مقدمة الناشر بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآلـه الطاهـرين . أمّا بعد ، فإنّ من أهمّ وظائف مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني(قدس سره) نشر أفكاره وآرائه الفقهية العلمية المدوّنة طيّ سنين حين تدريسه بقم المقدّسة والنجف الأشرف ، وقد وفينا بتصحيح وطبع جميع مؤلّفاته المكتوبة بقلمه الشريف من مباحث الطهارة والصلاة والمكاسب المحرّمة والبيع وغيرها مـن الكتب الفتوائيـة والاستدلالية . وطبعنا أيضاً كتبه الاُصولية والفلسفية والعرفانية والأخلاقية كما قد طبع أثره القيّم في المسائل السياسية «صحيفة الإمام» . ثّم اعلم أنّ كتاب الطهارة هو أوّل ما دوّنـه ا لإمام ا لراحل بأناملـه ا لكريمـة ، ولكن من ا لمؤسف لـه أنّ ا لإمام(قدس سره) لم يكتب أوائل هذا ا لكتاب ـ كمباحث المياه وا لوضوء والغسل الجنابة ـ بقلمـه ا لشريف ، بل اكتفى بإ لقائها على ا لمحقّقين من تلامذتـه ، فما كان منهم ـ حفظهم الله ـ إلاّ أن قيّدوه با لكتابـة ، حفظاً لـه من ا لضياع ، وضنّاً بـه عن ا لاندراس . ومن هذه التقريرات العالية في المتن والنظم ـ مع علوّ درجة المقرّر في العلم ـ هي تقريرات آية الله العظمى الشيخ محمد فاضل اللنكراني ـ دامت بركاته ـ في بحث المياه مـن كتاب الطهارة وهي من أوّل مباحث الطهارة على نسق كتاب «شرائع الإسلام» للمحقق الحلّي أبي القاسم جعفر بن الحسن (602 ـ 676) إلى أواخر بحث الوضوء تقريباً. ونوعد الطلاّب والفضلاء أن ننظّم ـ إن شاء الله ـ من سائر تقريرات الإمام كتاباً آخر يكمل به المباحث ويصير كتاب الطهارة كتاباً جامعاً كاملا. ثمّ من أهمّ خصائص هذا التقرير ـ مضافاً إلى دقّة نظر مقرّره وحسن تنظيمه وجودة عباراته ـ عرضه على الإمام الخميني(قدس سره) ونظره فيه كمايبدوا ذلك من تعليقة بخطّه الشريف في موضع من الكتاب (1) . منهج ا لتحقيق أمّا عملنا في تنظيم ونشر الكتاب ، فهو : 1 ـ تقطيع ا لمتن وتزيينـه بعلامات ا لترقيم ا لمتعارفـة . 2 ـ إضافـة عناوين بهدف تسهيل عمليـة مراجعـة ا لكتاب ومطا لعتـه ، ونظـراً لكثرة مـا أضفناه مـن ا لعناويـن فقد جـرّدناها مـن ا لعضادتين وبهذا اختلطت عناوين ا لمؤلّف مع عناويننا . 3 ـ استخراج الآيات ا لقرآنيـة مع ا لإشارة إلى مصادر ا لأحاديث ا لأصليـة كا لكتب ا لأربعـة . 1 ـ راجع الصفحة 164،الهامش 2 . 4 ـ استخراج ا لأقوال والآراء ا لفقهيـة والاُصوليـة وا للغويـة وا لرجا ليـة وا لتفسيريـة وا لحكميـة وغيرها ، على قدر ما عثرنا عليـه منها; سواء منها ا لصريحـة وغيرها . وفي ا لختام تتقدّم ا لمؤسّسـة با لشكر ا لجزيل وا لثناء ا لعاطـر إلى كلّ ا لإخوة ا لفضلاء ا لذين ساهموا في تحقيق هذا ا لكتاب ، راجيةً لهم ا لتسديد وا لموفّقية في خدمـة ديننا ا لحنيف . وآخر دعوانا أن ا لحمد لله ربّ ا لعا لمين ، وهو حسبنا ونعم ا لوكيل . بسم ا للّـه ا لرحمن ا لرحيم ا لحمد للّـه ربّ ا لعا لمين ، وا لصلاة وا لسّلام على خير خلقـه محمّد وعلى آلـه ا لطيّبين ا لطاهرين ، ولعنـة ا للّـه على أعدائهم أجمعين إ لى يوم ا لدين كتاب الطهارة والمراد منه مجموع المباحث المناسبة مع الطهارة وإن لم تكن عرضاً ذاتيّاً لأفعال المكلّفين. فالبحث عن حكم المياه الذي هو أحد الأركان لهذا الكتاب ـ كما سيجيء ـ يُعدّ من مسائل هذا الكتاب، مع عدم ارتباطه بفعل المكلّف إلاّ بواسطة أو وسائط. في المياه وفيها مسائل المسألة الاُولى وقد عرّفـه ا لمحقّق في «ا لشرائع» : بأ نّـه عبارة عن كلّ ما يستحقّ إطلاق اسم ا لماء عليـه من غير إضافـة(1) . ولايخفى أنّ ا لإضافـة على قسمين : قسم يكون للمضاف إ ليـه مدخليّـة في حقيقـة ا لمضاف . وبعبارة اُخرى : يكون كا لفصل لـه . وقسم لايكون كذلك ، بل ا لإضافـة إنّما هي لأجل تعلّق ا لمضاف إ ليـه با لمضاف ظرفاً ، كماء ا لحمّام ، وماء ا لنهر ، وماء ا لبحر ، وماء ا لكوز . ولايخفـى دخـول ا لقسم ا لثانـي فـي ا لمـاء ا لمـطلق ; إذ كلّ مـاء لـه إضافـة أو إضافات . ويلحق با لمضاف ما يكون مركّباً من ا لماء وشيء آخر ، ولكن لـه اسم واحد من دون إضافـة . 1 ـ شرائع ا لإسلام 1 : 4 . المسألة الثانية الماء المطلق طاهرٌ مطهّر قال ا لمحقّق في «ا لشرائع» : «وكلّـه طاهر مزيل للحدث وا لخبث ، وباعتبار وقوع ا لنجاسـة فيـه ينقسم إ لى جار ومحقون وماء بئر»(1) . وا لأولى أن يقا ل : ا لماء إمّا جار أو لم يكن كذلك ، وغير ا لجاري إمّا يكـون ماء بئر أو لايكـون كذلك ; وذلك لأنّ ا لتقسيم إ لى ا لثـلاثـة ـ كما في «ا لشرائع» ـ لايكـون حاصـراً لجميع ا لأقسام ; لعـدم شمولـه للماء ا لقليل غير ا لمحقون ، كما هو واضح . وا لمهمّ في ا لمقام إثبات ما ادّعاه من ا لقضيّـة ا لكلّيّـة وهي : أنّ كلّ ماء مطلق طاهرٌ ومطهّر للحدث وا لخبث ; إذ لو ثبتت هذه ا لقضيـة بنحو ا لعموم ، لوجب ا لرجوع إ ليها في موارد ا لشكّ في مطهّريّـة ماء أو في كيفيّـة تطهيره ، وهذه ا لموارد كثيرة ، كما سيجيء في ضمن ا لمباحث ا لآتيـة . 1 ـ شرائع ا لإسلام 1 : 4 . الاستدلال بالكتاب على أنّ الماء طاهر مطهِّر وكيف كان ، فقد استُدلّ(1) لإثبات ذلك با لكتاب : قا ل الله تعا لى : (هُوَ ا لَّذي أَرْسَلَ ا لرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ وَ أَنْزَلْنَا مِنَ ا لسَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَ نُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَ أَنَاسِيَّ كَثِيراً)(2) . بتقريب: أنّ ا لطهور صيغـة مبا لغـة من ا لطاهر ، وحيث إنّ ا لطهارة في مقابل ا لنجاسـة غير قابلـة للشدّة وا لضعف ، فلا محيص أن يكون ا لمراد بـه ا لمطهّريّـة للأحداث وا لخبائث ، وهذا ا لمعنى بضميمـة أنّ كلّ ماء فهو نازل من ا لسماء ، وأنّ مقام ا لامتنان يقتضي ا لتعميم لكلّ ماء ، يُثبت ا لمطلوب ، وهو أنّ كلّ ماء مطلق طاهرٌ ومطهِّر . أقول: ا لطهـارة فـي ا للغـة عبارة عن ا لنظافـة وا لنزاهـة(3) ; أي بحسب نظـر ا لعـرف وا لعقلاء ; مـن دون فرق بين أن يكـون فـي نظـر ا لشارع نجساً ، أم لم يكن كذلك . ومن ا لواضح أنّ ا لمراد با لطهور ا لطهارة بهذا ا لمعنى ا للغوي ، وهو قابل للشدّة وا لضعف وا لزيادة وا لنقصان ، فيصحّ أن يقا ل : إنّ ا لماء ا لنازل من ا لسماء في غايـة ا لنظافـة وشدّة ا لنزاهـة . وا لوجـه فيـه : كونـه مُزيلاً للخبائث وا لأقذار ، فهو ا لأصل في ا لنظافـة . 1 ـ ا لمعتبر 1 : 37 ، ا لحدائق ا لناضرة 1 : 172 ، جواهر ا لكلام 1 : 62 . 2 ـ ا لفرقان (25) : 48 ـ 49 . 3 ـ راجع ا لصحاح 2 : 727 ، لسان ا لعرب 8 : 211 ، ا لمصباح ا لمنير : 379 . وبا لجملـة:فمقتضى ا لآيـة ا لشريفـة كون ا لماء نظيفاً في ا لغايـة وهذا لايدلّ على كونـه طاهراً شرعاً ، فضلاً عن كونـه مطهِّراً لغيره ، ولو سُلّم كون «ا لطَّهور» بمعنى ا لطاهر في نفسـه ا لمطهِّر لغيره ـ كما صرّح بـه بعض أهل ا للغـة(1) ـ فلاتدلّ ا لآيـة أيضاً على ا لمطلوب ; إذ مقتضاها مطهِّريّـة ا لماء ا لنازل مـن ا لسماء بنحو ا لإجما ل ، ولو سُلّم فمفادها ا لتعميم لكلّ ماء نازل من ا لسماء ، ولا دليل على كون جميع ا لمياه نازلـة من ا لسماء . وقد استُدلّ(2) لـه ـ أيضاً ـ بقولـه تعا لى : (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ ا لسَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ)(3) . وهذه ا لآيـة ـ على ما نُقل ـ نزلت في وقعـة بدر ; وذلك لأنّ ا لكفّار سبقوا ا لمسلمين إ لى ا لماء ، فاضطُرّ ا لمسلمون للنزول على تلّ من رمل سيّا ل لاتثبت بـه ا لأقدام ، وأكثرهم خائفون لقلّتهم وكثرة ا لكفّار ; لأنّ أصحاب ا لنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كانوا ثلاث مائـة وثلاثـة عشر رجلاً ، ومعهم سبعون جَمَلاً يتعاقبون عليها ، وفَرَسان إحداهما للزبير بن ا لعوّام ، وا لاُخرى للمقداد بن ا لأسود ، وكان ا لمشركون ألفاً ، ومعهم أربع مائـة فرس ، وقيل : مائتان ، فبات أصحاب ا لنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) تلك ا لليلـة على غير ماء ، فاحتلم أكثرهم ، فتمثّل لهم إبليس وقا ل : تزعمون أ نّكم على ا لحقّ وأنتم تصلّون با لجنابـة وعلى غير وضوء ، وقد اشتدّ عطشكم ، ولو كنتم على ا لحقّ ما سبقوكم إ لى ا لماء ، وإذا أضعفكم ا لعطش قتلوكم كيف شاؤوا ، فأنزل الله تعا لى عليهم ا لمطر وزا لت تلك ا لعلل(4) . 1 ـ معجم مقاييس ا للغـة 3 : 428 ، ا لمصباح ا لمنير : 379 . 2 ـ منتهى ا لمطلب 1 : 4 / ا لسطر 29 ، ا لحدائق ا لناضرة 1 : 172 ، جواهر ا لكلام 1 : 62 . 3 ـ ا لأنفا ل (8) : 11 . 4 ـ مجمع ا لبيان 4 : 808 ـ 810 ، تفسير نور ا لثقلين 2 : 127 ـ 128 . ومن ملاحظـة مورد ا لنزول ، يظهر ا لجواب عن ا لاستدلال بالآيـة لتلك ا لقضيّـة ا لكلّيّـة ، مضافاً إ لى اشتراكها مع ا لآيـة ا لمتقدّمـة في بعض ا لأجوبـة . هذا مقتضى ا لكتاب . الاستدلال بالسنّة على أنّ الماء طاهرٌ مطهِّر وأ مّا ا لروايات : فلايستفاد منها أيضاً ا لعموم ; لأنّ أظهرها في ا لدلالـة ما روي عن أبي عبدالله (عليه السلام) أ نّـه قا ل : «قا ل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ا لماء يطهِّر ولايطهَّر»(1) . ولايخفى أنّ ا لروايـة ـ بقرينـة قولـه : «لايطهَّر» ـ ليست إلاّ بصدد بيان كونـه مطهِّراً في ا لجملـة ; في قبا ل عدم إمكان تطهيره بشيء آخر أو بماء آخر ، لا بصدد بيان كون ا لماء مطهّراً على نحو ا لإطلاق . نعم لاينبغي إنكار ما وقع في بعض ا لروايات من إطلاق لفظ «ا لطهور» على ا لطاهر ا لمطهّر(2) ، ولكنّـه لايستفاد منـه ما نحن بصدده ، فراجع . وا لذي يسهّل ا لخطب بحيث لايحتاج إ لى تكلّف إقامـة ا لدليل ، كون ا لمطلب إجماعيّاً لو لم يكن ضروريّاً(3) . 1 ـ ا لكافي 3 : 1 / 1 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 134 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب1 ، ا لحديث6 . 2 ـ ا لمعتبر 1 : 40 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 135 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب1 ، ا لحديث9 . 3 ـ مدارك ا لأحكام 1 : 26 ، ا لحدائق ا لناضرة 1 : 172 ، جواهر ا لكلام 1 : 62 . الماء الجاري وا لكلام فيـه يقع في مقامات : المقام الأوّل وقد عرّفـه جماعـة ـ بل قيل : إنّـه ا لمشهور ـ : بأ نّـه هو ا لنابع ا لسائل على ا لأرض ـ ولو في ا لباطن ـ سيلاناً معتدّاً بـه . وقد صرّح بـه في كلام صاحب ا لجواهر(1) ، ويظهر من ا لشيخ في طهارتـه(2) . وقد يُفسّر ـ كما عن «ا لمسا لك» ـ : بأ نّـه هو ا لنابع غير ا لبئر ; سواء كان جارياً على ا لأرض ، أم لم يكن كذلك(3) ، وتسميتـه ـ حينئذ ـ جارياً إمّا حقيقـة عرفيّـة خاصّـة ، أو من باب ا لتغليب ; لتحقّق ا لجريان في كثير من أفراده ، وعليـه فمثل ا لعيون ا لتي لاتدخل تحت عنوان ا لبئر ، ولم يكن ماؤه جارياً على ا لأرض فعلاً ، يكون من ا لجاري . 1 ـ جواهر ا لكلام 1 : 72 . 2 ـ ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 69 . 3 ـ مسا لك ا لأفهام 1 : 12 . أقول : لا إشكا ل في عدم إطلاق ا لماء ا لجاري على ا لماء ا لخارج من ا لإبريق اتّفاقاً . نعم يقا ل : ا لماء جار منـه ، باعتبار معناه ا لحَدَثي ، ولايقا ل : ا لماء ا لجاري ، وهذا يدلّ على عدم كون هذا ا لمشتقّ تابعاً لفعلـه في ا لإطلاق ، بل يعتبر فيـه خصوصيّـة زائدة ، كإطلاق ا لتاجر ـ مثلاً ـ فإنّـه لايقا ل لمن صدرت منـه ا لتجارة دفعـة ; من دون أن يتّخذها حرفـة وصنعـة : إنّـه تاجر ، بل يعتبر في صدقـه اشتغا لـه با لتجارة بحيث صارت حرفـة لـه . وبا لجملـة:ا لمشتقّات على قسمين : قسم يصحّ إطلاقـه بمجرّد تحقّق مبدئـه وحدوثـه من ا لفاعل ، كا لضارب وا لقاتل ونحوهما . وقسم لايكفي مجرّد حدوث ا لمبدأ وصدوره في صحّـة جريـه وإطلاقـه ، كمثا ل ا لتاجر ، وا لظاهر أنّ عنوان ا لجاري في ا لمقام من هذا ا لقبيل ; إذ يصحّ ـ كما عرفت ـ أن يقا ل : جرى ا لماء من ا لإبريق ، ولايصحّ أن يقا ل : إنّـه ا لماء ا لجاري ، كما يظهر بمراجعـة ا لعرف . وحينئذ فهل يعتبر في صدقـه ا لنبوع من ا لأرض وا لسيلان با لفعل ، كما عرفت من «ا لجواهر» ، أو يعتبر أن يكون لـه مادّة مع ا لجريان(1) ; سواء كانت مادّتـه تحت ا لأرض كا لعيون ، أو فوق ا لأرض كا لماء ا لجاري على ا لأرض ، ا لحاصل من ذوبان ا لثلج على ا لجبا ل ، أو يعتبر فيـه ا لنبع من ا لأرض ; سواء كان جارياً على ا لأرض أم لم يكن كذلك ، كما عرفت من «ا لمسا لك» ، بل يظهر من بعضهم أ نّـه ا لمشهور بينهم(2) ؟ 1 ـ ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 69 . 2 ـ اُنظر ا لروضـة ا لبهيّـة 1 : 252 ، مستمسك ا لعروة ا لوثقى 1 : 131 . ويمكن أن يورد على ا لأوّل : بأنّ مادّة ا لجريان لم يؤخذ فيها ا لنبوع ، كما يظهر بمراجعـة ا للغـة(1) ، وقد عرفت أ نّـه يقا ل : جرى ا لماء من ا لإبريق ونحوه ، وهذا بمكان من ا لوضوح . وحينئذ فإن كان إطلاق ا لجاري من قبيل إطلاق ا لتاجر ; بحيث لم يعتبر فيـه اشتغا لـه با لتجارة فعلاً ، بل يكفي في صدقـه اتّخاذه صنعـة وحرفـة ، فا للازم عدم اعتبار ا لتلبّس با لمبدأ با لفعل في معنى ا لجاري ، وحينئذ فلا وجـه لإضافـة قيد ا لسيلان با لفعل واعتباره في تحقّقـه ، بل لابدّ من ا لالتزام بكفايـة ملكـة ا لجريان في صدقـه وإن لم يكن جارياً با لفعل ، كما أ نّـه يطلق «ا لتاجر» على ا لتاجر ا لمحبوس ، غير ا لمشتغل با لتجارة في بُرهـة من ا لزمان . وبا لجملـة : فلفظ ا لجاري : إمّا أن يكون تابعاً لفعلـه في ا لصدق ، وإمّا أن يكون من قبيل ا لتاجر . فعلى ا لأوّل لامجا ل لأخذ قيد ا لنبوع من ا لأرض فيـه . كما أ نّـه على ا لثاني لاوجـه لاعتبار ا لجريان با لفعل في صدقـه وتحقّقـه ، فا لجمع بين ا لأمرين ممّا لاتساعد عليـه ا للغـة . ا للّهمّ إلاّ أن يقا ل بموافقـة ا لعرف معـه ، وحينئذ فلا وجـه لما يظهر من بعض ا لكلمات من دلالـة ا للغـة وا لعرف على هذا ا لمعنى(2) ، وكأنّ صاحب ا لجواهر (قدس سره) تفطّن لعدم كون ا للغـة مساعـدة على هذا ا لمعنى ، ولأجلـه ا دّعى كونـه هو ا لمتبادر عند ا لعرف ، وتثبت بـه ا للغـة(3) . 1 ـ معجم مقاييس ا للغـة 1 : 448 ، ا لمصباح ا لمنير : 97 ـ 98 ، مجمع ا لبحرين 1 : 82 . 2 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 29 ـ 30 . 3 ـ جواهر ا لكلام 1 : 72 . في اعتبار المادّة للماء الجاري وكيف كان ، فا لظاهر في معنى ا لجاري اعتبار أن يكون لـه مادّة تحت ا لأرض ، فا لماء ا لجاري من مادّة حاصلـة على ا لأرض ـ كا لثلج على ا لجبا ل ـ لايقا ل لـه : إنّـه ا لماء ا لجاري ، كما يظهر بمراجعـة ا لعرف ، ولايبعد ا لقول بعدم لزوم ا لجريان على وجـه ا لأرض با لفعل ، بل يكفي كونـه قابلاً ومستعدّاً للجريان ; بحيث لو لم يمنع عنـه مانع يكون كسائر ا لمياه ا لجاريـة على وجـه ا لأرض ، ومقتضى ذلك كون ماء ا لبئر ماءً جارياً أيضاً ، ولعلّ استثناء صاحب ا لمسا لك ـ كما تقدّم(1) ـ لعدم مساعدة ا لعرف عليـه . ثمّ إنّـه هل يعتبر في ا لنبع من ا لأرض أن يكون على وجـه يخرج ا لماء دفعـة ، أو يكفي أن يكون خروجـه بنحو ا لرشح ؟ ا لظاهر هو ا لثاني . كما أ نّـه لايعتبر أيضاً أن يكون خارجاً من عين ; بمعنى أن يكون لـه منبع تحت ا لأرض يخرج منـه ا لماء ، بل يكفي ا لخروج من تحت ا لأرض ولو لم يكن لـه منبع تحتها ; بأن كان ذلك لتبدّل ا لأبخرة با لماء تدريجاً وخروجـه منـه ، وذلك ظاهر لمن راجع ا لعرف ، وإن كان ا لظاهر من كلمات بعض أهل ا للغـة اعتبار ا لخروج من ا لعين في تحقّق ا لنبع(2) . نعم ما ذكرناه من كفايـة كون خروج ا لماء بنحو ا لرشح ، إنّما هو فيما إذا كان ا لماء ا لمجتمع من ا لرشحات متّصلاً بها . وعليـه فا لماء ا لجاري على وجـه ا لأرض ، ا لحاصل من رشحات واقعـة 1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 15 . 2 ـ ا لمصباح ا لمنير : 591 ، ا لقاموس ا لمحيط 3 : 89 ـ 90 ، مجمع ا لبحرين 4 : 394 . فوق ا لجبا ل ; بأن كان ا لماء مترشّحاً على مكان من فوقها ، ثمّ يصير مجتمعاً في ذلك ا لمكان ا لأسفل ، ثمّ يجري على وجـه ا لأرض ، لايكون ماءً جارياً قطعاً . حكم الشكّ في صدق عنوان الماء الجاري ثمّ إنّـه لو شككنا في شيء من ا لمياه أ نّـه يصدق عليـه عنوان ا لماء ا لجاري أم لا ،؟ فقد يكون منشأ ا لشكّ اشتباه مفهوم ا لجاري وإجما لـه ، وقد يكون اشتباه ا لاُمور ا لخارجيّـة . فعلى ا لأوّل ـ ا لذي يكون من موارد ا لدوران بين ا لأقلّ وا لأكثر ; لأنّ ا لمفروض أنّ ا لماء ا لنابع ا لسائل على وجـه ا لأرض ، يصدق عليـه ا لجاري قطعاً ، وإنّما ا لشكّ في كون مفهومـه أوسع من هذا ا لمقدار ، فا لترديد لامحا لـة بين ا لأقلّ وا لأكثر ـ لابدّ من ا لرجوع إ لى أحد ا لعمومين ا لآتيين : أحدهما : ما ورد عن ا لنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من أ نّـه قا ل : «خلق الله ا لماء طهوراً لاينجّسـه شيء إلاّ ما غيّر لونـه أو طعمـه أو ريحـه»(1) . أثانيهما : ا لأخبار ا لكثيرة ا لواردة عن ا لعترة ا لطاهرة ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ في حكم ا لماء ا لقليل(2) ا لتي سيجيء نقلها . وتوضيحـه : أ نّـه إن قلنا بانصراف عنوان ا لماء ا لقليل عن ا لماء ا لجاري ، فا لواجب ا لرجوع ـ فيما يشكّ في كونـه جارياً ـ إ لى ا لعموم ا لمروي عن ا لنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ا لمشهور بين ا لفريقين ، وا لحكم بكونـه طاهراً مع ا لملاقاة للنجس 1 ـ ا لمعتبر 1 : 40 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 135 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب1 ، ا لحديث9 . 2 ـ وسائل ا لشيعـة 1 : 150 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب8 . وإن لم يكن كُرّاً ، وإن لم نقل بالانصراف ـ كما هو ا لظاهر ـ فا لواجب ا لرجوع في مورد ا لشكّ إ لى ما ورد في حكم ا لماء ا لقليل ; إن كان مورد ا لشكّ قليلاً ولم يبلغ حدّ ا لكرّ ، وإ لى عموم ما ورد في ا لماء ا لكُرّ(1) لو كان كُرّاً ، فيجري عليـه أحكام ا لكُرّ وإن كانت مباينـة مع حكم ا لماء ا لجاري ، كما أ نّـه لو شكّ في ماء ا لبئر أ نّـه جار أو غير جار ، يجب ا لرجوع إ لى ما ورد في حكم ماء ا لبئر من ا لروايات ا لآتيـة(2) . وبا لجملـة:فأدلّـة ا لماء ا لجاري قاصرة عن إثبات حكمـه لمورد ا لشكّ ، بل ا للازم ا لرجوع في كلّ مورد إ لى ما يكون ذلك ا لمورد داخلاً تحت موضوعـه قطعاً ، ومنطبقاً عليـه عنوانـه بتّاً . 1 ـ راجع وسائل ا لشيعـة 1 : 158 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب9 . 2 ـ يأتي في ا لصفحـة 123 . |