(الصفحة221)
ومثل هذه الروايات دليل على أنّ المراد بالبأس في بعض الروايات الواردة في هذا المجال في صورة الاشتراط هي الحرمة ، ففي موثّقة إسحاق بن عمّار قال : قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام) : الرجل يكون له عند الرجل المال قرضاً ، فيطول مكثه عند الرجل لا يدخل على صاحبه منه منفعة ، فينيله الرجل الشيء بعد الشيء كراهية أن يأخذ ماله حيث لا يصيب منه منفعة ، أيحلّ ذلك له؟ قال : لا بأس إذا لم يكونا شرطاه(1) .
وفي رواية الحلبي قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يستقرض الدراهم البيض عدداً ثمّ يعطي سوداً وزناً وقد عرف أنّها أثقلّ ممّا أخذ ، وتطيب نفسه أن يجعل له فضلها ؟ فقال : لا بأس به إذا لم يكن فيه شرط ، ولو وهبها له كلّها صلح(2) ، وغير ذلك من الروايات الدالّة عليه .
ثمّ إنّ الزيادة التي لا يجوز شرطها في القرض أعمّ من أن تكون عينيّة كعشرة دراهم باثني عشر ، أو عملاً كخياطة الثوب ، أو منفعة ، أو انتفاعاً كالانتفاع بالعين المرهونة عنده ، أو صفة مثل أن يقرضه دراهم مكسورة على أن يؤدّيها صحيحة; لصدق عنوان الزيادة في جميع الصور المفروضة . كما أنّه لا فرق بين أن يكون الاشتراط صريحاً ، أو أضمراه بحيث وقع القرض مبنيّاً عليه ، كما أنّه لا فرق بين أن يكون المال المقترض ربوياً في باب المعارضة; بأن كان من المكيل والموزون ، أو غيره; بأن كان معدوداً كالجوز والبيض ، والظاهر أنّ مثل الورقة النقديّة الإيراني من هذا القبيل .
(1) الفقيه: 3/181 ح817 ، تهذيب الأحكام: 6/205 ح467 ، الاستبصار: 3/10 ح28 ، وعنها الوسائل: 18/357 ، كتاب التجارة ، أبواب الدين والقرض ب19 ح13 .
(2) الكافي: 5/253 ح1 ، الفقيه: 3/180 ح815 ، تهذيب الأحكام: 6/200 ح470 ، وعنها الوسائل: 18/191 ، كتاب التجارة ، أبواب الدين والقرض ب12 ح2 .
(الصفحة222)
مسألة 10 : لو أقرضه وشرط عليه أن يبيع منه شيئاً بأقلّ من قيمته ، أو يؤاجره بأقلّ من اُجرته كان داخلاً في شرط الزيادة . نعم ، لو باع المقترض من المقرض مالاً بأقلّ من قيمته ، وشرط عليه أن يقرضه مبلغاً معيّناً لا بأس به1.
مسألة 11 : إنّما تحرم الزيادة مع الشرط ، وأمّا بدونه فلا بأس ، بل تستحبّ للمقترض; حيث إنّه من حسن القضاء ، وخير الناس أحسنهم قضاءً ، بل يجوز ذلك إعطاءً وأخذاً لو كان الإعطاء لأجل أن يراه المقرض حسن القضاء ، فيقرضه كلّما احتاج إلى الاقتراض ، أو كان الإقراض لأجل أن ينتفع من المقترض لكونه حسن القضاء ، ويكافئ من أحسن إليه بأحسن الجزاء بحيث لولا ذلك لم يقرضه . نعم ، يكره أخذه للمقرض ، خصوصاً إذا كان إقراضه لأجل ذلك ، بل يستحبّ أنّه إذا أعطاه شيئاً بعنوان الهدية ونحوها يحسبه عوض طلبه; بمعنى أنّه يسقط منه بمقداره2.
1 ـ من شرط الزيادة ما لو أقرضه وشرط عليه أن يبيع منه شيئاً بأقلّ من قيمته ، أو يؤاجره بأقلّ من اُجرته كما هو المتداول في هذه الأزمنة ، غاية الأمر يعبّرون عن القرض بالرهن غلطاً مشهوراً ، ولا وجه لتصحيحه بالنحو المتعارف إلاّ بالكيفيّة المذكورة في المتن; وهي القرض في ضمن الإجارة بالأقلّ ، بحيث كان القرض شرطاً في الإجارة ، لا كون الإجارة بالأقلّ شرطاً في ضمن القرض ، فإنّه غير جائز ، ولا يشكل بأنّه أيّ فرق بينهما ، فإنّه يُقال عند ذلك : لابدّ وأن يقال بأنّه ما الفرق بين المتعة والزنا مع اشتراكهما في كثير من الأحكام ، وفي أنّ المقصود من كليهما الالتذاذ والاستمتاع .
2 ـ مقتضى النصّ والفتوى أنّ حرمة الزيادة إنّما هي مع الشرط ، وأمّا بدونه
(الصفحة223)
مسألة 12 : إنّما يحرم شرط الزيادة للمقرض على المقترض ، فلا بأس بشرطها للمقترض; كما أقرضه عشرة دراهم على أن يؤدّي ثمانية ، أو أقرضه دراهم صحيحة على أن يؤدّيها مكسورة . فما تداول بين التجّار من أخذ الزيادة وإعطائها في الحوائل المسمّى عندهم بصرف البرات ، ويطلقون عليه ـ على المحكي ـ بيع الحوالة وشرائها ، إن كان بإعطاء مقدار من الدراهم وأخذ الحوالة من المدفوع إليه بالأقلّ منه فلا بأس به ، وإن كان بإعطاء الأقلّ وأخذ الحوالة بالأكثر يكون داخلاً في الرّبا1.
فلا بأس ، بل تستحبّ الزيادة للمقترض; حيث إنّه من حسن القضاء ، وخير الناس أحسنهم قضاءً ، بل يجوز ذلك إعطاءً وأخذاً لو كان الإعطاء لأجل أن يراه المقرض حسن القضاء ، فيقرضه كلّما احتاج إلى القرض ، أو كان الإقراض لأجل أن ينتفع من المقترض لكونه حسن القضاء ، ويكافئ من أحسن إليه بأحسن الجزاء بحيث لولا ذلك لم يقرضه ، وفي عين الحال يكره أخذه للمقرض ، خصوصاً إذا كان إقراضه لأجل ذلك; أي لأجل العلم بأنّ المقترض يعطي الزيادة ، بل المستحبّ له أنّه إذا أعطاه شيئاً بعنوان الهدية ونحوها يحسب عوض طلبه; بمعنى أنّه يسقط منه بمقداره . وهذه نظير الضيافة ، فإنّه يكره للضيف التحميل على المضيف وإيقاعه في الكلفة والمشقّة ، ويستحبّ للمضيف ذلك; أي إكمال الإكرام وتكميل الضيافة ولو بالوقوع في الكلفة ، كما لايخفى .
1 ـ إنّما يحرم شرط الزيادة في القرض إذا كان للمقرض على المقترض ، كالمثال المذكور في المسألة التاسعة المتقدِّمة; وهو أن يقرضه عشرة دراهم باثني عشر ومثله من أنواع الزيادة . وأمّا إذا كان بالعكس; بأن يكون للمقترض على المقرض
(الصفحة224)
مسألة 13 : القرض المشروط بالزيادة صحيح ، لكن الشرط باطل وحرام ، فيجوز الاقتراض ممّن لا يقرض إلاّ بالزيادة ـ كالبنك وغيره ـ مع عدم قبول الشرط على نحو الجدّ وقبول القرض فقط ، ولا يحرم إظهار قبول الشرط من دون جدّ وقصد حقيقيّ به ، فيصحّ القرض ويبطل الشرط من دون ارتكاب الحرام1.
كالمثالين المذكورين في المتن فلا بأس به ; لأنّ الروايات الدالّة على البأس مع الاشتراط التي تقدّم بعضها لا يشمل هذه الصورة ، ويتفرّع على ما ذكر أنّ ما تداول بين التجّار من أخذ الزيادة وإعطائها في الحوائل المسمّى عندهم بصرف البرات ، ويطلقون عليه بيع الحوالة وشرائها ، إن كان بإعطاء مقدار من الدرهم وأخذ الحوالة من المدفوع إليه بالأقلّ منه ، إمّا لكون المحال عليه أشدّ اطمئناناً منه ، أو للخوف من السرقة وأمثالها في الطريق ، فلا بأس به ، وإن كان بإعطاء الأقلّ وأخذ الحوالة بالأكثر لخوف المدفوع إليه كذلك وأمثاله فهو من مصاديق الربا ; لأنّ الشرط إنّما هو بنفع المحيل كما لايخفى .
1 ـ وقع الاختلاف بعد الاتّفاق على بطلان شرط الزيادة في القرض وحرمته في أنّ هذا الشرط الفاسد المحرّم يوجب بطلان القرض أيضاً ، كما إذا قلنا في مثل البيع بأنّ الشرط الفاسد مفسد للعقد الذي وقع فيه هذا الشرط ، أم لا يوجب بطلان أصل الاقتراض ، ظاهر المتن الثاني ، ولكن صاحب الجواهر يقول بالأوّل الذي مرجعه إلى أنّ الشرط في صحّة القرض عدم اشتراط الزيادة ، مستظهراً ذلك من صحيحة محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: من أقرض رجلاً ورقاً فلا يشترط إلاّمثلها ، فإن جوزي أجود منها فليقبل ، ولا يأخذ أحد منكم ركوب دابّة
(الصفحة225)
أو عارية متاع يشترطه من أجل قرض ورقه(1) .
قال : ضرورة ظهور النهي فيها في الشرطية كما في نظائره ، مضافاً إلى النبويّ : كلّ قرض يجرّ منفعة فهو حرام(2) . المراد منه بقرينة غيره صورة الشرط المنجبر بكلام الأصحاب ، بل قيل : إنّه إجماع ، بل في المختلف الإجماع على أنّه إذا أقرضه وشرط عليه أن يردّ خيراً ممّا اقترض كان حراماً وبطل القرض(3) ، فحرمة القرض منه حينئذ ظاهرة في فساده وأنّه لم يفد الملك ، فيحرم على المستقرض التصرّف فيه وهو مضمون عليه; لكونه مقبوضاً على ذلك ، ولأنّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده(4) .
هذا ، ولكن عن المحدّث البحراني فيما حكي عنه التوقّف في ذلك ، مدّعياً أنّه ليس في شيء من نصوصنا ما يدلّ على فساد العقد بذلك ، بل أقصاها النهي عن اشتراط الزيادة ، والخبر النبوي ليس من طرقنا . نعم ، يبنى فساد العقد على أنّ فساد الشرط هل يوجب فساد العقد وهو مورد للخلاف وإن كان ظاهرهم هنا عدم كون البطلان مبنيّاً على ذلك، ولذا ادّعى شيخنا في المسالك الإجماع عليه(5) (6).
أقول : والظاهر أنّ الحقّ مع ما في المتن; لمنع ظهور الصحيحة في الشرطية ،
(1) تهذيب الأحكام: 6/203 ح457، وعنه الوسائل: 18/357، كتاب التجارة، أبواب الدين والقرض ب19 ح11.
(2) السنن الكبرى للبيهقي: 8/276 ح11092 ، المطالب العالية: 7/362 ح1440 ، الجامع الصغير للسيوطي: 394 ح6336 ، كنز العمال: 6/238 ح15516 .
(3) مختلف الشيعة: 5/408 مسألة 24 .
(4) جواهر الكلام: 25/6 ـ 7 .
(5) مسالك الأفهام: 3/443 ـ 444 .
(6) الحدائق الناضرة: 20/116 ـ 118 ، جواهر الكلام: 25/6 ـ 7 .
(الصفحة226)
مسألة 14 : المال المقترض إن كان مثلياً ـ كالدراهم والدنانير والحنطة والشعير ـ كان وفاؤه وأداؤه بإعطاء ما يماثله في الصفات من جنسه; سواء بقي على سعره الذي كان له وقت الإقراض ، أو ترقّى أو تنزّل; وهذا هو الوفاء الذي لا يتوقّف على التراضي ، فللمقرض أن يطالب المقترض به ، وليس له الامتناع ولو ترقّى سعره عمّا أخذه بكثير ، وللمقترض إعطاوه ، وليس للمقرض الامتناع ولو تنزّل بكثير ، ويمكن أن يؤدّي بالقيمة بغير جنسه; بأن يعطي بدل الدراهم الدنانير مثلاً وبالعكس ، ولكنّه يتوقّف على التراضي ، فلو أعطى بدل الدراهم الدنانير فللمقرض الامتناع ولو تساويا في القيمة ، بل ولو كانت الدنانير أغلى ، كما أنّه لو أراده المقرض كان للمقترض الامتناع ولو كانت الدنانير أرخص .
وإن كان قيميّاً فقد مرّ أنّه تشتغل ذمّته بالقيمة ، وهي النقود الرائجة ، فأداؤه ـ الذي لا يتوقّف على التراضي ـ بإعطائها ، ويمكن أن يؤدّي بجنس آخر من غير
والنبوي ليس من طرقنا ، والانجبار غير معلوم ، مع أنّ هنا روايات دالّة على أنّ خير القرض ما جرّ نفعاً(1) ، والمراد منها وإن كان صورة عدم الاشتراط ، إلاّ أنّ استفادة حرمة أصل القرض وفساده في صورة الاشتراط ممنوعة ، ويترتّب على ما ذكر من عدم حرمة الاقتراض ممّن لا يقرض إلاّ مع الزيادة ، كالبنك في زمن الطاغوت لا زماننا الذي يكون مبناه على المضاربة والجعالة وأمثالهما من العناوين المحلّلة ، فإنّ قصد الاقتراض جدّاً وعدم قبول الزيادة كذلك كاف في الصحّة والحلّية ، وإن كان يعلم بأنّه يؤخذ منه الزيادة بالقوى القهريّة ، ولكنّه لم يكن مرتكباً للحرام بالاقتراض كذلك ، كما لا يخفى .
(1) وسائل الشيعة: 18/354 ـ 359 ، كتاب التجارة ، أبواب الدين والقرض ب19 ح4 ـ 6 ، 8 ، 16 وغيرها .
(الصفحة227)
النقود بالقيمة، لكنّه يتوقّف على التراضي . ولو كانت العين المقترضة موجودة، فأراد المقترض أو المقرض أداء الدَّين بإعطائها ، فالأقوى جواز الامتناع1.
1 ـ المال المقترض تارةً يكون بنفسه موجوداً ، واُخرى لا يكون كذلك ، وعلى الفرض الثاني تارةً يكون مثليّاً ، كالدراهم والدنانير والحنطة والشعير ، واُخرى يكون قيميّاً ، كالأغنام ومثلها ، وعلى التقديرين تارةً لا يتوقّف الأداء على التراضي ولا يجوز لكلّ منهما الامتناع ، واُخرى يتوقّف على التراضي ولا يتحقّق بدونه . أمّا إذا كان المال المقترض موجوداً باقياً غير تالف ، فقد قوّى في المتن جواز الامتناع لكلّ منهما ، ولعلّ السرّ أنّ الدَّين الذي يعمّ القرض مال كلّي في ذمّة المديون المقترض ، وتعيينه في فرد خاصّ إنّما هو بيده ، فإذا أراد التعيين في غير المال الشخصي المقترض فله ذلك ، وليس للمقرض الامتناع عن قبوله ، وأمّا إذا أراد الأداء بدفع نفس العين المقترضة فظاهر المتن جواز امتناعه عن قبولها ، والظاهر أنّه ليس له وجه وجيه ، فإنّ المفروض أنّ ما في الذمّة هو الكلّي ، والعين الشخصية من مصاديقه وأفراده ، مضافاً إلى أنّ لزوم قبول المثل أو القيمة مع جواز الامتناع من قبول نفس العين لعلّه ممّا لا يجتمعان .
هذا بالنسبة إلى العين . وأمّا في غيرها ، فإن كان مثلياً كالدراهم والدنانير ، فإن أراد الدفع والأداء من نفس المثلي الذي يماثله في الصفات والخصوصيات المربوطة ، فذلك هو الأداء الواقعي الذي لا يتوقّف على التراضي ، ولا يجوز للمقرض الامتناع عن قبوله بوجه ، وهذا من دون فرق بين ترقّي السعر وتنزّله والعدم; لعدم الفرق بين الصور الثلاثة في ذلك . وأمّا إذا لم يرد الدفع من نفس المثلي ، بل من جنس آخر أو القيمة مثلاً ، كما إذا أراد إعطاء الشعير بدلاً عن الحنطة أو قيمتها ، فهو متوقّف على التراضي وإن كانت القيمتان متساويتين . وكذا الحال في
(الصفحة228)
مسألة 15 : يجوز في قرض المثلي أن يشترط المقرض على المقترض أن يؤدّي من غير جنسه ، ويلزم عليه ذلك بشرط أن يكونا متساويين في القيمة ، أو كان ما شرط عليه أقلّ قيمة ممّا اقترض1.
مسألة 16 : الأقوى أنّه لو شرط التأجيل في القرض صحّ ولزم العمل به وليس للمقرض مطالبته قبل حلول الأجل2.
غير المثلي ، فإن أراد الوفاء بالقيمة ـ وهي النقود الرائجة ـ فذلك لا يتوقّف على التراضي; لأنّها الأداء الواقعي ، وإن أراد التأدية بغير القيمة كجنس آخر فذلك يتوقّف على التراضي ; لأنّ أداء القيمة كانت هي الوظيفة عليه ، فتدبّر جيّداً .
1 ـ يجوز في قرض المثلي أن يشترط المقرض على المقترض أن يؤدّي من جنسه ، ويلزم عليه ذلك بشرط عدم تحقّق الزيادة بشيء من عناوينها المتقدِّمة ، ولا يصدق على ذلك الزيادة في الصفة بعد عدم المدخلية في زيادة القيمة ، بل ربما يكون له دخلاً في قلّتها ، كما لا يخفى .
2 ـ شرط التأجيل في القرض صحيح بشرط كون الأجل معيّناً ، ويلزم العمل بهذا الشرط خصوصاً بعد وقوعه في ضمن عقد لازم ، وعليه فليس للمقرض المطالبة قبل حلول الأجل . نعم ، يظهر هنا في بادئ النظر إشكال; وهو أنّ لزوم عقد القرض من ناحية كما تقدّم ، وعدم لزوم شرط التأجيل من ناحية اُخرى ، وجواز مطالبة المقرض بعد تحقّق القرض في كلّ آن لعلّهما ممّا لا يمكن اجتماعهما ، والجواب أنّ معنى اللزوم عدم جواز الفسخ الذي مرجعه إلى ردّ نفس العين المقترضة ، وهو لا ينافي جواز مطالبة المثل أو القيمة ، خصوصاً مع ما عرفت من المتن من أنّه يجوز
(الصفحة229)
مسألة 17 : لو شرط على المقترض أداء القرض وتسليمه في بلد معيّن صحّ ولزم وإن كان في حمله مؤونة ، فإن طالبه في غيره لم يلزم عليه الأداء ، كما أنّه لو أدّاه في غيره لم يلزم المقرض القبول . وإن أطلق القرض ولم يعيّن بلد التسليم ، فلو طالبه المقرض في بلد القرض يجب عليه الأداء ، ولو أدّاه فيه يجب عليه القبول ، وأمّا في غيره فالأحوط للمقترض ـ مع عدم الضرر وعدم الاحتياج إلى المؤونة ـ الأداء لو طالبه الغريم ، كما أنّ الأحوط للمقرض القبول مع عدمهما ، ومع لزوم أحدهما يحتاج إلى التراضي1.
للمقرض الامتناع عن قبول نفس العين المقترضة ، ومعنى عدم لزوم شرط التأجيل أنّ القرض ليس مثل الإجارة التي يعتبر فيها ذكر الأجل المعيّن ، بل يمكن فيه ترك اشتراط التأجيل بالمرّة ، فاجتماع هذه الاُمور ممكن .
1 ـ لو شرط على المقترض أداء القرض وتسليمه في بلد معيّن صحّ ولزم; للزوم الوفاء بالشرط ، خصوصاً إذا كان في ضمن عقد لازم كالقرض ومثله ، ويجب على المقترض الأداء في ذلك البلد المعيّن المشروط ، من دون فرق بين أن يكون في حمله مؤونة أم لا ، ومع المطالبة في غير ذلك لم يلزم عليه الأداء ، كما أنّه لو أدّاه في غيره لم يلزم المقرض القبول ، وكذا ، من دون فرق بين أن يكون الإعطاء في ذلك البلد بنفع واحد منهما أو عدمه ; لعدم صدق الزيادة الموجبة للتحريم ، ويتّفق هذا في زماننا كثيراً من جهة اختلاف قيمة مثل الورقة النقديّة في الممالك المختلفة ، هذا في صورة التعيين .
وأمّا مع الإطلاق وعدم تعيين بلد التسليم أصلاً ، فلو وقعت المطالبة في بلد القرض يجب على المقترض الأداء ، وكذا العكس لو أدّاه فيه يجب على المقرض
(الصفحة230)
مسألة 18 : يجوز أن يشترط في القرض إعطاء الرهن ، أو الضامن ، أو الكفيل ، وكلّ شرط سائغ لا يكون فيه النفع للمقرض ولو كان مصلحة له1.
مسألة 19 : لو اقترض دراهم ثمّ أسقطها السلطان وجاء بدراهم غيرها ، لم يكن عليه إلاّ الدراهم الاُولى . نعم ، في مثل الأوراق النقدية المتعارفة في هذه
القبول . وأمّا في غير بلد القرض ، فإن طالبه الغريم ولم يكن الأداء مستلزماً للضرر أو الحاجة إلى المؤونة، كما لو كانت العين المقترضة هي الورقة النقديّة الذي لايحتاج حمله إلى المؤونة ، ولا يوجب الأداء في غير بلد القرض والتسليم مستلزماً للضرر بوجه ، فقد احتاط لزوماً في المتن بالأداء ، كما أنّه احتاط كذلك قبول المقرض مع عدم استلزام شيء من الأمرين ، ولعلّ وجه الاحتياط أنّه نسب وجوب الأداء في هذه الصورة إلى العلاّمة(1) ; لأنّ المقرض صاحب الحقّ فله السلطنة على التعيين ، ويرد عليه أنّه لا ملازمة بين كونه صاحب الحقّ ، وبين لزوم الأداء مع المطالبة في صورة عدم الاشتراط مع ثبوت حقّ الاشتراط له كما مرّ ، فالظاهر لزوم رعاية التراضي كما في صورة استلزام الضرر أو الحاجة إلى المؤونة ، كما لايخفى .
1 ـ يجوز أن يشترط في القرض إعطاء الرهن ليكون وثيقة لدينه ولا ينطبق عليه عنوان الزيادة ، بل يشترطه لأجل أن يصل إلى ماله قطعاً كما هو الغرض الأصلي من الرهن ، كما أنّه يجوز أن يشترط فيه الضامن أو الكفيل لما ذكرنا ، وكذا كلّ شرط سائغ لا يكون فيه النفع الموجب لانطباق عنوان الزيادة وإن كان للمشترط فيه المصلحة ، فإنّ ثبوتها أعمّ من ثبوت نفع له كما لا يخفى .
(1) قواعد الأحكام: 2/105 .
(الصفحة231)
الأزمنة إذا سقطت عن الاعتبار ، فالظاهر الاشتغال بالدراهم والدنانير الرائجة .نعم ، لو فرض وقوع القرض على الصكّ الخاصّ بنفسه ـ بأن قال : «أقرضتك هذا الكاغذ المسمّى بالنوت» ـ كان حاله حال الدراهم ، وهكذا الحال في المعاملات والمهور الواقعة على الصكوك1.
1 ـ ربما يُقال : إنّ إسقاط الدراهم والدنانير على أقسام :
الأوّل : إسقاط الرواج الفعلي مع بقاء أصل المالية من كلّ جهة ، بلا فرق في هذه الجهة بين السابقة واللاحقة ، بل ربما تكون القيمة في السابقة أكثر ، كالسكوك التي كانت من الفضّة الواقعية في الزمن السابق ، فإنّها وإن لم تكن رائجة فعلاً لكن قيمتها تكون أكثر من السابقة .
الثاني : إسقاط أصل المالية رأساً ، فلا تكون للسابقة قيمة أصلاً ، كالسكوك التي كانت في زمن الطاغوت والآن لا قيمة لها أصلاً; لخلوّها عن الفضّة الواقعيّة .
الثالث : تغيير السعر في الجملة بين السابقة واللاحقة مع بقاء الرواج وسائر الجهات ، ومقتضى قاعدة ضمان المثلي بالمثل هو اشتغال الذمّة بالمثل في القسم الأوّل والأخير ، كما أنّ مقتضى بناء القرض وسائر الضمانات على تحفّظ المالية مهما أمكن ذلك ، هو اشتغال الذمّة بالقيمة في الوسط بناءً على متعارف الناس في هذا الموضوع .
هذا مع قطع النظر عن الروايات ، وأمّا بملاحظتها ، فقد وردت فيه روايتان :
إحداهما : رواية يونس قال : كتبت إلى الرضا (عليه السلام) : إنّ لي على رجل ثلاثة آلاف درهم ، وكانت تلك الدراهم تنفق بين الناس تلك الأيّام ، وليست تنفق اليوم ، فلي عليه تلك الدراهم بأعيانها ، أو ما ينفق اليوم بين الناس ؟
قال: فكتب (عليه السلام) إليّ : لك أن تأخذ منه ما ينفق بين الناس كما أعطيته ما ينفق بين
(الصفحة232)
الناس(1) . ولابدّ من حمله على ما مرّ من القسم الثاني ، جمعاً بينه وبين ما يأتي .
ثانيتهما : رواية عبّاس عن صفوان قال : سأله معاوية بن سعيد عن رجل استقرض دراهم من رجل ، وسقطت تلك الدراهم أو تغيّرت ، ولا يباع بها شيء ، ألصاحب الدراهم الدراهم الاُولى ، أو الجائزة التي تجوز بين الناس؟ فقال : لصاحب الدراهم الدراهم الاُولى(2) . ولابدّ من حمله على سقوط الرواج الفعلي لا سقوط أصل المالية جمعاً بينه وبين ما مرّ .
هذا كلّه في الدراهم والدنانير ، وأمّا الأوراق الرائجة كالورقة النقديّة بعد الثورة الإسلامية ، وقد استدرك منه ما لو فرض وقوع القرض على الصك الخاص بنفسه; بأن قال : «أقرضتك هذا القرطاس المسمّى بالنوت» كان حاله حال الدراهم ، وكذا الحال في المعاملات والمهور الواقعة على الصكوك; بأن يكون لنفس الورق من حيث هو موضوعيّة خاصّة ، كما في الطوابع الرائجة في البريد في جميع الدول ، فالحكم في الجميع حكم الدراهم على ما مرّ من تصوير الأقسام الثلاثة فيه ، فتدبّر .
(1) الكافي: 5/252 ح1 ، تهذيب الأحكام: 7/116 ح505 ، الاستبصار: 3/100 ح345 ، وعنها الوسائل: 18/206 ، كتاب التجارة ، أبواب الصرف ب20 ح1 .
(2) تهذيب الأحكام: 7/117 ح508 ، الاستبصار: 3/99 ح344 ، وعنهما الوسائل: 18/207 ، كتاب التجارة ، أبواب الصرف ب20 ح4 .
(الصفحة233)
كــتاب الـرَّهن
(الصفحة234)
(الصفحة235)
[مسائل الرهن]
وهو عقد شرّع للاستيثاق على الدَّين ، ويقال للعين: الرهن والمرهون ، ولدافعها: الراهن ، ولآخذها المرتهن ، ويحتاج إلى الإيجاب من الراهن; وهو كلّ لفظ أفاد المقصود في متفاهم أهل المحاورة ، كقوله : «رهنتك» أو «أرهنتك» أو «هذا وثيقة عندك على مالك» ونحو ذلك ، والقبول من المرتهن ، وهو كلّ لفظ دالّ على الرضا بالإيجاب. ولايعتبر فيه العربيّة، بل الظاهروقوعه بالمعاطاة1.
1 ـ هذه المادّة ـ أي مادّة رهن ـ المستعملة في الكتاب العزيز ، وفي الروايات الكثيرة ، وفي الاستعمالات العرفية بمعنى الاستيثاق والثبات والتأكيد ونحوه ، قال الله تعالى : {كُلُّ امْرِىء بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ}(1) ، وقال أيضاً : {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ}(2) .
وفي كلام عليّ (عليه السلام) مخاطباً لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ على ما هو المحكي ـ في نهج البلاغة عند دفن فاطمة الشهيدة (عليها السلام) : فلقد استرجعت الوديعة وأُخذت الرهينة(3) .
(1) سورة الطور : 52/21 .
(2) سورة البقرة : 2/283 .
(3) نهج البلاغة خطبة 202 .
(الصفحة236)
مسألة 1 : يشترط في الراهن والمرتهن البلوغ والعقل والقصد والاختيار ، وفي خصوص الأوّل عدم الحجر بالسفه والفلس ، ويجوز لوليّ الطفل والمجنون رهن مالهما مع المصلحة والغبطة ، والارتهان لهما كذلك1.
ولا يبعد أن يقال بثبوت اصطلاح خاصّ للفقهاء في ذلك يغاير العرف واللغة بالإطلاق والتقييد ; لأنّ معنى الرهن هي الوثيقة على الدَّين ، ولا يشمل مثل الوثيقة في مقابل العارية أو الاُمور الاُخر ، وفي الحقيقة هو عقد يكون الغرض من مشروعيّته الاستيثاق على الدَّين . ويقال للعين: الرهن والمرهون ، ولصاحبها الدافع : الراهن ، ولآخذها: المرتهن .
وحيث إنّه عقد من العقود يحتاج إلى الإيجاب والقبول ، فالإيجاب يتحقّق من الراهن صاحب العين; وهو كلّ لفظ أفاد المقصود في متفاهم أهل المحاورة ، كالأقوال المذكورة في المتن ، والقبول يتحقّق من المرتهن; وهو كلّ لفظ دالّ على الرضا بالإيجاب وقبوله ، ولا يعتبر فيه العربية ، بل يتحقّق بكلّ لغة دالّة على هذا المقصود ، بل لعلّ تعبير غير العارف باللغة العربية بلغته ولسانه يكون أولى; لأنّه أقرب إلى الإنشاء وما يراد منها .
والظاهر عدم اختصاص الإيجاب والقبول والإنشاء بهما باللفظ ، بل يصحّ بالمعاطاة مع ظهور المعنى المقصود; لأنّه لم ينهض دليل على عدم جريان المعاطاة فيه كالنكاح مثلاً ، كما لايخفى .
1 ـ يشترط في المتعاقدين في الرهن ـ أي الراهن والمرتهن ـ البلوغ والعقل والقصد والاختيار ، وفي خصوص الراهن ـ الذي يدفع العين المرهونة ـ عدم الحجر بالسفه والفلس . نعم ، يجوز لولي الطفل والمجنون في صورة الغبطةوالمصلحة
(الصفحة237)
مسألة 2 : يشترط في صحّة الرهن القبض من المرتهن بإقباض من الراهن أو بإذن منه ، ولو كان في يده شيء وديعة أو عارية ـ بل ولو غصباً ـ فأوقعا عقد الرهن عليه كفى ، ولا يحتاج إلى قبض جديد ، ولو رهن المشاع لا يجوز تسليمه إلى المرتهن إلاّ برضا شريكه ، ولكن لو سلّمه إليه فالظاهر كفايته في تحقّق القبض الذي هو شرط لصحّته وإن تحقّق العدوان بالنسبة إلى حصّة شريكه1.
الارتهان لهما كذلك بمقتضى الولاية وثبوت المصلحة .
1 ـ يشترط في صحّة الرهن ، القبض من المرتهن بإقباض من شخص الراهن أو بإذن منه ; لأنّ الغرض من الرهن ـ وهو الاستيثاق على ما عرفت ـ لا يتحقّق بدون القبض ، مضافاً إلى الإجماع المدّعى على ذلك(1) ، وإلى قول أبي جعفر (عليه السلام) : لا رهن إلاّ مقبوضاً(2) .
وأمّا قوله تعالى : {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ}(3) فقد نوقش في دلالته تارةً بأنّه إرشاد إلى بيان ما هو واقع في الخارج ولا يكون في مقام التشريع .
واُخرى بأنّ وقوعه في سياق الشهادة قرينة على أنّه من المندوبات .
وثالثة بأنّ القيد يحتمل أن يكون لبيان الكمال لا أصل الصحّة ، ولكن الكلّ مدفوع بظهور الآية في كونها في مقام التشريع لا الإرشاد ، وظهور بطلان الثاني
(1) المؤتلف من المختلف: 1/529 و 540 .
(2) تهذيب الأحكام: 7/176 ح779 ، تفسير العيّاشى: 1/156 ح525 ، وعنهما الوسائل: 18/383 ، كتاب الرهن ب3 ح1 ، وفي تفسير كنز الدقائق: 1/685 عن العيّاشي .
(3) سورة البقرة : 2/283 .
(الصفحة238)
مسألة 3:إنّما يعتبر القبض في الابتداء ، ولا يعتبر استدامته ، فلو قبضه المرتهن ثمّ صار في يد الراهن أو غيره بإذن الراهن أو بدونه ، لم يضرّ ولم يطرأه البطلان . نعم ، للمرتهن استحقاق إدامة القبض وكونه تحت يده ، فلا يجوز انتزاعه منه1.
والثالث ، والعمدة ما ذكرنا من أنّ الرهن له خصوصيّة لا يتحقّق بدون القبض ، ولا يمكن دعوى اعتباره في اللزوم فقط لا في الصحّة ; لأنّ الحقيقة غير متحقّقة بدونه كما لايخفى .
بقي في هذه المسألة أمران آخران :
أحدهما : أنّه لو كان شيء في يده وديعة ، أو عارية ، بل ولو غصباً فأوقعا عقد الرهن عليه ، فالظاهر كفاية ذلك في تحقّق القبض الذي هو أمر تكويني وشرط للصحّة ، ولا يعتبر أن يكون أصل حدوثه قبل الرهن بإذن الراهن . نعم ، بعد حدوث الرهن لا مجال إلاّ لإقباضه أو المأذون من قبله .
ثانيهما : أنّه لو رهن المشاع الذي كان بين الراهن وغيره ، لا يجوز تكليفاً التسليم إلى المرتهن بدون إذن الشريك ، لكن لو ارتكب الحرام وأقبضه بدون إذن شريكه فالظاهر تحقّق القبض المعتبر في الرهن وإن ارتكب الحرام بالتسليم مع عدم إذنه .
1 ـ القبض المعتبر في الرهن إنّما يكون معتبراً في ابتدائه ، ولا يكون معتبراً في الاستدامة ، فلو قبضه المرتهن فلقد تمّ شرط الصحّة ، فإن صار بعده في يد الراهن ، أو غيره بإذن الراهن أو بدونه ، كما لو غصبت من يد المرتهن لم يطرأ الفساد على الرهن لتماميّة شرائطه ، وإلاّ لزم أن يُقال بلزوم حفظ العين المرهونة في يد المرتهن .
(الصفحة239)
مسألة 4 : يشترط في المرهون أن يكون عيناً مملوكاً يصحّ بيعه ويمكن قبضه ، فلا يصحّ رهن الدّين قبل قبضه على الأحوط وإن كان للصحّة وجه . وقبضه بقبض مصداقه . ولا رهن المنفعة ، ولا الحرّ ، ولا الخمر والخنزير ، ولا مال الغير إلاّ بإذنه أو إجازته ، ولا الأرض الخراجية ما كانت مفتوحة عنوة ، وما صولح عليها على أن تكون ملكاً للمسلمين ، ولا الطير المملوك في الهواء إذا كان غير معتاد عوده ، ولا الوقف ولو كان خاصّاً1.
نعم ، للمرتهن استحقاق إدامة القبض وكونه تحت يده ، لمدخليّته في الاستيثاق ، فلا يجوز الانتزاع منه ولو للرّاهن .
1 ـ يشترط في المرهون أن يكون عيناً مملوكاً يصحّ بيعه ويمكن قبضه ، والعين المشروطة هي العين في مقابل الدَّين قبل قبضه وفي مقابل المنفعة . أمّا الدَّين فقد احتاط في عدم الصحّة ، والظاهر أنّ المراد بالاحتياط هو الاحتياط الوجوبي ، وقال في المتن : وإن كان للصحّة وجه ، ولعلّ الوجه فيها إمكان تحقّق الاستيثاق والوثوق بأداء المديون الذي صار دينه رهناً ، بخلاف المديون الذي اُخذ الرهن منه .
وأمّا المنفعة ، فحيث إنّ وجودها تدريجي يوجد وينعدم ، والمفروض أنّ ما بإزائها ملك للراهن فبِمَ يتحقّق الاستيثاق ، وأمّا عدم جواز رهن الحرّ فواضح ; لعدم الفائدة فيه ، وكذا الخمر والخنزير بعد عدم تعلّق الملك بهما شرعاً وعدم جواز بيعهما ، مع أنّ المقصود من الرهن بيع المرتهن العين المرهونة وأداء دينه منه لو امتنع الراهن عن الأداء والوفاء ، وكذا لا يجوز رهن مال الغير إلاّ بإذنه أو إجازته المستلزم لإجازة بيع المرتهن في الصورة المذكورة ، وكذا لا يجوز رهن الأراضي
(الصفحة240)
مسألة 5 : لو رهن ملكه مع ملك غيره في عقد واحد صحّ في ملكه ، ووقف في ملك غيره على إجازة مالكه1.
الخراجية ما كانت مفتوحة عنوة ، وما صولح عليها على أن تكون ملكاً للمسلمين; لعدم اختصاصها بشخص خاصّ ، ولا يبعد أن يُقال بجواز الرهن بالإضافة إلى ما يجوز بيعه من البناء تبعاً للأرض .
وكذا لا يجوز رهن الطير في الهواء وإن كان مملوكاً; لعدم إمكان قبضه إلاّ إذا اعتاد عوده فيصحّ إقباضه ، وكذا لا يجوز رهن الوقف أعمّ من الوقف العام والوقف الخاص; لعدم جواز بيع العين الموقوفة إلاّ في موارد مخصوصة لا يكون بيع المرتهن منها كما لا يخفى .
هذا ، وقد ادّعي الإجماع على جميع ما ذكر(1) ، ولكن في الجواهر : دون تحصيله خرط القتاد(2) .
1 ـ مرجع هذه المسألة إلى جريان الفضولية في الرهن كجريانها في البيع والإجارة ، فلو رهن ملكه مع ملك غيره في عقد واحد صحّ في ملكه ، ويتوقّف في ملك غيره على إجازة مالكه ، كما أنّك عرفت في المسألة السابقة التوقّف على الإجازة لو رهن ملك الغير فقط ، والسرّ في ذلك كلّه أنّ صحّة الفضولي في موارده لا تكون على خلاف القاعدة حتّى يقتصر فيه على المورد المسلّم كالبيع ونحوه ، بل هي على طبق القاعدة لا يتخلّف عنها إلاّ في موارد قيام الدليل ، كالإيقاعات مثلاً .
(1) غنية النزوع: 242 ـ 243 ، السرائر: 2/416 ـ 417 ، مهذّب الأحكام: 21/81 ـ 82 .
(2) جواهر الكلام: 25/118 ـ 119 .
|