(الصفحة521)
[3381] الثانية عشرة : كما يجوز اشتراط كون نفقة الدابّة المستأجرة والعبد والأجير المستأجرين للخدمة أو غيرها على المستأجر إذا كانت معيّنة بحسب العادة أو عيّناها على وجه يرتفع الغرر، كذلك يجوز اشتراط كون نفقة المستأجر على الأجير أو المؤجر بشرط التعيين أو التعيّن الرافعين للغرر ، فما هو المتعارف من إجارة الدابّة للحجّ واشتراط كون تمام النفقة ومصارف الطريق ونحوهما على المؤجر لا مانع منه إذا عيّنوها(1) على وجه رافع للغرر .
[3382] الثالثة عشرة : إذا آجر داره أو دابّته من زيد إجارة صحيحة بلا خيار له ، ثمّ آجرها(2) من عمرو كانت الثانية فضوليّة موقوفة على إجازة زيد ، فإن أجاز صحّت له ويملك هو الاُجرة فيطالبها من عمرو ، ولايصحّ له إجازتها على أن تكون الاُجرة للمؤجر، وإن فسخ الإجارة الاُولى بعدها ; لأنّه لم يكن مالكاً للمنفعة حين العقد الثاني ، وملكيّته لها حال الفسخ لا تنفع إلاّ إذا جدّد الصيغة(3) ، وإلاّ فهو من قبيل من باع شيئاً ثمّ ملك ، ولو زادت مدّة الثانية عن الاُولى لايبعد لزومهما على المؤجر في تلك الزيادة ، وأن يكون لزيد إمضاؤها بالنسبة إلى مقدار مدّة الاُولى .
[3383] الرابعة عشرة : إذا استأجر عيناً ثمّ تملّكها قبل انقضاء مدّة الإجارة بقيت الإجارة على حالها ، فلو باعها والحال هذه لم يملكها المشتري(4) إلاّ
(1) أو كانت معيّنة بحسب العادة.
(2) بنحو ينطبق على الإجارة الاُولى كلاًّ، وأمّا صورة الانطباق بعضاً فيأتي التعرّض لها في ذيل المسألة.
(3) لا يبعد الاكتفاء بالإجازة من دون حاجة إلى تجديد الصيغة، كما في المقيس عليه.
(4) بل الظاهر ملكية المشتري للمنفعة أيضاً; لقاعدة التبعية وعدم الفرق بين المقام وبين سائر الموارد، كما أنّه لا فرق ظاهراً بين أن يكون السبب مثل الإرث من الأسباب التي ليس لبقائها اعتبار أو احتمال زوال، وبين ما إذا كان مثل العقود التي لها اعتبار بقاءً، وأثر واحتمال فسخ وانفساخ، فإنّ اختلاف سبب ملك العين لا يؤثّر في تبعيّة المنفعة وعدمها، فإنّ المنشأ لاحتمال العدم هو انفكاكها عن العين بالإجارة، ولا فرق من هذه الجهة بين أسباب ملك العين المختلفة من حيث اعتبار البقاء وعدمه.
(الصفحة522)
مسلوبة المنفعة في تلك المدّة ، فالمنفعة تكون له ولا تتّبع العين . نعم ، للمشتري خيار الفسخ إذا لم يكن عالماً بالحال ، وكذا الحال إذا تملّك المنفعة بغير الإجارة في مدّة ثمّ تملّك العين ، كما إذا تملّكها بالوصيّة أو بالصلح أو نحو ذلك، فهي تابعة للعين إذا لم تكن مفروزة ، ومجرّد كونها لمالك العين لاينفع في الانتقال إلى المشتري . نعم ، لايبعد تبعيّتها للعين إذا كان قاصداً لذلك حين البيع .
[3384] الخامسة عشرة : إذا استأجر أرضاً للزراعة مثلا فحصلت آفة سماويّة أو أرضيّة توجب نقص الحاصل لم تبطل ، ولايوجب ذلك نقصاً في مال الإجارة ولا خياراً للمستأجر . نعم ، لو شرط على المؤجر إبراءه من ذلك بمقدار ما نقص بحسب تعيين أهل الخبرة ثلثاً أو ربعاً أو نحو ذلك ، أو أن يهبه ذلك المقدار إذا كان مال الإجارة عيناً شخصيّة فالظاهر الصحّة ، بل الظاهر صحّة اشتراط البراءة على التقدير المذكور بنحو شرط النتيجة ، ولايضرّه التعليق ; لمنع كونه مضرّاً في الشروط . نعم ، لو شرط براءته على التقدير المذكور حين العقد; بأن يكون ظهور النقص كاشفاً عن البراءة(1) من الأوّل فالظاهر عدم صحّته ; لأوله إلى الجهل بمقدار مال الإجارة حين العقد .
[3385] السادسة عشرة : يجوز إجارة الأرض مدّة معلومة بتعميرها وإعمال عمل فيها(2) من كري الأنهار وتنقية الآبار وغرس الأشجار ونحو ذلك ، وعليه
(1) أي عدم الاشتغال رأساً لا البراءة بعد الاشتغال ولو آناً.
(2) مع التعيين على نحو يرتفع به الغرر.
(الصفحة523)
يحمل قوله (عليه السلام) : «لا بأس بقبالة الأرض من أهلها عشرين سنة أو أقلّ من ذلك أو أكثر، فيعمّرها ويؤدّي ما خرج عليها» ونحوه غيره .
[3386] السابعة عشرة : لابأس بأخذ الاُجرة على الطبابة وإن كانت من الواجبات الكفائيّة ; لأنّها كسائر الصنائع واجبة بالعوض(1) لانتظام نظام معائش العباد، بل يجوز وإنوجبت عيناً لعدم من يقوم بها غيره ، ويجوز اشتراط كون الدواء عليه مع التعيين الرافع للغرر ، ويجوز أيضاً مقاطعته على المعالجة إلى مدّة(2) أو مطلقاً ، بل يجوز المقاطعة عليها بقيد البرء أو بشرطه إذا كان مظنوناً بل مطلقاً ، وما قيل من عدم جواز ذلك; لأنّ البرء بيد الله فليس اختياريّاً له، وأنّ اللازم مع إرادة ذلك أن يكون بعنوان الجعالة لاالإجارة، فيه: أنّه يكفي كون مقدّماته العادية اختياريّة، ولايضرّ التخلّف في بعض الأوقات ، كيف وإلاّ لم يصحّ بعنوان الجعالة أيضاً .
[3387] الثامنة عشرة : إذا استؤجر لختم القرآن لايجب (3) أن يقرأه مرتّباً بالشروع من «الفاتحة» والختم بسورة «الناس» ، بل يجوز أن يقرأ سورة فسورة على خلاف الترتيب ، بل يجوز عدم رعاية الترتيب في آيات السورة أيضاً ، ولهذا إذا علم بعد الإتمام أنّه قرأ الآية الكذائية غلطاً أو نسي قراءتها يكفيه قراءتها فقط . نعم ، لو اشترط عليه الترتيب وجب مراعاته ، ولو علم إجمالاً بعد الإتمام أنّه قرأ بعض الآيات غلطاً من حيث الإعراب، أو من حيث عدم أداء الحرف من مخرجه، أو من حيث المادّة فلايبعد كفايته وعدم وجوب الإعادة ; لأنّ اللازم القراءة على
(1) في العبارة مسامحة.
(2) أي معيّنة، وفي صورة الإطلاق مشكل.
(3) إذا لم يكن هناك قرينة خاصّة أو تعارف موجب للانصراف إلى القراءة المرتّبة، وكذا بالإضافة إلى آيات سورة واحدة، وكفاية قراءة الآية المنسيّة فقط بعد التذكّر أو التي قرأها غلطاً بعد العلم لا دلالة فيها على عدم لزوم رعاية الترتيب مطلقاً.
(الصفحة524)
المتعارف والمعتاد ، ومن المعلوم وقوع ذلك من القارئين غالباً إلاّ من شذّ منهم . نعم ، لو اشترط المستأجر عدم الغلط أصلاً لزم عليه الإعادة مع العلم به في الجملة ، وكذا الكلام في الاستئجار لبعض الزيارات المأثورة أو غيرها ، وكذا في الاستئجار لكتابة كتاب أو قرآن أو دعاء أو نحوها لايضرّ في استحقاق الاُجرة إسقاط كلمة (1) أو حرف أو كتابتهما غلطاً .
[3388] التاسعة عشرة : لايجوز في الاستئجار للحجّ البلدي أن يستأجر شخصاً من بلد الميّت إلى النجف، وشخصاً آخر من النجف إلى مكّة ، أو إلى الميقات وشخصاً آخر منها إلى مكّة ; إذ اللازم أن يكون قصد المؤجر من البلد الحجّ ، والمفروض أنّ مقصده النجف مثلا وهكذا، فما أتى به من السير ليس مقدّمة للحجّ ، وهو نظير أن يستأجر شخصاً لعمرة التمتّع وشخصاً آخر للحجّ ، ومعلوم أنّه مشكل ، بل اللازم (2) على القائل بكفايته أن يقول بكفاية استئجار شخص للركعة الاُولى من الصلاة وشخص آخر للثانية ، وهكذا يتمّم .
[3389] العشرون : إذا استؤجر للصلاة عن الميّت فصلّى ونقص من صلاته بعض الواجبات الغير الركنيّة سهواً ، فإن لم يكن زائداً على القدر المتعارف الذي قد يتّفق أمكن أن يقال:لاينقص من اُجرته شيء، وإن كان الناقص من الواجبات والمستحبّات المتعارفة أزيد من المقـدار المتعارف ينقص من الاُجـرة بمقداره ، إلاّ أن يكون المستأجرعليه الصلاة الصحيحة المبرئة للذمّة ، ونظير ذلك إذا استؤجر للحجّ فمات بعد الإحرام ودخول الحرم ; حيث إنّ ذمّة الميّت تبرأ بذلك ، فإن كان المستأجر عليه مايبرئ الذمّة استحقّ تمام الاُجرة ، وإلاّ فتوزّع ويستردّ ما يقابل بقيّة الأعمال.
(1) إذا لم يكن عن عمد.
(2) فيه منع.
(الصفحة525)
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب المضاربة
[فصل
في معنى المضاربة وشرائطها وأحكامها]
وتسمّى قراضاً عند أهل الحجاز ، والأوّل من الضرب ; لضرب العامل في الأرض لتحصيل الربح ، والمفاعلة باعتبار(1) كون المالك سبباً له والعامل مباشراً ، والثاني من القرض بمعنى القطع ; لقطع المالك حصّة من ماله ودفعه إلى العامل ليتّجر به . وعليه العامل مقارض بالبناء للمفعول ، وعلى الأوّل مضارب بالبناء للفاعل . وكيف كان عبارة عن دفع (2) الإنسان مالاً إلى غيره ليتّجر به على أن يكون الربح
(1) أوباعتبار عدم دلالتها في مثل المقام على الاشتراك، كماأنّه على تقديرالقراض لا محيص عن ذلك، مع أنّه أيضاً مصدر باب المفاعلة، إلاّ أن يوجّه بأنّ العامل أيضاً يقطع شيئاً من عمله ويخرجه عن حدّ الاختصاص، وعليه فلا يتعيّن أن يكون هو المقارض ـ بالفتح ـ .
(2) بل عبارة عن عقد واقع بينهما على أن يكون من أحدهما المال ومن الآخر العمل والربح بينهما، ولو لم يكن المال مدفوعاً إلى العامل، كما سيأتي منه (قدس سره) من الحكم بصحّة المضاربة مع كون المال بيد مالكه.
(الصفحة526)
بينهما ، لا أن يكون تمام الربح للمالك، ولا أن يكون تمامه للعامل ، وتوضيح ذلك : أنّ من دفع مالاً إلى غيره للتجارة تارة على أن يكون الربح بينهما وهي مضاربة ، وتارة على أن يكون تمامه للعامل ، وهذا داخل في عنوان القرض إن كان بقصده، وتارة على أن يكون تمامه للمالك ، ويسمّى عندهم باسم البضاعة ، وتارة لايشترطان شيئاً ، وعلى هذا أيضاً يكون تمام الربح للمالك، فهو داخل في عنوان البضاعة ، وعليهما يستحقّ العامل اُجرة المثل لعمله إلاّ أن يشترطا عدمه ، أو يكون العامل قاصداً للتبرّع ، ومع عدم الشرط وعدم قصد التبرّع أيضاً له أن يطالب الاُجرة ، إلاّ أن يكون الظاهر منهما في مثله عدم أخذ الاُجرة ، وإلاّ فعمل المسلم محترم(1) ما لم يقصد التبرّع .
ويشترط في المضاربة الإيجاب والقبول ، ويكفي فيهما كلّ دالّ قولاً أو فعلاً ، والإيجاب القوليّ كأن يقول : ضاربتك على كذا ، وما يفيد هذا المعنى . فيقول : قبلت . ويشترط فيها أيضاً بعد البلوغ والعقل والاختيار وعدم الحجر لفلس أو جنون(2) اُمور :
الأوّل : أن يكون رأس المال عيناً ، فلا تصحّ بالمنفعة(3) ولا بالدين ، فلو كان له دين على أحد لم يجز أن يجعله مضاربة إلاّ بعد قبضه ، ولو أذن للعامل في قبضه ما لم يجدّد العقد بعد القبض. نعم، لووكّله على القبض والإيجاب من طرف المالك والقبول منه; بأن يكون موجباً قابلاً صحّ ، وكذا لو كان له على العامل دين لم يصحّ جعله قراضاً، إلاّ أن يوكّله في تعيينه ثمّ إيقاع العقد عليه بالإيجاب والقبول بتولّي الطرفين.
(1) إذا كان واقعاً بأمر الغير، كما صرّح بذلك في كتاب الإجارة.
(2) الظاهر أنّ المراد به هو السفه، وعدمه وكذا عدم الفلس إنّما يعتبر بالإضافة إلى المالك دون العامل.
(3) على الأحوط.
(الصفحة527)
الثاني : أن يكون من الذهب أو الفضّة المسكوكين بسكّة المعاملة ; بأن يكون درهماً أو ديناراً ، فلا تصحّ بالفلوس ولا بالعروض بلا خلاف بينهم ، وإن لم يكن عليه دليل سوى دعوى الإجماع . نعم ، تأمّل فيه بعضهم، وهو في محلّه لشمول العمومات ، إلاّ أن يتحقّق الإجماع وليس ببعيد(1) ، فلايترك الاحتياط ، ولا بأس بكونه من المغشوش الذي يعامل به مثل الشاميّات والقَمَري ونحوها . نعم ، لو كان مغشوشاً يجب كسره ـ بأن كان قلباً ـ لم يصحّ وإن كان له قيمة، فهو مثل الفلوس ، ولو قال للعامل : بع هذه السلعة وخذ ثمنها قراضاً لم يصحّ ، إلاّ أن يوكّله في تجديد العقد عليه بعد أن نضّ ثمنه .
الثالث : أن يكون معلوماً(2) قدراً ووصفاً ، ولاتكفي المشاهدة وإن زال به معظم الغرر .
الرابع : أن يكون معيّناً(3) ، فلو أحضر مالين وقال : قارضتك بأحدهما أو بأيّهما شئت لم ينعقد ، إلاّ أن يعيّن ثمّ يوقعان العقد عليه . نعم ، لا فرق بين أن يكون
(1) الظاهر عدم تحقّق الإجماع، فإنّ المحكي عن الخلاف والغنية والجواهر للقاضي دعوى الإجماع على الصحّة في الدراهم والدنانير لا على عدمها في غيرهما، مضافاً إلى عدم تعرّض كثير من القدماء لأصل المسألة، وإلى استناد بعض المتعرّضين بغير الإجماع، وإلى عدم حجّية الإجماع المنقول، خصوصاً في مثل المسألة، فالظاهر صحّة المضاربة بجميع الأثمان، ولو كان ديناراً عراقياً أو أسكناساً إيرانياً أو غيرهما ممّا لا يكون درهماً ولا ديناراً. نعم، صحّتها بالعروض محلّ تأمّل، وإن كان مقتضى إطلاق بعض أدلّة الباب الصحّة فيها أيضاً.
(2) اعتباره محلّ تأمّل، خصوصاً بالإضافة إلى المجهول الذي يؤول إلى العلم، كما إذا وقع العقد على ما في الكيس مثلاً، ثمّ يعدّانه بعد ذلك.
(3) لا دليل على الاعتبار ولم يثبت الإجماع، ودعوى عدم المعقولية غير ثابتة أيضاً، وذكرنا في كتاب الإجارة أنّه لا يبعد الحكم بصحّة استئجار أحد هذين العبدين إذا كانا متساويين في الأوصاف الموجبة لتفاوت الرغبات.
(الصفحة528)
مشاعاً أو مفروزاً بعد العلم بمقداره ووصفه ، فلو كان المال مشتركاً بين شخصين فقال أحدهما للعامل : قارضتك بحصّتي في هذا المال ، صحّ مع العلم بحصّته من ثلث أو ربع ، وكذا لو كان للمالك مائة دينار مثلا ، فقال : قارضتك بنصف هذا المال صحّ .
الخامس : أن يكون الربح مشاعاً بينهما(1) ، فلو جعل لأحدهما مقداراً معيّناً والبقيّة للآخر أو البقيّة مشتركة بينهما لم يصحّ .
السادس : تعيين حصّة كلّ منهما من نصف أو ثلث أو نحو ذلك ، إلاّ أن يكون هناك متعارف ينصرف إليه الإطلاق .
السابع : أن يكون الربح بين المالك والعامل ، فلو شرطا جزءاً منه لأجنبي عنهما لم يصحّ إلاّ أن يشترط عليه عمل متعلّق بالتجارة . نعم ، ذكروا أنّه لو اشترط كون جزء من الربح لغلام أحدهما صحّ ، ولا بأس به خصوصاً(2) على القول بأنّ العبد لايملك ; لأنّه يرجع إلى مولاه ، وعلى القول الآخر يشكل ، إلاّ أنّه لمّا كان مقتضى القاعدة صحّة الشرط حتّى للأجنبي، والقدر المتيقّن من عدم الجواز ما إذا لم يكن غلاماً لأحدهما ، فالأقوى الصحّة مطلقاً ، بل لايبعد (3) القول به في الأجنبي أيضاً وإن لم يكن عاملاً ; لعموم الأدلّة .
الثامن : ذكر بعضهم أنّه يشترط أن يكون رأس المال بيد العامل ، فلو اشترط المالك أن يكون بيده لم يصحّ ، لكن لادليل عليه ، فلا مانع(4) أن يتصدّى العامل للمعاملة مع كون المال بيد المالك، كما عن التذكرة .
(1) لا دليل على اعتبار هذا الأمر أيضاً خصوصاً مع الوثوق والاطمئنان بحصول الزائد على المقدار المعيّن.
(2) إذا لم يقصد ملك العبد نفسه، وإلاّ فالشرط باطل.
(3) محلّ تأمّل.
(4) وعليه فلا يبقى مجال لتعريف المضاربة بما أفاده في المتن، كما نبّهنا عليه.
(الصفحة529)
التاسع : أن يكون الاسترباح بالتجارة ، وأمّا إذا كان بغيرها كأن يدفع إليه ليصرفه في الزراعة مثلا، ويكون الربح بينهما يشكل صحّته ; إذ القدر المعلوم من الأدلّة هو التجارة ، ولو فرض صحّة غيرها للعمومات كما لايبعد(1) لايكون داخلاً في عنوان المضاربة .
العاشر : أن لايكون رأس المال بمقدار يعجز العامل عن التجارة به ، مع اشتراط المباشرة من دون الاستعانة بالغير ، أو كان عاجزاً حتّى مع الاستعانة بالغير وإلاّ فلايصحّ ; لاشتراط كون العامل قادراً(2) على العمل ، كما أنّ الأمر كذلك في الإجارة للعمل ، فإنّه إذا كان عاجزاً تكون باطلة ، وحينئذ فيكون تمام الربح للمالك وللعامل اُجرة عمله مع جهله بالبطلان ، ويكون ضامناً لتلف المال(3) إلاّ مع
(1) بل بعيد جدّاً.
(2) إن كان المراد بالقدرة القدرة على التجارة في الجميع في مقابل العجزمطلقاً، كمايدلّ عليه قوله (قدس سره): فإنّه إذا كان...الخ. فيرد عليه أنّه لا دليل على اعتبار هذا النحو من القدرة في المضاربة، ولا على كونها مثل الإجارة لو سلّم الحكم فيها. وإن كان المراد بها هي القدرة ولو في الجملة، نظراً إلى أنّه مع العجز الكلّي تتّصف المعاملة باللغويّة، ولا يجدي في ذلك مجرّد الفرق بين الإجارة والمضاربة بعدم ثبوت التمليك فيها ابتداءً بخلاف الإجارة، فإنّ عدم ثبوت التمليك لايخرج المعاملة مع العجز عن اللغوية فيرد عليه منع الحكم فيما فرّعه على ذلك، فإنّ لازم ذلك إمّا الحكم بالصحّة مطلقاً، أو في خصوص المقدار المقدور واشتراكهما في الربح في خصوص ذلك المقدار لا اختصاص المالك به وثبوت الاُجرة للعامل مع جهله بالبطلان.
(3) المراد بالمال هو المقدار الذي يقدر على الاتّجار به، وقد عرفت في الحاشية السابقة صحّة المضاربة مطلقاً أو بالإضافة إليه، وعليه فلا وجه لضمانه بالنسبة إليه، وأمّا المقدار الزائد فالظاهر عدم ثبوت الضمان فيه أيضاً، إمّا لصحّة المضاربة في المجموع وإمّا لعدم كون فسادها موجباً للضمان كما في الإجارة الفاسدة ـ على ما مرّ ـ والفرق بين صورة المزج وعدمه، وكذا بين صورة تعدّد الأخذ ووحدته ممّا لا وجه له أصلاً.
(الصفحة530)
علم المالك بالحال ، وهل يضمن حينئذ جميعه لعدم التميّز مع عدم الإذن في أخذه على هذا الوجه ، أو القدر الزائد لأنّ العجز إنّما يكون بسببه فيختصّ به ، أو الأوّل إذا أخذ الجميع دفعة، والثاني إذا أخذ أوّلاً بقدر مقدوره ثمّ أخذ الزائد ولم يمزجه مع ما أخذه أوّلاً ؟ أقوال ، أقواها الأخير .
ودعوى أنّه بعد أخذ الزائد يكون يده على الجميع وهو عاجز عن المجموع من حيث المجموع ولا ترجيح الآن لأحد أجزائه ، إذ لو ترك الأوّل وأخذ الزيادة لايكون عاجزاً كما ترى ; إذ الأوّل وقع صحيحاً والبطلان مستند إلى الثاني وبسببه ، والمفروض عدم المزج . هذا ، ولكن ذكر بعضهم : أنّ مع العجز المعاملة صحيحة فالربح مشترك ، ومع ذلك يكون العامل ضامناً مع جهل المالك، ولا وجه له لما ذكرنا ، مع أنّه إذا كانت المعاملة صحيحة لم يكن وجه للضمان ، ثمّ إذا تجدّد العجز في الأثناء وجب عليه ردّ الزائد وإلاّ ضمن .
[3390] مسألة 1 : لو كان له مال موجود في يد غيره أمانة أو غيرها فضاربه عليها صحّ ، وإن كان في يده غصباً أو غيره ممّا يكون اليد فيه يد ضمان فالأقوى أنّه يرتفع(1) الضمان بذلك ; لانقلاب اليد حينئذ فينقلب الحكم . ودعوى أنّ الضمان مغيّاً بالتأدية ولم تحصل كما ترى ، ولكن ذكر جماعة بقاء الضمان إلاّ إذا اشترى به شيئاً ودفعه(2) إلى البائع ، فإنّه يرتفع الضمان به ; لأنّه قد قضى دينه بإذنه ، وذكروا نحو ذلك في الرهن أيضاً ، وأنّ العين إذا كانت في يد الغاصب فجعله رهناً عنده أنّها تبقى على الضمان ، والأقوى ما ذكرنا في المقامين لما ذكرنا .
[3391] مسألة 2 : المضاربة جائزة من الطرفين يجوز لكلّ منهما فسخها، سواء
(1) إذا كان إيقاع المضاربة معه قرينة ظاهرة على الإذن في إبقاء اليد عليه، وإلاّ فلا وجه للارتفاع; لما مرّ من أنّه لا يعتبر في حقيقتها أن يكون المال بيد العامل.
(2) أي بإذن المالك، وإلاّ فلا وجه لارتفاع الضمان.
(الصفحة531)
كان قبل الشروع في العمل أو بعده ، قبل حصول الربح أو بعده(1) ، نضّ المال أو كان به عروض ، مطلقاً كانت أو مع اشتراط الأجل وإن كان قبل انقضائه . نعم ، لو اشترط فيها عدم(2) الفسخ إلى زمان كذا يمكن أن يقال بعدم جواز فسخها قبله ، بل هو الأقوى، لوجوب الوفاء بالشرط ، ولكن عن المشهور بطلان الشرط المذكور بل العقد أيضاً ; لأنّه مناف لمقتضى العقد ، وفيه منع بل هو مناف لإطلاقه . ودعوى أنّ الشرط في العقود الغير اللازمة غير لازم الوفاء ، ممنوعة . نعم ، يجوز فسخ العقد فيسقط الشرط ، وإلاّ فما دام العقد باقياً يجب الوفاء بالشرط فيه ، وهذا إنّما يتمّ في غير الشرط الذي مفاده عدم الفسخ مثل المقام ، فإنّه يوجب لزوم ذلك العقد(3) .
هذا ، ولو شرط عدم فسخها في ضمن عقد لازم آخر فلا إشكال في صحّة الشرط ولزومه(4) ، وهذا يؤيّد ما ذكرنا من عدم كون الشرط المذكور منافياً لمقتضى العقد ، إذ لو كان منافياً لزم عدم صحّته في ضمن عقد آخر أيضاً ، ولو شرط في عقد مضاربة عدم فسخ مضاربة اُخرى سابقة صحّ ووجب الوفاء به ، إلاّ أن يفسخ هذه المضاربة فيسقط الوجوب ، كما أنّه لو اشترط في مضاربة مضاربة
(1) لا بمعنى اختصاص الربح بأجمعه بالمالك بعد الفسخ، بل بمعنى أنّ حصول العمل وظهور الربح لا يوجب لزوم المضاربة بالإضافة إلى التجارة الآتية، فإنّه يجوز لكلّ منهما فسخها مطلقاً، فيرجع المالك عن إذنه في التصرّف، ويمتنع العامل عن العمل في أيّ وقت.
(2) أي عدم تحقّق الفسخ خارجاً مع كونه مالكاً له، وأمّا لو كان المشروط عدم ملكية الفسخ رأساً بحيث كان مرجعه إلى لزوم المعاملة فالشرط باطل، لكونه مخالفاً لمقتضى العقد، ولعلّ نظر المشهور إلى هذا الفرض.
(3) قد ظهر ممّا ذكرنا أنّ شرط عدم الفسخ لا يرجع إلى اللزوم، وشرط اللزوم باطل.
(4) أي لزوم الوفاء به لا لزوم المضاربة.
(الصفحة532)
اُخرى في مال آخر، أو أخذ بضاعة منه، أو قرض أو خدمة أو نحو ذلك وجب الوفاء به ما دامت المضاربة باقية ، وإن فسخها سقط الوجوب ، ولابدّ أن يحمل ما اشتهر من أنّ الشروط في ضمن العقود الجائزة غير لازمة الوفاء على هذا المعنى ، وإلاّ فلا وجه لعدم لزومها مع بقاء العقد على حاله ، كما اختاره صاحب «الجواهر» ، بدعوى أنّها تابعة للعقد لزوماً وجوازاً ، بل مع جوازه هي أولى بالجواز وأنّها معه شبه الوعد ، والمراد من قوله تعالى : {أَوفُوا بِالعُقُودِ} [المائدة: 5 / 1] اللازمة منها ; لظهور الأمر فيها في الوجوب المطلق ، والمراد من قوله (عليه السلام) : «المؤمنون عند شروطهم» بيان صحّة أصل الشرط لا اللزوم والجواز ; إذ لايخفى ما فيه .
[3392] مسألة 3 : إذا دفع إليه مالاً وقال : اشتر به بستاناً مثلا أو قطيعاً من الغنم ، فإن كان المراد الاسترباح بهما بزيادة القيمة صحّ مضاربة ، وإن كان المراد الانتفاع بنمائهما بالاشتراك ففي صحّته مضاربة وجهان ; من أنّ الانتفاع بالنماء ليس من التجارة فلايصحّ، ومن أنّ حصوله يكون بسبب الشراء فيكون بالتجارة ، والأقوى البطلان مع إرادة عنوان المضاربة ; إذ هي ما يكون الاسترباح فيه بالمعاملات وزيادة القيمة لا مثل هذه الفوائد . نعم ، لا بأس بضمّها إلى زيادة القيمة ، وإن لم يكن المراد خصوص عنوان المضاربة فيمكن دعوى(1) صحّته للعمومات .
[3393] مسألة 4 : إذا اشترط المالك على العامل أن يكون الخسارة عليهما كالربح ، أو اشترط ضمانه لرأس المال ففي صحّته وجهان ، أقواهما الأوّل(2) ;
(1) قد عرفت أنّها بعيدة جدّاً.
(2) بل الثاني هو الأقوى، إلاّ إذا كان مرجع اشتراط كون الخسارة عليه أو ثبوت الضمان إلى لزوم تداركه من ماله، فإنّه حينئذ لا مانع من الصحّة، ويجب عليه العمل به على تقدير الخسارة أو التلف، والروايات الدالّة على كون الوضيعة على صاحب المال لا دلالة فيها على بطلان الاشتراط في المقام، فإنّها دالّة على حكم صورة الإطلاق لا الاشتراط.
(الصفحة533)
لأنّه ليس شرطاً منافياً لمقتضى العقد كما قد يتخيّل ، بل إنّما هو مناف لإطلاقه ، إذ مقتضاه كون الخسارة على المالك وعدم ضمان العامل إلاّ مع التعدّي أو التفريط .
[3394] مسألة 5 : إذا اشترط المالك على العامل أن لايسافر مطلقاً، أو إلى البلد الفلاني، أو إلاّ إلى البلد الفلاني ، أو لايشتري الجنس الفلاني ، أو إلاّ الجنس الفلاني ، أو لايبيع من زيد مثلا ، أو إلاّ من زيد ، أو لايشتري من شخص ، أو إلاّ من شخص معيّن ، أو نحو ذلك من الشروط ، فلايجوز له المخالفة ، وإلاّ ضمن المال لو تلف بعضاً أو كلاّ ، وضمن الخسارة مع فرضها ، ومقتضى القاعدة وإن كان كون تمام الربح للمالك على فرض إرادة القيديّة إذا أجاز المعاملة ، وثبوت خيار تخلّف الشرط على فرض كون المراد من الشرط التزام في الالتزام ، وكون تمام الربح له على تقدير الفسخ ، إلاّ أنّ الأقوى اشتراكهما في الربح على ما قرّر ; لجملة من الأخبار الدالّة على ذلك ، ولاداعي إلى حملها على بعض المحامل ، ولا إلى الاقتصار على مواردها ; لاستفادة العموم من بعضها الآخر .
[3395] مسألة 6 : لايجوز للعامل خلط رأس المال مع مال آخر لنفسه أو غيره ، إلاّ مع إذن المالك، عموماً كأن يقول : اعمل به على حسب ما تراه مصلحة إن كان هناك مصلحة ، أو خصوصاً ، فلو خلط بدون الإذن ضمن التلف ، إلاّ أنّ المضاربة باقية والربح بين المالين على النسبة .
[3396] مسألة 7 : مع إطلاق العقد يجوز للعامل التصرّف على حسب ما يراه من حيث البائع والمشتري ونوع الجنس المشترى ، لكن لايجوز له أن يسافر من دون إذن المالك ، إلاّ إذا كان هناك متعارف ينصرف إليه الإطلاق ، وإن خالف فسافر فعلى ما مرّ في المسألة المتقدمّة .
[3397] مسألة 8 : مع إطلاق العقد وعدم الإذن في البيع نسيئة لايجوز له ذلك
(الصفحة534)
إلاّ أن يكون متعارفاً ينصرف(1) إليه الإطلاق . ولو خالف في غير مورد الانصراف، فإن استوفى الثمن قبل اطّلاع(2) المالك فهو ، وإن اطّلع المالك قبل الاستيفاء ، فإن أمضى فهو ، وإلاّ فالبيع باطل وله الرجوع على كلّ من العامل والمشتري مع عدم وجود المال عنده أو عند مشتر آخر منه ، فإن رجع على المشتري بالمثل أو القيمة لايرجع هو على العامل، إلاّ أن يكون مغروراً من قبله وكانت القيمة أزيد من الثمن ، فإنّه حينئذ يرجع بتلك الزيادة عليه ، وإن رجع على العامل يرجع هو على المشتري بما غرم ، إلاّ أن يكون مغروراً منه وكان الثمن أقلّ ، فإنّه حينئذ يرجع بمقدار الثمن .
[3398] مسألة 9 : في صورة إطلاق العقد لايجوز له أن يشتري بأزيد من قيمة المثل ، كما أنّه لايجوز أن يبيع بأقلّ من قيمة المثل وإلاّ بطل(3) . نعم ، إذا اقتضت المصلحة أحد الأمرين لابأس به .
[3399] مسألة 10 : لايجب في صورة الإطلاق أن يبيع بالنقد ، بل يجوز أن يبيع الجنس بجنس آخر ، وقيل بعدم جواز البيع إلاّ بالنقد المتعارف ، ولا وجه له إلاّ إذا كان جنساً لا رغبة للناس(4) فيه غالباً .
[3400] مسألة 11 : لايجوز شراء المعيب إلاّ إذا اقتضت المصلحة ، ولو اتّفق فله الردّ أو الأرش على ما تقتضيه المصلحة .
(1) أي لا ينصرف عنه الإطلاق، كما أنّ المراد بغير مورد الانصراف في صورة المخالفة مورد الانصراف عنه.
(2) لم يظهر وجه للفرق بين هذه المسألة وبين المسألة الخامسة المتقدّمة مع اشتراكهما في مخالفة المالك. غاية الأمر أنّ المخالفة هناك كانت بلحاظ الاشتراط وهنا بلحاظ الانصراف.
(3) قد ظهرت المناقشة فيه ممّا ذكرنا.
(4) بحيث أوجبت الانصراف عنه.
(الصفحة535)
[3401] مسألة 12 : المشهور على ما قيل أنّ في صورة الإطلاق يجب أن يشتري بعين المال ، فلايجوز الشراء في الذمّة ، وبعبارة اُخرى يجب أن يكون الثمن شخصيّاً من مال المالك لا كلّيّاً في الذمّة ، والظاهر أنّه يلحق به الكلّي في المعيّن أيضاً ، وعلّل ذلك بأنّه القدر المتيقّن ، وأيضاً الشراء في الذمّة قد يؤدّي إلى وجوب دفع غيره ، كما إذا تلف رأس المال قبل الوفاء ، ولعلّ المالك غير راض بذلك ، وأيضاً إذا اشترى بكلّي في الذمّة لايصدق على الربح أنّه ربح مال المضاربة ، ولايخفى ما في هذه العلل ، والأقوى ـ كما هو المتعارف ـ جواز(1) الشراء في الذمّة والدفع من رأس المال . ثمّ إنّهم لم يتعرّضوا لبيعه ، ومقتضى ما ذكروه وجوب كون المبيع أيضاً شخصيّاً لا كليّاً ، ثمّ الدفع من الأجناس التي عنده ، والأقوى فيه أيضاً جواز كونه كليّاً ، وإن لم يكن في المتعارف مثل الشراء .
ثمّ إنّ الشراء في الذمّة يتصوّر على وجوه :
أحدها : أن يشتري العامل بقصد المالك وفي ذمّته من حيث المضاربة .
الثاني : أن يقصد كون الثمن في ذمّته من حيث إنّه عامل ووكيل عن المالك ، ويرجع إلى الأوّل ، وحكمها الصحّة وكون الربح مشتركاً بينهما على ما ذكرنا ، وإذا فرض تلف مال المضاربة قبل الوفاء كان في ذمّة المالك (2) يؤدّي من ماله الآخر .
الثالث : أن يقصد ذمّة نفسه وكان قصده الشراء لنفسه ولم يقصد الوفاء حين
(1) إن كان المراد به هو الجواز بحيث يثبت به شيء في ذمّة المالك، ويلزم بالتأدية من غير مال المضاربة في صورة تعذّر أدائه منه فالظاهر عدمه; لعدم الإذن وعدم التعارف. وإن كان المراد به هو الجواز في ذمة المالك متقيّداً بالأداء من مال المضاربة فهو وإن كان أقوى، خصوصاً بعد عدم لزوم كون المال بيد العامل، وعدم اعتبار كونه معيّناً كما مرّ، إلاّ أنّ الظاهر عدم كون المشهور مخالفاً في هذه الصورة.
(2) قد ظهر أنّ المضاربة بمجرّدها لا تقتضي ذلك، فالثبوت في ذمّة المالك يحتاج إلى الإذن أو الإجازة، ومع عدمهما يكون الشراء باطلاً.
(الصفحة536)
الشراء من مال المضاربة ، ثمّ دفع منه ، وعلى هذا الشراء صحيح(1) ويكون غاصباً في دفع مال المضاربة من غير إذن المالك ، إلاّ إذا كان مأذوناً في الاستقراض وقصد القرض .
الرابع : كذلك لكن مع قصد دفع الثمن من مال المضاربة حين الشراء حتّى يكون الربح له، فقصد نفسه حيلة منه ، وعليه يمكن الحكم بصحّة الشراء، وإن كان عاصياً في التصرّف في مال المضاربة من غير إذن المالك وضامناً له ، بل ضامناً للبائع أيضاً، حيث إنّ الوفاء بمال الغير غير صحيح ، ويحتمل القول ببطلان الشراء ; لأنّ رضا البائع مقيّد بدفع الثمن ، والمفروض أنّ الدفع بمال الغير غير صحيح فهو بمنزلة السرقة ، كما ورد في بعض الأخبار : أنّ من استقرض ولم يكن قاصداً للأداء فهو سارق ، ويحتمل صحّة الشراء وكون قصده لنفسه لغواً بعد أن كان بناؤه الدفع من مال المضاربة ، فإنّ البيع وإن كان بقصد نفسه وكلّيّاً في ذمّته إلاّ أنّه ينصبّ على هذا الذي يدفعه ، فكأنّ البيع وقع عليه ، والأوفق بالقواعد الوجه الأوّل وبالاحتياط الثاني ، وأضعف الوجوه الثالث، وإن لم يستبعده(2) الآقا البهبهاني .
الخامس : أن يقصد الشراء في ذمّته من غير التفات إلى نفسه وغيره ، وعليه أيضاً يكون المبيع له ، وإذا دفعه من مال المضاربة يكون عاصياً. ولو اختلف البائع والعامل في أنّ الشراء كان لنفسه أو لغيره ـ وهو المالك المضارب ـ يقدّم قول البائع
(1) أي لنفسه وغير مرتبط بالمضاربة، سواء كان غاصباً في الدفع أو مأذوناً في الاستقراض وقصد القرض.
(2) يمكن أن يقال بصحّة ما اختاره البهبهاني (قدس سره) في خصوص ما إذا لم يكن للعامل مال أصلاً، ولا يرى لدى الناس لذمّته اعتبار، بل تصدّيهم للمعاملة معه إنّما هو لأجل كونه عاملاً بيده أموال يقدر على الاتّجار بها، ففي هذه الصورة قصد إيقاع المعاملة لنفسه لغو بحكم العرف، إلاّ أن يقال: إنّ لازم ما ذكر بطلان المعاملة رأساً لا صحّتها ووقوعها للمالك.
(الصفحة537)
لظاهر الحال(1) ، فيلزم بالثمن من ماله ، وليس له إرجاع البائع إلى المالك المضارب .
[3402] مسألة 13 : يجب على العامل بعد تحقّق عقد المضاربة مايعتاد بالنسبة إليه ، وإلى تلك التجارة في مثل ذلك المكان والزمان من العمل ، وتولّي ما يتولاّه التاجر لنفسه ; من عرض القماش والنشر والطيّ وقبض الثمن وإيداعه في الصندوق ونحو ذلك ممّا هو اللائق والمتعارف ، ويجوز له استئجار من يكون المتعارف استئجاره; مثل الدلاّل والحمّال والوزّان والكيّال وغير ذلك ، ويعطي الاُجرة من الوسط ، ولو استأجر فيما يتعارف مباشرته بنفسه فالاُجرة من ماله ، ولو تولّى بنفسه ما يعتاد الاستئجار له فالظاهر جواز(2) أخذ الاُجرة إن لم يقصد التبرّع ، وربما يقال بعدم الجواز ، وفيه : أنّه مناف لقاعدة احترام عمل المسلم المفروض عدم وجوبه عليه .
[3403] مسألة 14 : قد مرّ أنّه لايجوز للعامل السفر من دون إذن المالك ، ومعه فنفقته في السفر من رأس المال إلاّ إذا اشترط المالك كونها على نفسه ، وعن بعضهم كونها على نفسه مطلقاً ، والظاهر أنّ مراده فيما إذا لم يشترط كونها من الأصل ، وربما يقال: له تفاوت مابين السفر والحضر، والأقوى ماذكرنا من جواز أخذها من أصل المال بتمامها(3) ; من مأكل ومشرب وملبس ومسكن ونحو ذلك ممّا يصدق عليه النفقة، ففي صحيح عليّ بن جعفر، عن أخيه أبي الحسن (عليه السلام) : «في المضارب ما أنفق في سفره فهو من جميع المال ، وإذا قدم بلده فما أنفق فمن نصيبه». هذا ، وأمّا في الحضر فليس له أن يأخذ من رأس المال شيئاً إلاّ إذا اشترط على المالك ذلك .
(1) إطلاقه محلّ نظر بل منع.
(2) مع شمول إذن المالك لتولّي نفسه بقصد الاُجرة.
(3) إلاّ فيما إذا اشترط المالك كونها على نفس العامل، كما صرّح باستثنائه في صدر المسألة.
(الصفحة538)
[3404] مسألة 15 : المراد بالنفقة ما يحتاج إليه من مأكول وملبوس ومركوب وآلات يحتاج إليها في سفره واُجرة المسكن ونحو ذلك ، وأمّا جوائزه وعطاياه وضيافاته ومصانعاته فعلى نفسه إلاّ إذا كانت التجارة موقوفة عليها(1) .
[3405] مسألة 16 : اللازم الاقتصار على القدر اللائق ، فلو أسرف حسب عليه . نعم ، لو قتّر على نفسه أو صار ضيفاً عند شخص لايحسب له .
[3406] مسألة 17 : المراد من السفر العرفي لا الشرعي ، فيشمل السفر فرسخين أو ثلاثة ، كما أنّه إذا أقام في بلد عشرة أيّام أو أزيد كان نفقته من رأس المال ; لأنّه في السفر عرفاً . نعم ، إذا أقام بعد تمام العمل لغرض آخر ـ مثل التفرّج أو لتحصيل مال له أو لغيره ممّا ليس متعلّقاً بالتجارة ـ فنفقته في تلك المدّة على نفسه . وإن كان مقامه لما يتعلّق بالتجارة ولأمر آخر بحيث يكون كلّ منهما علّة مستقلّة لولا الآخر ، فإن كان الأمر الآخر عارضاً في البين فالظاهر(2) جواز أخذ تمام النفقة من مال التجارة ، وإن كانا في عرض واحد ففيه وجوه، ثالثها : التوزيع ، وهو الأحوط(3) في الجملة ، وأحوط منه كون التمام على نفسه ، وإن كانت العلّة مجموعهما بحيث يكون كلّ واحد جزءاً من الداعي فالظاهر التوزيع .
[3407] مسألة 18 : استحقاق النفقة مختصّ بالسفر المأذون فيه ، فلو سافر من غير إذن ، أو في غير الجهة المأذون فيه، أو مع التعدّي عمّا أذن فيه ليس له أن يأخذ من مال التجارة .
[3408] مسألة 19 : لو تعدّد أرباب المال; كأن يكون عاملاً لاثنين أو أزيد ، أو
(1) بالأصل أو بالكمال.
(2) بل الظاهر توزيع النفقة من زمان العروض عليهما.
(3) بل الظاهر كما مرّ.
(الصفحة539)
عاملاً لنفسه وغيره توزّع النفقة(1) ، وهل هو على نسبة المالين أو على نسبة العملين ؟ قولان .
[3409] مسألة 20 : لايشترط في استحقاق النفقة ظهور ربح ، بل ينفق من أصل المال وإن لم يحصل ربح أصلاً . نعم ، لو حصل الربح بعد هذا تحسب من الربح(2)ويعطى المالك تمام رأس ماله ثمّ يقسّم بينهما .
[3410] مسألة 21 : لو مرض في أثناء السفر ، فإن كان لم يمنعه من شغله فله أخذ النفقة، وإن منعه ليس له(3)، وعلى الأوّل لايكون منها مايحتاج إليه للبرء من المرض.
[3411] مسألة 22 : لو حصل الفسخ أو الانفساخ في أثناء السفر فنفقة الرجوع على نفسه ، بخلاف ما إذا بقيت ولم تنفسخ ، فإنّها من مال المضاربة .
[3412] مسألة 23 : قد عرفت الفرق بين المضاربة والقرض والبضاعة ، وأنّ في الأوّل(4) الربح مشترك ، وفي الثاني للعامل ، وفي الثالث للمالك ، فإذا قال : خذ هذا المال مضاربة والربح بتمامه لي ، كان مضاربة فاسدة(5) إلاّ إذا علم أنّه قصد الإبضاع
(1) بشرط كون كلٍّ علّة مستقلّة أو كانت العلّة هي المجموع.
(2) أي من جميع المال من الربح ورأس المال، كما وقع التعبير به في صحيح عليّ بن جعفر المتقدّم.
(3) على الأحوط إلاّ في المرض الذي كان السفر موجباً له، فإنّ له حينئذ أخذ النفقة التي منها ما يحتاج إليه للبرء من المرض.
(4) ظاهر العبارة يعطي أنّ الفرق بين القرض وبينهما في الآثار فقط، مع أنّ الفرق بينهما بحسب الجوهر والماهية واختلاف الآثار ناشئ عن ذلك الفرق، ضرورة أنّ القرض مشتمل على التمليك دونهما. نعم، الفرق بين المضاربة والبضاعة إنّما هو في مجرّد كون الربح مشتركاً أو مختصّاً.
(5) قد ظهر ممّا ذكرنا أنّ اللازم في المثال الحمل على البضاعة; لأنّه مع التصريح بأنّ الربح له لا يبقى مجال لاحتمال المضاربة، فلابدّ من التصرّف في كلمتها.
(الصفحة540)
فيصير بضاعة ، ولايستحقّ (1) العامل اُجرة إلاّ مع الشرط أو القرائن الدالّة على عدم التبرّع ، ومع الشكّ فيه وفي إرادة الاُجرة يستحقّ الاُجرة أيضاً ; لقاعدة احترام عمل المسلم . وإذا قال : خذه قراضاً وتمام الربح لك ، فكذلك مضاربة فاسدة(2) إلاّ إذا علم أنّه أراد القرض . ولو لم يذكر لفظ المضاربة; بأن قال : خذه واتّجر به والربح بتمامه لي ، كان بضاعة إلاّ مع العلم بإرادة المضاربة فتكون فاسدة ، ولو قال : خذه واتّجر به والربح لك بتمامه ، فهو قرض إلاّ مع العلم بإرادة المضاربة ففاسد ، ومع الفساد في الصور المذكورة يكون تمام الربح للمالك وللعامل اُجرة عمله إلاّ مع علمه(3) بالفساد .
[3413] مسألة 24 : لو اختلف العامل والمالك في أنّها مضاربة فاسدة أو قرض ، أو مضاربة فاسدة أو بضاعة ، ولم يكن هناك ظهور لفظيّ ولا قرينة معيّنة ، فمقتضى القاعدة التحالف(4) . وقد يقال بتقديم قول من يدّعي الصحّة وهو مشكل ، إذ مورد
(1) بل يستحقّ الاُجرة إلاّ مع شرط العدم أو كون العامل متبرّعاً، وفي صورة الشكّ يستحقّ أيضاً لقاعدة الاحترام بضميمة أصالة عدم قصد التبرّع على إشكال فيها.
(2) مع اختلاف القراض، والقرض بحسب الماهية كما عرفت لا دليل على الحمل على كونها مضاربة فاسدة، ضرورة أنّه إن كان المقصود تمليك العين فلابدّ من كونه قرضاً، وإلاّ فلابدّ من الحمل على القراض، وتمليك تمام الربح بعد ظهوره فهي مضاربة صحيحة. غاية الأمر أنّه لا يترتّب على ذلك التمليك أثر أصلاً، فالأمر دائر بين القرض والقراض الصحيح، ولا يبعد دعوى أقوائيّة ظهور الذيل الموجب للحمل على القرض.
(3) لا دخل للعلم والجهل في استحقاق الاُجرة وعدمه.
(4) مطلقاً إن كان المدار في تشخيص المدّعي والمنكر هي عبارة الدعوى ومصبّها كما هو الظاهر، وأمّا لو كان المدار هو الغرض المقصود والأثر المنظور فالظاهر اختلاف الموارد، فإن كان المالك مدّعياً للقرض في صورة الخسران، أو التلف لتضمين العامل ونفي استحقاقه الاُجرة، وادّعى العامل المضاربة الفاسدة لنفي الضمان وإثبات الاُجرة، فالظاهر ثبوت التحالف وبعده يحكم بالضمان والاستحقاق، وأمّا إذا انعكست الدعوى; بأن ادّعى المالك القراض الفاسد في صورة حصول الربح ليكون جميعه له، والعامل القرض كذلك فالظاهر أنّ الحلف يتوجّه على المالك لنفي القرض، ولا يترتّب على دعوى المالك أثر أصلاً، هذا في الفرض الأوّل. وأمّا في الفرض الثاني الذي يدور الأمر فيه بين المضاربة والبضاعة، فلا مجال فيه للتحالف على هذا المبنى أصلاً، لاتّفاقهما على ثبوت الربح للمالك واستحقاق العامل للاُجرة، فلا يترتّب على دعواهما أثر.
|