقه: 411.
(2) غنية النزوع: 432.
(3) إصباح الشيعة: 523.
(4) الإنتصار: 528.
(5) الجامع للشرائع: 561.
(6) الجامع للشرائع: 36.
(7) التبيان: 3 / 514.
(8) جواهر الكلام: 41 / 533.

(الصفحة597)



ويترك له عقبه يمشي عليها» . ولكنّ الظاهر أنّ قوله : «يمشي عليها» ـ الذي هو بمنزلة التعليل ـ يظهر منه عدم اختصاص المتروك بخصوص العقب ; لعدم القدرة على المشي مع العقب فقط ، ولو فرض ثبوت القدرة على القيام .
ومقتضى قوله (عليه السلام) في رواية سماعة بن مهران قال : قال : «إذا أُخذ السارق قطعت يده من وسط الكفّ ، فإن عاد قطعت رجله من وسط القدم ، فإن عاد استودع السجن ، فإن سرق في السجن قتل»(1) هو القول الثاني .
وكذا رواية زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث السرقة ، قال : وكان إذا قطع اليد قطعها دون المفصل ، فإذا قطع الرجل قطعها من الكعب ، قال : وكان لا يرى أن يعفى عن شيء من الحدود(2) .
بناءً على أنّ الكعب هو قبّة القدم ، كما هو المعروف بين الأصحاب .
وكذا قوله (عليه السلام) في رواية عبدالله بن هلال المتقدّمة في مقام الجواب عن سؤال الراوي : وكيف يقوم وقد قطعت رجله؟ : «إنّ القطع ليس من حيث رأيت يقطع ، إنّما يقطع الرجل من الكعب ، ويترك له من قدمه ما يقوم عليه ويصلّي ويعبد الله تعالى» .
والظاهر أنّ ظهور هذه الروايات في القول الثاني أقوى من ظهور خبر أبي بصير في اختصاص المتروك بالعقب ، فيصير قرينة على التصّرف فيه بحمله على ترك العقب غير المنافي لترك شيء آخر ، كما عرفت في بعض العبائر المتقدّمة ، فالظاهر هو القول الثاني كما اختاره في المتن .


(1) وسائل الشيعة: 18 / 489، أبواب حدّ السرقة ب4 ح3.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 491، أبواب حدّ السرقة ب4 ح8.

(الصفحة598)



وأمّا الحدّ في المرّة الثالثة ، فهو الحبس دائماً حتّى يموت(1) ، والنصّ والفتوى متوافقان على ذلك ، بل كما في الجواهر يمكن دعوى القطع به من النصوص(2) مثل :
صحيحة محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في السارق إذا سرق قطعت يمينه ، وإذا سرق مرّة اُخرى قطعت رجله اليسرى ، ثمّ إذا سرق مرّة اُخرى سجنه ، وتركت رجله اليمنى يمشي عليها إلى الغائط ، ويده اليسرى يأكل بها ويستنجي بها ، فقال : إنّي لأستحيي من الله أن أتركه لا ينتفع بشيء ، ولكنّي أسجنه حتّى يموت في السجن ، وقال : ما قطع رسول الله(صلى الله عليه وآله) من سارق بعد يده ورجله(3) .
وصحيحة القاسم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن رجل سرق ؟ فقال : سمعت أبي يقول : اُتي عليّ (عليه السلام) في زمانه برجل قد سرق فقطع يده ، ثمّ اُتي به ثانية فقطع رجله من خلاف ، ثمّ اُتي به ثالثة فخلّده في السجن ، وأنفق عليه من بيت مال المسلمين ، وقال : هكذا صنع رسول الله(صلى الله عليه وآله) لا أُخالفه(4) .
وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث في السرقة ، قال : تقطع اليد والرجل ثمّ لا يقطع بعد ، ولكن إن عاد حبس واُنفق عليه من بيت مال المسلمين(5) .


(1) في النسخة المخطوطة للمؤلّف : حتّى يتوب.
(2) جواهر الكلام: 41 / 533.
(3) وسائل الشيعة: 18 / 492، أبواب حدّ السرقة ب5 ح1.
(4) وسائل الشيعة: 18 / 493، أبواب حدّ السرقة ب5 ح3.
(5) وسائل الشيعة: 18 / 494، أبواب حدّ السرقة ب5 ح7.

(الصفحة599)



وإطلاق الحبس لو لم يكن ظاهراً في الدوام ، فلا أقلّ من أنّه محمول عليه بقرينة سائر الروايات .
وما رواه الصدوق بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين (عليه السلام) ، أنّه كان إذا سرق الرجل أوّلا قطع يمينه ، فإن عاد قطع رجله اليسرى ، فإن عاد ثالثة خلّده السجن وأنفق عليه من بيت المال(1) . وغير ذلك من الروايات الكثيرة الدالّة عليه .
ثمّ إنّ صاحب الجواهر ذكر بعد قول المحقّق : فإن سرق ثالثة حبس دائماً(2)قوله : «حتّى يموت أو يتوب»(3) وظاهره أنّ التوبة توجب التخلّص عن الحبس ، مع أنّ الظاهر أنّه لا دليل عليه ، وليس في شيء من الروايات الواردة في هذه الجهة إشعار بذلك .
وأمّا الحدّ في المرّة الرابعة ، المتحقّقة بالسرقة في السجن أو في خارجه بعد الفرار منه ، فهو القتل بلا خلاف أيضاً ، ويدلّ عليه مثل :
موثّقة سماعة بن مهران قال : قال : إذا اُخذ السارق قطعت يده من وسط الكفّ ، فإن عاد قطعت رجله من وسط القدم ، فإن عاد استودع السجن ، فإن سرق في السجن قتل(4) .
وليس للسرقة في السجن خصوصيّة ، بل المناط مجرّد السرقة في المرّة الرابعة ، ولو كان في خارج السجن بعد الفرار منه .


(1) وسائل الشيعة: 18 / 495، أبواب حدّ السرقة ب5 ح10.
(2) شرائع الإسلام: 4 / 956.
(3) جواهر الكلام: 41 / 533.
(4) وسائل الشيعة: 18 / 493، أبواب حدّ السرقة ب5 ح4.

(الصفحة600)

مسألة 2 : لو تكرّرت منه السرقة ولم يتخلّل الحدّ كفى حدّ واحد ، فلو تكرّرت منه السرقة بعد الحدّ قطعت رجله ، ثمّ لو تكرّرت منه حبس ، ثمّ لو تكرّرت قتل 1 .

مسألة 3 : لا تقطع اليسار مع وجود اليمين ، سواء كانت اليمين شلاّء


ومرسلة الصدوق قال : وروي أنّه من سرق في السجن قتل(1) . ولكنّها ضعيفة من حيث السند بالإرسال ، ومن حيث الدّلالة ; لعدم ظهورها في كون المراد هو السجن الذي جعل حدّ السرقة في المرّة الثالثة ، إلاّ أن يؤخذ بإطلاقها .

1 ـ أمّا كفاية الحدّ الواحد مع عدم التخلّل ـ فمضافاً إلى أنّه لا خلاف فيه بين الخاصّة بل بين العامّة كما في الجواهر(2) ـ يدلّ عليه: صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج وبكير بن أعين ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجل سرق فلم يقدر عليه ، ثمّ سرق مرّةً اُخرى فلم يقدر عليه ، وسرق مرّةً اُخرى فأخذ ، فجاءت البيّنة فشهدوا عليه بالسرقة الاُولى والسرقة الأخيرة ، فقال : تقطع يده بالسرقة الاُولى ، ولا تقطع رجله بالسرقة الأخيرة ، فقيل له : وكيف ذاك؟ قال : لأنّ الشهود شهدوا جميعاً في مقام واحد بالسرقة الاُولى والأخيرة قبل أن يقطع بالسرقة الاُولى ، ولو أنّ الشهود شهدوا عليه بالسرقة الاُولى ثمّ أمسكوا حتّى يقطع ، ثمّ شهدوا عليه بالسرقة الأخيرة قطعت رجله اليسرى(3) . وسيأتي تمام الكلام فيه في اللواحق إن شاء الله تعالى .


(1) وسائل الشيعة: 18 / 495، أبواب حدّ السرقة ب5 ح11.
(2) جواهر الكلام: 41 / 535، وكذا في الخلاف: 5 / 441 مسألة 36.
(3) وسائل الشيعة: 18 / 499، أبواب حدّ السرقة ب9 ح1.
<<التالي الفهرس السابق>>