(الصفحة 321)
غسل مخرج الغائط
لا إشكا ل في عدم لزوم غسل ا لباطن ، كما يدلّ عليـه بعض ا لروايات(1) ، وإنّما ا لواجب غسل ا لظاهر فقط . كما أ نّـه لا إشكا ل في عدم لزوم ا لغسل في ا لاستنجاء من ا لغائط ، بل يكفي ا لمسح بالأحجار وبغيرها ، كما سيأتي(2) .
إنّما ا لإشكا ل في ا لمراد من كلمات ا لأعلام ; حيث صرّحوا : بأنّـه يجب في ا لاستنجاء با لماء إزا لـة ا لعين وا لأثر(3) ، ولايجب في الاستنجاء بغير ا لماء إلاّ إزا لـة ا لعين فقط(4) .
ووجـه ا لإشكال أوّلاً : في ا لمراد من ا لأثر ا لذي تجب إزا لتـه في ا لغسل ، ولاتجب في ا لمسح .
وثانياً : في ا لفرق بين ا لمقامين ; حيث يعتبر في ا لأوّل إزا لـة ا لأثر أيضاً ، دون ا لثاني .
فنقول : قد يقا ل ـ كما قيل ـ بأنّ ا لمراد بالأثر هو ا للون(5) ، وربما يناقش فيـه : بأ نّـه من ا لأعراض ، ولايصدق عليـه اسم ا لعَذَرة حتّى يجب غسلها(6) أيضاً ،
1 ـ راجع وسائل ا لشيعـة 1 : 347 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب أحكام ا لخلوة ، ا لباب 29 ، ا لحديث 1 و 2 . 2 ـ يأتي في ا لصفحـة 328 . 3 ـ ا لمقنعة : 40 ، شرائع ا لإسلام 1 : 10 ، مفتاح ا لكرامة 1 : 43 ، جواهر ا لكلام 2 : 23 ـ 24 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 77 . 4 ـ ا لوسيلـة إ لى نيل ا لفضيلـة : 47 ، تحرير ا لأحكام 1 : 7 / ا لسطر 31 ، ا لتنقيح ا لرائع 1 : 72 ، مستند ا لشيعـة 1 : 374 ـ 375 ، ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 453 . 5 ـ ا لتنقيح ا لرائع 1 : 72 . 6 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 77 .
(الصفحة 322)
ولكن لايخفى أنّ ا لمراد با للون ، ليس هو ا للون ا لذي لاتجب إزا لتـه في ا لغسل با لماء ; نظراً إ لى أنّ لون ا لشيء يعدّ مغايراً لـه عرفاً ، لا من أجزائـه ، كما هو كذلك بنظر ا لعقل ، نظير لون ا لدم ا لباقي على ا لثوب غير ا لزائل بغسلـه.
بل ا لمراد بـه هو ا للون ا لذي يُعدّ بنظر ا لعرف أيضاً من أجزاء ا لعين ا لزائلـة وآثارها ، ومن شؤونـه أ نّـه لو باشره ا لرجل بيده ا لرطبـة لأحسّ فيـه لزوجـة ولصوقـة ، ومن ا لمعلوم أنّ ا لغسل لايتحقّق إلاّ بإزا لتـه وإن كان تحقّق ا لنقاء بغير ا لماء لايتوقّف على إزا لتـه ، ولكن ذلك لايخرجـه عن كونـه تتمّـة للعين ا لزائلـة وجزءاً لها .
وبا لجملـة:حكمهم بوجوب إزا لـة ا لعين وا لأثر ، يدلّ على كون ا لمراد بالأثر هو ا لذي يجب غسله ; لكونه جزءاً باقياً ، وإلاّ فلا وجه لوجوب غسله أصلاً.
وحينئذ فلابدّ أن يكون ا لمراد بالأثر ـ ا لذي لاتجب إزا لتـه في ا لاستجمار ـ هو هذا ا لمعنى ; إذ لا مجا ل لتوهّم ا لفرق بكون ا لأثر هناك يعدّ عذرة يجب غسلـه ، بخلافـه هنا ، فإنّـه لايعدّ بنظر ا لعرف عذرة ; لأنّ ا لعرف وإن كان حاكماً با لفرق بين ا لغسل وا لمسح ; وأنّ ا لأوّل لايتحقّق إلاّ بإزا لـة ا لأثر أيضاً ، دون ا لثاني ، إلاّ أ نّـه من ا لواضح أ نّـه ليس ذلك لكون شيء واحد عَذَرَة في مقام ، وغيرها في مقام آخر ، كما لايخفى.
فلابدّ وأن يقا ل بكون ا لأثر ا لباقي بعد الاستجمار ، هو مايكون من أجزاء ا لعَذَرة ; بحيث يجب غسله با لماء لواستنجى به .
وحينئذ فإمّا أن يقا ل : بأ نّـه طاهر ; حتّى يستلزم ذلك ، ا لالتزام بتخصيص عمومات نجاسـة ا لعَذَرة ; ودعوى خروج هذا ا لفرد من حكمها .
أو يقا ل : بأ نّـه عَذَرة معفوّ عنها في ا لصلاة وغيرها .
ولكنّـه لايخفى أنّ ا لالتزام با لتخصيص يتوقّف على ثبوت دليل يدلّ على
(الصفحة 323)
طهارتـه ; إذ مجرّد جواز ا لصلاة معـه أعمّ من ا لطهارة ، وليس في ا لأخبار ما يمكن أن يستشعر منـه ذلك ، عدا صحيحـة زرارة ا لمتقدّمـة ; حيث قا ل ا لإمام (عليه السلام) فيها : «لا صلاة إلاّ بطهور ، ويُجزيك من ا لاستنجاء ثلاثـة أحجار ، بذلك جرت ا لسُنّـة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأ مّا ا لبول فإنّـه لابدّ من غسلـه»(1) .
وتقريب دلالتها أن يقا ل : إنّ ا لحكم بكفايـة ا لأحجار في الاستنجاء من ا لغائط ، بعد نفي ا لصلاة عمّا لاتكون مع ا لطهور ، ظاهر في أنّ ا لمسح بالأحجار يؤثّر في حصول ا لطهارة ، ا لمعتبرة في ا لصلاة ا لمنتفيـة عند عدمها .
وأنت خبير بما فيـه : فإنّ ا لتعبير بالإجزاء لو لم يكن قرينـة على عدم حصول ا لطهارة ، فلا أقلّ من أن يكون مانعاً عن ظهوره في حصول ا لطهارة ، ولو سلّم فغايـة ا لأمر إشعار ا لروايـة بذلك ، وهو لايكفي في رفع ا ليد عن تلك ا لعمومات .
هذا مضافاً إ لى أ نّـه يظهر من بعض ا لأخبار : أ نّـه لاتحصل ا لطهارة با لمسح بالأحجار ، بل يتوقّف حصولها على ا لغسل با لماء :
منها :صحيحـة مسعدة بن زياد ، عن جعفر ، عن أبيـه ، عن آبائـه (عليهم السلام) : «أنّ ا لنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قا ل لبعض نسائـه : مُرِي نساء ا لمؤمنين أن يستنجين با لماء ويُبالغْنَ ، فإنّـه مَطْهرة للحواشي ومَذْهبـة للبواسير» .(2)
فإن ظاهرا أن تطهير الحواشي ـ وهو حواشي الدُبُر، التي هي عبارة عن حلقته ـ يتوقف على الاستنجاء بالماء، ولا يحص بالاستنجاء بغيره.
1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 299 . 2 ـ الكافي 3: 18 / 12، الفقيه 1: 21 / 62، تهذيب الأحكام 1: 44 / 125، الاستبصار 1: 51 / 147، وسائل الشيعة 1: 316، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 9، الحديث3.
(الصفحة 324)
منها :الأخبار الكثيرة الواردة في شأن نزول قوله تعالى: «ان الله يحب التوابين و يحب المتطهرين»(1) و أنه ورد في رجل من الأنصار; حيث أكل طعاماً فلان بطنه، فاستنجى بالماء، فدعاه رسول الله فخشي الرجل أن يكون قد نزل فيه أمر يسوؤه، فلما دخل قال له رسول الله: «هل عملت فى يومك هذا شيئاً؟»
فقال له: نعم يا رسول الله إنى والله ما حملني على الاستنجاء بالماء، إلا أني أكلت طعاماً فلان بطني فلم تغن عني الحجارة شيئاً، فاستنجيت بالماء.
فقال له رسول الله: «هيئاً لك، فانّ الله عزوجل قد أنزل فيك آية، فكنت أنت أول التوابين و أون المطهترين»(2).
وتقريب الدلالة: أنه لوكان الاستنجاء بالأحجار أو بغيرها سوى الماء مؤثرا فى حصول الطهارة; بحيث لم يكن فرق بينه و بين الاستنجاء بالماء، لما كان وصف التطهر مختصاً بالرجل، فضلاً عن أن يكون أول المتطهرين.
ثم إن المحمي عنهم(3) في المسألة قولان ولم تتحقق الشهرة على أحدهما وإن كان ربما ينسب القول بالطهارة إلى ظاهر كلمات الأكثر(4)، إلا أنه ـ مضافاً إلى كونهم من المتأخرين(5) ـ يعارضه ادعاء بعضهم
1 ـ البقرة (2): 222 2 ـ وسائل الشيعه 1: 354، كتاب الطهارة، أبوب أحكام الخلوة، الباب 34. 3 ـ المعتبر 1: 130، منتهى المطلب 1: 47 / الطر 3، تذكرة الفقهاء 1: 133، الطهارة، ضمن تراث الشيخ الأعظم 1: 462 4 ـ المعتبر 1 : 13، منتهى المطلب 1 : 47 / السطر 3 ـ 4، ذكرى الشيعة 1 : 172، جامع المقاصد 1: 98، روض الجنان: 24 / السطر 5، الطهارة، ضمن تراث الشيخ الأعظم 1:462 5 ـ انظر الطهارة، ضمن تراث الشيخ الأعظم 1: 462.
(الصفحة 325)
كالمحقق(1) والعلامة(2) الإجماع على القول بالعفو، كما هو المحلي عنهما(3).
فينحصر مستند المسألة فى الأخبار وقد عرفت أنه ـ مضافا إلى أن التخصيص يحتاج إلى الدلى، ومع عدمه تبقى العمومات على حالها ـ يكون ظاهر الأخبار أيضاً ذلك.
فلا محيص عن ا لقول با لعفو ، إلاّ أنّـه ينبغي ا لاقتصار على خصوص ا لأحكام وا لآثار ا لتي عُفي عنها بمقتضى ا لدليل ; لأ نّـه لم يرد نصّ بهذا ا للفظ ; حتّى يُدّعى ظهوره في ا لعموم با لنسبـة إ لى جميع أحكام ا لنجاسـة ، بل هو مقتضى ا لجمع بين تلك ا لعمومات ، وبين ا لأدلّـة ا لواردة في بعض ا لموارد ا لدالّـة على معاملـة الطهارة معها فيـه(4) ، فتجب متابعتها وعدم ا لتعدّي عنها ، كما لايخفى .
فرع: تعيّن الغسل بالماء إذا تعدّى الغائط المخرج
لا إشكا ل بل لا خـلاف فـي عـدم إجـزاء غيـر ا لماء فـي صـورة ا لتعدّي عـن ا لمخرج(5) . وإنّما ا لكلام في ا لمراد من ا لمخرج ، بعد وضوح أ نّـه لايكون ظاهره ـ ا لذي هو عبارة عن ا لموضع ا لذي يخرج منـه ـ بمقصود لهم ; ضرورة أ نّـه بناء عليـه ينحصر مورد ا لاستنجاء بغير ا لماء ـ من ا لأحجار وغيرها ـ بما إذا خرج ا لغائط نحو خروج ا لبعرة ، وهو مستلزم لرفع ا ليد عن ا لأخبار ا لكثيرة ا لواردة في
1 ـ المعتبر 1: 130 2 ـ منتهى المطلب 1: 47 / السطر 3 ـ 4. 3 ـ الطهارة، ضمن تراث الشيخ الأعظم 1: 462. 4 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 49 / 144 ، الاستبصار 1 : 55 / 160 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 315 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب أحكام ا لخلوة ، ا لباب 9 ، ا لحديث 1 . 5 ـ ا لمعتبر 1 : 128 ، جواهر ا لكلام 2 : 28 .
(الصفحة 326)
الاستنجاء بالأحجار وبغيرها ، مع أنّ كثيراً منها صادر من ا لصادقَين (عليهما السلام) (1) ، ومن ا لمعلوم أنّ أغذيـة ا لناس ـ بحسب ا لنوع ـ لم تكن منحصرة في ا لبُسْر ، كما في صدر ا لإسلام وما قبلـه ، على ما رواه ا لجمهور عن عليّ (عليه السلام) أ نّـه قا ل : «إنّكم كنتم تُبعرون بَعْراً . . .»(2) إ لى آخره ، خصوصاً مع كون أكثر ا لرواة من أهل ا لكوفـة ، وحا ل ا لكوفـة في ذلك ا لزمان معلوم .
وبا لجملـة : لاينبغي ا لارتياب في عدم كون مرادهم من هذا ا للفظ ، ما هو ظاهره بحسب ا للغـة .
ومن هنا اختلفت عباراتهم في تفسيره وبيان ا لمراد منـه .
وا لذي يوافقـه ا لتحقيق في ا لمراد من هذا ا للفظ ما يظهر من ا لسيّد (قدس سره) في «ا لانتصار» ; حيث قا ل في مقام ا لردّ على ا لعامّـة ا لطاعنين على فقهائنا ا لإماميّـة ، ا لفارقين بين ا لبول وا لغائط با لحكم ; بجواز ا لاستجمار في ا لثاني دون ا لأوّل ; وأ نّـه لايكفي فيـه إلاّ ا لغسل ، وبيان ا لفرق بينهما :
«ويمكن أن يكون ا لوجـه في ا لفرق بين نجاسـة ا لبول ونجاسـة ا لغائط أنّ ا لغائط قد لايتعدّى ا لمخرج إذا كان يابساً ، ويتعدّى إذا كان بخلاف هذه ا لصفـة ، ولا خلاف في أنّ ا لغائط متى تعدّى ا لمخرج فلابدّ من غسلـه با لماء ; لأ نّـه مائع جار ، ولابدّ من تعدّيـه ا لمخرج ، وهو في وجوب تعدّيـه لـه أبلغ من رقيق ا لغائط ، فوجب فيـه ما وجب فيما يتعدّى ا لمخرج من مائع ا لغائط ، ولا خلاف في وجوب غسل ذلك»(3) .
1 ـ اُنظر وسائل ا لشيعـة 1 : 348 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب أحكام ا لخلوة ، ا لباب 30 . 2 ـ عوا لي ا للآلي 2 : 181 / 47 ، مستدرك ا لوسائل 1 : 278 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب أحكام ا لخلوة ، ا لباب 25 ، ا لحديث 6 ، ا لسنن ا لكبرى ، ا لبيهقي 1 : 106 ، كنز ا لعمّا ل 9 : 521 . 3 ـ ا لانتصار : 16 .
(الصفحة 327)
وأنت خبير : بأنّ ظاهره أنّ ا لمراد با لغائط ا لمتعدّي ا لذي لايجزي فيـه إلاّ ا لغسل ، هو ا لذي لـه نحو من ا لجريان وا لميعان ، نظير ا لبول ا لذي يسري إ لى أطراف ا لمخرج ، فحيث وجب في ا لأوّل ا لغسل يجب في ا لثاني أيضاً ; لأنّ ا لبول في ا لتعدّي أبلغ من رقيق ا لغائط ، فيصير ا لمراد أ نّـه إذا تعدّى عن محلّ ا لعادة لايكفي إلاّ ا لغسل ، فيوافق مع ما رواه ا لجمهور عنـه (عليه السلام) .
وبا لجملـة فا لظاهر أنّ مرادهم با لمخرج محلّ ا لعادة ، فإذا تجاوز وتعدّى عنها ـ كما فيمن لان بطنـه ونظائره ـ فلا تُجزي ا لأحجار ونظائرها .
ويؤيّده : ما عرفت من أ نّـه لو كان حدّ ا لاستنجاء ا لذي يجوز بالاستجمار أقلّ من ذلك ، يلزم طرح أخبار ا لاستنجاء بالأحجار ، خصوصاً مع ملاحظـة تعارفـه في ذلك ا لزمان .
حكم الشكّ في التعدّي
ثمّ إنّـه لو شكّ في ا لتعدّي عن ا لحدّ ا لذي يجوز ا لاستجمار فيـه ، فإن كانت ا لشبهـة موضوعيّـة فالأصل عدمـه ; لو قلنا : بجريان ا لأصل في أعدام موضوعات ا لأحكام ، وإلاّ فا لمرجع هو استصحاب ا لنجاسـة أو حكمها .
كمـا أنّ ا لمـرجـع هـو ا لاستصحاب لـو كانت ا لشـبهـة حكـميّـة ، كمـا لايخفى وجهـه .
ثمّ إنّ ا لحكم في صورة ا لتعدّي ، هل هو وجوب غسل خصوص ا لمقدار ا لذي تعدّى أو وجوب غسل ا لمجموع ؟ وجهان .
وا لظاهر هو ا لأخير ، كما يظهر من استثنائهم صورة ا لتعدّي عن أدلّـة جواز ا لاستنجاء بالأحجار ، كما عرفت .
(الصفحة 328)
الاستنجاء بالأحجار
هل ا لواجب ـ في ا لاستنجاء بالأحجار ـ ا لمسح با لثلاثـة ; بحيث لايُجزي بأقلّ من ذلك وإن حصل ا لنقاء بالأقلّ(1) ، أو أنّ حدّه ا لنقاء ، فلايجب أزيد ممّا يحصل بـه ا لنقاء ، بل يستحبّ ا لمسح با لثلاثـة(2) ، أو يجب ذلك تعبّداً وإن كان حدّه ا لنقاء(3) ؟ وجوه ، بل أقوال .
أدلّة وجوب ثلاثة أحجار
ربما يستدلّ للأوّل بالأخبار ا لكثيرة ا لواردة في ا لاستنجاء بالأحجار(4) :
منها :صحيحـة زرارة ا لمتقدّمـة ا لدالّـة على أ نّـه «يُجزيك من ا لاستنجاء ثلاثـة أحجار ، بذلك جرت ا لسُنّـة من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) »(5) .
تقريب ا لاستدلال : أنّ ا لظاهر كون ا لإمام (عليه السلام) في مقام بيان أقلّ ما يكفي في ا لاستنجاء بالأحجار ، ويؤيّده ـ بل يدلّ عليـه ـ ا لتعبير بالإجزاء ا لظاهر في أ نّـه أقلّ ا لمجزي ، كما هو ا لشائع في استعما ل هذا ا للفظ ، وعليـه فيكون ا لمراد من
1 ـ ا لمقنعـة : 62 ، ا لسرائر 1 : 96 ، ذكرى ا لشيعـة 1 : 170 ، روض ا لجنان : 24 / ا لسطر19 . 2 ـ ا لخلاف 1 : 104 ، ا لمهذّب 1 : 40 ، مجمع ا لفائدة وا لبرهان 1 : 92 ، مدارك ا لأحكام 1 : 168 ـ 169 . 3 ـ ا لمعتبر 1 : 127 ، منتهى ا لمطلب 1 : 45 / ا لسطر 19 ، جامع ا لمقاصد 1 : 97 ، اُنظر جواهر ا لكلام 2 : 35 . 4 ـ ا لمعتبر 1 : 129 ، منتهى ا لمطلب 1 : 45 / ا لسطر 22 ، جواهر ا لكلام 2 : 36 ، اُنظر ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 453 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 85 ـ 86 . 5 ـ تقدّم في ا لصفحـة 299 .
(الصفحة 329)
ا لسُنّـة ، ا لسُنّـة بمعنى ا لفرض وا لوجوب .
هذا ولكن ا لتأ مّل في ا لروايـة ـ بقرينـة قولـه (عليه السلام) : «وأ مّا ا لبول فإنّـه لابدّ من غسلـه» ـ يقضي بأنّ ا لإمام (عليه السلام) إنّما كان في مقام بيان ا لفرق بين ا لبول وا لغائط ; وأ نّـه لابدّ في ا لأوّل من ا لغسل با لماء ، بخلاف ا لثاني ، فإنّـه يكفي فيـه الاستجمار وغيره .
ومـن هنا يظهـر ا لجواب عن ا لاستدلال(1) بروايـة بريد بن معاويـة ، عن أبي جـعـفر (عليه السلام) ، أ نّـه قا ل : «يُجزي مـن ا لغائط ا لمسح بالأحجار ، ولايُجـزي مـن ا لبول إلاّ ا لماء»(2) .
ومنها :موثّقـة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قا ل : سأ لتـه عن ا لتمسّح بالأحجار فقا ل : «كان ا لحسين بن عليّ (عليهما السلام) يمسح بثلاثـة أحجار»(3) .
وأنت خبير : بأ نّها لاتدلّ على ا لوجوب لو لم نقل بدلالتها على عدمـه ; من حيث إنّ ظاهرها اختصاص ا لتمسّح با لثلاثـة با لحسين (عليه السلام) ، مع أ نّـه لو كان واجباً لما كان مختصّاً بـه ، فتدبّر .
ومنها :صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قا ل : «جرت ا لسُنّـة في أثر ا لغائط بثلاثـة أحجار أن يمسح ا لعجان ولايغسلـه ، ويجوز أن يمسح رجليـه ولايغسلهما»(4) .
1 ـ جواهر ا لكلام 2 : 36 ، اُنظر ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 453 . 2 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 50 / 147 ، الاستبصار 1 : 57 / 166 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 348 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب أحكام ا لخلوة ، ا لباب 30 ، ا لحديث 2 . 3 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 209 / 604 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 348 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب أحكام ا لخلوة ، ا لباب 30 ، ا لحديث 1 . 4 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 46 / 129 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 348 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب أحكام ا لخلوة ، ا لباب 30 ، ا لحديث 3 .
(الصفحة 330)
وفيها : أ نّها لاتدلّ على أنّ ا لواجب في ا لاستنجاء بغير ا لماء إنّما هو ثلاثـة أحجار ، ويؤيّده : أنّ مسح ا لعجان ـ بناء على ما فسّره في «مجمع ا لبحرين» : من أ نّـه ما بين ا لخصْيـة وحلقـة ا لدُبُر(1) ـ غير واجب قطعاً .
التحقيق في المقام
وبا لجملـة : فقد عرفت أ نّـه لايستفاد من شيء من ا لأخبار ا لمتقدّمـة أنّ حدّ ا لاستنجاء بالأحجار ـ ا لذي لايُكتفى بما دونـه ـ إنّما هو ثلاثـة أحجار ، فتبقى صحيحـة ابن ا لمغيرة ا لمتقدّمـة(2) ا لصريحـة في نفي ا لحدّ لـه ، بل تدلّ على أنّ ا للازم إنقاء ماثمّـة بلا معارض ، فا لمدار على حصول ا لنقاء ولو تحقّق بما دون ا لثلاثـة .
وما ذكره ا لشيخ (قدس سره) : من اختصاص ا لصحيحـة بالاستنجاء با لماء(3) ، لا دليل عليـه ، وا لقرائن ا لكثيرة ا لتي أقامها على ذلك ، لا شهادة فيها على ا لاختصاص بوجـه ، كما لايخفى على من تأ مّل فيها .
وأ مّا صحيحـة يونس بن يعقوب ا لمتقدّمـة(4) ، ا لدالّـة على لزوم غسل الذَكَر وإذهاب ا لغائط ، فقد عرفت أ نّها إنّما هي في مقام بيان ا لوضوء ، وذكر ا لجملتين إنّما يكون مقدّمـة لـه(5) ، فتأ مّل .
1 ـ مجمع ا لبحرين 6 : 281 . 2 ـ تقدّم في ا لصفحـة 318 . 3 ـ ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 455 . 4 ـ تقدّم في ا لصفحـة 316 . 5 ـ تقدّم في ا لصفحـة 316 .
(الصفحة 331)
فتلخّص : أنّ حدّ ا لاستنجاء إنّما هو ا لنقاء لا غير .
ثمّ لـو سُلّم دلالـة ا لأخبار ا لمتقـدّمـة على أنّ حـدّه ا لتمسّح با لثلاثـة ، فلا مجا ل للقـول بكـونها مقيِّدة لإطـلاق صحـيحـة ابـن ا لمغيـرة ـ كمـا ذكـره صاحب ا لمصباح(1) ـ فإنّ ا لجـمع ا لعـرفي بينهما يقضي با لحكم بأنّ ذكـر ا لثـلاثـة فـي تلك ا لأخبار إنّما هـو لحصـول ا لنقاء بها غا لباً وتوقّفـه عليها كذلك لا لبيان نفي كـون ا لنقاء حـدّاً ، فإنّ مناسبـة ا لحكم وا لمـوضـوع ا لمـرتكـزة فـي أذهان ا لعرف ، ربما تقضي بأنّ اعتبار ا لثلاثـة لتوقّف تحقّق ا لنقاء عليها ; إذ من ا لبعيد عندهم أن يكون ا لشارع قد تعبّدهم بلزوم استعما ل ا لثلاثة وإن حصل ا لنقاء بما دونها ، كما لايخفى .
وبا لجملـة : صحـيحـة ابـن ا لمغيرة صـريحـة فـي نفـي ا لحدّ ، فكيف يمكـن أن يقيّدها ما يـدلّ بظاهره على أنّ حـدّ ا لاستنجاء ثـلاثـة أحجار ، فـلابدّ مـن رفـع ا ليد عـن هـذا ا لظهور ، خصـوصاً مـع ما عرفت من مناسبـة ا لحكم وا لمـوضـوع ا لمـرتكزة عندهم .
فالإنصاف : أنّ مقتضـى ا لجـمع ا لعـرفي بينهما هـو ا لالتزام بأنّ حـدّه مجـرّد ا لنقاء .
ثمّ إنّـه بناء على ا لقول بلزوم استعما ل ا لثلاثـة ، فا لظاهر اختصاصها بالأحجار ; لأنّ ا لأدلّـة ا لظاهرة في ذلك إنّما وردت في خصوص ا لأحجار ، فلا مجا ل ـ حينئذ ـ لرفع ا ليد عن إطلاق ا لصحيحـة با لنسبـة إ لى غير ا لأحجار . نعم لو قيل باختصاصها بالاستنجاء با لماء ـ كما ذكره ا لشيخ (قدس سره) فيمكن ا لحكم بلزوم ا لثلاثـة مطلقاً ; نظراً إ لى أنّ ا لخصوصيّـة ملغاة بنظر ا لعرف ، فتدبّر .
1 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 87 .
(الصفحة 332)
ثمّ إنّ في ا لاستنجاء بالأحجار كلاماً من جهات :
الاُولى: في كيفيّة المسح بالأحجار
هل يجب أن يمسح بكلّ حجر مجموع ا لموضع(1) ، أم يكفي توزيع ا لأحجار على أجزاء ا لموضع ؟ وجهان ، بل قولان ، وا لثاني هو ا لمشهور(2) .
ولايخفى أنّ هذا ا لنزاع ، إنّما يجري بناءً على أن يكون حدّ ا لاستنجاء ا لتمسّح با لثلاثـة ، وأ مّا لو قلنا بأنّ حدّه ا لنقاء ـ كما عرفت أ نّـه ا لأقوى(3) ـ فلايبقى مجا ل للنزاع أصلاً ، فإنّ ا لمدار على حصولـه بأيّ نحو تحقّق وبأيّـة كيفيّـة حصل .
وكيف كان ، فبناء على ذلك ا لقول يكون مقتضى إطلاق ا لأخبار الاكتفاء با لتوزيع ، فإنّ غايـة مدلولها إنّما هو لزوم استعما ل ا لثلاثـة ، وعدم ا لاكتفاء بما دونها ، وأ مّا كيفيّـة ا لاستعما ل فلايستفاد منها أصلاً . ودعوى تبادر ا لمسح با لمجموع(4) ممنوعـة جدّاً .
ثمّ إنّـه لو شككنا في ذلك وقلنا بإجما ل هذه ا لأخبار ، فلا مجا ل للتمسّك بالاستصحاب ـ كما ذكره صاحب ا لمصباح(5) ـ فإنّ ا لقاعدة تقتضي ا لرجوع إ لى ا لمطلق مع إجما ل دليل ا لمقيِّد ، وهنا يكون ا لأمر كذلك ، فإنّك عرفت : أنّ غايـة مدلول تلك ا لأخبار هو لزوم استعما ل ا لثلاثـة ، فا لحجّـة ا لأقوى إنّما هي متحقّقـة با لنسبـة إ لى هذا ا لمقدار ، وأ مّا بالإضافـة إ لى كيفيّـة ا لاستعما ل ـ ا لتي قد عرفت
1 ـ شرائع ا لإسلام 1 : 11 ، ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 461 . 2 ـ اُنظر جواهر ا لكلام 2 : 41 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 89 . 3 ـ تقدّم في ا لصفحـة 331 . 4 ـ اُنظر جواهر ا لكلام 2 : 41 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 87 . 5 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 87 .
(الصفحة 333)
إجما ل ا لدليل با لنسبـة إ ليها ـ فلابدّ من ا لرجوع إ لى ا لإطلاق وا لأخذ بـه . نعم لو قلنا باختصاص ا لصحيحـة بالاستنجاء با لماء ـ كما يظهر من ا لشيخ(1) ـ فللتمسّك بالاستصحاب وجـه .
ثمّ إنّ جواز توزيع ا لأحجار ا لثلاثـة على أجزاء ا لموضع ـ كما عرفت أ نّـه ا لمشهور ـ يدلّ على أنّ حدّ ا لاستنجاء ا لنقاء ; إذ لايعقل أن تكون طهارة ا لموضع ـ ا لذي مسح با لحجر ا لأوّل ـ أو ا لعفو عنـه ، موقوفـة على مسح ا لحجر ا لثاني وا لثا لث على بقيّـة أجزاء ا لموضع ، وهكذا ، وهذا واضح جدّاً .
الثانية : في لزوم حصول النقاء بالزيادة إذا لم ينقَ بالثلاثة
لا إشكا ل ولا خلاف في أ نّـه إذا لم ينقَ با لثلاثـة ، فلابدّ من ا لزيادة حتّى ينقى(2) ، وإنّما ا لكلام في مستند هذا ا لحكم ، فنقول :
لو قلنا : بأنّ حدّ ا لاستنجاء ا لنقاء فقط من دون مدخليّـة للثلاثـة أصلاً ; بحيث لو حصل بدونها لم تجب ا لزيادة عليـه ـ كما قوّيناه ـ فمستند لزوم ا لزيادة إذا لم يحصل ا لنقاء با لثلاثـة واضح .
وأ مّا لو لم نقل بذلك ، بل باعتبار ا لثلاثـة في حدّ ا لاستنجاء ; نظراً إ لى ظاهر ا لروايات ا لدالّة على إجزائها ، فيشكل الحكم في المقام ; لأنّ عمدة تلك الروايات هي صحيحة زرارة ا لمتقدّمة ا لدالّة على أ نّه «يجزيك من ا لاستنجاء ثلاثة أحجار»(3) ، وا لاستدلال بها إنّما كان مبتنياً على أن يكون معنى ا لروايـة : كون
1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 330 . 2 ـ ا لخلاف 1 : 104 ـ 105 ، مدارك ا لأحكام 1 : 170 ، جواهر ا لكلام 2 : 42 ، ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 463 . 3 ـ تقدّم في ا لصفحـة 299 .
(الصفحة 334)
ا لثلاثـة أقلّ ا لمجزي ; بمعنى أن تكون ا لروايـة متعرّضـة لطرف ا لنقيصـة ، وأ نّـه لايُكتفى بأقلّ من ا لثلاثـة ، فلا تعرّض لها لجانب ا لزيادة أصلاً ، فا لمرجع ـ حينئذ ـ إمّا صحيحـة ابن ا لمغيرة(1) بناءً على شمولها للاستنجاء بغير ا لماء ، أو ا لأصل بناءً على اختصاص ا لصحيحـة بـه .
وأ مّا لو كان معنى ا لروايـة هي عدم لزوم ا لزيادة ، كما ربما يمكن أن يدّعى أ نّـه ا لشائع في استعما ل لفظ ا لإجزاء ، أو كان معناها كون ا لثلاثـة تمام ا لموضوع ; بحيث لايكفي أقلّ منها ، ولايلزم ا لزيادة عليها ، فا لروايـة تدلّ على خلاف مطلوبهم كما هو ظاهر ، وحيث إنّ ا لروايـة محتملـة للاحتمالات ا لثلاثـة ، وليس لها ظهور في أحدها ، فلابدّ من رفع ا ليد عنها وا لرجوع إ لى ا لأصل .
ويمكن أن يستأنس لـه بموثّقـة أبي خديجـة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قا ل : «كان ا لناس يستنجون بثلاثـة أحجار ; لأ نّهم كانوا يأكلون ا لبُسْر ، وكانوا يُبْعرون بعراً ، فأكل رجل من ا لأنصار ا لدَبا ، فلان بطنـه فاستنجى با لماء ، فبعث إ ليـه ا لنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قا ل : فجاء ا لرجل وهو خائف ، يظنّ أن يكون قد نزل فيـه شيء يسوؤه في استنجائـه با لماء فقا ل لـه : هل عملت في يومك هذا شيئاً ؟ فقا ل : نعم يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إنّي والله ما حملني على ا لاستنجاء با لماء ، إلاّ أ نّي أكلت طعاماً فلان بطني ، فلم تُغنِ عنّي ا لحجارة شيئاً ، فاستنجيت با لماء»(2) ا لحديث .
وطريق ا لاستئناس من وجهين :
أحدهما : قولـه (عليه السلام) : «كان ا لناس يستنجون بثلاثـة أحجار ; لأ نّهم كانوا يأكلون ا لبُسْر» ; من حيث إنّ ظاهره أنّ ا لاكتفاء با لثلاثـة ، إنّما هو لكونهم يأكلون
1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 318 . 2 ـ علل ا لشرائع : 286 / 1 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 355 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب أحكام ا لخلوة ، ا لباب 34 ، ا لحديث 5 .
(الصفحة 335)
ا لبُسر ، ولازمـه حصول ا لنقاء بها لعدم توقّفـه على أزيد منها .
ثانيهما : قولـه ـ أي ا لأنصاري ـ : «فلم تُغنِ عنّي ا لحجارة شيئاً» ; من حيث إنّـه لو كان ا لواجب في ا لاستنجاء ، هو استعما ل ا لثلاثـة ولو لم يحصل ا لنقاء بها ، لم يكن وجـه لعدم إغناء ا لحجارة ، وليس ذلك إلاّ لكون ا لمرتكز في أذهانهم ، إنّما هو ا لاستعما ل إ لى حدّ يحصل ا لنقاء ، وهذا لاينافي ما ذكروه : من عدم ا لاكتفاء بما دون ا لثلاثـة لو حصل ا لنقاء بـه(1) ، كما لايخفى .
ثمّ لايذهب عليك : أنّ ما ذكرناه في معنى روايـة ابن ا لمغيرة(2) : من كونها محتملـة للاحتمالات ا لثلاثـة ا لمتقدّمـة(3) ، إنّما هو مع قطع ا لنظر عمّا استظهرناه منها سابقاً(4) ، وأ مّا مع ملاحظتـه فتصير ا لاحتمالات أربعـة .
الثالثة: في كفاية المسح بالحجر الواحد من ثلاث جهات
هل يكفي استعما ل ا لحجر ا لواحد من ثلاث جهات ، أم لا ؟
ظاهر قولـه : «يجزيك من ا لاستنجاء ثلاثـة أحجار» وإن كان عدم ا لاكتفاء با لحجر ا لواحد ; لعدم كونـه ثلاثـة ، إلاّ أنّ ا لعرف لايفهم منـه إلاّ لزوم تحقّق ثلاث مسحات ، وعدم ا لاكتفاء بأقلّ منها ، خصوصاً مع ملاحظـة جواز ا لاستنجاء با لموضع ا لطاهر من ا لحجر ، ا لمستعمل في استنجاء شخص آخر ، أو في استنجاء آخر غير هذا ا لاستنجاء ولو با لنسبـة إ لى شخص واحد ، فإنّ ا لفرق بين ا لمقام وبين ا لمسأ لتين ; بعدم ا لجواز في ا لأوّل دونهما ، بعيد بنظرهم للغايـة ، ويحتاج
1 ـ ا لمقنعـة : 62 ، ا لسرائر 1 : 96 ، ذكرى ا لشيعـة 1 : 170 ، روض ا لجنان : 24 / ا لسطر19 . 2 ـ ا لصحيح روايـة «زرارة» بدل «ابن المغيرة» . 3 ـ تقدّمت في ا لصفحـة 333 ـ 334 . 4 ـ اُنظر ما تقدّم في ا لصفحـة 329 ـ 330 .
(الصفحة 336)
بيانـه إ لى تعبّد صريح .
لانقول : بكوننا قاطعين بعدم مدخليّـة ا لانفصا ل ، وكيف يمكن دعوى ا لقطع مع تحقّق ا لخلاف بينهم ؟ ! بل نقول : إنّ ا لعرف ـ ا لذي يكون نظره متّبعاً في باب فهم ا لأخبار ـ لايفهم منها أزيد من لزوم ثلاث مسحات ، كما لايخفى على من راجعهم . هذا كلّـه في ا لأحجار .
وأ مّا ا لتعدّي عنها إ لى كلّ جسم طاهر مزيل للنجاسـة فقد ادُّعي ا لإجماع عليه(1) ، وقد يتمسّك له بإطلاق ا لنقاء(2) ، ا لوارد في صحيحة ابن ا لمغيرة ا لمتقدّمة .
ولكن ا لإنصاف : كما أفاده ا لشيخ (قدس سره) (3) أنّ ا لروايـة متعرّضـة لبيان حدّ ا لاستنجاء وا لمقدار ا لذي يجب أن يستنجى إ ليـه ، لا لبيان ما يستنجى بـه ، كما يُشعر بذلك ا لتعبير با لحدّ وبكلمـة «حتّى» ، كما في بعض نسخ ا لروايـة(4) .
نعم لو ثبت ا لجواز بدليل آخر ، فا لروايـة تدلّ على وجوب مسحـه إ لى ا لنقاء ا لذي جعل فيها حدّاً للاستنجاء ، وأ مّا أصل ا لجواز فلايثبت بها .
وا لذي يسهّل ا لخطب عدم ا لخلاف ظاهراً في جواز ا لاستنجاء بكلّ شيء طاهر مزيل للنجاسـة إ لاّ ما استثني ، وإلاّ فلايجوز إلاّ بما ورد فيـه ا لنصّ بخصوصـه ; إذ لاتكون خصوصيّـة ا لحجريّـة ملغاة عند ا لعرف ; حتّى لانحتاج في إثبات ا لجواز إ لى ا لأدلّـة ا لخاصّـة ا لواردة في ا لموارد ا لخاصّـة .
ثمّ إنّك عرفت أنّ صحيحـة يونس بن يعقوب ا لمتقدّمـة(5) ، إنّما تكون
1 ـ ا لخلاف 1 : 106 ، غنيـة ا لنزوع 1 : 36 ، اُنظر جواهر ا لكلام 2 : 39 . 2 ـ ا لمبسوط 1 : 17 ، ا لمعتبر 1 : 131 ـ 132 . 3 ـ ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 466 . 4 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 28 / 75 . 5 ـ تقدّم في ا لصفحـة 316 .
(الصفحة 337)
مسوقـة لبيان كيفيّـة ا لوضوء ، وذكر غَسْل ا لذَكَر وإذهاب ا لغائط إنّما هو من باب ا لمقدمّـة ، وعليـه فلايمكن ا لتمسّك بإطلاقها ; وا لحكم بأنّ ا لواجب في باب ا لاستنجاء إنّما هو إذهاب ا لغائط بأيّ شيء أمكن ، كما لايخفى .
الرابعة: المراد من الحجر المستعمل
لايجوز استعما ل ا لحجر ا لمستعمل ولا استعما ل ا لأعيان ا لنجسـة.
وهل ا لمراد با لحجر ا لمستعمل ا لحجر ا لمتأثّر با لنجاسـة ; حتّى يرجع ا لنهي عن استعما لـه إ لى شرطيّـة ا لطهارة ، كما يمكن استظهاره ممّن اكتفى بذكر اشتراط ا لطهارة فقط ، وصرّح بـه ا لمحقّق ـ ا لذي قيل في حقّـه : إنّـه لسان ا لقدماء(1) ـ في «ا لمعتبر» ; حيث قا ل : «إنّ مرادنا با لمنع من ا لحجر ا لمستعمل ا لاستنجاء بموضع ا لنجاسـة منـه ، أ مّا لو كسر واستعمل ا لمحلّ ا لطاهر منـه جاز ، وكذا لو اُزيلت ا لنجاسـة عنـه بغسل أو غيره»(2) ؟
أو أنّ ا لمراد با لحجر ا لمستعمل ا لحجر ا لمستعمل في ا لاستنجاء ; سواء انفعل أم لا ، وسواء مسح با لموضع ا لطاهر منـه ، أم با لموضع ا لنجس ، كما ربما يدلّ عليـه ا لجمع بين اعتبار عدم ا لاستعما ل واعتبار ا لطهارة وا لخلوّ عن ا لنجاسـة ، كما في كلام بعض(3) ؟ وجهان :
لايبعـد ا لأوّل ، خصـوصاً بمـلاحظة مـا عـرفت مـن «ا لمـعتبر» مـن نسبتـه إ لى ا لأصحاب .
1 ـ ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 467 . 2 ـ ا لمعتبر 1 : 133 . 3 ـ كشف ا للثام 1 : 211 ، اُنظر كشف ا لغطاء : 113 / ا لسطر 23 ، جواهر ا لكلام 2 : 46 .
(الصفحة 338)
وأ مّا بناءً على ا لوجـه ا لثاني فيقع ا لكلام في مستنده ، وقد عرفت أنّ روايتي ابن ا لمغيرة ويونس غير مرتبطتين با لمقام ; لأنّ ا لاُولى مسوقـة لبيان حدّ الاستنجاء ، وا لثانيـة متعرّضـة لكيفيّـة ا لوضوء(1) . نعم يمكن ا لتمسّك لعدم اعتبار ذلك بصحيحـة زرارة ا لمتقدّمـة ; بناءً على أن يكون قولـه :«ويُجزيك من ا لاستنجاء ثلاثـة أحجار»(2) ناظراً إ لى ا لصدر ا لذي يدلّ على اشتراط ا لصلاة با لطهارة ومتفرّعاً عليـه ، فإنّـه ـ حينئذ ـ يكون بصدد بيان حصول ا لطهارة ا لتي هي شرط للصلاة ، أو ا لعفو ا لمجوّز للدخول فيها ، فعدم تقييد ا لأحجار بشيء ـ مع كونـه في مقام ا لبيان من هذه ا لجهـة ـ دليل على عدم مدخليّـة شيء من ا لقيود ، كما هو ا لشأن في جميع ا لمطلقات .
ثمّ لايخفى أنّ هذا لايستلزم ا لقول بوجوب إكما ل ا لثلاثـة ولو حصل ا لنقاء بما دونها ; لأنّ هذا ا لقول مبنيّ على ثبوت ا لمفهوم للعدد ، وقد حقّق في محلّـه عدم ثبوت ا لمفهوم للشرط وا لوصف(3) ، فضلاً عن ا لعدد . نعم لو قلنا بكون ا لروايـة ناظرة إ لى ا لفرق بين ا لبول وا لغائط ; وأ نّـه يعتبر في ا لأوّل ا لغسل دون ا لثاني ـ كما هو ا لمحتمل قويّاً ـ فتكون ا لروايـة مسوقـة لبيان هذه ا لجهـة ، فهي ـ حينئذ ـ تصير أجنبيّـة عن ا لمقام .
وقد يتمسّك لذلك أيضاً بموثّقـة زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قا ل : سأ لته عن ا لتمسّح بالأحجار فقا ل : «كان ا لحسين بن علي (عليهما السلام) يمسح بثلاثـة أحجار»(4) .
1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 316 و 318 و 336 . 2 ـ تقدّم في ا لصفحـة 329 . 3 ـ مناهج ا لوصول 2 : 182 ، 215 ، تهذيب ا لاُصول 1 : 426 ، 452 . 4 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 209 / 604 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 348 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب أحكام ا لخلوة ، ا لباب 30 ، ا لحديث 1 .
(الصفحة 339)
بتقريب : أنّ ا لجواب وإن كان مشتملاً على حكايـة ا لفعل ، وا لفعل لا إطلاق لـه ، إلاّ أ نّـه حيث تكون ا لحكايـة لبيان ا لحكم ا لشرعي ، وكان ا لمقصود منها بيان ا لجواب عن ا لسؤال ، فلو كان بعض ا لقيود معتبراً في ا لأحجار لكان ا للازم ذكره ، وحيث لم يذكر يستفاد عدم مدخليّـة شيء آخر .
هذا ، ولو قلنا بأ نّـه لايستفاد من ا لإطلاقات ذلك ، فمقتضى استصحاب بقاء ا لنجاسـة أو عدم ثبوت ا لعفو ، وجوب ا لاستنجاء با لحجر ا لذي لم يكن مستعملاً وإن لم يكن عليـه أثر ا لانفعا ل ، أو اُزيل با لغسل . هذا كلّـه في ا لحجر ا لمستعمل .
وأ مّا ا لأعيان ا لنجسـة وكذا ا لأجسام ا لمتنجّسـة ولو بسائر ا لنجاسات ، فيدلّ على عدم جواز ا لاستنجاء بها ـ مع كون ا لمطلقات خا ليـة عن اعتبار عدمـه ـ مغروسيّـة ذلك في أذهان ا لعرف ومعهوديّتـه عندهم ; بحيث تكون ا لمطلقات منصرفـة عن ذلك عندهم ، مضافاً إ لى أ نّـه ربما يتأثّر ا لمحلّ منـه ، فلايكفي في رفعـه ـ حينئذ ـ إلاّ ا لغسل با لماء .
الخامسة: في الأشياء التي لايستنجى بها
قا ل ا لمحقّق (قدس سره) في «ا لشرائع» : «ولا ـ يعني لايُستعمل ـ ا لعظم ، ولا ا لروث ، ولا ا لمطعوم ، ولاصيقل يزلق عن ا لنجاسة ، ولو استعمل ذلك لم يطهر»(1) .
أقـول : أ مّا عـدم جـواز ا لاستنجاء با لعظم وا لروث فـلا خـلاف فيـه ظاهراً ، بـل عـن غيـر واحـد دعـوى ا لإجماع عليـه(2) ، وا لأخبار ا لكثيرة
1 ـ شرائع ا لإسلام 1 : 11 . 2 ـ غنيـة ا لنزوع 1 : 36 ، ا لمعتبر 1 : 132 ، منتهى ا لمطلب 1 : 46 / ا لسطر 20 ، روض ا لجنان : 24 / ا لسطر 7 ، مفتاح ا لكرامـة 1 : 48 / ا لسطر 2 ، جواهر ا لكلام 2 : 48 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 98 .
(الصفحة 340)
ا لـواردة في هذا ا لباب(1) وإن كان كلّها غيـر نقيّـة ا لسنـد ، إلاّ أنّ ا لشهـرة ا لعظيمـة كافيـة في جبـرها .
وأ مّا عدم جواز ا لاستنجاء با لمطعوم ، فلوضوح أنّ ا لاستنجاء بـه موجب لكفران نعم الله تعا لى ،بل ربما ينتهي إ لى ا لارتداد وا لكفر ، كما هو غير خفيّ .
وأ مّا عدم جوازه با لصَّيْقل ، فلأنّ صقا لتـه مانعـة عن إزا لـة ا لنجاسـة ، فلايحصل ا لنقاء ا لذي هو شرط في ا لتطهير .
ثمّ إنّ ا لنهي عن ا لاستنجاء بما ذكر ليس على نسق واحد ، فإنّ ا لنهي عن بعضها نهي شرعي تحريمي ، كا لنهي عن استعما ل ا لعظم وا لروث ، فإنّ ا لمتّفق عليـه إنّما هي حرمـة استعما لهما .
نعم قد يستدلّ على ا لفساد با لملازمـة بين ا لفساد وا لحرمـة(2) ، ولكنّها ممنوعـة جدّاً ; فإنّ ا لملازمـة بين ا لحرمـة وا لفساد ، إنّما هي فيما إذا كان ا لتحريم متعلّقاً با لعبادات ، لا با لمعاملات با لمعنى ا لأعمّ ، كما قد حقّق في ا لاُصول(3) .
نعم يمكن أن يقا ل : إنّ ا لشهرة ا لقائمـة على حرمـة استعما ل ا لعظم وا لروث في ا لاستنجاء ، إنّما تكفي في جبران ضعف ا لسند ، وأ مّا ا لدلالـة فمنوطـة باجتهاد ا لناظر ، فلعلّـه يفهم من ا لأخبار ا لنهي ا لوضعي ا لذي مرجعـه إ لى ا لإرشاد إ لى عدم حصول ا لاستنجاء ا لمؤثّر في ا لطهارة أو ا لعفو بهما .
1 ـ وسائل ا لشيعـة 1 : 357 ـ 358 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب أحكام ا لخلوة ، ا لباب 35 ، ا لحديث1 و 4 و 5 . 2 ـ ا لمبسوط 1 : 17 . 3 ـ مناهج ا لوصول 2 : 161 ، تهذيب ا لاُصول 1 : 416 .
|