(الصفحة581) (الصفحة582) (الصفحة583) (الصفحة584) (الصفحة585) (الصفحة586) (الصفحة587) (الصفحة588) (الصفحة589) مسألة 1 : حدّ السّارق في المرّة الأولى قطع الأصابع الأربع من مفصل أُصولها من اليد اليمنى ، ويترك له الراحة والإبهام ، ولو سرق ثانية قطعت رجله اليسرى من تحت قبّة القدم حتى يبقى له النصف من القدم ومقدار قليل من محلّ المسح ، وإن سرق ثالثاً حبس دائماً حتى يموت ، ويجري عليه من بيت المال إن كان فقيراً ، وإن عاد وسرق رابعاً ولو في السجن قتل 1. 1 ـ أمّا قطع الأصابع الأربع من مفصل أُصولها من اليد اليمنى ، فهو الذي نفى وجدان الخلاف فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه في الجواهر(1) ، وهو محلّ الخلاف بيننا وبين أهل الخلاف . قال الشيخ في الخلاف : موضع القطع في اليد من أُصول الأصابع دون الكفّ ، ويترك له الإبهام ، ومن الرجل عند معقد الشراك من عند الناتئ على ظهر القدم ، (1) جواهر الكلام: 41 / 528. (الصفحة590) يترك له ما يمشي عليه ، وهو المرويّ عن عليّ (عليه السلام)(1) وجماعة من السلف . وقال جميع الفقهاء وأبو حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي : إنّ القطع في اليد من الكوع ـ وهو المفصل الذي بين الكفّ والذراع ـ وكذلك تقطع الرجل من المفصل بين الساق والقدم(2) . وقالت الخوارج : يقطع من المنكب ; لأنّ اسم اليد يقع على هذا(3) . دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم ، وأيضاً قوله تعالى : {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيدِيْهِم}(4) ومعلوم أنّهم يكتبون بأصابعهم دون الساعد والكفّ ، وأيضاً ما قلناه مجمع على وجوب قطعه ، وما قالوه ليس عليه دليل(5) . والروايات المستفيضة من طرقنا تدلّ على ذلك ـ كما أشار إليه الشيخ(قدس سره) ـ والمناسب إيراد بعضها : كموثّقة إسحاق بن عمّار ، عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال : تقطع يد السّارق ويترك إبهامه وصدر راحته ، وتقطع رجله ويترك له عقبه يمشي عليها(6) . وذكر اليد مكان الأصابع مع أنّ القاعدة تقتضي التصريح بها ; لعلّه للإشارة إلى أنّ المراد من اليد في الآية الشريفة هو ما تدلّ عليه الرواية ، كما أنّ المراد من الراحة فيها هو الكفّ ، وعليه فالمقصود من الصدر ما يقابل الذيل ، وهو عبارة عن باطن (1) دعائم الإسلام: 2 / 469 ح1671، من لا يحضره الفقيه: 4 / 64 ـ 65، تفسير العيّاشي: 1 / 318 ح104. (2) الاُمّ: 6 / 150، مختصر المزني: 264، المجموع: 21 / 422، المغني لابن قدامة: 10 / 264، بداية المجتهد: 2/447، أسهل المدارك: 2 / 269، شرح فتح القدير: 5 / 153. (3) المحلّى بالآثار: 12 / 354، بدائع الصنائع: 6 / 42. (4) سورة البقرة 2: 79. (5) الخلاف: 5 / 437 ـ 438 مسألة 31. (6) وسائل الشيعة: 18 / 490، أبواب حدّ السرقة ب4 ح4. (الصفحة591) الأصابع ، فالرواية ظاهرة فيما أفتى به الأصحاب . وموثّقة عبدالله بن هلال ، عن أبيه ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت له : أخبرني عن السارق لم تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى ، ولا تقطع يده اليمنى ورجله اليمنى؟ فقال : ما أحسن ما سألت ، إذا قطعت يده اليمنى ورجله اليمنى سقط على جانبه الأيسر ولم يقدر على القيام ، فإذا قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى اعتدل واستوى قائماً ، قلت له : جعلت فداك ، وكيف يقوم وقد قطعت رجله؟ فقال : إنّ القطع ليس من حيث رأيت يقطع ، إنّما يقطع الرجل من الكعب ، ويترك له من قدمه ما يقوم عليه ويصلّي ويعبد الله ، قلت له : من أين تقطع اليد؟ قال : تقطع الأربع أصابع ، ويترك الإبهام يعتمد عليها في الصلاة ويغسل بها وجهه للصلاة ، قلت : فهذا القطع من أوّل من قطع؟ قال : قد كان عثمان بن عفّان حسّن ذلك لمعاوية(1) . ورواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : القطع من وسط الكفّ ، ولا يقطع الإبهام ، وإذا قطعت الرجل ترك العقب لم يقطع(2) . والظاهر أنّ المراد من وسط الكفّ هو مفصل أُصول الأصابع ; لانّه يوجب انقسام الكفّ إلى الصدر والذيل ، وعليه فالمراد بهذه العبارة كما في بعض الروايات الأُخر أيضاً هذا المعنى وإن كان خالياً عن التعرّض لعدم قطع الإبهام ، كما لا يخفى . وروايات اُخرى كثيرة ، وإن كان في سند بعضها خلل من جهة الإرسال وغيره . وفي مقابلها صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت له : من أين يجب (1) وسائل الشيعة: 18 / 494، أبواب حدّ السرقة ب5 ح8. (2) وسائل الشيعة: 18 / 489، أبواب حدّ السرقة ب4 ح2. (الصفحة592) القطع؟ فبسط أصابعه وقال : من هاهنا ، يعني من مفصل الكفّ(1) . والظاهر بقرينة النصّ والفتوى لزوم حملها على التقيّة ; لموافقتها لمذهب العامّة كما عرفت . ويمكن المناقشة في دلالتها أيضاً ; نظراً إلى أنّه لو كان مراد الإمام (عليه السلام) هو القطع من مفصل الكفّ ، لم تكن حاجة إلى بسط الأصابع ; لعدم مدخليّة البسط في هذا المعنى أصلا ، بل المناسب لبسط الأصابع هو القطع من مفصل اُصولها ، وعليه فيحتمل وقوع الخطأ والاشتباه في هذا التفسير ولو من أحد من الرواة بعد الحلبي . ثمّ إنّه لو كانت يده ناقصة يجتزى بالناقص ولو كانت إصبعاً واحدة . نعم ، لو لم يكن له من الأصابع الأربع شيء من اليد اليمنى يدخل في بعض المسائل الآتية . والوجه في الاجتزاء بالناقص ، أنّه لو اُريد قطع الإبهام أو الراحة أو كليهما مكانه فظاهر النصّ الدال على لزوم ترك الإبهام والراحة ينفي ذلك ، ولو احتمل الانتقال إلى اليد الاُخرى ، فالظاهر أنّه لا مجال له بعد عدم انتفاء اليد اليمنى وبقائها ولو بإصبع واحدة ، ودعوى أنّ ظاهر النص لزوم قطع الأصابع الأربع ، والمفروض انتفاؤها في المقام ، مدفوعة بأنّ ظاهره لزوم تأثير القطع في انتفاء الأصابع الأربع الأصليّة ، من دون فرق بين كون انتفاء الجميع مستنداً إلى القطع ، أو كان انتفاء بعضها مستنداً إلى علّة سابقة ، أو النقص من جهة الخلقة ، فالظاهر ما ذكرنا كما أشار إليه في الجواهر(2) . ولو كانت له إصبع زائدة مثلا ففيه فروض ثلاثة : (1) وسائل الشيعة: 18 / 489، أبواب حدّ السرقة ب4 ح1. (2) جواهر الكلام: 41 / 530. (الصفحة593) الأوّل : ما لو كانت الإصبع الزائدة متّصلة بأحد الأربع وتابعة له ، بحيث لا يمكن قطعه إلاّ بها ، والمحكيّ عن القواعد(1) لزوم قطع البقيّة ، وعدم قطع المشتمل على الزائدة إلاّ بمقدار لا يوجب قطعها ; ولعلّه لحرمة قطع الزائدة ، فلا مجال لقطع المشتمل عليها المستلزم لقطعها . وفي الجواهر وربّما يحتمل عدم المبالاة بالزائدة ، فيقطع الأربع إذا لم يمكن قطعها بدونها ، ولكنّه ضعيف(2) . والظاهر قوّة هذا الاحتمال ; لأنّ مفاد الروايات لزوم قطع الأصابع الأربع الأصليّة وترك الراحة والإبهام ، فإذا فرض كون الزيادة تابعة لا مجال لرفع اليد عن حكم المتبوع ، ودعوى كون قطع الزائدة محرّمة في هذا الفرض ، مدفوعة بأنّه أوّل الكلام ، ونحن نستفيد من الروايات العدم . الثاني : ما لو لم تكن الإصبع الزائدة كذلك ، أي متّصلة بأحد الأربع الأصليّة ، ولكنّها كانت متميّزة متشخّصة ، ولا يتوقّف قطع الأربع على قطعها ، والظاهر أنّه لا دليل على لزوم قطعها في هذا الفرض ; لدلالة النصوص على لزوم قطع الأصابع الأربع الأصليّة ، والحكم بلزوم ترك الإبهام والراحة لا دلالة فيه ـ بل ولا إشعار ـ على لزوم القطع . وممّا ذكرنا يظهر أنّه لا يجوز قطعها مكان أحد الأصابع الأصلية ، بل اللازم إبقاؤها بعنوانها . الثالث : الفرض الثاني مع عدم كون الزائدة متميّزة متشخّصة . ويجري فيه احتمالات ثلاث : (1) قواعد الأحكام: 2 / 271. (2) جواهر الكلام: 41 / 530. (الصفحة594) أحدها : القرعة ، نظراً إلى أنّها لكلّ أمر مشتبه أو مشكل ، والمقام أيضاً من حقوق الناس ، والظاهر قوّة هذا الاحتمال . ثانيها : ثبوت التخيير العقلي ; لدوران الأمر بين المحذورين ; للعلم الإجمالي بوجوب قطع الأصليّة وحرمة قطع الزائدة ، والمفروض عدم تميّزهما بوجه . ثالثها : قطع الجميع ; لعدم الدليل على حرمة قطع الزائدة في هذا الفرض ، فإذا توقّف قطع الأصليّة على قطع كلتيهما يجب ، كما في الزائدة التابعة على ما عرفت في الفرض الأوّل ، وهذا الاحتمال أقوى بعد الاحتمال الأوّل . ثمّ إنّه حكي عن المبسوط أنّه قال : فإذا قدِّم السارق للقطع أُجلس ولا يقطع قائماً ; لأنّه أمكن له وأضبط حتّى لا يتحرّك فيجني على نفسه ، وتشدّ يده بحبل وتمدّ حتّى يتبيّن المفصل ، وتوضع على شيء : لوح أو نحوه ، فإنّه أسهل وأعجل لقطعه ، ثمّ يوضع على المفصل سكّين حادّة ، ويدقّ من فوقه دقّةً واحدة حتّى تنقطع باعجل ما يمكن ، قال : وعندنا يفعل مثل ذلك باُصول الأصابع إن أمكن ، أو يوضع على الموضع شيء حادّ ويمدّ عليه مدّة واحدة ، ولا يكرّر القطع فيعذّبه ; لأنّ الغرض إقامة الحدّ من غير تعذيب ، فإن علم قطع أعجل من هذا قطع به(1) . ولا بأس بذلك وإن لم أجده فيما حضرني من النصوص ، ولازم ما أفاده جواز القطع في زماننا هذا مع فقد الحسّ لموضع القطع ، بحيث لا يتأذّى بذلك أصلا ، أو القطع بإعانة المادّة الكهربائيّة وأمثال ذلك ، ولا يبعد الالتزام به . هذا تمام الكلام في حدّ المرّة الاُولى . وأمّا الحدّ في المرّة الثانية ، فلا إشكال ولا خلاف نصّاً وفتوىً في أنّه عبارة عن (1) المبسوط: 8 / 35. (الصفحة595) قطع الرجل اليسرى ، وقد وقع الخلاف في محلّ القطع ، فعن المقنعة(1) والنهاية(2)والنافع(3) ومجمع البيان(4) والمراسم(5) والروضة(6) أنّه من مفصل القدم ، ويترك له العقب يعتمد عليها . واختاره المحقّق في الشرائع(7) والعلاّمة في جلّ كتبه(8) . واختار جمع كثير من المتقدّمين والمتأخرين أنّه من وسط القدم ، وإن كانت عباراتهم في إفادة هذا المعنى مختلفة بحسب الظاهر ، ولكنّ المراد متّحد ، فعن الصدوق في المقنع مثل ما ذكر من التعبير بوسط القدم(9) ، وعن الخلاف(10)والمبسوط(11) والتلخيص للعلاّمة : يقطع من عند معقد الشراك من عند الناتئ على ظهر القدم(12) ، وعن السرائر : من مفصل المشط ما بين قبّة القدم وأصل الساق ، ويترك بعض القدم الذي هو الكفّ يعتمد عليها في الصلاة(13) . والمشط هو العظام (1) المقنعة: 802. (2) النهاية: 717. (3) المختصر النافع: 303. (4) مجمع البيان: 3 / 318. (5) المراسم: 261. (6) الروضة البهيّة: 9 / 284. (7) شرائع الإسلام: 4 / 956. (8) إرشاد الأذهان: 2 / 184، قواعد الأحكام: 2 / 270، تحرير الأحكام: 2 / 231، تبصرة المتعلِّمين: 188. (9) المقنع: 445. (10) الخلاف: 5 / 437 مسألة 31. (11) المبسوط: 8 / 35. (12) حكى عنه في كشف اللثام : 2/428 ـ 429 . (13) السرائر: 3 / 488 ـ 489. (الصفحة596) الرقاق المنتشرة في ظهر القدم . وعن الكافي(1) والغنية(2) والإصباح : أنّه من عند معقد الشراك ، ويترك له مؤخّر القدم والعقب(3) . وعن الإنتصار : يقطع من صدر القدم ويبقى له العقب(4) . والظاهر أنّ تقسيم القدم إلى الصدر والذيل إنّما هو بلحاظ ظاهره لا باطنه ، فلا يبقى ظهور لقوله : «ويبقى له العقب» في إبقاء خصوص العقب . وعن الجامع : أنّه من الكعب ، وأنّه يبقى له عقبه(5) . وقد فسّر الكعب في كتاب الطهارة بقبّة القدم(6) ، والحكم بإبقاء العقب نظير ما ذكرنا . وهنا قول ثالث يظهر من محكيّ التبيان ، قال : فأمّا الرجل فعندنا تقطع الأصابع الأربع من مشط القدم ، ويترك الإبهام والعقب(7) ، ولكنّه ذكر في الجواهر بعد نقله : إنّي لم أجده قولا لأحد من العامّة والخاصّة ، فضلا عن أن يكون مجمعاً عليه بيننا كما هو ظاهر عبارته(8) . هذا بالنظر إلى الفتاوى . وأمّا بالنظر إلى النصوص ، فمقتضى قوله (عليه السلام) في خبر أبي بصير المتقدّم في حدّ المرّة الأولى : «وإذا قطعت الرجل ترك العقب لم يقطع» هو اختصاص المتروك بخصوص العقب ، وكذا قوله (عليه السلام) في موثّقة إسحاق بن عمار المتقدّمة : «وتقطع رجله (1) الكافي في الفقه: 411. (2) غنية النزوع: 432. (3) إصباح الشيعة: 523. (4) الإنتصار: 528. (5) الجامع للشرائع: 561. (6) الجامع للشرائع: 36. (7) التبيان: 3 / 514. (8) جواهر الكلام: 41 / 533. (الصفحة597) ويترك له عقبه يمشي عليها» . ولكنّ الظاهر أنّ قوله : «يمشي عليها» ـ الذي هو بمنزلة التعليل ـ يظهر منه عدم اختصاص المتروك بخصوص العقب ; لعدم القدرة على المشي مع العقب فقط ، ولو فرض ثبوت القدرة على القيام . ومقتضى قوله (عليه السلام) في رواية سماعة بن مهران قال : قال : «إذا أُخذ السارق قطعت يده من وسط الكفّ ، فإن عاد قطعت رجله من وسط القدم ، فإن عاد استودع السجن ، فإن سرق في السجن قتل»(1) هو القول الثاني . وكذا رواية زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث السرقة ، قال : وكان إذا قطع اليد قطعها دون المفصل ، فإذا قطع الرجل قطعها من الكعب ، قال : وكان لا يرى أن يعفى عن شيء من الحدود(2) . بناءً على أنّ الكعب هو قبّة القدم ، كما هو المعروف بين الأصحاب . وكذا قوله (عليه السلام) في رواية عبدالله بن هلال المتقدّمة في مقام الجواب عن سؤال الراوي : وكيف يقوم وقد قطعت رجله؟ : «إنّ القطع ليس من حيث رأيت يقطع ، إنّما يقطع الرجل من الكعب ، ويترك له من قدمه ما يقوم عليه ويصلّي ويعبد الله تعالى» . والظاهر أنّ ظهور هذه الروايات في القول الثاني أقوى من ظهور خبر أبي بصير في اختصاص المتروك بالعقب ، فيصير قرينة على التصّرف فيه بحمله على ترك العقب غير المنافي لترك شيء آخر ، كما عرفت في بعض العبائر المتقدّمة ، فالظاهر هو القول الثاني كما اختاره في المتن . (1) وسائل الشيعة: 18 / 489، أبواب حدّ السرقة ب4 ح3. (2) وسائل الشيعة: 18 / 491، أبواب حدّ السرقة ب4 ح8. (الصفحة598) وأمّا الحدّ في المرّة الثالثة ، فهو الحبس دائماً حتّى يموت(1) ، والنصّ والفتوى متوافقان على ذلك ، بل كما في الجواهر يمكن دعوى القطع به من النصوص(2) مثل : صحيحة محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في السارق إذا سرق قطعت يمينه ، وإذا سرق مرّة اُخرى قطعت رجله اليسرى ، ثمّ إذا سرق مرّة اُخرى سجنه ، وتركت رجله اليمنى يمشي عليها إلى الغائط ، ويده اليسرى يأكل بها ويستنجي بها ، فقال : إنّي لأستحيي من الله أن أتركه لا ينتفع بشيء ، ولكنّي أسجنه حتّى يموت في السجن ، وقال : ما قطع رسول الله(صلى الله عليه وآله) من سارق بعد يده ورجله(3) . وصحيحة القاسم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن رجل سرق ؟ فقال : سمعت أبي يقول : اُتي عليّ (عليه السلام) في زمانه برجل قد سرق فقطع يده ، ثمّ اُتي به ثانية فقطع رجله من خلاف ، ثمّ اُتي به ثالثة فخلّده في السجن ، وأنفق عليه من بيت مال المسلمين ، وقال : هكذا صنع رسول الله(صلى الله عليه وآله) لا أُخالفه(4) . وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث في السرقة ، قال : تقطع اليد والرجل ثمّ لا يقطع بعد ، ولكن إن عاد حبس واُنفق عليه من بيت مال المسلمين(5) . (1) في النسخة المخطوطة للمؤلّف : حتّى يتوب. (2) جواهر الكلام: 41 / 533. (3) وسائل الشيعة: 18 / 492، أبواب حدّ السرقة ب5 ح1. (4) وسائل الشيعة: 18 / 493، أبواب حدّ السرقة ب5 ح3. (5) وسائل الشيعة: 18 / 494، أبواب حدّ السرقة ب5 ح7. (الصفحة599) وإطلاق الحبس لو لم يكن ظاهراً في الدوام ، فلا أقلّ من أنّه محمول عليه بقرينة سائر الروايات . وما رواه الصدوق بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين (عليه السلام) ، أنّه كان إذا سرق الرجل أوّلا قطع يمينه ، فإن عاد قطع رجله اليسرى ، فإن عاد ثالثة خلّده السجن وأنفق عليه من بيت المال(1) . وغير ذلك من الروايات الكثيرة الدالّة عليه . ثمّ إنّ صاحب الجواهر ذكر بعد قول المحقّق : فإن سرق ثالثة حبس دائماً(2)قوله : «حتّى يموت أو يتوب»(3) وظاهره أنّ التوبة توجب التخلّص عن الحبس ، مع أنّ الظاهر أنّه لا دليل عليه ، وليس في شيء من الروايات الواردة في هذه الجهة إشعار بذلك . وأمّا الحدّ في المرّة الرابعة ، المتحقّقة بالسرقة في السجن أو في خارجه بعد الفرار منه ، فهو القتل بلا خلاف أيضاً ، ويدلّ عليه مثل : موثّقة سماعة بن مهران قال : قال : إذا اُخذ السارق قطعت يده من وسط الكفّ ، فإن عاد قطعت رجله من وسط القدم ، فإن عاد استودع السجن ، فإن سرق في السجن قتل(4) . وليس للسرقة في السجن خصوصيّة ، بل المناط مجرّد السرقة في المرّة الرابعة ، ولو كان في خارج السجن بعد الفرار منه . (1) وسائل الشيعة: 18 / 495، أبواب حدّ السرقة ب5 ح10. (2) شرائع الإسلام: 4 / 956. (3) جواهر الكلام: 41 / 533. (4) وسائل الشيعة: 18 / 493، أبواب حدّ السرقة ب5 ح4. (الصفحة600) مسألة 2 : لو تكرّرت منه السرقة ولم يتخلّل الحدّ كفى حدّ واحد ، فلو تكرّرت منه السرقة بعد الحدّ قطعت رجله ، ثمّ لو تكرّرت منه حبس ، ثمّ لو تكرّرت قتل 1 . مسألة 3 : لا تقطع اليسار مع وجود اليمين ، سواء كانت اليمين شلاّء ومرسلة الصدوق قال : وروي أنّه من سرق في السجن قتل(1) . ولكنّها ضعيفة من حيث السند بالإرسال ، ومن حيث الدّلالة ; لعدم ظهورها في كون المراد هو السجن الذي جعل حدّ السرقة في المرّة الثالثة ، إلاّ أن يؤخذ بإطلاقها . 1 ـ أمّا كفاية الحدّ الواحد مع عدم التخلّل ـ فمضافاً إلى أنّه لا خلاف فيه بين الخاصّة بل بين العامّة كما في الجواهر(2) ـ يدلّ عليه: صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج وبكير بن أعين ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجل سرق فلم يقدر عليه ، ثمّ سرق مرّةً اُخرى فلم يقدر عليه ، وسرق مرّةً اُخرى فأخذ ، فجاءت البيّنة فشهدوا عليه بالسرقة الاُولى والسرقة الأخيرة ، فقال : تقطع يده بالسرقة الاُولى ، ولا تقطع رجله بالسرقة الأخيرة ، فقيل له : وكيف ذاك؟ قال : لأنّ الشهود شهدوا جميعاً في مقام واحد بالسرقة الاُولى والأخيرة قبل أن يقطع بالسرقة الاُولى ، ولو أنّ الشهود شهدوا عليه بالسرقة الاُولى ثمّ أمسكوا حتّى يقطع ، ثمّ شهدوا عليه بالسرقة الأخيرة قطعت رجله اليسرى(3) . وسيأتي تمام الكلام فيه في اللواحق إن شاء الله تعالى . (1) وسائل الشيعة: 18 / 495، أبواب حدّ السرقة ب5 ح11. (2) جواهر الكلام: 41 / 535، وكذا في الخلاف: 5 / 441 مسألة 36. (3) وسائل الشيعة: 18 / 499، أبواب حدّ السرقة ب9 ح1. |