(الصفحة301)
مسألة 6 : الظاهر أنّه لا يشترط العدالة في ولاية الأب والجدّ ، فلا ولاية للحاكم مع فسقهما ، لكن متى ظهر له ولو بقرائن الأحوال الضرر منهما على المولّى عليه عزلهما ومنعهما من التصرّف في أمواله ، ولا يجب عليه الفحص عن عملهما وتتبّع سلوكهما1.
الاحتياط كما في المتن رعاية العدالة ، خصوصاً مع أنّ الولاية على خلاف الأصل ، وروايات الفوق لا صراحة بل لا ظهور فيها في اعتبار العدالة الاصطلاحية وإن كان المعروف أنّ المذكور في عداد الولاة وفي آخرهم عدول المؤمنين ، فلا يجوز ترك الاحتياط كما لا يخفى .
1 ـ قد وقع التعرّض في هذه المسألة لاُمور :
الأوّل : أنّ مقتضى إطلاق أدلّة ولاية الأب والجدّ له ثبوت الولاية لهما من غير التقييد بالعدالة ، كما عرفت أنّه الأحوط في المؤمنين ، فثبوت فسقهما أو عروضه لا يوجب بنفسه الخروج عن الولاية ، بحيث لو راعيا المصلحة الكاملة في التصرّف في أموال الطفل لكان التصرّف بلا وجه وصادراً من غير الولي الشرعي ، بل تصرّفهما صحيح وصادر عمّن له الولاية .
الثاني : أنّه حيث إنّ الحكمة بل العلّة في ثبوت الولاية للأب والجدّ رعاية الغبطة والمصلحة للأطفال ، بحيث لم يقع منهما تضرّر على المولّى عليه لعدم قدرته خصوصاً في بعض المراحل على هذه الرعاية بوجه ، فلو ظهر للحاكم ولو بقرائن الأحوال ثبوت الضرر منهما على الطفل المولّى عليه يجب على الحاكم في هذه الصورة ـ وهي صورة الظهور ـ عزلهما ومنعهما من التصرّف في أمواله ; لاستلزامه خلاف علّة ثبوت الولاية لهما . غاية الأمر أنّ عدم اعتبار العدالة فيهما إنّما هو لأجل
(الصفحة302)
مسألة 7 : الأب والجدّ مستقلاّن في الولاية ، فينفذ تصرّف السابق منهما ولغا اللاّحق ، ولو اقترنا ففي تقديم الجدّ ، أو الأب ، أو عدم الترجيح وبطلان تصرّف كليهما وجوه ، بل أقوال ، فلا يترك الاحتياط1.
كون القرابة النسبية بهذا المقدار يوجب عادةً رعاية المصلحة للمولّى عليه ، فالأب لا يقدم غالباً على ابنه أو بنته وكذلك الجدّ ، لكن لو شوهد الخلاف ولو بقرائن الأحوال تصل النوبة إلى الحاكم الذي تمنع عدالته عن ذلك ويجب عليه العزل والمنع.
الثالث : أنّه لا يجب على الحاكم الذي يحتمل ذلك ـ ولكن لم يظهر له ـ الفحص عن عملهما وتتبّع سلوكهما ليظهر له كيفيّة عملهما; وذلك لحمل فعل المسلم على الصحّة ، وفي المقام هي عبارة عن عدم كون تصرّفهما بنحو يكون فيه ضرر على الطفل المولّى عليه ، فإنّ الصحّة في المقامات يختلف معناها ويتفاوت مصاديقها ، فإنّ الصحّة في المعاملات في مقابل فسادها الشرعي ، وفي التصرّفات غير المعامليّة في المقام بمعنى عدم اشتمالها على الضرر ، فتدبّر .
1 ـ قد نفى وجدان الخلاف في اشتراكهما في الولاية ـ على معنى نفوذ تصرّف السابق ـ في الجواهر(1) ، بل حكي عن ظاهر نكاح المسالك الإجماع عليه(2) ; لأنّه مقتضى ثبوت الولاية لكلّ منهما . نعم ، في صورة الاقتران وانعدام السابق واللاحق ربما يقال بترجيج الجدّ لثبوت ولايته على الأب في بعض الأحوال ، وللنصوص المستفيضة في باب النكاح(3) الثابتة في المقام بالأولوية ، وربما يقال بتقديم ولاية
(1) جواهر الكلام: 26/102 .
(2) مسالك الأفهام: 7/117 ـ 119 ، والحاكي هو صاحب مفتاح الكرامة: 5/256 .
(3) وسائل الشيعة: 20/289 ـ 291 ، كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب11 .
(الصفحة303)
مسألة 8 : الظاهر أنّه لا فرق بين الجدّ القريب والبعيد ، فلو كان له أب وجدّ وأب الجدّ وجدّ الجدّ فلكلّ منهم الولاية1.
مسألة 9 : يجوز للوليّ بيع عقار الصبي مع الحاجة واقتضاء المصلحة ، فإن كان البائع هو الأب والجدّ جاز للحاكم تسجيله وإن لم يثبت عنده أنّه مصلحة . وأمّا غيرهما كالوصي فلا يسجّله إلاّ بعد ثبوتها عنده على الأحوط وإن كان الأقرب جواز تسجيله مع وثاقته عنده2.
الأب لشدّة اتّصاله وكون ولاية الجدّ بواسطته ، كما أنّ الوجه في بطلان تصرّف كليهما الاقتران وعدم الترجيح وعدم إمكان الجمع .
ولكن في المتن نهى عن ترك الاحتياط لعدم تماميّة شيء من الأدلّة المتقدِّمة حتّى الأولويّة المذكورة ; لعدم قطعيّتها وعدم حجّية الظنّية وهو الظاهر ، لكن الاحتياط يحصل بما فيه النفع الأكثر والغبطة الكاملة ، كما لايخفى .
1 ـ إذا اجتمع الأب مع الجدّ الأعلى أي أب الجدّ أو جدّه فالظاهر ثبوت الولاية لهما; لصدق الأبوّة الحقيقيّة التي كانت له شدّة الاتّصال وصدق الجدّ معاً . وأمّا لو لم يكن هناك أب ، بل كان جدّ وأب الجدّ مثلاً ، ففي ثبوت الولاية لهما إشكال ; لأنّ الجدّ وإن كان موجوداً إلاّ أنّ أب الجدّ لا يصدق عليه الأب عرفاً ، فلا دليل على ثبوت الولاية له ، خصوصاً في فرض كون الجدّ قد تصرّف لاحقاً ، فإنّ إبطال تصرّفه لأجل لحوقه بتصرّف أبيه مشكل بل ممنوع ، كما لا يخفى ، فالظاهر خلاف ما استظهره في المتن .
2 ـ لا إشكال في أنّه يجوز للولي أن يبيع عقار الصبي كلاًّ أو بعضاً مع الحاجة واقتضاء المصلحة ذلك ، غاية الأمر أنّه إن كان الوليّ البائع هو الأب أو الجدّ ،
(الصفحة304)
مسألة 10 : يجوز للوليّ المضاربة بمال الطفل وإبضاعه بشرط وثاقة العامل وأمانته ، فإن دفعه إلى غيره ضمن1.
فحيث إنّ ولايتهما تكون في الدرجة الاُولى من الأولياء ولا يعتبر فيهما العدالة ، بل ولا الوثاقة كما تقدّم ، يجوز للحاكم الشرعي تسجيل هذا البيع وإن لم يثبت عنده أنّه مصلحة . وإن كان غيرهما ، فإن كان حاكماً آخر فمقتضى اعتبار العدالة في الحاكم رعاية المصلحة ، فيجوز بل يجب لحاكم آخر التسجيل ، وإن كان وصيّاً من ناحية الأب أو الجدّ فقد استقرب في المتن جواز التسجيل مع الوثاقة عنده وإن احتاط بعدم التسجيل إلاّ بعد ثبوتها .
ولعلّ السرّ فيه أنّ رعاية مصلحة الطفل سيّما إذا كان صغيراً جدّاً مع الالتفات إلى عدم تشخيص مصالحه ومفاسده حينئذ غالباً لابدّ وأن تكون منظورة ، غاية الأمر أنّ الأب والجدّ للأب لشدّة اتّصالهما بالطفل وشدّة علاقتهما به يراعيان المصلحة نوعاً ، ولذا لا يعتبر فيهما العدالة ، بل ولا الوثاقة ، ومع ذلك فقد مرّ أنّه لو ظهر للحاكم عدم رعايتهما ذلك ولو بقرائن الأحوال عزلهما ومنعهما من التصرّف ، وأمّا غير الأب والجدّ فقد عرفت أنّه إن وصلت النوبة مستقيماً إلى الحاكم فلا مانع منه ; لاتّصافه بالعدالة ، كما أنّه إذا بلغت إلى عدول المؤمنين فكذلك ، وأمّا الوصي من الأب أو الجدّ فمع عدم ثبوت وثاقته عند الحاكم فلا يجوز له تسجيله مع عدم العلم بالحال . نعم ، في صورة ثبوت الوثاقة لا مانع من التسجيل .
1 ـ يجوز للوليّ الشرعي المضاربة بمال الطفل وإبضاعه بشرط ترتّب الربح على المضاربة نوعاً ، أو محفوظيّة المال عنده لأجل بعض الخصوصيّات الثابتة له بحيث لو لم يجعل مضاربة يكون في معرض السرقة ونحوها ، كلّ ذلك إذا كان العامل أميناً
(الصفحة305)
مسألة 11 : يجوز للوليّ تسليم الصبي إلى أمين يعلّمه الصنعة ، أو إلى من يعلّمه القراءة والخطّ والحساب والعلوم العربية وغيرها من العلوم النافعة لدينه ودنياه ، ويلزم عليه أن يصونه عمّا يفسد أخلاقه ، فضلاً عمّا يضرّ بعقائده1.
مسألة 12 : يجوز لوليّ اليتيم إفراده بالمأكول والملبوس من ماله ، وأن يخلطه بعائلته ويحسبه كأحدهم ، فيوزّع المصارف عليهم على الرؤوس في المأكول والمشروب . وأمّا الكسوة فيحسب على كلّ على حدة . وكذا الحال في اليتامى المتعدّدين ، فيجوز لمن يتولّى الإنفاق عليهم إفراد كلّ ، واختلاطهم
ومحلّ وثوق يؤمن معه من أكل مال اليتيم ، أو الصرف في التجارات غير العقلائيّة، ومع عدم الوثاقة والأمانة يتحقّق الضمان; لأنّه لم يكن للولي الدفع إليه والحال هذه ، فمع الدفع المقرون بعدم الجواز يتحقّق الضمان لا محالة ، كما هو غير خفيّ .
1 ـ يجوز للوليّ مطلقاً أن يسلّم الطفل الصغير ويجعله تحت اختيار أمين يعلّمه الصنعة ، أو معلِّم أمين يعلّمه القراءة والخطّ والحساب والعلوم العربية وغيرها من العلوم النافعة لدينه ودنياه ، التي يكون المعمول تعلّمها في حال الطفولية ، وفي زماننا هذا يرسله إلى المدارس التي لها مراتب مختلفة ، أو إلى إحدى الحوزات العلمية مع رعاية ما هو أنفع له ، ويكون طبعه ملائماً له بحيث يسهل عليه الوصول إليه والرشد والتكامل فيه ، ويلزم على الوليّ أن يصونه عمّا يفسد أخلاقه ، فضلاً عمّا يضرّ بعقائده ويوجب الانحراف له من هذه الجهة .
وبالجملة : حيث إنّ بنيان الاُمور إنّما يتحقّق في حالة الطفوليّة ، فاللازم على الولي تهيئة مقدّمات الرشد والتكامل ، وملاحظة حفظه عن فساد الأخلاق فضلاً عن العقيدة ; لعدم قدرته على تشخيص هذه الاُمور بنفسه .
(الصفحة306)
في المأكول والمشروب والتوزيع عليهم دون الملبوس1.
مسألة 13 : لو كان للصغير مال على غيره جاز للوليّ أن يصالحه عنه ببعضه مع المصلحة، لكن لا يحلّ على المتصالح باقي المال، وليس للوليّ إسقاطه بحال2.
1 ـ يجوز لوليّ الطفل الذي لا يكون له أب لمخالطته معه في هذه الحالة نوعاً إفراده بالمأكول والملبوس من مال الطفل بالكيفيّة التي هي من شؤونه ، ولا يكون زائداً عليها أو ناقصاً عنها ، كما أنّه في خصوص المأكول والمشروب يجوز له أن يخلطه بعائلته واُسرته ويحسبه كأحدهم ، فيوزّع المصارف عليهم بنسبة الرؤوس ويأخذ سهم اليتيم من ماله ، بل لعلّ هذا يكون أنفع بحاله من الإفراد والاستقلال ; لأنّ التوزيع موجب لقلّة مصارف اليتيم نوعاً ، وكذا الحال في اليتامى المتعدِّدين ، هذا بالإضافة إلى المأكول والمشروب .
وأمّا الملبوس ، فحيث إنّه لا معنى للتوزيع فيه غالباً فالحساب على كلّ على حدة . وأمّا المسكن لو لم يكن اليتيم واجداً له بالإرث ونحوه ، فاللازم فيه أيضاً رعاية ما هو صلاح له من الاشتراء والاستئجار والإفراد والمخالطة ، حتّى يمكن أن يكون الأصلح له ما هو المسمّى في زماننا هذا بـ «الرهن والإجارة» التي تكون صحّتها باستئجار الدار مثلاً بأقلّ من مال الإجارة ، ويشترط المؤجر على المستأجر أن يقرضه مالاً; بشرط أن يكون المؤجر أميناً في أداء القرض وردّه في زمانه ، كما لا يخفى .
2 ـ المفروض وجود مال للصغير على غيره ، يجب عليه فيما بينه وبين الله إيصال الجميع إلى وليّه ، لكن يرى الوصيّ امتناع ذلك الغير عن الإيصال لإنكاره إيّاه مثلاً ، لكن لو صالحه عنه ببعضه يمكن له الوصول إلى ذلك البعض ، ففي هذه
(الصفحة307)
مسألة 14 : المجنون كالصغير في جميع ما ذكر . نعم ، لو تجدّد جنونه بعد بلوغه ورشده فالأقرب أنّ الولاية عليه للحاكم دون الأب والجدّ ووصيّهما ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بتوافقهما معاً1.
الصورة المشتملة على المصلحة يصالحه ببعضه لئلاّ يذهب جميع المال ; لعدم ثبوت بيِّنة له مثلاً على الإثبات ، فيجوز له ذلك ، ولكن هذا العمل لا يؤثّر في حلّية الباقي للمتصالح مع علمه بثبوته عنده ، كما أنّه ليس للوليّ إسقاطه بحال ; لأنّ المال لا يكون مالاً له بل للمولّى عليه الصغير ، ولا يكون له حقّ الإسقاط ، ومجرّد جواز المصالحة بالبعض ـ لوجود المصلحة في ذلك نظراً إلى أنّه بدونها يذهب جميع المال ـ لا يوجب الخروج عن حقّ الصبي الثابت بينه وبين الله ، وهل الحكم كذلك بالنسبة إلى مال النفس أيضاً؟ الظاهر نعم ; لأنّ المصالحة على الأقلّ إنّما هي لأجل عدم ذهاب الجميع ، لا لأجل التراضي عن جميع ماله بذلك ، كما هو غير خفيّ .
1 ـ المجنون الذي اتّصل جنونه بصغره بحيث لم يتحقّق بينهما فصل الرشد بوجه ، يكون كالصغير في جميع ما ذكر من شؤون الولاية . وأمّا لو تحقّق بينهما الفصل بالبلوغ والرشد; بأن بلغ رشيداً مدّة ثمّ عرض له الجنون ، وقد تقدّم في المسألة الرابعة أنّ زوال الصغر بالبلوغ لا يوجب زوال الحجر عنه ، بل لابدّ معه من الرشد بالمعنى الذي سنبيّنه إن شاء الله تعالى(1) .
فاعلم أنّ الولاية عليه في هذه الصورة التي تجدّد جنونه بعد بلوغه ورشده للحاكم لا للأب والجدّ ووصيّهما ; لعدم الدليل على ولاية الأب والجدّ في هذه الصورة ، بل المرجع هو الحاكم الذي هو الوليّ في مثله ، لكن في المتن لا ينبغي
(1) في ص317 ـ 318 .
(الصفحة308)
مسألة 15 : ينفق الوليّ على الصبي بالاقتصاد لا بالإسراف ولا بالتقتير ملاحظاً له عادته ونظراءه ، فيطعمه ويكسوه ما يليق بشأنه1.
مسألة 16 : لو ادّعى الوليّ الإنفاق على الصبيّ أو على ماله أو دوابّه بالمقدار اللائق ، وأنكر بعد البلوغ أصل الإنفاق أو كيفيّته ، فالقول قول الوليّ مع اليمين ، وعلى الصبيّ البيِّنة2.
ترك الاحتياط بتوافقهما معاً ; لأنّ الأمر يدور بين الأب والجدّ وبين الحاكم ، فالاحتياط في رعاية توافق كليهما كما لا يخفى .
1 ـ قد مرّت الإشارة إلى أنّ إنفاق الولي على الصبي لابدّ أن يكون خالياً عن الإسراف والتقتير ، بل يراعي فيه ما يناسب شأنه ويليق به من حيث المطعم والكسوة والمسكن وسائر الجهات ، فلو أسرف في ذلك يكون ضامناً للزيادة ، كما أنّه لو قتّر يكون معاقباً عليه ، بل لو صار التقتير سبباً للمرض والكسالة المستلزمة صحّتها للمخارج لا يبعد أن يُقال بضمان تلك المخارج حتّى تتحقّق الصحّة .
2 ـ لو وقع الاختلاف بين الوليّ وبين الصبيّ بعد بلوغه ورشده ، فادّعى الوليّ الإنفاق على الصبي أو على ماله ودوابّه بالمقدار اللائق المناسب لحاله وشأنه ، وأنكر الصبي بعد البلوغ أصل الإنفاق أو كيفيّته ، كما إذا ادّعى أنّه أنفق غيره عليه تبرّعاً ، أو ادّعى عدم كون الإنفاق الصادر من الولي مناسباً لحاله وملائماً لشأنه من جهة الإسراف والتبذير ، فظاهر المتن أنّ الصبيّ هو المدّعي وعليه البيِّنة ، والوليّ هو المنكِر وعليه اليمين مع عدم البيِّنة للمدّعي ، كما هو الشأن في الموارد الاُخرى التي تكون البيِّنة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه .
(الصفحة309)
القول في السفه
السفيه: هو الذي ليس له حالة باعثة على حفظ ماله والاعتناء بحاله ، يصرفه في غير موقعه ويتلفه بغير محلّه ، وليست معاملاته مبنيّة على المكايسة والتحفّظ عن المغابنة ، لا يُبالي بالانخداع فيها ، يعرفه أهل العرف والعقلاء بوجدانهم إذا وجدوه خارجاً عن طورهم ومسلكهم بالنسبة إلى أمواله تحصيلاً وصرفاً ، وهو محجور عليه شرعاً لا ينفذ تصرّفاته في ماله ببيع وصلح وإجارة وهبة وإيداع وعارية وغيرها ، من غير توقّف على حجر الحاكم إذا كان سفهه متّصلاً بزمان صغره ، وأمّا لو تجدّد بعد البلوغ والرُّشد فيتوقّف على حجر الحاكم ، فلو حصل له الرشد ارتفع حجره ، ولو عاد فله أن يحجره1.
ولعلّ السرّ فيه إمّا ما اخترناه في كتاب القضاء من أنّ المرجع في تشخيص المدّعي والمنكر هو العرف(1) ، ومن الواضح أنّ المدّعي بناءً عليه هو الصبيّ الذي يدّعي عدم الإنفاق أو الكيفيّة ، وإمّا مطابقة قول الولي للأصل أو الظاهر ، فإنّ أصالة الصحّة في عمله وهو الإنفاق تقتضي كون الإنفاق على الصبي أو على ماله أو دوابّه بالمقدار اللائق ، وكذا الظاهر يقتضي ذلك بعد كون الإنفاق من مال الطفل ، وليس هناك داع للزيادة أو النقيصة ، مضافاً إلى أنّ الإنفاق من المتبرّع خصوصاً في طول المدّة خلاف الظاهر ، فالحكم كما أفاده في المتن من أنّه مع عدم البيِّنة للصبي المدّعي يكون قول الولي المنكر مع اليمين .
1 ـ قد فسّر المحقّق في الشرائع بأنّ الرشد هو أن يكون مصلحاً لماله(2) ، والظاهر
(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب القضاء والشهادات: 75 ـ 77 .
(2) شرائع الإسلام: 2/100 .
(الصفحة310)
مسألة 1 : الولاية على السفيه للأب والجدّ ووصيّهما إذا بلغ سفيهاً ، وفيمن طرأ عليه السفه بعد البلوغ للحاكم الشرعي1.
أنّ السفيه لا يكون له معنى شرعي ، بل استعماله في الكتاب والسنّة إنّما هو بالمعنى الذي يقول به العرف والعقلاء ، وخلاصته ما أفاده في المتن من أنّ السفيه هو الذي ليس له حالة باعثة ومَلَكة راسخة على حفظ المال ، ولا تكون معاملاته بنحو يجريها العقلاء من المكايسة والتحفّظ عن المغابنة وعدم الانخداع في المعاملة ، ومصاديقه واضحة عند العرف ظاهرة لديهم ، وبعد ذلك لا يحتاج إلى تعريف كامل جامع للجنس والفصل . نعم ، الظاهر اختصاص ذلك بالاُمور المالية ، فلا ينافي الدقّة الكاملة والتحقيق الوسيع في مثل اختيار الزوجة ونحوه .
وقد فصّل في المتن بين ما إذا كان السفه متّصلاً بزمان صغره ، فيكون محجوراً عليه بنفسه ولا ينفذ تصرّفاته في ماله ببيع وصلح وإجارة وهبة وإيداع وشبهها من دون توقّف على حجر الحاكم ، ففي الحقيقة تكون المحجوريّة ثابتة عليه من زمان الصغر إلى بعد البلوغ من دون فصل ، وبين ما لو تجدّد بعد البلوغ والرشد وتحقّق الفصل بين الصغر وبين الرشد بعد البلوغ السفاهة ، فالمحجورية متوقّفة على حجر الحاكم ، ولا يتحقّق الحجر بنفسه ; لأنّ السفيه لا يرى نفسه سفيهاً ، فلابدّ أن يبيّنه الحاكم ويحكم بحجره ، فلو حصل له الرشد ارتفع حجره لانتفاء موضوعه ، كما أنّه لو عاد فللحاكم أن يحجره ثانياً لتجدّد موضوعه ، وهكذا .
وكيف كان ، فالسفاهة إحدى موجبات الحجر ، والوجه فيه واضح .
1 ـ قد مرّت الإشارة آنفاً إلى التفصيل في السفيه بين من بلغ سفيهاً ، فالولاية للأب والجدّ ووصيّهما باقية ، وبين من طرأ عليه السفه بعد البلوغ ، فالولاية للحاكم
(الصفحة311)
مسألة 2 : كما أنّ السفيه محجور عليه في أمواله كذلك في ذمّته; بأن يتعهّد مالاً أو عملاً ، فلا يصحّ اقتراضه وضمانه ولا بيعه وشرائه بالذمّة ، ولا إجارة نفسه ولا جعل نفسه عاملاً للمضاربة ونحوها1.
الشرعي ، ولعلّ الصورة الاُولى مستفادة من قوله تعالى : {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ}(1) حيث إنّ المخاطب هو الأب والجدّ ، ومقتضاها أنّه إذا لم يظهر لهما رشدهم فحرمة دفع الأموال إليهم باقية كما قبل البلوغ ، والثانية على القاعدة الجارية في جميع موارد الاحتياج إلى الولي إلاّ في صورة قيام الدليل; وهي ولاية الحاكم .
1 ـ لاشتراك ما في الذمّة من التعهّد المالي أو العملي مع الأموال الخارجيّة في ثبوت الحجر ، وعدم ترتيب الأثر على عمله بعد عدم ثبوت الملكة الباعثة على الانحفاظ وعدم التعرّض للتلف ، فكما أنّه محجور عليه في أن يشتري شيئاً بثمن شخصي موجود للوجه المذكور ، كذلك هو محجور عليه في أن يشتري نسيئة مثلاً بحيث كان الثمن في ذمّته; لعدم الفرق بين الصورتين في ملاك المحجورية ومناطها ، وكما أنّه لا يجوز أن يستأجر شيئاً باُجرة معيّنة لعدم ثبوت تلك المَلَكة ، كذلك لا يجوز له أن يؤجر نفسه في باب الإجارة على الأعمال; مثل أن يصير أجيراً لخياطة ثوب ونحوها وإن كان أصل الاُجرة ثابتاً ، بل لو فرض جعل الاُجرة عليه أزيد من المقدار المتعارف ; لأنّ البحث ليس في كثرة الاُجرة وقلّتها ، بل الملاك هو ما ذكرنا من عدم ثبوت الملكة الباعثة على الانحفاظ ، وإلاّ ففي مثل البيع إذا اشترى المبيع بنصف القيمة العادلة الواقعيّة لا يمكن الحكم بالصحّة من دون موافقة الولي وإذنه ،
(1) سورة النساء : 4/6 .
(الصفحة312)
مسألة 3 : معنى عدم نفوذ تصرّفات السفيه عدم استقلاله ، فلو كان بإذن الولي أو إجازته صحّ ونفذ . نعم ، فيما لا يجري فيه الفضوليّة يشكل صحّته بالإجازة اللاحقة من الوليّ . ولو أوقع معاملة في حال سفهه ، ثمّ حصل له الرشد فأجازها كانت كإجازة الوليّ1.
مسألة 4 : لا يصحّ زواج السفيه بدون إذن الوليّ أو إجازته ، لكن يصحّ طلاقه وظهاره وخلعه ، ويقبل إقراره إن لم يتعلّق بالمال حتّى بما يوجب القصاص
وكذلك لا يجوز جعل نفسه عاملاً للمضاربة ، بل ولا الجعالة مثلاً ، وإن كان عدم القبول مستلزماً لتعطّله وعدم اشتغاله بوجه; لوجود الملاك المذكور في الجميع ، كما هو غير خفيّ .
وبالجملة : السفاهة مانعة عن نفوذ مطلق تصرّفاته المالية عيناً كانت أو ذمّة ، ولا فرق بين الموارد المذكورة وشبهها أصلاً .
1 ـ قد عرفت أنّ احتياج السفيه إلى الوليّ ليس لأجل كون عبارته كلا عبارة مثلاً ، بل لأجل حصول الانخداع له في المعاملة نوعاً ، وذلك لأجل عدم ثبوت المَلَكة الباعثة له على الانحفاظ وعدم الانخداع وإن لم يتحقّق ذلك في شخص معاملة ، وعليه فلو كان تصرّفه مسبوقاً بإذن الولي أو ملحوقاً له لا يبقى مجال للترديد في الصحّة بعد عدم كونه مسلوب العبارة . نعم ، في المعاملات التي لا تجري فيها الفضولية يشكل صحّتها بالإجازة اللاحقة من الولي ، لأنّه ليس بأولى من نفسه في صورة الرشد وعدم السفاهة ، ولو أوقع معاملة في حال سفهه جارية فيها الفضولية ، فكما أنّ الإجازة اللاحقة من الولي مؤثّرة في صحّتها لو بقي على حالة السفاهة وعدم الرشد ، كذلك إجازة نفسه إذا حصل له الرشد في حال الإجازة .
(الصفحة313)
ونحو ذلك ، ولو أقرّ بالنسب يقبل في غير لوازمه الماليّة كالنفقة ، وأمّا فيها فلا يخلو من إشكال وإن كان الثبوت لا يخلو من قرب . ولو أقرّ بالسرقة يقبل في القطع دون المال1.
مسألة 5 : لو وكّله غيره في بيع أو هبة أو إجارة مثلاً جاز ولو كان وكيلاً في أصل المعاملة لا مجرّد إجراء الصيغة2.
1 ـ لا يصحّ زواج السفيه بدون إذن الولي أو إجازته; لأنّ النكاح المنقطع لابدّ فيه من المهر وهو تصرّف ماليّ ، والنكاح الدائم وإن كان لا يلزم فيه ذكر المهر وتسميته ، إلاّ أنّ لزوم مهر المثل باق على حاله ، وهو أيضاً تصرّف ماليّ ، وفي المتن : «لكن يصحّ طلاقه وظهاره وخلعه» ، ويمكن الاستشكال في الأخير من جهة الاحتياج إلى قبول المال المبذول من الزوجة عوضاً عن الطلاق ، وهو تصرّف ماليّ يمكن أن يقع فيه الانخداع .
وأمّا الإقرار ، ففي المتن أنّه يقبل إن لم يتعلّق بالمال حتّى بما يوجب القصاص ، ولو أقرّ بالنسب فلا إشكال في قبول إقراره بالإضافة إلى غير لوازمه المالية ، كحرمة الزواج وجواز النظر ومثلهما . وأمّا بالنسبة إليها ، فقد نفى الخلوّ عن الإشكال ، وإن نفى الخلوّ عن القرب في الثبوت ، ولعلّ الوجه فيه أنّ اللوازم الماليّة من الاُمور التبعيّة في باب النسب وإن كانت لازمة له ، ولكن الظاهر بقاء الإشكال بحاله .
ولو أقرّ بالسرقة فبالإضافة إلى حقّ الله الذي هو القطع يقبل ، وبالإضافة إلى حقّ الناس الذي هو المال المسروق منه لا يقبل .
2 ـ لو صار السفيه وكيلاً عن الغير في بيع أو هبة أو إجارة مثلاً جاز مطلقاً ; لعدم استلزام ذلك للتصرّف المالي ، من دون فرق بين أن يكون وكيلاً في مجرّد
(الصفحة314)
مسألة 6 : لو حلف السفيه أو نذر على فعل شيء أو تركه ممّا لا يتعلّق بماله انعقد ، ولو حنث كفّر كسائر ما يوجب الكفّارة; كقتل الخطأ والإفطار في شهر رمضان . وهل يتعيّن عليه الصوم لوتمكّن منه ، أو يتخيّر بينه وبين الكفّارة الماليّة كغيره ؟ وجهان ، أحوطهما الأوّل . نعم ، لو لم يتمكّن من الصوم تعيّن غيره ، كما إذا فعل ما يوجب الكفّارة الماليّة على التعيين ، كما في كفّارات الإحرام كلّها أو جلّها1.
إجراء الصيغة أو وكيلاً في أصل المعاملة ، ولو استؤجر على ذلك يقع الإشكال فيه ; لأنّه من مصاديق الإجارة على الأعمال ، وقد عرفت محجوريّة السفيه بالإضافة إليها ، ومن هنا يمكن الاستشكال فيه من حيث إنّ الوكالة المجّانية فاقدة للإشكال ومتّصفة بالجواز ، والاستئجار على الوكالة غير جائز .
1 ـ لو حلف السفيه أو نذر على فعل شيء راجح أو تركه كذلك ممّا لا يتعلّق بماله انعقد ، إنّما الكلام في وجوب الكفّارة في صورة الحنث ، فإن كان مثل قتل الخطأ ممّا لا تأثير للإرادة في ذلك فلا شبهة في الوجوب ، وإن كان مثل الإفطار في شهر رمضان من الكفّارة المخيّر فيها بين الأمر المالي والأمر غير المالي كالصوم وإطعام الستّين مسكيناً ، فإن لم يتمكّن من الصوم فالظاهر تعيّن غيره ، كما أنّه في صورة الإفطار عمداً بالمحرّم يجب عليه الجمع ، وفي الكفّارة المالية على التعيين ، كما في كفّارات الإحرام كلّها أو جلّها ، كما إذا لبس الرجل المخيط في إحرام الحجّ ولو مع الاضطرار يوجب الثبوت على السفيه ، وهكذا في الاُمور الاختيارية الموجبة للكفّارة ، ولكنّه ربما يختلج بالبال أنّ الأمر الاختياري الموجب للكفّارة تصرّف مالي اختياري ، فاللازم القول بعدم إيجابه الكفّارة بوجه ، ولكن الظاهر عدمه;
(الصفحة315)
مسألة 7 : لو كان للسفيه حقّ القصاص جاز أن يعفو عنه ، بخلاف الدية وأرش الجناية1.
مسألة 8 : لو اطّلع الولي على بيع أو شراء مثلاً من السفيه ولم يرَ المصلحة في إجازته ، فإن لم يقع إلاّ مجرّد العقد ألغاه . وإن وقع تسليم وتسلّم للعوضين ، فما سلّمه إلى الطرف الآخر يستردّه ويحفظه ، وما تسلّمه وكان موجوداً يردّه إلى مالكه ، وإن كان تالفاً ضمنه السفيه ، فعليه مثله أو قيمته لو قبضه بغير إذن من مالكه ، وإن كان بإذن منه لم يضمنه إلاّ في صورة الإتلاف منه ، فإنّه لا يبعد فيها الضمان . كما أنّ الأقوى الضمان لو كان المالك الذي سلّمه الثمن أو المبيع جاهلاً بحاله أو بحكم الواقعة ، خصوصاً إذا كان التلف بإتلاف منه . وكذا الحال لو
لأنّ الكفّارة تخفيف للعذاب الاُخروي ولا يكون تصرّفاً ماليّاً ، كما لو لم يتمكّن من الصوم في كفّارة الإفطار في شهر رمضان ، فإنّ الالتزام بعدم الكفّارة المالية يوجب التجرّي على الإفطار الموجب للعذاب ، فالإنصاف عدم كون الكفّارة من مصاديق التصرّف المالي ، كوجوب الخمس والزكاة عليه مع تحقّق موجبهما عنده ، فإذا اتّجر بإذن الولي وفضل من مؤونة السنة شيء يجب عليه خمس الأرباح ، وهكذا بالنسبة إلى الزكاة كما لايخفى .
1 ـ أمّا العفو عن حقّ القصاص فلعدم كونه تصرّفاً ماليّاً محتاجاً إلى موافقة الوليّ ، وهذا بخلاف العفو عن الدية وأرش الجناية ، فهو تصرّف مالي وعفو عن المال ، وهو محجور عليه بالإضافة إليه كما مرّ(1) .
(1) في ص310 .
(الصفحة316)
اقترض السفيه وأتلف المال1.
مسألة 9 : لو أودع شخص وديعة عند السفيه فأتلفها ضمنها على الأقوى; سواء علم المودع بحاله أو لا ، ولو تلفت عنده لم يضمنها إلاّ مع تفريطه في
1 ـ لو تحقّق البيع أو الشراء من السفيه واطّلع الولي عليه ولم يكن موافقاً لمصلحة السفيه ولأجله لم يجزه ، فإن لم يقع إلاّ مجرّد العقد ففي المتن أنّه ألغاه ، ومراده منه إعلام اللغوية ، وإلاّ فهو ملغى بنفسه في هذه الصورة ، وإن وقع بعد العقد التسليم من الطرفين فسلّم السفيه المبيع مثلاً إلى المشتري وتسلّم الثمن منه فالسفيه يستردّ المبيع ويحفظه; لعدم وقوع تسليمه على النحو المجاز ، وما تسلّمه من الثمن إن كان موجوداً عنده يردّه إلى المشتري المالك إيّاه كما هو المفروض . وإن كان تالفاً ، فإن قبضه بغير إذن من مالكه فمقتضى قاعدة الإتلاف ضمان السفيه له مثلاً أو قيمةً ، والضمان في هذه الصورة كالكفّارة في المسألة السابقة ، ولا يكون السفيه بمستثنى وإن كان الإتلاف اختيارياً .
وإن كان قبضه بإذن من مالكه ، فقد نفى البُعد عن الضمان فيه إذا كان التلف مستنداً إلى الإتلاف ، كما أنّه قد قوّى فيه الضمان لو كان المالك جاهلاً بحاله من حيث السفاهة ، أو جاهلاً بحكم الواقعة من عدم تحقّق المعاملة الصحيحة غير المتوقّفة على إذن الولي أو إجازته ، خصوصاً إذا كان التلف مستنداً إلى إتلافه; لما عرفت من عدم كونه مستثنى من تلك القاعدة بوجه ، ضرورة أنّ لازم الاستثناء التجرّي على إتلاف مال الغير لعدم ترتّب الضمان عليه . وفي المتن : «وكذا الحال لو اقترض السفيه وأتلف المال» ، فإنّ الأقوى فيه الضمان لو كان المقرض جاهلاً بحاله ، أو بحكم الواقعة من عدم صحّة اقتراضه بنفسه بوجه ، فتدبّر .
(الصفحة317)
حفظها على الأشبه1.
مسألة 10 : لا يسلّم إلى السفيه ماله ما لم يحرز رشده ، وإذا اشتبه حاله يختبر; بأن يفوّض إليه مدّة معتدّاً بها بعض الاُمور ممّا يناسب شأنه; كالبيع والشراء والإجارة والاستئجار لمن يناسبه مثل هذه الاُمور ، والرتق والفتق في بعض الاُمور; مثل مباشرة الإنفاق في مصالحه ومصالح الوليّ ونحو ذلك فيمن يناسبه ذلك . وفي السفيهة يفوّض إليها ما يناسب النساء; من إدارة بعض مصالح البيت ، والمعاملة مع النساء; من الإجارة والاستئجار للخياطة أو الغزل أو النساجة وأمثال ذلك ، فإن آنس منه الرشد; بأن رأى منه المداقّة والمكايسة ، والتحفّظ عن المغابنة في معاملاته ، وصيانة المال من التضييع وصرفه في موضعه وجريه مجرى العقلاء ، دفع إليه ماله ، وإلاّ فلا2.
1 ـ لو أتلف السفيه ما أُودع عنده يكون ضامناً له على الأقوى; سواء علم المودع بحاله أو لا; لما عرفت من عدم استثنائه عن قاعدة ضمان الإتلاف ، وإلاّ يلزم تجرّيه على إتلاف أموال الناس; للعلم بعدم ترتّب الضمان عليه ، ولا يكفي في ذلك مجرّد ثبوت الحكم التكليفي ، وسواء كان الإتلاف عن عمد واختيار أو عن جهل واشتباه ، كسائر الموارد التي لا فرق فيها بين هذه الصور . وأمّا إذا تلفت عنده من غير تعدٍّ وتفريط فحكمه حكم سائر الاُمناء في ذلك; لعدم اقتضاء السفاهة عقوبة زائدة من هذه الجهة . نعم ، في صورة التفريط في الحفظ يجري حكم الإتلاف لما مرّ .
2 ـ إذا كان حال الشخص معلوماً من حيث السفاهة فلا يدفع إليه ماله قبل إيناس الرشد بعد البلوغ ، وإذا كان حاله مشتبهاً وتردّد أمره بين السفاهة وعدمها فاللازم الاختبار; بأن يفوّض إليه مدّة معتدّاً بها بعض الاُمور المناسبة لشأنه ،
(الصفحة318)
مسألة 11 : لو احتمل حصول الرشد للصبي قبل بلوغه يجب اختباره قبله ليسلّم إليه ماله بمجرّد بلوغه لو آنس منه الرشد ، وإلاّ ففي كلّ زمان احتمل فيه ذلك عند البلوغ أو بعده . وأمّا غيره فإن ادّعى حصول الرشد له واحتمله الوليّ يجب اختباره ، وإن لم يدّع حصوله ففي وجوب الاختبار بمجرّد الاحتمال إشكال ، لا يخلو عدمه من قوّة1.
كالمعاملات اللائقة بحاله ، ويحوّل إليه مباشرة الإنفاق في مصالحه ومصالح الولي فيمن يناسبه ذلك ، فإن آنس منه الرشد; بأن رأى منه المداقّة والمكايسة ، والتحفّظ عن المغابنة في المعاملة ، وملاحظة عدم تحقّق الإسراف في الإنفاق ، وعلى الجملة جريه مجرى العقلاء وسيره في مسيرهم في هذه الاُمور ، دفع إليه ماله وإلاّ فلا .
وهكذا في السفيهة بالإضافة إلى ما يرتبط بالنساء العاقلات من إدارة بعض مصالح البيت ، والمعاملة مع النساء من الإجارة والاستئجار للخياطة أو الغزل والنساجة ، ومعاملة الحليّ المعمولة عندهم ، فإن آنس منها الرشد في ذلك بعدم خروجها عن مجرى العقلاء دفع إليها مالها لتفعل فيه ما تشاء ، وإلاّ فلا .
1 ـ لو احتمل حصول الرشد للصبي قبل بلوغه يجب عليه اختباره قبله ، فإن آنس منه الرشد دفع إليه ماله بمجرّد البلوغ; لئلاّ يلزم الفصل بين دفع المال وبين البلوغ مع إيناس الرشد ، وظاهر الآية الشريفة(1) الملازمة بين الأمرين ، وإن لم يحتمل الرشد قبل البلوغ ففي كلّ زمان احتمل فيه ذلك عند البلوغ أو بعده يجب عليه الاختبار ليدفع المال إليه في صورة إيناس الرشد ، هذا بالإضافة إلى الصبيّ .
وأمّا بالإضافة إلى السفيه ، فإن ادّعى حصول الرشد له واحتمل الوليّ صدقه
(1) سورة النساء: 4/6 .
(الصفحة319)
القول في الفلس
المفلّس من حجر عليه عن ماله لقصوره عن ديونه .
مسألة 1 : من كثرت عليه الديون ولو كانت أضعاف أمواله يجوز له التصرّف فيها بأنواعه ، ونفذ أمره فيها بأصنافه ولو بإخراجها جميعاً عن ملكه مجّاناً أو بعوض ما لم يحجر عليه الحاكم الشرعي . نعم ، لو كان صلحه عنها أو هبتها مثلاً لأجل الفرار من أداء الديون يشكل الصحّة ، خصوصاً فيما إذا لم يرج حصول مال آخر له باكتساب ونحوه1.
يجب عليه اختباره; لاحتمال زوال وصف السفاهة كما يدّعيه ، وأمّا إذا لم يدّع بنفسه حصول صفة الرشد ، ولكن الولي في نفسه يحتمل الزوال ، ففي المتن : «ففي وجوب الاختبار بمجرّد الاحتمال إشكال لا يخلو عدمه من قوّة» ، ولعلّ الوجه فيه جريان استصحاب السفاهة وعدم زوالها بعروض الرشد ، ومجرّد الاحتمال مع جريان استصحاب العدم لا يكفي في لزوم الاختبار . نعم ، لا مانع منه ولكن البحث في لزومه وعدمه ، كما هو واضح .
1 ـ قد عرفت في أوّل كتاب الحجر أنّ المحقّق في الشرائع جعل كتاب المفلّس كتاباً مستقلاًّ في عرض كتاب الحجر ، مع أنّ الفلس أحد الأسباب الموجبة للحكم بحجره ، وعرّف المفلس بالفقير الذي ذهب خيار ماله وبقي فلوسه .
قال في الجواهر : ولعلّ العرف الآن على كون المفلس بالكسر أعمّ من الذاهب خيار ماله ، بل هو شامل لمن لم يكن له مال من أوّل أمره إلاّ الفلوس ـ إلى أن قال : ـ والأصل أنّ المفلس في عرف اللغة هو الذي لا مال له ، ولا ما يدفع به حاجته ، ولهذا لمّـا قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : أتدرون ما المفلس؟ قالوا : يارسول الله (صلى الله عليه وآله) المفلس فينا من
(الصفحة320)
لا درهم له ولا متاع ، قال : ليس ذلك المفلس ، ولكن المفلس من يأتي يوم القيامة حسناته أمثال الجبال ، ويأتي وقد ظلم هذا وأخذ من عرض هذا ، فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته ، فإن بقي عليه شيء أخذ من سيئاتهم فيردّ عليه ثمّ صار إلى النار(1) (2) ، ولكن تفسيره بما في المتن تفسير له بما هو المقصود عند المتشرّعة والفقهاء; من أنّ المفلَّس من حجر عليه عن ماله لقصوره عن ديونه ، ولازمه عدم صدقه قبل أن يحجر عليه الحاكم ، مع أنّ مقتضى ما ذكرنا أنّ الفلس يوجب الحكم بالحجر ، لا أنّه غير متحقّق قبل الحكم ، إلاّ أن يُقال بالفرق بين المفلس بالكسر وعدم التشديد والمفلَّس بالفتح والتشديد ، نظراً إلى أنّ الثاني لا يمكن أن يتحقّق قبل الحجر .
وكيف كان ، فقد ذكر في المسألة الاُولى أنّ من كثرت عليه الديون ولو كانت أضعاف أمواله يجوز له التصرّف فيها بأنواعه ، ونفذ أمره فيها بأصنافه كما هو مقتضى القاعدة ; لأنّ الدّين أمر والمال أمر آخر ، فيجوز له إخراج الأموال جميعاً عن ملكه ولو مجّاناً . نعم ، حيث إنّ المقصود للشارع عدم تضييع أموال الناس وذهابها جعل للحاكم الشرعي أن يحجره عن التصرّف في أمواله ، كما أنّه لو كان صلحه عن أمواله التي تكون الدّيون أكثر منها أو هبتها لأجل الفرار من أداء الديون تشكل الصحّة ولو قبل حجر الحاكم ، خصوصاً فيما إذا لم يرج حصول مال آخر له بإرث أو اكتساب أو نحوهما ; لأنّ مرجع ذلك إلى الإخلال بالديون التي
(1) اُنظر المسند لاحمد بن حنبل: 3/169 ح8035 ، صحيح مسلم: 4/1585 ح2581 ، سنن الترمذي: 4/613 ح2423 ، مسند أبى يعلى: 5/478 ح6468 ، السنن الكبرى للبيهقي: 8/490 ح11698 ، شرح السنّة: 14/360 ح4164 ، كنز العمال: 4/236 ح10327 .
(2) جواهر الكلام: 25/277 .
|