(الصفحة 341)
وبا لجملـة:فا لنهي عن استعما ل ا لأشياء ا لمذكورة ليس على نحو واحد ، بل بعضـه تحريمي شرعي ، وبعضـه وضعي إرشادي ، كا لصيقل ونظائره ، وحينئذ فإذا استعمل ا لمنهي عنـه با لنهي ا لتحريمي ـ جهلاً أو نسياناً أو عصياناً ـ فا لظاهر حصول ا لطهارة أو ا لعفو ; وإن تحقّق ا لعصيان با لنسبـة إ لى ا لنهي في بعض ا لموارد .
ومنـه يظهر : ا لإشكا ل على ا لمحقّق في ا لعبارة ا لمتقدّمـة لو كان ا لضمير في قولـه : «ولو استعمل» راجعاً إ لى جميع ا لمذكورات .
هذا ، ولكنّك قد عرفت(1) : أ نّـه لا دليل على ا لتعدّي عن ا لأجسام ا لمنصوصـة إلاّ ا لاتّفاق ; إذ لايجوز إ لغاء ا لخصوصيّـة من قولـه (عليه السلام) : «ثلاثـة أحجار» ونظائره .
وقد عرفت أيضاً : أنّ صحيحـة ابن ا لمغيرة مسوقـة لبيان حدّ ا لاستنجاء وأنّ روايـة يونس لاترتبط با لمقام أصلاً(2) ، فلابدّ ـ حينئذ ـ من ا لاقتصار على ما يشملـه معقد ا لإجماع يقيناً ، ومع ا لشكّ فمقتضى الاستصحاب عدم حصول ا لطهارة أوا لعفو ، كما هو ظاهر .
الثالث من أحكام الخلوة : سننها
وا لبحث عنها موكول إ لى ا لكتب ا لمفصّلـة ا لفقهيّـة .
1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 336 . 2 ـتقدّم في ا لصفحـة 316 ،و 318 ،و 336 .
(الصفحة 343)
المسألة الرابعة
فـي كيـفيّة الـوضـوء
وفروضـه خمسـة :
الفرض الأوّل: النيّة
وتفصيل ا لكلام في هذا ا لمقام وتحقيقـه يحتاج إ لى بسطـه في طيّ مطا لب :
المطلب الأوّل: في التعبّدي والتوصّلي
وفسّر ا لأوّل : بأ نّـه عبارة عمّا لابدّ في سقوط ا لأمر بـه من إتيانـه بقصد امتثا ل ا لأمر ا لمتعلّق بـه .
وا لثاني : بأ نّـه عبارة عمّا يسقط أمره بمجرّد تحقّقـه في ا لخارج كيفما اتّفق(1) ، وقد اختلفوا في موارد ا لشكّ في أنّ ا لأصل ، هل يقتضي ا لتعبّديّـة أو ا لتوصّليّـة ؟
وا لتحقيق أن يقال : إنّ ا لأفعا ل ا لتي تجعل متعلّقـة للطلب على أقسام :
منها : ما يكون ا لمقصود مجرّد تحقّقـه في ا لخارج وخروجـه من كتم ا لعدم إ لى عرصـة ا لوجود ; من دون أن تكون مباشرة ا لمكلّف أو قصد عنوانـه أو قصد
1 ـ جواهر ا لكلام 9 : 155 ، كفايـة ا لاُصول : 94 ، درر ا لفوائد ، ا لمحقّق ا لحائري 1 : 94 .
(الصفحة 344)
إطاعـة أمره دخيلاً في تحقّق مطلوبـه أصلاً ، بل بحيث لو تحقّق في ا لخارج ولو من غير ا لإنسان ، يكفي ذلك في سقوط ا لأمر ا لمتعلّق بـه .
ومنها : ما لايكون ا لمقصود مجرّد تحقّقـه في ا لخارج بل ا لمطلوب هو حصولـه عن مباشرة ا لمكلّف ولكن لايلزم فيـه قصد عنوانـه أو قصد إطاعـة أمره .
ومنها : ما لابدّ في تحقّق ا لمطلوب من قصد عنوانـه ; لكون ا لفعل من ا لعناوين ا لقصديّـة ا لتي لاتتحقّق بدون ا لقصد .
ومنها : ما لابدّ في سقوط أمره من أن يؤتى بـه بداعي ا لأمر ا لمتعلّق بـه ، ولكن لايكون عبادة للمولى ، فإنّ كلّ ما يكون مقرّباً للمولى لايلزم أن يكون عبادة لـه ، بل ا لعباديّـة أمر زائد على ا لتقرّب ; ألا ترى أنّ إكرام زيد ـ مثلاً ـ للتقرّب إ ليـه لايعدّ عبادة لـه ، وإلاّ يلزم أن يكون محرّماً لحرمـة عبادة غير الله تعا لى .
ومنها :ما لابدّ في سقوط أمره من إتيانـه بداعي أمره ، ولكن يكون عبادة للمولى ، كا لصلاة ونظائرها .
وممّا ذكرنا ينقدح : أنّ ا لأولى ا لتعبير ـ بدل ا لتعبّدي ـ با لتقرّبي ; وذلك لأنّ ا لتعبّدي لايشمل إلاّ ا لقسم ا لأخير ، مع وضوح كون ا لمراد ا لأعمّ من ا لقسم ا لرابع .
إذا عرفت ذلك نقول : إذا شككنا ـ بعد تعلّق ا لأمر بفعل ـ في أ نّـه هل يعتبر في سقوط أمره ا لمباشرة أو قصد ا لأمر أو لا ؟ فمجرّد تعلّق ا لأمر بـه ـ مع قطع ا لنظر عن ا لدليل ا لخارجي ـ لايقتضي أزيد من اعتبار ا لمباشرة ; وذلك لأنّ ظاهر ا لهيئـة توجّـه ا لبعث إ لى ا لمكلّف ، ومن ا لمعلوم أ نّـه يحتاج إ لى ا لجواب ، ولايكفي في ذلك مجرّد تحقّقـه ولو من غيره ; إذ للمولى أن يقول : إنّ ا لمطلوب حصولـه منك مستنداً إ لى توجيـه أمره إ ليـه ، وأ مّا ا لزائد على قيد ا لمباشرة فلايقتضي مجرّد تعلّق ا لأمر اعتباره أصلاً ; لأنّ ا لأمر لايبعث ا لمكلّف ولايدعوه إلاّ إ لى متعلّقـه ; إذ لايعقل أن يكون ا لمبعوث إ ليـه زائداً على ما اُخذ في لسان ا لدليل
(الصفحة 345)
متعلّقاً للأمر ، فإذا لم يدلّ دليل على أنّ سقوط ا لأمر متوقّف على إتيان متعلّقـه بداعيـه ـ كما هو ا لمفروض ـ فمن أين يحكم بلزوم ذلك ، خصوصاً بعد إمكان أخذ قصد ا لتقرّب قيداً في ا لمتعلّق ، كما اخترناه وحقّقناه في ا لاُصول(1) .
كلام المحقّق الحائري في المقام
ثمّ إنّ بعض محقّقي ا لمعاصرين (قدس سره) ذهب في أواخر عمره إ لى أنّ ا لأصل يقتضي ا لتعبّديّـة ; نظراً إ لى أنّ ا لعلل ا لتشريعيّـة كا لعلل ا لتكوينيّـة فكما أ نّـه في ا لعلل ا لتكوينيّـة يكون مقتضى تأثيرها حصول ا لمعلول ا لمستند إ ليها ; إذ ا لنار لاتؤثّر إلاّ في حصول ا لإحراق ا لمستند إ ليها ، لا أن يكون وصف الاستناد إ ليها مستنداً إ لى تأثير ا لنار ، بل ا لإحراق ا لمعلول لها إنّما يكون محدوداً بحدود الاستناد إ ليها ، فكذلك في ا لعلل ا لتشريعيّـة يكون مقتضى تأثيرها حصول ا لمعلول ا لمستند إ ليها ، وحينئذ فالأمر حيث يكون علّـة تشريعيّـة ـ إذ هو تحريك للمكلّف نحو ا لعمل ـ فلابدّ أن يكون معلولـه ـ وهو ا لعمل ـ مستنداً إ ليـه ; بمعنى أنّ ا لواجب هو إتيانـه على نحو يكون هو ا لمؤثّر في حصولـه ، وذلك لايتحقّق إلاّ بإتيانـه منبعثاً عن ا لبعث ا لمتعلّق بـه ومدعوّاً بدعوتـه ، وهو عين ا لتعبّديّـة ، كما هو واضح جدّاً(2) . ويرد عليـه :
أوّلاً : أ نّا لانسلّم ذلك في ا لعلل ا لتكوينيّـة ، فضلاً عن ا لعلل ا لتشريعيّـة إلاّ با لنسبـة إ لى الله ـ تبارك وتعا لى ـ وتحقيقـه في موضعـه(3) .
1 ـ مناهج ا لوصول 1 : 260 ، تهذيب ا لاُصول 1 : 148 . 2 ـ اُنظر ا لفوائد ا لخمسـة ، ضمن ا لرسائل ا لعشرة ، ا لإمام ا لخميني(قدس سره) : 186 ، مناهج ا لوصول 1 : 275 ـ 276 . 3 ـ راجع مناهج ا لوصول 1 : 276 ـ 277 ، تهذيب ا لاُصول 1 : 161 ـ 162 .
(الصفحة 346)
وثانياً : أ نّـه لو سُلّم ذلك في ا لعلل ا لتكوينيّـة ، فما ا لدليل على كون ا لعلل ا لتشريعيّـة مثلها ، فأيّـة آيـة أو روايـة وردت في ذلك ، وليس هذا ا لأمر إلاّ صِرف ا لادّعاء من دون أن يقوم دليل عليـه .
وا لإنصاف : أنّ هذه ا لقاعدة ا لكلّيّـة ا لتي بنى هذا ا لمحقّق عليها مباحث كثيرة في ا لاُصول ، كمسأ لـة عدم تداخل ا لأسباب ، وفوريّـة ا لأمر ، وتعبّديّـة ا لواجب ا لمشكوك ، ونظائرها ممّا لايتّكي إ لى ركن وثيق .
أدلّة أصالة التعبّديّة
ثمّ إنّـه ربما يتمسّك(1) لأصا لـة ا لتعبّديّـة ببعض ا لآيات وا لروايات(2) ، مثل قولـه تعا لى : (أَطيعُوا ا للهَ وَ أَطيعُوا ا لرَّسُولَ وَ أُولِى ا لاَْمْرِ مِنْكُمْ)(3) .
وقولـه تعا لى : (وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا ا للهَ مُخْلِصينَ)(4) .
واُورد على ا لاستدلال بالآيـة ا لاُولى :
أوّلاً : بأنّ ا لأمر بإطاعـة الله أمر إرشاديّ ، وإلاّ يلزم ا لدور(5) ، كما لايخفى .
وثانياً : بأنّ لازم ذلك أن يكون إطاعـة ا لرسول واُولي ا لأمر ، بمعنى إتيان متعلّقـه بداعي ا لأمر واجبـة ، ولايظنّ بأحد أن يلتزم بذلك .
وثا لثاً : بأنّ ا لمراد بالإطاعـة هو معناها ا لعرفي ا لراجع إ لى ا لموافقـة بإتيان
1 ـ مبادئ ا لوصول إ لى علم ا لاُصول : 114 ـ 115 ، ا لفصول ا لغرويّـة : 69 ـ 70 ، اُنظر مطارح ا لأنظار : 61 / ا لسطر 24 . 2 ـ اُنظر وسائل ا لشيعـة 1 : 46 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب مقدّمـة ا لعبادات ، ا لباب 5 . 3 ـ ا لنساء (4) : 59 . 4 ـ ا لبيّنـة (98) : 5 . 5 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 135 ـ 137 .
(الصفحة 347)
ا لمأمور بـه ، لا ا لإطاعـة بمعناها ا لمصطلح ، كما هو غير خفيّ(1) .
وا لجواب عن ا لاستدلال بالآيـة ا لثانيـة وبا لروايات مذكور في ا لكتب ا لفقهيـة ا لمطوّلـة ، فراجعها(2) .
المطلب الثاني: في حقيقة النيّة وماهيّتها شرعاً
وهي بمعنى ا لعزم وا لإرادة وا لقصد ، كما هو معناها لغـة(3) وعرفاً ، ولزومها في صدق ا لإطاعـة والامتثا ل ممّا لاشكّ فيـه ولا ارتياب ; لتوقّف اختياريّـة ا لفعل عليها ، وحينئذ فيصير حكم ا لعبادات من هذه ا لحيثيّـة حكم سائر ا لأفعا ل ا لاختياريّـة ، فكما أ نّـه في ا لأفعا ل الاختياريّـة ا لمركّبـة ، لابدّ أوّلاً من تعلّق ا لإرادة با لمركّب ثمّ تعلّقها بالأجزاء ; لكونـه متوقّفاً عليها لا بنحو ا لوحدة ، بل بنحو ا لتعدّد حسب تعدّد ا لأجزاء ، وتعلّقها بها بعد تعلّقها بـه ، ليس مستنداً إ لى كون ا لإرادة ا لمتعلّقـة با لمركّب علّـة لتعلّق ا لإرادة بمقدّماتـه ; بحيث تترتّب عليها قهراً ، بل كما أنّ ا لإرادة ا لمتعلّقـة بذي ا لمقدّمـة ناشئـة من مبادئها ; من تصوّر ا لفعل وا لتصديق بفائدتـه وسائر ا لمقدّمات ، كذلك ا لإرادة ا لمتعلّقـة با لمقدّمـة ناشئـة عن مبادئ نفسها ، غايـة ا لأمر أنّ ا لفائدة ا لمنظورة في تحقّق هذا ا لمراد ، إنّما ترجع إ لى تحقّق ا لمراد بالإرادة ا لاُولى ، فكذلك في ا لعبادات ا لمركّبـة ـ كا لوضوء وا لصلاة وأشباههما ـ لابدّ أوّلاً من تعلّق ا لإرادة بعنوانها ، ثمّ تترشّح منها
1 ـ مطارح ا لأنظار : 62 / ا لسطر 34 ، وانظر 63 / ا لسطر 1 ـ 5 . 2 ـ اُنظر ا لحدائق ا لناضرة 2 : 172 ، ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 2 : 11 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 137 . 3 ـ ا لصحاح 6 : 2516 ، معجم مقاييس ا للغـة 5 : 366 ، ا لمصباح ا لمنير : 631 ، ا لقاموس ا لمحيط 4 : 400 ، مجمع ا لبحرين 1 : 423 .
(الصفحة 348)
إرادة اُخرى بفعل ا لأجزاء وا لمقدّمات .
وممّا ذكرنا ظهر : أ نّـه لافرق بين ا لجزء ا لأوّل وا لأخير من حيث تعلّق ا لإرادة ، غايـة ا لأمر أ نّـه قد يغفل عن ا لمراد وعن تعلّق ا لإرادة ; بحيث ربما يتخيّل صدوره بلا إرادة ، ولكنّـه في ا لواقع ليس كذلك .
وكيف كان ، فا لمراد با لنيّـة ـ ا لمعتبرة في ا لعبادات ـ هي ا لإرادة ا لمعتبرة في جميع ا لأفعا ل الاختياريّـة ، فما وقع في كلماتهم ـ في هذا ا لمقام ـ ممّا يوهم خلاف ما ذكرنا أو ظاهر فيـه ، لاينبغي أن يُعتنى بـه أصلاً .
كما أنّ توصيف ا لإرادة با لتفصيليّـة وا لإجما ليّـة(1) أيضاً كذلك ، فإنّ ا لإرادة ليست على قسمين ، غايـة ا لأمر أ نّـه قد يغفل عنها وعن ا لمراد ، وا لظاهر أ نّـه ا لمراد بالإرادة ا لإجما ليـة ، فتأ مّل .
المطلب الثالث: في تعيين المأمور به
وقبل ا لشروع في ا لمقصود لابدّ من تقديم مقدّمـة :
وهي أ نّـه لا إشكا ل في أنّ ا لحاكم بالاستقلال ـ في باب ا لإطاعـة وا لعصيان ـ هو ا لعقل .
وقد يقا ل ـ كما عن بعض ا لأعلام وا لمحقّقين ـ بأ نّـه يمكن أن يتصرّف ا لشارع في مقام ا لإطاعـة ; نظراً إ لى أنّ حكم ا لعقل إنّما هو بلحاظ أمر ا لشارع ، فكيف لايكون للشارع مدخل فيـه ؟ ! واستشهد لذلك بحكم ا لشارع ببطلان ا لعبادة في بعض مراتب ا لرياء ، مع أنّ ا لعقل لايحكم فيـه با لبطلان ، وبحكمـه با لصحّـة في موارد قاعدتي ا لفراغ وا لتجاوز ، مع أنّ مقتضى حكم ا لعقل ا لبطلان ووجوب
1 ـ ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 2 : 19 ، اُنظر مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 141 .
(الصفحة 349)
ا لإعادة ; نظراً إ لى أنّ الاشتغا ل ا ليقيني يقتضي ا لبراءة ا ليقينيّة(1) .
وأنت خبير : بأنّ تصرّف ا لشارع في مقام ا لإطاعـة ; إذا لم يرجع إ لى تقييد في ا لمأمور بـه وتصرّف فيـه فهو ممّا لايعقل ، فإنّـه كيف يمكن ـ بعد إتيان متعلّق أمره بجميع قيوده ا لتي اعتبرها فيـه ـ أن يحكم بعدم حصول ا لامتثا ل ا لمستلزم لعدم سقوط ا لأمر ، وما ذكره من ا لأمثلـة راجع إ لى تصرّف في ا لمأمور بـه ، فإنّ حكمـه با لبطلان في بعض موارد ا لرياء ا لذي لايحكم فيـه ا لعقل با لبطلان ، إنّما يرجع إ لى أنّ قصد ا لتقرّب ا لمعتبر في ا لعبادة ، عبارة عمّا يكون مرجعـه إ لى ا لخلوص من دون مدخليّـة لشيء آخر ، كما أنّ حكمـه با لصحّـة في موارد قاعدتي ا لفراغ وا لتجاوز ، إنّما يرجع إ لى أنّ جزئيّـة ا لمشكوك إتيانـه ، إنّما هي بالإضافـة إ لى خصوص ا لعا لم ا لملتفت ، أو ا لشاكّ ا لذي لم يتجاوز أو لم يفرغ ، وأ مّا ا لشاكّ في صورة ا لتجاوز أو ا لفراغ فلايكون ا لمشكوك جزءاً با لنسبـة إ ليـه .
فانقـدح ممّا ذكـرنا : أنّ ا لحـاكم فـي أمثا ل هـذه ا لمـقامـات إنّما هـو ا لعـقل ، فكـلّ شـيء حكـم ا لعـقل بلـزومـه فـي مقـام ا لإطاعـة ، فـلابدّ مـن ا لإتيان بـه ، وإذا شكّ فـي لـزومه فيه فمقتضـى ا لقاعدة ا لعقليّـة ا لاحتياط .
إذا تمهّدت لك هذه ا لمقدّمة ، فنقول :
أنحاء العناوين المأخوذة في متعلّق الأمر
إنّ ا لعناوين ا لمأخوذة في متعلّق ا لأمر على أنحاء :
منها :ما يكون ا لعنوان من ا لعناوين ا لقصديّـة ، ا لتي لاتتحقّق في ا لخارج إلاّ مع ا لقصد إ ليها ، كا لتعظيم وا لتوهين وا لنيابـة وأشباهها .
ومنها :ما يكون مقوّماً لماهيّـة ا لمأمور بـه من حيث كونـه مأموراً بـه ،
1 ـ فوائد ا لاُصول (تقريرات ا لمحقّق ا لنائيني) ا لكاظمي 3 : 68 .
(الصفحة 350)
كعنوان ا لصلاة وا لأنواع ا لمندرجـة تحتها ، كا لظهر وا لعصر ونظائرهما .
ومنها :ما لايكون اعتباره راجعاً إ لى تقييد في متعلّقـه كصوم يوم ، فإنّ تخصيصـه بفرد مّا ليس لكونـه مؤثّراً في حصول قسم خاصّ من ا لطبيعـة ; وقد تعلّق ا لغرض بإيجاد ذلك ا لقسم .
وهـذا ا لتقسيم ا لذي ذكرنا أولى ممّا صنعه صاحب ا لمصباح في بيان ا لأقسام ، فإنّ مراده با لقسم ا لأوّل ا لذي ذكره ، وهو ما يكون ا لقيد محقّقاً لنفس ا لعنوان ا لمأمور بـه ، كا لقيود ا لمنوّعـة للطبيعـة ، كما لو كُلّف بإحضار حيوان ناطق(1) ، إن كان هو ا لقيود ا لتي لها مدخل في ماهيّة ا لمأمور بـه من حيث كونه مأموراً به ، فحينئذ يـرد عليـه سـؤال ا لفرق بينه وبين ا لقسم ا لثاني ، فإنّ قيد ا لظهريّة وا لعصريّة ممّا لـه مـدخل فـي تحقّق ماهيّـة ا لمأمور بـه ، وهي صلاة ا لظهر أو ا لعصر .
وإن كان مراده هو ا لقيود ا لتي لها مدخليّـة في ماهيّـة ا لمأمور بـه مع قطع ا لنظر عن تعلّق ا لأمر بـه فهذا ممّا لا إشكا ل في عدم وجوب قصده فهل يجب على من أمر بإحضار إنسان أن يقصد كونه حيواناً وكونه ناطقاً ؟! وهذا واضح .
وكيف كان ، فنقول :
أ مّا ا لقسم ا لأوّل : فلا إشكا ل في وجوب ا لقصد فيـه ، لا لوجوب ا لإطاعـة وكونها متوقّفـة على ا لقصد ، بل لوجوب ا لموافقـة ، وهي لاتتحقّق في ا لمقام إلاّ معـه ; لما عرفت من أنّ ا لفعل لايتحقّق بدونـه ; لكونـه من ا لاُمور ا لقصديّـة ا لتي تتقوّم با لقصد ، ولذا يجب أن يتعلّق بها ا لقصد في ا لواجبات ا لتوصّليّـة أيضاً ، فوجوب قصد تلك ا لعناوين لا ارتباط له بباب ا لإطاعة والامتثا ل ، كما هو ظاهر .
1 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 145 .
(الصفحة 351)
وأ مّا ا لقسم ا لثاني : فا لظاهر فيـه وجوب قصد ا لعنوان ; لأنّ امتثا ل ا لأمر ا لمتعلّق بصلاة ا لظهر ـ مثلاً ـ لايتحصّل إلاّ بعد تمييز كون ا لمأتيّ بـه هي صلاة ا لظهر ; إذ ا لمطلوب إنّما هو هذا ا لعنوان ، وتميّزه عن غيره لايتحقّق إلاّ با لقصد ; لوضوح أنّ انصراف ا لعمل ا لمشترك بينها وبين صلاة ا لعصر من جميع ا لجهات ـ بحيث لم يكن فرق بينهما من حيث ا لكيفيّـة أصلاً ـ إ لى خصوصيّـة إحداهما ، متوقّف على ا لقصد ; إذ لايكون هنا شيء يحصل بسببـه ا لتمييز إلاّ ا لقصد .
كما أنّ عنوان ا لأدائيّـة وا لقضائيّـة أيضاً كذلك ، فلو فرض أ نّـه يجب عليه قضاء صلاة ا لظهر لليوم ا لماضي وأداء صلاة ا لظهر لليوم ا لحاضر ، فانصراف ا لعمل ا لمشترك صورة بينهما إ لى إحداهما لايتحقّق إلاّ بقصد ا لإتيان با لقضاء أو بالأداء كما هو واضح .
وبا لجملـة : فكلّما توقّف عليـه تمييز ا لمأمور بـه عن غيره فيجب ا لإتيان بـه ; لوضوح عدم تحقّق ا لامتثا ل وإتيان ا لمأمور بـه بداعي ا لأمر ا لمتعلّق بـه ، إلاّ بعد تمييزه عن غيره ، كما لايخفى .
ومن هنا يظهر : أ نّـه لايجب ا لإتيان با لفعل لغايـة وجوبـه أو استحبابـه أو وجههما ، فإنّـه هل يشكّ أحد في تحقّق ا لامتثا ل با لنسبـة إ لى ا لمكلّف ا لذي يعلم بتوجّـه ا لأمر إ ليـه ، ولكنّـه لايعلم أ نّـه للوجوب أو للاستحباب ، فأتى بـه بداعي ا لأمر ا لمتعلّق بـه ، بل لو نوى ا لاستحباب فيما كان للوجوب ، أو ا لوجوب فيما كان للاستحباب ، فذلك لايضرّ بصحّـة إطاعتـه ; إذ نيّـة ا لخلاف لاتؤثّر في تغيير ا لشيء عمّا هو عليـه في ا لواقع ، فبعد كون ا لمفروض أنّ ا لداعي لـه إ لى ا لعمل ، إنّما هو ملاحظـة أمر ا لمولى ا لذي هو موجود شخصيّ ; لايمكن أن يقع على وجوه متعدّدة ، فلا مانع من صحّـة عبادتـه ، وتخيّل كونـه للاستحباب فيما كان للوجوب
(الصفحة 352)
لايؤثّر في ذلك ا لأمر ا لموجود . ومن هنا يمكن أن يورد على ا لقائل با لفرق بين ا لمسأ لتين ا لمعروفتين ـ في باب ا لاقتداء وا لائتمام(1) ـ : بسؤال ا لفرق بينهما ، فإنّ ا لاقتداء ـ فيما لو اقتدى بالإمام بعنوان أ نّـه زيد ـ مثلاً ـ هل هو با لعنوان أو بذلك ا لفرد ا لموجود ا لذي يشار إ ليـه ؟ لا مجا ل للأوّل ، وعلى ا لثاني لا فرق بينـه وبين ا لمسأ لـة ا لاُخرى ـ ا لتي حكموا فيها با لصحّـة ـ أصلاً .
وأ مّا ا لقسم ا لثا لث : فلا إشكا ل في عدم وجوب قصد ا لقيد ; لوضوح أنّ أخذه قيداً ليس لكونـه مؤثّراً في حصول قسم خاصّ من ا لطبيعـة ، وقد تعلّق ا لغرض بإيجاد ذلك ا لقسم ، بل لأنّ ا لغرض إنّما تعلّق بإيجاد ا لطبيعـة في ضمن أيّ مصداق تحقّقت ، فإذا قصد إيجادها في ضمن فرد بداعي ا لأمر ا لمتعلّق بها ، فلا محا لـة يحصل ا لغرض ، كما هو ظاهر .
المطلب الرابع: في الجزم بالنيّة
ونقول : هل يعتبر في تحقّق ا لإطاعـة وحصولها عند ا لعقل ا لجزمُ با لنيّـة ; بمعنى ا لعلم بالأمر وبانطباق ا لمأمور بـه على ا لمأتيّ بـه مطلقاً(2) ، أو لايعتبر مطلقاً(3) ، أو يفصّل بين ا لموارد ببعض ا لتفصيلات ، ا لتي سيجيء ذكرها(4) ؟ وجوه ، بل أقوال :
وقد يستدلّ للأوّل بما لازمـه سدّ باب ا لاحتياط في جميع ا لموارد وهو أنّ
1 ـ اُنظر جواهر ا لكلام 13 : 235 ـ 236 ، ا لعروة ا لوثقى 1 : 768 ، ا لمسألـة 12 ، مستمسك ا لعروة ا لوثقى 7 : 185 ـ 186 . 2 ـ إيضاح ا لفوائد 1 : 37 . 3ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 161 و 164 ـ 165 . 4 ـ يأتي في ا لصفحـة 355 .
(الصفحة 353)
صدق ا لإطاعـة ـ بنظر ا لعقل ـ موقوف على أن يكون ا لداعي وا لمحرّك للمكلّف نحو ا لعمل ، هو بعث ا لمولى وأمره .
وبعبارة اُخرى : يعتبر أن يكون ا لانبعاث متحقّقاً عن بعثـه ، وفي صورة ا لتردّد وا لشكّ ـ إمّا في نفس ا لأمر ، وإمّا في ا لمأمور بـه ـ لايكون ا لمحرّك هو بعث ا لمولى :
أ مّا فيما كان ا لشكّ في نفس ا لبعث فواضح ; ضرورة أنّ ا لداعي لـه في هذه ا لصورة هو احتما ل ا لبعث لا نفسـه .
وأ مّا فيما كان ا لشكّ في متعلّقـه ، فلأنّ ا لداعيَ لـه إ لى إتيان هذا ا لمحتمل بخصوصـه ، احتمالُ تعلّق ا لأمر بـه وكونه منطبقاً عليه عنوان ا لمأمور به ، كما أنّ ا لداعي لـه إ لى ا لإتيان با لمحتمل ا لآخر أيضاً هو احتما ل انطباق ا لمأمور بـه عليه(1) .
ويرد على هذا ا لاستدلال : أنّ ا لانبعاث لايعقل أن يكون مستنداً إ لى نفس بعث ا لمولى ; بحيث يكون وجوده وتحقّقـه في ا لواقع مؤثّراً في حصول ا لانبعاث ، وإلاّ لزم أن لاينفكّ عنـه مع أ نّـه نرى با لوجدان عدم تحقّق ا لانبعاث با لنسبـة إ لى ا لعصاة ، وكذلك يلزم أن لايتحقّق ا لانبعاث بدونـه ، مع أ نّـه نرى تحقّقـه با لنسبـة إ لى ا لجاهل ا لمركّب ، فلايدور ا لانبعاث مدار ا لبعث وجوداً وعدماً .
التحقيق في المقام
وا لحقّ : أنّ ا لانبعاث إنّما يكون مستنداً إ لى ا لعلم ببعث ا لمولى ، وبما يترتّب على امتثاله من ا لفوائد وعلى مخا لفته من ا لمضارّ فهو موقوف على وجوده العلمي .
لا أقول : إنّ ا لعلم لـه مدخل في تحقّقـه ; بحيث لايمكن أن يتحقّق بدونـه ،
1 ـ فوائد ا لاُصول (تقريرات ا لمحقّق ا لنائيني) ا لكاظمي 3 : 72 ـ 73 .
(الصفحة 354)
بل ا لمقصود نفي كونـه مستنداً إ لى نفس ا لبعث ، وإلاّ فمن ا لواضح تحقّقـه با لنسبـة إ لى ا لآتي با لفعل بداعي احتما ل تعلّق ا لأمر بـه .
إلاّ أن يقا ل : إنّـه في صورة ا لعلم يكون ا لانبعاث مستنداً إ لى ا لبعث با لعرض دون صورة ا لاحتما ل .
وكيف كان ، فدعوى : عدم صدق ا لإطاعـة على ا لعبادة ا لتي لايعلم تعلّق ا لأمر بها ، بل إنّما أتى بها بداعي احتما ل تعلّق ا لأمر ، محلّ نظر بل منع ، فإنّـه لايعتبر في صدقها أزيد من أن يكون ا لإتيان با لمأمور بـه بداعي ا لأمر وبقصد امتثا لـه ، ولايتوقّف ذلك على إحرازه ، بل يكفي احتما لـه ; لأنّ ا لآتي با لفعل احتياطاً ; لامتثا ل ا لأمر ا لمحتمل وا لخروج عن عهدتـه على تقدير ثبوتـه ، إنّما ا لباعث لـه قصد ا لامتثا ل .
بل نقول : إنّ صدقها لايتوقّف على احتما ل ا لأمر أيضاً ، بل تصدق ولو علم بعدم تعلّق ا لأمر بها ; فيما كان ذلك لوجود ا لمانع لا لعدم ا لمقتضي .
ألا ترى أ نّهم يجيبون عن ا لشيخ ا لبهائي (قدس سره) ا لمنكر لترتّب ا لثمرة على مسأ لـة اقتضاء ا لأمر با لشيء للنهي عن ا لضدّ ـ بدعوى : أنّ بطلان ا لضدّ فيما كان عبادة لايتوقّف على تعلّق ا لنهي بها ، بل يكفي فيـه مجرّد عدم تعلّق ا لأمر بها(1) ـ بما حاصلـه : أنّ صحّـة ا لعبادة لاتتوقّف على ا لأمر أصلاً ، بل يكفي فيها مجرّد ا لمحبوبيّـة ا لذاتيّـة(2) .
وبا لجملـة:فلا فرق في حصول ا لامتثا ل وتحقّق ا لإطاعـة بين ا لعا لم بالأمر وا لمحتمِل لـه أصلاً ; لو لم نقل بكون ا لصدق في ا لثاني أولى ، كما لايخفى .
1 ـ اُنظر زبدة ا لاُصول : 99 ، هدايـة ا لمسترشدين : 244 ـ 245 ، كفايـة ا لاُصول : 165 . 2 ـ كفايـة ا لاُصول : 166 .
(الصفحة 355)
حول التفصيلين المحكيّين عن الشيخ في المقام
ثمّ إنّـه حُكي(1) عـن ا لشيخ (قدس سره) ا لتفصيل بين مـن كان عازماً مـن أوّل ا لأمر علـى إحـراز ا لـواقع بالاحتياط ، وبين مـن لم يكـن كـذلك ; ببطـلان عبادة ا لثاني دون ا لأوّل ; نظـراً إ لـى أنّ ا لشاكّ فـي كـون ا لمأتـي بـه مـوافقاً للمـأمور به كيف يتقرّب بـه(2) .
وأنت خبير : بأنّ هذا ا لوجـه مشترك بين ا لصورتين ، فإنّ ا لعازم على إحراز ا لواقع بالاحتياط ، أيضاً لايعلم بانطباق ا لمأمور بـه على هذا بخصوصـه وذاك بخصوصـه ، فا لداعي لـه إ لى إتيان كلٍّ من ا لمحتملين بخصوصـه ، ليس إلاّ احتما ل تعلّق ا لأمر بـه وانطباق ا لمأمور بـه عليـه ، وا لعزم على إتيان ا لمحتمل ا لثاني لايؤثّر في ا لفرق بينهما أصلاً .
كما أنّ تخصيص ا لصورة ا لثانيـة با لواجبات ; وا لحكم ببطلان من لم يكن عازماً على ا لامتثا ل ـ بنحو ا لإطلاق ـ في خصوص ا لواجبات دون ا لمستحبّات ـ كما حكي عن ا لسيّد ا لجليل ا لمحقّق ا لميرزا ا لمجدّد ا لشيرازي (قدس سره) (3) ـ نظراً إ لى أنّ كون ا لقصد فيها مشوباً با لتجرّي ، موجب للشكّ في صدق ا لإطاعـة والامتثا ل . ممّا لايعرف لـه وجـه ، فإنّ ا لتجرّي إنّما حصل من ناحيـة عدم تعلّق ا لقصد بإتيان ا لمحتمل ا لآخر ، وهذا لا ارتباط لـه بحصول الامتثا ل با لنسبـة إ لى إتيان ا لمحتمل ا لأوّل فيما لو انكشف ا لتطابق .
وتوهّم : أ نّـه كيف يمكن اجتماع ا لتجرّي وا لامتثا ل با لنسبـة إ لى أمر واحد ،
1 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 165 . 2 ـ فرائد ا لاُصول 2 : 519 . 3 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 163 ـ 164 .
(الصفحة 356)
ولازمـه ثبوت ا لعقاب على ا لأوّل واستحقاق ا لثواب على ا لثاني ، فاجتمع ا لثواب وا لعقاب في خصوص أمر واحد(1) .
مدفوع : بأنّ ا لتجرّي إنّما هو فعل من أفعا ل ا لقلب ، ولا ارتباط لـه با لعمل ا لخارجي ، وا لامتثا ل إنّما يتحقّق بإيجاد ا لفعل في ا لخارج بداعي أمره وحينئذ فلابأس بأن يترتّب ا لعقاب على ا لفعل ا لقلبي وا لثواب على ا لعمل ا لخارجي .
ثمّ إنّـه حكي عن ا لشيخ (قدس سره) تفصيل آخر(2) : وهو بطلان ا لعبادة فيما لو استلزم تكرار ا لعمل بجملتـه ، دون ما لم يكن كذلك ; ولو استلزم تكرار بعض ا لعمل ; نظراً إ لى أنّ تكرار ا لعمل يعدّ لعباً بأمر ا لمولى(3) .
وغير خفيّ : أنّ مورد ا لنزاع إنّما هو فيما إذا كان اختيار ا لامتثا ل ا لإجما لي لغرض عقلائيّ ، مضافاً إ لى أنّ ا للعب إنّما هو في كيفيّـة إطاعـة أمره ، ولا دليل على كونـه موجباً لفساد ا لعبادة ، بل ا لدليل على ا لعدم ، فإنّ خصوصيّات ا لمأمور بـه مستندة غا لباً إ لى أغراض شهوانيّـة ، كا لوضوء با لماء ا لبارد أو ا لحارّ .
ولو سُلّم جميع ذلك ، فا لفرق بين هذه ا لصورة وبين ما إذا كان ا لاحتياط مستلزماً لتكرار جزء من ا لعمل لا جملتـه ، ممّا لايعرف لـه وجـه فإنّ من يعلم بوجوب سورة من ا لقرآن عليـه في صلاتـه ـ مثلاً ـ ويشكّ في تعيينها ، فصلّى مع قراءة جميع ا لسور ، يعدّ لاعباً ، فلم يبقَ فرق بين ا لصورتين .
فانقدح من جميع ما ذكرنا : عدم اعتبار ا لجزم با لنيّـة با لمعنى ا لذي ذكرنا ، وصحّـة ا لاحتياط في جميع ا لموارد .
1 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 168 . 2 ـ نفس المصدر . 3 ـ فرائد ا لاُصول 2 : 507 ـ 508 .
(الصفحة 357)
المطلب الخامس:في وجوب نيّة رفع الحدث أو الاستباحة
قا ل ا لمحقّق (قدس سره) في «ا لشرائع» : «وهل تجب نيّـة رفع ا لحدث ، أو نيّـة استباحة شيء ممّا يشترط فيه ا لطهارة ؟ وا لأظهر أ نّـه لاتجب نيّـة شيء منهما»(1) .
أقول: ا لوجوه ا لمتصوّرة في اعتبار نيّة ا لرفع أو ا لإباحة في ا لوضوء ثلاثة :
ا لأوّل : أن يكون ا لمراد أنّ ا لوضوء ا لذي يترتّب عليـه ا لرفع والاستباحـة ، ويؤثّر في حصولهما ، هو ا لوضوء ا لمأتي بـه بنيّـة ا لرفع أو ا لإباحـة ; بحيث يكون للقصد دَخْل في حصول ا لأثرين وترتّب ا لأمرين ، كا لعناوين ا لقصديّـة ا لتي يكون ا لقصد مقوّماً لتحقّقها .
ولكن لايخفى أنّ هذا ا لوجـه ممّا لايعقل ، فإنّـه لو فرض أنّ ا لأثر لايترتّب على نفس ا لوضوء بمجرّده ، بل لقصده أيضاً مدخليّـة في حصولـه وترتّبـه ، فكيف يمكن ـ حينئذ ـ أن يتعلّق ا لقصد با لوضوء ا لمبيح أو ا لرافع ، مع ا لعلم بعدم كونـه بذاتـه مؤثّراً في حصول ا لإباحـة وا لرفع ؟ فإنّـه ليس ا لمراد من ا لقصد مجرّد ا لإخطار با لبا ل ; حتّى يقا ل : لابأس بأن يتصوّر أثر لشيء مع ا لعلم بعدم ترتّبـه عليـه وعدم كونـه أثراً لـه ، بل ا لمراد بـه هي ا لإرادة ا لواقعيّـة ا لناشئـة من مبادئ مخصوصـة ، وحينئذ فلايعقل تعلّقها بشيء مقيّداً بكونـه مؤثّراً في أثر يعلم بعدم تأثيره فيـه .
وكيف كان ، فلا يعقل أن يتعلّق ا لقصد با لوضوء ا لمبيح أو ا لرافع مع ا لعلم بعدم كون ا لرفع أو ا لإباحـة أثراً لذات ا لوضوء ، بل للوضوء ا لمقيّد بهذا ا لقصد ، وهل يمكن أن يتعلّق قصد ا لمرتعش بعدم ا لارتعاش مع علمـه بعدم انفكاكـه
1 ـ شرائع ا لإسلام 1 : 12 .
(الصفحة 358)
عنـه ؟ ! وهذا واضح جدّاً .
ا لثاني : أن يكون المراد أنّ الوضوء المؤثّر في الرفع والإباحة هو الوضوءبعنوانهما، ولايكون للقصد مدخل في ذلك ، بل هو إنّما يتعلّق با لوضوء ا لمقيّد بهذا العنوان .
ويرد على هذا ا لوجـه أمران :
أحدهما : ا لاستحا لـة ا لعقليّـة ; ضرورة أنّ عنوان ا لرافعيّـة ـ مثلاً ـ إنّما ينتزع لذات ا لوضوء بعد اعتبار كونـه بنفسـه مؤثّراً في ا لرفع ، ولايعقل أن يكون ا لعنوان ا لذي يتأخّر رتبـة عن تأثير ا لشيء في أثر ، دخيلاً في تأثيره في حصول ذلك ا لأثر ; بداهـة أ نّـه يلزم أن يكون ا لأثر في رتبـة ا لمؤثّر ، بل متقدّماً عليـه .
ثانيهما : ما أورد عليـه ا لشيخ (قدس سره) في كتاب ا لطهارة ما حاصلـه : أنّ لازم ذلك كون ا لوضوء مؤثّراً في حصول ا لرفع مع قطع ا لنظر عن إتيانـه بقصد ا لتقرّب وداعي أمره ; لأ نّـه ـ بناءً عليـه ـ يأتي با لوضوء ا لرافع بقصد ا لتقرّب لا با لوضوء ا لمقرّب ا لمترتّب عليـه ا لرفع ، وحينئذ فتصير ا لطهارة ا لحدثيّـة كا لطهارة ا لخبثيّـة من ا لواجبات ا لتوصّليّـة ، ا لتي يُكتفى في سقوط أمرها بمجرّد وجودها في ا لخارج كيفما اتّفق ، وضرورة ا لفقـه على خلافـه(1) .
ا لثا لث : أن يكون ا لمراد أنّ اعتبار نيّـة ا لرفع أو ا لإباحـة إنّما هو لتعدّد ماهيّـة ا لوضوء ; وكون ا لوضوء ا لرافع مغايراً حقيقـة لوضوء ا لجُنُب وا لحائض مثلاً ، فاعتبار نيّـة ا لرفع إنّما هو لتمييز ا لماهيّـة ا لمأمور بها عن غيرها ; لعدم طريق إ لى تشخيصها غير هذا ا لقصد .
ويرد عليـه : ـ مضافاً إ لى منع تعدّد ماهيّـة ا لوضوء ; وتغاير ا لوضوء ا لرافع مع غيره بحسب ا لذات وا لحقيقـة ـ أ نّـه يمكن أن يحصل ا لتمييز من غير طريق هذا
1 ـ ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 2 : 51 .
(الصفحة 359)
ا لقصد ; بأن يأتي بـه بداعي ا لأمر ا لشخصي ا لمتوجّـه إ ليـه ا لمقصود امتثا لـه .
فانقدح من جميع ما ذكرنا : عدم اعتبار نيّـة ا لرفع أو ا لإباحـة في ا لوضوء ; لما عرفت من أنّ اعتبارها على بعض ا لوجوه غير معقول ، وعلى ا لبعض ا لآخر خال عن ا لدليل ، فالأقوى ـ وفاقاً لأكثر ا لمتأخّرين(1) ـ هو ا لعدم .
وهاهنا فروع
وينبغي قبل ا لتكلّم فيها ، ا لتعرّض للمسأ لـة ا لمعنونـة في أوّل كتاب ا لطهارة : وهي أنّ ا لوضوء قد يكون واجباً ، وهو فيما إذا كان مقدّمـة لواجب آخر ، من ا لصلاة وا لطواف ونحوهما من ا لواجبات ا لمشروطـة با لوضوء ، وقد يكون مستحبّاً ، وهو فيما إذا كان مقدّمـة للغايات ا لمندوبـة ، وهي كثيرة ، وقد جمعها ا لسيّد (قدس سره) في «ا لمدارك» ، فراجع(2) .
حول الملازمة بين المقدّمة وذي المقدّمة
وأنت خبير : بأنّ هذا ا لكلام مبني على ثبوت ا لملازمـة بين ا لأمر ا لمتعلّق بذي ا لمقدّمـة وا لأمر ا لمتعلّق بنفس ا لمقدّمـة ; ضرورة أنّ ا لقائل بعدم ا لملازمـة ينكر كون ا لوضوء متعلّقاً للأمر ـ وجوبيّاً كان أو استحبابياً ـ إذ ا لظاهر أنّ ا لأمر با لوضوء في ا لآيات وا لروايات إرشاد إ لى شرطيّتـه للصلاة ونحوها ، لا أ نّـه أمر مولوي ، كما هو غير خفيّ .
1 ـ مدارك ا لأحكام 1 : 189 ، مشارق ا لشموس : 90 / ا لسطر 25 ، كشف ا للثام 1 : 507 ، مستند ا لشيعـة 2 : 63 ، جواهر ا لكلام 2 : 89 ، ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 2 : 51 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 177 ـ 178 . 2 ـ مدارك ا لأحكام 1 : 12 ـ 13 .
(الصفحة 360)
ونحن وإن حقّقنا ا لكلام في مبحث ا لمقدمّـة في ا لاُصول ، وأنكرنا ا لملازمـة ا لعقليّـة بما لا مزيد عليـه(1) ، إلاّ أ نّـه لا بأس بالإشارة إجمالاً إ لى دليل عدم ا لملازمـة ; ليظهر ا لحا ل ، فنقول وعلى الله ا لاتّكا ل :
إنّـه إن كان مراد ا لقائل با لملازمـة ، ثبوت ا لملازمـة ا لعقليّـة بين نفس ا لبعث ا لمتعلّق با لمقدّمـة وا لبعث ا لمتعلّق بذيها ; بحيث كانت ا لملازمـة متحقّقـة بين نفس ا لبعثين ; بمعنى أ نّـه لايمكن انفكاك ا لبعث إ لى ا لمقدّمـة عن ا لبعث إ لى ذيها ; بحيث لايعقل أن يبعث ا لمولى عبده نحو شيء بلا صدور بعث منـه نحو مقدّمتـه .
فيردّه : حكم ا لوجدان بثبوت ا لانفكاك بينهما كثيراً ، فإنّا نرى با لوجدان في ا لأوامر ا لعرفيّـة ـ ا لصادرة من ا لموا لي با لنسبـة إ لى ا لعبيد ـ تعلّق ا لبعث بذي ا لمقدّمـة فقط كثيراً وعدم تعلّقـه با لمقدّمـة ، وكذلك في ا لأوامر ا لشرعيّـة .
وبا لجملـة : فبطلان هذه ا لدعوى أظهر من أن يخفى على أحد .
وإن كان مراده ثبوت ا لملازمـة ا لعقليّـة بين إرادة ا لبعث إ لى ا لمقدّمـة وإرادة ا لبعث إ لى ذيها ; بحيث كانت ا لملازمـة بين ا لإرادتين .
فيردّه استحا لـة تعلّق ا لإرادة با لبعث إ لى ا لمقدّمـة .
بيان ذلك : أ نّـه إن كان ا لمراد من ثبوت ا لملازمـة بين ا لإرادتين ، أ نّـه بمجرّد تعلّق ا لإرادة با لبعث إ لى ذي ا لمقدّمـة تتولّد إرادة اُخرى با لبعث إ ليها ; بحيث كانت ا لإرادة ا لأوّليّـة بمنزلـة ا لعلّـة ا لفاعليّـة لتحقّق ا لإرادة ا لثانويّـة .
فيرد عليـه : أنّ تعلّق ا لإرادة بشيء مطلقاً ـ مقدّمـة كانت أو غيرها ـ لابدّ أن يكون مستنداً إ لى مبادئها ; من ا لتصوّر وا لتصديق با لفائدة وغيرهما من سائر
1 ـ مناهج ا لوصول 1 : 410 ـ 415 ، تهذيب ا لاُصول 1 : 278 .
|