(الصفحة 61)
هذا ممّا قا ل الله عزّ وجلّ : (مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ا لدِّينِ مِنْ حَرَج(1) )»(2) .
وفيـه : ـ مضافاً إ لى جها لـة بعض رواتـه ; لاشتراك محمّد بن ميسر بين ثلاثـة(3) ـ أنّ ا لمراد من قولـه : «يضع يده» ، ليس إدخا ل ا ليد في ا لماء ; إذ لم يعهد ذلك في ا لاستعمالات ، كما يظهر با لتتبّع في مواردها ، بل ا لظاهر أنّ ا لمراد بـه رفع ا ليد وا لإعراض عنـه والانصراف منـه .
ثمّ لو سُلّم أ نّـه قد يستعمل با لمعنى ا لأوّل ، فهو فيما إذا كان متعلّقـه كلمـة «فيـه» وأشباهها ، وأ مّا لو كان كلمـة «عنـه» ، فكونـه با لمعنى ا لذي ذكرنا من ا لواضحات ا لتي لايعتريها ريب ، وحينئذ فمع عدم ذكر ا لمتعلّق ـ كما في ا لروايـة ـ يحتمل كلا ا لأمرين ، فلا تصلح للاستناد إ ليها لما ادّعوه أصلاً . هذا مضافاً إ لى أنّ ا لمستفاد من روايـة أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ا لواردة في ا لجُنب يحمل ا لركوة أو ا لتور فيدخل إصبعـه فيـه(4) ، أنّ ا لاستشهاد بقولـه تعا لى : (مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ا لدِّينِ مِنْ حَرَج) ، إنّما هو لإهراق ا لماء في صورة قذارة يده ، فيؤيّد أنّ ا لاستشهاد بـه في هذه ا لروايـة أيضاً إنّما هو للإعراض عن ا لماء ورفع ا ليد عنـه .
ثمّ لو سُلّم كون ا لمراد من وضع ا ليد إدخا لـه في ا لماء ، وأنّ ا لتمسّك بالآيـة إنّما هو لرفع اعتبار ا لكُرّيّـة في صورة ا لاضطرار ، فغايـة مدلول ا لروايـة ا لتفصيل
1 ـ ا لحجّ (22) : 78 . 2 ـ ا لكافي 3 : 4 / 2 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 149 / 425 ، الاستبصار 1 : 128 / 436 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 152 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 8 ، ا لحديث 5 . 3 ـ فإنّـه مشترك بين محمّد بن ميسر بن عبدا لعزيز ا لثقـة ، ومحمّد بن ميسر بن عبدا لله ا لإمامي ا لمجهول ، ومحمّد بن ميسر ا لمهمل . راجع تنقيح ا لمقا ل 3 : 194 . 4 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 38 / 103 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 154 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 8 ، ا لحديث 11 .
(الصفحة 62)
بين صورة ا لاختيار وا لاضطرار ، وهو ممّا لم يقل بـه أحد من ا لمتخاصمين ، مضافاً إ لى أنّ ا لروايـة تكون ـ حينئذ ـ من أدلّـة ا لانفعا ل ; إذ تدلّ على أنّ حكم ا لماء ا لقليل في حدّ نفسـه هو ا لتأثّر بملاقاة ا لنجاسـة ، غايـة ا لأمر أنّ ا لحرج قد أوجب ارتفاعـه في صورة انحصار ا لماء وقذارة ا ليدين وعدم إناء يغترف بـه ، بل نفس ا لسؤال عن حكم ا لمسأ لـة ، يدلّ على أنّ انفعا ل ا لماء ا لقليل كان مغروساً في أذهانهم ، كما أنّ ا لتقييد بعدم وجود إناء يغترف بـه ، يدلّ على أ نّـه لو كان ا لإناء موجوداً فحكمـه الاغتراف بـه .
وبا لجملـة : يظهر من ا لسؤال عن فروع ا لمسأ لـة ـ في هذه ا لروايـة وأمثا لها(1) ـ أنّ انقسام ا لماء إ لى قسمين ، وتأثّره في إحدى ا لصورتين ، كان معهوداً في ا لبين ، وكان هو ا لداعي إ لى ا لسؤال عن تلك ا لفروع .
ثمّ لايخفى أنّ ا لمراد بقولـه (عليه السلام) : «ويتوضّأ» هو غسل ا ليد ، فإنّـه كثيراً ما يجيء بهذا ا لمعنى ، كما في «ا لوافي»(2) .
وممّا ذكرنا يظهر ا لجواب عن ا لاستدلال بما عن «قرب ا لإسناد» وكتاب «ا لمسائل» لعلي بن جعفر (عليه السلام) ، قا ل : سأ لتـه عن جُنُب أصاب يده جنابـة ، فمسحـه بخرقـة ، ثمّ أدخل يده في غسلـه قبل أن يغسلها ، هل يُجزيـه أن يغتسل من ذلك ا لماء ؟ قا ل : إن وجد ماءً غيره فلا يجزيـه أن يغتسل ، وإن لم يجد غيره أجزأه»(3) .
هذا مضافاً إ لى ا لأخبار ا لكثيرة ا لدالّـة على عدم جواز الغسل من الماء الذي
1 ـ وسائل ا لشيعـة 1 : 150 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، أحاديث ا لباب 8 . 2 ـ ا لوافي 6 : 21 / 3670 . 3 ـ مسائل علي بن جعفر : 209 / 452 ، قرب ا لإسناد : 180 / 666 .
(الصفحة 63)
أصابتـه قذارة يد ا لجُنُب ، فراجعها(1) .
5 ـ ما رواه ا لشيخ بإسناده عن سعد بن عبدالله ، عن موسى بن ا لحسن ، عن أبي ا لقاسم بن عبدا لرحمن بن حمّاد ا لكوفي ، عن بشير ، عن أبي مريم ا لأنصاري ، قا ل : «كنت مع أبي عبدالله (عليه السلام) في حائط لـه ، فحضرت ا لصلاة ، فنزح دلواً للوضوء من رَكيّ لـه ، فخرج عليـه قطعـة عذرة يابسـة ، فأكفأ رأسـه وتوضّأ با لباقي»(2) .
وفيـه : ـ مضافاً إ لى جها لـة ابن حمّاد وبشير ـ أنّ مضمون ا لروايـة لايناسب شأن ا لإمام (عليه السلام) ; ولو قلنا بعدم انفعا ل ا لماء ا لقليل ، خصوصاً بعد وجود ماء آخر غير ا لماء ا لموجود في ا لدلو ، بل لايقع نظيره من كثير من أفراد ا لناس ، كما هو غير خفيّ ، مضافاً إ لى احتما ل أن تكون ا لعذرة عذرة ما يؤكل لحمـه ، وغير ذلك من ا لاحتمالات ، كاحتما ل أن يكون ا لمراد با لباقي ما بقي في ا لبئر ، لا في ا لدلو ، وكاحتما ل أن يكون ا لدلو كُرّاً .
6 ـ ما رواه ا لكليني عن علي بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عمّن ذكره ، عن يونس ، عن بكار بن أبي بكر ، قا ل : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : ا لرجل يضع ا لكوز ا لذي يغرف بـه من ا لحُبّ في مكان قذر ، ثمّ يدخلـه ا لحُبّ ؟ قا ل : «يصبّ من ا لماء ثلاثـة أكفّ ، ثمّ يدلك ا لكوز»(3) .
1 ـ راجع وسائل ا لشيعـة 1 : 152 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 8 ، ا لحديث 3 و 4 و 9 و 10 و 11 . 2 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 416 / 1313 ، الاستبصار 1 : 42 / 119 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 154 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 8 ، ا لحديث 12 . 3 ـ ا لكافي 3 : 12 / 6 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 164 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب9 ، ا لحديث 17 .
(الصفحة 64)
وفيـه : ـ مضافاً إ لى ا لإرسا ل وجها لـة بعض ا لرواة(1) ـ أنّ ا لمراد بقولـه : «ثمّ يدخلـه ا لحُبّ» أ نّـه يريد إدخا لـه ا لحُبّ ، وإلاّ فلو كان ا لمراد بـه ظاهره ، لم يكن وجـه لصبّ ا لماء عليـه ودلك ا لكوز ، كما هو واضح .
هذا مضافاً إ لى عدم ا لدليل على أنّ ماء ا لحُبّ كان أقلّ من ا لكُرّ ، بل ا لظاهر كونـه كثيراً ; لما عرفت سابقاً : من أنّ أواني ا لمياه وا لأوعيـة ا لمعدّة لها في مكّـة وا لمدينـة ، كانت كبيرة(2) ; لعدم وجود ا لماء ا لجاري وا لراكد ا لذي بمنزلتـه نوعاً ، كما لايخفى .
7 ـ صحيحـة زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قا ل : سأ لتـه عن ا لحبل يكون من شعر ا لخنزير يُستقى بـه ا لماء من ا لبئر ، هل يتوضّأ من ذلك ا لماء ؟ قا ل : «لابأس»(3) .
وفيـه :أنّ ا لظاهر أنّ ا لمراد من قولـه : «ذلك ا لماء» هو ماء ا لبئر ، لا ا لماء ا لموجود في ا لدلو .
توضيحـه : أنّ ا لدلو ا لذي يكون من جلد ا لخنزير وا لحبل ا لذي يكون من شعره ، إنّما كان مستعملاً في سقي ا لبساتين ، كما يظهر من بعض ا لروايات(4) ، وأ مّا
1 ـ رواها ا لشيخ ا لطوسي بإسناده ، عن محمّد بن علي بن محبوب ، عن محمّد بن ا لحسين ، عن محمّد بن أبي عمير ، عمّن رواه ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) . وا لروايـة مضافاً إ لى ا لإرسال ضعيفـة بجها لـة محمّد بن ا لحسين بن أبي خالد . راجع تنقيح ا لمقال 3 : 106/10582 . 2 ـ تقدّم في ا لصفحـة 59 . 3 ـ ا لكافي 3 : 6 / 10 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 409 / 1289 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 170 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 14 ، ا لحديث 2 . 4 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 413 / ذيل ا لحديث 1301 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 175 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 14 ، ا لحديث 16 .
(الصفحة 65)
ما يُنزح بـه ا لماء للوضوء وا لشرب فكان من أجزاء مأكول ا للحم ، وحينئذ فمع كون نجاسـة أجزاء ا لخنزير من ا لضروريّات عندهم ، ومن ا لمعلوم أنّ ماءهم كان منحصراً فـي ا لآبار ، يحتاج ا لناس إ لى ا لسؤال عـن حكم ماء ا لبئر مـع وقوع أجزاء ا لخنزير ا لنجسـة عليـه ، فا لحكم بعدم ا لبأس إنّما هو راجع إ لى عدم نجاسـة ماء ا لبئر .
ويدلّ على ذلك روايـة حسين بن زرارة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قا ل : قلت لـه شعر ا لخنزير يُعمل حبلاً ، ويستقى بـه من ا لبئر ا لتي يُشرب منها ؟ فقا ل : «لابأس بـه»(1) .
فإنّ ا لظاهر أنّ مورد ا لسؤال هو جواز ا لشرب وا لوضوء من ماء ا لبئر ، ا لملاقي لشعر ا لخنزير ا لمجعول حبلاً ، لا جوازهما من ماء ا لدلو ا لذي يكون حبلـه شعر ا لخنزير ، ا لموجب لوقوع بعض قطرات ا لملاقي لـه في ا لدلو ومائـه ، كما هو واضح .
8 ـ مرسلـة ابن أبي عمير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) : في عجين عُجن وخُبز ، ثمّ عُلم أنّ ا لماء كانت فيـه ميتـة ؟ قا ل : «لابأس أكلت ا لنار ما فيـه»(2) .
وفيـه : أنّ ا لروايـة تدلّ على ا لانفعا ل ، غايـة ا لأمر أ نّـه جعل ا لمطهّر ا لنار ، فهي من أدلّـة ا لانفعا ل ، لا من أدلّـة ا لعدم .
9 ـ ما رواه ا لكليني ، عن ا لحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن ا لوشّاء ، عن حمّاد بن عثمان ، عن عمر بن يزيد ، قا ل : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) :
1 ـ ا لكافي 6 : 258 / 3 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 171 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 14 ، ا لحديث 3 . 2 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 414 / 1304 ، الاستبصار 1 : 29 / 75 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 175 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 14 ، ا لحديث 18 .
(الصفحة 66)
أغتسل في مغتسل يُبا ل فيـه ، ويغتسل من ا لجنابـة ، فيقع في ا لإناء ما ينزو من ا لأرض ؟ فقا ل : «لابأس بـه»(1) .
وفيـه : أ نّـه لم يعلم كون ا لمراد صورة ا لعلم بنجاسـة ا لموضع ا لذي ينزو منـه ا لماء إ لى ا لإناء ، بل ا لظاهر أنّ مورد ا لسؤال صورة ا لشكّ .
10 ـ موثّقـة عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قا ل : سأ لتـه عن ا لرجل ، هل يتوضّأ من كوز أو إناء غيره إذا شرب منـه على أ نّـه يهوديّ ؟ فقا ل : «نعم» . فقلت : من ذلك ا لماء ا لذي يشرب منـه ؟ قا ل : «نعم»(2) .
وفيـه :ـ مضافاً إ لى اضطراب متن ا لسؤال ـ أ نّـه لا دليل على كون ا لمراد صورة ا ليقين بكون ا لشارب يهوديّاً ، بل ا لظاهر ا لسؤال عن مورد ا لشكّ .
هذا مضافاً إ لى أنّ مسأ لـة نجاسـة أهل ا لكتاب من ا لمسائل ا لخلافيّـة ، وا لروايات ا لواردة فيها كلّها تدلّ على طهارتـه ; وجواز ا لأكل وا لشرب معـه في إناء واحد ، وجواز مساورتـه بلا تخصيص با لماء(3) ، فهذه ا لمسأ لـة لا ارتباط لها با لمقام .
11 ـ روايـة ابن مسكان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قا ل : سأ لتُـه عن ا لوضوء ممّا ولغ ا لكلب فيـه وا لسنّور ، أو شرب منـه جمل أو دابّـة ، أو غير ذلك ، أيتوضّأ منـه
1 ـ ا لكافي 3 : 14 / 8 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 213 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمضاف ، ا لباب9 ، ا لحديث 7 . 2 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 223 / 641 ، الاستبصار 1 : 18 / 38 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 229 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لأسآر ، ا لباب 3 ، ا لحديث 3 . 3 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 223 / 641 ، الاستبصار 1 : 18 / 38 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 229 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لأسآر ، ا لباب 3 ، ا لحديث 3 ، و 24 : 208 ، كتاب ا لأطعمـة وا لأشربـة ، أبواب ا لأطعمـة ا لمحرّمـة ، ا لباب 53 ، و : 211 ، ا لباب 54 ، ا لحديث 5 .
(الصفحة 67)
أو يغتسل ؟ قا ل : «نعم ، إلاّ أن تجد غيره فتنزّه عنـه»(1) .
وفيـه :أنّ ا لظاهر أنّ ا لمياه ا لتي كانت محلاّ لولوغ ا لكلب وشرب ا لجمل وا لدابّـة هي ا لمياه ا لكثيرة ا لواقعـة في خارج ا لبلد ، كما هو واضح ، ولو سُلِّم فغايـة مدلولها إطلاق ا لحكم بالإضافـة إ لى ا لكثير وا لقليل ، ولا دليل على ورودها في خصوص ا لثاني ، فهي قابلـة للتقييد بما يدلّ على اعتبار ا لكُرّيّـة في اعتصام ا لماء .
12 ـ روايـة ا لأحول ـ يعني محمّد بن ا لنعمان ـ قا ل : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : أخرج من ا لخلاء فأستنجي با لماء ، فيقع ثوبي في ذلك ا لماء ا لذي استنجيت بـه ؟ فقا ل : «لابأس»(2) .
رواها ا لكُليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيـه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن اُذينـة ، عنـه(3) .
ورواها ا لصدوق في ا لعلل ، عن أبيـه ، عن سعد بن عبدالله ، عن محمّد بن ا لحسين ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن يونس بن عبدا لرحمن ، عن رجل ، عن ا لغير ، أو ا لأحول(4) أ نّـه قا ل : دخلت على أبي عبدالله (عليه السلام) ، فقا ل :«سل عمّا شئت» ، فاُرْتجتْ عليّ ا لمسائل ، فقا ل لي :«سل ما لك» . فقلت : جُعلتُ فداك
1 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 226 / 649 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 228 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لأسآر ، ا لباب 2 ، ا لحديث 6 . 2 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 85 / 223 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 221 ـ 222 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمضاف ، ا لباب 13 ، ا لحديث 1 و 2 . 3 ـ ا لكافي 3 : 13 / 5 . 4 ـ كذا في ا لوسائل 1 : 161 (طبعـة ا لمكتبـة ا لإسلاميـة) لكن في ا لمصدر : عن ا لعنزا عن ا لأحول .
(الصفحة 68)
ا لرجل يستنجي ، فيقع ثوبـه في ا لماء ا لذي استنجى بـه ؟ فقا ل : «لابأس» . فسكت فقا ل : «أَوَتدري لِمَ صار لابأس بـه ؟» قا ل : قلت : لا والله . فقا ل : «لانَّ ا لماء أكثر من ا لقذر»(1) .
وفيـه :أنّ ا لتمسّك إن كان بما رواه ا لكُليني عن ا لأحول ; ممّا ورد في خصوص ماء ا لاستنجاء ; بتقريب : أ نّـه لا خصوصيّـة لماء ا لاستنجاء ; لعدم ا لفرق بينـه وبين سائر ا لمياه ا لقليلـة ا لملاقيـة للنجس .
ففيـه : أ نّـه لايسوغ إ لغاء ا لخصوصيّـة من ا لأخبار ا لواردة في طهارة ماء ا لاستنجاء ، بعد ملاحظـة كثرة ا لابتلاء بـه ، خصوصاً في ا لحجاز ، وخصوصاً في ا لأزمنـة ا لسابقـة ا لتي لم يكن لهم خلاء أصلاً ، هذا مضافاً إ لى اختصاصـه بأحكام لاتجري في غيره ، كجوازه بثلاثـة أحجار وبا لخرقـة ، وغير ذلك من ا لأحكام ا لمختصّـة بالاستنجاء ، وحينئذ فيحتمل قويّاً أن يكون لمائـه أيضاً حكم مختصّ بـه لايجري في غيره ، وإ لى ا لفرق بين ا لمقام وبين ماء ا لاستنجاء ; من حيث إنّ مورده ما إذا ورد ا لماء على ا لنجاسـة ، بخلاف ا لمقام .
وممّا ذكرنا ظهر : أ نّـه لايجوز ا لتمسّك لعدم انفعا ل ا لماء ا لقليل بأخبار ا لاستنجاء ، كما أ نّـه لايجوز ا لتمسّك بها لحكم ماء ا لغسا لـة مطلقاً ، كما سيجيء توضيحـه(2) .
وكذلك لايجوز ا لتمسّك للمقام بأدلّـة ماء ا لحمّام ; بناء على عدم اعتبار ا لكُرّيّـة ; لا فيـه ، ولا في مادّتـه ، ولا في ا لمجموع ، كما عرفت أ نّـه ا لحقّ ; لعدم جواز إ لغاء ا لخصوصيّـة ، كما عرفت في مبحث ماء ا لحمّام(3) .
1 ـ علل ا لشرائع : 287 / 1 . 2 ـ يأتي في ا لصفحـة 209 . 3 ـ تقدّم في ا لصفحـة 54 ـ 55 .
(الصفحة 69)
وإن كان ا لتمسّك بما رواه ا لصدوق عن ا لأحول ، ا لدالّ على أنّ ا لوجـه في طهارة ماء ا لاستنجاء ، كون ا لماء أكثر من ا لقذر .
ففيـه : ـ مضافاً إ لى كونها مرسلـة ـ أ نّها لاتصلح لأن تعارض ما يدلّ على ا لانفعا ل ، بعد كونها واحدة ، وفي مقابلها أكثر من مائـة ، كما هو واضح .
هذه هي مجموع ا لروايات ا لتي يمكن ا لاستدلال بها على اعتصام ا لماء ا لقليل .
نعم هنا روايات اُخر ربما يستدلّ بها ، لكن من الواضح أنّ الاستدلال بها إنّما هو لتكثير الدليل ، وإلاّ فلا دلالة ـ بل ولا إشعار ـ فيها أصلاً ، كما هو ظاهر لمن راجعها .
ثمّ إنّك عرفت عدم دلالـة شيء من ا لروايات على مطلوبهم ، ولو سُلِّمت ا لدلالـة ـ في بعضها ـ فهي لاتصلح للمعارضـة ، بعد دلالـة ا لروايات ا لكثيرة ا لبا لغـة مائتين أو ثلاث مائـة ـ على ما قيل(1) ـ على ا لانفعا ل وعدم ا لاعتصام ، وهل تكون مع ذلك معتبرة ومناط ا لاعتبار ـ وهو بناء ا لعقلاء ـ موجوداً فيها ؟ ! وهذا بمكان من ا لوضوح .
مضافاً إ لى أنّ ا لشهرة من حيث ا لفتوى ـ ا لتي هي أوّل ا لمرجّحات ، كما في مقبولـة عمر بن حنظلـة ا لمعروفـة(2) ، بل عند ا لعقلاء أيضاً ـ موافقـة لتلك ا لروايات ; إذ لم يخا لف فيـه أحد من ا لأصحاب إلاّ ابن أبي عقيل من ا لمتقدّمين(3) ، وا لفيض ا لقاساني من ا لمتأخّرين(4) ، ولا اعتبار بهما بعد ا لشذوذ وا لنُّدرة .
1 ـ اُنظر مفتاح ا لكرامـة 1 : 73 ، ا لهامش1 ، ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 107 . 2 ـ ا لكافي 1 : 54 / 10 ، وسائل ا لشيعـة 27 : 106 ، كتاب ا لقضاء ، أبواب صفات ا لقاضي ، ا لباب 9 ، ا لحديث 1 . 3 ـ اُنظر ا لمعتبر 1 : 48 ، مختلف ا لشيعـة 1 : 13 ، جواهر ا لكلام 1 : 105 . 4 ـ ا لوافي 6 : 18 ، مفاتيح ا لشرائع 1 : 81 .
(الصفحة 70)
حول استدلال الفيض الكاشاني على عدم انفعال القليل
ثمّ إنّـه قد استدلّ ا لثاني منهما في «ا لوافي» على عدم اعتبار ا لكُرّيّـة بوجوه ضعيفـة ; عُمدتها : أ نّـه لو كان معيار نجاسـة ا لماء وطهارتـه ، نقصانـه عن ا لكُرّ وبلوغـه إ ليـه ، لما جاز إزا لـة ا لخبث با لقليل منـه بوجـه من ا لوجوه ، مع أ نّـه جائز بالاتّفاق ; وذلك لأنّ كلّ جزء من أجزاء ا لماء ا لوارد على ا لمحلّ ا لنجس إذا لاقاه ، كان متنجّساً با لملاقاة ، خارجاً عن ا لطَّهوريّـة في أوّل آنات ا للقاء ، وما لم يُلاقِهِ لايعقل أن يكون مطهّراً ، وا لفرق بين وروده على ا لنجاسـة وورودها عليـه ـ مع أ نّـه مخا لف للنصوص ـ لايُجدي ; إذ ا لكلام في ذلك ا لجزء ا لملاقي ولزوم تنجّسـه ، وا لقدر ا لمستعلي لكونـه دون مبلغ ا لكُرّيـة ، لايقوى على أن يعصمـه بالاتّصا ل عن ا لانفعا ل ، فلو كانت ا لملاقاة مناط ا لتنجّس لزم تنجّس ا لقدر ا لملاقي لامحا لـة ، فلا يحصل ا لتطهير أصلاً .
وأ مّا ما تكلّفـه بعضهم من ارتكاب ا لقول بالانفعا ل هنا لك من بعد ا لانفصا ل عن ا لمحلّ ا لحامل للنجاسـة ، فمن أبعد ا لتكلّفات ، ومن ذا ا لذي يرتضي ا لقول بنجاسـة ا لملاقي للنجاسـة ، بعد مفارقتـه عنها وطهارتـه حا ل ملاقاتـه لها ، بل طهوريّتـه(1) ؟ ! انتهى موضع ا لحاجـة من كلامـه زيد في علوّ مقامـه .
وفيـه :أنّ هذه ا لحجّـة ـ لو تمّت ـ فإنّما تختصّ بخصوص موردها ، وهو فيما إذا كان ا لماء ا لقليل مستعملاً في ا لتطهير ، وأ مّا في غيره ، مثل ما إذا وقع ا لنجس في إناء من ا لماء ، فلاتجري فيـه ، فيكون ا لدليل أخصّ من ا لمدّعى ، هذا مضافاً إ لى عدم تماميّتها في نفسها ، فإنّا سنبيّن في مبحث ا لغسا لة إن شاء الله تعا لى
1 ـ ا لوافي 6 : 19 .
(الصفحة 71)
أ نّـه يكفي في ا لطَّهوريّـة كون ا لماء طاهراً قبل ا لملاقاة ، وأنّ تنجّسـه با لملاقاة لايضرّ بذلك أصلاً(1) .
تفصيل الشيخ الطائفة في انفعال الماء القليل
ثمّ إنّـه حُكي عن ا لشيخ (قدس سره) ا لتفصيل في انفعا ل ا لماء ا لقليل بين كون ا لنجس ممّا لايدركـه ا لطرف وبين غيره ; بعدم ا لانفعا ل في ا لأوّل دون ا لثاني(2) .
وفيـه :أ نّـه إن كان مستنده في ذلك صحيحـة علي بن جعفر ا لمتقدّمـة(3) ، ا لدالّـة على ا لتفصيل بين استبانـة ا لدم في ا لماء ، فلايصحّ ا لوضوء منـه وبين عدم ا لاستبانـة فيصحّ .
فقد عرفت أنّ مورد ا لسؤال فيها ، هوا لعلم بإصابـة ا لدم ا لإناءَ مع ا لشكّ في إصابتـه ا لماء(4) ، فلا ارتباط لها با لمقام أصلا .
وإن كان مستنده هو انصراف ا لأدلّـة ـ ا لدالّـة على نجاسـة ذلك النجس ـ عمّا إذا بلغ في ا لقلّـة بمقدار لايدركـه ا لطرف .
ففيـه : أ نّـه إن كان ا لمراد بقولـه : «لايدركـه ا لطرف» هو فرضـه كا لعدم با لنظر ا لمسامحي ا لعرفي ، كما يظهر من ا لتمثيل لـه بقولـه : «كرأس ا لإبر» .
فيرد عليـه : منع ا لانصراف ; إذ لا دليل عليـه .
وإن كان ا لمراد بـه أ نّـه لايدرك بنظر ا لعرف أصلاً ، بل ا لاطّلاع عليـه يحتاج إ لى ا لوسائل غير ا لعاديّـة ، فالانصراف مسلّم لاينبغي ا لارتياب فيـه ، ولـه نظائر
1 ـ راجع ما يأتي في ا لصفحـة 203 ـ 204 . 2 ـ ا لمبسوط 1 : 7 ، الاستبصار 1 : 23 ، ذيل ا لحديث 12 . 3 ـ تقدّم في ا لصفحـة 59 ـ 60 . 4 ـ تقدّم في ا لصفحـة 60 .
(الصفحة 72)
كثيرة : كا لحكم بطهارة ا لمتنجّس با لدم إذا زا لت عينـه ولو بقي لونـه ، فإنّ ا لعقل يحكم بأنّ بقاء ا للون كاشف عن بقاء أجزاء ا لدم ; لامتناع انتقا ل ا لعرض ـ كما حقّق في محلّـه(1) ـ . ومع ذلك فهو بنظر ا لعرف زائل غير باق ، ولذا يحكم عليـه با لطهارة ، وكا لحكم بطهارة ا لشيء ا لمجاور للميتـة ا لآخذ ريحها ، فإنّـه لايعدّ ا لريح من أجزاء ا لميتـة عرفاً ، مع أ نّـه يكون من أجزائها عقلاً ، كما قُرّر في موضعـه .
فانقدح من جميع ما ذكرنا : أنّ ا لأقوى هو انفعا ل ا لماء ا لقليل مطلقاً ، إلاّ فيما كان ا لنجس ا لملاقي غير ظاهر بنظر ا لعرف أصلاً .
حول اعتبار ورود النجاسة في انفعال الماء القليل
ثمّ إنّـه هل يعتبر في انفعا ل ا لماء ا لقليل ، أن تكون ا لنجاسـة واردة عليـه ، أو ينفعل مطلقاً ; سواء كان ا لماء وارداً على ا لنجاسة ، أو كانت ا لنجاسة واردة عليه ؟
وليعلم ا لفرق بين هذا ا لمقام وبين ماء ا لغُسا لـة ـ ا لذي سيجيء ا لنزاع فيـه إن شاء الله تعا لى(2) ـ فإنّ ا لنزاع هنا في ا لماء ا لوارد على ا لنجاسـة ; سواء كان مستعملاً للتطهير أو لغيره ، وسواء ورد ا لماء على ا لنجاسـة وتجاوز عنها ، أو استقرّ معها ، كما إذا اختلط ا لماء با لدّم ا لذي يكون في ا لإناء ـ مثلاً ـ من دون أن يتحقّق ا لتغيّر بوجـه .
وهناك في ا لماء ا لمستعمل للتطهير ; سواء ورد ا لماء على ا لنجاسـة ، أو كان موروداً بالإضافـة إ ليها ، فا لنسبـة بين ا لمقامين ا لعموم وا لخصوص من وجـه .
1 ـ ا لشفاء ، ا لإلهيّات : 359 ، كشف ا لمراد : 143 ، شرح ا لمواقف 5 : 27 . 2 ـ يأتي في ا لصفحـة 199 .
(الصفحة 73)
كلام السيّد وابن إدريس في المقام
وقد ينسب ـ في ا لمقام ـ اعتبار ورود ا لنجاسـة على ا لماء إ لى ا لسيّد وابن إدريس(قدس سرهما) (1) ومنشأ ا لنسبـة ما ذكره ا لسيّد في «ا لناصريات» وما يظهر من «ا لسرائر» من اختياره لما ذكر فيها وا لأولى نقل عبارة ا لسيّد حتى يظهر حا ل ا لنسبـة ، فنقول :
قا ل : «ا لمسأ لـة ا لثا لثـة : لا فرق بين ورود ا لماء على ا لنجاسـة وبين ورود ا لنجاسـة على ا لماء .
وهذه ا لمسأ لـة لا أعرف فيها نصّاً لأصحابنا ، ولا قولاً صريحاً ، وا لشافعي يفرّق بين ورود ا لماء على ا لنجاسـة وورودها عليـه ، فيعتبر ا لقُلّتين في ورود ا لنجاسـة على ا لماء ، ولايعتبر في ورود ا لماء على ا لنجاسـة(2) ، وخا لفـه سائر ا لفقهاء في هذه ا لمسأ لـة ، ويقوى في نفسي عاجلاً ـ إ لى أن يقع ا لتأ مّل في ذلك ـ صحّةُ ما ذهب إ ليـه ا لشافعي .
وا لوجـه فيـه : أ نّا لو حكمنا بنجاسـة ا لماء ا لقليل ا لوارد على ا لنجاسـة ، لأدّى ذلك إ لى أنّ ا لثوب لايطهر من ا لنجاسـة إلاّ بإيراد كُرّ من ا لماء عليـه ، وذلك يشقّ ، فدلّ على أنّ ا لماء إذا ورد على ا لنجاسـة لاتعتبر فيـه ا لقُلّـة وا لكثرة ، كما تعتبر فيما ترد ا لنجاسـة عليـه»(3) . انتهى كلامـه رفع مقامـه .
وذكـر ا لحلّي بعـد نقل هذه ا لعبارة ما هذا لفظـه : «قا ل محمّد بن إدريس :
1 ـ جواهر ا لكلام 1 : 131 . 2 ـ ا لاُمّ 1 : 13 ، بدايـة ا لمجتهد 1 : 26 ، ا لمجموع 1 : 136 . 3 ـ ا لناصريات ، ضمن ا لجوامع ا لفقهيـة : 215 / ا لسطر 9 ـ 14 .
(الصفحة 74)
وما قـوي فـي نفس ا لسيّد هو ا لصحيح ا لمستمرّ على أصل ا لمذهب وفتاوي ا لأصحاب»(1) .
أقول : لايخفى أنّ ما ذكره ا لسيّد من ا لوجـه ، دليل على أنّ مراده إنّما هو ماء ا لغُسا لـة ; لوضوح عدم جريانـه في جميع صور ا لمسأ لـة ، بل في خصوص مورد ا لاجتماع بينها وبين ماء ا لغُسا لـة ، وقد عرفت أنّ ا لنزاع هنا أعمّ منـه ، ويحتمل أن يكون مراده ا لفرق بين ا لماء ا لأعلى ا لوارد على ا لنجاسـة ، كماء ا لإبريق ا لجاري عليها ، وبيـن ا لماء ا لمتساوي مـن حيث ا لسطح مـع ا لنـجاسـة أو ا لأسفل منها ، فلا ينفعل ا لماء ا لأعلى باتّصا لـه با لنجاسـة ، بخلاف غيره من ا لمساوي أو ا لأسفل .
ويؤيّد ذلك ما ذكره ا لحلّي : من أ نّـه ا لموافق لأصل ا لمذهب وفتاوي ا لأصحاب ، فتدبّر .
الاستدلال على عدم انفعال القليل بقاعدة الطهارة
وكيف كان ، فقد يستدلّ في ا لمقام على أ نّـه لاينفعل ا لماء ا لقليل مطلقاً ، بل يتوقّف على كون ا لماء موروداً للنجاسـة : بقاعدة ا لطهارة ، بعد دعوى : أ نّـه ليس فيما يدلّ على انفعا ل ا لماء إذا لم يكن با لغاً حدّ ا لكُرّ ، ما يدلّ بعمومـه على شمول ا لحكم لمثل ا لمقام ; لأنّ أغلب ا لأدلّـة واردة في مورد ورود ا لنجاسـة على ا لماء ، وما كان من قبيل قولـه (عليه السلام) : «إذا كان ا لماء قدر كُرّ لاينجّسـه شيء»(2) لايستفاد
1 ـ ا لسرائر 1 : 180 ـ 181 . 2 ـ ا لكافي 3 : 2 / 2 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 158 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 9 ، ا لحديث 1 و 2 .
(الصفحة 75)
منـه إلاّ انفعا ل ا لماء ا لقليل في ا لجملـة ، وا لقدر ا لمسلّم منـه غير مثل ا لمقام(1) .
وفيـه :ا لمنع من عدم استفادة ا لعموم من هذه ا لمفهومات .
توضيحـه : أنّ ا لموضوع في ا لمناطيق إنّما هو نفس طبيعـة ا لماء بلا دخا لـة قيد فيها أصلاً ، وا لحكم ا لمترتّب عليـه : إنّما هو عدم تنجّسـه بملاقاة شيء من ا لنجاسات ; فيما إذا كان با لغاً حدّ ا لكُرّ ، فإطلاق ا لموضوع إنّما يفيد عدم مدخليّـة شيء في ترتّب هذا ا لحكم عليـه ، كما أنّ مقتضى وقوع ا لنكرة في سياق ا لنفي ، إنّما هو عدم تأثير شيء من ا لنجاسات فيـه بلا اختصاص بخصوص بعضها ، واستفادة عموميّـة ا لحكم وعدم ا لفرق بين صورة ورود ا لنجاسـة على ا لماء وا لعكس ، إنّما هو من إطلاق ا لماء أو من إطلاق ا لشيء . هذا في ا لمنطوق .
وأ مّا ا لمفهوم فمن ا لواضح بقاء لفظ «ا لماء» و«ا لشيء» فيـه على إطلاقهما . نعم لايبقى مجا ل للقول بشمول ا لحكم لجميع ا لنجاسات ; لأنّ استفادة ا لتعميم في ا لمنطوق إنّما هو من وقوع ا لنكرة في سياق ا لنفي ، ومن ا لمعلوم أنّ نقيض ا لسا لبـة ا لكلّيّـة إنّما هي ا لموجبـة ا لجزئيّـة وسيأتي ا لكلام فيـه(2) .
وبا لجملـة:فحيث إنّ عموميّـة ا لحكم ; وشمولـه لصورتي ورود ا لماء على ا لنجاسـة وورودها عليـه ، إنّما تكون في ا لمنطوق مستفادة من ا لإطلاق ، وهو بعينـه باق في طرف ا لمفهوم ، فلا مجا ل للحكم بعدم دلالـة ا لمفهوم على ا لتعميم .
نعم لو كان معنى ا لإطلاق راجعاً إ لى معنى ا لعموم ـ كما ذكره بعض في ا لاُصول(3) ـ لكان ا لإطلاق من هذا ا لحيث كا لعموم با لنسبـة إ لى جميع
1 ـ ا لحدائق ا لناضرة 1 : 328 ، جواهر ا لكلام 5 : 131 ، مصباح ا لفقيه ، ا لطهارة 1 : 86 ـ 87 . 2 ـ يأتي في ا لصفحـة 201 . 3 ـ فوائد ا لاُصول (تقريرات ا لمحقّق ا لنائيني) ا لكاظمي 1 : 511 ، درر ا لفوائد ، ا لمحقّق ا لحائري 1 : 210 .
(الصفحة 76)
ا لنجاسات ، فكما أ نّـه يرتفع بإيجاب ا لبعض ، كذلك هذا أيضاً يرتفع بإيجاب ا لبعض .
ولكن ا لظاهر عدم صحّـة هذا ا لمعنى ; لأ نّـه ليس معنى ا لإطلاق إلاّ ا لإرسا ل وعدم ا لتقيّد با لقيد ، لا ا لعموم لجميع ا لأفراد أو ا لحالات . وتفصيل ا لكلام في محلّـه(1) .
ويدلّ على ا لتعميم أيضاً : أنّ ا لمتبادر عند ا لمتشرّعـة من هذه ا لأدلّـة ، أنّ ا لوجـه في انفعا ل ا لماء ا لقليل ليس إلاّ مجرّد ا لملاقاة مع ا لنجس ; من دون أن يكون فرق عندهم بين ا لصورتين أصلاً ، بل لايخطر ببا لهم احتما ل ا لفرق .
هذا مضافاً إ لى ا لمؤيّدات ا لمذكورة في ا لكتب ا لفقهيّـة ا لمفصّلـة ، فراجعها(2) .
عدم تنجس العالي بملاقاة أسفله للنجاسة
ثمّ إنّـه لا إشكا ل ـ ظاهراً ـ في عدم تنجّس ا لماء ا لعا لي بمجرّد ملاقاة ا لأسفل منـه لشيء من ا لنجاسات مع جريانـه ، مثل ماء ا لإبريق ا لجاري على يد ا لكافر أو للتطهير .
وا لوجـه فيـه ـ مع أنّ موضوع أدلّـة ا لانفعا ل هو ا لماء ا لقليل ا لواحد ، وا لوحدة متحقّقـة في هذه ا لصورة ـ : أنّ ا لظاهر انصرافها عن هذه ا لصورة ، خصوصاً بعد ملاحظـة صحّـة استعما لـه للتطهير ، كما هو ا لمتداول إ لى ا لآن ، لاسيّما في مثل ا لمدينـة ا لمنوّرة ، ا لتي كانت ا لمياه ا لقليلـة مورداً لاحتياج ا لناس
1 ـ مناهج ا لوصول 2 : 231 ـ 232 و 313 ، تهذيب ا لاُصول 1 : 461 و 525 . 2 ـ جواهر ا لكلام 1 : 133 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 88 .
(الصفحة 77)
وابتلائهم غا لباً ; لقلّـة ا لماء ا لكثير .
وبا لجملـة:لاينبغي ا لارتياب في عدم شمول تلك ا لأدلّـة لمثل هذه ا لصورة ، بعد ملاحظـة استعما ل ا لماء ا لقليل للتطهير من زمن ا لنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إ لى يومنا هذا ، ولو كان ا لحكم شاملاً لمثل ا لمقام ، لما كان يمكن ا لتطهير با لماء ا لقليل بوجـه .
وقد يقال : إنّ ا لوجـه في عدم تنجّس ا لماء ا لعا لي : هو أنّ ا لمتفاهم عند ا لعرف من تلك ا لأدلّـة أنّ ا لمناط في تنجّس ا لجزء غير ا لملاقي ، هي سرايـة ا لنجاسـة من ا لجزء ا لملاقي إ ليـه ، ولذا قد ثبت ا لفرق بين ا لمائع ا لملاقي للنجس وا لجامد ا لملاقي لـه ، فإنّـه لو تنجّس أحد أطراف ا لثوب لم يحكم بنجاسـة سائر ا لأطراف ، بخلاف مثل ا لماء ، فإنّـه بمجرّد نجاسـة بعض أجزائـه يحكم بنجاسـة ا لجميع ، وليس ذلك إلاّ لعدم كون ا لمناط موجوداً في ا لثاني دون ا لأول .
وبا لجملـة:فا لثوب وا لماء أمران مشتركان من حيث ا لوحدة وا لكثرة ، فمن جهـة يكون كلٌّ منهما واحداً ، ومن جهـة اُخرى يكون كثيراً ، فا لفرق بينهما من حيث ا لوحدة وا لكثرة ; بدعوى أنّ ا لوجـه في عدم نجاسـة جميع ا لثوب وأطرافـه هو كون كلّ جزء منـه موضوعاً مستقلاّ للطهارة وا لنجاسـة ، بخلاف ا لماء(1) لايعلم لـه وجـه أصلاً .
وا لدعوى ممنوعـة جدّاً ، بل ا لفرق بينهما هي سرايـة ا لنجاسـة إ لى جميع ا لأجزاء في ا لماء ، دون ا لثوب وأمثا لـه .
هذا ، ويرد عليـه : أ نّـه لو كان ا لمناط في ا لنجاسـة هو مجرّد ا لسرايـة ، يلزم ا لحكم بطهارة ا لماء ا لقليل ، ا لملاقي بعض أجزائـه للنجس ، ا لمتساوي أجزاؤه من
1 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 89 ـ 90 .
(الصفحة 78)
حيث ا لسطح ; إذا لم تتحقّق ا لسرايـة بنظر ا لعرف أصلاً ، كما إذا كان طولـه كثيراً ; بحيث لو وقع قذر عرفي في أحد طرفيـه لم يستقذر ا لعرف ا لطرف ا لآخر أصلاً .
وا لحقّ أن يقال : إنّ ا لأمر كذلك لو كانت كيفيّـة ا لتنجيس موكولـة إ لى نظر ا لعرف ، ولم يكن للشارع فيها بيان أصلاً ، ولكن مراجعـة ا لأدلّـة خلافـه ، فإنّ قولـه (عليه السلام) : «إذا بلغ ا لماء قدر كُرّ لم ينجّسـه شيء»(1) ظاهر في أنّ ا لموضوع هو ا لماء ا لواحد ، فيكون ا لحكم في جانب ا لمفهوم مترتّباً على هذا ا لموضوع أيضاً ، فهذا ا لدليل بنفسـه يدلّ على تنجّس ا لماء ا لواحد ; إذا لاقى بعضُ أجزائـه شيئاً من ا لنجاسات . هذا مضافاً إ لى ا لروايات ا لكثيرة ا لدالّـة على هذا المعنى(2) ، فراجع .
وما ذكرنا وإن كان مستلزماً للقول بعموميّـة ا لحكم وشمولـه لصورة تخا لف أجزاء ا لماء ا لواحد با لعلوّ وا لسفل ، إلاّ أ نّك عرفت انصراف ا لأدلّـة عن مثل هذه ا لصورة(3) ، وإلاّ لما أمكن ا لتطهير با لماء ا لقليل بوجـه ، فا لمسأ لـة ليست عُرفيّـة محضـة ; حتّى يقا ل بأنّ ا لمناط عند ا لعرف هو مجرّد ا لسرايـة ; للزوم خروج مثل ا لصورة ا لمتقدّمـة ، ولا شرعيّـة صرفـة ; حتّى يقا ل بلزوم تعميم ا لحكم لجميع ا لموارد ، فتدبّر .
1 ـ اُنظر وسائل الشيعـة 1 : 158 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، ا لباب 9 ، ا لحديث 1 و2 و6 (مع تفاوت يسير) . 2 ـ اُنظر وسائل الشيعـة 1 : 150 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 8 . 3 ـ تقدّم في ا لصفحـة 76 .
(الصفحة 79)
كيفية
تطهير الماء القليل النجس
قابليّة الماء للتطهير
وقبل ا لخوض في كيفيّـة ا لتطهير ، لابدّ أوّلاً من بيان أنّ ا لماء ، هل يكون قابلاً للتطهير كسائر ا لجامدات ا لمتنجّسـة ، أو يكون كالأعيان ا لنجسـة غير قابل للتطهير ؟
فنقول : لولا ا لدليل ا لشرعي على قابليّـة ا لماء للتطهير وخروجـه عن ا لنجاسـة إ لى ا لطهارة ، لكان مقتضى ما هو ا لمرتكز في أذهان ا لعرف في باب ا لتطهير عدم قابليّـة ا لماء لـه ; وذلك لأنّ ا لشيء ا لقابل للتطهير هو ما كان باقياً بعد وصول ا لماء إ لى جميع أجزائـه ا لنجسـة ، كما هو ا لمغروس في أذهان أهل ا لعرف ، فا لثوب ا لمتنجّس ـ مثلاً ـ قابل للتطهير بعد وصول ا لماء إ لى ا لموضع ا لنجس منـه ; لعدم انتفائـه بعد وصول ا لماء ا ليـه وبقاء ا لحقيقـة .
وبا لجملة : فمناط قابليّة ا لشيء للتطهير هو بقاؤه بحقيقتـه بعد ا لتطهير ، وإلاّ فمثل ا لدم أيضاً قابل بعد إ لقائـه في ا لماء واستهلاكـه فيها ، مع أ نّـه ليس كذلك ; لعدم بقائـه على ا لحقيقـة ا لدميّـة ، وا لمفروض كونها موضوعاً للحكم بالنجاسة .
وبعد ملاحظـة ذلك يظهر : أنّ ا لماء لايكون قابلاً للتطهير ; لعدم تحقّق مناط ا لقابليّـة فيـه ; لأنّ تطهيره إنّما هو بوصول ا لماء إ لى جميع أجزائـه ، ولايكفي مجرّد اتّصا لـه با لكُرّ وا لجاري وأمثا لهما ـ كما سيجيء(1) ـ ووصول ا لماء إ لى
1 ـ يأتي في ا لصفحـة 81 .
(الصفحة 80)
جميع ا لأجزاء لايتحقّق إلاّ بعد استهلاكـه فيـه(1) والاستهلاك موجب للطهارة حتّى في ا لأعيان ا لنجسـة كما عرفت .
وبا لجملـة : فمقتضى ا لقاعدة ا لمعروفـة عند ا لعقلاء وا لعرف في باب ا لتطهير ، هو أن لايكون ا لماء قابلاً للتطهير ، لكن مقتضى ما ورد من ا لشرع ، كون ا لماء كا لجامدات ا لمتنجّسـة قابلاً للتطهير ، وذلك مثل صحيحـة محمّد بن إسماعيل بن بزيع ا لمتقدّمـة(2) ، ا لدالّـة على عروض الطهارة على ماء البئر المتغيّر ، بعد ذهاب ا لتغيّر وطيب ا لطعم وزوال ا لريح ، معلّلاً : بأنّ لـه مادة .
وأ مّا ما ورد في ا لنبوي : مـن «أنّ ا لماء يطـهّر ولايطـهَّر»(3) ، فا لمـراد منـه أنّ ا لماء مطـهّر لغيره ، ولايقبل ا لتطـهير با لغير ، لا أ نّـه لايقبل ا لتطـهير أصـلاً حتّى بماء آخـر ; لأنّ ا لمـوضـوع هـي نفس طبيعـة ا لماء ، فإذا حـكم عليها با لطَّهوريّـة فمـعناه كونـه مطـهِّراً لغـيره ، وا لحكـم عليها بأ نّها لاتطـهَّر ، يرجـع أيضاً إ لى عـدم قابليّتها للتطـهير مـن جانب ا لغير ; لأنّ ا لموضوع لـه أيضاً هي نفس ا لطبيعـة ، وهذا واضح .
1 ـ يمكن أن يقا ل بأنّ وصول ا لماء إ لى جميع أجزاء ا لماء ا لمتنجّس يتحقّق بمجرّد الامتزاج من دون الاستهلاك ، فلو اُلقي ا لكرّ مثلا على ا لماء ا لقليل ا لمتنجّس ثمّ اختلطا يتحقّق بمجرّد الامتزاج ما هو ا لمعتبر في تطهير ا لماء من وصول ا لماء إ لى جميع أجزاء ا لنجسـة ، والامتزاج لايوجب انعدام حقيقـة ا لشيء كالاستهلاك . وبا لجملـة فلا يرى فرق بين ا لماء ا لمتنجّس وا لجامدات ا لمتنجّسـة إلاّ من حيث توقّف تطهيره على الامتزاج بماء آخر وهو لايوجب أن لا يكون قابلا للتطهير . [المقرر دام ظلّه]. 2 ـ ا لاستبصار 1 : 33 / 87 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 141 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 3 ، ا لحديث 12 ، وتقدّم في ا لصفحـة 37 . 3 ـ ا لكافي 3 : 1 / 1 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 134 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب1 ، ا لحديث 6 .
|