(الصفحة 161)
حول تقدّم أصل السببي على المسبّبي
ثمّ إنّـه قد اشتهر في ا لألسن وتكرّر في ا لكلمات : أ نّـه مع جريان ا لأصل في ا لسبب ، لايبقى مجا ل لجريانـه في ا لمسبّب أصلاً ; لأ نّـه مع جريانـه في ا لسبب ، لايبقى شكّ في ناحيـة ا لمسبّب حتّى يجري ا لأصل فيـه(1) .
وا لتحقيق لايساعد على ما ذكروه على نحو ا لكلّيّـة وا لإطلاق ، بل لايكون لـه وجـه أصلاً في بعض ا لموارد .
ولتوضيح ا لكلام لابدّ من تقديم أمر : وهو أ نّـه قد اشتهر بينهم أيضاً : أنّ ا لاستصحاب ا لجاري في ا لموضوعات ا لخارجيّـة ، معناه وجوب ترتيب ا لأثر عليها في ا لزمان ا للاحق(2) ; لأ نّـه حيث لايكون ا لحكم ببقائها من وظيفـة ا لشارع ـ بما هو شارع ـ فلامحا لـة يكون معنى حرمـة نقض ا ليقين با لشكّ فيها ، وجوب ترتيب ا لآثار ا لشرعيّـة ا لمترتّبـة عليها في زمان ا لشكّ ، وحينئذ فيتحقّق الاختلاف في معنى قولـه (عليه السلام) : «لاتنقض ا ليقين با لشكّ»(3) با لنسبـة إ لى ا لاستصحاب ا لجاري في نفس ا لأحكام ا لشرعيّـة ، ا لذي مرجعـه إ لى بقاء نفس تلك ا لأحكام في زمان ا لشكّ ، وا لاستصحاب ا لجاري في ا لموضوعات ا لخارجيّة ، ا لذي مرجعـه إ لى وجوب ترتيب ا لآثار ا لشرعيّـة عليها في زمان ا لشكّ .
1 ـ فرائد ا لاُصول 2 : 737 ، كفايـة ا لاُصول : 490 ، فوائد ا لاُصول (تقريرات ا لمحقّق ا لنائيني) ا لكاظمي 4 : 682 ، درر ا لفوائد ، ا لمحقّق ا لحائري 2 : 631 . 2 ـ فرائد ا لاُصول 2 : 659 ، كفايـة ا لاُصول : 472 ـ 473 ، فوائد ا لاُصول (تقريرات ا لمحقّق ا لنائيني) ا لكاظمي 3 : 485 ، ا لاستصحاب ، ا لإمام ا لخميني(قدس سره) : 243 ـ 245 . 3 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 8 / 11 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 245 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب نواقض ا لوضوء ، ا لباب 1 ، ا لحديث 1 .
(الصفحة 162)
وا لتحقيق : أنّ معنى «لاتنقض ا ليقين با لشكّ» ليس إلاّ وجـوب إبقاء ا لمـتيقّن فـي زمـان ا لشكّ مطـلقاً ; سـواء كـان ا لمـتيقّن مـن ا لأحكام ا لشرعيّـة ، أو مـن ا لموضـوعات ا لخـارجيّـة ، غايـة ا لأمر أ نّـه فـي ا لأوّل لا حاجـة فـي إثبات ا لحـكم إ لى ضـمّ دليل آخـر ، وإضافـة إ لى أدلّـة ا لاستصـحاب ، بخـلاف ا لثاني ، فإنّ إثبات ا لحـكم مـوقـوف إ لى ضـمّ دليل آخـر إ ليها ; لأنّ ا لاستصـحاب ا لجـاري فـي ا لموضـوعات ، لايقتضـي إلاّ مجـرّد بقائها فـي ا لـزمان ا للاحق ، فتـرتّب ا لحـكم عليها يحـتاج إ لى ضـمّ دليل يـدلّ على تـرتّب ا لحـكم على تلك ا لموضـوعات ، فالاستصحـاب ا لجـاري في ا لعـدا لـة ـ مثلاً ـ لايؤثّر إلاّ في ثبـوتها فـي ا لـزمان ا للاحق تعبّداً ، وبهـذا يتحـقّق موضـوع ا لأدلّـة ا لدالّـة علـى تـرتّب بعـض ا لأحكام عـلى العدالـة ، كجـواز الاقتداء بصاحبها ، وجـواز ا لطـلاق عنـده ، وا لأخـذ بشهـادتـه ، وغيـر ذلك من ا لأحكام وا لآثار ا لمترتّبـة على موضوع ا لعدا لـة .
وبا لجملـة:ا لاستصحاب ا لجاري في ا لموضوعات ، يكون حاكماً على ا لأدلّـة ا لواقعيّـة ; لأ نّـه ينقّح بسببـه موضوعاتها ، فيتحقّق معنى ا لحكومـة .
ومن هنا يظهر : أ نّـه لو لم يكن ا لموضوع مترتّباً عليـه حكم شرعي في شيء من ا لأدلّـة ا لشرعيّـة ، لايكون الاستصحاب فيـه جارياً ; لأنّ ا لنتيجـة موقوفـة على صغرى وكبرى معاً ، فالاُولى بدون ا لثانيـة كا لعكس لاتنتج أصلاً ، وقد عرفت أنّ ا لاستصحاب ا لموضوعي لايؤثّر إلاّ في ثبوت ا لصغرى ; بحيث يحتاج إثبات ا لحكم إ لى ضمّ كبرى إ ليها ، وهذا بخلاف ا لاستصحاب ا لجاري في ا لحكم ، فإنّ إثبات ا لحكم لايحتاج إ لى أزيد منـه ، وإلاّ فلايختلف معنى «لاتنقض» با لنسبـة إ لى ا لاستصحابين .
(الصفحة 163)
إذا تحقّقتَ ما ذكرنا تعرف أنّ ما ذكروه : من أنّ جريان ا لأصل في ا لسبب يغني عن جريانـه في ا لمسبّب ، ولايبقى مجا ل لـه أصلاً ، ليس تامّاً على نحو ا لعموم ، بل إنّما يصحّ في خصوص ما لو كان ا لشكّ في ناحيـة ا لمسبّب ; في ا لأثر ا لمترتّب على ا لموضوع ا لمشكوك ـ شرعاً ـ كا لشكّ في نجاسـة ا لثوب ا لمغسول با لماء ا لمشكوك ا لكُرّيّـة ، فإنّ جريان استصحاب ا لكُرّيّـة ، يؤثّر في تحقيق موضوع ما يدلّ على أنّ ا لغسل با لماء ا لكُرّ ، يوجب زوال ا لنجاسـة وتنقيح متعلّقـه ، فيرتفع ا لشكّ في ا لنجاسـة أيضاً .
وهذا بخلاف ا لشكّ في ا لوضوء ا لناشئ من ا لشكّ في تحقّق ا لنوم ، فإنّـه لايجري استصحاب عـدم ا لنوم حتّى يرتفع بـه ا لشكّ في ارتفاع ا لوضوء ; لأ نّـه لم يجعل في ا لشريعـة حكم مترتّب على عدم ا لنوم ; حتّى يتحقّق بالاستصحاب موضوعـه ، وينقّح بـه متعلّق ا لدليل ا لدالّ على ترتّب ا لحكم عليـه ، وبقاء ا لوضوء مع عدم ا لنوم ، حكم عقلي منشؤه جعل ا لنوم ناقضاً في ا لشريعـة .
وبعبارة اُخرى : ا لمجعول في ا لشرع إنّما هي ا لطهارة عقيب ا لوضوء ، وكون ا لنوم ـ مثلاً ـ ناقضاً لـه ، وأ مّا بقاؤه مع عدم ا لناقض ، فهو حكم عقلي لا شرعي .
وبا لجملـة : لايكون عدم ا لنوم موضوعاً لحكم من ا لأحكام في ا لشريعـة ; حتّى يجري استصحابـه ، فيترتّب عليـه ذلك ا لحكم بضميمة ذلك ا لدليل ، فلامجا ل في ا لمثا ل إلاّ لجريان استصحاب ا لطهارة فقط .
ومن هنا يُدفع ما اُورد على ا لصحيحـة ا لاُولى لزرارة ـ ا لتي استدلّ بها على حجّيّـة ا لاستصحاب ـ : من أ نّـه قد اُجري فيها ا لاستصحاب في ا لمسبّب دون ا لسبب ، مع تقدّمـه عليـه(1) .
1 ـ اُنظر نهايـة ا لأفكار 4 : 39 ، الاستصحاب ، ا لإمام ا لخميني(قدس سره) : 24 ـ 26 و251 ـ 252 .
(الصفحة 164)
وممّا ذكرنا يظهر حا ل كثير من ا لاستصحابات ، كاستصحاب عدم ا لمانع وأشباهـه ، فإنّـه لا وجـه لجريان مثلـه .
كما أ نّـه ممّا ذكرنا يظهر حا ل كثير من ا لشبهات ، منها ثبوت ا لوسائط ا لمتعدّدة بالاستصحاب ، مثل استصحاب بقاء ا لعدا لـة ، ا لذي يترتّب عليـه جواز ا لطلاق عنده ، ا لمترتّب عليـه وجوب ا لتربّص في ا لمدّة ا لمعيّنـة ، ا لمترتّب عليـه جواز ا لتزويج بعد انقضاء تلك ا لمدّة ا لمترتّب عليـه جواز ا لوطي ووجوب ا لإنفاق ، وغيرهما من ا لأحكام ا لكثيرة .
فإنّـه لايبقى مجا ل للإشكا ل ـ بناءً على ما ذكرنا ـ فإنّ استصحاب ا لعدا لـة يتحقّق بـه موضوع ذلك ا لدليل ، ا لذي رُتّب فيـه ا لحكم على ا لعدا لـة ، فيترتّب عليـه تلك ا لأحكام ا لكثيرة ا لمترتّبـة .
وإلاّ فالإشكا ل بحا لـه ، ولايندفع بما اندفع بـه ا لإيراد ا لوارد على ا لإخبار مع ا لواسطـة(1) ، فإنّ ذلك ا لإيراد قد اندفع بوجوه ، وا لتي يمكن توهّم جريانها في ا لمقام : أ نّـه حيث تكون حجّيّـة ا لخبر على نحو ا لقضيّـة ا لحقيقيّـة ، فشمول أدلّـة ا لحجّيّـة لقول ا لشيخ : «أخبرني ا لمفيد» ، يؤثّر في ثبوت إخبار ا لمفيد تعبّداً ، فتشملـه أدلّـة ا لحجّيّـة .
ومن ا لواضح عدم جريان هذا ا لجواب في ا لمقام ، فإنّ قولـه (عليه السلام) : «لاتنقض ا ليقين با لشكّ» لايشمل في ا لمثا ل إلاّ ا لشكّ في ا لعدا لـة ، وأ مّا سائر ا لأحكام فلاتكون مشكوكـة(2) حتّى يجري فيها ا لاستصحاب ، فتأ مّل.
1 ـ اُنظر فرائد ا لاُصول 1 : 122 ـ 123 ، كفايـة ا لاُصول : 341 ـ 342 ، فوائد ا لاُصول (تقريرات ا لمحقّق ا لنائيني) ا لكاظمي 3 : 177 ـ 184 ، درر ا لفوائد ، ا لمحقّق ا لحائري 2 : 387 ـ 389 . 2 ـ قد كتب سيّدنا ا لعلاّمـة ا لاُستاذ(قدس سره) على هذا ا لمقام ـ بعد ملاحظتـه ـ ما هـذه عبارتـه : فلاتكون متعلّقـة لليقين ا لسابق وا لشكّ ا للاحق حتّى تشملـه أدلّـة ا لاستصحاب ، وجريان ا لاستصحاب في ا لعدا لـة لايوجب تحقّق فرد تعبّدي من «لاتنقض ا ليقين . . .» إ لى آخره لتدفع ا لشبهـة بذلك ، فحينئذ لا وجـه للتأ مّل .
(الصفحة 165)
فلا مناص في دفع ا لإيراد إلاّ ما ذكرناه .
ومن جميع ما تقدّم ظهر : أنّ جريان استصحاب ا لطهارة أو قاعدتها في ا لملاقى ـ با لفتح ـ لايفيد با لنسبـة إ لى طهارة ا لملاقي ـ با لكسر ـ أصلاً ; لأ نّـه لم تجعل طهارة ا لثاني مترتّبـة على طهارة ا لأوّل في ا لشريعـة ، بل ا لمجعول فيها إنّما هي نجاسـة ا لملاقي للنجس ، وأ مّا طهارة ملاقي ا لطاهر ، فإنّما هي حكم عقلي غير مجعول في ا لشرع ، فأصا لـة ا لطهارة في ا لملاقى ـ على تقدير جريانها ـ لاتمنع عن ا لجريان في ا لملاقي أصلاً .
ثمّ إنّـه فصّل ا لشيخ (قدس سره) في «ا لرسا لـة» بين ما إذا كان ا لعلم ا لإجما لي ، متأخّراً عن ا لملاقاة وفقدان ا لملاقى ـ با لفتح ـ وبين ما إذا كانت ا لملاقاة وا لفقدان كلاهما متأخّرين عن ا لعلم ا لإجما لي ، فحكم بطهارة ا لملاقي ـ با لكسر ـ في ا لفرض ا لثاني ; لأنّ أصا لتها سليمـة عن ا لمعارض ، وبوجوب ا لاجتناب عنـه في ا لأوّل ; لأنّ أصا لـة طهارتـه معارضـة بالأصل ا لجاري في ا لطرف ا لآخر غير ا لملاقي ; لأنّ ا لمفروض خروجـه عن محلّ ا لابتلاء ، فلايجري فيـه ا لأصل حتّى يعارض ا لطرف ا لآخر(1) .
وأنت خبير : بأ نّـه ولو سلّمنا استهجان ا لتكليف بما لا يُبتلى بـه ا لمكلّف ، ولكنّـه لانسلّم عدم جريان ا لأصل بالإضافـة إ ليـه في أمثا ل ا لمقام ; لثبوت ا لأثر لـه ، وهو طهارة ما لاقاه . وهذا واضح جدّاً .
1 ـ فرائد ا لاُصول 2 : 425 .
(الصفحة 166)
مسألة تعيّن التيمّم عند انحصار الماء بالمشتبهين
لا خلاف نصّاً(1) وفتوى(2) في أنّ من لم يجد ماءً غير ا لمشتبهين ، يجب عليـه أن يتيمّم للصلاة . ولكن ا لكلام في أنّ هذا ا لحكم ، هل يكون موافقاً للقاعدة حتّى يُتعدّى عن مورد ا لنصّ إ لى غيره ، أم لا ؟
قال في «ا لمصباح» : ما ملخّصـه : أ نّـه إن قلنا بحرمـة ا لطهارة با لنجس حرمـة ذاتيّـة ، فلا تأمُّل في وجوب ا لتيمّم مطلقاً ، لا لمجرّد تغليب جانب ا لحرمـة لعدم ا لدليل عليـه ، بل لأنّ ارتكاب ا لمحرّم محظور شرعاً ، وا لمانع ا لشرعي كا لعقلي ، فينتقل ا لفرض إ لى ا لتيمّم مطلقاً(3) .
ونظير هـذا ا لكلام مذكور في «ا لعروة» فيما لو نذر ا لمكلّف أن يكون في يوم عرفـة في محلّ مخصوص ما عدا عرفات ليدعو فيـه ـ مثلاً ـ كأنْ يكون تحت قُبّـة ا لحسين (عليه السلام) ، فإنّـه أفتى بعدم وجوب ا لحجّ عليـه وإن صار مستطيعاً بعد ا لنذر ; لأ نّـه بعد ا لنذر يمتنع تحقّق موضوع ا لاستطاعـة ; لأنّ ا لمانع ا لشرعي كا لمانع ا لعقلي(4) .
أقول : وكلاهما محلّ نظر وتأ مّل :
أ مّا ا لمسأ لـة ا لثانيـة ا لمذكورة في «ا لعروة» : فا لحكم فيها وجوب ا لحجّ
1 ـ ا لكافي 3 : 10 / 6 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 249 / 713 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 155 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 8 ، ا لحديث 14 ، و : 169 ، ا لباب 12 ، ا لحديث 1 . 2 ـ ا لمقنعـة : 69 ، ا لنهايـة : 6 ، ا لسرائر 1 : 85 ، شرائع ا لإسلام 1 : 7 ، مختلف ا لشيعـة 1 : 81 ، مفتاح ا لكرامـة 1 : 127 / ا لسطر 20 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 258 . 3 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 258 . 4 ـ ا لعروة ا لوثقى 2 : 442 .
(الصفحة 167)
عليه بعد ا لاستطاعة وإن نذر ا لكون في مكان مخصوص ، لا لأنّ مع وجوب ا لحجّ ينحلّ ا لنذر ; لأنّ ا لمعتبر فيه أن يكون متعلَّقـه راجحاً ، ولا رجحان فيه مع وجوب ا لحجّ ـ كما ذكره بعضهم(1) ـ لأنّ رجحان ا لمتعلّق باق بحا له وإن وجب عليه ا لحجّ ، ولذا لو ترك ا لحجّ عن عمد وعصيان ، وأتى با لمنذور فقد أتى بشيء راجح ، كما هو ا لحا ل فيما لو ترك ا لحجّ وأتى بذلك ا لفعل مع عدم تعلّق ا لنذر بـه أصلاً .
وبا لجملـة : ا لرجحان لايكون دائراً مدار عدم وجوب ا لحجّ ولا سائر ا لواجبات أصلاً .
بل لأنّ ا لحجّ في نظر ا لشارع أهمّ من ا لوفاء با لنذر ، كما يدلّ عليـه ا لروايات ا لكثيرة ا لواردة في باب ا لحجّ ، ا لدالّـة على كثرة الثواب على فعلـه وشدّة العقاب على تركـه(2) ، بل كان من مقوّمات ا لدين(3) وتركـه سبباً للخروج عنـه ، كما يدلّ عليـه ا لخبر ا لمروي ، ا لدالّ على أ نّـه يموت تاركـه يهوديّاً أو نصرانيّاً(4) .
وبا لجملـة : فأهمّيّـة ا لحجّ بالاضافـة إ لى ا لوفاء با لنذر ، ممّا لاينبغي ا لارتياب فيها .
فانقدح ممّا ذكرنا : أنّ وجوب ا لحجّ ليس لانحلال ا لنذر بـه ، كما أ نّـه لايرتفع موضوعـه بوجوب ا لوفاء با لنذر ; لأ نّـه لايعتبر في وجوبـه سوى ا لاستطاعـة ، ا لتي معناها ا لزاد وا لراحلـة وخلوّ ا لسبيل وعدم كونـه مسدوداً ، وأ مّا
1 ـ مستمسك ا لعروة ا لوثقى 10 : 118 . 2 ـ راجع وسائل ا لشيعـة 11 : 9 ، كتاب ا لحجّ ، أبواب وجوبـه وشرائطـه ، ا لباب 1 ، ا لحديث7 ، و : 22 و 23 ، ا لباب 4 ، ا لحديث 7 و 9 و 10 . 3 ـ وسائل الشيعة 1 : 13 و14 ، كتاب الطهارة ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب1 ، ا لحديث1 و2. 4 ـ ا لكافي 4 : 268 / 1 ، و : 269 / 5 ، وسائل ا لشيعـة 11 : 29 ، كتاب ا لحجّ ، أبواب وجوب ا لحجّ وشرائطـه ، ا لباب 7 ، ا لحديث 1 .
(الصفحة 168)
أنّ ا لذهاب إ لى ا لحجّ مستلزم لترك بعض ا لواجبات ، فلا يوجب ذلك عدم تحقّق ا لاستطاعـة ا لمعتبرة في وجوبـه .
نعم يجب تقديم ا لأهمّ وقد عرفت أنّ ا لحجّ أهمّ با لنسبـة إ لى ا لوفاء با لنذر .
وأ مّا ا لمسأ لـة ا لاُولى فلايخفى أنّ مجرّد كون ا لوضوء با لماء ا لطاهر مستلزماً للتوضّي با لماء ا لنجس ـ وهو حرام ذاتاً ، كما هو ا لمفروض ـ لايوجب انتفاء موضوع ا لوضوء ، ولايتحقّق فقدان ا لماء ا لرافع لوجوب ا لوضوء ; لأ نّـه من ا لمعلوم أنّ هذا ا لشخص يصدق عليـه أ نّـه واجد للماء ا لطاهر .
وما ذكره في «ا لمصباح» : من أنّ ا لمانع ا لشرعي كا لمانع ا لعقلي(1) ، لم يدلّ عليـه دليل أصلاً ، غايـة ا لأمر أ نّـه حيث يكون ا لعلم با لوضوء با لماء ا لطاهر ، متوقّفاً على استعما ل ا لماء ا لنجس ا لذي يكون محرّماً ، فلابدّ من ملاحظـة ا لأهمّ من وجوب ا لوضوء وحرمـة استعما ل ا لماء ا لنجس في ا لتطهير .
ولايبعد أن يقا ل : إنّـه حيث لاتكون ا لطهارة ا لمائيّـة راجحـة على ا لطهارة ا لترابيّـة من حيث ا لأجر وا لفضيلـة ، غايـة ا لأمر أنّ موضوعهما مختلف ، كا لمسافر وا لحاضر ; على ما يستفاد من ا لأخبار ا لواردة في ا لطهارة ا لترابيـة ، ا لدالّـة على أنّ «ا لتراب أحد ا لطهورين يكفيك عشر سنين»(2) ، و«أنّ ربّ ا لصعيد هو ربّ ا لماء»(3) وغيرهما(4) من ا لتعبيرات ا لتي لايستفاد منها أفضليّـة ا لوضوء
1 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 258 . 2 ـ وسائل ا لشيعـة 3 : 369 ،كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لتيمّم ، ا لباب 14 ، ا لحديث 12 ،و : 380 ، ا لباب20 ، ا لحديث 7 ،381 ،ا لباب 21 ،ا لحديث 1 ، و : 386 ، ا لباب 23 ،ا لحديث 4 و5 . 3 ـ وسائل ا لشيعـة 3 : 371 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لتيمّم ، ا لباب 14 ، ا لحديث 17 ، و : 386 ، ا لباب 23 ، ا لحديث 6 . 4 ـ وسائل ا لشيعـة 3 : 379 ـ 380 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لتيمّم ، ا لباب 20 ، ا لحديث 1 و 2 و 3 و 5 ، و : 386 ، ا لباب 24 ، ا لحديث 2 .
(الصفحة 169)
بوجـه ، لو لم نقل باستفادة ا لتساوي .
فيقوى في ا لنظر ترجيح حرمـة استعما ل ا لماء ا لنجس في ا لتطهير على وجوب ا لوضوء ، فينتقل ا لفرض إ لى ا لتيمّم ; لما ذكرنا ، لا لانتفاء ا لموضوع ، كما ذكره في «ا لمصباح»(1) .
هذا كلّـه لو قلنا بحرمـة ا لتطهير با لماء ا لنجس ذاتاً .
وأ مّا لو قلنا بحرمتـه تشريعاً ، فمقتضى ا لقاعدة وجوب ا لوضوء بكلٍّ منهما ، وا لصلاة عقيب كلّ وضوء ، وفي ا لاكتفاء بصلاة واحدة عقيب ا لوضوءين إشكا ل .
جريان الاستصحاب مع توارد الحالين المتقابلين
ولابدّ هنا من ذكر ا لمسأ لـة ا لاُصوليّـة ا لمتعلّقـة بهذا ا لمقام ـ وإن كان خارجاً عن ا لفنّ ـ وهي جريان ا لاستصحاب فيما لو توارد ا لحالان ا لمتقابلان على شيء واحد ، مع ا لجهل با لمتقدّم وا لمتأخّر منهما ; حتّى يظهر حا ل ا لمسأ لـة ، فنقول :
إنّ من ا لاُمور ا لمعتبرة في جريان الاستصحاب ، أن يكون ا لشكّ وا ليقين فعليّين ، واعتباره فيـه ممّا لا إشكا ل فيـه ; لأنّ ا لظاهر من قولـه(عليه السلام) «لاتنقض ا ليقين با لشكّ»(2) أنّ حرمـة ا لنقض إنّما هو مع وجود عنواني ا لشكّ وا ليقين ، فإنّ ا لظاهر من جعل ا لشيء موضوعاً ، هو جعلـه بوجوده ا لفعلي كذلك .
كما أ نّـه لا إشكا ل في أ نّـه يعتبر في جريان ا لاستصحاب اتّصا ل زمان
1 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة : 1 : 258 . 2 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 8 / 11 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 245 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب نواقض ا لوضوء ، ا لباب 1 ، ا لحديث 1 .
(الصفحة 170)
ا لشكّ با ليقين ; بمعنى عدم تخلّل يقين آخر بينهما ، فإذا علم بعدا لـة زيد عند طلوع ا لشمس ، ثمّ علم بارتفاعها عند ا لزوال ، ثمّ شكّ فيها عند ا لغروب ، فلايجري استصحاب ا لعدا لـة ; لأ نّـه قد تخلّل بين ا ليقين بثبوتها وا لشكّ فيها يقين آخر بارتفاعها عند ا لزوال ، فا لمورد يجري فيـه استصحاب ا لعدم فقط . وهذا ممّا لا اشكا ل فيـه ولا خلاف . نعم قد وقع ا لخلط وا لاشتباه في بعض ا لمصاديق :
حول كلام المحقّق الخراساني
منها : ما يظهر من ا لمحقّق ا لخراساني (قدس سره) في «ا لكفايـة» في مجهولي ا لتاريخ فيما لو كان ا لأثر مترتّباً على عدم كلّ واحد منهما في زمان ا لآخر ; من قولـه بعدم جريان ا لاستصحاب ; لعدم إحراز اتّصا ل زمان شكّـه ، وهو زمان حدوث ا لآخر بزمان يقينـه ; لاحتما ل انفصا لـه عنـه باتّصا ل حدوثـه .
ومحصّل ما أفاده في وجهـه : أنّ هنا ثلاث ساعات : ا لاُولى هي الّتي يقطع فيها بعدم حدوث واحد منهما ، وا لساعـة ا لثانيـة قَطَع بحدوث أحدهما بلا تعيين فيها ، وا لساعـة ا لثا لثـة قَطَع فيها بحدوث ا لآخر كذلك .
واستصحاب عدم ا لكُرّيّـة ـ في ا لمثا ل ا لمعروف ـ إ لى زمان ا لملاقاة ، في ا لساعـة ا لأخيرة ، وكذا عدم ا لملاقاة إ لى زمان ا لكُرّيّـة غير جار ; لأ نّـه لايكون زمان ا لشكّ في حدوث كلٍّ منهما مجموع ا لساعتين . نعم يكون كذلك بلحاظ إضافتـه إ لى أجزاء ا لزمان ، وا لمفروض أ نّـه بلحاظ إضافتـه إ لى ا لآخر ، وأ نّـه حدث في زمان حدوثـه أو قبلـه ، ولا شبهـة أنّ زمان شكّـه بهذا ا للحاظ ، إنّما هو خصوص ساعـة ثبوت ا لآخر وحدوثـه لا ا لساعتين ، وحينئذ فلا يعلم باتّصا ل زمان ا لشكّ با ليقين(1) .
1 ـ كفايـة ا لاُصول : 478 ـ 479 .
(الصفحة 171)
أقول : لايخفى أنّ ا لعلم بحدوث أحدهما في ا لساعـة ا لثانيـة ، إنّما يكون مجملاً مردّداً بين ا لحادثين ، فخصوص أحدهما لايكون معلوم ا لحدوث ، فلايبقى مانع عن جريان ا لاستصحاب ; لأنّ ا لعلم ا لإجما لي محصِّل للشكّ ومحقِّق لـه ، فلامانع عن جريان استصحاب عدم ا لملاقاة إ لى زمان ا لكُرّيّـة ، وكذا ا لعكس من هذه ا لجهـة أصلاً ، ولو كان هنا مانع فإنّما هو من بعض ا لجهات ا لاُخر .
حول كلام المحقّق النائيني
ثمّ إنّ بعض ا لأعاظم قد فرض للمسأ لـة صوراً ثلاثـة ـ على ما في ا لتقريرات ـ :
ا لاُولى : ما إذا كان متعلّق ا لعلم من ا لأوّل مجملاً ; مردّداً بين ما كان في ا لطرف ا لشرقي وما كان في ا لطرف ا لغربي ; فيما كان ا لإناءان نجسين سابقاً ، وعلم بإصابـة ا لمطر لخصوص واحد منهما لا على ا لتعيين .
ا لثانيـة : ما إذا كان متعلّق ا لعلم بإصابـة ا لمطر معلوماً با لتفصيل ، ثمّ طرأ عليـه ا لإجما ل وا لترديد ; لوقوع الاشتباه بين ا لإناء ا لشرقي وا لإناء ا لغربي .
ا لثا لثـة : ما إذا كان متعلّق ا لعلم مجملاً من جهـة ومبيَّناً من جهـة اُخرى ، كما إذا علم بإصابـة ا لمطر لخصوص ا لإناء ا لواقع في ا لطرف ا لشرقي ، مع عدم تميّزه عمّا كان في ا لطرف ا لغربي ، ثمّ حكم بجريان ا لاستصحاب في ا لصورة ا لاُولى ; لأ نّـه يكون ا لشكّ فيـه متّصلاً با ليقين ، بخلاف ا لصورة ا لثانيـة ; لأنّ ا لعلم بطهارة أحدهما ا لمعيّن ا لممتاز عمّا عداه تفصيلاً ، يوجب ارتفاع ا ليقين ا لسابق ، وا لإجما ل ا لطارئ وإن كان أوجب ا لشكّ في بقاء ا لنجاسـة في كلٍّ منهما ، إلاّ أ نّـه لايعقل اتّصا ل زمان ا لشكّ في كلٍّ منهما بزمان ا ليقين بنجاستهما ; لأنّ ا لمفروض أ نّـه قد انقضى على أحد ا لإناءين زمان لم يكن زمان ا ليقين با لنجاسـة ولا زمان
(الصفحة 172)
ا لشكّ فيها ، فكيف يعقل اتّصا ل زمان ا لشكّ في كلّ منهما بزمان ا ليقين ؟ ! فلا مجا ل لاستصحاب بقاء ا لنجاسـة في كلٍّ منهما أصلاً .
وأ مّا ا لصورة ا لثا لثـة فكا لصورة ا لثانيـة مـن حيث عـدم ا لاتّصا ل ; وإن لم يكن بذلك ا لوضوح ، فإنّـه قد انقضى على ا لإناء ا لشرقي زمان لم يكن زمان ا ليقين با لنجاسـة ولا زمان ا لشكّ فيها ، وهو زمان ا لعلم بإصابـة ا لمطر لـه ; لأنّ ا لشكّ في بقاء ا لنجاسـة فيـه ، إنّما حصل بعد اجتماع ا لإناءين واشتباه ا لشرقي با لغربي ، فقبل ا لاجتماع وا لاشتباه كان ا لإناء ا لشرقي مقطوع ا لطهارة ، وا لإناء ا لغربي مقطـوع ا لنجاسـة ، فلايجـري استصحاب ا لنجاسـة فيهما ; لأنّ كلّ واحـد منهما يحتمـل أن يكون هـو ا لإناء ا لشرقي ، ا لذي كان مقطوع ا لطهارة حا ل إصابـة ا لمطر لـه(1) . انتهى .
أقول : لا فرق بين ا لصورتين ا لأخيرتين وبين ا لصورة ا لاُولى ; من حيث إنّـه لا مانع من جريان ا لاستصحاب ; من جهـة اعتبار اتّصا ل زمان ا لشكّ با ليقين أصلاً ، فكما أ نّـه يجري ا لاستصحاب في ا لصورة ا لاُولى ـ لو لم يكن مانع من جهـة اُخرى ـ كذلك يجري في ا لأخيرتين أيضاً ; لأنّ ا لمفروض أنّ ا لعلم بطهارة أحدهما ا لمعيّن ا لممتاز عمّا عداه تفصيلاً ، قد زال بعد طُرُوّ ا لإجما ل وعروض ا لتردّد ، ومجرّد طُرُوّ ا لعلم بنقيض ا لحا لـة ا لسابقـة ، لايمنع عن استصحابها بعد زوال ذلك ا لعلم وارتفاعـه ، كما لو علم بعدا لـة زيد عند طلوع ا لشمس ، ثمّ علم بارتفاعها عند ا لزوال ، ثمّ شكّ عند ا لغروب في ثبوت ا لعدا لـة عند ا لزوال ، فإنّـه لا مانع من جريان استصحاب ا لعدا لـة ; ولو تخلّل بين ا لزمانين زمان يقطع بارتفاع ا لحا لـة ا لسابقـة ، إلاّ أنّ مجرّد ذلك لايمنع عن جريان ا لاستصحاب بعد ارتفاع
1 ـ فوائد ا لاُصول (تقريرات ا لمحقّق ا لنائيني) ا لكاظمي 4 : 513 ـ 515 .
(الصفحة 173)
ا ليقين بنقيض ا لحا لـة ا لسابقـة عند ا لشكّ ا لذي بـه يتحقّق موضوع ا لاستصحاب .
وبا لجملـة:فا لمانع من جريان ا لاستصحاب ، هو ا ليقين بخلاف ا لحا لـة ا لسابقـة مع وجوده في حا ل ا لشكّ في بقائها ، كما عرفت في ا لمثا ل ا لمتقدّم في صدر ا لمسأ لـة ، وأ مّا مجرّد ا ليقين بخلافها ولو انعدم عند ا لشكّ فيها ، فلايكون مانعاً أصلاً . هذا في ا لصورة ا لثانيـة .
وأ مّا ا لصورة ا لثا لثـة فجريان ا لاستصحاب فيها أوضح ، فتأ مّل في ا لمقام ، فإنّـه من مزالّ ا لأقدام ، كما يظهر بمراجعـة كلمات ا لأعلام عليهم رضوان الله ا لملك ا لعلاّم .
ولنرجع إ لى ما كنّا فيـه ، ونقول :
إنّ ا لمشهور بينهم في مسأ لـة من تيقّن ا لطهارة وا لحدث وشكّ في ا لمتأخّر منهما ، هو وجوب تحصيل ا ليقين بفراغ ا لذمّـة بتحصيل ا لطهارة ، لا لاستصحاب ا لحدث لمعارضتـه با لمثل ، بل لما ذكر من ا لعلم با لفراغ ، وا لمحكيّ عن ا لمحقّق (قدس سره) في «ا لمعتبر» هو وجوب ا لأخذ بضدّ ا لحا لـة ا لسابقـة(1) .
التحقيق في المقام
أقول: وا لتحقيق يوافق ا لتفصيل ، وتوضيحـه أن يقا ل :
إنّ للمسأ لـة صوراً ، فإنّ ا لحدث ا للاحق ا لعارض : إمّا أن يكون مساوياً للحدث ا لسابق على عروض ا لحا لتين ; من حيث ما يترتّب عليـه من ا لحكم في ا لشرع ، وإمّا أن يكون أقوى منـه وأشدّ ، وإمّا أن يكون أضعف منـه ، وعلى جميع ا لتقادير : إمّا أن تكون ا لحا لتان مجهولتين من حيث ا لتاريخ ، وإمّا أن تكون
1 ـ ا لمعتبر 1 : 171 .
(الصفحة 174)
إحداهما معلومـة وا لاُخرى مجهولـة .
وحينئذ فنقول : لو كانتا مجهولتي ا لتاريخ ، وكان ا لحدث ا لعارض مساوياً للحدث ا لسابق من حيث ا لقوّة وا لضعف ، فا لحكم كما ذكره في «ا لمعتبر» من وجوب ا لأخذ بضدّ ا لحا لـة ا لسابقـة ، فلايجب عليـه تحصيل ا لطهارة في هذا ا لفرض لكون ا لحا لـة ا لسابقـة على ا لحا لتين هي ا لحدث .
وتوضيح ذلك يتوقّف على بيان مقدّمـة ، وهي : أ نّـه لايخفى أ نّـه لو عرض ا لحدثان متعاقبين ، لايترتّب على ا لحدث ا للاحق أثر أصلاً ; لأ نّـه قد بطل ا لوضوء أو ا لغسل با لحدث ا لسابق ، فلايبطل با لحدث ا للاحق ثانياً ، كما أ نّـه من ا لمتّفق عليـه ـ ظاهراً ـ أ نّـه لايجب تعدّد ا لطهارة حسب تعدّد ا لنواقض وا لروافع ، فلايجب بعد ا لنوعين ـ مثلاً ـ إلاّ وضوء واحد إجماعاً(1) ، وعليـه فا لحدث ا للاحق لايؤثّر في ا لرفع فعلاً ، بل لـه اقتضاؤه شأناً .
وحينئذ فنقول : لايكون في ا لفرض إلاّ مجرّد استصحاب ا لطهارة ا لمعلومـة بالإجما ل ; لأنّ ا لحدث ا لسابق ا لمعلوم با لتفصيل قد ارتفع قطعاً ، وا لعلم ا لإجما لي با لحدث ا للاحق لايترتّب عليـه حكم ; لأنّ أمره دائر بين أن يكون ا لحدث واقعاً قبل ا لطهارة ، فلا يؤثّر أصلاً ; لوجود ا لحدث ا لسابق ، وبين أن يكون عارضاً بعدها ، فيؤثّر في ا لرفع ، فأحد ا لطرفين لايترتّب عليـه أثر ، فيصير ا لطرف ا لآخر مشكوكاً با لشكّ ا لبدوي .
وبا لجملـة:لايكون في ا لفرض إلاّ ا لعلم ا لتفصيلي با لحدث ، وا لمفروض ارتفاعـه قطعاً با لعلم بحدوث ا لطهارة ، وا لشكّ ا لبدوي في بقائها ، فلايجري معـه استصحاب ا لحدث ، ويصير جريان ا لاستصحاب بالإضافـة إ لى ا لطهارة بلامزاحم ،
1 ـ جواهر ا لكلام 2 : 110 .
(الصفحة 175)
بعد ا لعلم بحدوثها وا لشكّ في ارتفاعها .
وا لسرّ : ما عرفت من أنّ ا لعلم ا لإجما لي في ناحيـة ا لحدث وإن كان موجوداً ، إلاّ أنّ ا لمعلوم هو ا لسبب ا لذي لايترتّب على بعض وجوهـه ا لمسبّب ، بخلاف ا لعلم ا لإجما لي في ناحيـة ا لطهارة ، فإنّـه علم فيها با لسبب ا لذي يترتّب على جميع فروضـه ا لمسبّب ; لأ نّـه يرتفع بها ا لحدث على أيّ تقدير ; سواء وقع قبل ا لحدث ا للاحق أو بعده ، كما هو واضح .
ثمّإنّـه ممّا ذكرنا يظهر ا لحكم فيما لو كانت ا لحا لـة ا لسابقـة على ا لحا لتين هي ا لطهارة ، فإنّـه يجب عليـه تحصيلها بعدهما ; لأنّ استصحابها لايجري ، بخلاف استصحاب ا لحدث ; لأ نّـه يترتّب عليـه ا لأثر في هذا ا لفرض على أيّ تقدير ; سواء وقع قبل ا لطهارة ا لثانيـة ، أو بعدها ، بخلافها ، فإنّـه لايترتّب عليها أثر لو وقع قبل ا لحدث ا للاحق ، كما أ نّـه ممّا ذكرنا يظهر حكم ما لو كان ا لحدث ا لسابق أقوى من ا لحدث ا للاحق من حيث ا لحكم .
وأ مّا لو كان ا للاحق أقوى منـه وأشدّ فا لحكم كما ذكره ا لمشهور ; لأنّ ا لاستصحابين يجريان ، ثمّ يسقطان ، فيجب تحصيل ا ليقين با لفراغ بإحراز ا لطهارة فيما كان من قبيل ا لطهارة وا لحدث ، كما إذا كان عند طلوع ا لشمس مُحدثاً با لحدث ا لأصغر ، ثمّ علم بعروض ا لجنابـة وا لغسل منها ، وشكّ في ا لمتقدّم منهما ، فإنّـه يجب عليـه ا لغسل ثانياً ، بعد تعارض استصحاب بقاء ا لجنابـة مع استصحاب بقاء ا لطهارة ا لحاصلـة من ا لغسل ، كما هو مقتضى حكم ا لعقل .
وأ مّا لو كان من قبيل ا لنجاسـة ا لخَبَثيـة ، كما إذا علم بأنّ ثوبـه كان نجساً عند ا لطلوع لملاقاتـه مع ا لدم ، ثمّ عرض لـه ا لنجاسـة ا لبوليّـة وا لتطهير ا لمعتبر فيها ـ بناءً على أن يكون ا لبول أقوى من ا لدم من حيث ا لحكم ـ وشكّ في ا لمتأخّر منهما ، فإنّـه بعد تعارض ا لاستصحابين يكون ا لثوب طاهراً بمقتضى قاعدة
(الصفحة 176)
ا لطهارة ، لا استصحابها لمعارضتـه با لمثل ، وا لمفروض أنّ ا لنجاسـة ا لسابقـة ا لحاصلـة عند ا لطلوع قد ارتفعت قطعاً ، فلايجري استصحابها ، فلم يبقَ في ا لبين إلاّ قاعدة ا لطهارة ، هذا كلّـه في مجهولي ا لتاريخ .
وأ مّا لو كان تاريخ أحدهما معلوماً وا لآخر مجهولاً ، فا لصور أربعـة : لأ نّـه إمّا أن تكون ا لحا لـة ا لسابقـة على ا لحا لتين هي ا لحدث ، وإمّا أن تكون هي ا لطهارة ، وعلى ا لتقديرين : إمّا أن يكون تاريخ ا لطهارة معلوماً وا لحدث مجهولاً ، وإمّا أن يكون على ا لعكس .
فلو كانت ا لحا لـة ا لسابقـة هي ا لحدث ، وعلم بتاريخ ا لطهارة دون ا لحدث ا للاّحق ، كما لو علم أوّل طلوع ا لشمس بكونـه محدثاً ، ثمّ علم بكونـه طاهراً عند ا لزوال ، وشكّ عند ا لغروب في أنّ ا لحدث ا للاّحق ا لعارض قطعاً ، هل حدث قبل ا لزوال أو بعده ؟ فا لحكم في هذه ا لصورة أ نّـه يكون باقياً على ا لطهارة بمقتضى ا لاستصحاب ، ولايعارضـه استصحاب ا لحدث ; لأنّ أمره دائر بين وقوعـه قبل ا لزوال فلايؤثّر ، أو بعده فيؤثّر في رفع ا لوضوء ، فا لعلم ا لإجما لي إنّما تعلّق با لسبب ا لأعمّ من ا لفعلي والاقتضائي ، فلايترتّب عليـه ا لأثر أصلاً ، كما عرفت .
ولو علم في هذا ا لفرض بتاريخ ا لحدث دون ا لطهارة ، كما لو علم في ا لمثا ل بكونـه محدثاً عند ا لزوال ، وشكّ في أنّ ا لطهارة ا لحادثـة ، هل حدثت بعد ا لزوال أو قبلـه ؟ فا لحكم وجوب تحصيل ا لطهارة ، لا لاستصحابها لمعارضتـه با لمثل ، بل لوجوب تحصيل ا ليقين با لفراغ عند ا ليقين بالاشتغا ل :
أ مّا جريان ا لاستصحاب با لنسبـة إ لى ا لطهارة فواضح ; لأ نّـه يعلم إجمالاً بحدوثها قبل ا لزوال أو بعده مع ا لشكّ في ارتفاعها ; لاحتما ل حدوثها بعد ا لزوال .
وأ مّا جريان استصحاب ا لحدث ، فلأ نّـه يعلم تفصيلاً بكونـه محدثاً حين ا لزوال ; سواء كان حدوث ا لطهارة قبلـه أو بعده ، وشكّ في ارتفاع ا لحدث ا لمعلوم
(الصفحة 177)
با لتفصيل عند ا لزوال ; لاحتما ل وقوعـه بعدها ، فبعد جريان ا لاستصحابين وتساقط ا لأصلين ، لايبقى في ا لبين إلاّ حكم ا لعقل بوجوب تحصيل ا لطهارة ; لما عرفت .
هذا كلّـه فيما لو كانت ا لحا لـة ا لسابقـة هي ا لحدث .
وأ مّا لو كانت هي ا لطهارة ، وعلم بتاريخ ا لطهارة ا للاحقـة دون ا لحدث ، فا لحكم كما في ا لفرض ا لثاني ; من وجوب تحصيلها بمقتضى حكم ا لعقل بعد جريان ا لاستصحابين وتساقطهما .
أ مّا جريان استصحاب ا لحدث فواضح ; لأ نّـه يعلم إجمالاً بحدوثـه قبل ا لزوال ، فيؤثّر في رفع ا لطهارة ا لسابقـة على عروض ا لحا لتين ، أو بعده فيؤثّر في رفع ا لطهارة ا للاحقـة أيضاً ، وا لمفروض ا لشكّ في ارتفاعـه لاحتما ل حدوثـه بعد ا لزوال .
وأ مّا جريان استصحاب ا لطهارة فلأ نّـه يعلم تفصيلاً بوجودها عند ا لزوال ; سواء كان حدوث ا لحدث قبلـه أو بعده ، وا لمفروض ا لشكّ في ارتفاعـه ; لاحتما ل حدوثها بعد ا لحدث ، فلا مانع من استصحابها أصلاً .
ولو علم في ا لفرض بتاريخ ا لحدث دون ا لطهارة ، فا لحكم وجوب تحصيل ا لطهارة لاستصحاب ا لحدث ، ولايعارضـه استصحاب ا لطهارة لعدم جريانـه ; لأنّ أمرها دائر بين وقوعها قبل ا لزوال ـ ا لذي هو وقت حدوث ا لحدث ـ فلا يؤثّر في حدوث ا لطهارة أصلاً لفرض وجودها قبلها ، وبين وقوعها بعد ا لزوال ، فيؤثّر في حدوثها لمكان ا لحدث ا لسابق عليها ، فا لعلم إنّما تعلّق با لسبب ا لأعمّ من ا لفعلي وا لاقتضائي فلايجري استصحابـه كما عرفت .
فانقدح : أنّ ا لحكم في ا لصور ا لثلاثـة من ا لصور ا لأربعـة هو وجوب تحصيل ا لطهارة ، غايـة ا لأمر أنّ ا لوجـه في بعضها جريان خصوص استصحاب
(الصفحة 178)
ا لحدث ، وفي بعضها ا لآخر تعارض الاستصحابين وتساقطهما ، وا لرجوع إ لى حكم ا لعقل بوجوب تحصيل ا ليقين با لفراغ بعد ا ليقين بالاشتغا ل ، وفي صورة واحدة ـ وهي ا لصورة ا لاُولى من ا لصور ا لمتقدّمـة ـ يكون مقتضى الاستصحاب بقاؤه على ا لطهارة ، فالأخذ بخلاف ا لحا لـة ا لسابقـة ـ بناءً على ا لاستصحاب ـ إنّما هو في خصوص هذه ا لصورة وا لصورة ا لأخيرة ، دون بقيّـة ا لصور ، فتدبّر .
رجع إلى أصل المسألة
إذا عرفت جميع ما ذكرنا فنقول في أصل ا لمسأ لـة ـ وهي انحصار ا لماء با لمشتبهين ; بناءً على أن يكون ا لتوضّي با لماء ا لنجس محرّماً با لحرمـة ا لتشريعيّـة ـ :
قد عرفت أ نّـه لا إشكا ل فيما لو صلّى عقيب كلّ وضوء(1) ; لأ نّـه يقطع معـه بوقوع إحدى ا لصلاتين جامعـة للشرائط ا لمعتبرة فيها ، وإنّما ا لإشكا ل في الاكتفاء بصلاة واحدة عقيب ا لطهارتين .
وا لحقّ في ا لمسأ لـة أن يقا ل : إنّـه قد تكون أعضاء ا لوضوء طاهرة قبل ا لوضوء با لماءين ا لمشتبهين ، وقد تكون نجسـة فا لكلام يقع في مقامين :
المقام الأوّل: التوضّي بالمشتبهين مع طهارة أعضاء الوضوء
أ مّا ا لكلام في ا لمقام ا لأوّل فملخّصـه : أ نّـه لو قلنا بالاكتفاء بصلاة واحدة ، فا للازم وقوعها فاقدة للطهارة ا لمعتبرة فيها ، وهي طهارة ا لبدن ; لابتلائـه باستصحاب ا لنجاسـة ، وعليـه يكون ا لحكم في ا لروايتين ـ ا لدالّتين على وجوب
1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 169 .
(الصفحة 179)
ا لإراقـة وا لتيمّم(1) ـ موافقاً للقاعدة ، فلا اختصاص لـه بموردهما ، بل يتعدّى عنـه إ لى غيره .
وتوضيحـه أن يقا ل : إنّ ا لمتوضّي يقطع ـ تفصيلاً ـ بنجاسـة ا لعضو ا لذي لاقاه ا لماء ا لثاني قبل حصول شرائط ا لتطهير ; من ا لغلبـة وا لانفصا ل وا لتعدّد ، فبمجرّد ا لملاقاة وا لوصول يقطع بنجاسـة يده ـ مثلاً ـ إمّا لنجاسـة ا لماء ا لأوّل ، وا لمفروض عدم حصول شرائط ا لتطهير بعدُ ، وإمّا لنجاسـة ا لماء ا لثاني ا لواصل إ ليـه ، فهو في ذلك ا لحا ل يكون معلوم ا لنجاسـة ، وا لمفروض ا لشكّ في ارتفاعها ; لاحتما ل كون ا لنجس هو ا لماء ا لثاني دون ا لأوّل فتستصحب ا لنجاسـة ، ولايعارضـه استصحاب ا لطهارة ا لمعلومـة حين وصول ا لماء ا لطاهر للعضو ، ا لمردّدة بين كونها بقاء للطهارة ا لحاصلـة قبل ا لوضوءين ـ كما هو ا لمفروض في هذا ا لمقام ـ أو حدوثاً لطهارة جديدة .
وذلك ـ أي وجـه عدم ا لمعارضـة ـ أ نّـه قد عرفت سابقاً : أ نّـه يشترط في تنجيز ا لعلم ا لإجما لي ، أن يكون ا لتكليف ا لمعلوم منجّزاً على كلّ تقدير(2) ; سواء تعلّق بهذا ا لطرف أو با لطرف ا لآخر ، فلايؤثّر فيما لو كان ا لتكليف بالاجتناب ، ثابتاً بالإضافـة إ لى بعض ا لأطراف مع قطع ا لنظر عن ا لعلم ا لإجما لي ، كما لو كان واحد معيّن من ا لإناءين مستصحب ا لنجاسـة ـ مثلاً ـ ثمّ وقعت قطرة من ا لدم في واحد منهما لا على ا لتعيين ، فإنّ ا لعلم ا لإجما لي بوقوعها لايؤثّر أصلاً ، بعد ما كان بعض ا لأطراف محكوماً با لنجاسـة ظاهراً لأجل الاستصحاب ، فلايكون ا لطرف ا لآخر واجب ا لاجتناب أصلاً .
1 ـ ا لكافي 3 : 10 / 6 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 248 / 712 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 151 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 8 ، ا لحديث 2 و 14 . 2 ـ تقدّم في ا لصفحـة 147 .
(الصفحة 180)
ففي ا لمقام نقول : إنّ ا لطهارة وإن كانت معلومـة بالإجما ل ، إلاّ أ نّـه حيث يكون استصحاب ا لطهارة ا لمتحقّقة قبل ا لوضوءين ، جارياً بعد ا لوضوء بأحد ا لماءين فلامحا لة يكون ا لعلم ا لإجما لي ، منحلاّ إ لى علم تفصيليٍّ بطهارة ا لعضو ظاهراً بعد ا لطهارة بأحد ا لماءين ، وشكٍّ بدويٍّ بعد تطهير ا لأعضاء با لماء ا لثاني ، فلامجا ل إلاّ لاستصحاب ا لنجاسـة .
ولايبعد أن يقا ل : إنّـه لو دار ا لأمر بين ا لوضوء با لماء ا لطاهر مع الابتلاء بنجاسـة ا لبدن ، وبين ا لرجوع إ لى ا لتيمّم مع طهارة ا لبدن ، يكون ا لترجيح مع ا لثاني ، كما يُستفاد من ا لأخبار ا لواردة في ا لتيمّم ، وأنّ ا لتراب أحد ا لطهورين وغيره من ا لتعبيرات ـ كما عرفت سابقاً(1) ـ فعليـه يكون ا لحكم ا لمذكور في ا لروايتين مطابقاً للقاعدة .
نعم لو قلنا بجريان استصحاب ا لطهارة ومعارضتـه مع استصحاب ا لنجاسـة ، ا لموجبـة للتساقط وا لرجوع إ لى قاعدة ا لطهارة ، يكون ا لحكم مخا لفاً للقاعدة إلاّ أن يقا ل : إنّ وجوب ا لوضوء با لماءين با لكيفيّـة ا لمعتبرة حكم حرجي لتعسّره ، فارتفاعـه إنّما هو لأجل ذلك ، للابتلاء باستصحاب ا لنجاسـة ، وحينئذ لو توضّأ بتلك ا لكيفيّـة لايكون وضوؤه باطلاً ، كما هو ا لشأن في جميع ا لأحكام ا لحرجيّـة ا لمرفوعـة بدليل ا لحرج ـ كما ذهب إ ليـه ا لأكثر(2) ـ بخلاف ما لو قلنا : بأنّ ا لوجـه في ا لرجوع إ لى ا لتيمّم إنّما هو للابتلاء بنجاسـة ا لبدن ظاهراً ، فإنّـه بناءً عليـه تكون صلاتـه فاسدة لو أتى بها مع ا لوضوء كما هو واضح .
1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 168 . 2 ـ جواهر ا لكلام 5 : 111 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة : 463 / ا لسطر 5 ، ا لعروة ا لوثقى 1 : 351 ، ا لمسألـة 18 ، مستمسك ا لعروة ا لوثقى 4 : 331 .
|