(الصفحة 441)
للخطاب في ا لآيـة ا لكريمـة ، كما عرفت :
منها :ا لرواية ا لتي ستأتي إن شاء الله تعا لى في مسأ لـة مسح ا لرأس حيث قا ل في مقام ا لتفسير : «فوصل ا ليدين إ لى ا لمرفقين با لوجـه . . .»(1) ا لحديث .
ومنها :بعض ا لأخبار ا لاُخر ا لمذكورة في «ا لوسائل» في باب كيفيّـة ا لوضوء ، ا لذي هو ا لباب ا لخامس عشر من أبواب ا لوضوء(2) ، فراجع .
وبا لجملـة:فا لظاهر ـ خصوصاً بملاحظـة ا لأخبار ا لواردة في تفسير ا لآيـة ا لشريفـة ـ كون ا لمراد هو غسل ا ليدين فقط ; لتعارفهما بين ا لناس .
نعم يجب عليـه ـ فـي ا لمقام ـ أن يغسل إحدى يديـه مـن ا لطـرف ا لأيمـن وإحداهمـا مـن ا لطرف ا لأيسر ، ولايُجزي غسل ا ليدين مـن طـرف واحـد ، كما هو ظاهر .
هذا ، ولو تنزّلنا عن ذلك ، وقلنا : بأ نّـه لايستفاد واحد من طرفي ا لمسأ لـة من ا لآيـة وسائر ا لأدلّـة ، ووصلت ا لنوبـة إ لى ا لاُصول ا لعمليّـة ، فمقتضاها وجوب غسل ا لمجموع ، لو جعلنا ا لطهور ا لمعتبر في ا لصلاة أمراً حاصلاً من ا لوضوء ، ولم يكن عبارة عن نفس ا لوضوء ; لرجوعـه إ لى ا لشكّ في ا لمحصِّل وا لقاعدة فيـه تقتضي ا لاحتياط ، ولو قلنا بأنّ ا لطهور هو نفس ا لوضوء ، لا شيء متحصّل منـه ; لعدم ا لدليل عليـه ، فمقتضى ا لأصل عدم وجوب غسل ا لزائد على ا ليدين ; لكون ا لمسأ لـة ـ حينئذ ـ من صغريات مسأ لـة ا لأقلّ وا لأكثر الارتباطيّين ، وا لتحقيق فيها ا لرجوع إ لى ا لبراءة ، ولازمـه ا لتخيير هنا في مقام ا لامتثا ل ; لأ نّـه لا مائز بين ا ليد ا لأصليّـة وغيرها .
1 ـ ا لفقيـه 1 : 56 / 212 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 413 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 23 ، ا لحديث 1 . 2 ـ وسائل ا لشيعة 1 : 387 ـ 399، كتاب الطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب15 ، ا لحديث3 و23 .
(الصفحة 442)
تتمّة: في الشعر النابت على اليد
ا لشعر ا لنابت على ا ليد : تارة يقع ا لكلام فيـه من جهـة وجوب ا لغسل وعدمـه ، واُخرى من حيث كفايـة غسلـه عن ا لبشرة ا لمستورة وعدمها ، فنقول :
أ مّا ا لجهـة ا لاُولى : فا لظاهر هو ا لوجوب ; لأ نّـه لايعدّ شعر ا ليد بنظر ا لعرف أمراً خارجاً عن ا ليد ، بل هو تبع لها ، وكأ نّـه من أجزائها ، فالأمر بغسل ا ليدين يدلّ على وجوب غسلـه أيضاً .
وأ مّا ا لجهـة ا لثانيـة : فظاهر ا لآيـة ا لشريفـة هو عدم ا لكفايـة ; لوضوح أنّ شعر ا ليد بحسب ا لنوع ، لايكون با لغاً من ا لكثرة إ لى حدّ يوجب إطلاق ا ليد على نفس ا لشعر ، كما في ا للحيـة با لنسبـة إ لى ا لوجـه ; حيث إنّـه ـ قد عرفت سابقاً ـ أنّ ا لمتفاهم من غسل ا لوجـه ـ بنظر ا لعرف ـ ليس إلاّ غسل أجزائـه ا لظاهرة وظاهر ا للحيـة(1) ، وهذا بخلاف ا ليد ، فإنّ ا لمنسبق إ لى ا لأذهان من إطلاقها هو نفس ا لبشرة ، كما لايخفى .
وبهذا يمكن أن يفرّق بين مسح ا لرأس ومسح ا لرجْل ; بجوازه على ا لشعر في ا لأوّل ، دون ا لثاني .
وبا لجملـة:فظاهر ا لآيـة ا لشريفـة تدلّ على وجوب غسل ا ليد ا لظاهرة في ا لبشرة ، ومقتضاها عدم إجزاء غسل ا لشعر عنها ، إلاّ أنّ ظاهر صحيحـة زرارة عدم وجوب غسلها ; حيث قا ل : قلت : أرأيت ما كان تحت ا لشعر ؟ قا ل : «كلّ ما أحاط بـه ا لشعر فليس للعباد أن يغسلوه ولايبحثوا عنـه ، ولكن يجري عليـه ا لماء»(2) .
1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 425 . 2 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 364 / 1106 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 476 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 46 ، ا لحديث 2 .
(الصفحة 443)
وقد استشكل في ا لاستدلال با لرواية ; لعدم وجوب غسل ما أحاط به ا لشعر من ا ليدين : بمنع دلالـة ا لموصول على ا لعموم ، وا لقدر ا لمعلوم إرادتـه منـه هو ما أحاط با لوجه لاغير ، وسند ا لمنع وجوه ثلاثة مذكورة في «ا لمصباح»(1) وغيره(2) :
منها :قولـه (عليه السلام) ـ في ذيل ا لروايـة ـ : «ولكن يجري عليـه ا لماء» ; ضرورة عدم جريان هذا ا لحكم في ا لرأس وا لرجلين ، فليس ا لمراد كلّ موضع أحاط بـه ا لشعر من مواضع ا لوضوء ، بل ا لمراد : إمّا خصوص ما أحاط با لوجـه ، أو ا لأعمّ منـه ومن ا ليدين ،ولا ترجيح للثاني .
ومنها :ذكره في «ا لفقيـه»(3) عقيب صحيحـة زرارة ا لمتقدّمـة ، ا لواردة في تحديد ا لوجـه بما دارت عليـه ا لأصبعان ، وظاهره كونها تتمّـة لتلك ا لروايـة ، وعـدم ذكره في «ا لتهذيب»(4) عقيبها لعلّ منشأه ا لتقطيع ، فلايدلّ على كونـه روايـة مستقلّـة .
ومنها :شهادة ا لبداهـة بكون هذا ا لسؤال مسبوقاً ببيان ا لإمام (عليه السلام) حكم شيء ، مثل وجوب غسل ا لوجـه أو تحديده أو غسل ا لوجـه وا ليدين مثلاً ، فسؤا لـه هذا منزّل على ما كان موضوعاً لديهم في ا لحكم بغسلـه ، ولايمكن تعيين ذلك ا لحكم بسبب ا لأصل وا لقدر ا لمتيقّن دلالتـه على حكم ا لوجـه لاستناد ا لعلماء إ ليـه فيـه فإثبات شمولـه لغيره محتاج إ لى ا لدليل .
هذا ، ولكن لايخفى أنّ مجرّد ذكره في «ا لفقيـه» عقيب تلك ا لروايـة ، لايدلّ
1 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 333 . 2 ـ اُنظر ا لحدائق ا لناضرة 2 : 249 ، مستمسك ا لعروة ا لوثقى 2 : 349 و 350 . 3 ـ ا لفقيـه 1 : 28 / 88 . 4 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 364 / 1106 .
(الصفحة 444)
على كونـه تتمّـة لها ، بعدما كان دأب مؤلّفـه على نقل ا لروايات ا لواردة في موارد مختلفـة بعضها إثر بعض ، مضافاً إ لى أ نّـه قد يذكر فتاويـه بينها ، وخصوصاً في مثل ا لمقام ; لأنّ ا لظاهر من عبارتـه كونـه روايـة مستقلّـة ; حيث إنّ ا لقاعدة تقتضي أن يعطف هذا ا لسؤال على سابقـه بكلمـة «ا لفاء» لا «ا لواو» ، كما فعل مثلـه في ذيل تلك ا لصحيحـة ; حيث قا ل بعد بيان ا لتحديد من ا لإمام (عليه السلام) : فقا ل زرارة لـه : ا لصُدْغ من ا لوجـه ؟ فقا ل : «لا»(1) ، مع أنّ ا لمقام عطف با لواو .
وكيف كان ، فمجرّد هذا لايقتضي كونـه تتمّـة لها ، إلاّ أنّ ا لوجـه ا لأخير من ا لوجوه ا لثلاثـة ، مضافاً إ لى استناد ا لعلماء إ ليـه في باب غسل ا لوجـه ، ربما يوجب ا لاطمئنان بكونـه ذيلاً لتلك ا لروايـة .
ومع ذلك فلا اختصاص للحكم ا لمذكور فيـه با لوجـه أصلاً ; لأ نّـه لو فرض كون مورد ا لسؤال هو ا لوجـه فقط ، إلاّ أنّ ا لعدول في ا لجواب عن ذكره بخصوصـه ، وا لتعبير بكلمـة «كلّ» ا لمفيدة للعموم ، يقتضي عدم اختصاص ا لحكم با لوجـه ، وشمولـه لغسل ا ليدين ، بل جميع مواضع ا لوضوء ; ضرورة أ نّـه لو كان ا لحكم مختصّاً با لوجـه لم يكن وجـه لهذا ا لتعبير ، وقولـه (عليه السلام) : «يجري عليـه ا لماء» لاينافي عموم ا لموصول لجميع مواضع ا لوضوء ; لأنّ ا لظاهر أ نّـه بيان لبعض ا لمواضع ، بل لعلّـه مذكور من باب ا لمثا ل .
وبا لجملـة : ا لظاهر تماميّـة ا لاستدلال با لروايـة لعدم وجوب غسل ا لبشرة في ا لمقام ; ولو قلنا بكونها تتمّـة لتلك ا لروايـة ، ولكن قد يُدّعى ا لإجماع على عدم كفايـة غسل ا لشعر(2) وا لعهدة على مدّعيـه .
1 ـ ا لفقيـه 1 : 28 / 88 . 2 ـ ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 2 : 203 ، مستمسك ا لعروة ا لوثقى 2 : 349 .
(الصفحة 445)
الفرض الرابع: مسح الرأس
الكلام في مقدار المسح
قا ل ا لمحقّق (قدس سره) في «ا لشرائع» : «وا لواجب فيـه ما يسمّى بـه ماسحاً»(1) .
أقول: لا خلاف بين ا لمسلمين في وجوب ا لمسح ; أي مسح ا لرأس في ا لوضوء ، ويدلّ عليـه ا لكتاب(2) وا لسنّـة(3) وا لإجماع(4) .
ولايلزم استيعابـه با لمسح ; لظاهر ا لآيـة ا لشريفـة ; حيث قا ل تبارك وتعا لى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ) ، فإنّ ا لتعبير بكلمـة ا لباء يدلّ على ذلك .
توضيحـه : أ نّـه لاينبغي ا لإشكا ل في عدم كون ا لباء في ا لآيـة زائدة ; لأ نّـه ـ مضافاً إ لى أنّ ا لموارد ا لتي يجوز ا لإتيان فيها با لباء ا لزائدة قياساً محدودة ، وليس ا لمورد منها(5) ـ نقول :
1 ـ شرائع ا لإسلام 1 : 13 . 2 ـ ا لمائدة (5) : 6 . 3 ـ اُنظر وسائل ا لشيعـة 1 : 416 ـ 422 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 24 ـ 25 . 4 ـ الانتصار : 19 ، ا لخلاف 1 : 81 ـ 82 ، ا لمعتبر 1 : 144 ، منتهى ا لمطلب 1 : 59 / ا لسطر28 ـ 29 ، جواهر ا لكلام 2 : 170 . 5 ـ مغني ا للبيب 1 : 144 .
(الصفحة 446)
إنّ في ا لمقام خصوصيّـة تقتضي نفي ذلك ا لاحتما ل ، وهي أنّ ا لعدول عن ا لتعبير في ا لوجـه وا لأيدي ، وتغيير ا لاُسلوب بإدراج كلمـة ا لباء في ا لرأس ، يوجب ا لاطمئنان بكون ا لإتيان بها لغرض إفهام معنىً من ا لمعاني ، خصوصاً مع ملاحظـة أنّ مادّة «مسح» ممّا يتعدّى بنفسـه ، وخصوصاً مع أنّ ا لإتيان بها ـ لو كانت زائدة ـ يوجب ا لإخلال با لمقصود ، كما هو ظاهر .
وبا لجملـة:لاريب في بطلان احتما ل ا لزيادة ، وحينئذ فلابدّ من حملها على أحد معانيها ا لمذكورة في ا لكتب ا لنحويّـة ، وا لمناسب با لمقام : إمّا ا لتبعيض ، وإمّا ا لإلصاق ، وإلاّ فسائر معانيها ـ كالاستعانـة وا لسببيـة وغيرهما ـ لايناسب بوجـه .
وا لظاهر أنّ ا لإلصاق أيضاً مستبعد بعد كون ا لمسح بمادّتـه متضمّناً لمعنى ا لإلصاق ; إذ لايتحقّق بدونـه . وإن أبيت عن ذلك فلايضرّ با لمطلب أصلاً ; لأنّ ا لإلصاق يتحقّق بمسمّى ا لمسح ، ولذا حكى في «ا لمجمع» عن ابن ما لك في «شرح ا لتسهيل» : أ نّـه قا ل ـ بعد ذكر أنّ ا لباء تأتي بمعنى «من» ا لتبعيضيـة ، وا لاستشهاد عليـه بكلام أئمّـة ا للغـة ـ ما هذا لفظـه :
«وقا ل ا لنحاة : تأتي للإلصاق ومثّلوه بقولك : مسحت يدي با لمنديل ; أي لصقتها بـه ، وا لظاهر أ نّـه لايستوعبـه ، وهو عرف ا لاستعما ل ، ويلزم من هذا ا لإجماعُ على أ نّها للتبعيض»(1) . انتهى .
فإنّ ظاهر كلامـه ـ بل صريحـه ـ أنّ مجيء ا لباء للإلصاق مستلزم لمجيئها بمعنى ا لتبعيض .
وكيف كان ، فا لظاهر أنّ كلمـة ا لباء في ا لآيـة ا لشريفـة بمعنى «من»
1 ـ مجمع ا لبحرين 4 : 196 .
(الصفحة 447)
ا لتبعيضيّـة ، وإنكار سيبويـه مجيء ا لباء للتبعيض(1) ، لاينافي ذلك بعد تصريح كثير من أئمّـة أهل ا للغـة وأكابر ا لنحويّين بذلك ، فقد نصّ عليـه ابن قتيبـة وأبو علي ا لفارسي وابن جنّي وابن ما لك في «شرح ا لتسهيل» وغيرهم ، واستشهد عليـه ابن ما لك بذهاب ا لشافعي ـ ا لذي هو من أئمّـة ا للسان ـ وأحمد وأبي حنيفـة إ ليـه(2) ، ونقل عن ابن عباس مجيئها بمعنى «من» في قولـه تعا لى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ ا لْفُلْكَ تَجْري فِي ا لْبَحْرِ بِنِعْمَةِ ا للهِ)(3) ، ومثله قوله تعا لى : (فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ ا للهِ)(4) ; أي من علم الله .
وبا لجملـة:فإنكار ذلك مكابرة محضـة وقد عرفت أنّ ا لمناسب بالآيـة من بين ا لمعاني إنّما هو هذا ا لمعنى ، لا ا لمعاني ا لاُخر .
ومن هنا يُعرف ا لخلل فيما في «ا لمصباح»(5) وغيره(6) ; من أنّ منع دلالـة ا لآيـة لايتوقّف على إنكار مجيء ا لباء بمعنى «من» ، بل يكفي ـ في عدم ظهورها في ذلك ـ عدمُ ا لقرينـة على تعيّن إرادتـه ; لأنّ حمل ا لمشترك على بعض معانيـه يحتاج إ لى قرينـة معيّنـة .
وجـه ا لخلل : أ نّه مع تسليم مجيء ا لباء بمعنى «من» لا مجال لهذا ا لإشكا ل أصلاً ، بعد ما عرفت من أنّ ا لمناسب من بين ا لمعاني إنّما هو خصوص هذا ا لمعنى .
1 ـ ا لكتاب ، سيبويه 2 : 365 ، اُنظر مختلف ا لشيعة 1 : 267 ، جواهر ا لكلام 2 : 171 . 2 ـ اُنظر مجمع ا لبحرين 4 : 196 ، مغني ا للبيب 1 : 142 . 3 ـ لقمان (31) : 31 ، مجمع ا لبحرين 4 : 196 . 4 ـ هود (11) : 14 ، مجمع ا لبحرين 4 : 196 . 5 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 342 . 6 ـ اُنظر ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 2 : 208 .
(الصفحة 448)
وبا لجملـة:فالإنصاف أنّ دلالـة ا لآيـة ا لشريفـة على ذلك ممّا لاشبهـة فيـه ولا ارتياب ، خصوصاً مع تفسير ا لإمام (عليه السلام) ا لآيـة بذلك في صحيحـة زرارة ; حيث قا ل : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : ألا تخبرني من أين علمت وقلت : إنّ ا لمسح ببعض ا لرأس وبعض ا لرجلين ؟ فضحك فقا ل : «يا زرارة قا لـه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ونزل بـه ا لكتاب من الله عزّ وجلّ ; لأنّ الله عزّ وجلّ قا ل : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُم)فعرفنا أنّ ا لوجـه كلّـه ينبغي أن يغسل» ثمّ قا ل : (وأَيْدِيَكُمْ إ لى الْمَرَافِقِ) ، فوصل اليدين إ لى ا لمرفقين با لوجـه ، فعرفنا أ نّـه ينبغي لهما أن يُغسلا إ لى ا لمرفقين ، ثمّ فصّل بين ا لكلام ، فقا ل : (وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ) ، فعرفنا حين قا ل : (بِرُؤُوسِكُمْ) أنّ ا لمسح ببعض ا لرأس لمكان ا لباء ، ثمّ وصل ا لرجلين با لرأس ، كما وصل ا ليدين با لوجـه ، فقا ل : (وأرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ) ، فعرفنا حين وصلهما با لرأس أنّ المسح على بعضهما ، ثمّ فسّر ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للناس فضيّعوه» ا لحديث(1) .
وهذه ا لروايـة تدلّ دلالـة واضحـة على مجيء كلمـة ا لباء بمعنى ا لتبعيض وكونـه هو ا لمراد في آيـة ا لوضوء على مايدلّ عليـه ظاهرها ; وذلك لأنّ ا لسؤال إنّما هو عن مدرك ا لحكم ; ومستند ا لقول بجواز ا لمسح ببعض ا لرأس ; بحيث لو ا لتفت إ ليـه من لايقول بإمامـة أئمّتنا ا لمعصومين ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ للزم عليـه ا لقول بذلك ، وجواب ا لإمام (عليه السلام) أيضاً إنّما هو مع قطع ا لنظر عن ا لتعبّد وحجّية قولهم ، فإنّـه مبنيّ على ما يستفاد من ا لآية بحسب معاني ألفاظها في ا للغة .
1 ـ ا لكافي 3 : 30 / 4 ، ا لفقيـه 1 : 56 / 212 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 61 / 168 ، الاستبصار 1 : 62 / 186 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 412 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 23 ، ا لحديث 1 .
(الصفحة 449)
وا لإنصاف : أنّ هذه ا لروايـة ـ مع قطـع ا لنظر عن حجّيّـة قول ا لأئمّة بمقتضى ا لمذهب ـ شهادة من ا لشخص ا لعارف بلسان ا لعرب على مجيء ا لباء بمعنى ا لتبعيض ، خصـوصاً مـع تصـديق ا لراوي ا لذي هـو كوفي(1) ، وهـذا ا لمقدار يكفي لنا بعد ما عرفت من عدم مناسبة سائر ا لمعاني ا لمذكورة لكلمة ا لباء للآية ا لشريفة .
وممّا يدلّ أيضاً على ا لمطلوب صحيحـة اُخرى لزرارة وبكير ، عن أبي جعفر (عليه السلام) فيما حكاه عن وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي ذيلها : «ثمّ قا ل : (وَا مْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ) فإذا مسح بشيء من رأسـه أو بشيء من قدميـه ، ما بين ا لكعبين إ لى أطراف ا لأصابع ، فقد أجزأه»(2) ا لحديث .
وروايـة اُخرى لهما أيضاً ، عن أبي جعفر (عليه السلام) أ نّـه قا ل في ا لمسح : «تمسح على ا لنعلين ، ولاتدخل يدك تحت ا لشراك ، وإذا مسحت بشيء من رأسك أو بشيء من قدميك ، ما بين كعبيك إ لى أطراف ا لأصابع ، فقد أجزأك»(3) .
ثمّ لايخفى أنّ مدلول هذه ا لروايات ، هو إجزاء ا لمسح ببعض ا لرأس وعدم وجوب استيعابـه بـه ، وأ مّا كفايـة ا لمسمّى ، أو لزوم ا لمسح بإصبع واحدة ، أو وجوب مسح مقدار ثلاث أصابع ، فلايستفاد شيء منها من هذه ا لروايات ; لأ نّها مسوقـة لبيان عدم وجوب ا لاستيعاب ، خصوصاً صحيحـة زرارة ا لطويلـة .
1 ـ رجا ل ا لطوسي : 201 / 90 . 2 ـ ا لكافي 3 : 25 / 5 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 76 / 191 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 389 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 15 ، ا لحديث 3 . 3 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 90 / 237 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 414 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب23 ، ا لحديث 4 .
(الصفحة 450)
نعم يستفاد منها ما عرفت من كون كلمـة ا لباء بمعنى «من» ، وحينئذ فيمكن ا لتمسّك بإطلاق ا لآيـة ا لشريفـة ـ ا لدالّـة على وجوب المسح ببعض الرأس ـ على كفايـة مجرّد ا لمسمّى طولاً وعرضاً ; لأنّ ا لمفروض أ نّها بصدد ا لبيان من جميع ا لجهات ، فإطلاقها من حيث ا لماسح وا لممسوح ، دليل على عدم كون شيء منهما محدوداً بحدّ بل ا لمدار على صدق ا لاسم ، وهو ا لذي نُسب إ لى ا لمشهور(1) .
حول الاستدلال على كفاية المسح بمقدار الإصبع
ثمّ إنّـه قد استدلّ(2) ـ لكفايـة مقدار ا لإصبع ; وعدم اعتبار ما زاد عليـه في عرض ا لرأس ـ بمرسلـة حمّاد ، عن أحدهما (عليهما السلام) : في ا لرجل يتوضّأ وعليـه ا لعمامة ؟ قا ل : «يرفع ا لعمامة بقدر ما يدخل إصبعه ، فيمسح على مقدّم رأسه»(3) .
وبروايتـه ا لاُخرى ، عن ا لحسين ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قا ل : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : رجل توضّأ وهو معتمّ ، فثقل عليـه نزع ا لعمامـة لمكان ا لبرد ؟ فقا ل : «ليدخل إصبعـه»(4) .
ولكن لايخفى ما في ا لاستدلال بهما من ا لضعف ; لأ نّـه ـ مضافاً إ لى أنّ ا لاُولى مرسلـة ، وا لثانيـة ضعيفـة ; لجها لـة ا لحسين ـ نقول : إنّهما مسوقتان لبيان أ نّـه لايجب رفع ا لعمامـة ، وكفايـة إدخا ل ا ليد من تحتها ، ولا تعرّض فيهما لبيان
1 ـ مدارك ا لأحكام 1 : 207 . 2 ـ جواهر ا لكلام 2 : 172 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 344 . 3 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 90 / 238 ، الاستبصار 1 : 60 / 178 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 416 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 24 ، ا لحديث 1 . 4 ـ ا لكافي 3 : 30 / 3 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 90 / 239 ، الاستبصار 1 : 61 / 183 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 416 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 24 ، ا لحديث 2 .
(الصفحة 451)
ا لمسح وا لمقدار ا لمجزي منـه أصلاً ، بل ا لظاهر كون ا لراوي عا لماً بهذه ا لجهـة ، وإنّما كان مورد شكّـه هي ا لجهـة ا لاُولى . وهذا واضح جدّاً .
الاستدلال على وجوب المسح بمقدار ثلاث أصابع
ثمّ إنّـه قد استُدلّ للقول بوجوب مسح مقدار ثلاث أصابع بروايات(1) :
منها :صحيحـة زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) : «ا لمرأة يجزيها من مسح ا لرأس أن تمسح مقدّمـه قدر ثلاث أصابع ، ولاتُلقي عنها خمارها»(2) .
بناءً على أ نّـه لا فرق بين ا لرجل وا لمرأة ، وذكرها إنّما هو من باب ا لمثا ل ، نظير ذكر ا لرجل في كثير من ا لأخبار ، ا لدالّـة على بيان ا لأحكام غير المختصّـة با لرجل قطعاً .
وأنت خبير : بما في هذا ا لاستدلال من ا لنظر ; لأ نّـه ـ مضافاً إ لى أنّ ذكر ا لمرأة ليس كذكر ا لرجل ، بل تخصيصها بـه في مقام بيان حكم من ا لأحكام ظاهر في اختصاصـه بها ، بخلاف ا لرجل ، كما لايخفى ـ يرد عليـه : أنّ ذيل ا لروايـة ، وهو قولـه (عليه السلام) : «لاتُلقي عنها خمارها» ، قرينـة واضحـة على أنّ ا لروايـة مسوقـة لبيان عدم وجوب إ لقاء ا لخمار ، وكفايـة ا لمسح على مقدّم ا لرأس من دون إ لقائـه ، ولا تعرّض فيها لبيان كيفيّـة ا لمسح من حيث ا لماسح وا لممسوح ، كما هو ظاهر .
ثمّ إنّ هنا احتمالاً آخر في معنى ا لروايـة ، لعلّـه أقوى من سائر ا لاحتمالات : وهو أن يكون قولـه (عليه السلام) «قدر ثلاث أصابع» ، بياناً لمقدّم ا لرأس
1 ـ اُنظر ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 2 : 210 ـ 211 . 2 ـ ا لكافي 3 : 30 / 5 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 77 / 195 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 416 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 24 ، ا لحديث 3 .
(الصفحة 452)
ا لذي يجب مسحـه ، لا وصفاً للمسح ا لمقدّر ا لذي هو مفعول مطلق لقولـه «أن تمسح» ، فيكون معنى ا لرواية : أنّ ا لمرأة يُجزيها من مسح ا لرأس أن تمسح مقدّمـه ، ا لذي هو قدر ثلاث أصابع ، وهو ا لمقدار ا لظاهر ا لذي يكون خارجاً من ا لخمار ; إذ ا لخمار ا لمتعارف فيما بين نساء ا لعرب ، كان يستر جميع ا لرأس عدا هذا ا لمقدار من مقدّمـه ـ كما هو ا لمتداول ا لآن أيضاً ـ فا لمعنى ـ حينئذ ـ كفايـة ا لمسح على ا لناصيـة بدل ا لمسح على ا لرأس ، ولا دلالـة فيها على وجوب مسح جميع مقدار ثلاث أصابع ; لأ نّـه لا تعرّض فيها من هذه ا لجهـة ، بل محطّ ا لنظر فيها قيام ذلك ا لمقدار مقام ا لرأس في كفايـة ا لمسح عليـه .
وا لذي يؤيّد هذا ا لاحتما ل ، بل يدلّ عليـه : أنّ كلمـة «يُجزي منـه أو عنـه» لاتستعمل إلاّ فيما إذا كان ا لمقصود بيان قيام شيء مقام شيء آخر وإغنائـه عنـه . قا ل في «ا لمنجد» «أجزى ا لأمر منـه أو عنـه : قام مقامـه وأغنى عنـه»(1) .
وحينئذ فلو كان قوله (عليه السلام) : «قدر ثلاث أصابع» ، وصفاً للمسح ا لمقدّر يصير معنى ا لرواية : ا لمرأة يُجزيها من مسح ا لرأس ، أن تمسح مقدّمـه مسحاً قدر ثلاث أصابع ، ولازمـه أن يكون ا لواجب في ا لأصل هو مسح جميع ا لرأس ; حتّى يكون مسح ذلك ا لمقدار قائماً مقامـه ومُغنياً عنـه ، مع أنّ ضرورة فقـه ا لإماميّـة على خلافـه .
وهـذا بخـلاف ا لمعنى ا لـذي ذكرنا ، فإنّـه يرجـع إ لى قيام مقدّم ا لرأس ا لذي هو قدر ثلاث أصابع ـ مقام موضع مسح ا لرأس ، ا لذي كان ا لمسح عليـه واجباً في ا لأصل .
1 ـ ا لمنجد : 90 .
(الصفحة 453)
ويؤيّده أيضاً : ما روي عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قا ل : «لاتمسح ا لمرأة با لرأس كما يمسح ا لرجا ل ، إنّما ا لمرأة إذا أصبحت مسحت رأسها وتضع ا لخمار عنها ، وإذا كان ا لظهر وا لعصر وا لمغرب وا لعشاء تمسح بناصيتها»(1) .
فإنّها أيضاً تدلّ على جواز ا لمسح با لناصيـة للمرأة ، كما تدلّ عليـه ا لروايـة ا لمتقدّمـة بناءً على ا لمعنى ا لذي ذكرنا .
ومنها :روايـة معمّر بن عمر ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قا ل : «يجزي من ا لمسح على ا لرأس موضع ثلاث أصابع ، وكذلك ا لرجل»(2) .
ويرد على ا لاستدلال بها : ما عرفتـه من ا لاحتما ل ا لأخير ا لجاري في ا لروايـة ا لمتقدّمـة ، مضافاً إ لى أنّ ظهور كلمـة «يُجزي» في كون فاعلها أقلّ ا لمجزي ممنوع ، كما عرفت في بعض ا لمباحث ا لسابقـة(3) .
ومنها :ما ورد في بعض ا لروايات ا لحاكيـة لوضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : من أنّ أبا جعفر (عليه السلام) ، بعد حكايتـه لوضوئـه (صلى الله عليه وآله وسلم) قا ل : «إنّ الله وتر يحبّ ا لوتر ، فقد يجزيك من ا لوضوء ثلاث غرفات : واحدة للوجـه واثنتان للذراعين ، وتمسح ببلّـة يمناك ناصيتك»(4) ا لحديث .
ولكن لايخفى أنّ ا لمقصود منـه بيان كون ا لمسح ببلّـة ا ليمنى في قبا ل
1 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 77 / 194 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 414 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب23 ، ا لحديث 5 . 2 ـ ا لكافي 3 : 29 / 1 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 417 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب24 ، ا لحديث 5 . 3 ـ تقدّم في ا لصفحـة 334 ـ 335 . 4 ـ ا لكافي 3 : 25 / 4 ، ا لفقيـه 1 : 24 / 74 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 387 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 15 ، ا لحديث 2 .
(الصفحة 454)
ا لعامّـة ا لقائلين باستحباب ا لمسح با لماء ا لجديد(1) ، ولا نظر فيها إ لى وجوب مسح جميع ا لناصيـة أو بعضها .
ثمّ إنّـه ظهر لك ممّا تقدّم : أ نّـه كما لايدلّ شيء من ا لروايات ا لمتقدّمـة على وجوب ا لمسح مقدار ثلاث أصابع ، كذلك لايدلّ على ا لاستحباب ; لأ نّها مسوقـة لبيان حكم آخر ، ولا دلالـة لها على هذا ا لمعنى أصلاً . نعم لو قلنا بذلك فا لظاهر كون استحباب ذلك با لنسبـة إ لى عرض ا لرأس فيتحقّق ا لعمل بالاستحباب بمجرّد وضع ثلاث أصابع في عرض ا لرأس وإن اكتفى في جانب ا لطول بمجرّد ا لمسمّى ، نعم ا لأحوط مراعاتـه في طرف ا لطول أيضاً .
ولو قلناباستحباب مسح مقدار الثلاث في طول الرأس ، فلاإشكال في أنّه لو أوجد مسح هذا المقدار دفعة يتّصف هذا المسح الخارجي بالوجوب وأ مّا لو أوجده تدريجاً بأن وضع رأس إصبعـه على ا لرأس وأمرّها إ لى جهـة ا لطول فهل يتّصف المجموع بكونه أفضل أفراد الواجب ، أو يتّصف ماعدا مقدار أقلّ الواجب بالاستحباب؟
وتظهـر ا لثمرة فيما لو بدا لـه إتمام مقدار ا لثلاث بعد فراغـه منـه عرفاً ، فعلى ا لأوّل لا مجا ل لـه بعد حصول إطاعـة ا لواجب ، وانتفاء ا لأمر الاستحبابي ، بخلاف ا لثاني .
التحقيق في المقام
وا لتحقيق أن يقا ل باتّصاف ما عدا مقدار ا لمسمّى بالاستحباب ; لعدم معقوليّـة أفضل أفراد ا لواجب بحسب ا لقواعد .
1 ـ اُنظر ا لخلاف 1 : 80 ، ا لمسأ لـة 28 ، بدايـة ا لمجتهد 1 : 13 ، ا لمغني ، ابن قدامـة 1 : 117 ، ا لمجموع 1 : 401 .
(الصفحة 455)
توضيحـه : أ نّـه إذا تعلّق ا لأمر با لطبيعـة أو بأفـراد ا لعامّ ، فلا إشكا ل فـي عـدم سـرايـة ا لأمـر من ا لطبيعـة إ لى ا لأفراد علـى ا لأوّل ، بل يكـون متعلّقـه هـي نفس ا لطبيعـة ، وا لأفـراد لاتكـون مطلوبـة حتّى يكـون بعضها أفضـل مـن ا لبعض ا لآخر .
وعلى ا لثاني لا إشكا ل في أنّ نسبـة ا لأمر إ لى أفراد ا لعامّ إنّما تكون على نهج واحد ; إذ لايعقل ترجيح بعض ا لأفراد على ا لبعض ا لآخر بنفس ذلك ا لأمر ، بل لابدّ من تعلّق أمر استحبابي آخر حتّى يستفاد منـه ا لأفضليّـة .
وحينئذ نقول : إن كان متعلّق ا لأمر الاستحبابي هو نفس متعلّق ا لأمر ا لوجوبي ، فلا شبهـة في استحا لـة ذلك كما هو واضح ، فلابدّ إمّا أن يكون متعلّقـه عنواناً آخر متصادقاً عليـه في ا لوجود ا لخارجي في بعض ا لموارد ، أو نفس متعلّق ا لأمر ا لوجوبي مقيّداً بقيد زائد ـ بناءً على دخول ا لعامّين مطلقاً في محلّ ا لنزاع ; في جواز اجتماع ا لأمر وا لنهي ا لمعنون في ا لاُصول ـ فيجري فيـه ا لقول با لجواز لو قيل بـه في سائر ا لموارد ، وعلى ا لتقديرين يكون ا لاستحباب مستنداً إ لى تصادق عنوان آخر عليـه ، ولايوجب ذلك ترجيحاً لـه با لنسبـة إ لى ا لأمر ا لوجوبي ا لمتعلّق با لجميع .
نعم يمكن أن يقا ل بإمكان أن يكون للمولى أغراض بالإضافـة إ لى طبيعـة واحدة ; بعضها واجب ا لتحصيل دون ا لبعض ا لآخر ، وكانت أفراد ا لطبيعـة أيضاً مختلفـة ; بعضها مؤثّر في حصول خصوص ا لغرض ا لذي يجب تحصيلـه ، وبعضها يترتّب عليـه ا لغرض ا لآخر أيضاً ، واستكشاف ذلك إنّما هو من ا لأمر ا لذي يرشد إ لى ا لإتيان ـ في مقام امتثا ل ا لأمر با لطبيعـة ـ بذلك ا لفرد ا لذي يؤثّر في حصول أغراض ا لمولى بتمامها . هذا ، ولكن ذلك لايوجب أيضاً تحقّق عنوان أفضل أفراد ا لواجب ، فتأ مّل .
(الصفحة 456)
في إلقاء المرأة خمارها في وضوء الصلاة
ثمّ إنّـه حكي(1) عن ظاهر ا لصدوقين(2) وا لشيخين(قدس سرهم) (3) وجوب إ لقاء ا لخمار عن ا لمرأة في وضوء صلاة ا لصبح وا لمغرب .
وصرّح بعض باستحبابه لها فيهما(4) ، أو في خصوص صلاة ا لغداة خاصّة(5) .
وعن آخر استحبابـه لها في جميع ا لصلوات(6) .
ومدرك ا لمسأ لـة ما رواه ا لصدوق في «ا لخصا ل» ، عن جابر ا لجُعفي ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قا ل : «ا لمرأة لاتمسح كما تمسح ا لرجا ل ، بل عليها أن تُلقي ا لخمار عن موضع مسح رأسها في صلاة ا لغداة وا لمغرب ، وتمسح عليـه ، وفي سائر ا لصلاة تدخل أصبعها فتمسح على رأسها من غير أن تلقي عنها خمارها»(7) ، وا لروايـة ا لمتقدّمـة ا لدالّـة على وجوب وضع الخمار ومسح الرأس في صلاة الصبح ، وا لاكتفاء با لمسح على ا لناصيـة في سائر ا لصلوات(8) .
1 ـ ا لحـدائق ا لناضـرة 2 : 273 ، جـواهـر ا لكـلام 2 : 174 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 356 ـ 357 . 2 ـ ا لفقيـه 1 : 30 / 99 ، ا لمقنع : 15 . 3 ـ ا لمقنعـة : 45 ، ا لمبسوط 1 : 22 . 4 ـ ذكرى ا لشيعـة 2 : 141 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 356 . 5 ـ مشارق ا لشموس : 115 / ا لسطر 2 ، اُنظر ا لحدائق ا لناضرة 2 : 273 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 356 . 6 ـ ا لمعتبر 1 : 146 ، منتهى ا لمطلب 1 : 61 / ا لسطر 20 ، اُنظر جواهر ا لكلام 2 : 174 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 356 . 7 ـ ا لخصا ل : 585 / 12 . 8 ـ تقدّم في ا لصفحـة 452 ـ 453 .
(الصفحة 457)
وأنت خبير : بأنّ مدلول ا لروايتين ليس وجوب وضع ا لخمار بنفسـه أو استحبابـه كذلك ، بل ظاهرهما كون وضعـه مقدّمـة لتحقّق ا لمسح على ا لرأس ، ا لواجب عليها لولا ا لخمار ، فذكر إ لقاء ا لخمار تمهيد لذلك .
وبا لجملـة:فمفاد ا لروايتين وجوب ا لمسح على مقدّم ا لرأس ا لذي هو فوق ا لناصيـة على ا لمرأة في صلاة ا لصبح ، أو هي مع ا لمغرب ، أو استحبابـه وكفايـة مسحها في سائر ا لصلاة ، ويستفاد منهما أنّ ا لواجب أو ا لمستحب للرجا ل أيضاً مسح فوق ا لناصيـة ، ولا دلالـة لهما على ا لمقام ، وهو وجوب إ لقاء ا لخمار بنفسـه أو استحبابـه أصلاً .
ثمّ إنّ في مسح ا لرأس أحكاماً اُخر :
الحكم الأوّل: اختصاص موضع المسح بمقدّم الرأس
وا لتحقيق فيـه : أنّ ا لمستفاد من ا لآيـة ا لشريفـة ـ ولو بضميمـة ا لروايـة ا لمتقدّمـة ا لواردة في تفسيرها(1) ـ هو وجوب مسح بعض ا لرأس ، وحيث إنّها بصدد بيان ا لوضوء وكيفيّتـه ، فإطلاقها من هذه ا لجهـة ، يدلّ على كفايـة ا لمسح بكلّ بعض من أبعاض ا لرأس ; بلا فرق بين ا لمقدّم وا لمؤخّر وا لجانبين أصلاً ، ولو لم يكن في ا لبين دليل آخر من نصّ أو إجماع ، لم يكن بدّ من ا لأخذ بإطلاق ا لآيـة وا لقول بعدم ا لفرق بين أبعاضـه ، وا لظاهر أ نّـه ليس هنا دليل يدلّ بإطلاقـه على ذلك سوى ا لآيـة ا لشريفـة ; لأنّ ا لروايات ا لدالّـة على أنّ المسح ببعض الرأس ، مسوقـة لبيان حكم آخر ، مثل روايـة زرارة ا لمتقدّمـة ا لواردة في تفسير ا لآيـة(2) ،
1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 448 . 2 ـ تقدّم في ا لصفحـة 448 .
(الصفحة 458)
ا لمسوقـة لبيان ا لاستدلال على عدم وجوب ا لاستيعاب ، وغيرها من ا لروايات ا لاُخر ، ومثل ا لروايتين ا لمتقدّمتين في مسأ لـة كفايـة ا لمسح با لبعض ا للتين رواهما زرارة وبكير عن أبي جعفر(عليه السلام) (1) .
وبا لجملـة : فالإطلاق إنّما يستفاد من خصوص ا لآيـة ا لشريفـة .
أدلّة اختصاص المسح بمقدّم الرأس
ولكن ا لظاهر عدم ا لخلاف في اختصاص موضع ا لمسح بمقدّم ا لرأس ، ويدلّ عليـه أخبار كثيرة :
منها :روايـة محمّد بن مسلم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ،قا ل : «مسح ا لرأس على مقدّمـه»(2) .
ومنها :روايـة اُخرى لـه أيضاً قا ل : قا ل أبوعبدالله (عليه السلام) : «امسح ا لرأس على مقدّمـه»(3) .
وفي بعض ا لنسخ بدل قولـه : «امسح» ذكر «ا لمسح» ، كما في ا لروايـة ا لاُولى(4) .
وعلى تقدير أن يكون «امسح» فتقييد إطلاق ا لآيـة بها بمجرّدها مشكل ; لأنّ ا لبعث لاينافي ا لاستحباب لعدم اختلاف ا لبعث في ا لوجوب وا لاستحباب
1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 449 . 2 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 62 / 171 ، الاستبصار 1 : 60 / 176 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 410 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 22 ، ا لحديث 1 . 3 ـ ا لكافي 3 : 29 / 2 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 410 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب22 ، ا لحديث 2 . 4 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 91 / 241 .
(الصفحة 459)
أصلاً ، وإ لزام ا لعقل ا لعبد بإتيان ا لمبعوث إ ليـه ، إنّما هو لكونـه بمجرّده حجّـة عليـه تحتاج إ لى ا لجواب ، وهنا يكون ا لإطلاق دليلاً على عدم ا لوجوب ، ويصحّ للعبد ا لاحتجاج بـه على ا لمولى ، كما لايخفى . نعم ا لروايـة ا لاُولى ا لظاهرة في أنّ ا لمسح ا لواجب في ا لوضوء إنّما هو ا لمسح على ا لمقدّم مقيّدة للإطلاق بلا إشكا ل .
ومنها :مرسلـة حمّاد ، عن أحدهما (عليهما السلام) : في ا لرجل يتوضّأ وعليـه ا لعمامـة ؟ قا ل : «يرفع ا لعمامـة بقدر ما يدخل إصبعـه فيمسح على مقدّم رأسـه»(1) .
وا لروايـة ـ مضافاً إ لى كونها مرسلـة ـ مخدوشـة من حيث ا لدلالـة ; لعدم دلالتها على وجوب ا لمسح على مقدّم ا لرأس ; لكونها مسوقـة لبيان عدم وجوب رفع ا لعمامـة .
ومنها :روايـة زرارة ا لواردة في نقل ما حكاه أبو جعفر (عليه السلام) من وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث قا ل بعد ذكر ا لغسلتين : «ومسح مقدّم رأسـه»(2) .
ومنها :روايـة علي بن يقطين ا لمحكيّـة عن «إرشاد ا لمفيد» ، وفيها بعد أمره (عليه السلام) با لوضوء على وجـه ا لتقيّـة ، وفعلـه كما أمره (عليه السلام) ، وصلاح حا لـه عند ا لرشيد ، أ نّـه كتب إ ليـه : «يا عليّ توضّأ كما أمر الله تعا لى ; اغسل وجهك مرّة واحدة فريضـة ، واُخرى إسباغاً ، واغسل يديك من ا لمرفقين ، وامسح مقدّم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك ، فقد زال ما كنّا نخاف عليك»(3) .
1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 450 . 2 ـ ا لكافي 3 : 25 / 4 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 388 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب15 ، ا لحديث 2 . 3 ـ ا لإرشاد ، ضمن مصنّفات ا لشيخ ا لمفيد 11 ، ا لجزء ا لثاني : 227 ـ 229 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 444 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 32 ، ا لحديث 3 .
(الصفحة 460)
وقولـه (عليه السلام) : «امسح مقدّم رأسك» وإن لم يدلّ على ا لوجوب بمجرّده ـ بحيث يقيّد بـه إطلاق ا لآيـة ـ إلاّ أنّ سياق ا لروايـة ، خصوصاً بملاحظـة قولـه (عليه السلام) : «توضّأ كما أمر الله» ، يقتضي كونـه للوجوب ، إلاّ أنّ سند ا لروايـة مخدوش ; من حيث إنّـه لايمكن للمفيد أن يروي عن محمّد بن إسماعيل من دون واسطـة ، لو كان ا لمراد بـه هو محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، مضافاً إ لى أنّ محمّد بن ا لفضل ـ ا لذي روى عنـه محمّد بن إسماعيل ـ مشترك بين ا لثقـة وغيرها(1) .
وظاهر بعض ا لروايات يدلّ على عدم وجوب ا لمسح على مقدّم ا لرأس ، وعدم اختصاص موضعـه بـه :
منها :روايـة حسين بن عبدالله ، قا ل : سأ لت أباعبدالله (عليه السلام) عن ا لرجل يمسح رأسـه من خلفـه وعليـه عمامـة بإصبعـه ، أيجزيـه ذلك ؟ فقا ل : «نعم»(2) .
قا ل ا لشيخ (قدس سره) : لايمتنع أن يدخل إصبعـه من خلفـه ، ويمسح على مقدّمـه(3) .
أقول : هذا ا لحمل بعيد جدّاً فالأولى حملها على ا لتقيّـة ، مضافاً إ لى عدم كونها صحيحـة من حيث ا لسند(4) .
ومنها : روايـة ا لحسين بن أبي ا لعلا ، قا ل : سأ لت أباعبدالله (عليه السلام) عن ا لمسح على ا لرأس ؟ فقا ل : «كأ نّي أنظر إ لى عُكْنـة في قفاء أبى يمرُّ يده عليها» . وسأ لتـه عن ا لوضوء بمسح ا لرأس مقدّمـه ومؤخّره ؟ فقا ل : «كأ نّي أنظر إ لى عُكْنـة في
1 ـ اُنظر هدايـة ا لمحدّثين : 249 . 2 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 90 / 240 ، الاستبصار 1 : 60 / 179 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 411 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب22 ، ا لحديث 4 . 3 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 91 / 240 . 4 ـ اُنظر هدايـة ا لمحدّثين : 194 .
|