(الصفحة641)
في البيع الخياري ; كما إذا ضمن الثمن الكلّي للبائع ، أو المبيع الكلّي للمشتري ، أو المبيع الشخصي (1) قبل القبض ، وكالمهر قبل الدخول ونحو ذلك ، فلو قال : أقرض فلاناً كذا وأنا ضامن ، أو بعه نسيئة وأنا ضامن لم يصحّ على المشهور(2) ، بل عن «التذكرة» الإجماع ، قال : لو قال لغيره : مهما أعطيت فلاناً فهو عليّ لم يصحّ إجماعاً ، ولكن ما ذكروه من الشرط ينافي جملة من الفروع الآتية ، ويمكن أن يقال بالصحّة إذا حصل المقتضي للثبوت وإن لم يثبت فعلاً بل مطلقاً ; لصدق الضمان وشمول العمومات العامّة، وإن لم يكن من الضمان المصطلح عندهم ، بل يمكن منع عدم كونه منه أيضاً .
التاسع : أن لايكون ذمّة الضامن مشغولة للمضمون عنه بمثل الدين الذي عليه على ما يظهر من كلماتهم في بيان الضمان بالمعنى الأعمّ ، حيث قالوا : إنّه بمعنى التعهّد بمال أو نفس، فالثاني الكفالة ، والأوّل إن كان ممّن عليه للمضمون عنه مال فهو الحوالة ، وإن لم يكن فضمان بالمعنى الأخصّ، ولكن لا دليل على هذا الشرط ، فاذا ضمن للمضمون عنه بمثل ماله عليه يكون ضماناً ، فإن كان بإذنه يتهاتران بعد أداء مال الضمان ، وإلاّ فيبقى الذي للمضمون عنه عليه وتفرغ ذمّته ممّا عليه بضمان الضامن تبرّعاً ، وليس من الحوالة ; لأنّ المضمون عنه على التقديرين لم يحل مديونه على الضامن حتّى تكون حوالة ، ومع الإغماض عن ذلك غاية ما يكون أنّه يكون داخلاً في كلا العنوانين ، فيترتّب عليه ما يختصّ بكل منهما، مضافاً إلى ما يكون مشتركاً .
العاشر : امتياز الدين والمضمون له والمضمون عنه عند الضامن على وجه يصحّ معه القصد إلى الضمان ، ويكفي التميّز الواقعي وإن لم يعلمه الضامن ، فالمضرّ هو
(1) ليس هذا من أمثلة المقام.
(2) وهو الأحوط بل الأقوى.
(الصفحة642)
الإبهام والترديد ، فلايصحّ(1) ضمان أحد الدينين ولو لشخص واحد على شخص واحد على وجه الترديد مع فرض تحقّق الدينين ، ولا ضمان دين أحد الشخصين ولو لواحد ، ولا ضمان دين لأحد الشخصين ولو على واحد ، ولو قال : ضمنت الدين الذي على فلان ولم يعلم أنّه لزيد أو لعمرو ، أو الدين الذي لفلان ولم يعلم أنّه على زيد أو على عمرو صحّ ; لأنّه متعيّن واقعاً ، وكذا لو قال : ضمنت لك كلّ ما كان لك على الناس ، أو قال : ضمنت عنك كلّ ما كان عليك لكلّ من كان من الناس ، ومن الغريب ما عن بعضهم من اعتبار العلم بالمضمون عنه والمضمون له بالوصف والنسب ، أو العلم باسمهما ونسبهما ، مع أنّه لا دليل عليه أصلاً ، ولم يعتبر ذلك في البيع الذي هو أضيق دائرة من سائر العقود .
[3568] مسألة 1 : لايشترط في صحّة الضمان العلم بمقدار الدين ولا بجنسه ، ويمكن أن يستدّل عليه ـ مضافاً إلى العمومات العامّة، وقوله (صلى الله عليه وآله) : «الزعيم غارم» ـ بضمان(2) عليّ بن الحسين (عليهما السلام) لدين عبدالله بن الحسن، وضمانه لدين محمّد ابن اُسامة ، لكن الصحّة مخصوصة بما إذا كان له واقع معيّن ، وأمّا إذا لم يكن كذلك، كقولك : ضمنت شيئاً من دينك فلايصحّ ، ولعلّه مراد من قال : إنّ الصحّة إنّما هي فيما إذا كان يمكن العلم به بعد ذلك ، فلايرد عليه ما يقال من عدم الإشكال في الصحّة مع فرض تعيّنه واقعاً، وإن لم يمكن العلم به فيأخذ بالقدر المعلوم .
هذا ، وخالف بعضهم فاشترط العلم به لنفي الغرر والضرر ، وردّ بعدم العموم في الأوّل لاختصاصه بالبيع أو مطلق المعاوضات ، وبالإقدام في الثاني ، ويمكن الفرق بين الضمان التبرّعي والإذني ، فيعتبر في الثاني دون الأوّل ; إذ ضمان عليّ بن الحسين (عليهما السلام) كان تبرّعيّاً، واختصاص نفي الغرر بالمعاوضات ممنوع ، بل يجري في
(1) على الأحوط.
(2) الاستدلال بالروايتين لا يخلو من الإشكال من جهات.
(الصفحة643)
مثل المقام الشبيه بالمعاوضة إذا كان بالإذن مع قصد الرجوع على الآذن ، وهذا التفصيل لايخلو عن قرب(1) .
[3569] مسألة 2 : إذا تحقّق الضمان الجامع لشرائط الصحّة انتقل الحقّ من ذمّة المضمون عنه إلى ذمّة الضامن ، وتبرأ ذمّة المضمون عنه بالإجماع والنصوص ، خلافاً للجمهور حيث إنّ الضمان عندهم ضمّ ذمّة إلى ذمّة ، وظاهر كلمات الأصحاب عدم صحّة ما ذكروه حتّى مع التصريح به على هذا النحو ، ويمكن(2)الحكم بصحّته حينئذ للعمومات .
[3570] مسألة 3 : إذا أبرأ المضمون له ذمّة الضامن برئت ذمّته وذمّة(3) المضمون عنه ، وإن أبرأ ذمّة المضمون عنه لم يؤثّر شيئاً ، فلا تبرأ ذمّة الضامن ; لعدم المحلّ للإبراء بعد براءته بالضمان ، إلاّ إذا استفيد منه الإبراء من الدين الذي كان عليه، بحيث يفهم منه عرفاً إبراء ذمّة الضامن . وأمّا في الضمان بمعنى ضمّ ذمّة إلى ذمّة، فإن أبرأ ذمّة المضمون عنه برئت ذمّة الضامن أيضاً، وإن أبرأ ذمة الضامن فلاتبرأ ذمة المضمون عنه ، كذا قالوا ، ويمكن أن يقال(4) ببراءة ذمّتهما على التقديرين .
[3571] مسألة 4 : الضمان لازم من طرف الضامن والمضمون له ، فلايجوز للضامن فسخه حتّى لو كان بإذن المضمون عنه وتبيّن إعساره . وكذا لايجوز
(1) والأقرب منه العدم.
(2) ولكنّه مشكل.
(3) في العبارة مسامحة.
(4) لكنّه ضعيف على تقدير كون المراد من ضمّ الذمّة إلى اُخرى أن تكون ذمّة الضامن وثيقة للدين، ضرورة أنّ إسقاط الوثيقة لا يلازم إسقاط الدين، وأمّا لو كان المراد منه تعدّد الذمم بالإضافة إلى دين واحد، كما في الأيادي المتعدّدة في ضمان الأعيان المضمونة، ويؤيّده حكم بعض القائلين بهذا القول بجواز رجوع المضمون له إلى كلّ واحد منهما على التخيير، فهذا الاحتمال ليس بضعيف.
(الصفحة644)
للمضمون له فسخه والرجوع على المضمون عنه ، لكن بشرط ملاءة الضامن حين الضمان أو علم المضمون له بإعساره ، بخلاف ما لو كان معسراً حين الضمان وكان جاهلاً بإعساره ، ففي هذه الصورة يجوز له الفسخ على المشهور ، بل الظاهر عدم الخلاف فيه ، ويستفاد من بعض الأخبار أيضاً ، والمدار كما أشرنا إليه في الإعسار واليسار على حال الضمان ، فلو كان موسراً ثمّ أعسر لايجوز له الفسخ ، كما أنّه لو كان معسراً ثمّ أيسر يبقى الخيار(1) ، والظاهر عدم الفرق في ثبوت الخيار مع الجهل بالإعسار بين كون المضمون عنه أيضاً معسراً أو لا ، وهل يلحق بالإعسار تبيّن كونه مماطلاً مع يساره في ثبوت الخيار أو لا ؟ وجهان(2) .
[3572] مسألة 5 : يجوز(3) اشتراط الخيار في الضمان للضامن والمضمون له ; لعموم أدلّة الشروط ، والظاهر جواز اشتراط شيء لكلّ منهما ، كما إذا قال الضامن : أنا ضامن بشرط(4) أن تخيط لي ثوباً ، أو قال المضمون له : أقبل الضمان بشرط أن تعمل لي كذا ، ومع التخلّف يثبت للشارط خيار تخلّف الشرط .
[3573] مسألة 6 : إذا تبيّن كون الضامن مملوكاً وضمن من غير إذن مولاه، أو بإذنه وقلنا : إنّه يتبع بما ضمن بعد العتق لايبعد ثبوت الخيار للمضمون له .
[3574] مسألة 7 : يجوز ضمان الدين الحالّ حالاّ ومؤجّلاً ، وكذا ضمان المؤجّل حالاّ ومؤجّلاً بمثل ذلك الأجل أو أزيد أو أنقص ، والقول بعدم صحّة الضمان إلاّ مؤجّلاً وأنّه يعتبر فيه الأجل كالسلم ضعيف ، كالقول بعدم صحّة ضمان الدين
(1) إلاّ إذا كان العلم بالإعسار بعد حدوث اليسار، ففيه يكون بقاء الخيار محلّ تأمّل وارتياب.
(2) أظهرهما العدم.
(3) على إشكال فيه وفي ثبوت الخيار عند تخلّف الشرط.
(4) أي مع شرط.
(الصفحة645)
المؤجّل حالاّ أو بأنقص ، ودعوى أنّه من ضمان ما لم يجب كما ترى .
[3575] مسألة 8 : إذا ضمن الدين الحالّ مؤجّلاً بإذن المضمون عنه فالأجل للضمان لا للدين ، فلو أسقط الضامن أجله وأدّى الدين قبل الأجل يجوز له الرجوع على المضمون عنه ; لأنّ الذي عليه كان حالاّ ولم يصر مؤجّلاً بتأجيل الضمان ، وكذا إذا مات قبل انقضاء أجله وحلّ ما عليه وأخذ من تركته يجوز لوارثه الرجوع على المضمون عنه ، واحتمال صيرورة أصل الدين مؤجّلاً حتّى بالنسبة إلى المضمون عنه ضعيف .
[3576] مسألة 9 : إذا كان الدين مؤجّلاً فضمنه الضامن كذلك ، فمات وحلّ ما عليه وأخذ من تركته ليس لوارثه الرجوع على المضمون عنه إلاّ بعد حلول أجل أصل الدين ; لأنّ الحلول على الضامن بموته لايستلزم الحلول على المضمون عنه ، وكذا لو أسقط أجله وأدّى الدين قبل الأجل لايجوز له الرجوع على المضمون عنه إلاّ بعد انقضاء الأجل .
[3577] مسألة 10 : إذا ضمن الدين المؤجّل حالاّ بإذن المضمون عنه ، فإن فهم من إذنه رضاه بالرجوع عليه يجوز للضامن ذلك، وإلاّ فلا يجوز إلاّ بعد انقضاء الأجل ، والإذن في الضمان(1) أعمّ من كونه حالاّ .
[3578] مسألة 11 : إذا ضمن الدين المؤجّل بأقلّ من أجله وأدّاه ليس له الرجوع على المضمون عنه إلاّ بعد(2) انقضاء أجله ، وإذا ضمنه بأزيد من أجله فأسقط الزائد وأدّاه جاز له الرجوع عليه، على ما مرّ من أنّ أجل الضمان لايوجب صيرورة أصل الدين مؤجّلاً ، وكذا إذا مات بعد انقضاء أجل الدين قبل انقضاء
(1) لعلّ المراد به أنّ الإذن في الضمان حالاًّ أعمّ من الرجوع عليه في الحال، ولا يبعد أن يقال بكفاية الإذن الصريح في الضمان حالاّ في جواز الرجوع عليه كذلك.
(2) أو تصريحه بالإذن في الضمان كذلك، على ما ذكرناه في الحاشية السابقة.
(الصفحة646)
الزائد فأخذ من تركته ، فإنّه يرجع على المضمون عنه .
[3579] مسألة 12 : إذا ضمن بغير إذن المضمون عنه برئت ذمّته ولم يكن له الرجوع عليه وإن كان أداؤه بإذنه أو أمره ، إلاّ أن يأذن له في الأداء عنه تبرّعاً منه في وفاء دينه; كأن يقول : أدّ ما ضمنت عنّي وارجع به عليّ ، على إشكال في هذه الصورة أيضاً ; من حيث إنّ مرجعه حينئذ إلى الوعد الذي لايلزم الوفاء به ، وإذا ضمن بإذنه فله الرجوع عليه بعد الأداء وإن لم يكن بإذنه ; لأنّه بمجرّد الإذن في الضمان اشتغلت ذمّته من غير توقّف على شيء . نعم ، لو أذن له في الضمان تبرّعاً فضمن ليس له الرجوع عليه ; لأنّ الإذن على هذا الوجه كلا إذن .
[3580] مسألة 13 : ليس للضامن الرجوع على المضمون عنه في صورة الإذن ، إلاّ بعد أداء مال الضمان على المشهور ، بل الظاهر عدم الخلاف فيه ، وإنّما يرجع عليه بمقدار ما أدّى ، فليس له المطالبة قبله ; إمّا لأنّ ذمّة الضامن وإن اشتغلت حين الضمان بمجرّده إلاّ أنّ ذمّة المضمون عنه لا تشتغل إلاّ بعد الأداء وبمقداره ، وإمّا لأنّها تشتغل حين الضمان لكن بشرط الأداء ، فالأداء على هذا كاشف عن الاشتغال من حينه ، وإمّا لأنّها وإن اشتغلت بمجرّد الضمان إلاّ أنّ جواز المطالبة مشروط بالأداء ، وظاهرهم هو الوجه الأوّل ، وعلى أيّ حال لا خلاف في أصل الحكم وإن كان مقتضى القاعدة (1) جواز المطالبة واشتغال ذمّته من حين الضمان في قبال اشتغال
(1) الظاهر أنّ الأوفق بالقاعدة ولو من جهة الأصل وعدم الدليل على خلافه هو الوجه الأوّل، فإنّ عقد الضمان لا يؤثّر إلاّ في ثبوت الاشتغال للضامن، وانتقال ما في ذمّة المضمون عنه إليه، وليس فيه من اشتغال ذمة المضمون عنه للضامن عين ولا أثر، وليس له الرجوع عليه من دون الإذن في الضمان، فالاشتغال إنّما هو في صورة الإذن، وحيث لا دليل على ثبوته بمجرّد الضمان فمقتضى الاستصحاب عدم حدوثه إلاّ بعد الأداء; لأنّه لا إشكال نصّاً وفتوى في ثبوته بعده.
ثمّ لو فرضنا أنّ مقتضى القاعدة ما أفاده الماتن (قدس سره)فثبوت الإجماع والخبر على خلافه ممنوع. أمّا الأوّل; فلأنّه حكم الشيخ (قدس سره) وبعض آخر بأنّه يجوز للضامن مطالبة المضمون عنه بتخليصه من الدين وإن لم يطالبه المضمون له، وذلك ظاهر في ثبوت الاشتغال قبل الأداء ومطالبة المضمون له. ودعوى أنّ الحكم بجواز المطالبة بذلك غير الحكم باشتغال ذمّة المضمون عنه واضحة الفساد، فإنّه كيف يعقل جواز المطالبة منه مع عدم اشتغال ذمّته بشيء. وأمّا الثاني; فلأنّه لا منافاة بين كون الاشتغال من حين الضمان، وبين عدم جواز الرجوع إلاّ بالمقدار الذي صولح الضامن عمّا ضمنه بذلك المقدار. غاية الأمر أنّه لو كانت المصالحة بعد أخذ مال الضمان يجب عليه ردّ الزائد.
(الصفحة647)
ذمّة الضامن ، سواء أدّى أو لم يؤدّ ، فالحكم المذكور على خلاف القاعدة ثبت بالإجماع وخصوص الخبر : عن رجل ضمن ضماناً ثمّ صالح عليه، قال : «ليس له إلاّ الذي صالح عليه» بدعوى الاستفادة منه أن ليس للضامن إلاّ ما خسر .
ويتفرّع على ما ذكروه أنّ المضمون له لو أبرأ ذمّة الضامن عن تمام الدين ليس له الرجوع على المضمون عنه أصلاً ، وإن أبرأه من البعض ليس له الرجوع بمقداره ، وكذا لو صالح معه بالأقلّ كما هو مورد الخبر ، وكذا لو ضمن عن الضامن ضامن تبرّعاً فأدّى ، فإنّه حيث لم يخسر بشيء لم يرجع على المضمون عنه وإن كان بإذنه ، وكذا لو وفّاه عنه غيره تبرّعاً .
[3581] مسألة 14 : لو حسب المضمون له على الضامن ما عليه خمساً أو زكاة أو صدقة ، فالظاهر أنّ له الرجوع على المضمون عنه ولايكون ذلك في حكم الإبراء ، وكذا لو أخذه منه ثمّ ردّه عليه هبة ، وأمّا لو وهبه ما في ذمّته فهل هو كالإبراء أو لا ؟ وجهان(1) ، ولو مات المضمون له فورثه الضامن لم يسقط جواز الرجوع به على المضمون عنه .
(1) ولا يبعد أن يكون الثاني أقرب.
(الصفحة648)
[3582] مسألة 15 : لو باعه أو صالحه المضمون له بما يسوى أقلّ من الدين ، أو وفّاه الضامن بما يسوى أقلّ منه ، فقد صرّح بعضهم بأنّه لايرجع على المضمون عنه إلاّ بمقدار ما يسوى ، وهو مشكل(1) بعد كون الحكم على خلاف القاعدة وكون القدر المسلّم غير هذه الصور ، وظاهر خبر الصلح الرضا من الدّين بأقلّ منه لا ما إذا صالحه بما يسوى أقلّ منه ، وأمّا لو باعه أو صالحه أو وفّاه الضامن بما يسوى أزيد فلا إشكال في عدم جواز الرجوع بالزيادة .
[3583] مسألة 16 : إذا دفع المضمون عنه إلى الضامن مقدار ما ضمن قبل أدائه ، فإن كان ذلك بعنوان الأمانة ليحتسب بعد الأداء عمّا له عليه فلا إشكال، ويكون في يده أمانة لايضمن لو تلف إلاّبالتعدّي أوالتفريط . وإن كان بعنوان وفاء ما عليه، فإن قلنا باشتغال ذمّته حين الضمان وإن لم يجب عليه دفعه إلاّ بعد أداء الضامن ، أو قلنا باشتغاله حينه بشرط الأداء بعد ذلك على وجه الكشف فهو صحيح ويحتسب وفاءً، لكن بشرط حصول الأداء من الضامن على التقدير الثاني ، وإن قلنا إنّه لا تشتغل ذمّته إلاّ بالأداء وحينه كما هو ظاهر المشهور (2) فيشكل صحّته وفاءً ; لأنّ المفروض عدم اشتغال ذمّته بعد، فيكون في يده كالمقبوض بالعقد الفاسد ، وبعد الأداء ليس له الاحتساب إلاّ بإذن جديد أو العلم ببقاء الرضا به .
[3584] مسألة 17 : لو قال الضامن للمضمون عنه : إدفع عنّي إلى المضمون له ما عليّ من مال الضمان ، فدفع برئت ذمّتهما معاً ، أمّا الضامن فلأنّه قد أدّى دينه ، وأمّا المضمون عنه فلأنّ المفروض أنّ الضامن لم يخسر ، كذا قد يقال ، والأوجه أن
(1) الظاهر أنّه لا إشكال فيه لما مرّ من عدم كون الحكم على خلاف القاعدة، والظاهر عدم الفرق بين مورد خبر الصلح وبين هذين الموردين لو لم نقل بشموله لهما وعدم اختصاصه به، كما لا تبعد دعواه.
(2) وقد مرّ أنّه الأوفق بالقاعدة.
(الصفحة649)
يقال(1) : إنّ الضامن حيث أمر المضمون عنه بأداء دينه فقد اشتغلت ذمّته بالأداء، والمفروض أنّ ذمّة المضمون عنه أيضاً مشغولة له ; حيث إنّه أذن له في الضمان، فالأداء المفروض موجب لاشتغال ذمّة الضامن من حيث كونه بأمره ، ولاشتغال ذمّة المضمون عنه، حيث إنّ الضمان بإذنه وقد وفّى الضامن ، فيتهاتران أو يتقاصّان(2) ، وإشكال صاحب «الجواهر» في اشتغال ذمّة الضامن بالقول المزبور في غير محلّه .
[3585] مسألة 18 : إذا دفع المضمون عنه إلى المضمون له من غير إذن الضامن برئا معاً ، كما لو دفعه أجنبيّ عنه .
[3586] مسألة 19 : إذا ضمن تبرّعاً فضمن عنه ضامن بإذنه وأدّى ليس له الرجوع على المضمون عنه ، بل على الضامن ، بل وكذا لو ضمن بالإذن فضمن عنه ضامن بإذنه ، فإنّه بالأداء يرجع على الضامن ويرجع هو على المضمون عنه الأوّل .
[3587] مسألة 20 : يجوز أن يضمن الدين بأقلّ منه برضا المضمون له ، وكذا يجوز(3) أن يضمنه بأكثر منه ، وفي الصورة الاُولى لايرجع على المضمون عنه مع إذنه في الضمان إلاّ بذلك الأقلّ ، كما أنّ في الثانية لايرجع عليه إلاّ بمقدار الدين إلاّ إذا أذن المضمون عنه في الضمان بالزيادة .
[3588] مسألة 21 : يجوز(4) الضمان بغير جنس الدين ، كما يجوز الوفاء بغير الجنس ، وليس له أن يرجع على المضمون عنه إلاّ بالجنس الذي عليه إلاّ برضاه .
(1) أي بناءً على ما هو ظاهر المشهور، وأمّا بناءً على القول بحدوث الاشتغال للمضمون عنه بمجرّد الضمان، فهو أي التهاتر واضح لا ارتياب فيه.
(2) لا موقع للمقاصّة هنا.
(3) محلّ تأمّل وإشكال.
(4) فيه إشكال إلاّ إذا رجع إلى اشتراط الوفاء من غير الجنس.
(الصفحة650)
[3589] مسألة 22 : يجوز الضمان بشرط الرهانة فيرهن بعد الضمان ، بل الظاهر جواز اشتراط كون الملك الفلاني رهناً بنحو شرط النتيجة في ضمن عقد الضمان .
[3590] مسألة 23 : إذا كان على الدين الذي على المضمون عنه رهن فهل ينفكّ بالضمان أو لا ؟ يظهر من «المسالك» و«الجواهر» انفكاكه(1) لأنّه بمنزلة الوفاء ، لكنّه لايخلو عن إشكال . هذا مع الإطلاق ، وأمّا مع اشتراط البقاء أو عدمه فهو المتّبع .
[3591] مسألة 24 : يجوز اشتراط الضمان في مال معيّن على وجه التقييد(2) ، أو على نحو الشرائط في العقود ; من كونه من باب الالتزام في الالتزام ، وحينئذ يجب على الضامن الوفاء من ذلك المال بمعنى صرفه فيه ، وعلى الأوّل إذا تلف ذلك المال يبطل الضمان ويرجع المضمون له على المضمون عنه ، كما أنّه إذا نقص يبقى الناقص في عهدته ، وعلى الثاني لايبطل بل يوجب الخيار(3) لمن له الشرط ; من الضامن أو المضمون له أو هما ، ومع النقصان يجب على الضامن الإتمام مع عدم الفسخ . وأمّا جعل الضمان في مال معيّن من غير اشتغال ذمّة الضامن، بأن يكون الدين في عهدة ذلك المال فلايصحّ .
[3592] مسألة 25 : إذا أذن المولى لمملوكه في الضمان في كسبه ، فإن قلنا : إنّ الضامن هو المولى ـ للانفهام العرفي أو لقرائن خارجيّة ـ يكون من اشتراط الضمان في مال معيّن ; وهو الكسب الذي للمولى ، وحينئذ فإذا مات العبد تبقى ذمّة
(1) وهو الظاهر.
(2) لا يظهر معنى معقول لتقييد الضمان، الذي هو عبارة عن اشتغال ذمّة الضامن بما على عهدة المضمون عنه بالمال المعيّن الموجود في الخارج، إلاّ إذا كان بنحو الكلّي في المعيّن، حيث إنّه يجتمع فيه الذمّة والمعيّن معاً، فيكون ضمانه في حدوده ولا يتجاوز عنه، فإذا تلف الجميع يرتفع اشتغال الذمّة، ومع بقاء مقداره أو بعض منه يتعيّن للأداء.
(3) قد مرّ الإشكال في ثبوت الخيار في الضمان مطلقاً.
(الصفحة651)
المولى مشغولة إن كان على نحو الشرط في ضمن العقود ، ويبطل إن كان على وجه التقييد ، وإن انعتق يبقى(1) وجوب الكسب عليه ، وإن قلنا : إنّ الضامن هو المملوك وأنّ مرجعه إلى رفع الحجر عنه بالنسبة إلى الضمان ، فإذا مات لايجب على المولى شيء، وتبقى ذمّة المملوك مشغولة يمكن تفريغه بالزكاة ونحوها ، وإن انعتق يبقى الوجوب عليه .
[3593] مسألة 26 : إذا ضمن اثنان أو أزيد عن واحد ، فإمّا أن يكون على التعاقب أو دفعة ، فعلى الأوّل الضامن من رضي المضمون له بضمانه ، ولو أطلق الرضا بهما كان الضامن هو السابق ، ويحتمل قوّياً(2) كونه كما إذا ضمنا دفعة، خصوصاً بناءً على اعتبار القبول من المضمون له ، فإنّ الأثر حاصل بالقبول نقلاً لا كشفاً ، وعلى الثاني إن رضي بأحدهما دون الآخر فهو الضامن ، وإن رضي بهما معاً ففي بطلانه كما عن «المختلف» و«جامع المقاصد» واختاره صاحب «الجواهر» ، أو التقسيط بينهما بالنصف أو بينهم بالثلث إن كانوا ثلاثة وهكذا ، أو ضمان كلّ منهما فللمضمون له مطالبة من شاء كما في تعاقب الأيدي وجوه ، أقواها الأخير(3) ، وعليه إذا أبرأ المضمون له واحداً منهما برئ دون الآخر ، إلاّ إذا علم إرادته إبراء أصل الدين لا خصوص ذمّة ذلك الواحد .
[3594] مسألة 27 : إذا كان له على رجلين مال فضمن كلّ منهما ما على الآخر
(1) لا وجه لبقاء وجوب الكسب عليه مع كون الضامن هو المولى على الفرض، كما أنّه لا وجه لبقاء ذمّة المولى مشغولة لتعذّر الكسب بما هو مال للمولى.
(2) وهذا هو المتعيّن; لما مرّ من أنّ الأقوى اعتبار القبول، وهو الملاك في التعاقب والدفعة لا الإيجاب.
(3) لا وجه لأقوائيته على ما هو الحقّ في معنى الضمان. نعم، لها وجه على ما يراه غيرنا في معناه، فالأظهر على مسلكنا هو الوجه الأوّل.
(الصفحة652)
بإذنه، فإن رضي المضمون له بهما صحّ ، وحينئذ فإن كان الدينان متماثلين جنساً وقدراً تحوّل ما على كلّ منهما إلى ذمّة الآخر ، ويظهر الثمر في الإعسار واليسار وفي كون أحدهما عليه رهن دون الآخر بناءً على افتكاك الرهن بالضمان ، وإن كانا مختلفين قدراً أو جنساً أو تعجيلاً وتأجيلاً أو في مقدار الأجل فالثمر ظاهر ، وإن رضي المضمون له بأحدهما دون الآخر كان الجميع عليه ، وحينئذ فإن أدّى الجميع رجع على الآخر بما أدّى ، حيث إنّ المفروض كونه مأذوناً منه . وإن أدّى البعض، فإن قصد كونه ممّا عليه أصلاً أو ممّا عليه ضماناً فهو المتّبع ، ويقبل قوله إن ادّعى ذلك ، وإن أطلق ولم يقصد أحدهما فالظاهر التقسيط(1) ، ويحتمل القرعة، ويحتمل كونه مخيّراً في التعيين بعد ذلك ، والأظهر الأوّل .
وكذا الحال في نظائر المسألة، كما إذا كان عليه دين عليه رهن ودين آخر لا رهن عليه فأدّى مقدار أحدهما ، أو كان أحدهما من باب القرض والآخر ثمن مبيع وهكذا ، فإنّ الظاهر في الجميع التقسيط . وكذا الحال إذا أبرأ المضمون له مقدار أحد الدينين مع عدم قصد كونه من مال الضمان أو من الدين الأصلي ، ويقبل قوله إذا ادّعى التعيين في القصد ; لأنّه لايعلم إلاّ من قبله .
[3595] مسألة 28 : لايشترط علم الضامن حين الضمان بثبوت الدين على المضمون عنه ، كما لايشترط العلم بمقداره ، فلو ادّعى رجل على آخر ديناً فقال : عليّ ما عليه صحّ ، وحينئذ فإن ثبت بالبيّنة يجب عليه أداؤه ، سواء كانت سابقة أو لاحقة ، وكذا إن ثبت بالإقرار السابق على الضمان أو باليمين المردودة(2) كذلك . وأمّا
(1) والأظهر وقوعه وفاءً لما في ذمّته أصلاً; لأنّ ترتّب الآثار الاُخر من جواز الرجوع وافتكاك الرهن وسقوط الخيار إنّما يتوقّف على تعلّق القصد بموضوعاتها، وأمّا براءة الذمّة من الدين الأصلي فترتّبها على أداء الدين قهريّ منشؤه الانصراف.
(2) أي كذلك.
(الصفحة653)
إذا أقرّ المضمون عنه بعد الضمان ، أو ثبت باليمين المردودة فلايكون حجّة على الضامن إذا أنكره ، ويلزم عنه(1) بأدائه في الظاهر . ولو اختلف الضامن والمضمون له في ثبوت الدين أو مقداره، فأقرّ الضامن أو ردّ اليمين على المضمون له فحلف ليس له الرجوع على المضمون عنه إذا كان منكراً، وإن كان أصل الضمان بإذنه ، ولابدّ في البيّنة المثبتة للدين أن تشهد بثبوته حين الضمان ، فلو شهدت بالدين اللاحق أو أطلقت ولم يعلم سبقه على الضمان أو لحوقه لم يجب على الضامن أداؤه .
[3596] مسألة 29 : لو قال الضامن : عليّ ما تشهد به البيّنة وجب عليه أداء ما شهدت بثبوته حين التكلّم بهذا الكلام ; لأنّها طريق إلى الواقع وكاشف عن كون الدين ثابتاً حينه، فما في «الشرائـع» من الحكم بعـدم الصحّـة لا وجه له(2) ولا للتعليل الذي ذكره بقوله ; لأنّه لايعلم ثبوته في الذمّة ، إلاّ أن يكون مراده في صورة إطلاق البيّنة المحتمل للثبوت بعد الضمان . وأمّا ما في «الجواهر» من أنّ مراده بيان عدم صحّة ضمان ما يثبت بالبيّنة من حيث كونه كذلك ; لأنّه من ضمان ما لم يجب، حيث لم يجعل العنوان ضمان ما في ذمّته لتكون البيّنة طريقاً ، بل جعل العنوان ما يثبت بها والفرض وقوعه قبل ثبوته بها ، فهو كما ترى لا وجه له .
[3597] مسألة 30 : يجوز الدور في الضمان ; بأن يضمن عن الضامن ضامن آخر ، ويضمن عنه المضمون عنه الأصيل. وما عن«المبسوط» من عدم صحّته لاستلزامه صيرورة الفرع أصلاً وبالعكس ، ولعدم الفائدة لرجوع الدين كما كان مردود ; بأنّ الأوّل غير صالح للمانعيّة ، بل الثاني أيضاً كذلك ، مع أنّ الفائدة تظهر في الإعسار واليسار ، وفي الحلول والتأجيل ، والإذن وعدمه ، وكذا يجوز التسلسل بلا إشكال .
(1) أي يلزم المضمون عنه.
(2) بل لا وجه إلاّ له إذا كان المراد ما يثبت بالبيّنة على وجه التقييد; لأنّ الضمان لابدّ وأن يتعلّق بالدين، وما تشهد به البيّنة بهذا العنوان لا يكون كذلك .
(الصفحة654)
[3598] مسألة 31 : إذا كان المديون فقيراً يجوز أن يضمن عنه بالوفاء من طرف الخمس أو الزكاة أو المظالم أو نحوها من الوجوه التي تنطبق عليه إذا كانت ذمّته مشغولة بها فعلاً ، بل وإن لم تشتغل فعلاً على إشكال(1) .
[3599] مسألة 32 : إذا كان الدين الذي على المديون زكاة أو خمساً جاز أن يضمن عنه ضامن للحاكم الشرعي ، بل ولآحاد الفقراء على إشكال(2) .
[3600] مسألة 33 : إذا ضمن في مرض موته ، فإن كان بإذن المضمون عنه فلا إشكال في خروجه من الأصل ; لأنّه ليس من التبرّعات ، بل هو نظير القرض والبيع بثمن المثل نسيئة ، وإن لم يكن بإذنه فالأقوى خروجه من الأصل كسائر المنجّزات . نعم ، على القول بالثلث يخرج منه .
[3601] مسألة 34 : إذا كان ما على المديون يعتبر فيه مباشرته لايصحّ ضمانه ، كما إذا كان عليه خياطة ثوب مباشرة ، وكما إذا اشترط أداء الدين من مال معيّن للمديون . وكذا لايجوز ضمان الكلّي في المعيّن، كما إذا باع صاعاً من صبرة معيّنة ، فإنّه لايجوز الضمان عنه والأداء(3) من غيرها مع بقاء (4) تلك الصبرة موجودة .
[3602] مسألة 35 : يجوز ضمان النفقة الماضية للزوجة ; لأنّها دين على الزوج ، وكذا نفقة اليوم الحاضر لها إذا كانت ممكّنة في صبيحته ; لوجوبها عليه حينئذ وإن لم تكن مستقرّة ; لاحتمال نشوزها في أثناء النهار بناءً على سقوطها بذلك ; وأمّا النفقة المستقبلة فلايجوز ضمانها عندهم ; لأنّه من ضمان ما لم يجب، ولكن لايبعد(5)
(1) فيه بل وفي الأوّل أيضاً.
(2) فيه وفي سابقه.
(3) بل والأداء منها أيضاً، فإنّ جواز الضمان فيه مشكل.
(4) وكذا مع عدم بقائها كذلك.
(5) مرّ الكلام فيه في أوائل كتاب الضمان.
(الصفحة655)
صحّته ; لكفاية وجود المقتضي وهو الزوجيّة . وأمّا نفقة الأقارب فلايجوز ضمانها بالنسبة إلى ما مضى ; لعدم كونها ديناً على من كانت عليه ، إلاّ إذا أذن للقريب أن يستقرض وينفق على نفسه ، أو أذن له الحاكم في ذلك ; إذ حينئذ يكون ديناً عليه ، وأمّا بالنسبة إلى ما سيأتي فمن ضمان ما لم يجب ، مضافاً إلى أنّ وجوب الإنفاق حكم تكليفيّ، ولا تكون النفقة في ذمّته ، ولكن مع ذلك لايخلو عن إشكال(1) .
[3603] مسألة 36 : الأقوى جواز(2) ضمان مال الكتابة ، سواء كانت مشروطة أو مطلقة ; لأنّه دين في ذمّة العبد وإن لم يكن مستقرّاً ; لإمكان تعجيز نفسه . والقول بعدم الجواز مطلقاً، أو في خصوص المشروطة معللاّ بأنّه ليس بلازم ولايؤول إلى اللّزوم ضعيف كتعليله ، وربما يعلّل بأنّ لازم ضمانه لزومه مع أنّه بالنسبة إلى المضمون عنه غير لازم ، فيكون في الفرع لازماً مع أنّه في الأصل غير لازم ، وهو أيضاً كما ترى .
[3604] مسألة 37 : اختلفوا في جواز ضمان مال الجعالة قبل الإتيان بالعمل ، وكذا مال السبق والرماية ، فقيل بعدم الجواز ; لعدم ثبوته في الذمّة قبل العمل ، والأقوى وفاقاً لجماعة الجواز (3) لا لدعوى ثبوته في الذمّة من الأوّل وسقوطه إذا لم يعمل ، ولا لثبوته من الأوّل بشرط مجيء العمل في المستقبل ; إذ الظاهر أنّ الثبوت إنّما هو بالعمل ، بل لقوله تعالى : {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِير وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 12 / 72]. ولكفاية المقتضي للثبوت في صحّة الضمان ومنع اعتبار الثبوت الفعلي ، كما أشرنا إليه سابقاً .
(1) بل لا ينبغي الإشكال في البطلان.
(2) محلّ إشكال.
(3) محلّ إشكال.
(الصفحة656)
[3605] مسألة 38 : اختلفوا في جواز ضمان الأعيان المضمونة كالغصب والمقبوض بالعقد الفاسد ونحوهما على قولين ; ذهب إلى كلّ منهما جماعة ، والأقوى الجواز (1)، سواء كان المراد ضمانها بمعنى التزام ردّها عيناً ومثلها ، أو قيمتها على فرض التلف ، أو كان المراد ضمانها بمعنى التزام مثلها أو قيمتها إذا تلفت ، وذلك لعموم قوله (صلى الله عليه وآله) : «الزعيم غارم» والعمومات العامّة، مثل قوله تعالى : {أَوْفُوا بِالعُقُودِ} [المائدة: 5 / 1].
ودعوى أنّه على التقدير الأوّل يكون من ضمان العين بمعنى الالتزام بردّها مع أنّ الضمان نقل الحقّ من ذمّة إلى اُخرى ، وأيضاً لا إشكال في أنّ الغاصب أيضاً مكلّف بالردّ فيكون من ضمّ ذمة إلى اُخرى وليس من مذهبنا ، وعلى الثاني يكون من ضمان ما لم يجب، كما أنّه على الأوّل أيضاً كذلك بالنسبة إلى ردّ المثل أو القيمة عند التلف ، مدفوعة بأنّه لا مانع منه بعد شمول العمومات. غاية الأمر أنّه ليس من الضمان المصطلح ، وكونه من ضمان ما لم يجب لايضرّ بعد ثبوت المقتضي ، ولا دليل على عدم صحّة ضمان ما لم يجب من نصّ أو إجماع وإن اشتهر في الألسن ، بل في جملة من الموارد حكموا بصحّته ، وفي جملة منها اختلفوا فيه ، فلا إجماع ، وأمّا ضمان الأعيان الغير المضمونة كمال المضاربة والرهن والوديعة قبل تحقّق سبب ضمانها من تعدٍّ أو تفريط فلا خلاف بينهم في عدم صحّته ، والأقوى(2) بمقتضى العمومات صحّته أيضاً .
(1) بل الظاهر العدم، سواء كان المراد به أحد الأمرين المذكورين في المتن، أو كان المراد به هو التعهّد الفعلي لنفس العين المضمونة على حذو ثبوتها في عهدة الضامن الأوّل، المترتّب عليه وجوب الردّ مع البقاء والبدل مثلاً، أو قيمة مع التلف، من دون فرق بين أن يكون المراد ضمّ عهدته إلى عهدة الأوّل، أو النقل عنها إليها.
(2) بل الأقوى البطلان.
(الصفحة657)
[3606] مسألة 39 : يجوز(1) عندهم بلا خلاف بينهم ضمان درك الثمن للمشتري إذا ظهر كون المبيع مستحقّاً للغير ، أو ظهر بطلان البيع لفقد شرط من شروط صحّته إذا كان ذلك بعد قبض الثمن ، كما قيّد به الأكثر ، أو مطلقاً كما أطلق آخرون وهو الأقوى ، قيل : وهذا مستثنى من عدم ضمان الأعيان . هذا ، وأمّا لو كان البيع صحيحاً وحصل الفسخ بالخيار أو التقايل أو تلف المبيع قبل القبض فعلى المشهور (2) لم يلزم الضامن ويرجع على البائع ; لعدم ثبوت الحقّ وقت الضمان، فيكون من ضمان ما لم يجب ، بل لو صرّح بالضمان إذا حصل الفسخ لم يصحّ بمقتضى التعليل المذكور . نعم ، في الفسخ بالعيب السابق أو اللاحق اختلفوا في أنّه هل يدخل في العهدة ويصحّ الضمان أو لا ؟ فالمشهور على العدم ، وعن بعضهم دخوله، ولازمه الصحّة مع التصريح بالاُولى ، والأقوى في الجميع الدخول مع الإطلاق ، والصحّة مع التصريح ، ودعوى أنّه من ضمان ما لم يجب ، مدفوعة بكفاية وجود السبب .
هذا بالنسبة إلى ضمان عهدة الثمن إذا حصل الفسخ ، وأمّا بالنسبة إلى مطالبة الأرش فقال بعض من مَنَع من ذلك بجوازها ; لأنّ الاستحقاق له ثابت عند العقد ، فلايكون من ضمان ما لم يجب ، وقد عرفت أنّ الأقوى صحّة الأوّل أيضاً ، وأنّ تحقّق السبب حال العقد كاف ، مع إمكان دعوى أنّ الأرش أيضاً لايثبت(3) إلاّ بعد اختياره ومطالبته ، فالصحّة فيه أيضاً من جهة كفاية تحقّق السبب . وممّا ذكرنا ظهر حال ضمان درك المبيع للبائع .
(1) محلّ إشكال مع بقاء الثمن، سواء كان قبل القبض أو بعده، وأمّا فيما إذا تلف في يد البائع فلا إشكال في الجواز.
(2) وهو الحقّ فيه وفيما بعده.
(3) نعم، ولكن الملاك هو الاستحقاق، وهو ثابت بالعقد بلا إشكال، فلا يبعد الجواز فيه.
(الصفحة658)
[3607] مسألة 40 : إذا ضمن عهدة الثمن فظهر بعض المبيع مستحقّاً فالأقوى اختصاص ضمان الضامن بذلك البعض ، وفي البعض الآخر يتخيّر المشتري بين الإمضاء والفسخ لتبعّض الصفقة ، فيرجع على البائع بما قابله ، وعن الشيخ جواز الرجوع على الضامن بالجميع ، ولا وجه له .
[3608] مسألة 41 : الأقوى وفاقاً للشهيدين صحّة ضمان ما يحدثه المشتري من بناء أو غرس في الأرض المشتراة إذا ظهر كونها مستحقّة للغير وقلع البناء والغرس ، فيضمن الأرش; وهو تفاوت ما بين المقلوع والثابت عن البائع، خلافاً للمشهور(1) ; لأنّه من ضمان ما لم يجب، وقد عرفت كفاية السبب . هذا، ولو ضمنه البائع قيل لايصحّ (2) أيضاً كالأجنبي، وثبوته بحكم الشرع لايقتضي صحّة عقد الضمان المشروط بتحقّق الحقّ حال الضمان ، وقيل بالصحّة ; لأنّه لازم بنفس العقد فلا مانع من ضمانه ; لما مرّ من كفاية تحقّق السبب ، فيكون حينئذ للضمان سببان : نفس العقد، والضمان بعقده . ويظهر الثمر فيما لو أسقط المشتري عنه حقّ الضمان الثابت بالعقد ، فإنّه يبقى الضمان العقدي ، كما إذا كان لشخص خياران بسببين فأسقط أحدهما ، وقد يورد عليه بأنّه لامعنى لضمان شخص عن نفسه والمقام من هذا القبيل ، ويمكن أن يقال : لا مانع منه مع تعدّد الجهة . هذا كلّه إذا كان بعنوان عقد الضمان ، وأمّا إذا اشترط ضمانه فلا بأس به، ويكون مؤكّداً(3) لما هو لازم العقد .
[3609] مسألة 42 : لو قال عند خوف غرق السفينة : ألق متاعك في البحر وعليّ ضمانه صحّ بلا خلاف بينهم ، بل الظاهر الإجماع عليه وهو الدليل عندهم ، وأمّا إذا
(1) وهو الأقوى.
(2) وهو الأصحّ، وتعدّد الجهة لا يجدي في التصحيح.
(3) أي ظاهراً، فلا ينافي البطلان المستكشف بظهور المبيع مستحقّاً وردّ المالك البيع والغرض عدم تأثير الشرط في الخلل في البيع لعدم كونه فاسداً.
(الصفحة659)
لم يكن لخوف الغرق بل لمصلحة اُخرى من خفّة السفينة أو نحوها فلايصحّ عندهم(1) ، ومقتضى العمومات صحّته أيضاً .
تتمة
[في صور التنازع]
قد علم من تضاعيف المسائل المتقدّمة الاتّفاقية أو الخلافيّة أنّ ما ذكروه في أوّل الفصل من تعريف الضمان ، وأنّه نقل الحقّ الثابت من ذمّة إلى اُخرى ، وأنّه لايصحّ في غير الدين ولا في غير الثابت حين الضمان ، لا وجه له ، وأنّه(2) أعمّ من ذلك حسب ما فصّل .
[3610] مسألة 1 : لو اختلف المضمون له والمضمون عنه في أصل الضمان، فادّعى أنّه ضمنه ضامن وأنكره المضمون له ، فالقول قوله ، وكذا لو ادّعى أنّه ضمن تمام ديونه وأنكره المضمون له ; لأصالة بقاء ما كان عليه . ولو اختلفا في إعسار الضامن حين العقد ويساره ، فادّعى المضمون له إعساره فالقول قول (3) المضمون عنه ، وكذا لو اختلفا في اشتراط الخيار للمضمون له وعدمه ، فإنّ القول قول المضمون عنه ، وكذا لو اختلفا في صحّة الضمان وعدمها .
[3611] مسألة 2 : لو اختلف الضامن والمضمون له في أصل الضمان ، أو في ثبوت الدين وعدمه ، أو في مقداره ، أو في مقدار ما ضمن ، أو في اشتراط تعجيله ، أو تنقيص أجله إذا كان مؤجّلاً ، أو في اشتراط شيء عليه زائداً على أصل الدين ،
(1) كما هو الحقّ، بل الأوّل أيضاً محلّ تأمّل.
(2) أي بناءً على مبناه (قدس سره).
(3) في خصوص ما إذا كان مسبوقاً باليسار، ومع الجهل بالحال فيه تأمّل وإشكال.
(الصفحة660)
فالقول قول الضامن . ولو اختلفا في اشتراط تأجيله مع كونه حالاّ ، أو زيادة أجله مع كونه مؤجّلاً أو وفائه ، أو إبراء المضمون له عن جميعه أو بعضه ، أو تقييده بكونه من مال معيّن والمفروض تلفه ، أو اشتراط خيار الفسخ للضامن ، أو اشتراط شيء على المضمون له ، أو اشتراط كون الضمان بما يسوى أقلّ من الدين ، قدّم قول المضمون له .
[3612] مسألة 3 : لو اختلف الضامن والمضمون عنه في الإذن وعدمه ، أو في وفاء الضامن حتّى يجوز له الرجوع وعدمه ، أو في مقدار الدين الذي ضمن ، وأنكر المضمون عنه الزيادة ، أو في اشتراط(1) شيء على المضمون عنه ، أو اشتراط الخيار للضامن ، قدّم قول المضمون عنه . ولو اختلفا في أصل الضمان ، أو في مقدار الدين الذي ضمنه وأنكر الضامن الزيادة فالقول قول الضامن .
[3613] مسألة 4 : إذا أنكر الضامن الضمان فاستوفي الحقّ منه بالبيّنة ليس له الرجوع على المضمون عنه المنكر(2) للإذن أو الدين ; لاعترافه بكونه أخذ منه ظلماً . نعم ، لو كان مدّعياً مع ذلك للإذن في الأداء بلا ضمان، ولم يكن منكراً لأصل الدين ، وفرض كون المضمون عنه أيضاً معترفاً بالدين والإذن في الضمان جاز له الرجوع عليه(3) ، إذ لا منافاة بين إنكار الضمان وادّعاء الإذن في الأداء ، فاستحقاقه الرجوع معلوم . غاية الأمر أنّه يقول : إنّ ذلك للإذن في الأداء ، والمضمون عنه
(1) أي في ضمن عقد آخر; لأنّه ليس طرفاً في عقد الضمان.
(2) هذا القيد لا دخالة له في الحكم.
(3) فيه إشكال، فإنّ جواز الرجوع عليه يتفرّع على براءة ذمّة المضمون عنه باعتقاد الضامن، والمفروض في المقام عدمه; لأنّ المأخوذ ظلماً لا يصلح لتحقّق البراءة، بل باق على ملك الضامن باعتقاده، ولم يتعيّن بسببه كلّي الدين، فكيف يجوز مع ذلك الرجوع إلى المضمون عنه، وممّا ذكرنا يظهر الفرق بين ما نحن فيه وبين ذلك المثال.
|