(الصفحة241)
مسألة 6 : لو كان له غرس أو بناء في الأرض الخراجية لا إشكال في صحّة رهن ما فيها مستقلاًّ ، وأمّا رهنها مع أرضها بعنوان التبعيّة ففيه إشكال ، بل المنع لا يخلو من قرب ، كما لا يصحّ رهن أرضها مستقلاًّ على الأقوى . نعم ، لا يبعد جواز رهن الحقّ المتعلّق بها على إشكال1.
مسألة 7 : لا يعتبر أن يكون الرهن ملكاً لمن عليه الدَّين ، فيجوز لشخص أن يرهن ماله على دين غيره تبرّعاً ولو من غير إذنه ، بل ولو مع نهيه . وكذا يجوز للمديون أن يستعير شيئاً ليرهنه على دينه ، ولو رهنه وقبضه المرتهن ليس
1 ـ لو كان له غرس أو بناء في الأرض الخراجيّة فلا إشكال في صحّة رهنه مستقلاًّ ; لأنّه ملك له لا يشاركه غيره ، فلا مانع من رهنه . وأمّا رهنه بضميمة الأرض بعنوان التبعيّة فقد استشكل فيه في المتن ، بل جعل المنع غير خال عن القرب ، والوجه فيه أنّ الأرض لا تكون ملكاً له بشخصه ، بل إنّما هي ملك للمسلمين جميعاً ، وليست لها أيّة طريق للاختصاص بمالك الغرس ، أو البناء في الأرض المذكورة ، ومنه يظهر عدم جواز رهن الأرض الكذائيّة مستقلّة بطريق أولى .
نعم ، نفى البُعد عن جواز رهن الحقّ المتعلّق بها على إشكال ، ولعلّ السرّ في الإشكال أنّه لا يكون في هذا الحقّ نفع يعود إلى المرتهن بدلاً عن الدَّين ووثيقة له ; لأنّه ما دام فيها الغرس والبناء يكون الغرس والبناء لنفسه ، ولو فرض زوالهما بسبب زلزلة ونحوها تصير الأرض الخالية متعلّقة بجميع المسلمين; لأنّ المفروض كونها مفتوحة عنوةً وملكاً لعموم المسلمين ، فليس هذا الحقّ الذي مرجعه إلى جواز البقاء في الأرض ما دام الأثر باقياً فيه ، نفع قابل لأن يقع بديلاً عن الدَّين .
(الصفحة242)
لمالكه الرجوع ، ويبيعه المرتهن كما يبيع ما كان ملكاً للمديون ، ولو بيع كان لمالكه مطالبة المستعير بما بيع به لو بيع بالقيمة أو بالأكثر ، وبقيمة تامّة لو بيع بأقلّ منها ، ولو عيّن له أن يرهنه على حقّ مخصوص ـ من حيث القدر أو الحلول أو الأجل أو عند شخص معيّن ـ لم يجز له مخالفته ، ولو أذنه في الرهن مطلقاً جاز له الجميع وتخيّر1.
1 ـ أمّا عدم اعتبار أن يكون الرهن ملكاً لمن عليه الدَّين ، فلأنّه لا يتضمّن معنى المبادلة والنقل والانتقال كما في البيع ونحوه ، بل هو وثيقة للدَّين كما عرفت في تعريفه(1) ، ويتفرّع على ما ذكر أنّه يجوز لشخص أن يرهن مال نفسه على دين غيره تبرّعاً ولو من غير إذنه ، بل ومع نهيه ، وما تقدّم من التوقّف على الإذن فإنّما هو فيما لو أراد أن يرهن مال المالك المديون ، لا ما لو أراد أن يرهن مال نفسه ، كما أنّه يتفرّع على ما ذكرنا أنّه يجوز للمديون عارية العين المرهونة ليرهنها ، وفي هذه الصورة لو تحقّق الرهن والقبض والإقباض لا يجوز للمالك المعير الرجوع ، بل يجوز للمرتهن بيعه كما في سائر الصور . وفي صورة تحقّق البيع ، فإن بيع بالقيمة أو بالأكثر يجوز للمعير مطالبة المستعير بتلك القيمة; لأنّ المبيع كان ملكه الذي بيع عليه قهراً بمقتضى إعارته للرهن بطيب نفسه ورضاه ، وإن بيع بالأقلّ من القيمة فللمالك القيمة التامّة العادلة .
ثمّ إنّه حيث يكون المالك في العارية هو المعير ; لأنّ مرجع العارية إلى حقّ الانتفاع بالعين من دون ثبوت ملكيّة للمستعير عيناً ولا منفعة ، فمرجع الإذن في ذلك هو المالك ، فلو عيّن للمستعير جهة خاصّة من جهة المرتهن ، أو الحقّ
(1) في ص 235 .
(الصفحة243)
مسألة 8 : لو كان الرهن على الدَّين المؤجّل ، وكان ممّا يسرع إليه الفساد قبل الأجل ، فإن شرط بيعه صريحاً قبل أن يطرأ عليه الفساد صحّ الرهن ، ويبيعه الراهن أو يوكّل المرتهن في بيعه ، وإن امتنع أجبره الحاكم ، فإن تعذّر باعه الحاكم ، ومع فقده باعه المرتهن ، فإذا بيع يجعل ثمنه في الرهن . وكذلك لو استفيد اشتراط البيع من قرينة ، كما لو جعل العين بماليّتها رهناً ، فيصحّ وتباع ويجعل ثمنها في الرهن . ولو اشترط عدم البيع إلاّ بعد الأجل بطل الرهن ، وكذا لو أطلق ولم يشترط البيع ولا عدمه ولم يُستفد الاشتراط بقرينة على الأقرب . ولو رهن ما لا يتسارع إليه الفساد ، فعرض ما صيّره عرضة له ـ كالحنطة لو ابتلّت ـ لم ينفسخ ، بل يباع ويجعل ثمنه رهناً1.
المخصوص من حيث القدر ، أو الحلول ، أو الأجل ، أو غير ذلك ممّا هو من شؤون المالك ، فلا يجوز التخلّف عنه لأنّه المالك مطلقاً . نعم ، لو أذن في مطلق الرهن من غير تعيين خصوصيّة من الخصوصيّات المذكورة جاز له الجميع ، وتخيّر بين تلك الخصوصيّات ، والوجه فيه واضح .
ومن جميع ما ذكرنا ظهر أنّ إطلاق العارية وعدم تصريح المالك بجواز الرهن لا يجوز للمستعير ذلك ; لأنّ صحّة الرهن يترتّب عليها جواز البيع مع عدم أداء الدَّين ، وإطلاق العارية لا يلازم ذلك ، بخلاف صورة التصريح بجواز الرهن كما ذكرنا ، فتدبّر .
1 ـ المفروض في هذه المسألة صورتان :
الصورة الاُولى : ما كان الرهن على الدَّين المؤجّل ، وكان يسرع إلى الرهن الفساد قبل حلول أجل الدَّين ، وفيه فروض :
(الصفحة244)
مسألة 9 : لا إشكال في أنّه يعتبر في المرهون كونه معيّناً ، فلا يصحّ رهن المبهم كأحد هذين . نعم ، صحّة رهن الكلّي ـ من غير فرق بين الكلّي في المعيّن;
الأوّل : ما إذا شرط بيعه صريحاً قبل أن يطرأ عليه الفساد ، وفي هذا الفرض يصحّ الرهن ولا مجال لتوهّم بطلانه ، غاية الأمر أنّه يبيعه الراهن قبل طروّ الفساد ، أو يوكّل المرتهن في بيعه ، وإن امتنع الراهن أجبره الحاكم ، ومع تعذّر الإجبار باعه الحاكم ، ومع فقده باعه المرتهن ، ومع البيع يجعل ثمنه في الرهن تحقيقاً للاستيثاق وتحصيلاً لاطمئنان المرتهن .
الثاني : ما لو استفيد اشتراط البيع من قرينة من دون أن يشترط بيعه صريحاً ، كما لو جعل العين بماليّتها لا بشخصها رهناً ، وفي هذا الفرض يصحّ الرهن ، وتُباع العين قبل طروّ الفساد ويجعل ثمنها رهناً ، والوجه فيه واضح .
الثالث : ما لو اشترط عدم البيع إلاّ بعد الأجل مع العلم بطروّ الفساد قبل حلوله ، وفي هذا الفرض بطل الرهن ; لعدم اجتماع الشرط المذكور مع حقيقة الرهن ، كما لايخفى .
الرابع : ما لو أطلق ولم يشترط البيع ولا عدمه ، ولم يُستفد الاشتراط من قرينة مثل ما اُشير إليها ، وفي هذا الفرض جعل الأقرب البطلان ، والوجه فيه ما ذكرناه في الفرض الثالث ، غاية الأمر أنّه يمكن أن يُقال : إنّ نفس الفرض قرينة على جواز البيع ، وهو محلّ تأمّل بل منع .
الصورة الثانية : لو كان الرهن على الدَّين الكذائي ممّا لا يتسرّع إليه الفساد بالذات ، لكن عرض له ما صيّره عرضة للفساد ، كالحنطة لو ابتلّت ، والحكم فيه عدم انفساخ الرهن بذلك ، بل يجوز بيع الرهن وجعل الثمن رهناً ، فيصير نظير الفرض الأوّل من الصورة الاُولى ، فتدبّر .
(الصفحة245)
كصاع من صبرة معلومة ، وشاة من القطيع المعلوم ، وغيره كصاع من الحنطة ـ لا تخلو من وجه ، وقبضه في الأوّل ، إمّا بقبض الجميع ، أو بقبض ما عيّنه الراهن ، وفي الثاني بقبض مصداقه ، فإذا قبضه المرتهن صحّ ولزم ، والأحوط عدم إيقاعه على الكلّي ، ولا يصحّ رهن المجهول من جميع الوجوه حتّى كونه ممّا يتموّل . وأمّا مع علمه بذلك وجهله بعنوان العين ، فالأحوط ذلك وإن كان الجواز لا يخلو من وجه ، فإذا رهن ما في الصندوق المقفل وكان ما فيه مجهولاً حتّى ماليّته بطل ، ولو علم ماليّته فقط لا يبعد الصحّة ، كما أنّ الظاهر صحّة رهن معلوم الجنس والنوع مع كونه مجهول المقدار1.
1 ـ قد نفى الإشكال عن أنّه يعتبر في المرهون كونه معيّناً في مقابل المبهم كأحد هذين ، واستدلّ عليه في محكي الدروس بلزوم الغرر(1) ، ويرد عليه كما في الجواهر أنّ مقتضى الإطلاقات الجواز ، ونفي الغرر إنّما هو في العقود المبنيّة على المغابنة ، لا في مثل الرهن المبني على غبن الراهن للمرتهن ، كالواهب بالنسبة إلى المتّهب(2) . نعم ، نفى الخلوّ عن الوجه في صحّة رهن الكلّي من غير فرق بين الكلّي في المعيّن ، كصاع من صبرة معلومة ، وشاة من القطيع المعلوم ، وبين غيره كصاع من الحنطة ولو كانت مجهولة الوصف والقيمة . غاية الأمر أنّ القبض المعتبر في الرهن كما عرفت(3) إنّما يتحقّق في الكلّي في المعيّن بقبض الجميع ، أو بقبض ما عيّنه الراهن; لعدم خصوصيّة للرهن من هذه الجهة ، وفي الثاني بقبض مصداقه ، فإذا قبضه المرتهن صحّ ولزم ، ولكن جعل مقتضى الاحتياط الاستحبابي عدم الإيقاع على
(1) الدروس الشرعيّة: 3/388 .
(2) جواهر الكلام: 25/141 .
(3) في ص 237 .
(الصفحة246)
مسألة 10 : يشترط فيما يرهن عليه أن يكون ديناً ثابتاً في الذمّة لتحقّق موجبه: من اقتراض ، أو إسلاف مال ، أو شراء ، أو استئجار عين بالذمّة وغير ذلك ، حالاًّ كان الدَّين أو مؤجّلاً ، فلا يصحّ الرهن على ما يقترض ، أو على ثمن ما يشتريه فيما بعد ، فلو رهن شيئاً على ما يقترض ثمّ اقترض لم يصر بذلك رهناً ، ولا على الدية قبل استقرارها بتحقّق الموت وإن علم أنّ الجناية تؤدّي إليه ، ولا على مال الجعالة قبل تمام العمل1.
الكلّي مطلقاً ، وظاهره حتّى الكلّي في المعيّن ، مع أنّ الرهن لا يكون أولى من البيع قطعاً ، ويجوز بيع الكلّي من دون فرق بين الكلّي في المعيّن والكلّي الموصوف .
وذكر في المتن بعد الاحتياط المزبور أنّه لا يصحّ رهن المجهول من جميع الوجوه حتّى كونه ممّا يتموّل ، والوجه فيه أنّ المجهول الكذائي لا يمكن أن يكون وثيقة للدَّين في مقام الإثبات ، وفرّع عليه أنّه إذا رهن الصندوق المقفل وكان ما فيه مجهولاً حتّى من جهة الماليّة . نعم ، مع علمه بذلك وجهله بعنوان العين فمقتضى الاحتياط وإن كان البطلان ، إلاّ أنّه نفى الخلوّ عن الوجه عن الجواز ، والسرّ فيه أنّ الرهن وإن كان لابدّ فيه من أن يتموّل والمفروض إحراز ذلك ، إلاّ أنّه لا تلزم المساواة مع الدَّين في الماليّة ، بل اللازم إحراز أصل الماليّة ولو كان في غاية القلّة ، ويترتّب على ذلك صحّة رهن معلوم الجنس والنوع وإن كان مجهولاً بالمقدار ، كما استظهره في الذيل ، وذلك لما عرفت من كفاية العلم بأصل الماليّة ولا يلزم العلم بالخصوصيّة; إذ ليس الرهن كالبيع الذي هو القدر المتيقّن من جهة النهي عن الغرر ، فتدبّر .
1 ـ حيث إنّ الرهن وثيقة للدَّين فيعتبر فيما يرهن عليه أن يكون ديناً ثابتاً في
(الصفحة247)
الذمّة ، حالاًّ كان أو مؤجّلاً; لتحقّق موجبه من اقتراض أو إسلاف مال ، فيأخذ الرهن في مقابل المبيع الكلّي الثابت في الذمّة اطمئناناً لوقوعه في يده في ظرفه ، ومع العدم يستفيد المالية من بيع الرهن أو شراء نسيئة ، فيأخذ البائع الرهن في مقابل الثمن الثابت على الذمّة ولو مؤجّلاً ، وفرّع عليه أنّه لا يصحّ الرهن على ما يقترض ، أو على ثمن ما يشتريه فيما بعد ، فلو رهن شيئاً على ما يقترض ثمّ اقترض لم يصر بذلك رهناً . وهنا إشكال; وهو أنّ القرض أمر ، والرهن أمر آخر مترتّب عليه متوقّف على رضا الطرفين ، ومن الممكن أن لا يرضى الراهن برهن ماله مثلاً ، أو لا يرضى المرتهن بالارتهان; لعدم تمكّنه من حفظه خالياً عن التعدّي والتفريط . وحينئذ فلو فرض أنّ المقرض لا يطمئنّ برهن المقترض ماله مثلا لا يقرضه .
نعم ، لو رهن ماله يطيب له الإقراض وجعل ماله في اختيار المقترض بعنوان القرض ، وهل يمكن أن يقال في مقام حلّ الإشكال بأنّه يجوز للمقرض اشتراط الرهن في ضمن عقد القرض الذي هو عقد لازم كما عرفت(1) ، فإن وفى المقترض بالشرط فبها ، وإلاّ فيجوز للمقرض فسخ عقد القرض; لتخلّف الشرط وعدم الوفاء به مع لزومه كما هو المفروض ، ولا يرجع هذا الشرط إلى شرط الزيادة في القرض حتّى لا يجوز على ما تقدّم(2) ، كما أنّه لا يلزم الرهن قبل ثبوت الدَّين في الذمّة ; لأنّ ما هو قبل ذلك إنّما هو الاشتراط . وأمّا أصل الرهن فيقع بعد ثبوت الدَّين في الذمّة يعني بعد الاقتراض؟
ومن جملة ما يتفرّع على أصل المسألة : الرهن على الدية قبل استقرارها بتحقّق الموت وإن علم أنّ الجناية تؤدّي إليه ، كما فيما يعبّر عنه بالموت الدماغيّ الذي ربما
(1) في ص 217 ـ 219 .
(2) في ص220 ـ 221 .
(الصفحة248)
مسألة 11 : كما يصحّ في الإجارة أن يأخذ المؤجر الرهن على الاُجرة التي في ذمّة المستأجر ، كذلك يصحّ أن يأخذ المستأجر الرهن على العمل الثابت في ذمّة المؤجر1.
يقارن طول المدّة ، فإنّه يرد عليه أنّ حصول العلم في مثله ممنوع ، وقد ثبت إخبار بعض المطبوعات بحصول الحياة العادية للأفراد الكذائية ولو بعد سنين متمادية ، وعلى تقدير حصول العلم لا يكون الموجب للدية العلم بانجرار الجناية إلى الموت ، بل الموجب هو الموت الواقعي الخارجي ، فلا مجال للرهن على الدية قبل تحقّقها . وكذا يترتّب على أصل المسألة : عدم جواز الرهن على مال الجعالة قبل تمام العمل; لأنّه يمكن له رفع اليد عن الإتمام ، أو تحقّق الموت أوّلاً وعدم تحقّق الاستحقاق قبل تمام العمل ثانياً ، فلا يجوز الرهن عليه ، وهكذا . نعم ، في مورد مال الإجارة حيث تتحقّق الملكية بنفس عقد الإجارة يجوز الرهن بعد عقدها .
1 ـ كما عرفت أنّه يصحّ في الإجارة أن يأخذ المؤجر الرهن على الاُجرة الثابتة في ذمّة المستأجر بنفس عقد الإجارة بعد تحقّقها ، كذلك في الإجارة على الأعمال ـ التي يشرع في العمل بعد تحقّق الإجارة ، غاية الأمر استحقاق المستأجر العمل على عهدة الأجير بنفس عقد الإجارة مباشرة في بعض الموارد ، وأعمّ منها في بعض الموارد الاُخر ، كما قد فصّل في كتاب الإجارة(1) ـ يجوز للمستأجر أخذ الرهن من الأجير لئلاّ يتحقّق منه العمل على طبق الإجارة ، والوجه فيه إتّحاد العلّة مع الفرض السابق ، وعدم ثبوت الفرق أصلاً . نعم ، لا يجري ذلك في إجارة الأعيان كما هو واضح .
(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الإجارة: 251 ـ 262 .
(الصفحة249)
مسألة 12 : الظاهر أنّه يصحّ الرهن على الأعيان المضمونة ، كالمغصوبة والعارية المضمونة والمقبوض بالسّوم ونحوها ، وأمّا عهدة الثمن أو المبيع أو الاُجرة أو عوض الصلح وغيرها ـ لو خرجت مستحقّة للغير ـ فالأقوى عدم صحّته عليها1.
مسألة 13 : لو اشترى شيئاً بثمن في الذمّة جاز جعل المبيع رهناً على الثمن2.
1 ـ لعلّ الوجه في صحّة الرهن على الأعيان المضمونة كالمغصوبة ونحوها ممّا هو مذكور في المتن ، إمّا أولويّتها من الدَّين الثابت على العهدة والمستقرّ في الذمّة ، وإمّا لثبوتها بأنفسها على العهدة ، كما هو التحقيق في مقتضى قاعدة ضمان اليد الثابت بمثل قوله (صلى الله عليه وآله): على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي(1)، وإمّاعدم الاختصاص بالدين لعدم قيام دليل عليه ، مضافاً إلى ثبوت حقيقة الرهن بالإضافة إلى كليهما ، كما لايخفى .
وأمّا عدم صحّة الرهن على عهدة الثمن الشخصي ، أو المبيع كذلك ، أو الاُجرة ، أو عوض الصلح فيما إذا كانا كذلك لو خرجت هذه الاُمور مستحقّة للغير ، فالوجه فيه عدم معلوميّة الحال وعدم ثبوت كونها مستحقّة للغير في حال الرهن ، وعلى تقدير الثبوت بعداً لكشف ذلك عن بطلان المعاملة ; بيعاً كانت أو إجارةً أو صلحاً ، فلا يجوز أيضاً; لأنّ الرهن على دين يمكن أن يثبت بعد ذلك غير جائز ، كما مرّ من لزوم أن يكون الرهن على دين ثابت في الذمّة ، ولعلّه لما ذكر قد قوّى في المتن عدم الصحّة .
2 ـ لو اشترى شيئاً بثمن في الذمّة نسيئة وتمّت المعاملة جاز للمشتري جعل
(1) تقدم في ص69 .
(الصفحة250)
مسألة 14 : لو رهن على دينه رهناً ثمّ استدان مالاً آخر من المرتهن ، جاز جعل ذلك الرهن رهناً على الثاني أيضاً ، وكان رهناً عليهما معاً; سواء كان الثاني مساوياً للأوّل في الجنس والقدر أو مخالفاً ، وكذا له أن يجعله على دين ثالث ورابع إلى ما شاء . وكذا إذا رهن شيئاً على دين جاز أن يرهن شيئاً آخر على ذلك الدَّين ، وكانا جميعاً رهناً عليه1.
المبيع رهناً على الثمن تحصيلاً للاستيثاق; لفرض صيرورته ملكاً له بمجرّد تماميّة المعاملة ، وخروجه عن ملك البائع بعدها ، ولا فرق في جواز الرهن على الثمن بين المبيع وبين غيره من الاُمور المرتبطة بالمشتري .
1 ـ قد تعرّض في هذه المسألة لفرعين :
أحدهما : أنّه لو رهن على دينه شيئاً يكون مملوكاً للراهن مثلاً ، ثمّ استدان مالاً آخر من نفس ذلك المرتهن ، يجوز مع رضا المرتهن أن يجعل الرهن الأوّلي رهناً على الثاني أيضاً ; لعدم كون تعلّق حقّ الرهن به مانعاً عن ذلك ، وليس فيه تفويت حقّ المرتهن بوجه مع رضاه بذلك ، خصوصاً مع كونه أضعاف الدَّين الأوّلي ، وهذا لا فرق فيه بين كون الدَّين الثاني مساوياً للأوّل في الجنس والقدر ، أو مخالفاً فيهما أو في أحدهما ، وهذا الملاك جار في جعل الرهن الأوّلي رهناً على الدَّين الثالث أو الرابع وهكذا; لعدم الفرق ولأنّ الأمر لا يعدوهما ، فرضاهما بذلك كاف ، كما لو فرض رضا المرتهن بالدَّين الثاني وهكذا من دون رهن .
ثانيهما : أنّه إذا رهن شيئاً على دين جاز له أن يضمّ إليه شيئاً آخر; لحصول الاطمئنان الكامل والاستيثاق التامّ ، خصوصاً مع كون الرهن الأوّل أقلّ من الدين بمراتب ، والوجه فيه ما ذكرناه من أنّ الحقّ لا يعدوهما ، وأنّ الرهن إنّما هو وثيقة
(الصفحة251)
مسألة 15 : لو رهن شيئاً عند زيد ثمّ رهنه عند آخر أيضاً باتّفاق من المرتهنين كان رهناً على الحقّين ، إلاّ إذا قصدا بذلك فسخ الرهن الأوّل وكونه رهناً على خصوص الثاني1.
مسألة 16 : لو استدان اثنان من واحد كلّ منهما ديناً ، ثمّ رهنا عنده مالاً مشتركاً بينهما ولو بعقد واحد ، ثمّ قضى أحدهما دينه انفكّت حصّته عن الرهانة . ولو كان الراهن واحداً والمرتهن متعدّداً; بأن كان عليه دين لاثنين فرهن
للدَّين الثابت على ذمّة الراهن ، فلا مانع من الانضمام ، وعليه: فيكونان جميعاً رهناً على الدَّين الواحد مترتّباً على كلّ واحد منهما أحكام العين المرهونة التي سيأتي التعرّض لها إن شاء الله تعالى ، وعلى ما ذكرنا يجوز ضمّ شيء ثالث أو رابع وهكذا ; لعدم الفرق ووحدة الملاك كما لا يخفى ، ولأجل ما ذكر يجوز للمرتهن بعد تحقّق الارتهان بشرائطه فسخ الرهن وردّ العين المرهونة إلى الراهن مع كون الدَّين باقياً ثابتاً في الذمّة ، وعليه فلا حقّ للمرتهن بعد ذلك ، بل له أداء دينه في ظرفه .
1 ـ لو رهن شيئاً عند زيد مثلاً ثمّ رهنه عند عمرو كذلك باتّفاق من المرتهنين ، فتارةً يكون المقصود فسخ الرهن الأوّل وكونه رهناً على خصوص الثاني ، فلا مانع من ذلك وإن كان الرهن لازماً من ناحية الراهن وجائزاً من ناحية المرتهن كما سيأتي(1) ، وإن كان المقصود ثبوته رهناً على الحقّين وعلى الدَّين الثاني كالدَّين الأوّل ، فلا مانع من ذلك بعدما عرفت من أنّ الحقّ لا يعدوهما ، وجواز كون شيء واحد رهناً على الحقّين وإن كانا مترتّبين كما تقدّم في المسألة السابقة .
(1) في ص 255 .
(الصفحة252)
شيئاً عندهما بعقد واحد ، فكلّ منهما مرتهن للنصف مع تساوي الدَّين ، ومع التفاوت فالظاهر التقسيط والتوزيع بنسبة حقّهما ، فإن قضى دين أحدهما انفكّ عن الرهانة ما يقابل حقّه . هذا كلّه في التعدّد ابتداءً ، وأمّا التعدّد الطارئ فالظاهر أنّه لا عبرة به ، فلو مات الراهن عن ولدين لم ينفكّ نصيب أحدهما بأداء حصّته من الدَّين ، كما أنّه لو مات المرتهن عن ولدين فاُعطي أحدهما نصيبه من الدَّين لم ينفكّ بمقداره من الرّهن1.
1 ـ في هذه المسألة فروض :
الأوّل : لو استدان اثنان من واحد كلّ منهما ديناً مستقلاًّ غير مرتبط أحدهما بالآخر ، ثمّ رهنا عنده مالاً مشتركاً بينهما ، كما إذا اشتراه بالشركة ثمّ قضى أحدهما دينه أو فكّ المرتهن الرهن بالإضافة إلى حصّته ، انفكّت حصّته فقط عن الرهانة ويصير ملكاً طلقاً له .
الثاني : لو كان الراهن واحداً والمرتهن متعدِّداً ، كما عرفت فرضه في المسألة السابقة ، وذكر فرضاً آخر له في المتن; وهو أنّه كان عليه دين لاثنين فرهن شيئاً عندهما بعقد واحد ، فإن كان الدينان متساويين يكون كلّ منهما مرتهناً بالإضافة إلى النصف ، وإن لم يكن الدينان متساويين فاستظهر في المتن التقسيط والتوزيع بنسبة حقّهما وهو كذلك ; فإنّه لا مجال لتوهّم كون دين أحدهما عشرة أضعاف الدَّين الآخر ، ويكون بالإضافة إلى الرهن متساويين ، فإنّه وإن كان لا تعتبر المماثلة بين الدَّين والرهن من جهة المالية ، إلاّ أنّ المنساق إلى الذهن في الفرض المزبور التقسيط والتوزيع بالنسبة ، وإن لم يقع التصريح بذلك لا من الراهن ولا من المرتهنين ، وفرّع عليه في المتن أنّه إن قضى دين أحدهما انفكّ عن الرهانة ما يقابل حقّه نصفاً كان أو غيره .
(الصفحة253)
مسألة 17 : لا يدخل الحمل الموجود في رهن الحامل ، ولا الثمر في رهن الشجر إلاّ إذا كان تعارف يوجب الدخول أو اشترط ذلك ، وكذا لا يدخل ما يتجدّد إلاّ مع الشرط . نعم ، الظاهر دخول الصوف والشعر والوبر في رهن الحيوان ، وكذا الأوراق والأغصان حتّى اليابسة في رهن الشجر . وأمّا اللبن في
الثالث : ما ذكر من التقسيط والتوزيع بالنسبة في الفرض الثاني إنّما هو فيما إذا كان التعدّد من حيث الابتداء ، وأمّا فيما إذا كان التعدّد طارئاً فاستظهر في المتن أنّه لا عبرة بتساوي الدينين واختلافهما ، ويمكن أن يُقال : إنّه حيث يكون الرهن الثاني بإذن المرتهن الأوّل لا محالة ، فلا مانع من أن يكون مرجع إذنه إلى التوزيع بالنسبة ، كصورة التعدّد من الابتداء من دون فرق بين الصورتين ، وفرّع في المتن على ما أفاده أنّه لو مات الراهن عن ولدين لم ينفكّ نصيب أحدهما بأداء حصّته من الدَّين ، كما أنّه لو مات المرتهن عن ولدين فاُعطي أحدهما نصيبه من الدَّين لم ينفكّ بمقداره من الرّهن .
والوجه في الأوّل: أنّ الرهن كان في مقابل مجموع الدَّين من حيث المجموع ، فما دام لم يتحقّق أداؤه بأجمعه لا ينفكّ شيء من الرهن ، وإلاّ لكان اللازم الالتزام بأنّه لو أدّى الراهن ، بنفسه بعض الدَّين إنفكّ بعض الرهن ، والظاهر أنّه لا يلتزم بذلك أحد ، ففي الفرض مع موت الراهن عن ولدين لو أدّى أحدهما حصّته من الدَّين لا ينفكّ شيء من الرهن ، خصوصاً مع لزومه من طرف الراهن كما سيأتي إن شاء الله تعالى ، والوجه في الثاني ما ذكرنا أيضاً من كون الرهن في مقابل مجموع الدَّين من حيث المجموع ، فلا يكفي في فكّ بعض الرهن أداء مقدار الدَّين ولو كان الديّان متعدّدين بقاءً ، ويمكن أن يُقال : إنّ المراد بالتعدّد الطارئ الذي استظهر أنّه لا عبرة به ، هو مثل الفرعين الأخيرين ، وإلاّ فالإشكال الذي ذكرناه يبقى بحاله .
(الصفحة254)
الضرع ومغرس الشجر وأُسّ الجدار ـ أعني موضع الأساس من الأرض ـ ففي دخولهاتأمّلوإشكال،ولايبعد عدم الدخول وإن كان الأحوط التصالح والتراضي1.
مسألة 18 : الرهن لازم من جهة الراهن ، وجائز من طرف المرتهن ، فليس للرّاهن انتزاعه منه بدون رضاه إلاّ أن يسقط حقّه من الارتهان ، أو ينفكّ الرهن بفراغ ذمّة الراهن من الدَّين . ولو برئت ذمّته من بعضه فالظاهر بقاء الجميع رهناً على ما بقي ، إلاّ إذا اشترط التوزيع فينفكّ منه على مقدار ما برئ منه ، ويبقى
1 ـ لا يدخل الحمل الموجود حال الرهن في رهن الحامل ، ولا الثمرة المتحقّقة في رهن أصل الشجر إلاّ في صورة التعارف أو الاشتراط ; لأنّه في غير الصورتين لا تكون ملازمة ولا تبعيّة ، فإنّ العين المرهونة إنّما هي ذات الحامل لا مع الحمل ، والشجرة لا مع الثمرة عليها . ومنه يظهر عدم دخول الحمل المتجدّد ، وكذا الثمرة المتجدّدة في الرهن في غير الصورتين . نعم ، يدخل في رهن الحيوان الصوف والشعر والوبر ، وكذا الأغصان والأوراق حتّى اليابسة في رهن الشجر ; لكونها جزءاً منهما لا مغايراً لهما ، وقد تأمّل واستشكل في دخول اللبن في الضرع ومغرس الأشجار وأُسّ الجدار; أعني موضع الأساس من الأرض ، ونفى البُعد عن عدم الدخول وإن احتاط استحباباً بالتصالح والتراضي .
والوجه في نفي البُعد عن عدم الدخول مغايرة العين المرهونة مع هذه الاُمور; لأنّ الجدار مغاير لأساسه من الأرض ، وكذا مغرس الشجر مع الشجر ، وكذا اللبن مع الحيوان ، لكن حيث إنّ الجدار لا يقوم بدون الأساس ، وكذا الشجر بدون المغرس ، وكذا اللبن الموجود في الضرع تابع للحيوان ، يمكن أن يُقال بالدخول ، ومع ذلك فمقتضى الاحتياط التصالح كما أفاد (قدس سره) .
(الصفحة255)
رهناً على مقدار ما بقي ، أو شرطا كونه رهناً على المجموع من حيث المجموع ، فينفكّ الجميع بالبراءة من بعضه1.
1 ـ لا ينبغي الإشكال في لزوم الرهن من طرف الراهن ، وإلاّ فلا يجتمع مع كونه وثيقة للدَّين وموجباً لاطمئنان المرتهن ، ويترتّب على ذلك أنّه لا يجوز للراهن الانتزاع منه بدون رضاه وإسقاط حقّه ، أو إفراغ ذمّة الراهن من جميع الدَّين; لأنّ له إسقاط حقّه في الصورة الاُولى ، ولا يبقى مجال لعنوان الوثيقة بعد أداء الدَّين بأجمعه وفراغ ذمّة الراهن كذلك ، ولا يكون الرهن لازماً من جهة المرتهن; لأنّه أيضاً مقتضى كونه وثيقة عنده ، ففي الحقيقة يكون له هذا الحقّ; وهو ثبوت الرهن عنده مع الأحكام الخاصّة المترتّبة عليه ، ويمكن له إسقاط هذا الحقّ ; لأنّ أقلّ آثار الحقّ جواز الإسقاط ، فلا يبقى موضوع للرهن مع إسقاطه وهو واضح .
ثمّ إنّه تعرّض في الذيل بما إذا برئت ذمّة الراهن من بعض الدَّين بأداء أو إبراء أو نحوهما ، واستظهر بقاء الجميع رهناً على ما بقي ، إلاّ إذا اشترط التوزيع فينفكّ منه على مقدار ما برئ منه ، ويبقى رهناً على مقدار ما بقي ، أو شرطا كونه رهناً على المجموع من حيث المجموع ، فينفكّ الجميع بالبراءة من بعضه ، وفي صورة عدم الاشتراط بأحد النحوين المذكورين لا تكفي البراءة من البعض في انفكاك الرهن بالإضافة ، بل مجموع العين باق على الرهنيّة وإن تحقّقت البراءة بالإضافة إلى البعض ، لأنّ ظاهر الرهن كونه وثيقة على الدَّين ما دام كونه باقياً ولو ببعضه .
نعم ، إذا أسقط المرتهن حقّه من الرهن في مقابل أداء البعض مطلقاً أو بالنسبة ، فالظاهر صحّة الإسقاط ; لأنّ ذلك مقتضى عدم اللزوم من ناحيته ، ولا يترتّب على التبعيض في مثل المقام من ناحية المرتهن أثر من ثبوت خيار ونحوه ، بل كما عرفت أنّ للمرتهن إسقاط حقّه من الكلّ أو البعض ، فتدبّر .
(الصفحة256)
مسألة 19 : لا يجوز للرّاهن التصرّف في الرهن إلاّ بإذن المرتهن; سواء كان ناقلاً للعين كالبيع ، أو المنفعة كالإجارة ، أو مجرّد الانتفاع به وإن لم يضرّ به ، كالركوب والسكنى ونحوها . نعم ، لا يبعد الجواز فيما هو بنفع الرهن إذا لم يخرج من يد المرتهن بمثله ، كسقي الأشجار وعلف الدابّة ومداواتها ونحو ذلك ، فإن تصرّف فيما لا يجوز بغير الناقل أثم ، ولم يترتّب عليه شيء إلاّ إذا كان بالإتلاف ، فيلزم قيمته وتكون رهناً . وإن كان بالبيع أو الإجارة أو غيرهما من النواقل وقف على إجازة المرتهن ، ففي مثل الإجارة تصحّ بالإجازة وبقيت الرهانة على حالها ، بخلافها في البيع ، فإنّه يصحّ بها وتبطل الرهانة ، كما أنّها تبطل بالبيع إذا كان عن إذن سابق من المرتهن1.
1 ـ أمّا عدم جواز التصرّف في الرهن للراهن ، فلما عرفت من لزوم عقد الرهن من ناحيته والتصرّف ينافي ذلك; سواء كان ناقلاً للعين كالبيع ، أو المنفعة كالإجارة ، أو مجرّد الانتفاع بها كالعارية ، كلّ ذلك لأجل منافاته للزوم من قبله وإن لم يكن التصرّف موجباً للإضرار بالرهن ، كالركوب والسكنى ونحوهما . نعم ، حيث تكون العين المرهونة متعلِّقة لحقّ المرتهن ـ من دون أن تكون مملوكة له ـ تصحّ التصرّفات المذكورة مع إذن المرتهن ، وقد وقع البحث عن هذه المسألة في متاجر الشيخ الأعظم (قدس سره)وغيره(1) .
هذا كلّه في التصرّف بغير الإتلاف . وأمّا التصرّف به فهو وإن لم يكن إتلافاً مشمولاً لقاعدة الإتلاف الجارية في إتلاف مال الغير ، إلاّ أنّه حيث يكون موجباً
(1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم): 4/153 ـ 166 ، النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى: 433 ، الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 266 ، شرائع الإسلام: 2/81 ـ 82 ، الجامع للشرائع: 288 ، قواعد الأحكام: 2/114 ، تحرير الأحكام: 2/488 ـ 491 .
(الصفحة257)
مسألة 20 : لا يجوز للمرتهن التصرّف في الرهن بدون إذن الراهن ، فلو تصرّف فيه بركوب أو سكنى ونحوهما ضمن العين لو تلفت تحت يده للتعدّي ، ولزمه اُجرة المثل لما استوفاه من المنفعة ، ولو كان ببيع ونحوه أو بإجارة ونحوها وقع فضوليّاً ، فإن أجازه الراهن صحّ وكان الثمن والاُجرة المسمّاة له ، وكان الثمن رهناً في البيع ، لم يجز لكلّ منهما التصرّف فيه إلاّ بإذن الآخر ، وبقى العين رهناً في الإجارة ، وإن لم يجز كان فاسداً1.
لانتفاء موضوع الرهن مع لزوم الرهن من قبل الراهن يكون ذلك موجباً للإثم ، واللازم أداء قيمته لأن تكون رهناً .
ثمّ إنّه نفى البُعد عن جواز التصرّف مع اجتماع أمرين: أحدهما أن يكون التصرّف بنفع الرهن ، ثانيهما عدم كونه موجباً للخروج عن يد المرتهن ، كسقي الأشجار وعلف الدواب ومداواتها ونحو ذلك ، والوجه في عدم البُعد ـ مضافاً إلى عدم منافاة هذاالنحو من التصرّف لحقّ المرتهن ـ يكون ذلك موجباً لبقاء العين المرهونة سالمة.
ثمّ إنّه (قدس سره) فصّل في الذيل بين البيع والإجارة; بأنّ الإجازة اللاّحقة أو الإذن السابق في البيع يوجب بطلان الرهانة لانتفاء موضوعها ، والفرض تحقّقه بالإذن أو الإجازة ، وأمّا الإجارة فالإذن السابق أو الإجازة اللاحقة يوجب صحّة الإجارة ، ولا يوجب بطلان الرهانة بل هي باقية بحالها ، خصوصاً إذا انقضت مدّة الإجارة قبل حلول أجَل الدَّين الثابت على الذمّة ، الذي لابدّ في تحقّق الرهن من ثبوته كما عرفت(1) .
1 ـ أمّا عدم جواز تصرّف المرتهن في الرهن بشيء من التصرّفات ، فلأنّه
(1) في ص246 ـ 247 .
(الصفحة258)
مسألة 21 : منافع الرهن كالسكنى والركوب ، وكذا نماءاته المنفصلة كالنتاج والثمر والصوف والشعر والوبر ، والمتّصلة كالسمن والزيادة في الطول والعرض ، كلّها للراهن; سواء كانت موجودة حال الارتهان أو وجدت بعده ، ولا يتبعه في الرّهانة إلاّنماءاته المتّصلة ، وكذا ما تعارف دخوله فيه بنحو يوجب التقييد1.
لا يكون مالكاً له ، بل إنّما هي وثيقة للدَّين يتبعها الأحكام الآتية إن شاء الله تعالى . نعم ، لا مانع من التصرّف إذا كان مسبوقاً بإذن الراهن ، فلو تصرّف فيه بأيّ نحو من التصرّف ولو بمثل الركوب يصير متعدّياً وعليه الضمان لو تلفت العين المرهونة بسببه ، كما أنّ عليه اُجرة المثل لما استوفاه من المنفعة بدون الإذن ، ولو كان تصرّف المرتهن بمثل البيع والإجارة تكون المعاملة فضولية تحتاج إلى إجازة الراهن ; لأنّه المالك ، فإن كان التصرّف المذكور بيعاً أو إجارة أو نحوهما يكون الثمن والاُجرة المسمّـاة للراهن المالك ، والفرق بين البيع والإجارة أنّه في البيع يصير الثمن رهناً فلا يجوز لكلّ منهما التصرّف فيه كما في أصل الرّهن ، وفي الإجارة تبقى العين بعنوان الرهن وإن كان مال الإجارة للراهن ، والمفروض عروض الإجازة لها ، وممّا ذكرنا ظهر أنّه مع عدم تحقّق الإجازة من الراهن المالك يكون البيع أو الإجارة فاسداً .
1 ـ منافع الرهن إنّما هي مثل الرهن في كونه ملكاً للراهن ، من دون فرق بين مثل السكنى والركوب ، وبين نماءاته المنفصلة كالنتاج والثمر والصوف والشعر والوبر ، وبين نماءاته المتّصلة كالسمن في الحيوان والزيادة في الطول والعرض في مثل الشجر ، وكذا لا فرق بين المنافع الموجودة حال الارتهان والمتجدّدة بعده ،
(الصفحة259)
مسألة 22 : لو رهن الأصل والثمرة أو الثمرة منفردة صحّ ، فلو كان الدَّين مؤجّلاً وأدركت الثمرة قبل حلول الأجل ، فإن كانت تجفّف ويمكن إبقاؤها بالتجفيف جفّفت وبقيت على الرهن ، وإلاّ بيعت وكان الثمن رهناً إذا استُفيد من شرط أو قرينة أنّها رهن بماليّتها1.
مسألة 23 : لو كان الدَّين حالاًّ ، أو حلّ وأراد المرتهن استيفاء حقّه ، فإن
ضرورة أنّ كلّها تابع لملكيّة العين الثابتة للراهن ، وأمّا التبعيّة في الرهن فتختصّ بالنماءات المتّصلة غير المنفصلة عنها ، وكذا بما تعارف دخوله فيه بنحو يكون مثل الاشتراط ، كالحمل على ما عرفت في بعض المسائل السابقة(1) ، فراجع .
1 ـ يجوز رهن الثمرة على الشجرة; سواء كانت مستقلّة أو مع أصلها منضمّة ، وحينئذ فلو كان الدَّين مؤجّلاً ولكن أدركت الثمرة قبل حلول الأجل ، ولا محالة تفسد مع البقاء إلى حلول الأجل ، فإن أمكن إبقاء الثمرة بالتجفيف جفّفت وبقيت الثمرة مجفّفة على الرهن ، ويمكن الاستشكال في إطلاق الحكم بالإضافة إلى صورة قلّة القيمة بالتجفيف ، إلاّ أن يُقال : إنّ علم الراهن بإدراك الثمرة قبل حلول الأجل ، وبناءه على عدم الأداء قبله لازم للإذن بالبيع مع الجفاف ولو مع قلّة القيمة ، وإن لم يمكن الإبقاء مع التجفيف تباع الثمرة ويكون الثمن رهناً ، لكن قيّده في المتن بما إذا استُفيد من شرط أو قرينة أنّ الثمرة رهن بماليّتها ، ولعلّ مفهومه بطلان الرهن مع العلم بحصول الجفاف قبل حلول الأجل وعدم إمكان التجفيف وعدم كون الثمرة رهناً بماليّتها .
(1) في ص253 ـ 254 مسألة 17 .
(الصفحة260)
كان وكيلاً عن الراهن في بيع الرهن واستيفاء دينه منه ، فله ذلك من دون مراجعة إليه ، وإلاّ ليس له أن يبيعه ، بل يراجعه ويطالبه بالوفاء ولو ببيع الرهن أو توكيله فيه ، فإن امتنع رفع أمره إلى الحاكم ليلزمه بالوفاء أو البيع ، فإن امتنع على الحاكم إلزامه باعه عليه بنفسه أو بتوكيل الغير ، وإن لم يمكن ذلك لعدم بسط يده استأذن المرتهن منه للبيع . ومع فقد الحاكم أو عدم إمكان الإذن منه باعه المرتهن واستوفى حقّه من ثمنه إن ساواه ، أو بعضه إن كان أقلّ ، وإن كان أزيد فهو أمانة شرعيّة يوصله إلى صاحبه1.
مسألة 24 : لو لم يكن عند المرتهن بيِّنة مقبولة لإثبات دينه ، وخاف من أنّه
1 ـ لو كان الدَّين حالاًّ ، أو حلّ ولم يؤدّ الراهن الدَّين وأراد المرتهن استيفاء حقّه ، فإن كان وكيلاً عن الراهن في بيع الرهن واستيفاء دينه عنه ; بمعنى كونه وكيلاً عنه في صورة عدم الأداء من دون مراجعة إلى الراهن ، فللمرتهن ذلك بمقتضى الوكالة ، وإن لم يكن وكيلاً عنه كذلك لا يكون له حقّ البيع لأنّه بيع مال الغير ، بل يراجع الراهن ويطالبه بالوفاء ، ولو بأن يبيع بنفسه الرهن أو يوكّل غيره في ذلك ، فإن امتنع الراهن من ذلك يرفع لا محالة أمره إلى الحاكم ، وهو يلزمه بالوفاء أو البيع ثمّ الأداء ، فإن امتنع على الحاكم الإلزام به باعه الحاكم بنفسه أو بتوكيل الغير ولو كان هو المرتهن ، وإن لم يمكن للحاكم ذلك لعدم بسط يده استأذن المرتهن منه البيع ، وفي صورة فقد الحاكم أو عدم إمكان الإذن منه باعه المرتهن واستوفى حقّه من الثمن لو كان مساوياً للدَّين أو أقلّ ، ولو كان الدَّين أقلّ من الثمن يبقى الزائد عن الدَّين في يده أمانة من طرف الشارع يجب عليه الإيصال إلى صاحبه الذي هو الراهن ، والوجه في جميع ذلك واضح .
|