(الصفحة 461)
رقبـة أبي يمسح عليها»(1) .
ويمكن حملها على وجوب مسح جميع ا لرأس ، فتكون مخا لفـة لضرورة فقـه ا لإماميّـة ، فلابدّ من حملها على ا لتقيّـة .
ومنها :روايـة اُخرى لـه أيضاً ، قا ل : قا ل أبوعبدالله (عليه السلام) : «إمسح ا لرأس على مقدّمـه ومؤخّره»(2) .
وظاهرها أيضاً وجوب مسح ا لجميع فلابدّ من ا لحمل على ا لتقيّـة .
ومنها :غير ذلك من ا لروايات ا لاُخر ا لمحمولـة على ا لتقيّـة أو ا لمؤوّلـة(3) .
وبا لجملـة:فلا إشكا ل ـ كما لا خلاف ـ في اختصاص موضع مسح ا لرأس بمقدّمـه ، ولا إشكا ل أيضاً في أنّ ا لمراد بمقدّم ا لرأس ، هو معناه ا لعرفي ا لذي هو ربع ا لرأس تقريباً ، وعليـه يكون أوسع مـن ا لناصيـة ا لتي هـي ما بيـن ا لنَّزَعَتين من ا لشعر .
وقد يتوهّم : وجوب مسح خصوص ا لناصيـة(4) لبعض ا لروايات مثل روايـة زرارة ا لمتقدّمـة في ا لمسأ لـة ا لسابقـة ا لدالّـة على أ نّـه تمسح ببلّـة يمناك ناصيتك(5) ، وروايـة حسين بن علي بن ا لحسين ، عن أبيـه ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ا لمتقدّمـة ، ا لدالّـة على وجوب وضع ا لخمار عن ا لرأس في وضوء صلاة ا لصبح ،
1 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 91 / 242 ، الاستبصار 1 : 61 / 180 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 411 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 22 ، ا لحديث 5 . 2 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 62 / 170 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 412 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 22 ، ا لحديث 6 . 3 ـ ا لكافي 3 : 72 / 11 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 412 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب22 ، ا لحديث 7 . 4 ـ ا لحدائق ا لناضرة 2 : 254 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 361 . 5 ـ تقدّم في الصفحـة 453 .
(الصفحة 462)
وا لمسح با لناصيـة في سائر ا لصلوات(1) .
ولكنّـه لايخفى أنّ ا لروايـة ا لاُولى مسوقـة لبيان وجوب كون ا لمسح ببلّـة ا ليمنى ، لا وجوب كونـه على ا لناصيـة ، وعلى تقدير كونها في مقام ا لبيان من هذه ا لجهـة أيضاً ، لايمكن ا لأخذ بظاهرها ا لدالّ على وجوب مسح مجموع ا لناصيـة ، كما هو ظاهر ، وا لروايـة ا لثانيـة على خلاف مطلوبهم أدلّ ; لأنّ ظاهرها أنّ ا لمسح على ا لناصيـة ، إنّما هو فيما اقتضت ا لضرورة ، وا لكُلفـة ا لحاصلـة بإلقاء ا لخمار تعذّر ا لمسح على ما فوقها ، فظاهرها أنّ ا لموضع ا لأصلي هو مسح ما فوق ا لناصيـة ، ولذا ذكرنا سابقاً : أنّ مفاد هذه ا لروايـة وجوب ا لمسح على ما فوقها على ا لرجا ل أو استحبابـه(2) ، كما لايخفى .
فا لروايتان أجنبيّتان عن ا لدلالـة على مسح خصوص ا لناصيـة ، فلايصحّ أن يقيّد بهما إطلاق أدلّـة وجوب ا لمسح على مقدّم ا لرأس .
وأضعف من ذلك تفسير ا لناصية با لمقدّم ـ كما حكاه صاحب «ا لحدائق» عن بعض معاصريـه(3) ـ لظهور أ نّها ـ بحسب ا للغة ـ أخصّ من مقدّم ا لرأس ، وا لتمسّك لذلك با لروايتين فيـه ما عرفت ، بل ا لروايـة ا لثانيـة صريحـة في خلاف ذلك .
الحكم الثاني: وجوب المسح بنداوة الوضوء
يجب أن يكون ا لمسح بنداوة ا لوضوء ، ولايجوز استئناف ماء جديد ، وهذه ا لمسأ لـة من ا لمسائل ا لمهمّـة ا لتي وقع ا لخلاف فيها بين ا لمسلمين ا لعامّـة
1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 452 ـ 453. 2 ـ تقدّم في ا لصفحـة 457 . 3 ـ ا لحدائق ا لناضرة 2 : 254 ـ 257 .
(الصفحة 463)
وا لخاصّـة ، فإنّ ا لمحكيّ(1) عن أهل ا لخلاف : أ نّهم أوجبوا ا لمسح بماء جديد(2) إلاّ ما لك ، فإنّـه حكم باستحباب ذلك وجواز غيره(3) .
ولكن ا لمشهور ـ بل ا لمجمع عليـه بين ا لشيعـة ـ خلاف ذلك(4) ; وأ نّـه لايجوز ا لمسح بماء جديد . نعم قد نُسب إ لى ابن ا لجُنَيد ا لخلاف(5) .
أدلّة لزوم المسح بنداوة الوضوء
ولكن ا لأخبار ا لواردة عن ا لعترة ا لطاهرة ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ مستفيضـة بل متواترة كلّها تدلّ على لزوم ا لمسح بنداوة ا لوضوء :
منها :ما في غير واحد من ا لأخبار ا لبيانيّـة من ا لتصريح : بأ نّـه (عليه السلام) مسح رأسـه ببلّـة يده ، أو بفضل يديـه ، أو ببلل كفّـه ، أو بغيرها من ا لعبارات ، فإنّ ذكر هذه ا لخصوصيّـة يدلّ على كونها مقصودة للرواة ; بحيث كانوا بصدد بيانها ، بل في بعضها وقع ا لتصريح بأ نّـه «لم يُحدث لهماـ يعني لمسح ا لرأس وا لقدمين ـ ماءً جديداً»(6) .
ولكن يمكن أن يقا ل : إنّ ذكر هذه ا لخصوصيّـة في مقابل ا لفتوى بوجوب
1 ـ ا لخلاف 1 : 80 ، ا لمسأ لـة 22 ، جواهر ا لكلام 2 : 181 . 2 ـ سنن ا لترمذي 1 : 26 ، بدايـة ا لمجتهد 1 : 13 ، ا لمغني ، ابن قدامـة 1 : 117 ، ا لشرح ا لكبير ، ذيل ا لمغني 1 : 138 ، ا لمجموع 1 : 401 . 3 ـ ا لخلاف 1 : 80 ، ا لمسألـة 28 . 4 ـ ا لانتصار : 19 ـ 20 ، ا لخلاف 1 : 80 ـ 81 ، ذكرى ا لشيعـة 2 : 138 ، جامع ا لمقاصد 1 : 222 ، جواهر ا لكلام 2 : 181 . 5 ـ ا لمعتبر 1 : 147 ، مختلف ا لشيعـة 1 : 128 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 364 ـ 365 . 6 ـ وسائل ا لشيعـة 1 : 392 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 15 ، ا لحديث 11 .
(الصفحة 464)
كونـه بماء جديد ، لايدلّ إلاّ على مجرّد جواز كون ا لمسح بنداوة ا لوضوء وعدم لزوم استئناف ماء جديد ، وأ مّا تعيّن ذلك ـ كما هو ا لمطلوب ـ فلايستفاد منها أصلاً .
وا لتمسّك لإثبات ا لتعيّن(1) بقولـه (عليه السلام) في ذيل بعض هذه ا لروايات ـ : «إنّ هذا وضوء لايقبل الله ا لصلاة إلاّ بـه»(2) ، قد عرفت ما فيـه سابقاً : من أنّ ا لصدوق ذكرها في «ا لفقيـه» في ذيل روايـة اُخرى ; حيث قا ل فيها : قا ل ا لصادق (عليه السلام) : «إنّـه ما كان وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلاّ مرّة مرّة ، وتوضّأ ا لنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مرّة مرّة فقا ل : هذا وضوء لايقبل الله ا لصلاة إلاّ بـه»(3) ، وحينئذ فا لمشار إ ليـه بكلمـة «هذا» هو ا لوضوء مرّة مرّة ، فلا ربط لها با لمقام .
ومنها :ما في خبر زرارة من أنّ أبا جعفر (عليه السلام) قا ل : «إنّ الله وتر يحبّ ا لوتر ، فقد يُجزيك من ا لوضوء ثلاث غرفات : واحدة للوجـه ، واثنتان للذراعين ، وتمسح ببلّـة يمناك ناصيتك ، وما بقي من بلّـة يمينك ظهر قدمك ا ليمنى ، وتمسح ببلّـة يسارك ظهر قدمك ا ليسرى»(4) ا لحديث .
وأنت خبير : بأنّ ا لمستفاد من هذه ا لروايـة جواز ا لمسح ببلّـة ا ليد ; لأنّ ا لتعبير بكلمـة «يُجزيك» يدلّ على كفايـة هذا ا لأمر ، ولاينافي كفايـة غيره لو لم نقل بظهوره في ذلك ، خصوصاً مع ا لتعبير : بأنّ الله وتر يحب ا لوتر ، ا لظاهر في مجرّد محبوبيّـة ذلك ، وخصوصاً مع وقوعـه مقابلاً لفتوى ا لعامّـة بوجوب خلافـه ، كما هوظاهر .
ومنها :روايـة علي بن يقطين ا لمتقدّمـة ـ ا لمحكيّـة عن «إرشاد ا لمفيد» ـ
1 ـ اُنظر مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 367 . 2 ـ وسائل ا لشيعـة 1 : 438 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 31 ، ا لحديث 11 . 3 ـ تقدّم في ا لصفحـة 422 . 4 ـ تقدّم في ا لصفحـة 453 ، 459 .
(الصفحة 465)
ا لمشتملـة على ا لأمر با لمسح بنداوة ا لوضوء ; حيث قا ل (عليه السلام) : «وامسح مقدّم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك»(1) .
فإنّ مجرّد ا لبعث إ لى ا لمسح بنداوة ا لوضوء ، وإن لم يكن ظاهراً في ا لوجوب ـ على ما تقدّم ـ فلايصحّ أن يقيّد بـه إطلاق ا لآيـة ا لشريفـة ، ا لدالّـة على مجرّد وجوب ا لمسح ببعض ا لرأس ; من غير تقييد بكونـه بنداوة ا لوضوء ، إلاّ أنّ قولـه في ا لصدر : «توضّأ كما أمر الله تعا لى» ظاهر في أنّ ا لوضوء ا لمأمور بـه من الله تعا لى ،عبارة عمّا بيّنـه (عليه السلام) بقولـه بعد ذلك ، فغيره لايكون مأموراً بـه أصلاً ، إلاّ أ نّك عرفت أنّ سند ا لروايـة مخدوش(2) .
ومنها :صحيحـة عمر بن اُذينـة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ا لمتضمّنـة لقصّـة وضوء ا لنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لما اُسري بـه إ لى ا لسماء ، وفيها : «ثمّ أوحى الله إ ليـه : أن اغسل وجهك ، فإنّك تنظر إ لى عظمتي ، ثمّ اغسل ذراعيك ا ليمنى وا ليسرى ، فإنّك تلقى بيدك كلامي ، ثمّ امسح رأسك بفضل ما بقي في يدك من ا لماء»(3) ، وقولـه (عليه السلام) : «امسح» وإن كان مجرّد بعث لاينافي ا لاستحباب ، إلاّ أنّ قرينـة ا لسياق تقتضي ا لحمل على ا لوجوب ، كما هو ظاهر .
ومنها :رواية خلف بن حمّاد ، عمن أخبره ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قا ل : قلت له : ا لرجل ينسى مسح رأسه وهو في ا لصلاة ؟ قا ل : «إن كان في لحيته بلل فليمسح به» . قلت : فإن لم يكن له لحية ؟ قا ل : «يمسح من حاجبيه أوأشفار عينيه»(4) .
1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 459 . 2 ـ تقدّم في ا لصفحـة 460 . 3 ـ ا لكافي 3 : 485 / 1 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 390 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب15 ، ا لحديث 5 . 4 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 59 / 165 ، الاستبصار 1 : 59 / 175 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 407 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 21 ، ا لحديث 1 .
(الصفحة 466)
وهذه ا لروايـة ـ مضافاً إ لى كونها مخدوشـة من حيث ا لسند(1) ـ لاتدلّ على تعيّن ذلك ; لاحتما ل أن يكون وجوب ا لمسح ببلل ا للحيـة لكونـه في ا لصلاة ; إذ ـ حينئذ ـ لايكون قادراً على ا لمسح با لماء ا لجديد نوعاً ، كما هو واضح .
ومنها :صحيحـة ا لحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قا ل : «ويكفيك من مسح رأسك أن تأخذ من لحيتك بللها إذا نسيت أن تمسح رأسك فتمسح به مقدّم رأسك»(2) .
ودلالتها على ا لمدّعى ممنوعـة ، كما هو ظاهر .
ومنها :روايـة زرارة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) : في ا لرجل ينسى مسح رأسـه حتّى دخل في ا لصلاة ؟ قا ل : «إن كان في لحيتـه بلل بقدر ما يمسح رأسـه ورجليـه ، فلْيفعل ذلك ولْيصلِّ»(3) ا لحديث .
ودلالتها على ا لمطلوب أيضاً ممنوعـة .
ومنها :روايـة ما لك بن أعين ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قا ل : «من نسي مسح رأسـه ، ثمّ ذكر أ نّـه لم يمسح رأسـه ، فإن كان في لحيتـه بلل فلْيأخذ منـه ولْيمسح رأسـه ، وإن لم يكن في لحيتـه بلل فلْينصرف وَلْيُعد ا لوضوء»(4) .
1 ـ رواها ا لشيخ ا لطوسي بإسناده ، عن سعد بن عبدالله ، عن موسى بن جعفر بن وهب ، عن ا لحسن بن علي ا لوشاء ، عن خلف بن حمّاد ، عمن أخبره . وا لروايـة مضافاً إلى إرسا لها ضعيفـة بموسى بن جعفر ; فإنّـه إمامي مجهول . راجع رجال النجاشي: 406 /1077 ، رجال الطوسي: 449 /127، الفهرست: 162 /717. 2 ـ ا لكافي 3 : 34 / 3 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 101 / 263 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 408 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 21 ، ا لحديث 2 . 3 ـ تهذيب ا لأحكام 2 : 89 / 235 ، ا لاستبصار 1 : 74 / 229 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 408 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 21 ، ا لحديث 3 . 4 ـ تهذيب ا لأحكام 2 : 201 / 788 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 409 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 21 ، ا لحديث 7 .
(الصفحة 467)
ودلالتها على ا لمطلوب قويّـة جدّاً .
واحتمال : كون ا لأمر بالإعادة لفوات ا لموالاة في صورة ا لجفاف(1) .
مدفوع : بأنّ فوتها لايدور مدار ا لجفاف ، بل يمكن تحقّقها بدونـه ، كما يمكن ا لعكس ، بل هو ا لواقع غا لباً في بلد ا لمدينـة ونظائرها من ا لبلاد ا لحارّة .
ومنها :مرسلـة ا لصدوق ، قا ل : قا ل ا لصادق (عليه السلام) : «إن نسيت مسح رأسك فامسح عليـه وعلى رجليك من بلّـة وضوئك ، فإن لم يكن بقي في يدك من نداوة وضوئك شيء ، فخذ ما بقي منـه في لحيتك ، وامسح بـه رأسك ورجليك ، وإن لم يكن لك لحيـة فخذ من حاجبيك وأشفار عينيك ، وامسح بـه رأسك ورجليك ، فإن لم يبقَ من بِلّـة وضوئك شيء أعدت ا لوضوء»(2) .
ودلالتها أيضاً على ا لمدّعى واضحـة ; لأ نّـه لا مجا ل لهذه ا لتكلّفات لو كان ا لمسح با لماء ا لجديد جائزاً .
وا لاحتما ل ا لمذكور في ا لروايـة ا لسابقـة مدفوع بما تقدّم .
وا لخدشـة في سندها بأ نّها مرسلـة ، مدفوعـة : بأنّ هذا ا لنحو من ا لمرسلات ، ا لتي اُسند مضمونها إ لى ا لإمام (عليه السلام) من غير إسناد إ لى ا لروايـة وا لنقل ، لايقصر عن ا لمسندات ، بل يكون هذا ا لنحو شهادة بوثاقـة ا لرواة ا لواقعين في طريقها ; بحيث يكون ا لناقل مطمئنّاً بصدورها ، ولذا أسندها إ ليـه (عليه السلام) .
وتوهّم : كون ثبوت ا لوثاقـة عنده لايُجدي لنا ; لأ نّـه من ا لممكن أن لايكون
1 ـ اُنظر مستند ا لشيعـة 2 : 133 ، جواهر ا لكلام 2 : 183 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 368 . 2 ـ ا لفقيـه 1 : 36 / 134 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 409 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب21 ، ا لحديث 8 .
(الصفحة 468)
موثّقاً عندنا ; لعثورنا على ا لجرح ا لذي لم يطّلع ا لناقل عليـه(1) .
مدفوع : بأنّ هذا ا لاحتما ل لايجري في مثل هذه ا لروايـة ، ا لتي يكون ناقلها مثل ا لصدوق ا لذي كان قريب ا لعهد بزمان ا لأئمّـة (عليهم السلام) ، ولم يكن علمـه بحا ل ا لرواة مستنداً إ لى ا لاجتهاد ا لمحتمل للخطأ .
مضافاً إ لى أنّ توثيق ا لصدوق لايقصر عن توثيق ا لنجاشي وغيره من أئمّـة علم ا لرجا ل .
وبا لجملـة:فا لظاهر أنّ رفع ا ليد عن مثل هذه ا لروايـة ـ للمناقشـة في سندها بالإرسا ل ـ لايجوز أصلاً .
ومنها :روايـة أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) : في رجل نسي مسح رأسـه . قا ل : «فليمسح» . قا ل : لم يذكره حتّى دخل في ا لصلاة ؟ قا ل : «فليمسح رأسـه من بلل لحيتـه»(2) .
ودلالتها على ا لمدّعى ممنوعـة ، كما هو ظاهر .
ولكنّـه قد عرفت في صدر ا لمسأ لـة : أنّ هذا ا لحكم يكون كا لضروري بين ا لإماميّـة ; بحيث لايحتاج إ لى إقامـة ا لدليل عليـه(3) .
حول الروايات الدالّة على لزوم كون المسح بماء جديد
ولكن قد وردت هنا روايات تدلّ على لزوم كون ا لمسح بماء جديد ، ولكنّها مؤوّلـة أو محمولـة على ا لتقيّـة :
1 ـ مقباس الهداية 1:360، مستمسك العروة الوثقى 11:211، مصباح الاُصول 2: 519 ـ520. 2 ـ ا لفقيـه 1 : 36 / 135 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 410 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب21 ، ا لحديث 9 . 3 ـ تقدّم في ا لصفحـة 463 .
(الصفحة 469)
منها :روايـة أبي بصير ، قا ل : سأ لت أباعبدالله (عليه السلام) ; قلت : أمسح بما على يدي من ا لندى رأسي ؟ قا ل : «لا ، بل تضع يدك في ا لماء ثمّ تمسح»(1) .
ومنها :روايـة معمّر بن خلاّد ، قا ل : سأ لت أبا ا لحسن (عليه السلام) : أيجزي ا لرجل أن يمسح قدميـه بفضل رأسـه ؟ فقا ل برأسـه : «لا» . فقلت : أبماء جديد ؟ فقا ل برأسـه : «نعم»(2) .
ووجّهها في «ا لوافي» بأنّ إيماءه(عليه السلام) برأسـه نهيٌ لمعمّر بن خلاد عن هذا ا لسؤال ; لئلاّ يسمعـه ا لمخا لفون ا لحاضرون في ا لمجلس ، فإنّهم كانوا كثيراً ما يحضرون مجا لسهم (عليهم السلام) ، فظنّ معمّر أ نّـه (عليه السلام) نهاه عن ا لمسح ببقيّـة ا لبلل ، فقا ل : أبماء جديد ؟ فسمعـه ا لحاضرون ، فقا ل برأسـه : «نعم» ، ومثل هذا يقع في ا لمحاورات كثيراً(3) .
ومنها :روايـة جعفر بن عمارة بن أبي عمارة ، قا ل : سأ لت جعفر بن محمّد (عليهما السلام) : أمسح رأسي ببلل يدي ؟ قا ل : «خذ لرأسك ماءً جديداً»(4) .
قا ل ا لشيخ (قدس سره) : ا لوجـه فيـه ا لتقيّـة ; لأنّ رواتـه رجا ل ا لعامّـة وا لزيديّـة(5) .
1 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 59 / 164 ، الاستبصار 1 : 59 / 174 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 408 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 21 ، ا لحديث 4 . 2 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 58 / 163 ، الاستبصار 1 : 58 / 173 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 409 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 21 ، ا لحديث 5 . 3 ـ ا لوافي 6 : 291 . 4 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 59 / 166 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 409 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 21 ، ا لحديث 6 . 5 ـ رواها ا لشيخ ا لطوسي بإسناده ، عن أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة ، عن فضل بن يوسف ، عن محمّد بن عكاشـة ، عن جعفر بن أبي عمارة . وأحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة من ا لزيديّـة والباقي من رجا ل ا لعامّـة . تهذيب ا لأحكام 1 : 59 / 166 ، رجا ل ا لنجاشي : 94 / 233 ، ا لفهرست : 28 / 76 .
(الصفحة 470)
ومنها :روايـة أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) : في رجل نسي أن يمسح على رأسـه ، فذكر وهو في ا لصلاة ؟ فقا ل : «إن كان استيقن ذلك ، انصرف فمسح على رأسـه وعلى رجليـه ، واستقبل ا لصلاة ، وإن شكّ فلم يدرِ مسح أو لم يمسح ، فلْيتناول من لحيتـه إن كانت مبتلّـة ، ولْيمسح على رأسـه ، وإن كان أمامـه ماء فليتناول منـه فليمسح بـه على رأسـه»(1) .
وهذه ا لروايـة ـ مضافاً إ لى كونها مخدوشـة من حيث ا لسند(2) ـ غير ظاهرة ا لدلالـة على جواز ا لمسح با لماء ا لجديد ; لاحتما ل كون ا لمراد بقولـه : «انصرف فمسح على رأسـه» هو ا لانصراف ثمّ ا لتوضّي ثانياً ، وعلى كلا ا لتقديرين يعارضها ا لأخبار ا لمتقدّمـة ، ا لدالّـة على عدم وجوب التوضّي ثانياً وعدم وجوب الانصراف لأجل ا لمسح ، بل يكفي ا لمسح ببلّـة ا ليد ثمّ ا للحيـة ثمّ ا لحاجبين وأشفار ا لعينين(3) .
ثمّ إنّ ذيل ا لروايـة ـ ا لظاهر في وجوب ا لمسح في صورة ا لشكّ فيـه ـ مخا لف لصريح أخبار ا لتجاوز وا لفراغ ا لواردة في ا لوضوء(4) ، مضافاً إ لى مخا لفتـه
1 ـ تهذيب ا لأحكام 2 : 201 / 787 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 471 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 42 ، ا لحديث 8 . 2 ـ رواها ا لشيخ ا لطوسي بإسناده ، عن ا لحسين بن سعيد ، عن محمّد بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير . وا لروايـة ضعيفـة بمحمّد بن سنان . راجع رجا ل ا لنجاشي : 328/ 888 ، اختيار معرفـة ا لرجا ل : 322 /977 ، و507 / 980 . 3 ـ تقدّم في ا لصفحـة 466 ، 467 . 4 ـ راجع وسائل ا لشيعـة 1 : 469 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 42 .
(الصفحة 471)
لفتاوي ا لأصحاب أيضاً ،إلاّ أن يحمل ا لأمر فيها على الاستحباب .
وكيف كان ، فقد عرفت :أنّ هذا ا لحكم صار من ا لوضوح ; بحيث لايحتاج إ لى تكلّف إقامـة ا لدليل عليـه ، فالأخبار ا لظاهرة في خلافـه لابدّ من حملها على ا لتقيّـة لو لم تقبل ا لتأويل .
الحكم الثالث: اختصاص الماسح باليد
لايجوز ا لمسح بما عدا ا ليد مطلقاً ; لقيام ا لإجماع ـ بل ا لضرورة ـ على ذلك(1) .
وقد وقع ا لخلاف بعد ذلك في أ نّـه هل يجب أن يكون بباطن ا لكفّ ، أو يجوز بظاهره أيضاً وبا لذراع مثلاً ؟ وعلى ا لتقديرين هل يجب أن يكون با ليد ا ليُمنى ، أو يجوز با ليسرى أيضاً ؟
وغير خفيّ أنّ ا لآيـة ا لشريفـة(2) مطلقـة من هذه ا لجهات ، ولا دلالـة فيها على آلـة ا لمسح بوجـه ; ولو بعد تقييدها بكون ا لمسح ببقيّـة بلل ا لوضوء ; إذ يمكن أخذ ا لبلل بشيء آخر ، ثم إمراره على ا لرأس ; بحيث يتأثّر بسببـه .
ودعوى : عدم إمكان ا لأخذ بإطلاق ا لآيـة ; لاستلزامـه تخصيص ا لأكثر ا لمستهجن عقلاً ، ولايمكن ا لالتزام بإهما لها أيضاً ، فلابدّ من ا لالتزام بأنّ تعيين آلـة المسح موكول إ لى ما هو ا لمعهود ا لمتعارف فلايحتاج معرفتها إ لى بيان خارجي(3) .
مدفوعـة : بأنّ مثل هذا ا لمورد من ا لموارد ا لتي وقع فيها ا لخلط بين ا لتخصيص وا لتقييد ، فإنّ ما هو ا لمستهجن في باب ا لتخصيص ـ ا لذي يكون
1 ـ ا لحدائق ا لناضرة 2 : 287 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 370 . 2 ـ ا لمائدة (5) : 6 . 3 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 370 .
(الصفحة 472)
ا لمقصود فيـه إخراج بعض ا لأفراد عن حكم ا لعامّ ـ إنّما هو إخراج أكثر ا لأفراد ; سواء كان ا لإخراج واحداً أو متعدّداً .
وأ مّا باب ا لتقييد فمدار ا لاستهجان فيـه على كثرة ا لمقيّدات ; بحيث بلغت من ا لكثرة حدّاً موجباً للاستهجان بنظر ا لعقل ، وأ مّا إذا كان ا لمقيّد واحداً ، فلا قبح فيـه ولو كانت ا لأفراد ا لخارجـة بسببـه أكثر من مصاديق ا لطبيعـة ا لمقيّدة ، بل ولو بقي منها واحد .
وا لسرّ فيـه ما عرفت : من أنّ ا لحكم في باب ا لمطلق ، إنّما تعلّق بنفس ا لطبيعـة ، ولا نظر فيـه إ لى ا لأفراد أصلاً ، فكثرة ا لأفراد ا لخارجـة بسبب ا لتقييد وعدمها لاتصير موجبـة للاستهجان وعدمـه ; ألا ترى أ نّـه لو قا ل : اعتق رقبـة ، ثمّ قال : لاتعتق رقبة كافرة ، لايكون ذلك مستهجناً بوجـه ; ولو فرض قلّـة أفراد الرقبة ا لمؤمنة بالإضافة إ لى الكافرة . نعم ربما يقبح ذلك لو قيّد بقيود كثيرة كما عرفت .
وفي ا لمقام نقول : إنّ ا لتقييد بلزوم كون ا لمسح با ليد تقييد واحد لا قبح فيـه أصلاً ، كما أنّ لزوم ا لتقييد بكون ا لمسح ببقيّـة بلل ا لوضوء ، لايوجب قبح غيره من ا لتقييدات ولو لم يبلغ من ا لكثرة حدّ ا لاستهجان .
وممّا ذكرنا من وقوع ا لخلط بين ا لبابين في بعض ا لموارد ظهر : أنّ دعوى انصراف إطلاق ا لآيـة إ لى ا لأفراد ا لمتعارفـة ، وهو ا لمسح بباطن ا لكفّ(1) .
مندفعـة : لأنّ تعارف ا لأفراد وعدمـه لا ارتباط لـه بباب ا لإطلاق ا لذي يكون متعلَّق ا لحكم فيـه هو نفس ا لطبيعـة ، بل ا لوجـه في دعوى ا لانصراف هو ادّعاء ا لانصراف إ لى بعض ا لقيود ، فلو كان ا لقيد على نحو يوجب انصراف ا لطبيعـة ا لمطلقـة إ لى ا لطبيعـة ا لمقيّدة ، لصحّ دعوى ا لانصراف ، وإلاّ فمجرّد
1 ـ اُنظر مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 370 ـ 371 .
(الصفحة 473)
ترجيح بعض ا لأفراد على ا لبعض ا لآخر با لتعارف وعدمـه ، لايوجب صحّـة دعواه ، كما هو واضح .
ولايخفى أنّ ادّعاء تحقّق هذا ا لنحو من ا لانصراف في ا لمقام مشكل ، فالآيـة ا لشريفـة ـ مع قطع ا لنظر عن ا لإجماع ـ يكون مقتضى إطلاقها كفايـة ا لمسح بأيّـة آلـة كانت ، ولكن ا لإجماع قام على وجوب ا لمسح با ليد(1) ، فإطلاقها با لنسبـة إ لى أجزاء ا ليد ـ من ا لكفّ وا لزند وا لذراع ـ باق على حا لـه ، كما أ نّـه لا دليل على تقييدها با ليد ا ليمنى أيضاً ، وقولـه (عليه السلام) في صحيحـة زرارة : «وتمسح ببلّـة يمناك ناصيتك» ، لايدلّ على ا لوجوب كما عرفت(2) . فالأقوى ـ كما هو ا لمشهور(3) ـ كفايـة ا لمسح با ليسرى أيضاً .
ثمّ إنّـه لو تعذّر ا لمسح بباطن ا لكفّ ـ لمرض وشبهـه ـ فلا إشكا ل ـ بناءً على ما ذكرنا ـ في وجوب ا لمسح بباقي أجزاء ا ليد من غير ترتيب وترجيح لظاهر ا لكفّ على ا لذراع .
وأ مّا بناءً على لزومـه في صورة ا لاختيار فيشكل بقاء ا لمسح على وجوبـه ، إلاّ أن يقا ل بانصراف ا لآيـة إ لى ما هو ا لمتعارف ، وهو يختلف باختلاف ا لأشخاص ، فا لمتعارف في حقّ ا لقادر ا لمسح بباطن ا لكفّ ، وفي حقّ ا لعاجز عنـه ا لمسح بظاهره أو با لذراع ، وفي حقّ ا لعاجز عن ا لمسح با لكفّ رأساً هو ا لمسح با لذراع . وا لتمسّك بالاستصحاب أو بقاعدة ا لميسور(4) مدفوع بما تقدّم .
1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 417 . 2 ـ تقدّم في ا لصفحـة 464 . 3 ـ ا لحدائق ا لناضرة 2 : 287 ، اُنظر جواهر ا لكلام 2 : 184 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 376 ـ 377 ، مستمسك ا لعروة ا لوثقى 2 : 371 ـ 372 . 4 ـ جواهر ا لكلام 2 : 185 ـ 186 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 375 .
(الصفحة 474)
وهل يتعيّن عليـه حين ا لعجز عن ا لمسح با لباطن ا لمسح با لظاهر أو يكفي با لذراع ؟ وجهان :
لا دليل علـى الأوّل أصـلاً ، فالأقـوى بناءً علـى هـذا القول التخيير أيضاً كما لا يخفى.
ثمّ إنّ ا لمتفاهم عرفاً من ا لأمر بمسح ا لرأس ببلل ا لوضوء ، وجوب إيصا لـه إ ليـه وتأثّره بـه ، فيعتبر في ا ليد أن تكون مشتملـة على رطوبـة مُسريـة كانت من بقيّـة بلل ا لوضوء ; لأنّ ا لتعبير ا لواقع في ا لأخبار هو ا لمسح با لبلّـة ، ولايصدق ذلك مع عدم ا لتأثّر بها ، وهذا ا لتعبير يغاير ا لتعبير با لمسح با ليد ا لمبتلّـة ، فإنّـه يمكن ا لمناقشـة فيـه : بعدم دلالتـه على لزوم إيصا لها إ ليـه ; وإن كانت مدفوعـة : بكون ا لمتفاهم عرفاً منـه أيضاً ذلك ، كما هو واضح .
وحيث اعتبر أن تكون ا لرطوبـة من بقيّـة بلل ا لوضوء ، فلو امتزجت برطوبـة خارجيّـة غا لبـة بحيث انتفى صدق بلّـة ا لوضوء ، فلا شبهـة في عدم كفايـة ا لمسح بها ما لم تستهلك في ا لرطوبـة ا لأصليّـة ، وحينئذ فلايجوز ا لمسح بعد ا لغسلـة ا لثا لثـة ا لتي ليست من ا لوضوء ، وكذا ا لمسح با لبلّـة ا لباقيـة في ا ليد ، بعد غسلها بطريق ا لارتماس فيما إذا نوى ا لغسل بإدخا لها فيـه أو با لمكْث في ا لماء ، وأ مّا لو نوى غسلها بإخراجها من ا لماء فلا إشكا ل في ا لجواز أصلاً .
ثمّ إنّه حيث اعتبر إيصا ل بلّة ا لوضوء إ لى ا لرأس وتأثّره بها ، فلايجوز ا لمسح إلاّ بعد تنشيف ا لمحلّ لو كان رطباً ، وإلاّ يلزم أن يكون ا لمسح بغير بلّـة ا لوضوء .
ثمّ إنّـه لو كانت ا لبلّـة ا لباقيـة كثيرة بحيث توجب غسل ا لمحلّ عرفاً ، فهل تجوز نيّـة ا لمسح بـه ; بأن يكون ا لمقصود تحقّقـه في ضمن ا لغسل أو لا ؟
ا لظاهر ا لعدم لأنّ ا لغسل وا لمسح مفهومان متضادّان ، فمع تحقّق أحدهما يمتنع تحقّق ا لآخر ، فتدبّر .
(الصفحة 475)
الحكم الرابع : أنّه لو جفّ ما على يديه أخذ من لحيته
قا ل ا لمحقّق (قدس سره) في «ا لشرائع» : «ولو جفّ ما على يديـه أخذ من لحيتـه أو أشفار عينيـه»(1) .
أقول : ينبغي أن يُتكلّم أوّلاً : في أنّ جواز ا لأخذ من ا للحيـة أو من أشفار ا لعينين ، مشروط بجفاف ما على يديـه ، أو أنّ ا لمعتبر ا لمسح بنداوة ا لوضوء وبللـه ; سواء كانت في ا ليد أو في سائر مواضع ا لوضوء ، ولايكون ترجيح لبلّـة ا ليد على غيرها من ا لبلَل ا لموجودة في بقيّـة ا لمواضع ؟
فنقول : مقتضى إطلاق ا لآيـة ا لشريفـة ـ ولو بعد تقييدها بنداوة ا لوضوء ـ جواز ا لمسح با لنداوة أيّـة نداوة كانت .
ودعوى ا لانصراف إ لى خصوص ا لنداوة ا لباقيـة في ا ليد(2) ، ممنوعـة جدّاً .
وأضعف منها تأييد هذه ا لدعوى بلزوم كون ا لآلـة هي ا ليد(3) ; إذ لا منافاة بين تعيّن ا ليد للآليّـة ، وبين جواز أخذ ا لبلل من سائر ا لمواضع ثم ا لمسح با ليد ، كما هو ظاهر .
حول الأخبار الواردة في المقام
ومع قطع ا لنظر عن إطلاق ا لآيـة لايكون في ا لبين ما يستفاد منـه ا لإطلاق من ا لأخبار ; لإمكان ا لمناقشـة في إطلاقها ; لأنّ منها :
1 ـ شرائع ا لإسلام 1 : 13 . 2 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 382 . 3 ـ اُنظر نفس ا لمصدر .
(الصفحة 476)
ما عن أبي إسحاق ، عن أمير ا لمؤمنين (عليه السلام) ـ في عهده إ لى محمّد بن أبي بكر لمّا ولاّه مصر ـ من قولـه : «وانظر إ لى ا لوضوء ، فإنّـه من تمام ا لصلاة : تمضمض ثلاث مرّات ، واستنشق ثلاثاً ، واغسل وجهك ، ثمّ يدك ا ليمنى ، ثمّ ا ليسرى ، ثمّ امسح رأسك ورجليك ، فإنّي رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يصنع ذلك ، واعلم أنّ ا لوضوء نصف ا لإيمان»(1) .
فإنّ ا لظاهر أنّ ا لمقصود من قولـه : «امسح رأسك ورجليك» ، هو بيان وجوب مسح ا لرجلين كا لرأس ، فلاتكون بصدد ا لبيان من سائر ا لجهات .
ومنها :ما رواه علي بن ا لحسين ا لموسوي ا لمرتضى في «رسا لـة ا لمحكم وا لمتشابـه» ، نقلاً من «تفسير ا لنعماني» بإسناده ا لمذكور في آخر «ا لوسائل»(2) عن إسماعيل بن جابر ، عن ا لصادق ، عن آبائـه ، عن أمير ا لمؤمنين (عليهم السلام) في حديث ، قا ل : «وا لمحكم من ا لقرآن ممّا تأويلـه في تنزيلـه ، مثل قولـه تعا لى : (يَا أَيُّهَا ا لَّذينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى ا لصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى ا لْمَرافِقِ وَ ا مْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى ا لْكَعْبَيْنِ) ، وهذا من ا لمحكم ا لذي تأويلـه في تنزيلـه ; لايحتاج تأويلـه إ لى أكثر من ا لتنزيل» .
ثمّ قا ل : «وأ مّا حدود ا لوضوء فغسل ا لوجـه وا ليدين ، ومسح ا لرأس وا لرجلين ، وما يتعلّق بها ويتّصل سُنّـة واجبـة على من عرفها وقدر على فعلها»(3) .
1 ـ أما لي ا لطوسي : 29 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 397 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب15 ، ا لحديث 19 . 2 ـ خاتمـة وسائل ا لشيعـة 30 : 144 / 52 . 3 ـ وسائل ا لشيعـة 1 : 399 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 15 ، ا لحديث 23 .
(الصفحة 477)
وهذه ا لروايـة ـ مضافاً إ لى كونها مخدوشـة من حيث ا لسند ـ محتملـة لأن يكون ا لمقصود بها بيان حدود ا لوضوء في مقابل ا لاُمور ا لخارجـة عنها ، كا لمضمضـة وا لاستنشاق ونحوهما ، ولايكون لها إطلاق با لنسبـة إ لى كيفيّـة ا لغسل وا لمسح وسائر ا لاُمور ا لمتعلّقـة بهما أصلاً .
ومنها :روايـة علي بن يقطين ا لمتقدّمـة ا لمشتملـة على قولـه (عليه السلام) : «وامسح مقدّم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك ، فقد زال ما كنّا نخاف عليك»(1) .
وأنت خبير : بأنّ ا لمقصود منها بيان كيفيّـة ا لوضوء على ا لنحو ا لمعروف بين ا لإماميّـة ; في مقابل ا لوضوء ا لمتعارف بين ا لعامّـة ، وا لحكم بوجوبـه على ا لنحو ا لأوّل لزوال ا لتقيّـة ، فلا تعرّض فيها لهذه ا لجهـة .
ومنها :غيرها من ا لأخبار غير ا لخا ليـة من ا لمناقشـة في إطلاقها ، كصدر مرسلـة ا لصدوق ا لآتيـة(2) .
ولكن بعد ثبوت إطلاق ا لآيـة كما عرفت لا حاجـة إ لى شيء منها ، فلابدّ في رفع ا ليد عن إطلاقها من إقامـة دليل على ا لتقييد .
الأخبار المقيّدة لإطلاق الآية
ونقول : ما يمكن أن يكون مقيداً لإطلاق ا لآيـة عدّةٌ من ا لأخبار :
منها :ا لأخبار ا لبيانيّـة ا لمشتملـة أكثرها على أنّ ا لإمام (عليه السلام) مسح ببقيّـة بلل يده(3) .
1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 459 و 465 . 2 ـ يأتي في ا لصفحـة 481 . 3 ـ اُنظر وسائل ا لشيعـة 1 : 387 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 15 .
(الصفحة 478)
ولايخفى أ نّـه لايستفاد منها تعيّن ذلك ; لاحتما ل أن يكون ا لمسح ببلل ا ليد لكونـه أحد أفراد ا لواجب ، وهو ا لمسح ببلل ا لوضوء مطلقاً ، مضافاً إ لى أ نّـه لا حاجـة إ لى ا لأخذ من ا للحيـة ونحوها بعد وجود بلّـة ا ليد .
ومنها :صحيحـة زرارة ، قا ل : قا ل أبو جعفر (عليه السلام) : «إنّ الله وِتْر يحبّ ا لوتر ، فقد يُجزيك من ا لوضوء ثلاث غرفات : واحدة للوجـه واثنتان للذراعين ، وتمسح ببلّـة يمناك ناصيتك»(1) ا لحديث .
ودلالتها على وجوب ا لمسح ببلّـة ا ليمين مبنيّـة على أن يكون قولـه (عليه السلام) : «وتمسح» ، عطفاً على قولـه : «يُجزيك» ، فلايكون من تتمّـة ا لحكم ا لمذكور في ا لصدر ، بل هو حكم مستقلّ ، وأ مّا إذا كان عطفاً على فاعل «يُجزيك» ; بحيث يكون مؤوّلاً با لمصدر ، فيكون متفرّعاً على كفايـة ثلاث غرفات ، ومن ا لواضح أ نّـه غير واجب ، بل هو أقلّ مراتب ا لإجزاء ، فلايدلّ على عدم كفايـة غيره .
وبا لجملـة : يكون ا لمقصود ـ حينئذ ـ كفايـة ا لمسح با لبلّـة وعدم ا لاحتياج إ لى ا لزائد عن ثلاث غرفات . وقد عرفت أ نّـه لايدلّ على وجوب ا لمسح با لبلّـة ، فضلاً عن لزوم كونها من ا ليد ، ولا ترجيح للاحتما ل ا لأوّل ; لو لم نقل بترجيح ا لثاني لكونـه أظهر .
مضافاً إ لى أ نّـه على ا لأوّل أيضاً تمكن ا لمناقشـة في تقييدها للآيـة ا لشريفـة ، ووجهها ما عرفت : من أنّ ا لأمر إنّما يدلّ على نفس ا لبعث(2) ، ولايكون ظاهراً في ا لوجوب ، خصوصاً مع قيام ا لدليل ـ وهو ا لإطلاق ـ على خلافـه .
ومنها :صحيحـة عمر بن اُذينـة ا لمتقدّمـة(3) ، ا لمشتملـة على وحي الله
1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 453 ، 464 ، 473 . 2 ـ تقدّم في ا لصفحـة 458 ، 465 . 3 ـ تقدّمت في ا لصفحـة 465 .
(الصفحة 479)
تعا لى إ لى نبيّـه (صلى الله عليه وآله وسلم) بقولـه : «اغسل وجهك . . .» إ لى أن قا ل : «ثمّ امسح رأسك بفضل ما بقي في يدك من ا لماء» .
ولكن يحتمل أن يكون ذكر ا لقيد لأجل جريان ا لعادة با لمسح ببلل ا ليد ; لعدم ا لاحتياج نوعاً إ لى ا لأخذ من ا للحيـة وسائر ا لمواضع ، كما هو ظاهر .
ومنها :مرسلة خلف بن حمّاد ـ المتقدّمة(1) ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : قلت له : ا لرجل ينسى مسح رأسـه وهو في ا لصلاة ؟ قا ل : «إن كان في لحيتـه بلل فليمسح بـه» . قلت : فإن لم يكن لـه لحيـة ؟ قا ل : «يمسح من حاجبيـه وأشفار عينيـه» .
وهذه ا لروايـة ـ مضافاً إ لى ضعف بعض رواتها(2) ، وإ لى ا لإرسا ل في سندها ـ مخدوشـة من حيث ا لدلالـة ; لأ نّـه لايظهر منها أنّ جواز ا لأخذ من ا للحيـة مشروط بصورة ا لنسيان ، ا لملازمـة لجفاف رطوبـة ا ليد نوعاً ، بل حيث إنّ ا لراوي فرض هذه ا لصورة أجابـه (عليه السلام) با لمسح ببلل ا للحيـة ، ولا دلالـة في ذلك على ا لاختصاص بهذه ا لصورة .
ويؤيّده ما في ذيل ا لروايـة : من أ نّـه يمسح من حاجبيـه فيما إذا لم يكن لـه لحيـة ، مع أ نّـه لم يقل أحد : بأنّ جواز ا لأخذ من ا لحاجب مشروط بعدم ا للحيـة أو جفاف بلّتها .
ومنها :صحيحـة ا لحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قا ل : «إذا ذكرت وأنت في صلاتك أ نّك قد تركت شيئاً من وضوئك . . .» إ لى أن قا ل : «ويكفيك من مسح رأسك أن تأخذ من لحيتك بللها إذا نسيت أن تمسح رأسك ، فتمسح بـه مقدّم
1 ـ تقدّمت في ا لصفحـة 465 . 2 ـ وهو موسى بن جعفر بن وهب ، فإنّـه إمامي مجهول . راجع ما تقدّم في ا لصفحـة 466 ، ا لهامش1 .
(الصفحة 480)
رأسك»(1) .
وهذه ا لروايـة أظهر ما في ا لباب ; من حيث ا لدلالـة على أنّ جواز ا لأخذ من ا للحيـة ـ وسائر ا لمواضع ـ مشروط بجفاف ا ليد ا لمتحقّق نوعاً في صورة نسيان ا لمسح ; لأ نّـه لو كان ا لأخذ من ا للحيـة غير مشروط بصورة ا لنسيان ، لما كان وجـه لفرض هذه ا لصورة ، خصوصاً مع تكراره ثانياً وإ لقائـه بنحو ا لقضيّـة ا لشرطيّـة ; فإنّها وإن لم يكن لها مفهوم ـ كما حقّقناه في ا لاُصول(2) ـ إلاّ أنّ ظهورها في مدخليّـة ا لشرط في ترتّب ا لجزاء ممّا لا إشكا ل فيـه .
فالإنصاف : تماميّـة ا لروايـة من حيث ا لسند وا لدلالـة .
ومنها :روايـة زرارة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) : في ا لرجل ينسى مسح رأسـه حتّى دخل في ا لصلاة . قا ل : «إن كان في لحيتـه بلل بقدر ما يمسح رأسـه ورجليـه ، فليفعل ذلك وليُصلِّ»(3) ا لحديث .
ويرد على ا لاستدلال بها ما أوردناه على ا لمرسلـة ا لمتقدّمـة .
ومنها :روايـة ما لك بن أعيَن ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قا ل : «من نسي مسح رأسـه ثمّ ذكر أ نّـه لم يمسح رأسـه ، فإن كان في لحيتـه بلل فليأخذ منـه ولْيمسح رأسـه ، وإن لم يكن في لحيتـه بلل فلينصرف ولْيُعِد ا لوضوء»(4) .
1 ـ ا لكافي 3 : 34 / 3 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 101 / 263 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 408 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 21 ، ا لحديث 2 . 2 ـ اُنظر مناهج ا لوصول 2 : 182 ـ 187 ، تهذيب ا لاُصول 1 : 428 ـ 431 . 3 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 89 / 235 ، الاستبصار 1 : 74 / 229 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 408 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 21 ، ا لحديث 3 . 4 ـ تهذيب ا لأحكام 2 : 201 / 788 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 409 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 21 ، ا لحديث 7 ،وتقدّم في ا لصفحـة 466 .
|