(الصفحة321)
مسألة 2 : لا يجوز الحجر على المفلّس إلاّ بشروط أربعة :
الأوّل : أن تكون ديونه ثابتة شرعاً .
الثاني : أن تكون أمواله ـ من عروض ونقود ومنافع وديون على الناس ما عدا مستثنيات الدَّين ـ قاصرة عن ديونه .
الثالث : أن تكون الديون حالّة ، فلا يحجر عليه لأجل الديون المؤجّلة وإن لم يف ماله بها لو حلّت . ولو كان بعضها حالاًّ وبعضها مؤجّلاً فإن قصر ماله عن الحالّة يحجر عليه ، وإلاّ فلا .
الرابع : أن يرجع الغرماء كلّهم أو بعضهم ـ إذا لم يف ماله بدين ذلك البعض ـ إلى الحاكم ويلتمسوا منه الحجر عليه ، إلاّ أن يكون الدَّين لمن كان الحاكم وليّه كالمجنون واليتيم1.
هي مال الغير ، وهو غير مرضيّ للشارع .
1 ـ يشترط في الحجر على المفلّس شروط أربعة :
الأوّل : أن تكون ديونه ثابتة شرعاً بإقرار أو بيِّنة ، ضرورة أنّ الحجر إنّما يكون لأجل الديون ، فمع عدم ثبوتها شرعاً لا يبقى مجال للحجر .
الثاني : أن تكون أمواله قاصرة عن ديونه ، وفي غير هذه الصورة; سواء كانتا متساويتين ، أو كانت الأموال أكثر ، ضرورة أنّه مع عدم القصور لا وجه للحجر ، غاية الأمر أنّ أمواله أعمّ من أن تكون نقداً أو عروضاً أو منافع ، أو ديوناً على الناس ما عدا مستثنيات الدين .
الثالث : أن تكون الديون حالّة يجب أداؤها فعلاً ، فلا يحجر عليه لأجل الديون المؤجّلة وإن لم يف ماله بها لو حلّت ; لأنّ الديون المؤجّلة لا يجب أداؤها فعلاً ، ولو
(الصفحة322)
مسألة 3 : بعدما تمّت الشرائط وحجر عليه الحاكم وحكم به ، تعلّق حقّ الغرماء بأمواله ، ولا يجوز له التصرّف فيها ـ بعوض كالبيع والإجارة ، وبغيره كالوقف والهبة ـ إلاّ بإذنهم أو إجازتهم . وإنّما يمنع عن التصرّفات الابتدائية ، فلو اشترى شيئاً سابقاً بخيار ثمّ حجر عليه فالخيار باق ، وله فسخ البيع وإجازته . نعم ، لو كان له حقّ ماليّ سابقاً على الغير ليس له إسقاطه وإبراؤه كلاًّ أو بعضاً1.
مع العلم بعدم الوفاء في صورة الحلول ، ويتفرّع على هذا الشرط أنّه لو كان بعضها حالاًّ وبعضها مؤجّلاً يكون الملاك في القصور وعدمه هو الدَّين الحالّ الذي يجب أداؤه فعلاً ، فإن كان ماله قاصراً عن دينه الحالّ يحجر عليه وإلاّ فلا ، ولا ارتباط بالدَّين المؤجّل في ذلك .
الرابع : أن يرجع الغرماء كلّهم أو بعضهم ـ الذي لا يفي المال بدينه ، ويكون قاصراً عنه ـ إلى الحاكم ويلتمسوا منه الحجر عليه ، ضرورة أنّ الحجر إنّما هو لرعاية حقّهم ، فإذا لم يراجعوا إلى الحاكم ولم يطلبوا منه الحجر عليه فهو كاشف عن رضاهم بذلك ، وأن لا يتحقّق الحجر حفظاً لماء وجه المديون ، أو لأجل عدم اهتمامهم بالدَّين الذي لهم على غيره ، أو لغير ذلك من الوجوه . وقد استثنى في المتن عن هذا الشرط الرابع ما إذا كان الدَّين لمن كان الحاكم وليّه; كالمجنون واليتيم الذي لا يكون له جدّ للأب أيضاً ، والسرّ في الاستثناء أنّ حجر الحاكم في هذه الصورة بمنزلة رجوع الغرماء في سائر الموارد والتماس الحجر من الحاكم ، كما لا يخفى .
1 ـ في هذه المسألة اُمور :
الأوّل : أنّه بعد تماميّة الشرائط الأربعة وحجر الحاكم عليه وحكمه به ، تصير أمواله متعلِّقة لحقّ الغرماء الذي يكون أكثر من أمواله ، كتعلّق حقّ المرتهن بالعين
(الصفحة323)
مسألة 4 : إنّما يمنع عن التصرّف في أمواله الموجودة في زمان الحجر عليه ، وأمّا الأموال المتجدّدة الحاصلة له بغير اختياره كالإرث ، أو باختياره كالاحتطاب والاصطياد وقبول الوصية والهبة ونحو ذلك ، ففي شمول الحجر لها ، بل في نفوذه ـ على فرض شموله ـ إشكال . نعم ، لا إشكال في جواز الحجر عليها أيضاً1.
المرهونة التي هي باقية على ملك الراهن ، فلا يجوز له التصرّف في الأموال المعاوضي وغيره بدون إذنهم وإجازتهم .
الثاني : الممنوع بسبب حجر الحاكم إنّما هو التصرّف الابتدائي مطلقاً . وأمّا التصرّف الذي هو من شؤون التصرّف السابق على الحجر ، كما إذا اشترى شيئاً سابقاً بخيار ثمّ حجره الحاكم فلا مانع من جواز إعمال الخيار فسخاً أو إجازةً ; لأنّ الحجر لا يؤثّر فيما هو من شؤون التصرّف السابق ، ولا دليل على تأثير الحجر بالإضافة إليه أيضاً وإن كان التصرّف فعليّاً كما هو ظاهر .
الثالث : لو كان له حقّ ماليّ سابقاً على الغير ليس له إسقاطه بعد الحجر عليه وإبراؤه كلاًّ أو بعضاً ; لأنّ هذا الحقّ من جملة أمواله المحجور عنها; لما عرفت من عدم الفرق بين الأموال بوجه .
1 ـ لا شبهة في شمول دائرة الحجر للأموال الموجودة في زمان الحجر عليه ، بل هي الملاك في ثبوت الحجر لقصورها عن الديون . وأمّا الأموال المتجدّدة الحاصلة له بغير اختياره كالإرث ، أو باختياره كالاحتطاب والاصطياد وقبول الوصيّة ونحو ذلك ممّا لا يكون تصرّفاً في ماله ، بل يوجب الزيادة عليه ، فقد استشكل في المتن في شمول الحجر لها ، بل في نفوذه على فرض الشمول ; لأنّ الثابت من الحجر
(الصفحة324)
مسألة 5 : لو أقرّ بعد الحجر بدين صحّ ونفذ ، لكن لا يشارك المقرّ له مع الغرماء على الأقوى; سواء كان الإقرار بدين سابق أو بدين لاحق ، وسواء أسنده إلى سبب لا يحتاج إلى رضا الطرفين; مثل الإتلاف والجناية ونحوهما ، أو أسنده إلى سبب يحتاج إلى ذلك; كالاقتراض والشراء بما في الذمّة ونحو ذلك1.
مسألة 6 : لو أقرّ بعين من الأعيان التي تحت يده لشخص لا إشكال في نفوذ إقراره في حقّه ، فلو سقط حقّ الغرماء وانفكّ الحجر لزمه تسليمها إلى المقرّ له أخذاً بإقراره . وأمّا نفوذه في حقّ الغرماء بحيث تدفع إلى المقرّ له في الحال ففيه إشكال ، والأقوى عدمه2.
هو تعلّقه بالأموال القاصرة حال الحجر لا غيرها . نعم ، نفى الإشكال عن جواز الحجر بالإضافة إليها أيضاً ، مع أنّه أيضاً مشكل .
1 ـ لو أقرّ بعد الحجر عليه بدين صحّ ونفذ بمقتضى قاعدة الإقرار ، لكن لا يشارك المقرّ له مع الغرماء; سواء كان الإقرار بدين سابق على الحجر أو لاحق عليه ـ أمّا بالإضافة إلى الدَّين اللاحق فالأمر واضح ; لأنّ نفوذه يوجب نقص سهم الغرماء . وأمّا بالإضافة إلى الدَّين السابق فربما يشكل فيما إذا لم يكن للمقرّ له طريق إلى إثبات الدَّين غير الإقرار ، فإن قلنا بعدم نفوذه يلزم تضييع حقّ الغير ، والمفروض أنّ زمانه كان سابقاً على الحجر ـ وسواء أسنده إلى سبب لا يحتاج إلى رضا الطرفين مثل الإتلاف والجناية ونحوهما ، أو أسنده إلى سبب يحتاج إلى ذلك كالاقتراض والشراء نسيئة .
2 ـ لو أقرّ بعين من الأعيان التي تحت يده لشخص خاصّ ، فمقتضى قاعدة الإقرار المشار إليها صحّة الإقرار ونفوذه ، لكن بمعنى أنّه لو سقط حقّ الغرماء
(الصفحة325)
مسألة 7 : بعدما حكم الحاكم بحجر المفلّس ومنعه عن التصرّف في أمواله يشرع في بيعها وقسمتها بين الغرماء بالحصص وعلى نسبة ديونهم ، مستثنياً منها مستثنيات الدَّين ، وقد مرّت في كتاب الدَّين . وكذا أمواله المرهونة عند الديّان ، فإنّ المرتهن أحقّ باستيفاء حقّه من الرهن الذي عنده ، ولا يحاصّه فيه سائر الغرماء ، كما مرّ في كتاب الرهن1.
وانفكّ الرهن ـ كما إذا أبرؤوا جميعاً مثلاً ـ لزمه تسليم العين المقرّ بها إلى المقرّ له ، أخذاً بإقراره الذي يكون قوام نفوذه كون المقرّ من العقلاء . وأمّا نفوذه في حقّ الغرماء بحيث تدفع العين المقرّ بها إلى المقرّ له في الحال مع قطع النظر عن الحجر المحكوم عليه ، فقد استشكل فيه في المتن أوّلاً ثمّ قوّى العدم ، والظاهر أنّ منشأ الإشكال ما أشرنا إليه من أنّه يمكن أن تكون العين للشخص المقرّ له ، غاية الأمر أنّه لا طريق له إلى إثباته غير إقرار من هي في يده ، ومن أنّ ترتيب الأثر على هذا الإقرار يوجب خسران الغرماء ، فهو في الحقيقة تصرّف ماليّ غير مأذون فيه من ناحية الغرماء كما لا يخفى ، وهذا هو الأقوى ، وإلاّ يمكن عدم وصول شيء من الغرماء إلى طلبه ولو بعضاً بهذه الطريقة ، فتدبّر .
1 ـ بعد حكم الحاكم بالحجر ومنع المفلّس عن التصرّف في أمواله بالنحو المذكور سابقاً يشرع الحاكم في بيع أمواله القاصرة عن الديون ، ثمّ يقسم ثمنها بين الغرماء بالحصص وبنسبة ديونهم مع رعاية مستثنيات الدّين المذكورة في كتاب الدَّين وقد تقدّمت(1) . نعم ، لو كانت له أموال مرهونة عند بعض الديّان ، فالظاهر أولويّة المرتهن بذلك المال المرهون عنده ، ولا حصّة لسائر الغرماء بالإضافة إلى
(1) في ص204 ـ 207 .
(الصفحة326)
مسألة 8 : إن كان من جملة مال المفلّس عين اشتراها وكان ثمنها في ذمّته كان البائع بالخيار بين أن يفسخ البيع ويأخذ عين ماله ، وبين الضرب مع الغرماء بالثمن ولو لم يكن له مال سواها1.
مسألة 9 : الظاهر أنّ هذا الخيار ليس على الفور ، فله أن لا يبادر بالفسخ والرجوع بالعين . نعم ، ليس له الإفراط في تأخير الاختيار بحيث تعطّل أمر التقسيم على الغرماء ، ولو وقع منه ذلك خيّره الحاكم بين الأمرين ، فإن امتنع ضربه مع الغرماء بالثمن2.
هذا المال إلاّ بالنسبة إلى الزيادة على الدّين الذي للمرتهن ، وقد مرّت هذه الجهة في كتاب الرهن(1) .
1 ـ لو كان من جملة مال المفلّس عين اشتراها نسيئة وكان ثمنها في ذمّته وقد حلّ وقت أدائه في حال كونه محجوراً بحكم الحاكم ، فالبائع بالخيار بين أن يفسخ البيع ويأخذ عين ماله ، وبين الضرب مع الغرماء بالثمن ، وذلك لأجل تعذّر تسليم الثمن ، من دون فرق بين أن يكون له مال سواها ، وبين أن لم يكن .
2 ـ الظاهر أنّ الخيار المذكور في المسألة السابقة لا يكون على الفور ولو عرفاً; لعدم الدليل على الفورية ، فله أن لا يبادر بالفسخ والرجوع بالعين التي باعها منه . نعم ، لا يجوز له الإفراط في تأخير الاختيار بحيث صار موجباً لتعطّل أمر التقسيم على الغرماء حتّى يتوجّه إليهم ضرر من هذه الحيثيّة أيضاً ، بل لو وقع منه التأخير الكذائي خيّره الحاكم بين الأمرين في الفور; فإن لم يختر الفسخ ضربه مع الغرماء
(1) في ص263 .
(الصفحة327)
مسألة 10 : يعتبر في جواز رجوع البائع بالعين حلول الدَّين ، فلا رجوع مع تأجيله . نعم ، لو حلّ المؤجّل قبل فكّ الحجر فالأصحّ الرجوع فيها1.
مسألة 11 : لو كانت العين من مستثنيات الدَّين ليس للبائع أن يرجع إليها على الأظهر2.
بالثمن ; لأنّ عدم اختياره للفسخ كاشف عن رضاه بالمعاملة ولو مع هذه الخصوصيّة ، كما لايخفى .
1 ـ قد مرّت الإشارة إلى أنّه يعتبر في جواز رجوع البائع بالمبيع حلول وقت أداء الثمن; لأنّه مع عدم حلوله لا وجه لرجوعه ، خصوصاً بعدما ذكرنا من أنّه يعتبر في الفلس قصور مال المديون عن الديون الحالّة . نعم ، جعل في المتن أنّه لو حلّ المؤجّل قبل فكّ الحجر فالأصحّ جواز الرجوع فيها; لاشتراكه حينئذ مع الديون الحالّة ، وقد عرفت جواز الرجوع فيها بعد الحكم بالحجر .
2 ـ قد عرفت أنّه لو كانت العين من مستثنيات الدَّين لا يكون للبائع الرجوع فيها كما في غير صورة عروض الفلس ، فإنّ كونه من مستثنيات الدَّين يرجع إلى أنّ وجوده كالعدم ، واللازم بقاؤه في ملك المديون وعدم صرفه في الدَّين ، فلا وجه للرجوع إليها .
إن قلت : إنّ لازم ذلك عدم جواز الرجوع في سائر الموارد ولو لم يكن ماله قاصراً عن ديونه ولم يتحقّق هناك فلس حتّى يتحقّق موضوع الحجر .
قلت : لا بأس من الالتزام بهذا اللازم والحكم بعدم جواز الرجوع في سائر الموارد أيضاً ، فتدبّر .
(الصفحة328)
مسألة 12 : المقرض كالبائع في أنّ له الرجوع في العين المقترضة لو وجدها عند المقترض ، فهل للمؤجر فسخ الإجارة إذا حجر على المستأجر قبل استيفاء المنفعة كلاًّ أو بعضاً بالنسبة إلى ما بقي من المدّة ؟ فيه إشكال ، والأحوط التخلّص بالصلح1.
1 ـ المقرض كالبائع في أنّ له الرجوع في العين المقترضة لو وجدها عند المقترض; لعدم لزوم القرض من ناحية ، وجواز مطالبة المقرض العين المقترضة في صورة وجودها بدلاً عن المثل أو القيمة من ناحية اُخرى ، مضافاً إلى دلالة روايات كثيرة عليه; كالنبوي المروي في كتب فروع الأصحاب : «إذا أفلس الرجل فوجد البائع سلعته بعينها فهو أحقّ بها»(1) .
وإطلاق صحيح عمر بن يزيد ، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل تركبه الديون فيوجد متاع رجل آخر عنده بعينه ؟ قال : لا يحاصه الغرماء(2) . ومرسلة جميل ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل باع متاعاً من رجل فقبض المشتري المتاع ولم يقبض الثمن ، ثمّ مات المشتري والمتاع قائم بعينه ، فقال : إذا كان المتاع قائماً بعينه ردّ إلى صاحب المتاع ، وقال : ليس للغرماء أن يحاصوه(3) .
ثمّ إنّه استشكل في فسخ المؤجر الإجارة إذا حجر على المستأجر قبل استيفاء
(1) المصنّف لعبدالرزاق: 8/265 ح15162 ، المصنّف في الأحاديث والآثار: 5/18، كتاب البيوع ب15 ح1 ، صحيح مسلم: 3/967 ، كتاب المساقات ب5 ح25 ، سنن الدار قطني: 3/28 ح2883 و ج4/147 ح4500 ، السنن الكبرى للبيهقي: 8/386 ح11431 ، التمهيد: 4/38 ، كنز العمال: 4/277 ح10472 .
(2) تهذيب الأحكام: 6/193 ح420 ، الاستبصار: 3/8 ح19 ، وعنهما الوسائل: 18/415 ، كتاب الحجر ب5 ح2 .
(3) الكافي: 7/24 ح4 ، الفقيه: 4/167 ح583 ، تهذيب الأحكام: 9/166 ح677 ، الاستبصار: 4/116 ح442 ، وعنها الوسائل: 18/414 ، كتاب الحجر ب5 ح1 .
(الصفحة329)
مسألة 13 : لو وجد البائع أو المقرض بعض العين المبيعة أو المقترضة ، كان لهما الرجوع إلى الموجود بحصّة من الدَّين والضرب بالباقي مع الغرماء ، كما أنّ لهما الضرب بتمام الدَّين معهم1.
مسألة 14 : لو زادت في العين المبيعة أو المقترضة زيادة متّصلة كالسمن تتبع الأصل ، فيرجع البائع أو المقرض إلى العين كما هي . وأمّا الزيادة المنفصلة كالحمل والولد واللبن والثمر على الشجر فهي للمشتري والمقترض2.
المنفعة كلاًّ أو بعضاً بالنسبة إلى ما بقي من المدّة ، ثمّ احتاط وجوباً بالتخلّص بالصلح ، ووجه الإشكال عدم ظهور دلالة الروايات المتقدّمة على ثبوت حقّ الفسخ بالإضافة إلى المنفعة التي ليس لها ما بحذاء خارجي من ناحيته ، والشمول للمقام للاشتراك في الملاك وعدم الفرق ، ولأجله احتاط بالصلح .
1 ـ لو وجد البائع أو المقرض بعض العين المبيعة أو المقترضة لتلف البعض الآخر عند المشتري أو المقترض أو إتلافه ، ففي المتن ثبوت التخيير بين الفسخ والرجوع إلى الموجود بحصّة من الدَّين والضرب بالباقي مع الغرماء ، وبين الضرب بتمام الدَّين معهم ، والوجه فيه دلالة الروايات المتقدِّمة على حكم المقام بل بطريق أولى ، كما لا يخفى .
2 ـ لو حصلت زيادة في العين المبيعة أو المقترضة ، فإن كانت الزيادة متّصلة كالسمن فهي تابعة للأصل ، فيرجع البائع أو المقرض إلى العين كما هي ; لأنّ الزيادة وإن كانت حاصلة في ملك المشتري أو المقترض وبإنفاقهما من مالهما ، إلاّ أنّه حيث لا يمكن التفكيك بل لا يعلم مقدار الزيادة يكون الرجوع إلى العين كما هي ،
(الصفحة330)
مسألة 15 : لو تعيبّت العين عند المشتري مثلاً ، فإن كان بآفة سماوية أو بفعل المشتري فللبائع أن يأخذها كما هي بدل الثمن ، وأن يضرب بالثمن مع الغرماء . وإن كان بفعل الأجنبي فهو بالخيار بين أن يضرب مع الغرماء بتمام الثمن ، وبين أن يأخذ العين معيباً ، وحينئذ يحتمل أن يضارب الغرماء في جزء من الثمن ، نسبته إليه كنسبة الأرش إلى قيمة العين ، ويحتمل أن يضاربهم في تمام الأرش ، فإذا كان الثمن عشرة وقيمة العين عشرين وأرش النقصان أربعة خمس القيمة ، فعلى الأوّل يضاربهم في اثنين ، وعلى الثاني في أربعة .
ولو فرض العكس; بأن كان الثمن عشرين ، والقيمة عشرة وكان الأرش اثنين خمس العشرة ، فالأمر بالعكس ، يضاربهم في أربعة على الأوّل ، وفي اثنين على الثاني . ويحتمل أن يكون له أخذها كما هي ، والضرب بالثمن كالتلف السماوي . ولو كان التلف بفعل البائع فالظاهر أنّه كفعل الأجنبي ، ويكون ما في عهدته من ضمان المبيع المعيب جزء أموال المفلّس ، والمسألة مشكلة ، فالأحوط التخلّص بالصلح1.
ومقتضى إطلاق الروايات أيضاً ذلك; لأنّ وجدان المتاع عند المفلّس أعمّ من وجدانه بدون التفاوت ، أو مع حصوله بمثل هذه الزيادة . وإن كانت منفصلة كالأمثلة المذكورة في المتن ، فحيث إنّها وجدت في ملك المشتري أو المقترض ، ويمكن التفكيك حتّى بالإضافة إلى الحمل فهي لهما ، وليس للبائع والمقرض سهم فيهما أصلاً ، كما لايخفى .
1 ـ في تعيّب العين المبيعة عند المشتري ، أو المقترضة عند المقترض صور وأحكام :
(الصفحة331)
الاُولى : أن يكون بآفة سماوية أو بفعل المشتري مثلاً ، وقد ذكر فيها أنّ للبائع أن يأخذها كما هي معيبة بدل الثمن ، وأن يضرب بمجموع الثمن مع الغرماء ، والسرّ فيه عدم كون العيب مضموناً لأحد ; لأنّ المفروض كونه بآفة سماوية أو بفعل المشتري الذي يكون المبيع ملكاً له .
الثانية : أن يكون بفعل الأجنبي الذي هو ضامن للعيب لا محالة ، وفي هذه الصورة هو مخيّر بين أن لا يفسخ المعاملة ويضرب مع الغرماء بتمام الثمن ، أو يفسخ ويأخذ العين مع عيبها ، وفي هذه الصورة يحتمل أن يضارب الغرماء في جزء من الثمن تكون نسبته إليه كنسبة الأرش إلى القيمة ، ويحتمل أن يضاربهم في تمام الأرش ، فإذا كان الثمن في أصل المعاملة عشرة ، وقيمة العين عشرين ، وأرش النقصان أربعة ، فحيث إنّ نسبة الأرش إلى القيمة الخمس ; لأنّ أرش النقصان أربعة ونسبتها إلى العشرين الخمس ، فعلى الاحتمال الأوّل يضاربهم في اثنين ; لأنّه خمس العشرة التي تكون هي الثمن ، وعلى الثاني يضاربهم في الأربعة التي هي خمس القيمة الواقعية ، ولو فرض العكس; بأن كان الثمن عشرين والقيمة عشرة والأرش اثنين ، فعلى الأوّل يضاربهم في أربعة; لأنّ الأرش خمس القيمة الواقعية ، وعلى الثاني في اثنين الذي هو خمس القيمة الواقعة ثمناً ، وقد احتمل فيه أن يكون له أخذ العين كما هي معيبة ، والضرب بتمام الثمن مع الغرماء ، كما في التلف السماوي .
الثالثة : أن يكون التلف بفعل البائع ، وقد استظهر في المتن أنّه كفعل الأجنبي ، ويكون ما في عهدته من ضمان عيب المبيع جزءاً من أموال المفلّس معدوداً في عداد سائر أمواله; لأنّ العيب إنّما أوقعه في ملك الغير وإن حجر عليه لأجل الفلس ، وفي الذيل جعل المسألة مشكلة واحتاط وجوباً بالتخلّص فيها بالصلح ، ولكن الظاهر أنّ التعبير بضمان المبيع المعيب في الصورة الثالثة إنّما هو على سبيل المسامحة; لأنّ
(الصفحة332)
مسألة 16 : لو اشترى أرضاً فأحدث فيها بناءً أو غرساً ثمّ فلّس ، كان للبائع الرجوع إلى أرضه ، لكن البناء والغرس للمشتري ، وليس له حقّ البقاء ولو بالاُجرة ، فإن تراضيا مجّاناً أو بالاُجرة ، وإلاّ فللبائع إلزامه بالقلع لكن مع دفع الأرش ، كما أنّ للمشتري القلع لكن مع طمّ الحفر ، والأحوط للبائع عدم إلزامه بالقلع والرضا ببقائه ولو بالاُجرة إذا أراده المشتري ، وأحوط منه الرضا بالبقاء بغير اُجرة1.
المضمون عليه هو عيب المبيع لا المبيع المعيوب ، والفرق بينهما غير خفيّ ، كما أنّ الظاهر عدم الإشكال في المسألة ; لأنّ الخصوصية الموجودة فيها هو التعيّب بعد الحجر ، ولا فرق في هذه الجهة من حيث ثبوت الضمان وعدمه ، غاية الأمر أنّه على تقدير الفسخ يرجع إلى من هو ضامن للعيب الذي أوجده في المبيع إن كان هناك ضمان ، وعلى تقدير العدم يرجع بتمام الثمن ويضرب مع سائر الغرماء ، كما لا يخفى ، ولكن مع ذلك الاحتياط المذكور أولى .
1 ـ لو أحدث المشتري في الأرض التي اشتراها بناءً أو غرساً ثمّ صار محجوراً عليه لأجل الفلس ، لا يمنع ذلك من جواز رجوع البائع إلى أرضه بعد بقائها وعدم تلفها ، لكن لا منافاة بين ذلك ، وبين بقاء البناء والغرس على ملك المشتري ، لكن ليس له حقّ البقاء ولو بالاُجرة ، كما في إرث الزوجة بالإضافة إلى بناء الدار مثلاً ، حيث إنّ لها حقّ البقاء مجّاناً .
وكيف كان ، فإن وقع التراضي بين البائع والمشتري بالبقاء مجّاناً أو بالاُجرة فبها ، وإلاّ فللبائع إلزامه بالقلع لكن مع دفع الأرش ، كما أنّ للمشتري القلع مع طمّ الحُضر الناشئة عن القلع ، ولكن جعل مقتضى الاحتياط الاستحبابي أنّه إذا أراد
(الصفحة333)
مسألة 17 : لو خلط المشتري مثلاً ما اشتراه بماله خلطاً رافعاً للتميّز فالأقرب بطلان حقّ البائع ، فليس له الرجوع إليه ; سواء اختلط بغير جنسه أو بجنسه ، وسواء خلط بالمساوي ، أو الأردأ ، أو الأجود1.
مسألة 18 : لو اشترى غزلاً فنسجه ، أو دقيقاً فخبزه ، أو ثوباً فقصَّره أو صبغه لم يبطل حقّ البائع من العين ، على إشكال في الأوّلين2.
المشتري أن لا يلزمه بالقلع ، بل يرضى البائع بالبقاء ولو مع الاُجرة ، وجعل الاحتياط الكامل في الصورة في أن يرضى البائع بالبقاء من دون اُجرة ، والوجه في كلا الاحتياطين واضح .
1 ـ لو خلط المشتري أو المقترض ما اشتراه أو ما اقترضه بماله خلطاً موجباً لرفع التميّز ، فالأقرب بطلان حقّ البائع أو المقرض وليس له الرجوع إليه ; لأنّ هذا النوع من الاختلاط بمنزلة الانعدام وانتفاء الموضوع ، من دون فرق بين أن يكون الاختلاط بغير جنسه ، كما إذا خلط الدهن الحيواني مع الدهن النباتي ، أو بجنسه كما إذا خلط البرّ المبيع ببرّ آخر ، وكذا من دون فرق بين صورة الخلط بالمساوي أو الخلط بالأجود أو الأردأ ، كما لايخفى .
2 ـ لو نسج المشتري مثلاً الغزل الذي اشتراه أو اشترى دقيقاً فخبزه ، فقد استشكل فيهما في المتن في عدم بطلان حقّ البائع من العين; وذلك لعدم بقاء المبيع لتعدّد العنوانين واختلاف الموضوعين ، بخلاف ما إذا اشترى ثوباً فقصّره أو صبغه ، فإنّه لا يبطل حقّ البائع من العين لبقاء الموضوع وإن حصل له التغيّر الكمّي أو الكيفي ، فتدبّر .
(الصفحة334)
مسألة 19 : غريم الميّت كغريم المفلّس ، فإذا وجد عين ماله في تركته كان له الرجوع إليه ، لكن بشرط أن يكون ما تركه وافياً بدين الغرماء ، وإلاّ فليس له ذلك ، بل هو كسائر الغرماء يضرب بدينه معهم وإن كان الميّت قد مات محجوراً عليه1.
مسألة 20 : يجري على المفلّس إلى يوم قسمة ماله نفقته وكسوته ونفقة من يجب عليه نفقته وكسوته على ما جرت عليه عادته ، ولو مات قدّم كفنه ، بل وسائر مؤن تجهيزه من السدر والكافور وماء الغسل ونحو ذلك على حقوق
1 ـ الدليل في هذه المسألة صحيحة أبي ولاّد قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل باع من رجل متاعاً إلى سنة فمات المشتري قبل أن يحلّ ماله ، وأصاب البائع متاعه بعينه ، أله أن يأخذه إذا حقّق له؟ قال : فقال: إن كان عليه دين وترك نحواً ممّا عليه فليأخذ إن حقّق له ، فإنّ ذلك حلال له ، ولو لم يترك نحواً من دينه ، فإنّ صاحب المتاع كواحد ممّن له عليه شيء يأخذ بحصّته ولا سبيل له على المتاع(1) .
وبها يقيّد إطلاق مرسلة جميل ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل باع متاعاً من رجل فقبض المشتري المتاع ولم يدفع الثمن ، ثمّ مات المشتري والمتاع قائم بعينه ، فقال : إذا كان المتاع قائماً بعينه ردّ إلى صاحب المتاع ، وقال : ليس للغرماء أن يخاصموه(2) . إلاّ أن يُقال : إنّ الذيل قرينة على عدم وفاء التركة بالديون ، فتدبّر .
(1) تهذيب الأحكام: 6/193 ح421 ، الاستبصار: 3/8 ح20 ، وعنهما الوسائل: 18/415 ، كتاب الحجر ب5 ح3 .
(2) الكافي: 7/24 ح4 ، الفقيه: 4/167 ح583 ، تهذيب الأحكام: 9/166 ح677 ، الاستبصار: 4/116 ح442 ، وعنها الوسائل: 18/414 ، كتاب الحجر ب5 ح1 .
(الصفحة335)
الغرماء ، ويقتصر على الواجب على الأحوط ، وإن كان القول باعتبار المتعارف بالنسبة إلى أمثاله لا يخلو من قوّة ، خصوصاً في الكفن1.
مسألة 21 : لو قسّم الحاكم مال المفلّس بين الغرماء ثمّ ظهر غريم آخر فالأقوى انكشاف بطلان القسمة من رأس ، فيصير المال للغرماء أجمع بالنسبة2.
1 ـ يجري على المفلّس إلى يوم قسمة ماله نفقة شخصه وكسوته ونفقة من يجب عليه نفقته وكسوته على ما جرت عليه عادته ; لأنّه من الضرورة عدم المحجورية بالإضافة إلى مثل هذه التصرّفات التي يكون بقاء حياته متوقّفاً عليه ، كما أنّه لو مات قدّم كفنه بل وسائر مؤن تجيهزه من السدر والكافور وماء الغسل ونحو ذلك على حقوق الغرماء ، غاية الأمر أنّ مقتضى الاحتياط الاقتصار على الواجب لئلاّ يضرّ بدين الغرماء ، وقد ذكر في المتن أنّ القول باعتبار المتعارف بالنسبة أمثاله لا يخلو من قوّة ، خصوصاً في الكفن ، ولعلّ السرّ في خصوصيّة الكفن هو بقاؤه إلى مدّة بخلاف سائر التجهيزات ، وربما يكون الاقتصار على أقلّ الواجب بالنسبة إلى الكفن موجباً لوهنه والإهانة بمقامه ، كما لا يخفى .
2 ـ لو قسّم الحاكم مال المفلّس بين الغرماء ثمّ ظهر غريم آخر فقد قوّى في المتن انكشاف بطلان القسمة من رأس ، فيصير المال للغرماء أجمع بالنسبة ، والوجه فيه أنّه لا خصوصيّة لهذا الغريم بالإضافة إلى سائر الغرماء ، ومجرّد عدم ظهوره عند التقسيم الأوّل لا يوجب ارتفاع حقّه وبطلانه ، فبطلانه لا محالة يوجب صيرورته في رديف سائر الغرماء ، ولا مجال لدعوى ضياع حقّه بمجرّد عدم ظهوره أوّلاً .
(الصفحة336)
تنبيه مهمّ
حكي عن صاحب الحدائق (قدس سره) التوقّف في أصل مسألة الحجر بالفلس ولو مع الشرائط الأربعة المتقدِّمة ، محتجّاً بأنّه ليس في النصوص ما يدلّ عليه(1) ، ونزيد عليه أنّه مخالف لقاعدة السلطنة المعروفة ، فلابدّ من نهوض دليل قويّ على هذا الأمر المخالف للقاعدة ، وردّه صاحب الجواهر : بأنّ الإجماع بقسميه عليه ، مع أنّ الموجود من النصوص غير خال عن الإشعار بل الظهور(2) ; ففي موثّقة عمّار ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يحبس الرجل إذا التوى على غرمائه ، ثمّ يأمرفيقسّم ماله بينهم بالحصص،فإن أبى باعه فيقسّمه بينهم; يعني ماله(3).فإنّ الظاهر أنّ المراد من الحبس هو المنع من التصرّف ، وإلاّ لا يجتمع مع الأمر بقسمة ماله .
ومثلها خبر الأصبغ بن نباتة ، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قضى: أنّ الحجر على الغلام حتّى يعقل ، وقضى (عليه السلام) في الدَّين: أنّه يحبس صاحبه ، فإن تبيّن إفلاسه والحاجة فيخلّى سبيله حتّى يستفيد مالاً ، وقضى (عليه السلام) في الرجل يلتوي على غرمائه: أنّه يحبس ثمّ يأمر به فيقسّم ماله بين غرمائه بالحصص ، فإن أبى ، باعه فقسّمه بينهم(4) ، وغير ذلك من الروايات المشعرة أو الدالّة بالظهور على ذلك ، ولأجله لا ينبغي الخدشة فيه بوجه .
(1) الحدائق الناضرة: 20/383 .
(2) جواهر الكلام: 25/281 .
(3) تهذيب الأحكام: 6/191 ح412 ، الاستبصار: 3/7 ح15 ، الكافي: 5/102 ح1 ، الفقيه: 3/19 ذح 43 ، وعنها الوسائل: 18/416 ، كتاب الحجر ب6 ح1 .
(4) تهذيب الأحكام: 6/232 ح568 ، الفقيه: 3/19 ح43 ، وعنهما الوسائل: 27/247 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى ب11 ح1 .
(الصفحة337)
القول في المرض
المريض إن لم يتّصل مرضه بموته فهو كالصحيح ، يتصرّف في ماله بما شاء وكيف شاء ، وينفذ جميع تصرّفاته في جميع ما يملكه ، إلاّ إذا أوصى بشيء من ماله بعد موته ، فإنّه لا ينفذ فيما زاد على ثلث تركته ، كما أنّ الصحيح أيضاً كذلك ، ويأتي تفصيله في محلّه إن شاء الله تعالى . وأمّا إذا اتّصل مرضه بموته فلا إشكال في عدم نفوذ وصيّته بما زاد على الثلث كغيره ، كما أنّه لا إشكال في نفوذ عقوده المعاوضية المتعلِّقة بماله; كالبيع بثمن المثل والإجارة باُجرة المثل ونحو ذلك ، وكذا لا إشكال في جواز انتفاعه بماله; كالأكل والشرب والإنفاق على نفسه ومن يعوله والصرف على أضيافه ، وفي مورد يحفظ شأنه واعتباره وغير ذلك .
وبالجملة : كلّ صرف فيه غرض عقلائي ممّا لا يعدّ سرفاً ولا تبذيراً أيّ مقدار كان ، وإنّما الإشكال والخلاف في مثل الهبة والوقف والصدقة والإبراء والصلح بغير عوض ، ونحو ذلك من التصرّفات التبرّعية في ماله ممّا لا يقابل بالعوض ، ويكون فيه إضرار بالورثة ، وهي المعبَّر عنها بالمنجّزات ، وأنّها هل هي نافذة من الأصل ، بمعنى نفوذها وصحّتها مطلقاً وإن زادت على ثلث ماله ، بل وإن تعلّقت بجميعه بحيث لم يبق شيء للورثة، أو هي نافذة بمقدار الثلث ، فإن زادت تتوقّف صحّتها ونفوذها في الزائد على إمضاء الورثة؟ والأقوى هو الأوّل1.
1 ـ المريض إن لم يتّصل مرضه بموته فهو كالصحيح غير المريض يتصرّف في ماله بما شاء وكيف شاء ، وينفذ جميع تصرّفاته المعاوضيّة وغيرها إلاّ بالإضافة إلى الوصيّة ممّا زاد على ثلث أمواله ، كما أنّ الصحيح أيضاً كذلك ، ويأتي التفصيل في
(الصفحة338)
محلّه إن شاء الله تعالى(1) .
وأمّا إذا اتّصل مرضه بموته فلا شبهة في جانب النفي في أنّه لا ينفذ وصيّته بما زاد على الثلث كغيره من الصحيح والمريض غير المتّصل .
كما أنّه لا شبهة في جانب الإثبات في صحّة تصرّفاته المعاوضيّة غير المشتملة على الإضرار بالورثة; كالبيع بثمن المثل أو الإجارة باُجرة المثل وأشباههما ، وفي صحّة ما يتوقّف عليه الإنفاق على نفسه أو على من يعوله ، وكذا فيما يرتبط بحفظ شؤونه واعتباره من ضيافة أضيافه ونحو ذلك ، إنّما الشبهة في تصرّفاته غير المعاوضية المشتملة على الإضرار بالورثة والتبذير والإسراف; كالهبة والصدقة والصلح غير المعاوضي ، أو المعاوضي المشتمل على الأمر المذكور; وهو المعبَّر عنه بمنجّزات المريض ، وأنّها هل تنفذ من الأصل كالصحيح أو المريض غير المتّصل ، أو من الثلث بحيث يكون الزائد متوقّفاً على إجازة الورثة ، فيه قولان ، وقد كُتب في خصوص هذه المسألة رسائل متعدّدة من أجلّة الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، واللازم ملاحظة الروايات الواردة في هذا المجال ليظهر الحال ، والصحيح عن سقيم المقال ، فنقول وعلى الله الاتّكال :
قال صاحب الشرائع : وفي منعه من التبرّعات المنجّزة الزائدة على الثلث خلاف بيننا ، والوجه المنع(2) ، واختار صاحب الجواهر بعد نقل عدم المنع من جملة كثيرة من القدماء(3) عدم المنع ، بل عن كشف الرموز نسبته إلى الأكثر(4) ، وفي
(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الوصية: مسألة 158 ـ 173 .
(2) شرائع الإسلام: 2/102 .
(3) الكافي:7/7، الفقيه:4/149،المقنعة:671، النهاية:620، الانتصار:465، غنية النزوع:301، السرائر:14 ـ 15.
(4) كشف الرموز: 2/91 ـ 92 .
(الصفحة339)
الرياض أنّه المشهور بين القدماء ظاهراً ، بل لعلّه لا شبهة فيه ، بل في هبة الغنية والانتصار الإجماع عليه(1) (2) .
وكيف كان ، فالدليل على الجواز روايات :
منها : صحيحة أبي شعيب المحاملي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) : الإنسان أحقّ بماله ما دامت الروح في بدنه(3) ، ومثلها روايات متعدِّدة لعمّار الساباطي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) على ما في كتاب الوسائل(4) ، وتبعه جملة من الكتب الفقهيّة ، لكنّ الظاهر أنّها بأجمعها رواية واحدة كما نبّهنا عليه مراراً ، لكن لابدّ من بيان أنّ المراد هي الأحقّية بالإضافة إلى التصرّفات المنجّزة ، وأمّا بالنسبة إلى الوصيّة فقد قام الدليل على أنّها تنفذ من الثلث .
ومنها : رواية سماعة ، قال له أيضاً : الرجل يكون له الولد أيسعه أن يجعل ماله لقرابته؟ قال : هو ماله يصنع به ما شاء إلى أن يأتيه الموت(5) . ونحوه رواية أبي بصير ، وزاد أنّ لصاحب المال أن يعمل بماله ما شاء ما دام حيّاً ، إن شاء وهبه ، وإن شاء تصدّق به ، وإن شاء تركه إلى أن يأتيه الموت ، فإن أوصى به فليس له إلاّ الثلث ، إلاّ أنّ الفضل في أن لا يضيّع من يعوله ولا يضرّ بورثته(6) .
ومنها : مرسلة مرازم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل يعطي الشيء من ماله في
(1) رياض المسائل: 9/545 .
(2) جواهر الكلام: 26/63 .
(3) تهذيب الأحكام: 9/187 ح751 ، وعنه الوسائل: 19/299 ، كتاب الوصايا ب17 ذح8 .
(4) وسائل الشيعة: 19/298 ـ 299 ح4 ، 5 و 7 .
(5) الكافي: 7/8 ح5 ، تهذيب الأحكام: 9/186 ح749 ، وعنهما الوسائل: 19/296 ، كتاب الوصايا ب17 ح1 .
(6) الكافي: 7/8 ح10 ، تهذيب الأحكام: 9/188 ح755 ، الاستبصار: 4/121 ح 462 ، الفقيه: 4/149 ح518 ، وعنها الوسائل: 19/297 ، كتاب الوصايا ب17 ح2 .
(الصفحة340)
مرضه ، فقال : إذا أبان به فهو جائز ، وإن أوصى به فهو من الثلث(1) .
ومنها : مرسلة الكليني ، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه عاب رجلاً من الأنصار أعتق مماليكه لم يكن له غيرهم ، فقال : ترك صبية صغاراً يتكفّفون الناس . بل في الوسائل ، بل رواه الصدوق مسنداً إلى جعفر بن محمّد (عليهما السلام) ، وفيه : فأعتقهم عند موته(2) .
قال صاحب الجواهر (قدس سره) : والضعف فيه سنداً أو دلالةً منجبر بما عرفت(3) .
هذا كلّه مضافاً إلى موافقتها لقاعدة السلطنة وللأصل .
وأمّا الدليل على المنع فهي أيضاً روايات كثيرة :
منها : صحيحة شعيب بن يعقوب قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) : عن الرجل يموت ما له من ماله؟ فقال : له ثلث ماله(4) . ويحتمل قويّاً أن يكون مراد السائل الوصية بالنسبة إلى ما بعد الموت ، ويؤيّده عدم إشعاره بمرضه فضلاً عن المتّصل بالموت .
ومثلها : صحيحة علي بن يقطين قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) : ما للرجل من ماله عند موته؟ قال : الثلث ، والثلث(5) كثير .
ويؤيّده رواية أبي بصير(6) ، ورواية عبدالله بن سنان ، عن الصادق (عليه السلام) قال : للرجل عند موته ثلث ماله ، وإن لم يوص فليس على الورثة إمضاؤه(7) .
(1) الكافي: 7/8 ح6 ، الفقيه: 4/138 ح481 و ص149 ح519 ، وعنهما الوسائل: 19/298 كتاب الوصايا ب17 ح6 .
(2) الكافي: 7/8 ح10 ، الفقيه: 4/137 ح478 ، علل الشرائع: 566 ح2 ، وعنها الوسائل: 19/299 ، كتاب الوصايا ب17 ح9 .
(3) جواهر الكلام: 26/64 .
(4) الكافي: 7/11 ح3، تهذيب الأحكام: 9/191 ح770، وعنهما الوسائل: 19/272، كتاب الوصايا ب10 ذح2.
(5) تهذيب الأحكام: 9/242 ح940 ، وعنه الوسائل: 19/274 ، كتاب الوصايا ب10 ح8 .
(6) الفقيه: 4/136 ح473 ، وعنه الوسائل: 19/272 ، كتاب الوصايا ب10 ح2 .
(7) تهذيب الأحكام: 9/242 ح 939 ، وعنه الوسائل: 19/273 ، كتاب الوصايا ب10 ح7 .
|