(الصفحة 81)
اعتبار الامتزاج في تطهير الماء المتنجّس
ثمّ إنّـه بعد ا لفراغ من كون ا لماء قابلاً للتطهير ، يقع ا لكلام في كيفيّـة تطهير ا لماء ا لمتنجّس .
فنقول : عُمدة ما ورد من ا لروايات في هذا ا لباب : هي صحيحـة محمّد بن إسماعيل بن بزيع ا لمتقدّمـة(1) .
وقد تتوهّم : دلالتها على كفايـة مجرّد اتّصا ل ا لماء ا لمتنجّس با لماء ا لمعتصم ، كا لجاري وا لكُرّ ، ولايعتبر ا لامتزاج ، فضلاً عن ا لاستهلاك(2) ; بتقريب : أ نّـه لا إشكا ل في أ نّـه لا خصوصيّـة للنزح ا لمأمور بـه فيها ، بل يكون مقدّمـة لزوال ا لتغيّر ا لموجب لنجاسـة ا لماء ، وا لتعليل ا لوارد فيها لايوجب ا لاختصاص با لمياه ا لتي لها مادّة ; لأنّ ا لخصوصيّـة ا لتي بها تمتاز ا لمادّة عن سائر ا لمياه ا لمعتصمـة ـ وهي ا لنبع وا لجريان من عروق ا لأرض ـ لا مدخليّـة لها أصلاً ، وحينئذ فمدلول ا لروايـة : أنّ زوال ا لتغيّر موجب لارتفاع ا لنجاسـة ا لمسبَّبـة عنـه ; لاتّصا لـه بماء معتصم ، ولايستفاد منها اعتبار أزيد من ا لاتّصا ل .
ويرد عليـه : أنّ زوال ا لتغيّر ا لمسبّب عن ا لنزح ، إنّما يتحقّق بإخراج ا لماء منـه تدريجاً ، ثمّ ا لخروج عن ا لمادّة بمقداره وامتزاجـه با لمياه ا لموجودة فيـه ، وإلاّ فمجرّد ا لاتّصا ل با لمادّة ، لايوجب زوال ا لتغيّر من ا لماء ا لذي كان متغيّراً ; إذ تقليلـه لايوجب تضعيف ا لتغيّر ، وإنّما يرتفع بالإخراج وا لخروج من ا لمادّة تدريجاً مع امتزاجـه .
1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 37 . 2 ـ اُنظر مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 58 ـ 59 و 108 .
(الصفحة 82)
وبا لجملـة : فللنزْح خصوصيّتان : إحداهما ا لإخراج با لدلو وأمثا لـه ، ثانيتهما أ نّـه موجب للخروج من ا لمادّة بمقداره وامتزاجـه با لماء ا لموجود في ا لبئر .
وا لأوّل لا إشكا ل في عدم دخا لتـه بنظر ا لعرف أصلاً ، بل لايكون أصل ا لإخراج معتبراً عندهم ، فلو خرج ماء كثير من ا لمادّة أحياناً ; بحيث صار موجباً لزوال ا لتغيّر ترتفع ا لنجاسـة.
وا لثاني لادليل على عدم دخا لتـه وكونـه مُلغىً ، بل يحتمل قويّاً مدخليّتـه في زوال ا لنجاسـة .
فظهر : أنّ مقتضى ا لروايـة اعتبار ا لامتزاج في ا لجملـة ، وقد عرفت ـ فيما سبق ـ عدم دلالتها على اعتبار ا لاستهلاك(1) ; لأنّ زوال ا لتغيّر إنّما يتحقّق تدريجاً ، فا لمياه ا لخارجـة من ا لمادّة ما لم يحصل زوال ا لتغيّر ، تكون نجسـة ، فزوال ا لنجاسـة بزوال ا لتغيّر ، إنّما يتحقّق بمقدار ا لدلو أو ا لدلوين ا للذين يحصل بهما زوال ا لتغيّر .
هذا مضافاً إ لى أنّ ا لتغيّر ا لموجب لحدوث ا لنجاسـة ، قد يكون ضعيفاً ; بحيث لايحتاج زوا لـه إ لى أزيد من نزح دلو أو دلوين ، فمقتضى إطلاق ا لروايـة ـ وشمولها لمثل هذه ا لصورة ا لتي يكون ا لاستهلاك من ناحيـة ا لمطهّر ، فضلاً عن ا لعكس ـ عدم اعتبار استهلاك ا لماء ا لمتنجّس في ا لماء ا لمعتصم أصلاً .
هذا كلّه بناءً على إ لغاء خصوصيّة كون ا لماء ذا مادّة ، كما ذكره ا لمتوهّم(2) .
وأ مّا بناء على عدمه ، فيختصّ ا لحكم با لمياه ا لتي تكون لها مادّة ، كا لجاري وا لبئر ، فلابدّ من استفادة حكم تطهير ا لمياه ا لراكدة ا لمتنجّسـة من دليل آخر .
1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 46 . 2 ـ ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 144 ـ 146 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 78 .
(الصفحة 83)
حول الاستدلال على عدم اعتبار الامتزاج في التطهير
وقد يستدلّ على كفايـة مجرّد ا لاتّصا ل با لماء ا لمعتصم ـ من دون توقّف على ا لامتزاج ـ بما ورد من قولـه (عليه السلام) : «كلّ شيء يراه ماء ا لمطر فقد طهر»(1) ، وقولـه (عليه السلام) ـ مشيراً إ لى غدير من ا لماء ـ : «إنّ هذا لايصيب شيئاً إلاّ وطهّره»(2) .
بتقريب : أنّ مقتضى إطلاقهما وشمولهما للماء ا لمتنجّس ، أن يُكتفى في تطهيره بمجرّد رؤيتـه ماء ا لمطر أو إصابـة ا لماء ا لمعتصم لـه . ومن ا لواضح أنّ تحقّق هذا لايتوقّف على ا لامتزاج ، بل تصدق ا لرؤيـة وا لإصابـة بمجرّد الاتّصا ل ; لأنّ ا لمفروض كون ا لماء واحداً عقلاً وعرفاً ، فاتّصاف بعض ا لأجزاء بكونـه مرئيّاً للمطر أومصاباً للماء ا لمعتصم ، يكفي في صدق كون ا لماء متّصفاً بهذا ا لوصف(3) .
ويرد عليـه : أنّ ا لظاهر أنّ ا لمراد منهما هو تلاقي كلّ جزء من ا لأجزاء ا لنجسـة مع ماء ا لمطر أو ا لماء ا لمعتصم ا لآخر ، كما هو ا لحا ل في ا لجامدات ا لنجسـة ، فكما أنّ ا لثوب ا لمتنجّس بجميع أجزائـه لايطهر بمجرّد رؤيـة ماء ا لمطر ، أو إصابـة ا لماء ا لمعتصم لبعض أطرافـه ، فكذلك ا لماء ا لمتنجّس بجميع أجزائـه ، لايعرض لـه ا لطهارة بمجرّد رؤيـة بعض أجزائـه أو إصابتـه .
وما يقال : من أ نّـه لا فرق بين ا لطهارة وا لنجاسـة ، فكما أنّ عروض
1 ـ ا لكافي 3 : 13 / 3 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 146 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب6 ، ا لحديث 5 . 2 ـ مختلف ا لشيعـة 1 : 15 ، مستدرك ا لوسائل 1 : 198 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 9 ، ا لحديث 8 . 3 ـ جواهر ا لكلام 1 : 149 ـ 150 ، ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 144 ـ 145 ، اُنظر مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 96 .
(الصفحة 84)
ا لنجاسـة للماء غير ا لبا لغ حدّ ا لكرّ ، لايتوقّف على ملاقاة جميع أجزائـه مع ا لنجاسـة ، بل يتّصف بها بمجرّد ملاقاة بعض أجزائـه معها ، فكذلك زوا لها لايتوقّف على اتّصا ل جميع أجزائـه ا لنجسـة با لماء ا لمعتصم(1) .
مدفوع : بأنّ قياس ا لطهارة على ا لنجاسـة مع ا لفارق ، كما يظهر بمراجعـة ا لعرف ، فإنّهم لايرتفع استقذارهم من ا لماء ـ ا لذي وقع فيـه بعض ا لقذارات ا لصوريّـة ـ بمجرّد اتّصا لـه بماء آخر ، كما أ نّهم لايستعملون ا لماء ا لذي وقع ا لقذر في بعض أطرافـه .
وبا لجملـة : فمقتضى ا لروايتين عدم حصول ا لطهارة بمجرّد إصابـة ا لماء لبعض أجزاء ا لماء ا لمتنجّس ، بل تتوقّف على إصابته لجميع أجزائه ، ولذا لو لم يكن في هذا ا لباب إلاّ هاتان ا لروايتان ، لأشكل استفادة كون ا لماء قابلاً للتطهير منهما ; لأنّ مفادهما هو اعتبار ا لاستهلاك با لنسبـة إ لى ا لماء ا لنجس ; لأ نّـه مساوق لوصول ا لماء ا لمطهّر إ لى جميع أجزائـه ، وقد عرفت أنّ ا لمناط في كون ا لشيء قابلاً للتطهير ، هو بقاؤه بحقيقتـه بعده(2) ، وا لاستهلاك مناف لذلك .
وربما يستدلّ(3) لكفايـة مجرّد ا لاتّصا ل بما ورد في ماء ا لحمّام : من أ نّـه «كماء ا لنهر يطهِّر بعضـه بعضاً»(4) .
وفيـه : أنّ نجاسـة ماء ا لنهر إنّما هي بعد تغيّره بأحد أوصافـه ا لثلاثـة ، وقد عرفت أنّ ا لماء ا لمتغيّر لايمكن ارتفاع تغيّره بمجرّد اتّصا لـه بماء آخر ، بل زوال
1 ـ كشف ا للثام 1 : 310 ، جواهر ا لكلام 1 : 134 ـ 135 . 2 ـ تقدّم في ا لصفحـة 79 . 3 ـ ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 144 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 96 . 4 ـ ا لكافي 3 : 14 / 1 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 150 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب7 ، ا لحديث 7 .
(الصفحة 85)
ا لتغيّر مسبّب عن امتزاج ا لماءين واختلاط أجزائهما كما لايخفى(1) .
وربما يوجّـه هذا ا لقول أيضاً بما يمكن أن يورد على ا لقائلين باعتبار ا لامتزاج ، وعدم كفايـة مجرّد ا لاتّصا ل : وهو أنّ ا لمراد بالامتزاج هل هو امتزاج ا لكلّ با لماء ا لعاصم ، أو امتزاج بعضـه ؟
وا لأوّل محا ل ; لاستلزامـه تداخل أحد ا لجسمين في ا لآخر . وعلى تقدير إمكانـه فالاطّلاع على هذا ا لنحو من ا لامتزاج ممتنع عادة .
وا لثاني تحكّم صِرف لو اُريد بـه أزيد من ا لامتزاج ا لحاصل من ا لاتّصا ل ، ولو اُريد بـه غيره فهو ا لمطلوب(2) .
وفيـه :أ نّـه لم يرد لفظ «ا لامتزاج» وعنوانـه في نصّ أو معقد إجماع ; حتّى يورد عليـه بما ذكر ، بل قد عرفت أنّ ا لعمدة في هذا ا لباب هي ا لصحيحـة ا لمتقدّمـة(3) ، وا لمستفاد منها ـ بعد دلالتها على اعتبار ا لامتزاج ، كما ظهر سابقاً ـ هو ا لامتزاج بحيث يوجب زوال ا لتغيّر ولو كان متغيّراً بتغيّر ضعيف ; لأنّ مقتضى إطلاقها ـ كما عرفت(4) ـ أ نّـه لو حصل تغيّر ضعيف للماء ـ ولو كان في غايـة ا لضعف ـ وزال بسبب امتزاجـه با لماء ا لطاهر ا لعاصم ، يكفي مجرّد زوا لـه في ارتفاع نجاسـة جميع ا لماء ، فا لمقدار ا لمعتبر من ا لامتزاج ، هو ما يكون مؤثّراً في زوال ا لتغيّر ولو كان متغيّراً بتغير ضعيف .
ويؤيّده : أنّ ما ذكرنا هو ا لمجمع عليـه بين ا لأصحاب ; بمعنى عدم وجود
1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 81 . 2 ـ ا لحدائق ا لناضرة 1 : 334 ـ 335 ، مقابس ا لأنوار : 82 / ا لسطر 15 ، ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 147 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 109 . 3 ـ تقدّم في ا لصفحـة 81 . 4 ـ تقدّم في ا لصفحـة 82 .
(الصفحة 86)
ا لقائل بأزيد من هذا ا لمقدار(1) ، ما عدا بعض ا لمتأخّرين حيث احتمل ـ بل استظهر ـ اعتبار ا لاستهلاك(2) ، وقد عرفت أنّ مرجعـه إ لى عدم كون ا لماء قابلاً للتطهير ، وأ نّـه وا لأعيان ا لنجسـة في صفّ واحد(3) ، كما هو غير خفيّ .
ثمّ إنّ ا لمرجع لو شكّ في حصول ا لامتزاج با لمقدار ا لمذكور ، هو استصحاب ا لنجاسـة وعدم تحقّق ا لطهارة .
عدم اعتبار علوّ المطهِّر
ثمّ إنّـه ممّا ذكرنا يظهر : عدم اعتبار أن يكون ا لمطهّر عا لياً ، كما ربما يوهمـه عبارة «ا لشرائع» : «ويطهر بإلقاء كُرّ عليـه فما زاد دفعـة»(4) ; لما عرفت : من أنّ ا لمستند هي ا لصحيحـة(5) ، وموردها ما إذا كان ا لمطهِّر سافلاً ، كما أنّ قولـه : «ماء ا لحمّام كماء ا لنهر يطهِّر بعضـه بعضاً»(6) يدلّ على ذلك .
في اعتبار قيد الدفعة
ثمّ إنّك بعد ما عرفت ـ من أ نّـه كلّما تحتمل مدخليّـة قيد في تطهير ا لماء ا لقليل ، يكون مقتضى استصحاب ا لنجاسـة اعتباره ـ تعلم أ نّـه لو احتمل اعتبار قيد
1 ـ اُنظر ا لحدائق ا لناضرة 1 : 335 ، جواهر ا لكلام 1 : 146 ، ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 142 . 2 ـ ا لحدائق ا لناضرة 1 : 336 ، اُنظر ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 143 . 3 ـ تقدّم في ا لصفحـة 79 . 4 ـ شرائع ا لإسلام 1 : 4 . 5 ـ تقدّم في ا لصفحـة 85 . 6 ـ تقدّم في ا لصفحـة 84 .
(الصفحة 87)
ا لدفعـة في مقابل ا لتدريج ـ كما في عبارة «ا لشرائع» ا لمتقدّمـة وغيرها(1) ـ يكون مقتضاه اعتباره لو لم يدلّ دليل على خلافـه ، ومنشأ احتما ل اعتبار قيد ا لدفعـة : إمّا توقّف حصول ا لامتزاج ا لمعتبر في ا لتطهير عليـه ، وإمّا بقاء ا لماء على ا لعاصميّـة ا لمعتبرة في ا لتطهير قطعاً ، وإمّا احتما ل ا لمدخليّـة تعبّداً زائداً على اعتبار ا لامتزاج وا لعاصميّـة .
وقد عرفت : أنّ عُمدة ما يمكن أن يستفاد منـه حكم ا لمقام ، هي صحيحـة محمّد بن إسماعيل بن بزيع ا لمتقدّمـة ; بتقريب : أنّ مقتضاها أ نّـه لو زال ا لتغيّر من قِبَل ا لمياه ا لخارجـة من ا لمادّة ، ا لممتزجـة با لماء ا لموجود في ا لبئر ، ترتفع ا لنجاسـة ، وتعرض لـه ا لطهارة . ولايخفى أنّ ا لماء إنّما يخرج من ا لمادّة تدريجاً لادفعـة . هذا حكم مورد ا لصحيحـة .
وأ مّا عموميّتـه وشمولـه لمثل ا لمقام ، فيتوقّف على إ لغاء ا لخصوصيّـة من ا لتعليل ا لوارد فيها ، وهو قولـه (عليه السلام) : «لأ نّـه لـه مادّة» ; بتقريب : أنّ ا لخصوصيّـة ا لتي بها تمتاز ا لمادّة عن سائر ا لمياه ا لمعتصمـة ، هي كون مائها واقعاً في عروق ا لأرض نابعاً من تحتها ، ومن ا لمعلوم أ نّـه لا مدخليّـة لهذه ا لخصوصيّـة في نظر ا لعرف أصلاً ، فا لجهـة ا لمشتركـة بينها وبين تلك ا لمياه ـ وهي ا لاعتصام ـ هي ا لمعتبرة في رفع ا لنجاسـة وزوا لها . وهذا واضح لمن راجع أهل ا لعرف .
وإن أبيت إلاّ عن اختصاص ا لحكم با لمياه ا لتي لها مادّة كا لبئر وا لجاري ، فا للازم ا لحكم باعتبار ا لدفعـة ، بل كلّ ما يحتمل مدخليّتـه في رفع ا لنجاسـة لو لم يكن في ا لبين ما ينفي ا لاحتما ل . نعم لواستند لعدم اعتبار هذا ا لقيد إ لى ما ورد
1 ـ تحرير ا لأحكام 1 : 4 / ا لسطر 30 ، ا لدروس ا لشرعيّـة 1 : 118 ، اُنظر ا لحدائق ا لناضرة 1 : 337 .
(الصفحة 88)
في ماء ا لحمّام ، لكان ذلك مبنيّاً على دعوى عدم ا لخصوصيّـة لماء ا لحمّام ، وعموميّـة ا لحكم ا لوارد فيـه . وقد عرفت ما فيها(1) .
حول طهارة الماء المتنجّس بإتمامه كُرّاً
ثمّ إنّـه وقع ا لاختلاف بين ا لأصحاب ـ رضوان الله تعا لى عليهم ـ في أ نّـه هل يطهر ا لماء ا لقليل ا لمتنجّس بإتمامـه كُرّاً أم لا ؟
فذهب ا لسيّد(2) وابن إدريس(3) وبعض آخر إ لى حصول ا لطهارة لـه بذلك(4) ، وأ نّـه لا فرق بين ا لدفع وا لرفع فيما إذا بلغ ا لماء حدّ ا لكُرّ ، بل ربما ينسب هذا ا لقول إ لى أكثر ا لمحقّقين(5) .
وهذه ا لطائفـة بين قائل بأ نّـه لا فرق بين إتمامـه كُرّاً با لطاهر أو با لنجس(6) ، وبين قائل بأ نّـه لابدّ من أن يكون ا لمتمّم طاهراً(7) .
واختار أكثر ا لمتأخّرين عدم ارتفاع ا لنجاسـة بالإتمام كرّاً مطلقاً(8) .
1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 54 . 2 ـ ا لمسائل ا لرسيـة ، ضمن رسائل ا لشريف ا لمرتضى 2 : 361 . 3 ـ ا لسرائر 1 : 63 . 4 ـ ا لمراسم : 36 ، ا لمهذّب 1 : 23 ، ا لجامع للشرائع : 18 . 5 ـ جامع ا لمقاصد 1 : 133 ـ 134 . 6 ـ ا لمسائل ا لرسيـة ، ضمن رسائل ا لشريف ا لمرتضى 2 : 361 ، ا لمراسم : 36 ، ا لسرائر 1 : 63، ا لجامع للشرائع : 18 . 7 ـ ا لمبسوط 1 : 7 ، ا لوسيلـة إ لى نيل ا لفضيلـة : 73 . 8 ـ ا لمعتبر 1 : 51 ، نهايـة ا لإحكام 1 : 257 ، ذكرى ا لشيعـة 1 : 85 ـ 86 ، كشف ا للثام 1 : 310 ـ 311 ، مستند ا لشيعـة 1 : 50 ، جواهر ا لكلام 1 : 150 .
(الصفحة 89)
دليل السيّد على مذهبه
وحُكي عن ا لسيّد ا لاحتجاج على مذهبـه : بأنّ ا لبلوغ يستهلك ا لنجاسـة ، فتستوي ملاقاتها قبل ا لكثرة وبعدها(1) .
وتوضيح كلامـه بتقريب منّا أن يقا ل : إنّ ا لمستفاد من ا لأدلّـة ـ ا لدالّـة على اعتبار ا لبلوغ حدّ ا لكُرّ في اعتصام ا لماء وعدم انفعا لـه ـ : أنّ ا لمناط في ذلك ، هي ا لكثرة ا لمانعـة عن سرايـة ا لنجاسـة ، ا لواقعـة في بعض أطراف ا لماء إ لى غيره من سائر ا لأطراف ، فكما أ نّـه لو وقع بعض ا لقذارات ا لعرفيّـة في بعض أطراف ا لماء ، يكون ا لاستقذار من غيره من ا لأطراف دائراً مدار تحقّق ا لسرايـة بنظر ا لعرف ، كذلك بلوغ ا لماء حدّ ا لكرّ ، يصير مانعاً عن تأثير ا لنجاسـة ا لملاقيـة لجميع أجزاء ا لماء .
وبا لجملـة : فا لمناط ا لمستفاد من ا لدليل هي ا لكثرة ، ولا فرق فيها ـ في عدم ا لانفعا ل ـ بين صورة تحقّق ا لملاقاة قبل ا لبلوغ أو بعده ; إذ ا لكثرة متحقّقـة في ا لمقامين .
ويرد عليـه : أنّ ا للازم ـ بناء على هذا ـ ملاحظـة ا لنسبـة بين ا لماء وبين ا لنجاسـة ا لملاقيـة لـه ; بمعنى أ نّـه لو كانت قطرة من ا لبول ـ مثلاً ـ مؤثّرة في ا لماء ا لذي ينقص من ا لكُرّ بقليل ، فا لقطرتان منـه تؤثّران فيما يقارب ا لكُرّين ، كما أ نّـه لو لم يؤثّر منُّ من ا لبول في ا لماء ا لبا لغ حدّ ا لكُرّ فا للازم عدم تأثير ا لنصف منـه لو نقص ا لماء عن ا لكُرّ بقليل .
وا لحاصل : أ نّـه لو بُني على استفادة هذا ا لمناط من أدلّـة اعتبار ا لبلوغ حدّ
1 ـ ا لمسائل ا لرسيـة ، ضمن رسائل ا لشريف ا لمرتضى 2 : 361 ، ا لحدائق ا لناضرة 1 : 345 .
(الصفحة 90)
ا لكُرّ في ا لاعتصام ، يلزم مثل ما ذكر من ا لتوا لي ا لفاسدة .
وا لتحقيق أن يقال : إنّ ا لمناط في ذلك غير معلوم ، وا لانفعا ل وضدّه لايتبيّنان على ما ذكر كيف ، وقد حكم ا لشارع بانفعا ل ا لماء لو وقع فيـه ما يكون بنظر ا لعقلاء نظيفاً في غايـة ا لنظافـة ، مثل يد ا لكافر بناءً على نجاستـه ، وقد ورد في ا لروايـة : «أنّ ما يبلّ ا لميل ينجس حبّاً من ا لماء»(1) ، ومن ا لمعلوم عدم تحقّق ا لسرايـة أصلاً ، ومع هذا لايجوز رفع ا ليد عن ظاهر قولـه (عليه السلام) : «إذا بلغ ا لماء قدر كُرّ لم ينجّسـه شيء»(2) حيث إنّ ظاهره : أنّ ا لماء ا لبا لغ ذلك ا لحدّ لاينجس لو لاقى ا لنجاسـة بعد ا لبلوغ ، وتعميم ا لحكم لصورة تحقّق ا لملاقاة قبل ا لبلوغ ، يحتاج إ لى استفادة ا لمناط ا لمشترك بين ا لصورتين ، وقد عرفت عدم إمكانها .
الاستدلال بصحيحة ابن بزيع فيما كان المتمِّم طاهراً
ويمكن أن يستدلّ على طهارة ا لماء ا لقليل ا لمتنجّس ا لمتمَّم كرّاً ، في خصوص ما إذا كان ا لمتمّم ـ با لكسر ـ طاهراً ، بعد ادّعاء قصور ا لأدلّـة ـ ا لدالّـة على انفعا ل ا لماء ا لقليل ـ عن شمول مثل ا لصورة ; لأنّ موضوعها هو ا لماء ا لقليل ا لملاقي للنجس ، وهو غير متحقّق في ا لمقام ; لأنّ ا لماء ا لمتمّم ـ با لكسر ـ حا ل ا لقلّـة غير ملاق للنجس ، وحا ل ا لملاقاة لايتّصف بوصف ا لقلّـة ; إذ با لملاقاة يتبدّل ا لموضوع ، ويندرج في عنوان ا لكُرّ : بصحيحـة محمّد بن إسماعيل ا لمتقدّمـة(3) ـ بناءً على ما احتملنا في معناها ، ونفينا عنـه ا لبعد سابقاً ـ من أنّ
1 ـ ا لكافي 6 : 413 / 1 ، وسائل ا لشيعـة 3 : 470 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لنجاسات ، ا لباب 38 ، ا لحديث 6 . 2 ـ وسائل ا لشيعـة 1 : 158 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 9 . 3 ـ تقدّم في ا لصفحـة 37 .
(الصفحة 91)
ا لمراد با لتعليل ا لوارد فيها ـ وهو قولـه : «لأ نّـه لـه مادّة» ـ ليس خصوص ما لـه مادّة من ا لمياه ; حتّى يختصّ ا لحكم ا لمذكور فيها با لبئر وا لجاري وأشباههما ، بل ا لمراد هو ا لتقوّي با لماء ا لمعتصم ا لخارج من عروق ا لأرض ; لأنّ ا لخصوصيّـة ا لتي بها تمتاز ا لمادّة عن سائر ا لمياه ا لمعتصمـة ـ وهي كونها في ظرف مخصوص نابعةً من تحت ا لأرض ـ لا مدخلية لها في ا لحكم ا لمذكور فيها .
وحينئذ فيصير مفاد ا لروايـة : أ نّـه لو امتزج ا لماء ا لطاهر ا لمعتصم با لماء ا لنجس بحيث زال تغيّره ـ ولو كان متغيّراً بتغيّر ضعيف ـ تعرض لـه ا لطهارة ، وتزول عنـه ا لنجاسـة(1) ، وحينئذ فإذا ثبت قصور أدلّـة ا لماء ا لقليل عن شمول مثل ا لمقام ، وا لمفروض أ نّـه لا دليل على ا لنجاسـة غيرها ، فمقتضى قاعدة ا لطهارة ـ بل استصحابها ـ كون ا لماء ا لطاهر ا لمتمّم ـ با لكسر ـ طاهراً بعد ا لملاقاة أيضاً ، وهو معنى اعتصامـه وعدم تأثّره ، ومقتضى عموم ا لصحيحـة لكلّ ماء معتصم ـ كما عرفت تقريبـه ـ أنّ ا لماء ا لمتمّم لكونـه معتصماً ـ لقاعدة ا لطهارة بعد قصور أدلّـة ا لانفعا ل ـ يصير موجباً لطهارة ا لماء ا لمتمَّم ـ با لفتح ـ لو امتزج معـه با لمقدار ا لمعتبر منـه .
وما يقال : من أ نّـه لا وجـه للقول بكون ا لماء ا لمتمّم ـ با لكسر ـ معتصماً بعد فرض كونـه قليلاً ; إذ من ا لواضح تأثّره با لنجاسـة وانفعا لـه بها كسائر ا لمياه ا لقليلـة(2) .
مدفوع : بأنّ ا لمراد با لاعتصام ليس عدم قابلية ا لماء للتأثّر با لنجاسـة أصلاً ، بل ا لمراد منـه هنا أ نّـه يكون بحيث لايقبل ا لتأثّر با لماء ا لذي اُريد تطهيره بهذا ا لماء ، فلاينافي صلوحـه للتأثّر من ناحيـة ا لنجاسات ا لاُخرى . وهذا واضح جدّاً .
1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 87 . 2 ـ مستمسك ا لعروة ا لوثقى 1 : 170ـ 171 .
(الصفحة 92)
هذا غايـة ما يمكن أن يقا ل تأييداً لمرام ا لسيّد (قدس سره) .
ويتوجّـه عليـه : ا لمنع عن قصور أدلّـة ا لماء ا لقليل عن شمول مثل ا لمقام ; ممّا يتبدّل موضوع ا لقلّـة با لملاقاة ، ويندرج في موضوع ا لكُرّ ; وذلك لأنّ ا لموضوع للحكم با لنجاسـة بسبب ا لملاقاة هو ا لماء ا لقليل ; بمعنى أنّ ا لملاقاة ـ بعد كونـه قليلاً ـ علّـة لعروض ا لنجاسـة ، كما أنّ ماء ا لكُرّ لو خرج عن ا لكُرّيـة بسبب ملاقاة ا لنجس ، لايخرج عن ا لطهارة ; لأنّ ا لموضوع هو ا لماء ا لكُرّ ا لملاقي ، وهو متحقّق ، كما أنّ ا لموضوع هنا هو ا لماء ا لقليل ا لملاقي ، وهو حاصل .
وبعبارة اُخرى : ا لملاقاة هنا علّـة لتحقّق ا لكرّيـة ولترتّب ا لانفعا ل ، وا لكُرّيّـة مانعـة عن تأثير ا لنجاسـة ، فا لحكم ا لمترتّب على ا لكُرّ ـ وهو عدم ا لانفعا ل ـ متأخّر بمرتبـة واحدة عن ا لانفعا ل ا لمترتّب على ا لملاقاة ; لكونـه في رتبـة موضوع ا لحكم بعدم ا لانفعا ل ، وهي ا لكرّيّـة .
وبا لجملـة:لا شبهـة في أنّ ا لملاقاة إنّما حصلت في حا ل ا لقلّـة وبمجرّدها يصير ا لماء نجساً ، ولايبقى معـه مجا ل للحكم بعدم ا لانفعا ل ا لمترتّب على ا لكُرّيّـة ا لمتأخّرة عن ا لملاقاة ، وهذا واضح لاينبغي ا لارتياب فيـه .
الاستدلال بقاعدة الطهارة فيما كان المتمّم طاهراً
وقد يستدلّ للقول با لطهارة في خصوص ا لصورة ا لمتقدّمـة ـ وهي ما لو كان ا لمتمّم ماءً طاهراً ـ بقاعدة ا لطهارة ; بتقريب : أنّ استصحاب نجاسـة ا لماء ا لمتمَّم ـ با لفتح ـ يعارضـه استصحاب طهارة ا لماء ا لمتمّم ـ با لكسر ـ لانعقاد ا لإجماع على عدم اختلاف ماء واحد ـ ممتزج بعضـه ببعض ـ في ا لطهارة وا لنجاسـة ، وبعد
(الصفحة 93)
ا لتعارض وا لتساقط يكون ا لمرجع قاعدة ا لطهارة(1) .
وأنت خبير : بأ نّـه لا مجا ل للاستصحاب ، بعد ما عرفت : من أنّ أدلّـة انفعا ل ا لماء ا لقليل لاتقصر عن شمول مثل ا لمقام ; ممّا يخرج ا لموضوع با لملاقاة عن حدّ ا لقلّـة ، ويندرج في موضوع ا لكُرّ ; لأنّ موضوعها هو ا لماء ا لقليل ا لملاقي للنجس ، وهو متحقّق في ا لمقام ; لأ نّـه لا شبهـة في أنّ ا لملاقاة ، إنّما هي من صفات ا لماء في حا ل ا لقلّـة ; إذ ا لمفروض أ نّـه بعد تحقّق ا لملاقاة يتحقّق موضوع ا لكُرّيّـة ، فا لتلاقي وصف للماءين بلا إشكا ل .
وحينئذ فإمّا أن يقا ل : إنّ ا لتلاقي وقع مع ا لكُرّ ، فيتوجّـه عليـه : أنّ ا لمفروض أنّ ا لمجموع متّصف با لكُرّيّـة ، ولايعقل أن يلاقي بعض أجزاء ا لكُرّ هذا ا لماء ا لموصوف با لكُرّيّـة ، وهذا واضح جدّاً .
وإمّا أن يقال : بأنّ ا لتلاقي وقع بين ا لماءين ا لموصوفين با لقلّـة ، فيلزم تحقّق موضوع تلك ا لأدلّـة ; إذ ا لمفروض ملاقاة ا لماء ا لقليل للنجاسـة ، وهو موضوع للحكم بالانفعا ل ، فإذا لم تكن ا لأدلّـة قاصرة عن شمول ا لمقام ، فا للازم نجاسـة ا لماء بجميع أجزائـه .
فلايبقى مجا ل لاستصحاب ا لطهارة حتّى يعارضـه استصحاب ا لنجاسـة ، ويرجع بعد ا لتساقط إ لى قاعدة ا لطهارة .
وقد أجاب صاحب ا لمصباح (قدس سره) عن ا لاستدلال بما حاصلـه :
تقديم استصحاب ا لنجاسـة على استصحاب ا لطهارة لأجل حكومتـه عليـه ; لأنّ من آثار بقاء نجاسـة ا لماء ا لمتمّم تنجيس ملاقيـه ، وليس من أثار بقاء طهارة ا لماء ا لمتمِّم تطهير ملاقيـه ، وهو ا لماء ا لمتنجّس(2) .
1 ـ ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 153 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 115 . 2 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 116 .
(الصفحة 94)
وأنت خبير : بأ نّـه بعد ا لاعتراف بقصور أدلّـة انفعا ل ا لماء ا لقليل عن شمول ما يخرج با لملاقاة عن موضوعها ، لا وجـه للحكومـة أصلاً ; إذ ليس ـ حينئذ ـ من آثار بقاء نجاسـة ا لماء ا لمتمّم تنجيس ما لاقاه ; ممّا صار بسببـه كُرّاً ; إذ ليس ا لدليل على تنجيسـه إلاّ أدلّـة ا لماء ا لقليل وانفعا لـه ، وقد اعترف بعدم شمولها للمقام .
وبا لجملـة:لا دليل على منجّسيّـة ا لماء ا لمتمَّم ـ با لفتح ـ بعد فرض ا لقصور ولو كانت ا لنجاسـة متيقّنـة ، فضلاً عمّا لو اُحرزت بالاستصحاب ، فكما أ نّـه ليس من آثار بقاء طهارة ا لماء ا لمتمّم ـ با لكسر ـ تطهيره للماء ا لمتنجّس ، كذلك ليس من آثار بقاء نجاسـة ا لمتمَّم تنجيس ملاقيـه ، ولولا ا لإجماع على عدم اختلاف ماء واحد في ا لحكم(1) ، لقلنا ببقاء كلّ من ا لماءين على حا لـه من ا لطهارة وا لنجاسـة ، كما أ نّـه في غير معقد ا لإجماع ـ وهو صورة الامتزاج ـ لابدّ أن يقا ل باختلاف حكمهما بناءً على هذا ا لقول .
وا لحاصل : أ نّـه على فرض ادّعاء ا لقصور لا مجا ل للإشكا ل على ا لاستدلال أصلاً لو فرض تحقّق ا لإجماع أيضاً .
ثمّ إنّـه ذكر ا لمجيب في طي كلامـه : أنّ ا لشكّ في بقاء نجاسـة ا لماء ا لمتنجّس وطهارة ا لماء ا لطاهر ، كلاهما مسبّبان عن ا لشكّ في سببيّـة ا لكُرّيّـة للرفع ، وا لأصل عدمها(2) .
ولايخفى أنّ ا لشكّ في بقاء نجاسـة ا لماء ا لمتنجّس وإن كان مسبَّباً عن ا لشكّ في سببيّـة ا لكُرّيّـة للرفع ، إلاّ أنّ ا لشكّ في بقاء طهارة ا لماء ا لطاهر ، ليس مسبّباً عن ا لشكّ ا لمذكور أصلاً ، كما أنّ ما ذكره : من أنّ ا لأصل عدم سببيّـة
1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 48 . 2 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 116 .
(الصفحة 95)
ا لكُرّيّـة للرفع ، مبنيّ على كون ا لكُرّيّـة وسببيّتها لـه مجعولـة من جانب ا لشارع ، وأ مّا بناءً على ا لقول بكشفـه عنها وبيانـه للناس فلا يتمّ ، فتدبّر .
دليل آخر للسيّد في المقام
ثمّ إنّ ممّا احتجّ بـه ا لسيّد (قدس سره) : هو أ نّـه لولا ا لحكم با لطهارة مع ا لبلوغ ، لما حكم بطهارة ا لماء ا لكثير إذا وجد فيـه نجاسـة ; لإمكان سبقها على كثرتـه(1) .
وفيـه :أنّ ا لمراد با لحكم با لطهارة إن كان هو ا لحكم با لطهارة ا لواقعيّـة ، وكون ا لماء طاهراً واقعاً ، فالأمر كذلك ، إلاّ أنّ من ا لمعلوم خلافـه ; إذ لايُعهد ا لحكم با لطهارة واقعاً من أحد من ا لأصحاب ، وإن كان ا لمراد هو ا لحكم با لطهارة في مرحلـة ا لظاهر ; استناداً إ لى استصحاب ا لطهارة ، أو قاعدتها ، فمن ا لواضح عدم ا لدلالـة على مطلوبـه (قدس سره) ; إذ بعد جريان ا لاستصحابين وا لتساقط لابدّ أن يرجع إ لى قاعدة ا لطهارة .
جواب صاحب المصباح عن استدلال السيّد
وقد أجاب عن هذا ا لاستدلال صاحب ا لمصباح :
أوّلاً : بأنّ حكمهم بطهارة ا لماء ا لكثير ا لذي وجد فيـه نجاسـة إنّما هو لجريان استصحاب طهارة ا لماء ، وعدم ملاقاتـه للنجاسـة إ لى زمان صيرورتـه كُرّاً ، ولايعارضـه أصا لـة عدم بلوغـه كُرّاً إ لى زمان ا لملاقاة ; إذ لايحرز بها كون ا لملاقاة قبل ا لكُرّيّـة إلاّ على ا لقول بحجيّـة ا لاُصول ا لمثبتـة ، ولانلتزم بها(2) .
1 ـ ا لمسائل ا لرسيـة ، ضمن رسائل ا لشريف ا لمرتضى 2 : 362 . 2 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 114 .
(الصفحة 96)
وأنت خبير : بأنّ ا لموضوع للحكم بالانفعا ل هي ا لملاقاة في حا ل عدم بلوغ ا لماء حدّ ا لكُرّ ، لا حصول ا لملاقاة قبل ا لكُرّيّـة ; وذلك لأنّ عُمدة أدلّـة ا لانفعا ل ، هو مفهوم ا لأخبار ا لمستفيضـة ، ا لدالّـة على أنّ الماء إذا بلغ حدّ الكرّ لاينجّسـه شيء(1) ، فإنّ مفهومها أ نّـه إذا لم يبلغ ا لماء حدّ ا لكُرّ ينجس با لملاقاة ، وواضح أنّ ا لموضوع في هذا ا لحكم هو ا لماء غير ا لبا لغ حدّ ا لكُرّ ، وحينئذ فكما أ نّـه يجري استصحاب عدم تحقّق ا لملاقاة إ لى زمان صيرورتـه كُرّاً ، ولا حاجـة إ لى إثبات كون ا لملاقاة بعد تحقّق ا لكرّيّـة ، كذلك يجري استصحاب عدم بلوغـه كُرّاً إ لى زمان ا لملاقاة ، ويترتّب عليـه ا لحكم با لنجاسـة ، ولايحتاج إ لى إحراز كون ا لملاقاة قبل ا لكُرّيّـة ; لعدم كونـه موضوعاً للحكم با لنجاسـة ، كما عرفت .
وبا لجملـة:فا لظاهر في هذا ا لفرض تعارض ا لاستصحابين وتساقطهما ، وا لرجوع إ لى قاعدة ا لطهارة .
1 ـ راجع وسائل الشيعـة 1 : 158 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 9 .
(الصفحة 97)
الماء الكرّ
اعتصام الكُرّ إلاّ مع التغيّر
أ مّا اعتصامـه وعدم انفعا لـه بشيء من ا لنجاسات بمجرّد ا لملاقاة ، فهو مشهور بين ا لأصحاب(1) ، بل لم يخا لف فيـه أحد منهم إلاّ ا لمفيد وسلاّر ; حيث إنّـه يظهر منهما اختصاص ذلك بما عدا ماء ا لأواني وا لحياض(2) ، وسيأتي بيان ضعف هذا ا لقول إن شاء الله تعا لى .
وأ مّا نجاستـه بسبب ا لتغيّر ا لحاصل في أحد أوصافـه ا لثلاثـة ، فلا كلام فيـه ، وقد تقدّم في ا لماء ا لجاري مفصّلاً(3) فراجع .
إنّما ا لكلام هنا في تعيين موضوع ا لحكم بعدم ا لانفعا ل ، وأ نّـه هل يختصّ بخصوص ا لماء ا لمجتمع في محلّ واحد مع تقارب أجزائـه ، أو يعمّـه وما كان مجتمعاً في محلّ واحد ، ولكن لم تكن أجزاؤه متقاربـة ، كا لماء ا لكُرّ ا لذي يكون عمقـه قليلاً وطولـه أو عرضـه كثيراً ، أو يعمّهما وما لم تكن أجزاؤه مجتمعـة في
1 ـ راجع ا لحدائق ا لناضرة 1 : 226 ، جواهر ا لكلام 1 : 153 ـ 154 ، ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 159 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 117 . 2 ـ ا لمقنعـة : 64 ، ا لمراسم : 36 . 3 ـ تقدّم في ا لصفحـة 31 .
(الصفحة 98)
محلّ واحد ، بل كان بعض أجزائـه في محلّ وبعضها ا لآخر في محلّ آخر ، ولكن الاتّصا ل بينهما موجود كا لغديرين ا لموصولين بساقيـة ؟ ثمّ ا لاتصا ل لـه مراتب من حيث ا لقوّة وا لضعف ، هذا مع تساوي ا لسطوح ، أو يعمّ جميع ا لصور ا لمتقدّمـة وما إذا لم تكن ا لسطوح متساويـة .
وهذا على أقسام : منها ما كان ا لماء ا لموجود في ا لمحلّ ا لأعلى واقفاً غير خارج منـه ، ومنها ما كان ا لماء ا لموجود فيـه جارياً على ا لسطح ا لأسفل ، وا لجريان قد يكون بنحو ا لانحدار ، وقد يكون بغير هذا ا لنحو ، وهو إمّا مطلقاً ، أو با لنسبـة إ لى خصوص ا لسافل دون ا لعا لي ، فهذه فروض وصور كثيرة .
ولايخفى أنّ ا لدليل في هذا ا لباب إنّما ينحصر بالأخبار ا لمستفيضـة ا لدالّـة على أ نّـه «إذا بلغ ا لماء قدر كُرّ لم ينجّسـه شيء»(1) ، ومن ا لواضح أنّ ا لمراد بها هو ا لماء ا لواحد ، فا لمناط صدق ا لوحدة بنظر ا لعرف ، وحينئذ فلايبعد أن يقا ل بعدم اختصاص ا لمناط با لصورة ا لاُولى ; لعدم ا لفرق بينها وبين ا لصورة ا لثانيـة في صدق ا لوحدة وتحقّقها عند ا لعرف ، كما يظهر با لرجوع إ ليهم .
وأ مّا ا لصورة ا لثا لثـة فصدق ا لوحدة بهذا ا لنظر يدور مدار قوّة ا لاتّصا ل وضعفـه ، كما أنّ ا لأمر في ا لصورة ا لرابعـة أيضاً كذلك .
وأ مّا ا لصورة ا لخامسـة فبعض مصاديقها وفروضها وإن كان يعدّ واحداً ، إلاّ أنّ ا لبعض ا لآخر لايكون كذلك ، فلايقا ل على ا لماء ا لموجود في ا لإبريق ا لمتّصل بماء سافل : إنّـه كُرّ إذا كان ا لمجموع با لغاً ذلك ا لحدّ ، فلاينجس بملاقاة ا لنجس ، كما أ نّـه لايقا ل على منٍّ من ا لماء ا لموجود في ا لحوض ـ مثلاً ـ : إنّـه كرّ ; لاتّصا لـه با لماء ا لموجود في ا لحُبّ ـ مثلاً ـ مع فرض كون ا لمجموع كذلك ، وهذا
1 ـ وسائل ا لشيعـة 1 : 158 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 9 ، ا لحديث 1 و2 و6 ، (مع تفاوت يسير) .
(الصفحة 99)
لاينافي ما ذكرناه سابقاً : من أ نّـه لو وقعت ا لنجاسـة في ا لماء ا لسافل ، لاتوجب تنجّس ا لماء ا لعا لي ، بخلاف ا لعكس ; وذلك لما عرفت : من أنّ مناط تنجّس جميع أجزاء ا لماء مع ثبوت وصف ا لملاقاة بالإضافـة إ لى بعضها ، هي سرايـة ا لنجاسـة ، ولايعقل تحقّقها با لنسبـة إ لى ا لماء ا لعا لي ، بل هي متحقّقـة في ا لماء ا لسافل إذا كانت ا لملاقاة ثابتـة للعا لي ، كما لايخفى(1) .
وبا لجملـة : فلاتكون هنا ضابطـة كلّيّـة تتعيّن بها مصاديق ا لموضوع للاعتصام وعدم ا لانفعا ل ، بل ا لمدار هو صدق ا لوحدة بنظر ا لعرف ، وهو قد يختفي في بعض ا لموارد ، وسيأتي حكم موارد ا لشكّ(2) ، فانتظر .
كلام الشيخ الأعظم في المقام وما يرد عليه
ثمّ إنّـه يظهر من ا لشيخ (قدس سره) في «كتاب ا لطهارة» تقوّي كلّ من ا لعا لي وا لسافل بالآخر ; استناداً إ لى تحقّق ا لاتّحاد بنظر ا لعرف . ثمّ قا ل : «ويؤيّد ا لاتّحاد قولـه (عليه السلام) : «ماء ا لحمّام كماء ا لنهر يطهِّر بعضـه بعضاً»(3) ، جعل (عليه السلام) ا لمادّة بعضاً من ماء ا لحمّام مع تسنيمها عليـه ، وقولـه (عليه السلام) في صحيحـة داود بن سرحان : «هو بمنزلـة ا لماء ا لجاري»(4) ، فإنّ ا لظاهر رجوع ا لضمير إ لى ا لمجموع من ا لمادّة وما في ا لحياض»(5) .
1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 54 ، 76 . 2 ـ يأتي في ا لصفحـة 101 . 3 ـ ا لكافي 3 : 14 / 1 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 150 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب7 ، ذيل ا لحديث 7 . 4 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 378 / 1170 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 148 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 7 ، ذيل ا لحديث 1 . 5 ـ ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 172 ـ 173 .
(الصفحة 100)
أقول: أ مّا ا لروايـة ا لاُولى فليس فيها تأييد لمرامـه (قدس سره) أصلاً ، إذ كون ا لمادّة بعضاً من ماء ا لحمّام ، لايدلّ على اتّحادها مع ما في ا لحياض ا لصغيرة ، إلاّ بعد إثبات أنّ ماء ا لحمّام واحد ; لأ نّـه يمكن أن تتّصف ا لمادّة بكونها بعضاً من ماء ا لحمّام ، ولاتتّصف بكونها بعضاً من ا لماء ا لواحد .
وبا لجملـة:فمفاد ا لروايـة أنّ ا لمادّة بعض من ماء ا لحمّام ، وا لمدّعى كونها متّحدة مع ما في ا لحياض ، وأين هذا من ذاك ؟ !
وا لاستشهاد عليـه : بأنّ ا لتشبيـه بماء ا لنهر يدلّ على كون ماء ا لحمّام واحداً أيضاً كماء ا لنهر .
يدفعـه : أنّ ا لتشبيـه إنّما هو في خصوص تطهير بعضـه بعضاً ، لا في سائر أحكام ماء ا لنهر .
وأ مّا ا لروايـة ا لثانيـة فلا إشكا ل في أنّ مرجع ا لضمير هو ا لماء ا لموجود في ا لحياض ، لا ا لمجموع منـه ومن ا لمادّة ; لأ نّـه كان مورداً لابتلاء ا لناس ، فا لسؤال إنّما وقع عن خصوصـه .
مضافاً إ لى أنّ تنزيل ا لمجموع با لماء ا لجاري ممّا لايصدر من ا لبليغ ا لعادي ، فضلاً عن ا لإمام (عليه السلام) ; لعدم ا لمشابهـة بينهما حينئذ أصلاً .
وهذا بخلاف ما لو كان ا لمراد منـه هو ا لماء ا لموجود في ا لحياض فإنّ ا لتنزيل على هذا ا لتقدير تنزيل لطيف ; لأنّ معناه : أ نّـه كما يكون ا لماء ا لجاري مستمدّاً من ا لمادّة متقوّياً بها ، كذلك يكون ماء ا لحمّام مستمدّاً من مادّتـه متقوّياً بها ومعتصماً بسببها ، فلايتأثّر بملاقاة ا لنجس .
ثمّ إنّـه لايمكن ا لتمسّك لتقوّي ا لسافل با لعا لي بالأخبار ا لواردة في ماء ا لحمّام ; لأ نّـه متوقّف : أوّلاً على إ لغاء ا لخصوصيّـة منها ، وثانياً على عدم اعتبار
|