(الصفحة541)
الحمل على الصحّة ما إذا علم أنّهما أوقعا معاملة معيّنة واختلفا في صحّتها وفسادها ، لا مثل المقام الذي يكون الأمر دائراً بين معاملتين على إحداهما صحيح وعلى الاُخرى باطل ، نظير ما إذا اختلفا في أنّهما أوقعا البيع الصحيح أو الإجارة الفاسدة مثلا ، وفي مثل هذا مقتضى القاعدة التحالف، وأصالة الصحّة لا تثبت كونه بيعاً مثلا لا إجارة ، أو بضاعة صحيحة مثلا لا مضاربة فاسدة .
[3414] مسألة 25 : إذا قال المالك للعامل : خذ هذا المال قراضاً والربح بيننا صحّ ، ولكلّ منهما النصف ، وإذا قال : ونصف الربح لك فكذلك ، بل وكذا لو قال : ونصف الربح لي ، فإنّ الظاهر أنّ النصف الآخر للعامل ، ولكن فرّق بعضهم بين العبارتين وحكم بالصحّة في الاُولى; لأنّه صرّح فيها بكون النصف للعامل والنصف الآخر يبقى له على قاعدة التبعيّة ، بخلاف العبارة الثانية ، فإنّ كون النصف للمالك لاينافي كون الآخرله أيضاً على قاعدة التبعيّة ، فلا دلالة فيها على كون النصف الآخر للعامل، وأنت خبير بأنّ المفهوم من العبارة عرفاً كون النصف الآخر للعامل.
[3415] مسألة 26 : لا فرق بين أن يقول : خذ هذا المال قراضاً ولك نصف ربحه ، أو قال(1) : خذه قراضاً ولك ربح نصفه في الصحّة والاشتراك في الربح بالمناصفة ،
(1) فيه تأمّل.
(الصفحة542)
وربما يقال بالبطلان في الثاني، بدعوى أنّ مقتضاه كون ربح النصف الآخر بتمامه للمالك ، وقد يربح النصف فيختصّ به أحدهما ، أو يربح أكثر من النصف فلايكون الحصّة معلومة ، وأيضاً قد لايعامل إلاّ في النصف . وفيه : أنّ المراد ربح نصف ما عومل به وربح ، فلا إشكال .
[3416] مسألة 27 : يجوز اتّحاد المالك وتعدّد العامل مع اتّحاد المال أو تميّز مال كلّ من العاملين ، فلو قال : ضاربتكما ولكما نصف الربح صحّ وكانا فيه سواء ، ولو فضّل أحدهما على الآخر صحّ أيضاً وإن كانا في العمل سواء ، فإنّ غايته اشتراط حصّة قليلة لصاحب العمل الكثير وهذا لا بأس به، ويكون العقد الواحد بمنزلة عقدين مع اثنين ، ويكون كما لو قارض أحدهما في نصف المال بنصف، وقارض الآخر في النصف الآخر بربع الربح ولا مانع منه . وكذا يجوز تعدّد المالك واتّحاد العامل ; بأن كان المال مشتركاً بين اثنين فقارضا واحداً بعقد واحد بالنصف مثلا متساوياً بينهما ، أو بالاختلاف ; بأن يكون في حصّة أحدهما بالنصف ، وفي حصّة الآخربالثلث أو الربع مثلا . وكذا يجوز مع عدم اشتراك المال ; بأن يكون مال كلّ منهما ممتازاً وقارضا واحداً مع الإذن في الخلط ، مع التساوي في حصّة العامل بينهما ، أو الاختلاف ; بأن يكون في مال أحدهما بالنصف ، وفي مال الآخر بالثلث أو الربع .
[3417] مسألة 28 : إذا كان مال مشتركاً بين اثنين فقارضا واحداً واشترطا له نصف الربح وتفاضلا في النصف الآخر ; بأن جعل لأحدهما أزيد من الآخر مع تساويهما في ذلك المال، أو تساويا فيه مع تفاوتهما فيه ، فإن كان من قصدهما كون ذلك للنقص على العامل بالنسبة إلى صاحب الزيادة ; بأن يكون كأنّه اشترط على العامل في العمل بماله أقلّ ممّا شرطه الآخر له ، كأن اشترط هو للعامل ثلث ربح حصّته ، وشرط له صاحب النقيصة ثلثي ربح حصّته مثلا مع تساويهما في المال،
(الصفحة543)
فهو صحيح(1) لجواز اختلاف الشريكين في مقدار الربح المشترط للعامل .
وإن لم يكن النقص راجعاً إلى العامل بل على الشريك الآخر; بأن يكون المجعول للعامل بالنسبة إليهما سواء ، لكن اختلفا في حصّتهما; بأن لايكون على حسب شركتهما ، فقد يقال فيه بالبطلان ; لاستلزامه زيادة لأحدهما على الآخر مع تساوي المالين ، أو تساويهما مع التفاوت في المالين بلا عمل من صاحب الزيادة ; لأنّ المفروض كون العامل غيرهما ولايجوز ذلك في الشركة، والأقوى الصحّة(2) ; لمنع عدم جواز الزيادة لأحد الشريكين بلا مقابلتها لعمل منه ، فإنّ الأقوى جواز ذلك بالشرط، ونمنع كونه خلاف مقتضى الشركة ، بل هو خلاف مقتضى إطلاقها ، مع أنّه يمكن أن يدّعى الفرق(3) بين الشركة والمضاربة وإن كانت متضمّنة للشركة .
[3418] مسألة 29 : تبطل المضاربة بموت كلّ من العامل والمالك ، أمّا الأوّل فلاختصاص الإذن به ، وأمّا الثاني فلانتقال المال بموته إلى وارثه ، فإبقاؤها يحتاج إلى عقد جديد بشرائطه ، فإن كان المال نقداً صحّ ، وإن كان عروضاً فلا (4); لما عرفت من عدم جواز المضاربة على غير النقدين ، وهل يجوز لوارث المالك إجازة العقد بعد موته؟ قد يقال بعدم الجواز ; لعدم علقة له بالمال حال العقد بوجه من الوجوه ، ليكون واقعاً على ماله أو متعلّق حقّه . وهذا بخلاف إجارة البطن السابق
(1) بشرط وجود الدليل عليه، ولا يكفي مجرّد القصد والنية.
(2) إذا وقع الشرط في الشركة العقديّة، وأمّا الاشتراط في ضمن عقد المضاربة مع كون أحد الطرفين هو العامل والآخر هو المالك، من دون أن يكون هناك شركة عقدية بين المالكين ابتداءً، أو كانت ولم يشترط فيها، فلا يكفي أصلاً.
(3) ولكن هذا الفرق يقتضي البطلان هنا لا العكس، كما عرفت.
(4) قد مرّ الكلام فيه في أوائل كتاب المضاربة.
(الصفحة544)
في الوقف أزيد من مدّة حياته، فإنّ البطن اللاحق يجوز له الإجازة ; لأنّ له حقّاً بحسب جعل الواقف . وأمّا في المقام فليس للوارث حقّ حال حياة المورّث أصلا ، وإنّما ينتقل إليه المال حال موته ، وبخلاف إجازة الوارث لما زاد من الثلث في الوصيّة ، وفي المنجّز حال المرض على القول بالثلث فيه ، فإنّ له حقّاً فيما زاد ، فلذا يصحّ إجازته ، ونظير المقام إجارة الشخص ماله مدّة مات في أثنائها على القول بالبطلان بموته ، فإنّه لايجوز للوارث إجازتها ، لكن يمكن أن يقال(1) : يكفي في صحّة الإجازة كون المال في معرض الانتقال إليه ، وإن لم يكن له علقة به حال العقد، فكونه سيصير له كاف ، ومرجع إجازته حينئذ إلى إبقاء ما فعله المورّث لا قبوله ولا تنفيذه ، فإنّ الإجازة أقسام قد تكون قبولاً لما فعله الغير ـ كما في إجازة بيع ماله فضولاً ـ وقد تكون راجعاً إلى إسقاط الحقّ ، كما في إجازة المرتهن لبيع الراهن ، وإجازة الوارث لما زاد عن الثلث ، وقد تكون إبقاءً لما فعله المالك كما في المقام .
[3419] مسألة 30 : لايجوز للعامل أن يوكّل وكيلاً في عمله ، أو يستأجر أجيراً إلاّ بإذن المالك . نعم ، لابأس بالتوكيل أو الاستئجار في بعض المقدّمات على ما هو المتعارف ، وأمّا الإيكال إلى الغير وكالة أو استئجاراً في أصل التجارة فلايجوز من دون إذن(2) المالك ، ومعه لا مانع منه ، كما أنّه لايجوز له أن يضارب غيره إلاّ بإذن المالك .
[3420] مسألة 31 : إذا أذن في مضاربة الغير، فإمّا أن يكون بجعل العامل الثاني عاملاً للمالك ، أو بجعله شريكاً معه في العمل والحصّة ، وإمّا بجعله عاملاً لنفسه ،
(1) ثبوتاً لا إثباتاً، ضرورة عدم الدليل عليه.
(2) أو التعارف.
(الصفحة545)
أمّا الأوّل فلا مانع منه ، وتنفسخ(1) مضاربة نفسه على الأقوى ، واحتمال بقائها مع ذلك لعدم المنافاة كما ترى ، ويكون الربح مشتركاً بين المالك والعامل الثاني ، وليس للأوّل شيء إلاّ إذا كان بعد أن عمل عملاً وحصل ربح فيستحقّ حصّته من ذلك ، وليس له أن يشترط على العامل الثاني شيئاً من الربح بعد أن لم يكن له عمل بعد المضاربة الثانية ، بل لو جعل الحصّة للعامل في المضاربة الثانية أقلّ ممّا اشترط له في الاُولى ـ كأن يكون في الاُولى بالنصف وجعله ثلثاً في الثانية ـ لايستحقّ تلك الزيادة ، بل ترجع إلى المالك ، وربما يحتمل جواز اشتراط شيء من الربح أو كون الزيادة له، بدعوى أنّ هذا المقدار ـ وهو إيقاع عقد المضاربة ثمّ جعلها للغير ـ نوع من العمل يكفي في جواز جعل حصّة من الربح له ، وفيه : أنّه وكالة لا مضاربة ، والثاني أيضاً(2) لا مانع منه ، وتكون الحصّة المجعولة له في المضاربة الاُولى مشتركة بينه وبين العامل الثاني على حسب قرارهما ، وأمّا الثالث فلايصحّ(3) من دون أن يكون له عمل مع العامل الثاني، ومعه يرجع إلى التشريك .
[3421] مسألة 32 : إذا ضارب العامل غيره مع عدم الإذن من المالك ، فإن أجاز المالك ذلك كان الحكم كما في الإذن السابق في الصور المتقدّمة ، فيلحق كلاّ حكمه ، وإن لم يجز بطلت المضاربة الثانية . وحينئذ فإن كان العامل الثاني عمل وحصل الربح فما قرّر للمالك في المضاربة الاُولى فله ، وأمّا ما قرّر للعامل فهل هو أيضاً له ، أو للعامل الأوّل ، أو مشترك بين العاملين ؟ وجوه وأقوال ، أقواها الأوّل ; لأنّ
(1) إذا أحرز أنّ مقصود المالك كون العامل له واحداً منهما فقط، وبدونه لا وجه للانفساخ لعدم المنافاة، كوكالة اثنين في بيع مال شخص واحد.
(2) لكنّه أيضاً يرجع إلى التوكيل في فسخ المضاربة الاُولى، وإنشاء مضاربة جديدة يكون العامل فيها متعدّداً.
(3) أي بعنوان المضاربة.
(الصفحة546)
المفروض بطلان المضاربة الثانية فلايستحقّ العامل الثاني شيئاً ، وأنّ العامل الأوّل لم يعمل حتّى يستحقّ ، فيكون تمام الربح للمالك إذا أجاز تلك المعاملات الواقعة على ماله ، ويستحقّ العامل الثاني اُجرة عمله مع جهله(1) بالبطلان على العامل الأوّل ; لأنّه مغرور من قبله ، وقيل : يستحقّ على المالك ، ولا وجه له مع فرض عدم الإذن منه له في العمل .
هذا إذا ضاربه على أن يكون عاملاً للمالك ، وأمّا إذا ضاربه على أن يكون عاملاً له، وقصد العامل في عمله العامل الأوّل، فيمكن أن يقال : إنّ الربح للعامل الأوّل ، بل هو مختار المحقّق في «الشرائع» ، وذلك بدعوى أنّ المضاربة الاُولى باقية بعد فرض بطلان الثانية ، والمفروض أنّ العامل قصد العمل للعامل الأوّل، فيكون كأنّه هو العامل فيستحقّ الربح ، وعليه اُجرة عمل العامل إذا كان جاهلاً بالبطلان ، وبطلان المعاملة لايضرّ بالإذن الحاصل منه للعمل له ، لكن هذا إنّما يتمّ إذا لم يكن المباشرة معتبرة في المضاربة الاُولى ، وأمّا مع اعتبارها فلايتمّ، ويتعيّن(2) كون تمام الربح للمالك إذا أجاز المعاملات وإن لم تجز المضاربة الثانية .
[3422] مسألة 33 : إذا شرط أحدهما على الآخر في ضمن عقد المضاربة مالاً أو عملاً ـ كأن اشترط المالك على العامل أن يخيط له ثوباً ، أويعطيه درهماً ، أونحو ذلك أو بالعكس ـ فالظاهر صحّته ، وكذا إذا اشترط أحدهما على الآخر بيعاً أو قرضاً أو قراضاً أو بضاعة أو نحو ذلك ، ودعوى أنّ القدر المتيقّن ما إذا لم يكن من
(1) قد مرّ الكلام على التفصيل بين صورتي العلم والجهل.
(2) من دون فرق بين أن تكون المباشرة معتبرة بنحو التقييد أو مأخوذة بنحو الاشتراط. أمّا في الأوّل فواضع، وأمّا في الثاني، فلأنّ مقتضى القاعدة في مورد التخلّف على تقدير الفسخ كون الربح للمالك، والأخبار التي اُشير إليها في المسألة الخامسة الدالّة على الاشتراك في مورد تخلّف الشرط لا يعلم شمولها للمقام.
(الصفحة547)
المالك إلاّ رأس المال ، ومن العامل إلاّ التجارة ، مدفوعة بأنّ ذلك من حيث متعلّق العقد ، فلاينافي اشتراط مال أو عمل خارجي في ضمنه ، ويكفي في صحّته عموم أدلّة الشروط .
وعن الشيخ الطوسي فيما إذا اشترط المالك على العامل بضاعة بطلان الشرط دون العقد في أحد قوليه ، وبطلانهما في قوله الآخر ، قال : لأنّ العامل في القراض لايعمل عملاً بغير جعل ولا قسط من الربح ، وإذا بطل الشرط بطل القراض ; لأنّ قسط العامل يكون مجهولاً ، ثمّ قال : وإن قلنا : إنّ القراض صحيح والشرط جائز لكنّه لايلزم الوفاء به ; لأنّ البضاعة لايلزم القيام بها ، كان قويّاً . وحاصل كلامه في وجه بطلانهما أنّ الشرط المفروض مناف لمقتضى العقد فيكون باطلاً ، وببطلانه يبطل العقد ; لاستلزامه جهالة حصّة العامل من حيث إنّ للشرط قسطاً من الربح ، وببطلانه يسقط ذلك القسط ، وهو غير معلوم المقدار .
وفيه: منع كونه منافياً لمقتضى العقد، فإنّ مقتضاه ليس أزيد من أن يكون عمله في مال القراض بجزء من الربح ، والعمل الخارجي ليس عملاً في مال القراض . هذا، مع أنّ ما ذكره من لزوم جهالة حصّة العامل بعد بطلان الشرط ممنوع ; إذ ليس الشرط مقابلاً بالعوض في شيء من الموارد ، وإنّما يوجب زيادة العوض، فلاينقص من بطلانه شيء من الحصّة حتّى تصير مجهولة. وأمّا ما ذكره في قوله : وإن قلنا . . . الخ . فلعلّ غرضه أنّه إذا لم يكن الوفاء بالشرط لازماً يكون وجوده كعدمه فكأنّه لم يشترط ، فلايلزم الجهالة في الحصّة . وفيه : أنّه على فرض إيجابه للجهالة لايتفاوت الحال بين لزوم العمل به وعدمه ; حيث إنّه على التقديرين زيد بعض العوض لأجله .
هذا، وقد يقرّر في وجه بطلان الشرط المذكور أنّ هذا الشرط لا أثر له أصلاً ; لأنّه ليس بلازم الوفاء حيث إنّه في العقد الجائز، ولايلزم من تخلّفه أثر التسلّط على
(الصفحة548)
الفسخ ، حيث إنّه يجوز فسخه ولو مع عدم التخلّف ، وفيه:
أوّلاً : ما عرفت سابقاً من لزوم العمل بالشرط في ضمن العقود الجائزة ما دامت باقية ولم تفسخ ، وإن كان له أن يفسخ حتّى يسقط وجوب العمل به .
وثانياً : لانسلّم أنّ تخلّفه لايؤثّر في التسلّط على الفسخ ، إذ الفسخ الذي يأتي من قبل كون العقد جائزاً إنّما يكون بالنسبة إلى الاستمرار ، بخلاف الفسخ الآتي من تخلّف الشرط(1)، فإنّه يوجب فسخ المعاملة من الأصل . فإذا فرضنا أنّ الفسخ بعد حصول الربح، فإن كان من القسم الأوّل اقتضى حصوله من حينه . فالعامل يستحقّ ذلك الربح بمقدار حصّته ، وإن كان من القسم الثاني يكون تمام الربح للمالك ، ويستحقّ العامل اُجرة المثل لعمله ، وهي قد تكون أزيد من الربح ، وقد تكون أقلّ، فيتفاوت الحال بالفسخ وعدمه إذا كان لأجل تخلّف الشرط .
[3423] مسألة 34 : يملك العامل حصّته من الربح بمجرّد ظهوره من غير توقّف على الإنضاض أو القسمة ، لا نقلاً ولا كشفاً على المشهور ، بل الظاهر الإجماع عليه ; لأنّه مقتضى اشتراط كون الربح بينهما، ولأنّه مملوك وليس للمالك ، فيكون للعامل ، وللصحيح : رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة فاشترى أباه وهو لايعلم ، قال : «يقوّم، فإن زاد درهماً واحداً انعتق واستسعى في مال الرجل» إذ لو لم يكن مالكاً لحصّته لم ينعتق أبوه . نعم، عن الفخر، عن والده أنّ في المسألة أربعة أقوال ، ولكن لم يذكر القائل ولعلّها من العامّة .
أحدها : ما ذكرنا .
(1) ولعلّ وجه الفرق أنّ تخلّف الشرط يرجع إلى عدم تحقّق المقصود الذي وقع العقد عليه، فالفسخ الآتي من قبله يوجب انحلاله من رأس، وأمّا الفسخ الآتي من ناحية جواز العقد فهو يؤثّر من زمان وقوعه; لعدم رجوعه إلى خلل في العقد من جهة عدم تحقّق المقصود.
(الصفحة549)
الثاني : أنّه يملك بالإنضاض ; لأنّه قبله ليس موجوداً خارجيّاً ، بل هو مقدّر موهوم .
الثالث : أنّه يملك بالقسمة ; لأنّه لو ملك قبله لاختصّ بربحه ، ولم يكن وقاية لرأس المال .
الرابع : أنّ القسمة كاشفة عن الملك سابقاً; لأنّها توجب استقراره .
والأقوى ما ذكرنا لما ذكرنا ، ودعوى أنّه ليس موجوداً كما ترى ، وكون القيمة أمراً وهميّاً ممنوع ، مع أنّا نقول :إنّه يصير شريكاً في العين الموجودة بالنسبة ، ولذا يصحّ له مطالبة القسمة ، مع أنّ المملوك لايلزم أن يكون موجوداً خارجيّاً ، فإنّ الدين مملوك ، مع أنّه ليس في الخارج .
ومن الغريب إصرار صاحب «الجواهر» على الإشكال في ملكيّته، بدعوى أنّه حقيقة ما زاد على عين الأصل ، وقيمة الشيء أمر وهميّ لا وجود له لا ذمّة ولا خارجاً ، فلايصدق عليه الربح . نعم ، لابأس أن يقال : إنّه بالظهور ملك أن يملك ، بمعنى أنّ له الإنضاض فيملك ، وأغرب منه أنّه قال : «بل لعلّ الوجه في خبر عتق الأب ذلك أيضاً ، بناءً على الاكتفاء بمثل ذلك في العتق المبنيّ على السراية» .
إذ لايخفى ما فيه ، مع أنّ لازم ما ذكره كون العين بتمامها ملكاً للمالك حتّى مقدار الربح، مع أنّه ادّعى الاتّفاق على عدم كون مقدار حصّة العامل من الربح للمالك ، فلاينبغي التأمّل في أنّ الأقوى ما هو المشهور(1) . نعم ، إن حصل خسران أو تلف
(1) إن كان مراد المشهور من ملكية العامل حصّته من الربح بمجرّد ظهوره صيرورته شريكاً في العين الموجودة بالنسبة، كما أيّده الماتن (قدس سره) بصحّة مطالبة القسمة. وإن كان في التأييد نظر، فهو وإن كان أمراً متصوّراً معقولاً، إلاّ أنّه لا دليل على تحقّق الشركة في نفس العين في باب المضاربة. وإن كان مرادهم حصول الملكية للعامل بمجرّد ظهور الربح لابمعنى الشركة في العين، بل بمعنى الشركة في الربح، فيرد عليهم ما أورده صاحب الجواهر (قدس سره)، والنقض عليه بمثل الدين المملوك واضح الفساد، والآثار التي يرتّبها الماتن على مختاره إنّما يترتّب على فرض الشركة في العين الموجودة، وإن كان ترتّب بعضها كالإرث لا يختصّ بهذا المبنى; لعدم اختصاص الموروث بالمال.
(الصفحة550)
بعد ظهور الربح خرج عن ملكيّة العامل ، لا أن يكون كاشفاً عن عدم ملكيّته من الأوّل ، وعلى ما ذكرنا يترتّب عليه جميع آثار الملكيّة من جواز المطالبة بالقسمة، وإن كانت موقوفة على رضا المالك، ومن صحّة تصرّفاته فيه من البيع والصلح ونحوهما ، ومن الإرث وتعلّق الخمس والزكاة وحصول الاستطاعة للحجّ وتعلّق حقّ الغرماء به ، ووجوب صرفه في الدين مع المطالبة إلى غير ذلك .
[3424] مسألة 35 : الربح وقاية لرأس المال ، فملكيّة العامل له بالظهور متزلزلة ، فلو عرض بعد ذلك خسران أو تلف يجبر به إلى أن تستقرّ ملكيّته ، والاستقرار يحصل بعد الإنضاض والفسخ والقسمة ، فبعدها إذا تلف شيء لايحسب من الربح ، بل تلف كلّ على صاحبه ، ولايكفي في الاستقرار قسمة الربح فقط مع عدم الفسخ ، بل ولا قسمة(1) الكلّ كذلك ولا بالفسخ(2) مع عدم القسمة ، فلو حصل خسران أو تلف أو ربح كان كما سبق ، فيكون الربح مشتركاً والتلف والخسران عليهما ويتمّم رأس المال بالربح . نعم ، لو حصل الفسخ ولم يحصل الإنضاض ولو بالنسبة إلى البعض وحصلت القسمة فهل تستقرّ الملكيّة أم لا ؟ إن قلنا بوجوب(3) الإنضاض على العامل فالظاهر عدم الاستقرار ، وإن قلنا بعدم وجوبه ففيه وجهان ، أقواهما الاستقرار . والحاصل أنّ اللازم أوّلاً دفع مقدار رأس المال للمالك ثمّ يقسّم مازاد عنه بينهما على حسب حصّتهما، فكلّ خسارة وتلف قبل تمام المضاربة يجبر بالربح ،
(1) إلاّ إذا كانت فيها دلالة عرفية على الفسخ، فإنّها حينئذ فسخ فعليّ.
(2) الظاهر حصول الاستقرار بالفسخ فقط كما هو مقتضى القواعد.
(3) وجوب الإنضاض على تقديره لا ينافي الاستقرار.
(الصفحة551)
وتماميّتها بما ذكرنا (1) من الفسخ والقسمة .
[3425] مسألة 36 : إذا ظهر الربح ونضّ تمامه أو بعض منه فطلب أحدهما قسمته ، فإن رضي الآخر فلا مانع منها ، وإن لم يرض المالك لم يجبر(2) عليها ; لاحتمال الخسران بعد ذلك والحاجة إلى جبره به ، قيل : وإن لم يرض العامل فكذلك أيضاً ; لأنّه لو حصل الخسران وجب عليه ردّ ما أخذه ، ولعلّه لايقدر بعد ذلك عليه لفواته في يده وهو ضرر عليه. وفيه : أنّ هذا لايعدّ ضرراً ، فالأقوى أنّه يجبر إذا طلب المالك . وكيف كان، إذا اقتسماه ثمّ حصل الخسران ، فإن حصل بعده ربح يجبره فهو ، وإلاّ ردّ العامل أقلّ الأمرين من مقدار الخسران وما أخذ من الربح ; لأنّ الأقلّ إن كان هو الخسران فليس عليه إلاّ جبره والزائد له ، وإن كان هو الربح فليس عليه إلاّ مقدار ما أخذ .
ويظهر من الشهيد أنّ قسمة الربح موجبة لاستقراره وعدم جبره للخسارة الحاصلة بعدها ، لكن قسمة مقداره ليست قسمة له من حيث إنّه مشاع في جميع المال ، فأخذ مقدار منه ليس أخذاً له فقط ; حيث قال ـ على ما نقل عنه ـ : إنّ المردود أقلّ الأمرين ممّا أخذه العامل من رأس المال لا من الربح ، فلو كان رأس المال مائة والربح عشرين فاقتسما العشرين ، فالعشرون التي هي الربح مشاعة في الجميع ; نسبتها إلى رأس المال نسبة السدس ، فالمأخوذ سدس الجميع، فيكون خمسة أسداسها من رأس المال وسدسها من الربح ، فإذا اقتسماها استقرّ ملك العامل على نصيبه من الربح ; وهو نصف سدس العشرين ، وذلك درهم وثلثان يبقى معه ثمانية وثلث من رأس المال ، فإذا خسر المال الباقي ردّ أقلّ الأمرين ممّا
(1) بل كما عرفت بالفسخ أو القسمة إذا كانت فيها دلالة عرفية على الفسخ.
(2) فيه إشكال والتعليل عليل، وكذا الحكم بإجبار العامل معلّلاً بما أفاده (قدس سره).
(الصفحة552)
خسر ومن ثمانية وثلث ، وفيه ـ مضافاً إلى أنّه خلاف ما هو المعلوم من وجوب جبر الخسران الحاصل بعد ذلك بالربح السابق إن لم يلحقه ربح ، وأنّ عليه غرامة ما أخذه منه ـ أنظار اُخر :
منها : أنّ المأخوذ إذا كان من رأس المال فوجوب ردّه لايتوقّف على حصول الخسران بعد ذلك .
ومنها : أنّه ليس مأذوناً في أخذ رأس المال، فلا وجه للقسمة المفروضة .
ومنها : أنّ المفروض أنّهما اقتسما المقدار من الربح بعنوان أنّه ربح ، لابعنوان كونه منه ومن رأس المال . ودعوى أنّه لايتعيّن لكونه من الربح بمجرّد قصدهما مع فرض إشاعته في تمام المال ، مدفوعة بأنّ المال بعد حصول الربح يصير مشتركاً بين المالك والعامل ، فمقدار رأس المال مع حصّة من الربح للمالك ، ومقدار حصّة الربح المشروط للعامل له ، فلا وجه لعدم التعيّن بعد تعيينهما مقدار مالهما في هذا المال ، فقسمة الربح في الحقيقة قسمة لجميع المال ولا مانع منها .
[3426] مسألة 37 : إذا باع العامل حصّته من الربح بعد ظهوره صحّ(1) مع تحقّق الشرائط من معلوميّة المقدار وغيره ، وإذا حصل خسران بعد هذا لايبطل البيع بل يكون بمنزلة التلف ، فيجب عليه جبره بدفع أقلّ الأمرين من مقدار قيمة ما باعه ومقدار الخسران .
[3427] مسألة 38 : لا إشكال في أنّ الخسارة الواردة على مال المضاربة تجبر بالربح ، سواء كان سابقاً عليها أو لاحقاً ما دامت المضاربة باقية ولم يتمّ عملها(2) . نعم ، قد عرفت ما عن الشهيد من عدم جبران الخسارة اللاحقة بالربح السابق إذا
(1) في الحكم بالصحّة تأمّل وإشكال كما عرفت، وعلى تقديره لا يبعد كشف الخسران عن البطلان.
(2) ولم تفسخ.
(الصفحة553)
اقتسماه ، وأنّ مقدار الربح من المقسوم تستقرّ ملكيّته . وأمّا التلف فإمّا أن يكون بعد الدوران في التجارة ، أو بعد الشروع فيها ، أو قبله ، ثمّ إمّا أن يكون التالف البعض أو الكلّ ، وأيضاً إمّا أن يكون بآفة من الله سماويّة أو أرضيّة ، أو بإتلاف المالك أو العامل أو الأجنبي على وجه الضمان ، فإن كان بعد الدوران في التجارة فالظاهر جبره بالربح ولو كان لاحقاً مطلقاً ، سواء كان التالف البعض أو الكلّ ، كان التلف بآفة أو بإتلاف ضامن من العامل أو الأجنبي .
ودعوى أنّ مع الضمان كأنّه لم يتلف ; لأنّه في ذمّة الضامن ، كما ترى . نعم ، لو أخذ العوض يكون من جملة المال ، بل الأقوى ذلك إذا كان بعد الشروع في التجارة وإن كان التالف الكلّ ، كما إذا اشترى في الذمّة وتلف المال قبل دفعه إلى البائع فأدّاه المالك(1) ، أو باع العامل المبيع وربح فأدّى ، كما أنّ الأقوى في تلف البعض الجبر وإن كان قبل الشروع أيضاً ، كما إذا سرق في أثناء السفر قبل أن يشرع في التجارة ، أو في البلد أيضاً قبل أن يسافر . وأمّا تلف الكلّ قبل الشروع في التجارة فالظاهر أنّه موجب لانفساخ العقد ; إذ لايبقى معه مال التجارة حتّى يجبر أو لايجبر . نعم ، إذا أتلفه أجنبي وأدّى عوضه تكون المضاربة باقية ، وكذا إذا أتلفه العامل .
[3428] مسألة 39 : العامل أمين فلايضمن إلاّ بالخيانة ، كما لو أكل بعض مال المضاربة أو اشترى شيئاً لنفسه فأدّى الثمن من ذلك، أو وطئ الجارية المشتراة أو نحو ذلك ، أو التفريط بترك الحفظ ، أو التعدّي بأن خالف ما أمره به أو نهاه عنه ، كما لو سافر مع نهيه عنه أو عدم إذنه في السفر ، أو اشترى ما نهى عن شرائه ، أو ترك شراء ما أمره به ، فإنّه يصير بذلك ضامناً للمال لو تلف ولو بآفة سماويّة، وإن بقيت
(1) تحقّق الجبران في هذه الصورة محلّ إشكال.
(الصفحة554)
المضاربة كما مرّ ، والظاهر ضمانه للخسارة الحاصلة بعد ذلك أيضاً . وإذا رجع عن تعدّيه أو خيانته فهل يبقى الضمان أو لا ؟ وجهان(1) مقتضى الاستصحاب بقاؤه، كما ذكروا في باب الوديعة أنّه لو أخرجها الودعي عن الحرز بقي الضمان وإن ردّها بعد ذلك إليه ، ولكن لايخلو عن إشكال ; لأنّ المفروض بقاء الإذن وارتفاع سبب الضمان ، ولو اقتضت المصلحة بيع الجنس في زمان ولم يبع ضمن الوضيعة إن حصلت بعد ذلك ، وهل يضمن بنيّة الخيانة مع عدم فعلها ؟ وجهان(2) ; من عدم كون مجرّد النيّة خيانة ، ومن صيرورة يده حال النيّة بمنزلة يد الغاصب ، ويمكن الفرق بين العزم عليها فعلاً وبين العزم على أن يخون بعد ذلك .
[3429] مسألة 40 : لايجوز للمالك أن يشتري من العامل شيئاً من مال المضاربة ; لأنّه ماله . نعم ، إذا ظهر الربح يجوز(3) له أن يشتري حصّة العامل منه مع معلوميّة قدرها ، ولايبطل بيعه بحصول الخسارة بعد ذلك فإنّه بمنزلة التلف ، ويجب على العامل ردّ قيمتها لجبر الخسارة ، كما لو باعها من غير المالك ، وأمّا العامل فيجوز أن يشتري من المالك قبل ظهور الربح بل وبعده ، لكن يبطل الشراء بمقدار حصّته من المبيع ; لأنّه ماله . نعم ، لو اشترى منه قبل ظهور الربح بأزيد من قيمته بحيث يكون الربح حاصلاً بهذا الشراء يمكن الإشكال فيه ، حيث إنّ بعض الثمن حينئذ يرجع إليه من جهة كونه ربحاً(4) ، فيلزم من نقله إلى البائع عدم نقله من حيث عوده
(1) والأقرب البقاء.
(2) والأقرب العدم مطلقاً، والفرق بين الموردين غير تامّ.
(3) بناءً على صحّة بيع العامل حصّته، وعلى تقديرها فقد عرفت انكشاف البطلان بحصول الخسران.
(4) أي بالإضافة إلى مال المضاربة، وإن كان خسراناً بالإضافة إلى نفس المعاملة; لأنّ المفروض أنّه اشتراه بأزيد من قيمته الواقعية، لكن المناط هو الأوّل.
(الصفحة555)
إلى نفسه ، ويمكن دفعه(1) بأنّ كونه ربحاً متأخّر عن صيرورته للبائع ، فيصير أوّلاً للبائع الذي هو المالك من جهة كونه ثمناً ، وبعد أن تمّت المعاملة وصار ملكاً للبائع وصدق كونه ربحاً يرجع إلى المشتري الذي هو العامل على حسب قرار المضاربة ، فملكيّة البائع متقدّمة طبعاً .
وهذا مثل ما إذا باع العامل مال المضاربة الذي هو مال المالك من أجنبي بأزيد من قيمته ، فإنّ المبيع ينتقل من المالك والثمن يكون مشتركاً بينه وبين العامل ، ولا بأس به فإنّه من الأوّل يصير ملكاً للمالك ، ثمّ يصير بمقدار حصّة العامل منه له بمقتضى قرار المضاربة ، لكن هذا على ما هو المشهور من أنّ مقتضى المعاوضة دخول المعوّض في ملك من خرج عنه العوض، وأنّه لايعقل غيره ، وأمّا على ما هو الأقوى من عدم المانع من كون المعوّض لشخص ، والعوض داخلاً في ملك غيره ، وأنّه لاينافي حقيقة المعاوضة ، فيمكن أن يقال : من الأوّل يدخل الربح في ملك العامل بمقتضى قرار المضاربة، فلايكون هذه الصورة مثالاً للمقام ونظيراً له .
[3430] مسألة 41 : يجوز للعامل الأخذ بالشفعة من المالك في مال المضاربة ولايجوز العكس ، مثلا إذا كانت دار مشتركة بين العامل والأجنبي فاشترى العامل حصّة الأجنبي بمال المضاربة يجوز له إذا كان قبل ظهور الربح أن يأخذها بالشفعة ; لأنّ الشراء قبل حصول الربح يكون للمالك ، فللعامل أن يأخذ تلك الحصّة بالشفعة منه ، وأمّا إذا كانت الدار مشتركة بين المالك والأجنبي، فاشترى العامل حصّة الأجنبي ليس للمالك الأخذ بالشفعة لأنّ الشراء له، فليس له أن يأخذ
(1) لكنّه (قدس سره) صرّح في المسألة 44 الآتية بأقوائية القول بأنّ العامل يملك الربح أوّلاً بلا توسّط ملكية المالك بالجعل الأوّلي حين العقد وعدم منافاته لحقيقة المعاوضة، ولعلّ الاعتبار في باب المضاربة يساعد على هذا المبنى، وعليه فلا يبقى موقع للإشكال والجواب أصلاً. نعم، يبقى الإشكال من بعض الوجوه الاُخر.
(الصفحة556)
بالشفعة ما هو له .
[3431] مسألة 42 : لا إشكال في عدم جواز وطء العامل للجارية التي اشتراها بمال المضاربة بدون إذن المالك ، سواء كان قبل ظهور الربح أو بعده ; لأنّها مال الغير أو مشتركة بينه وبين الغير الذي هو المالك ، فإن فعل كان زانياً يحدّ مع عدم الشبهة كاملاً إن كان قبل حصول الربح ، وبقدر نصيب المالك إن كان بعده ، كما لا إشكال في جواز وطئها إذا أذن(1) له المالك بعد الشراء وكان قبل حصول الربح ، بل يجوز بعده(2) على الأقوى من جواز تحليل أحد الشريكين صاحبه وطء الجارية المشتركة بينهما ، وهل يجوز له وطؤها بالإذن السابق في حال إيقاع عقد المضاربة أو بعده قبل الشراء أم لا ؟ المشهور على عدم الجواز ; لأنّ التحليل إمّا تمليك أو عقد ، وكلاهما لايصلحان قبل الشراء ، والأقوى كما عن الشيخ في «النهاية» الجواز(3) ; لمنع كونه أحد الأمرين بل هو إباحة ، ولا مانع من إنشائها قبل الشراء إذا لم يرجع عن إذنه بعد ذلك ، كما إذا قال : اشتر بمالي طعاماً ثمّ كل منه .
هذا مضافاً إلى خبر الكاهلي، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: قلت : رجل سألني أن أسألك أنّ رجلاً أعطاه مالاً مضاربة يشتري له ما يرى من شيء، فقال:اشتر جارية تكون معك ، والجارية إنّما هي لصاحب المال إن كان فيها وضيعة فعليه ، وإن كان فيها ربح فله ، للمضارب أن يطأها؟ قال (عليه السلام) : «نعم» ، ولايضرّ ظهورها في كون الشراء من غير مال المضاربة من حيث جعل ربحها للمالك ; لأنّ الظاهر عدم الفرق بين المضاربة وغيرها في تأثير الإذن السابق وعدمه، وأمّا وطءالمالك لتلك الجارية فلابأس به قبل حصول الربح ، بل مع الشك فيه ; لأصالة عدمه . وأمّا بعده فيتوقّف
(1) إذناً مسوّغاً، بأن كان بنحو التحليل بشرائطه.
(2) محلّ تأمّل.
(3) محلّ إشكال.
(الصفحة557)
على إذن العامل(1)، فيجوز معه على الأقوى من جواز إذن أحد الشريكين صاحبه.
[3432] مسألة 43 : لو كان المالك في المضاربة امرأة فاشترى العامل زوجها ، فإن كان بإذنها(2) فلا إشكال في صحّته وبطلان نكاحها ، ولا ضمان عليه وإن استلزم ذلك الضرر عليها بسقوط مهرها ونفقتها ، وإلاّ ففي المسألة أقوال : البطلان مطلقاً ; للاستلزام المذكور ، فيكون خلاف مصلحتها ، والصحّة كذلك ; لأنّه من أعمال المضاربة المأذون فيها في ضمن العقد ، كما إذا اشترى غير زوجها ، والصحّة إذا أجازت بعد ذلك ، وهذا هو الأقوى ; إذ لا فرق بين الإذن السابق والإجازة اللاحقة ، فلا وجه للقول الأوّل ، مع أنّ قائله غير معلوم ، ولعلّه من يقول بعدم صحّة الفضولي إلاّ فيما ورد دليل خاصّ ، مع أنّ الاستلزام المذكور ممنوع ; لأنّها لايستحقّ النفقة إلاّ تدريجاً ، فليست هي مالاً لها فوّته عليها وإلاّ لزم غرامتها على من قتل الزوج .
وأمّا المهر، فإن كان ذلك بعد الدخول فلا سقوط ، وإن كان قبله فيمكن أن يدّعى عدم سقوطه أيضاً بمطلق المبطل ، وإنّما يسقط(3) بالطلاق فقط ، مع أنّ المهر كان(4) لسيّدها لا لها ، وكذا لا وجه للقول الثاني بعد أن كان الشراء المذكور على خلاف مصلحتها ، لا من حيث الاستلزام الضرر المذكور ، بل لأنّها تريد زوجها لأغراض اُخر ، والإذن الذي تضمّنه العقد منصرف(5) عن مثل هذا ، وممّا ذكرنا
(1) بالنحو الذي تقدّم، وقد عرفت أنّ الجواز محلّ تأمّل.
(2) أي بالإذن الخاصّ.
(3) أي نصفه، ومع ذلك فالتخصيص بالطلاق محلّ إشكال.
(4) هذا خلاف ما هو المفروض من حرّية الزوجة ومملوكيّة زوجها فقط.
(5) ولولا الانصراف لأمكن المناقشة فيما ذكر بأنّ المصلحة والضرر في باب المضاربة لابدّ وأن يلحظا بالإضافة إلى نفس التجارة والمعاملة لا بالإضافة إلى الاُمور الخارجة عنها.
(الصفحة558)
ظهر حال ما إذا اشترى العامل زوجة المالك ، فإنّه صحيح مع الإذن السابق أو الإجازة اللاحقة ، ولايكفيه الإذن الضمني في العقد للانصراف .
[3433] مسألة 44 : إذا اشترى العامل من ينعتق على المالك ، فإمّا أن يكون بإذنه أو لا ، فعلى الأوّل ولم يكن فيه ربح صحّ وانعتق عليه وبطلت المضاربة بالنسبة إليه ; لأنّه خلاف وضعها وخارج عن عنوانها ; حيث إنّها مبنيّة على طلب الربح المفروض عدمه ، بل كونه خسارة محضة ، فيكون صحّة الشراء من حيث الإذن من المالك لا من حيث المضاربة(1) . وحينئذ فإن بقي من مالها غيره بقيت بالنسبة إليه ، وإلاّ بطلت من الأصل ، وللعامل اُجرة عمله إذا لم يقصد التبرّع . وإن كان فيه ربح فلا إشكال في صحّته ، لكن في كونه قراضاً فيملك العامل بمقدار حصّته من العبد ، أو يستحقّ عوضه على المالك للسراية ، أو بطلانه مضاربة واستحقاق العامل اُجرة المثل لعمله ، كما إذا لم يكن ربح أقوال ، لايبعد ترجيح الأخير ، لا لكونه خلاف وضع المضاربة ; للفرق بينه وبين صورة عدم الربح ، بل لأنّه فرع ملكيّة المالك المفروض عدمها .
ودعوى أنّه لابدّ أن يقال : إنّه يملكه آناً مّا ثمّ ينعتق، أو تقدّر ملكيّته حفظاً لحقيقة البيع على القولين في تلك المسألة ، وأيّ منهما كان يكفي في ملكيّة الربح ، مدفوعة بمعارضتها بالانعتاق الذي هو أيضاً متفرّع على ملكيّة المالك ، فإنّ لها أثرين في عرض واحد : ملكيّة العامل للربح والانعتاق ، ومقتضى بناء العتق على التغليب تقديم الثاني ، وعليه فلم يحصل للعامل ملكيّة نفس العبد ، ولم يفوّت المالك عليه أيضاً شيئاً ، بل فعل ما يمنع عن ملكيّته ، مع أنّه يمكن أن يقال : إنّ التفويت من الشارع لا منه ، لكن الإنصاف أنّ المسألة مشكلة بناءً على لزوم تقدّم ملكيّة المالك
(1) إلاّ إذا كان الشراء بتخيّل وجود الربح ثمّ انكشف الخلاف، وفي هذه الصورة لا يستحقّ اُجرة العمل أصلاً.
(الصفحة559)
وصيرورته للعامل بعده ; إذ تقدّم الانعتاق على ملكيّة العامل عند المعارضة في محلّ المنع .
نعم ، لو قلنا : إنّ العامل يملك الربح أوّلاً بلا توسّط ملكيّة المالك بالجعل الأوّلي حين العقد ، وعدم منافاته لحقيقة المعاوضة ; لكون العوض من مال المالك والمعوّض مشتركاً بينه وبين العامل كما هو الأقوى ، لايبقى إشكال ، فيمكن أن يقال بصحّته مضاربة ، وملكيّة العامل حصّته من نفس العبد على القول بعدم السراية ، وملكيّته عوضها إن قلنا بها .
وعلى الثاني ـ أي إذا كان من غير إذن المالك ـ فإن أجاز فكما في صورة الإذن ، وإن لم يجز بطل الشراء. ودعوى البطلان ولو مع الإجازة ; لأنّه تصرّف منهيّ عنه كماترى ; إذ النهي ليس عن المعاملة بما هي بل لأمر خارج، فلا مانع من صحّتها مع الإجازة ، ولا فرق في البطلان مع عدمها بين كون العامل عالماً بأنّه ممّن ينعتق على المالك حين الشراء أو جاهلاً ، والقول بالصحّة مع الجهل ; لأنّ بناء معاملات العامل على الظاهر فهو كما إذا اشترى المعيب جهلاً بالحال ضعيف ، والفرق بين المقامين واضح ، ثمّ لا فرق في البطلان بين كون الشراء بعين مال المضاربة، أو في الذمّة بقصد الأداء منه وإن لم يذكره لفظاً .
نعم ، لو تنازع هو والبائع في كونه لنفسه أو للمضاربة قدّم قول البائع ، ويلزم العامل به ظاهراً، وإن وجب عليه التخلّص منه ، ولو لم يذكر المالك لفظاً ولا قصداً كان له ظاهراً وواقعاً .
[3434] مسألة 45 : إذا اشترى العامل أباه أو غيره ممّن ينعتق عليه، فإن كان قبل ظهور الربح ولا ربح فيه أيضاً صحّ الشراء وكان من مال القراض . وإن كان بعد ظهوره أو كان فيه ربح فمقتضى القاعدة(1) وإن كان بطلانه; لكونه خلاف وضع
(1) في كون البطلان مطلقاً مقتضى القاعدة تأمّل.
(الصفحة560)
المضاربة، فإنّها موضوعة كما مرّ للاسترباح بالتقليب في التجارة ، والشراء المفروض من حيث استلزامه للانعتاق ليس كذلك ، إلاّ أنّ المشهور بل ادّعي عليه الإجماع صحّته ، وهو الأقوى في صورة الجهل بكونه ممّن ينعتق عليه ، فينعتق مقدار حصّته من الربح منه ويسري في البقيّة ، وعليه عوضها للمالك مع يساره ، ويستسعى العبد فيه مع إعساره ; لصحيحة ابن أبي عمير، عن محمّد بن قيس، عن الصادق (عليه السلام) : في رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة فاشترى أباه وهو لايعلم ، قال (عليه السلام) : «يقوّم، فإن زاد درهماً واحداً انعتق واستسعى في مال الرجل». وهي مختصّة بصورة الجهل المنزّل عليها إطلاق كلمات العلماء أيضاً ، واختصاصها بشراء الأب لايضرّ بعد كون المناط كونه ممّن ينعتق عليه ، كما أنّ اختصاصها بما إذا كان فيه ربح لايضرّ أيضاً بعد عدم الفرق بينه وبين الربح السابق ، وإطلاقها من حيث اليسار والإعسار في الاستسعاء أيضاً منزّل على الثاني جمعاً بين الأدلّة .
هذا، ولو لم يكن ربح سابق ولا كان فيه أيضاً ، لكن تجدّد بعد ذلك قبل أن يباع فالظاهر أنّ حكمه أيضاً الانعتاق والسراية بمقتضى القاعدة ، مع إمكان دعوى شمول إطلاق الصحيحة أيضاً للربح المتجدّد فيه ، فيلحق به الربح الحاصل من غيره ; لعدم الفرق .
[3435] مسألة 46 : قد عرفت أنّ المضاربة من العقود الجائزة ، وأنّه يجوز لكلّ منهما الفسخ إذا لم يشترط(1) لزومها في ضمن عقد لازم ، بل أو في ضمن عقدها أيضاً . ثمّ قد يحصل الفسخ من أحدهما، وقد يحصل البطلان والانفساخ لموت أو جنون أو تلف مال التجارة بتمامها ، أو لعدم إمكان التجارة لمانع أو نحو ذلك ، فلابدّ من التكلّم في حكمها من حيث استحقاق العامل للاُجرة وعدمه ، ومن حيث
(1) قد مرّ أنّ اشتراط اللزوم باطل، سواء كان في ضمن عقد لازم، أو في ضمن عقدها إلاّ إذا كان المشروط عدم تحقّق الفسخ خارجاً.
|