(الصفحة661)
يقول : إنّه للإذن في الضمان ، فهو كما لو ادّعى على شخص أنّه يطلب منه عشر قرانات قرضاً ، والمدّعي ينكر القرض ويقول : إنّه يطلبه من باب ثمن المبيع ، فأصل الطلب معلوم ولو لم يعترف(1) المضمون عنه بالضمان أو الإذن فيه، وثبت عليه ذلك بالبيّنة ، فكذلك يجوز له الرجوع عليه مقاصّة عمّا أخذ منه ، وهل يجوز للشاهدين على الإذن في الضمان حينئذ أن يشهدا بالإذن من غير بيان كونه الإذن في الضمان، أو كونه الإذن في الأداء ؟ الظاهر(2) ذلك وإن كان لايخلو عن إشكال ، وكذا في نظائره ، كما إذا ادّعى شخص على آخر أنّه يطلب قرضاً ، وبيّنته تشهد بأنّه يطلبه من باب ثمن المبيع لا القرض ، فيجوز لهما أن يشهدا بأصل الطلب من غير بيان أنّه للقرض أو لثمن المبيع على إشكال .
[3614] مسألة 5 : إذا ادّعى الضامن الوفاء وأنكر المضمون له وحلف ليس له الرجوع على المضمون عنه إذا لم يصدّقه في ذلك ، وإن صدّقه جاز له الرجوع إذا كان بإذنه، وتقبل شهادته له بالأداء إذا لم يكن هناك مانع من تهمة أو غيرها ممّا يمنع من قبول الشهادة .
(1) لم يظهر لي مورد المسألة. وأنّ عدم الاعتراف هل فرض في صورة ادّعاء الضامن الضمان والإذن فيه، أو فرض في صورة ادّعائه الإذن في الأداء، وكون المأخوذ منه ظلماً؟ فعلى الأوّل لا معنى للمقاصّة أصلاً; لأنّه بعد فرض الثبوت بالبيّنة يجوز له الرجوع على المضمون عنه بعنوان الضمان، وعلى الثاني لا وجه لقيام البيّنة على غير ما يدّعيه المدّعي بل ينكره; لأنّ مدّعى الضامن إنّما يدّعي مجرّد الإذن وينكر الضمان رأساً، والمفروض إنكار المضمون عنه له أيضاً، كما أنّه لا وجه لإقامة المضمون له البيّنة، على أنّ المضمون عنه قد أذن في الضمان، فالعبارة مشوّشة جدّاً.
(2) بل الظاهر العدم; لما اُفيد من أنّه ليس الإذن مع قطع النظر عن متعلّقه موضوعاً متحصّلاً له أحكام حتّى يترتّب عليه أحكامه بقيام البيّنة عليه بدون ذكر متعلّقه، وليس مثل الدين، فإنّ له في حدّ نفسه تحصّلاً وأحكاماً، وليس متقوّماً بأسبابه.
(الصفحة662)
[3615] مسألة 6 : لو أذن المديون لغيره في وفاء دينه بلا ضمان فوفى جاز له الرجوع عليه ، ولو ادّعى الوفاء وأنكر الإذن قبل قول المأذون ; لأنّه أمين من قبله ، ولو قيّد الأداء بالإشهاد وادّعى الإشهاد وغيبة الشاهدين قبل قوله أيضاً ، ولو علم عدم إشهاده ليس له الرجوع . نعم ، لو علم أنّه وفّاه ولكن لم يشهد يحتمل جواز(1) الرجوع عليه ; لأنّ الغرض من الإشهاد العلم بحصول الوفاء والمفروض تحقّقه .
(1) بل هو الظاهر فيما لو كان الغرض من الإشهاد علم الآذن بحصول الوفاء من قبل المأذون. وأمّا لو كان الغرض منه القدرة على إقامة البيّنة في مقابل الدائن لو أنكر الوفاء فرضاً، أو كان الغرض منه كلا الأمرين فجواز الرجوع عليه في الفرضين بعيد.
(الصفحة663)
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الحوالة
[فصل
في معنى الحوالة وشرائطها وأحكامها]
وهي عندهم تحويل المال من ذمّة إلى ذمّة ، والأولى أن يقال : إنّها إحالة المديون دائنه إلى غيره ، أو إحالة المديون دينه من ذمّته إلى ذمّة غيره ، وعلى هذا فلاينتقض طرده بالضمان ، فإنّه وإن كان تحويلاً من الضامن للدين من ذمّة المضمون عنه إلى ذمّته إلاّ أنّه ليس فيه الإحالة المذكورة ، خصوصاً إذا لم يكن بسؤال من المضمون عنه .
ويشترط فيها ـ مضافاً إلى البلوغ والعقل والاختيار ، وعدم السفه في الثلاثة من المحيل والمحتال والمحال عليه ، وعدم الحجر بالسفه (1) في المحتال والمحال عليه(2) ، بل والمحيل ، إلاّ إذا كانت الحوالة على البريء فإنّه لا بأس به(3) ، فإنّه نظير
(1) الظاهر اشتباه النسخ، والصواب بالفلس، كما أنّ الظاهر اتحاد حكم السفه معه.
(2) لا وجه لاعتبار عدم الفلس بالإضافة إلى المحال عليه، والحجر عليه في أمواله الموجودة لا يستلزم الحجر عليه في الحوالة.
(3) من دون فرق بين أن يكون المحيل مفلساً، أو المحال عليه.
(الصفحة664)
الاقتراض منه ـ اُمور :
أحدها : الإيجاب والقبول على ما هو المشهور بينهم ، حيث عدّوها من العقود اللازمة، فالإيجاب من المحيل والقبول من المحتال ، وأمّا المحال عليه فليس من أركان العقد وإن اعتبرنا رضاه مطلقاً أو إذا كان بريئاً ، فإنّ مجرّد اشتراط الرضا منه لايدلّ على كونه طرفاً وركناً للمعاملة ، ويحتمل أن يقال : يعتبر(1) قبوله أيضاً ، فيكون العقد مركّباً من الإيجاب والقبولين ، وعلى ما ذكروه يشترط فيها ما يشترط في العقود اللازمة ; من الموالاة بين الإيجاب والقبول ونحوها ، فلا تصحّ مع غيبة المحتال أو المحال عليه أو كليهما ; بأن أوقع الحوالة بالكتابة ، ولكن الذي يقوى عندي كونها من الإيقاع(2) . غاية الأمر اعتبار الرضا من المحتال أو منه ومن المحال عليه ، ومجرّد هذا لايصيّره عقداً ، وذلك لأنّها نوع من وفاء الدين، وإن كانت توجب انتقال الدين من ذمّته إلى ذمّة المحال عليه ، فهذا النقل والانتقال نوع من الوفاء، وهو لايكون عقداً وإن احتاج إلى الرضا من الآخر ، كما في الوفاء بغير الجنس، فإنّه يعتبر فيه رضا الدائن ومع ذلك إيقاع ، ومن ذلك يظهر أنّ الضمان أيضاً من الإيقاع ، فإنّه نوع من الوفاء، وعلى هذا فلايعتبر فيهما شيء ممّا يعتبر في العقود
(1) لا يبعد ذلك فيما إذا كانت الحوالة على البريء، أو بغير الجنس الذي على المحال عليه، ولكن الظاهر عدم إخلال الفصل على النحو المتعارف فيها، وأمّا في غيرهما فالأحوط اعتباره بالنحو الذي ذكرنا.
(2) الظاهر أنّ الحوالة وكذا الضمان والوكالة كلّها من العقود، أمّا الحوالة فلأنّ حقيقتها لا ترجع إلى الوفاء، بل هي عبارة عن نقل المحيل ما في ذمّته للمحتال إلى المحال عليه، فهو تصرّف في ملك الغير من جهة، وفي ذمّة الغير من جهة اُخرى، ولا يعقل تحقّقها بدون القبول. وأمّا الضمان فكذلك لما ذكر. وأمّا الوكالة فلأنّها تغاير مجرّد الإذن; لأنّ حقيقتها النيابة المضافة إليهما، وليس لأحدهما الاستقلال فيها، والمفروض أنّه موضوع في الشرع والعرف لآثار خاصّة، وهذا بخلاف الإذن الذي هو مجرّد ترخيص.
(الصفحة665)
اللازمة ، ويتحقّقان بالكتابة ونحوها ، بل يمكن دعوى أنّ الوكالة أيضاً كذلك ، كما أنّ الجعالة كذلك وإن كان يعتبر فيها الرضا من الطرف الآخر ، ألا ترى أنّه لافرق بين أن يقول : أنت مأذون في بيع داري ، أو قال : أنت وكيل ، مع أنّ الأوّل من الإيقاع قطعاً .
الثاني : التنجيز(1) ، فلاتصحّ مع التعليق على شرط أو وصف ، كما هو ظاهر المشهور ، لكن الأقوى عدم اعتباره كما مال إليه بعض متأخّري المتأخّرين .
الثالث : الرضا من المحيل والمحتال بلا إشكال ، وما عن بعضهم من عدم اعتبار رضا المحيل فيما لو تبرّع المحال عليه بالوفاء; بأن قال للمحتال : أحلت بالدين الذي لك على فلان على نفسي ، وحينئذ فيشترط رضا المحتال والمحال عليه دون المحيل ، لا وجه له ; إذ المفروض لايكون من الحوالة بل هو من الضمان ، وكذا من المحال عليه إذا كان بريئاً أو كانت الحوالة بغير جنس ما عليه ، وأمّا إذا كانت بمثل ما عليه ففيه خلاف ، ولايبعد التفصيل (2) بين أن يحوّله عليه بماله عليه; بأن يقول : أعطه من الحقّ الذي لي عليك ، فلايعتبر رضاه، فإنّه بمنزلة الوكيل في وفاء دينه وإن كان بنحو إشتغال ذمّته للمحتال وبراءة ذمّة المحيل بمجرّد الحوالة ، بخلاف ما إذا وكّله ، فإنّ ذمّة المحيل مشغولة إلى حين الأداء ، وبين أن يحوّله عليه من غير نظر إلى الحقّ الذي له عليه على نحو الحوالة على البريء ، فيعتبر رضاه ; لأنّ شغل ذمّته بغير رضاه على خلاف القاعدة ، وقد يعلّل باختلاف الناس في الاقتضاء فلابدّ من رضاه ، ولايخفى ضعفه ، كيف وإلاّ لزم عدم جواز بيع دينه على غيره مع أنّه لا إشكال فيه .
(1) على الأحوط.
(2) لا محصّل لهذا التفصيل لعدم الفرق بين الحوالتين وكونهما بنحو واحد، والأحوط اعتبار رضاه، بل قبوله في المقامين.
(الصفحة666)
الرابع : أن يكون المال المحال به ثابتاً في ذمّة المحيل ، سواء كان مستقرّاً او متزلزلاً ، فلاتصحّ في غير الثابت ، سواء وجد سببه كـ «مال الجعالة» قبل العمل ومال السبق والرماية قبل حصول السبق ، أو لم يوجد سببه أيضاً كالحوالة بما يستقرضه ، هذا ما هو المشهور(1) ، لكن لايبعد كفاية حصول السبب كما ذكرنا في الضمان ، بل لايبعد الصحّة(2) فيما إذا قال : أقرضني كذا وخذ عوضه من زيد ، فرضي ورضي زيد أيضاً ; لصدق الحوالة وشمول العمومات ، فتفرغ ذمّة المحيل وتشتغل ذمّة المحال بعد العمل وبعد الاقتراض .
الخامس : أن يكون المال المحال به معلوماً جنساً وقدراً ، للمحيل والمحتال ، فلاتصحّ الحوالة بالمجهول على المشهور للغرر ، ويمكن أن يقال بصحّته إذا كان آئلاً إلى العلم كما إذا كان ثابتاً في دفتره ، على حدّ ما مرّ في الضمان من صحّته مع الجهل بالدين ، بل لايبعد الجواز مع عدم أوله إلى العلم بعد إمكان الأخذ بالقدر المتيقّن ، بل وكذا لو قال : كلّما شهدت به البيّنة وثبت خذه من فلان . نعم ، لو كان مبهماً كما إذا قال : أحد الدينين اللذين لك عليّ خذ من فلان، بطل ، وكذا لو قال : خذ شيئاً من دينك من فلان . هذا ، ولو أحال الدينين على نحو الواجب التخييري أمكن(3)الحكم بصحّته ; لعدم الإبهام فيه حينئذ .
السادس : تساوي المالين ـ أي المحال به والمحال عليه ـ جنساً ونوعاً ووصفاً على ما ذكره جماعة، خلافاً لآخرين ، وهذا العنوان وإن كان عامّاً إلاّ أنّ مرادهم
(1) قد مرّ في باب الضمان أنّه الأحوط بل الأقوى.
(2) والأقوى فيه عدم الصحّة.
(3) لم يعلم الفرق بينه وبين الفرض السابق الذي صرّح فيه بالبطلان، إلاّ إذا فرض تساوي الدينين هنا من جميع الجهات دون ذلك الفرض، أو كان الغرض هناك ما كان معيّناً في قصده وإن لم يذكر. ودعوى كون هذه الصورة أولى بالصحّة ممنوعة.
(الصفحة667)
بقرينة التعليل بقولهم : تفصّياً من التسلّط على المحال عليه بما لم تشتغل ذمّته به ، إذ لايجب عليه أن يدفع إلاّ مثل ما عليه فيما كانت الحوالة على مشغول الذمّة بغير ما هو مشغول الذمّة به; كأن يحيل من له عليه دراهم على من له عليه دنانير ; بأن يدفع بدل الدنانير دراهم ، فلايشمل ما إذا أحال من له عليه الدراهم على البريء بأن يدفع الدنانير ، أو على مشغول الذمّة بالدنانير بأن يدفع الدراهم ، ولعلّه لأنّه وفاء بغير الجنس برضا الدائن ، فمحلّ الخلاف ما إذا أحال على من عليه جنس بغير ذلك الجنس ، والوجه في عدم الصحّة ما اُشير إليه من أنّه لايجب عليه أن يدفع إلاّ مثل ما عليه ، وأيضاً الحكم على خلاف القاعدة، ولا إطلاق في خصوص الباب ولا سيرة كاشفة، والعمومات منصرفة إلى العقود المتعارفة ، ووجه الصحّة أنّ غاية ما يكون أنّه مثل الوفاء بغير الجنس ولا بأس به (1)، وهذا هو الأقوى .
ثمّ لايخفى أنّ الإشكال إنّما هو فيما إذا قال : أعط ممّا لي عليك من الدنانير دراهم ; بأن أحال عليه بالدراهم من الدنانير التي عليه ، وأمّا إذا أحال عليه بالدراهم من غير نظر إلى ما عليه من الدنانير فلاينبغي الإشكال فيه ، إذ هو نظير إحالة من له الدراهم على البريء بأن يدفع الدنانير ، وحينئذ فتفرغ ذمّة المحيل من الدراهم وتشتغل ذمّة المحال عليه بها ، وتبقى ذمّة المحال عليه مشغولة بالدنانير، وتشتغل ذمّة المحيل له بالدراهم ، فيتحاسبان بعد ذلك ، ولعلّ الخلاف أيضاً مختصّ بالصورة الاُولى لا ما يشمل هذه الصورة أيضاً ، وعلى هذا فيختصّ الخلاف بصورة واحدة وهي ما إذا كانت الحوالة على مشغول الذمّة; بأن يدفع من طرف ما عليه من الحقّ بغير جنسه ، كأن يدفع من الدنانير التي عليه دراهم .
[3616] مسألة 1 : لا فرق في المال المحال به أن يكون عيناً في الذمّة أو منفعة أو
(1) غاية الأمر أنّه قد مرّ اعتبار رضا المحال عليه حينئذ.
(الصفحة668)
عملاً لايعتبر فيه المباشرة ، ولو مثل الصلاة والصوم والحجّ والزيارة والقراءة ، سواء كانت على بريء أو على مشغول الذمّة بمثلها ، وأيضاً لا فرق بين أن يكون مثليّاً كالطعام أو قيميّاً كالعبد والثوب ، والقول بعدم الصحّة في القيمي للجهالة ضعيف ، والجهالة مرتفعة بالوصف الرافع لها .
[3617] مسألة 2 : إذا تحقّقت الحوالة برئت ذمّة المحيل وإن لم يبرئه المحتال ، والقول بالتوقف على إبرائه ضعيف ، والخبر الدالّ على تقييد عدم الرجوع على المحيل بالإبراء من المحتال المراد منه القبول لا اعتبارها بعده أيضاً ، وتشتغل(1) ذمّة المحال عليه للمحتال فينتقل الدين إلى ذمّته ، وتبرأ ذمّة المحال عليه للمحيل إن كانت الحوالة بالمثل بقدر المال المحال به ، وتشتغل ذمّة المحيل للمحال عليه إن كانت على بريء أو كانت بغير المثل ويتحاسبان بعد ذلك .
[3618] مسألة 3 : لايجب على المحتال قبول الحوالة وإن كانت على مليّ .
[3619] مسألة 4 : الحوالة لازمة فلايجوز فسخها بالنسبة إلى كلّ من الثلاثة . نعم ، لو كانت على معسر مع جهل المحتال بإعساره يجوز له الفسخ والرجوع على المحيل ، والمراد من الإعسار أن لايكون له ما يوفي دينه زائداً على مستثنيات الدين ، وهو المراد من الفقر في كلام بعضهم ، ولايعتبر فيه كونه محجوراً ، والمناط الإعسار واليسار حال الحوالة وتماميّتها ، ولايعتبر الفور في جواز الفسخ ، ومع إمكان الاقتراض والبناء عليه يسقط (2) الخيار للانصراف على إشكال ، وكذا مع وجود المتبرّع .
[3620] مسألة 5: الأقوى جواز الحوالة على البريء، ولايكون داخلاً في الضمان.
(1) أي بمجرّد الحوالة وإن لم يتحقّق الأداء من المحال عليه، وسيأتي البحث عن ذلك في المسألة العاشرة وأنّ الأقوى خلاف ذلك.
(2) والأقرب عدم السقوط.
(الصفحة669)
[3621] مسألة 6 : يجوزاشتراط خيار الفسخ لكلّ من الثلاثة .
[3622] مسألة 7 : يجوز الدور في الحوالة، وكذا يجوز الترامي بتعدّد المحال عليه واتّحاد المحتال ، أو بتعدّد المحتال واتّحاد المحال عليه .
[3623] مسألة 8 : لو تبرّع أجنبيّ عن المحال عليه برئت ذمّته ، وكذا لو ضمن عنه ضامن برضا المحتال ، وكذا لو تبرّع المحيل عنه .
[3624] مسألة 9 : لو أحال عليه فقبل وأدّى ، ثمّ طالب المحيل بما أدّاه فادّعى أنّه كان له عليه مال و أنكر المحال عليه ، فالقول قوله مع عدم البيّنة، فيحلف على براءته ويطالب عوض ما أدّاه; لأصالة البراءة من شغل ذمّته للمحيل . ودعوى أنّ الأصل أيضاً عدم اشتغال ذمّة المحيل بهذا الأداء ، مدفوعة بأنّ الشكّ في حصول اشتغال ذمّته وعدمه مسبّب عن الشكّ في اشتغال ذمّة المحال عليه وعدمه ، وبعد جريان أصالة براءة ذمّته يرتفع الشكّ .
هذا على المختار من صحّة الحوالة على البريء ، وأمّا على القول بعدم صحتها فيقدّم قول المحيل ; لأنّ مرجع الخلاف إلى صحّة الحوالة وعدمها، ومع اعتراف المحال عليه بالحوالة يقدّم قول مدّعي الصحّة وهو المحيل ، ودعوى أنّ تقديم قول مدّعي الصحّة إنّما هو إذا كان النزاع بين المتعاقدين، وهما في الحوالة المحيل والمحتال; وأمّا المحال عليه فليس طرفاً وإن اعتبر رضاه في صحّتها ، مدفوعة أوّلاً بمنع عدم كونه طرفاً ، فإنّ الحوالة مركّبة من إيجاب وقبولين ، وثانياً يكفي اعتبار رضاه في الصحّة في جعل اعترافه بتحقّق المعاملة حجّة عليه بالحمل على الصحّة . نعم ، لو لم يعترف بالحوالة بل ادّعى أنّه أذن له في أداء دينه يقدّم قوله لأصالة البراءة من شغل ذمّته، فبإذنه في أداء دينه له مطالبة عوضه، ولم يتحقّق هنا حوالة بالنسبة إليه حتّى تحمل على الصحّة، وإن تحقّق بالنسبة إلى المحيل والمحتال لاعترافهما بها .
[3625] مسألة 10 : قد يستفاد من عنوان المسألة السابقة ـ حيث قالوا : لو أحال
(الصفحة670)
عليه فقبل وأدّى ، فجعلوا محلّ الخلاف ما إذا كان النزاع بعد الأداء ـ أنّ حال الحوالة حال الضمان في عدم جواز مطالبة العوض إلاّ بعد الأداء ، فقبله وإن حصل الوفاء بالنسبة إلى المحيل والمحتال ، لكن ذمّة المحيل لا تشتغل للمحال عليه البريء إلاّ بعد الأداء ، والأقوى (1) حصول الشغل بالنسبة إلى المحيل بمجرّد قبول المحال عليه ، إذ كما يحصل به الوفاء بالنسبة إلى دين المحيل بمجرّده فكذا في حصوله بالنسبة إلى دين المحال عليه للمحيل إذاكان مديوناً له ، وحصول شغل ذمّة المحيل له إذا كان بريئاً ، ومقتضى القاعدة في الضمان أيضاً تحقّق شغل المضمون عنه للضامن بمجرّد ضمانه ، إلاّ أنّ الإجماع وخبر الصلح دلاّ على التوقّف على الأداء فيه ، وفي المقام لا إجماع ولا خبر ، بل لم يتعرّضوا لهذه المسألة ، وعلى هذا فله الرجوع على المحيل ولو قبل الأداء ، بل وكذا لو أبرأه المحتال أو وفّاه بالأقلّ أو صالحه بالأقلّ فله عوض ما أحاله عليه بتمامه مطلقاً إذا كان بريئاً .
[3626] مسألة 11 : إذا أحال السيّد بدينه على مكاتبه بمال الكتابة المشروطة أو المطلقة صحّ ، سواء كان قبل حلول النجم أو بعده ; لثبوته في ذمّته . والقول بعدم صحّته قبل الحلول لجواز تعجيز نفسه ضعيف ، إذ غاية ما يكون كونه متزلزلاً، فيكون كالحوالة على المشتري بالثمن في زمان الخيار ، واحتمال عدم اشتغال ذمّة العبد لعدم ثبوت ذمّة اختياريّة له فيكون وجوب الأداء تكليفيّاً كما ترى . ثمّ إنّ العبد بقبول الحوالة(2) يتحرّر لحصول وفاء مال الكتابة بالحوالة ولو لم يحصل الأداء
(1) بل الأقوى توقّف تحقّق الشغل على الأداء، كما قد عرفت في الضمان ومرّ هناك أنّ قيام الإجماع والخبر على خلاف ما تقتضيه القاعدة من تأخّر الاشتغال ممنوع، وعليه فحالها حاله في جميع الجهات المذكورة في المتن وغيرها.
(2) بل بنفسها وإن لم يقبل، إذ لا تتوقّف الحوالة عليه على قبوله بعد كونه عبداً مديوناً للمولى كما هو الأظهر.
(الصفحة671)
منه ، فإذا أعتقه المولى قبل الأداء بطل عتقه .
وما عن «المسالك» من عدم حصول الانعتاق قبل الأداء ـ لأنّ الحوالة ليست في حكم الأداء بل في حكم التوكيل ، وعلى هذا إذا أعتقه المولى صحّ وبطلت الكتابة ولم يسقط عن المكاتب مال الحوالة ; لأنّه صار لازماً للمحتال، ولايضمن السيد ما يغرمه من مال الحوالة ـ فيه نظر من وجوه ، وكأنّ دعواه أنّ الحوالة ليست في حكم الأداء ، إنّما هي بالنظر إلى ما مرّ(1) من دعوى توقّف شغل ذمّة المحيل للمحال عليه على الأداء كما في الضمان ، فهي وإن كان كالأداء بالنسبة إلى المحيل والمحتال، فبمجرّدها يحصل الوفاء وتبرأ ذمّة المحيل ، لكن بالنسبة إلى المحال عليه والمحيل ليس كذلك ، وفيه منع التوقّف المذكور كما عرفت ، فلا فرق بين المقامين في كون الحوالة كالأداء فيتحقّق بها الوفاء .
[3627] مسألة 12 : لو باع السيّد مكاتبه سلعة فأحاله بثمنها صحّ ; لأنّ حاله حال الأحرار ; من غير فرق بين سيّده وغيره ، وما عن الشيخ(2) من المنع ضعيف .
[3628] مسألة 13 : لو كان للمكاتب دين على أجنبيّ فأحال سيّده عليه من مال الكتابة صحّ ، فيجب عليه تسليمه للسيّد ويكون موجباً لانعتاقه، سواء أدّى المحال عليه المال للسيّد أم لا.
[3629] مسألة 14 : لو اختلفا(3) في أنّ الواقع منهما كانت حوالة أو وكالة، فمع
(1) ولكن مورد ما مرّ هو الحوالة على البريء لا المديون، إلاّ أن يقال بكون المقام أيضاً كذلك; لأنّه لا يعقل أن يكون العبد مديوناً للمولى; لأنّه يلزم أن يكون المولى مديوناً لنفسه، ولكنّه كما ترى.
(2) ولكن المحكي عن الشيخ (قدس سره) هو المنع فيما لو أحاله بمال الكتابة، وأمّا الحوالة عليه بثمن السلعة التي ابتاعها فاحتمل فيها الوجهان.
(3) لابدّ من فرض المسألة فيما إذا كان مدّعي الوكالة يدّعيها بأن يكون أمانة عند الوكيل، وإلاّ فلا يترتّب على هذه الدعوى بالنسبة إلى ما بعد القبض أثر أصلاً، ضرورة اتفاقهما حينئذ على كون المال للمحتال وارتفاع اشتغال ذمّة المحيل له، كما أنّ إجراء الاُصول المذكورة بالنسبة إلى ما بعد القبض مخدوش في هذه الصورة، ضرورة أنّ ارتفاع اشتغال ذمّة المحيل للمحتال، وكذا ذمّة المحال عليه للمحيل، وكذا ملكية المحتال للمال المأخوذ معلوم، سواء كان الواقع هي الحوالة أو الوكالة بالنحو المذكور. نعم، لو كانت الوكالة بنحو الأمانة لا بأس بجريان أكثر هذه الاُصول.
(الصفحة672)
عدم البيّنة يقدّم قول منكر الحوالة ، سواء كان هو المحيل أو المحتال ، وسواء كان ذلك قبل القبض من المحال عليه أو بعده ، وذلك لأصالة بقاء اشتغال ذمّة المحيل للمحتال، وبقاء اشتغال ذمّة المحال عليه للمحيل، وأصالة عدم ملكيّة المال المحال به للمحتال ، ودعوى أنّه إذا كان بعد القبض يكون مقتضى اليد ملكيّة المحتال، فيكون المحيل المنكر للحوالة مدّعياً ، فيكون القول قول المحتال في هذه الصورة ، مدفوعة بأنّ مثل هذه اليد لايكون أمارة على ملكيّة ذيها ، فهو نظير ما إذا دفع شخص ماله إلى شخص وادّعى أنّه دفعه أمانة ، وقال الآخر : دفعتني هبة أو قرضاً ، فإنّه لايقدّم قول ذي اليد .
هذا كلّه إذا لم يعلم اللفظ الصادر منهما ، وأمّا إذا علم وكان ظاهراً في الحوالة أو في الوكالة فهو المتّبع ، ولو علم أنّه قال : أحلتك على فلان ، وقال : قبلت ، ثمّ اختلفا في أنّه حوالة أو وكالة ، فربما يقال : إنّه يقدّم قول مدّعي الحوالة ; لأنّ الظاهر من لفظ أحلت هو الحوالة المصطلحة واستعماله في الوكالة مجاز، فيحمل على الحوالة ، وفيه : منع(1) الظهور المذكور . نعم ، لفظ الحوالة ظاهر في الحوالة المصطلحة ، وأمّا ما يشتقّ منها كلفظ أحلت فظهوره فيها ممنوع ، كما أنّ لفظ الوصيّة ظاهر في الوصيّة المصطلحة، وأمّا لفظ «أوصيت» أو «اُوصيك بكذا» فليس كذلك ، فتقديم قول مدّعي الحوالة في الصورة المفروضة محلّ منع .
(1) في المنع منع، وتقديم مدّعي الحوالة لا يخلو عن قوّة.
(الصفحة673)
[3630] مسألة 15 : إذا أحال البائع من له عليه دين على المشتري بالثمن ، أو أحال المشتري البائع بالثمن على أجنبيّ بريء أو مديون للمشتري ، ثمّ بان بطلان البيع بطلت الحوالة في الصورتين ; لظهور عدم اشتغال ذمّة المشتري للبائع ، واللازم اشتغال ذمّة المحيل للمحتال . هذا في الصورة الثانية ، وفي الصورة الاُولىوإن كان المشتري محالاً عليه ويجوز الحوالة على البريء ، إلاّ أنّ المفروض إرادة الحوالة عليه من حيث ثبوت الثمن في ذمّته ، فهي في الحقيقة حوالة على ما في ذمّته(1) لا عليه ، ولافرق بين أن يكون انكشاف البطلان قبل القبض أو بعده ، فإذا كان بعد القبض يكون المقبوض باقياً (2) على ملك المشتري فله الرجوع به ، ومع تلفه يرجع على المحتال في الصورة الاُولى وعلى البائع في الثانية .
[3631] مسألة 16 : إذا وقعت الحوالة بأحد الوجهين ثمّ انفسخ البيع بالإقالة أو بأحد الخيارات فالحوالة صحيحة ; لوقوعها في حال اشتغال ذمّة المشتري بالثمن ، فيكون كما لو تصرّف أحد المتبايعين فيما انتقل إليه ثمّ حصل الفسخ ، فإنّ التصرّف لايبطل بفسخ البيع . ولا فرق بين أن يكون الفسخ قبل قبض مال الحوالة أو بعده ، فهي تبقى بحالها ويرجع البائع على المشتري بالثمن ، وما عن الشيخ وبعض آخر من الفرق بين الصورتين والحكم بالبطلان في الصورة الثانية ـ وهي ما إذا أحال
(1) لا معنى للحوالة على ما في ذمّته، بل الحوالة هنا على الشخص بما في ذمّته، فإن كان ذلك بنحو الداعي صحّت الحوالة وتكون على البريء، وإن كان بنحو التقيّد بطلت.
(2) هذا في خصوص الصورة الاُولى، ويؤيّده التعبير بالبقاء. وأمّا الصورة الثانية بكلا شقّيها فالمأخوذ باق على ملك الأجنبي فيها، أمّا الشقّ الأوّل فواضح، وأمّا الثاني فلأنّه لم يكن في البين ما يوجب خروجه عن ملك الأجنبي إلاّ الحوالة، والأداء عقيبها بتخيّل صحّتها وقد انكشف الخلاف، فالمأخوذ باق على ملكه، ومنه يظهر أنّه مع التلف يكون الراجع هو الأجنبي في الصورة الثانية، والظاهر جواز رجوعه إلى المحتال وإلى المحيل الذي هو المشتري. نعم، له الرجوع عليه لو رجع عليه به.
(الصفحة674)
المشتري البائع بالثمن على أجنبيّ ; لأنّها تتبع البيع في هذه الصورة، حيث إنّها بين المتبايعين ـ بخلاف الصورة الاُولى ضعيف ، والتبعيّة في الفسخ وعدمه ممنوعة . نعم ، هي تبع للبيع ، حيث إنّها واقعة على الثمن ، وبهذا المعنى لا فرق بين الصورتين ، وربما يقال ببطلانها إن قلنا : إنّها استيفاء ، وتبقى إن قلنا : إنّها اعتياض ، والأقوى البقاء وإن قلنا : إنّها استيفاء ; لأنّها معاملة مستقلّة لازمة لا تنفسخ بانفساخ البيع، وليس حالها حال الوفاء بغير معاملة لازمة ، كما إذا اشترى شيئاً بدراهم مكسّرة فدفع إلى البائع الصحاح أو دفع بدلها شيئاً آخر وفاءً ، حيث إنّه إذا انفسخ البيع يرجع إليه ما دفع من الصحاح أو الشيء الآخر لا الدراهم المكسّرة ، فإنّ الوفاء بهذا النحو ليس معاملة لازمة ، بل يتبع البيع في الانفساخ ، بخلاف ما نحن فيه ; حيث إنّ الحوالة عقد لازم وإن كان نوعاً من الاستيفاء .
[3632] مسألة 17 : إذا كان له عند وكيله أو أمينه مال معيّن خارجي ، فأحال دائنه عليه ليدفع إليه بما عنده فقبل المحتال والمحال عليه وجب عليه الدفع إليه، وإن لم يكن من الحوالة(1) المصطلحة ، وإذا لم يدفع له الرجوع على المحيل ; لبقاء شغل ذمّته ، ولو لم يتمكّن من الاستيفاء منه ضمن(2) الوكيل المحال عليه إذا كانت الخسارة الواردة عليه مستنداً إليه; للغرور .
(1) بل ليس من الحوالة أصلاً، ولا يحتاج إلى قبول المحال عليه; لأنّه وكيل على ما هو المفروض، بل وقبول المحتال إذا كان ذلك المال مصداقاً لدينه.
(2) فيه نظر وإشكال.
(الصفحة675)
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب النكاح
[فصل
في فضل النكاح وآدابه]
النكاح مستحبّ في حدّ نفسه بالإجماع والكتاب والسنّة المستفيضة ، بل المتواترة، قال الله تعالى: {وَأَنكِحُوا الاَْيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [النور: 24 / 32] . وفي النبويّ المرويّ بين الفريقين : «النكاح سنّتي فمن رغب عن سنّتي فليس منّي». وعن الصادق، عن أميرالمؤمنين (عليهما السلام) قال : «تزوّجوا فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : من أحبّ أن يتّبع سنّتي فإنّ من سنّتي التزويج». وفي النبوي (صلى الله عليه وآله) : «ما بني بناء في الإسلام أحبّ إلى الله تعالى من التزويج». وعن النبيّ (صلى الله عليه وآله) : «من تزوّج أحرز نصف دينه، فليتّق الله في النصف الآخر». بل يستفاد من جملة من الأخبار استحباب حبّ النساء، ففي الخبر عن الصادق (عليه السلام) : «من أخلاق الأنبياء حبّ النساء». وفي آخر عنه (عليه السلام) : «ما أظنّ رجلاً يزداد في هذا الأمر خيراً إلاّ ازداد حبّاً للنساء». والمستفاد من الآية وبعض الأخبار أنّه موجب لسعة الرزق ، ففي خبر
(الصفحة676)
إسحاق بن عمّار : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الحديث الذي يرويه الناس حقّ إنّ رجلاً أتى النبيّ (صلى الله عليه وآله) فشكى إليه الحاجة ، فأمره بالتزويج... حتّى أمره ثلاث مرّات ؟ فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : «نعم هو حقّ» ثمّ قال : «الرزق مع النساء والعيال» .
[3633] مسألة 1 : يستفاد من بعض الأخبار كراهة العزوبة، فعن النبيّ (صلى الله عليه وآله) : «رذّال موتاكم العزّاب». ولا فرق على الأقوى في استحباب النكاح بين من اشتاقت نفسه ومن لم تشتق ; لإطلاق الأخبار ، ولأنّ فائدته لا تنحصر في كسر الشهوة ، بل له فوائد : منها : زيادة النسل وكثرة قائل لا إله إلاّ الله ، فعن الباقر (عليه السلام) : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «ما يمنع المؤمن أن يتّخذ أهلاً؟! لعلّ الله أن يرزقه نسمة تثقل الأرض بلا إله إلاّ الله» .
[3634] مسألة 2 : الاستحباب لايزول بالواحدة ، بل التعدّد مستحبّ أيضاً ، قال الله تعالى(1) : {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 4 / 3] ، والظاهر عدم اختصاص الاستحباب بالنكاح الدائم أو المنقطع ، بل المستحبّ أعمّ منهما ومن التسرّي بالإماء .
[3635] مسألة 3 : المستحبّ هو الطبيعة ; أعمّ من أن يقصد به القربة أو لا . نعم ، عباديّته وترتّب الثواب عليه موقوفة على قصد القربة .
[3636] مسألة 4 : استحباب النكاح إنّما هو بالنظر إلى نفسه وطبيعته ، وأمّا بالنظر إلى الطوارئ فينقسم بانقسام الأحكام الخمسة : فقد يجب بالنذر(2) أو العهد أو الحلف ، وفيما إذا كان مقدّمة لواجب مطلق ، أو كان في تركه مظنّة الضرر أو
(1) في دلالة الآية الشريفة على استحباب أزيد من الواحدة إشكال.
(2) لا بعنوانه الأوّلي الذي هو النكاح، فإنّ الوجوب الآتي من قبل النذر وشبهه يكون متعلّقه الوفاء بالنذر واختيه، ولا يسري منه إلى العناوين الأوّلية المتعلّقة للنذر ونحوه وهكذا الحال في مقدّمة الواجب وسائر الأمثلة.
(الصفحة677)
الوقوع(1) في الزنا أو محرّم آخر ، وقد يحرم(2) كما إذا أفضى إلى الإخلال بواجب ; من تحصيل علم واجب، أو ترك حقّ من الحقوق الواجبة، وكالزيادة على الأربع(3) ، وقد يكره كما إذا كان فعله موجباً للوقوع في مكروه ، وقد يكون مباحاً كما إذا كان في تركه مصلحة معارضة لمصلحة فعله مساوية لها . وبالنسبة إلى المنكوحة أيضاً ينقسم إلى الأقسام الخمسة: فالواجب ، كمن يقع في الضرر لو لم يتزوّجها أو يبتلي بالزنا معها لولا تزويجها ، والمحرّم نكاح المحرّمات عيناً أو جمعاً ، والمستحبّ المستجمع للصفات المحمودة في النساء ، والمكروه النكاح المستجمع للأوصاف المذمومة في النساء، ونكاح القابلة المربيّة ونحوها ، والمباح ما عدا ذلك .
[3637] مسألة 5 : يستحبّ عند إرادة التزويج اُمور :
منها : الخطبة .
ومنها : صلاة ركعتين عند إرادة التزويج قبل تعيين المرأة وخطبتها ، والدعاء بعدها بالمأثور، وهو : «اللهمّ إنّي اُريد أن أتزوّج فقدّر لي من النساء أعفّهُنّ فرجاً، وأحفظهنّ لي في نفسها ومالي، وأوسعهنّ رزقاً، وأعظمهنّ بركة، وقدّر لي ولداً طيّباً تجعله خلفاً صالحاً في حياتي وبعد موتي». ويستحبّ أيضاً أن يقول : «أقررت بالذي أخذ الله إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان» .
ومنها : الوليمة يوماً أو يومين لا أزيد ، فإنّه مكروه ، ودعاء المؤمنين، والأولى كونهم فقراء، ولا بأس بالأغنياء ، خصوصاً عشيرته وجيرانه وأهل حرفته،
(1) الظنّ بالوقوع في الزنا أو محرّم آخر إذا ترك النكاح لا يوجب صيرورته واجباً إلاّ إذا بلغ إلى حدّ الاطمئنان المتاخم للعلم.
(2) يجري ما ذكرناه في النذر وشبهه هنا أيضاً، وكذا في المكروه.
(3) الظاهر أنّ الزيادة على الأربع من المحرّمات الوضعية، ومعناها عدم وقوع النكاح لا وقوعه محرّماً، وكذا في نكاح المحرّمات عيناً أو جمعاً.
(الصفحة678)
ويستحبّ إجابتهم وأكلهم ، ووقتها بعد العقد أو عند الزفاف ليلاً أو نهاراً ، وعن النبيّ (صلى الله عليه وآله) : «لا وليمة إلاّ في خمس : عرس ، أو خرس ، أو عذار ، أو وكار ، أو ركاز» العرس : التزويج ، والخرس : النفاس ، والعذار : الختان ، والوكار : شراء الدار ، والركاز : العود من مكّة .
ومنها : الخطبة أمام العقد بما يشتمل على الحمد والشهادتين والصلاة على النبيّ (صلى الله عليه وآله)والأئمّة (عليهم السلام) ، والوصيّة بالتقوى والدعاء للزوجين ، والظاهر كفاية اشتمالها على الحمد والصلاة على النبيّ وآله (صلى الله عليه وآله) ، ولايبعد استحبابها أمام الخطبة أيضاً .
ومنها : الإشهاد في الدائم والإعلان به ، ولايشترط في صحّة العقد عندنا .
ومنها : إيقاع العقد ليلاً .
[3638] مسألة 6 : يكره عند التزويج اُمور :
منها : إيقاع العقد والقمر في العقرب ; أي في برجها لا المنازل المنسوبة إليها; وهي القلب والإكليل والزبانا والشولة .
ومنها : إيقاعه يوم الأربعاء .
ومنها : إيقاعه في أحد الأيّام المنحوسة في الشهر ; وهي الثالث والخامس، والثالث عشر، والسادس عشر، والحادي والعشرون، والرابع والعشرون والخامس والعشرون .
ومنها : إيقاعه في محاق الشهر ; وهو الليلتان أو الثلاث من آخر الشهر .
[3639] مسألة 7 : يستحبّ اختيار امرأة تجمع صفات ; بأن تكون بكراً ولوداً ، ودوداً ، عفيفة ، كريمة الأصل ; بأن لا تكون من زنا أو حيض أو شبهة ، أو ممّن تنال الألسن آباءها أو أمّهاتها ، أو مسّهم رقّ أو كفر أو فسق معروف ، وأن تكون سمراء، عيناء، عجزاء، مربوعة ، طيّبة الريح ورمّة الكعب ، جميلة ذات شعر ، صالحة تعين زوجها على الدنيا والآخرة ، عزيزة في أهلها ذليلة مع بعلها ، متبرّجة مع
(الصفحة679)
زوجها، حصاناً مع غيره . فعن النبيّ (صلى الله عليه وآله) : «إنّ خير نسائكم الولود الودود العفيفة، العزيزة في أهلها، الذليلة مع بعلها ، المتبرّجة مع زوجها، الحصان على غيره ، التي تسمع قوله وتطيع أمره، وإذا خلا بها بذلت له ما يريد منها، ولم تبذل كتبذّل الرجل، ثمّ قال : ألا اُخبركم بشرار نسائكم ؟ الذليلة في أهلها، العزيزة مع بعلها ، العقيم الحقود، التي لا تتورّع من قبيح ، المتبرّجة إذا غاب عنها بعلها، الحصان معه إذا حضر ، لا تسمع قوله ولا تطيع أمره ، وإذا خلا بها بعلها تمنّعت منه كما تمنّع الصعبة عن ركوبها ، لا تقبل منه عذراً ولا تغفر له ذنباً». ويكره اختيار العقيم ، ومن تضمّنته الخبر المذكور من ذات الصفات المذكورة التي يجمعها عدم كونها نجيبة ، ويكره الاقتصار على الجمال والثروة ، ويكره تزويج جملة اُخرى :
منها : القابلة وابنتها للمولود .
ومنها : تزويج ضرّة كانت لاُمّه مع غير أبيه .
ومنها : أن يتزوّج اُخت أخيه .
ومنها : المتولّدة من الزنا(1) .
ومنها : الزانية .
ومنها : المجنونة .
ومنها : المرأة الحمقاء أو العجوزة .
وبالنسبة إلى الرجال يكره تزويج سيء الخلق، والمخنّث، والزنج، والأكراد والخزر، والأعرابيّ، والفاسق، وشارب الخمر .
[3640] مسألة 8 : مستحبّات الدخول على الزوجة اُمور :
منها : الوليمة قبله أو بعده .
ومنها : أن يكون ليلاً ; لأنّه أوفق بالستر والحياء، ولقوله (صلى الله عليه وآله) : «زفّوا
(1) قد مرّ منه الحكم بكراهة تزويج المتولّدة من الزنا، ولا وجه للإعادة.
(الصفحة680)
عرائسكم ليلاً وأطعموا ضحى» . بل لايبعد استحباب الستر المكاني أيضاً .
ومنها : أن يكون على وضوء .
ومنها : أن يصلّي ركعتين والدعاء بعد الصلاة ـ بعد الحمد والصلاة على محمّد وآله ـ بالاُلفة وحسن الاجتماع بينهما ، والأولى المأثور، وهو : «اللهمّ ارزقني إلفها وودّها ورضاها بي، وأرضني بها واجمع بيننا بأحسن اجتماع وآنس ائتلاف ، فإنّك تحبّ الحلال وتكره الحرام» .
ومنها : أمرها بالوضوء والصلاة أو أمر من يأمرها بهما .
ومنها : أمر من كان معها بالتأمين على دعائه ودعائها .
ومنها : أن يضع يده على ناصيتها مستقبل القبلة ويقول : «اللّهمّ بأمانتك أخذتها، وبكلماتك استحللتها، فإن قضيت لي منها ولداً فاجعله مباركاً تقيّاً من شيعة آل محمّد (صلى الله عليه وآله)، ولاتجعل للشيطان فيه شركاً ولا نصيباً» . أو يقول : «اللهمّ على كتابك تزوّجتها، وفي أمانتك أخذتها، وبكلماتك استحللت فرجها، فإن قضيت في رحمها شيئاً فاجعله مسلماً سويّاً، ولا تجعله شرك شيطان». ويكره الدخول ليلة الأربعاء .
[3641] مسألة 9 : يجوز أكل ما ينثر في الأعراس مع الإذن ولو بشاهد الحال ; إن كان عامّاً فللعموم ، وإن كان خاصّاً فللمخصوصين ، وكذا يجوز(1) تملّكه مع الإذن فيه أو بعد الإعراض عنه ، فيملك وليس لمالكه الرجوع فيه وإن كان عينه موجوداً ، ولكن الأحوط لهما مراعاة الاحتياط .
[3642] مسألة 10 : يستحبّ عند الجماع الوضوء والاستعاذة والتسمية، وطلب الولد الصالح السويّ، والدعاء بالمأثور ; وهو أن يقول : «بسم الله وبالله اللهمّ
(1) فيه تأمّل.
|