(الصفحة 501)
وقد عرفت مراراً : أنّ ا لآيـة إنّما تكون في مقام ا لبيان من جميع ا لجهات(1) ، فهي ا لحجّـة في ا لمقام من دون معارض ; لعدم صلاحيّـة ا لأخبار ا لمتقدّمـة للمعارضـة ; لعدم تماميّـة دلالتها على وجوب ا لاستيعاب .
ومنها :غير ذلك من ا لأخبار ا لتي لا حاجـة إ لى نقلها بعد دلالـة ا لآيـة ا لشريفـة على أنّ ا لأرجل مثل ا لرؤوس في وجوب ا لمسح با لبعض ، فتدبّر .
هذا كلّـه من جهـة ا لعرض .
حول مقدار الممسوح طولاً وأدلّته
وأ مّا من ناحيـة ا لطول : فهل ا لواجب ا لابتداء من رؤوس ا لأصابع والانتهاء إ لى ا لكعبين ، أو يكفي ا لمسمّى ، كما في جانب ا لعرض على ما عرفت(2) ؟
قولان : وقد ادُّعي ا لإجماع على ا لأوّل(3) ، وفي ا لمحكيّ(4) عن «ا لحدائق»: أ نّـه نقل عن ا لشهيد (قدس سره) في «ا لذكرى» احتما ل عدم ا لوجوب(5) ، وبـه جزم ا لمحدّث ا لكاشاني في محكيّ «ا لمفاتيح»(6) ، واستظهره صاحب «ا لحدائق»(7) .
وكيف كان ، فلا بدّ من ملاحظـة مستند ا لمسأ لـة :
1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 403 ،450 ،457 . 2 ـ تقدّم في ا لصفحـة 496 ،499 . 3 ـ الانتصار : 27 ـ 28 ، ا لخلاف 1 : 92 ـ 93 ، تذكرة ا لفقهاء 1 : 170 ، رياض ا لمسائل 1 : 237 ، جواهر ا لكلام 2 : 210 . 4 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 405 . 5 ـ ذكرى ا لشيعـة 2 : 153 . 6 ـ مفاتيح ا لشرائع 1 : 44 ، اُنظر مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 405 . 7 ـ ا لحدائق ا لناضرة 2 : 291 ـ 294 .
(الصفحة 502)
فنقول : أ مّا ا لآيـة ا لشريفـة فقد عرفت اختلاف قراءة ا لأرجل من جهـة ا لجرّ وا لنصب(1) ، فلو كانت ا لأرجل منصوبـة معطوفـة على محلّ ا لجارّ وا لمجرور ; بحيث كان مقتضاه هو امسحوا أرجلكم ، فلا إشكا ل في استفادة ا لاستيعاب منها ; لأنّ ا لمقتضي للتبعيض هي كلمـة ا لباء ا لمنتفيـة على هذا ا لاحتما ل ، نظير ا لوجـه وا ليدين على ما عرفت من دلالـة ا لآيـة بظاهرها على وجوب استيعاب غسلهما ، ولاينافي ذلك ما تقدّم في ا لمسأ لـة ا لسابقـة : من كفايـة ا لمسمّى من ا لمسح على ظهر ا لقدم عرضاً(2) ، فإنّ خروج جهـة ا لعرض لايوجب عدم ا لدلالـة على ا لاستيعاب في جانب ا لطول .
وبا لجملـة : فمقتضى هذه ا لقراءة ا لاستيعاب طولاً .
وأ مّا لو كانت ا لقراءة با لجرّ أو با لنصب عطفاً على محلّ ا لمجرور فقط ، فا لظاهر كفايـة ا لمسمّى في جانب ا لطول أيضاً ; سواء قلنا بكون ا لغايـة غايـة للمسح أو للممسوح :
أ مّا على ا لثاني فواضح ; لأنّ مقتضى هذين ا لاحتما لين ، هو كون ا لأرجل كا لرؤوس مدخولـة لكلمـة ا لباء ، ا لتي أظهر معانيها في ا لمقام هو كونها بمعنى «من» ا لتبعيضيّـة ـ على ما تقدّم في مسأ لـة مسح ا لرأس(3) ـ فلو كانت غايـة للممسوح ، يصير مقتضاها وجوب ا لمسح بشيء من هذا ا لمقدار ا لمحدود با لكعبين ، وحينئذ فإطلاقها يوجب ا لاكتفاء با لمسمّى في جانب ا لطول كا لعرض ، على ما هو واضح غير خفيّ .
وأ مّا لو كانت غايـة للمسح ، فلأنّ مقتضى ذلك هو وجوب انتهاء ا لمسح إ لى
1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 493 ـ 494 . 2 ـ تقدّم في ا لصفحـة 496 ،499 . 3 ـ تقدّم في ا لصفحـة 445 .
(الصفحة 503)
ا لكعبين ، وهو لاينافي عدم وجوب ا لاستيعاب ; إذ يمكن ا لمسح من ا لموضع ا لقريب إ لى ا لكعبين منتهياً إ ليهما ; إذ ا لمفروض أنّ ا لواجب هو ا لمسح ببعض ا لأرجل ، غايـة ا لأمر أ نّـه يجب انتهاؤه إ ليهما ، وهو يتحقّق في ا لمثا ل ا لمذكور ; إذ لم يقع ا لتحديد من ا لطرفين حتّى يكون ظاهره وجوب مسح مجموع ذلك مبتدئاً من طرف ومنتهياً إ لى ا لطرف ا لآخر ، بل ا لتحديد إنّما وقع في طرف الانتهاء فقط .
وبا لجملـة : كون ا لكعبين غايـة للمسح لايستلزم ا لاستيعاب ا لموجب للشروع من رؤوس ا لأصابع ، كما هو ظاهر .
هذا ما تقتضيـه ا لدقّـة في ا لآيـة ا لشريفـة ; مع قطع ا لنظر عن ا لتفسير ا لوارد من أهل ا لبيت ، ا لذين هم ا لعارفون با لكتاب وا لراسخون في ا لعلم ا لعا لمون بتأويلـه وتنزيلـه .
وأ مّا مع ملاحظتـه فنقول :
في دلالة الأخبار على المقام
مقتضى صحيحة زرارة وبكير وا لصحيحة ا لاُخرى لزرارة ا لمتقدّمتين(1) ، هو كون ا لأرجل كا لرؤوس في كونها مدخولة لكلمة ا لباء ا لمفيدة للتبعيض ، فاحتما ل كونها منصوبـة ـ معطوفـة على مجموع ا لجارّ وا لمجرور ـ يندفع بذلك .
نعم لايستفاد من ذلك خصوص ا لخفض أو ا لنصب معطوفاً على محلّ ا لمجرور فقط .
ولكن لايترتّب على هذا ا لمعنى ثمرة ; لما عرفت : من أنّ مقتضى كلّ منهما هو عدم وجوب ا لاستيعاب(2) .
1 ـ تقدّم تخريجـه في ا لصفحـة 449 ، 448 . 2 ـ تقدّم في ا لصفحـة 502 .
(الصفحة 504)
مضافاً إ لى دلالـة صحيحـة زرارة وبكير على كون ا لكعبين غاية للممسوح ; وذلك لأنّ ا لتعبير بكلمـة «إ لى» إنّما وقع في طرف ا لأصابع ، فلو كانت غايـة للمسح لايجوز ا لتعبير بها في طرف ا لأصابع في مقام ا لتفسير ، فوقوعـه دليل على كونها غايـة للممسوح . وقد عرفت أ نّـه بناءً عليـه لا خفاء في كفايـة ا لمسمّى في جانب ا لطول أيضاً(1) .
ومما ذكرنا يظهر : أنّ ما أفاده في «ا لمصباح» : من أنّ كون كلمـة «ا لباء» في ا لآيـة للتبعيض ، لاينافي ظهورها في الاستيعاب من حيث ا لطول ; لأنّ معناها على هذا ا لتقدير : فامسحوا من أرجلكم من رؤوس ا لأصابع إ لى ا لكعبين ، وهذه ا لعبارة ظاهرة أيضاً في وجوب ا لاستيعاب طولاً(2) .
لايتمّ أصلاً ; لما عرفت : من أنّ ا لتحديد لم يقع من ا لطرفين(3) حتّى يكون ظاهراً في ا لاستيعاب ، بل إنّما وقع من طرف واحد ، وا لانتهاء إ ليـه يتحقّق في مثل ا لمثا ل ا لذي ذكرنا ، من دون استلزام للاستيعاب .
ثمّ إنّـه قد استشكل في دلالـة صحيحـة زرارة وبكير ا لمتقدّمـة ـ ا لمشتملـة على أ نّـه إذا مسح بشيء من قدميـه ما بين ا لكعبين إ لى أطراف ا لأصابع فقد أجزأه ـ على كفايـة ا لمسمّى : بأنّ ذلك مبني على أن تكون كلمـة «ما» بدلاً من ا لقدمين ، وأ مّا لو كانت بدلاً من شيء ، أو خبراً لمبتدأ محذوف ، وهو ا لضمير ا لراجع إ لى ا لشيء ، فظاهرها ـ حينئذ ـ وجوب مسح مجموع ذلك ا لمقدار ، كما هو واضح(4) .
وأنت خبير : بأنّ احتما ل كونـه بدلاً من ا لقدمين ، هو أقرب ا لاحتمالات
1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 502 . 2 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 408 . 3 ـ تقدّم في ا لصفحـة 503 . 4 ـ ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 2 : 259 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 409 .
(الصفحة 505)
بنظر ا لعرف ، فا لترجيح معـه ، وقد عرفت أ نّـه بناءً عليـه لا دلالـة لها على ا لاستيعاب ، بل ظاهرها ا لعدم .
ثمّ إنّـه في «ا لمصباح» ـ بعد ما حكم بقوّة ا لاحتما ل ا لذي رجّحناه ـ ذكر : أنّ وقوع ا لروايـة تفسيراً للآيـة وتفريعاً على ظاهرها ، يضعّف سائر ا لاحتمالات ، ويقوّي احتما ل كونـه بدلاً من شيء(1) .
وأنت خبير : بأنّ ذلك مبني على ما ذكره : من استفادة ا لاستيعاب من ا لآيـة ولو كانت كلمـة ا لباء للتبعيض(2) ، وقد عرفت فساده وأنّ ا لآيـة تدلّ على كفايـة ا لمسمّى ، وحينئذ فإجما ل ا لروايـة ـ على تقديره ـ يرتفع بها ; إذ بعد دلالـة ا لآيـة على نفي وجوب ا لاستيعاب لا مجا ل لغير ا لاحتما ل ا لذي رجّحناه ، فإجما ل ا لآيـة ـ من حيث دخول ا لباء على ا لأرجل ـ يرتفع بهذه ا لروايـة وبصحيحـة زرارة ا لمتقدّمـة ا لمصرّحـة با لتبعيض(3) ، وإجما ل هذه ا لروايـة ـ من جهـة هذه ا لاحتمالات ـ يرتفع بالآيـة ا لشريفـة ا لدالّـة على كفايـة المسمّى على تقدير دخول الباء على ا لأرجل ، كما هو واضح .
فتلخّص ممّا ذكرنا : أنّ مفاد إطلاق ا لآيـة ـ بضميمـة ا لروايـة ـ هو كفايـة ا لمسمّى مطلقاً عرضاً وطولاً .
ثمّ إنّـه قد استُدلّ للمشهور بجملـة من ا لأخبار(4) :
منها : روايـة عمر بن أُذَيْنـة ، عن أبي عبدا لله (عليه السلام) ا لمتقدّمـة(5) ، ا لواردة في
1 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 409 . 2 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 410 . 3 ـ تقدّم في ا لصفحـة 448 . 4 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 410 ـ 411 . 5 ـ تقدّمت في ا لصفحـة 465 .
(الصفحة 506)
حكايـة ا لمعراج ا لمشتملـة على قولـه تعا لى لنبيّـه (صلى الله عليه وآله وسلم) : «ثمّ امسح رأسك بفضل ما بقي في يدك من ا لماء ورجليك إ لى كعبيك» .
ولكن لايخفى أنّ ا لغرض من هذه ا لروايـة ونظائرها ، إنّما تعلّق ببيان لزوم كون ا لمسح بنداوة ا لوضوء في مقابل ا لعامّـة ا لقائلين بلزوم ا لمسح با لماء ا لجديد(1) ، ولو سلّم تعلّق ا لغرض ببيان ا لخصوصيّات فا للازم في ا لروايـة ـ مضافاً إ لى تقييد مسح ا لرأس ا لظاهر في ا لاستيعاب بمسح مقدّمـه ، لا كلّـه ، بل بعضـه كما عرفت(2) ـ أن يقا ل برفع ا ليد عن ظهورها في ا لرجلين ; فيوجوب مسحهما جميعاً ظاهراً وباطناً ; لعدم وجوب مسح ا لباطن قطعاً كما عرفت(3) ، ثمّ رفع ا ليد عن ظهورها في وجوب مسح مجموع ا لظهر بعد تقييدهابـه ; لما عرفت من كفايـة ا لمسمّى عرضاً بلا شبهـة(4) . وكذلك يجب رفع ا ليد عن ظهورها في وجوب ا لابتداء من رؤوس ا لأصابع والانتهاء إ لى ا لكعبين ; لما سيأتي من جواز مسح ا لرجلين مُدبراً ومقبلاً(5) .
ومع ذلك كلّـه كيف يمكن رفع ا ليد عن ظهور ا لآيـة بسبب هذه ا لروايـة ؟ !
ومنها : ما في روايـة بكير وزرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، ا لمشتملـة على حكايتـه وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أ نّـه «مسح رأسـه وقدميـه إ لى ا لكعبين بفضل كفّيـه لم يجدّد ماءً»(6) .
1 ـ راجع ما تقدّم في ا لصفحـة 462 ـ 463 . 2 ـ اُنظر ما تقدّم في ا لصفحـة 457 . 3 ـ تقدّم في ا لصفحـة 495 . 4 ـ تقدّم في ا لصفحـة 496 . 5 ـ يأتي في ا لصفحـة 517 . 6 ـ تقدّم في الصفحـة 449 .
(الصفحة 507)
ويرد عليـه ما عرفت : من أ نّها مسوقـة لبيان أ نّـه مسح بنداوة وضوئـه(1) ، وا لدليل عليـه قولـه : «مسح رأسـه» ، مع أنّ ا لاستيعاب فيـه لايكون واجباً بالاتّفاق .
ومنها : روايـة ا لأعمش ا لدالّـة على أنّ «الوضوء الذي أمر الله بـه في كتابـه ا لناطق : غسل ا لوجـه وا ليدين إ لى ا لمرفقين ، ومسح ا لرأس وا لقدمين إ لى ا لكعبين»(2) .
ودلالتها على ما ذكروه ممنوعـة .
ومنها :روايـة علي بن عيسى ا لإربلي ، عن علي بن إبراهيم في كتابـه عن ا لنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ا لواردة في تعليم جبرائيل (عليه السلام) ا لوضوء لـه (صلى الله عليه وآله وسلم) ا لمشتملـة على أنّ «ا لوضوء على ا لوجـه وا ليدين من ا لمرفق ، ومسح ا لرأس وا لرجلين إ لى ا لكعبين»(3) .
وهي ـ مع أ نّها مرسلـة ـ ممنوعـة ا لدلالـة .
ونظيرها روايـة عيسى بن ا لمستفاد ، عن أبي ا لحسن موسى بن جعفر ، عن أبيه (عليهما السلام) «أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قا ل لعلي وخديجـة لمّا أسلما : إنّ جبرائيل عندي يدعوكما إ لى ا لإسلام . . .» إ لى أن قا ل : «وإسباغ ا لوضوء على ا لمكاره : ا لوجـه وا ليدين وا لذراعين ومسح ا لرأس ومسح ا لرجلين إ لى ا لكعبين» ا لحديث(4) .
1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 497 ،506 . 2 ـ ا لخصا ل : 603 / 9 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 397 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 15 ، ا لحديث 18 . 3 ـ كشف ا لغمّـة 1 : 88 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 399 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 15 ، ا لحديث 24 . 4 ـ وسائل ا لشيعـة 1 : 400 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 15 ، ا لحديث 25 .
(الصفحة 508)
ومنها :ما رواه ا لكليني عن يونس ، قا ل : أخبرني من رأى أبا ا لحسن (عليه السلام) بمنىً يمسح ظهر ا لقدمين من أعلى ا لقدم إ لى ا لكعب ، ومن ا لكعب إ لى أعلى ا لقدم ، ويقول :«ا لأمر في مسح ا لرجلين موسّع ; من شاء مسح مُقبلاً ومن شاء مسح مُدبراً ، فإنّـه من ا لأمر ا لموسّع إن شاء الله»(1) .
ولكنّها ـ مضافاً إ لى كونها مرسلـة ـ لا دلالـة لها على وجوب ا لاستيعاب ، فلعلّـه (عليه السلام) كان يعمل بالاستحباب ، وغرض ا لراوي إنّما تعلّق ببيان أ نّـه مسح مُقبلاً ومُدبراً ، فلا يرتبط با لمقام .
وكيف كان ، فليس هنا ما يدلّ على لزوم ا لاستيعاب حتّى يقيّد بـه إطلاق ا لآيـة ا لشريفـة .
ولكن ذهاب جُلّ ا لعلماء ـ بل كلّهم إ لى زمان ا لشهيد ا لذي احتمل عدم ا لوجوب في «ا لذكرى»(2) ـ إ لى وجوب ا لاستيعاب(3) يمنعنا عن ا لتمسّك بإطلاق ا لآيـة ، فا للازم وا لأحوط مراعاة فتوى ا لمشهور .
ثمّ إنّـه بقي هنا اُمور يجب ا لتنبيـه عليها :
التنبيه الأوّل: في معنى الكعبين
إنّ ا لمراد با لكعبين ، هل قُبّتا ا لقدمين ، وهما ا لعظمان ا لناتئان في وسط ا لقدم ، كما هو ا لمشهور بين ا لإماميّـة ـ على ما هو ظاهر كلماتهم ـ أو ا لعظمان
1 ـ قرب ا لإسناد : 306 / 1200 ، ا لكافي 3 : 31 / 7 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 57 / 160 ، و 65 / 183 ، الاستبصار 1 : 58 / 170 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 407 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 20 ، ا لحديث 3 . 2 ـ ذكرى ا لشيعـة 2 : 153 . 3 ـ راجع ما تقدّم في ا لصفحـة 501 .
(الصفحة 509)
ا لناتئان عن يمين ا لساق وشما لـه ، كما هو مذهب ا لجمهور(1) ، أو ا لمفصل بين ا لساق وا لقدم ، كما هو ظاهر عبارة ا لعلاّمـة في محكيّ «ا لمختلف» ، وقد نزّل كلمات ا لعلماء ومعاقد إجماعاتهم عليـه ، وقا ل : «وفي عبارة ا لعلماء اشتباه على غير ا لمحصّل»(2) ، أو ا لعظم ا لمائل إ لى ا لاستدارة ا لواقع في ملتقى ا لساق وا لقدم ، ولـه زائدتان في أعلاه يدخلان في حفرتي قصبـة ا لساق ، وزائدتان في أسفلـه يدخلان في حفرتي ا لعقب ، وهو ناتئ في وسط ظهر ا لقدم يعني وسطـه ا لعرضي ولكن نتؤه غير ظاهر بحسّ ا لبصر ، كما اختاره ا لشيخ ا لبهائي (قدس سره) في «أربعينـه» ، ونزّل كلام ا لعلاّمـة عليـه(3) ; لأ نّـه قد يعبّر عنـه با لمفصل لمجاورتـه لـه ، أو من قبيل تسميـة ا لحالّ باسم ا لمحلّ ، وهو ا لذي في أرجل ا لغنم وا لبقر ، وبحث عنـه علماء ا لتشريح ؟ وجوه وأقوال :
وا لظاهر إطلاق ا لكعب على كلّ واحد منها .
ويمكن أن يقا ل : إنّ إطلاقـه على غير ما اختاره ا لعلاّمـة ، إنّما هو باعتبار معناه ا لوصفي ، وهو ا لارتفاع وا لنشوز ، كما يقا ل : «كعب ثدي ا لجارية إذا علا»(4) .
وعن ابن ا لأثير في «نهايتـه» : «وكلّ شيء ارتفع فهو كعب»(5) ، وا لمحكيّ عن «ا لصحاح» أ نّـه قا ل : «كعوب ا لرمح : ا لنواشز في أطراف ا لأنابيب»(6) ، وأ مّا إطلاقـه على ا لمفصل فهو ا لذي ذكره في «ا لقاموس» ـ على ما هو ا لمحكيّ عنـه ـ
1 ـ ا لمغني ، ابن قدامـة 1 : 124 ، ا لمجموع 1 : 421 . 2 ـ مختلف ا لشيعـة 1 : 125 . 3 ـ ا لأربعون حديثاً ، ا لشيخ ا لبهائي : 129 ـ 130 . 4 ـ اُنظر ا لمعتبر 1 : 151 ، مدارك ا لأحكام 1 : 220 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 414 . 5 ـ مدارك ا لأحكام 1 : 220 ، ا لنهايـة ، ابن ا لأثير 4 : 179 . 6 ـ ا لصحاح 1 : 213 .
(الصفحة 510)
فقا ل : «ا لكعب كلّ مفصل للعظام»(1) ، وحكى في «ا لأربعين»(2) عن ا لفخر ا لرازي في «تفسيره ا لكبير» أ نّـه قا ل : وا لمفصل يسمّى كعباً(3) .
ومع وجود هذا ا لاختلاف وا لتردّد ، لابدّ من ملاحظـة ا لأخبار ا لواردة في بيان ا لكعبين ، فنقول :
منها :صحيحـة زرارة وبكير ا لمتقدّمـة(4) ، وفيها : قلنا : أين ا لكعبان ؟ قا ل : «هاهنا يعني ا لمفصل دون عظم ا لساق» . فقلنا : هذا ما هو ؟ فقا ل : «هذا من عظم ا لساق ، وا لكعب أسفل من ذلك» ـ كما في ا لكافي(5) ـ «أو عظم ا لساق» ـ كما في ا لتهذيب(6)ـ ا لحديث .
وا لظاهر أنّ قولـه : «دون عظم ا لساق» وصف للمفصل ، فيكون ا لمراد : أنّ محلّ ا لكعبين هو ا لمفصل ا لذي يقرب عظم ا لساق . وحينئذ فينطبق على ما ذكره ا لبهائي ، خصوصاً مع قولـه في ا لذيل : «وا لكعب أسفل من ذلك» ، فإنّ ا لمشار إ ليـه بكلمـة «ذلك» ، هو عظم ا لساق ا لذي سأل ا لراويان عن أ نّـه ما هو ، وحينئذ فأسفليّـة ا لكعب منـه لاتناسب ا لعظم ا لناشز في ظهر ا لقدم ، وتعبيرهما في ا لسؤال بكلمـة «أين» ا لظاهرة في ا لسؤال عن ا لمحلّ ظاهر في أنّ محلّهما هو ا لمفصل ، لا أ نّـه هو نفس ا لكعب .
1 ـ ا لقاموس ا لمحيط 1 : 129 . 2 ـ ا لأربعون حديثاً ، ا لشيخ ا لبهائي : 125 . 3 ـ ا لتفسير ا لكبير 11 : 162 . 4 ـ تقدّم في ا لصفحـة 449 . 5 ـ ا لكافي 3 : 26 / 5 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 389 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 15 ، ا لحديث 3 . 6 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 76 / 191 .
(الصفحة 511)
فا لروايـة بظاهرها ناطقـة بمقا لـة ا لبهائي (قدس سره) .
ومنها :حسنـة ميسّر ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، في حكايـة وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إ لى قولـه : «ثمّ وضع يده على ظهر ا لقدم ، ثمّ قا ل : هذا هو ا لكعب ، وقا ل : وأومأ بيده إ لى ا لأسفل ا لعُرقوب ، ثمّ قا ل : إنّ هذا هو ا لظُّنْبوب»(1) .
وا لعُرقُوب ـ با لضمّ ـ عصب غليظ فوق ا لعقب ، وا لظاهر اتّصا لـه بعظم ا لساق ، فيكون ا لغرض نفي ما يقولـه ا لجمهور : من أ نّـه هو ا لعظم ا لناشز في آخر ا لساق . إلاّ أنّ قولـه : «وضع يده على ظهر ا لقدم» محتمل لأن يكون محلّـه هي ا لقُبّـة أو ا لمفصل ، ولادلالـة لـه على خصوص أحدهما إلاّ أنّ حمل ا لكعب على نفس ظاهر ا لقدم يُشعر بخلاف قول ا لبهائي ، كما لايخفى .
وكيف كان ، فا لروايـة مجملـة من حيث احتما لها لأمرين .
هذا ، ويمكن أن يستظهر من ا لأخبار ا لواردة في قطع رجل ا لسارق ـ منضمّـة بعضها إ لى بعض ـ أنّ ا لمراد با لمفصل هو ا لمفصل ا لواقع في وسط ا لقدم :
منها : رواية معاوية بن عمّار ، قا ل : قا ل أبوعبدالله (عليه السلام) : «يقطع من ا لسارق أربع أصابع ويترك ا لإبهام ، وتُقطع ا لرِّجْل من ا لمفصل ويترك ا لعقب يطأ عليه»(2) .
ومنها :ما رواه عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث ا لسرقـة قا ل : «وكان إذا قطع ا ليد قطعها دون ا لمفصل ، فإذا قطع ا لرِّجْل قطعها من ا لكعب . قا ل : وكان لايرى أن يُعفى عن شيء من ا لحدود»(3) .
1 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 75 / 190 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 391 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 15 ، ا لحديث 9 . 2 ـ كتاب ا لنوادر : 151 / 388 ، وسائل ا لشيعـة 28 : 254 ، كتاب ا لحدود وا لتعزيرات ، أبواب حدّ ا لسرقـة ، ا لباب 4 ، ا لحديث 7 . 3 ـ ا لفقيـه 4 : 46 / 8 ، وسائل ا لشيعـة 28 : 254 ، كتاب ا لحدود وا لتعزيرات ، أبواب حدّ ا لسرقـة ، ا لباب 4 ، ا لحديث 8 .
(الصفحة 512)
ومنها :روايـة سماعـة بن مهران ، قا ل : قا ل : «إذا أخذ ا لسارق قُطعت يده من وسط ا لكفّ ، فإن عاد قطعت رجلـه من وسط ا لقدم فإن عاد استُودع ا لسجن ، فإن سرق في ا لسجن قتل»(1) .
ومنها :روايـة إسحاق بن عمّار ، عن أبي إبراهيم (عليه السلام) ، قا ل : «تُقطع يد ا لسارق ويُترك إبهامـه وصدر راحتـه ، وتُقطع رجلـه ويترك لـه عقبـه يمشي عليها»(2) .
فإنّ ا لجمع بين هذه ا لروايات ا لمختلفـة بحسب ا لظاهر حيث إنّ مفاد ا لاُولى هو ا لقطع من ا لمفصل ، ومفاد ا لثانيـة هو ا لقطع من ا لكعب ، ومدلول ا لثا لثـة هو ا لقطع من وسط ا لقدم ، وا لأخيرة هو ا لقطع بمقدار يمكن لـه ا لمشي على ا لباقي ، يقتضي أن يكون ا لمراد با لكعب هو ا لمفصل ، وبا لمفصل هو ا لواقع في وسط ا لقدم ، فا لمراد با لكعب هو وسط ا لقدم ، كما هو ا لمشهور بينهم .
وبا لجملـة : فانعقاد ا لإجماع بين ا لإماميّـة على أنّ ا لمقدار ا لذي يجب قطعـه من رجل ا لسارق ، هو ا لذي يمكن لـه ا لمشي على ا لباقي ، ودلالـة ا لروايـة على إطلاق ا لكعب وا لمفصل عليـه ، يدلّ على أنّ ا لمراد با لكعب هي ما في وسط ا لقدم من ا لقُبّـة ، وبا لمفصل هو ا لواقع في وسطـه أيضاً ; إذ لو قُطعت من ا لمفصل بين ا لساق وا لقدم لايمكن لـه ا لمشي على ا لباقي ، كما هو واضح ، وحينئذ فيرتفع ا لبعد عن أن يكون ا لمراد با لمفصل ـ في صحيحـة ا لأخوين ا لواردة في ا لمقام ـ هو
1 ـ ا لكافي 7 : 223 / 8 ، تهذيب ا لأحكام 10 : 103 / 400 ، وسائل ا لشيعـة 28 : 252 ، كتاب ا لحدود وا لتعزيرات ، أبواب حدّ ا لسرقـة ، ا لباب 4 ، ا لحديث 3 . 2 ـ ا لكافي 7 : 224 / 13 ، علل ا لشرائع : 537 / 5 ، وسائل ا لشيعـة 28 : 252 ، كتاب ا لحدود وا لتعزيرات ، أبواب حدّ ا لسرقـة ، ا لباب 4 ، ا لحديث 4 .
(الصفحة 513)
ا لمفصل ا لواقع في وسط ا لقدم ، بل لابدّ ـ بملاحظـة هذه ا لروايات ـ من حملها على ذلك ، وحينئذ فيكون ا لمراد من قولـه : «دون عظم ا لساق» هو غير عظم ا لساق فلاينافي ا لحمل على ا لمفصل بهذا ا لمعنى .
كما أ نّـه بذلك يرتفع إجما ل روايـة ميسر أيضاً ; إذ لابدّ من حملها على كون ا لمراد بظهر ا لقدم هو وسطـه .
ويمكن أن يناقش في استفادة هذا ا لمعنى من أخبار ا لسرقـة : بأنّ ا لمراد با لقدم هو ا لذي يكون ا لعقب جزءاً منـه ، فحدّه من رؤوس ا لأصابع إ لى آخر ا لعقب ، وحينئذ فيمكن أن يكون ا لمراد با لمفصل هو ا لمفصل بين ا لساق وا لقدم ، كما هو ا لظاهر منـه عند ا لإطلاق ; إذ هو واقع في وسط ا لقدم تقريباً . ويؤيّده : ما في أكثرها من أ نّـه «يُترك لـه ا لعقب» ، فإنّـه لو قطع من قُبّـة ا لقدم يبقى لـه أزيد من ا لعقب .
وبا لجملـة : فلو كان ا لمفصل ا لواقع في ا لوسط منحصراً با لقُبّـة ، لكان ا للازم بملاحظـة وجوب ا لقطع من ا لوسط ـ كما في روايـة سماعـة ـ حملـه عليـه ; وا لقول : بأ نّـه ا لمراد با لكعب ، ولكن حيث إنّـه يمكن توصيف ا لمفصل بين ا لساق وا لقدم بوقوعـه في وسط ا لقدم ، فأيّ مانع من أن تكون روايـة معاويـة قرينـة على أنّ ا لمراد بوسط ا لقدم ـ ا لواقع في روايـة سماعـة ـ هو ا لذي ينطبق على هذا ا لمفصل ؟ !
هذا مضافاً إ لى أ نّـه لو سُلّم كون مدلول أخبار ا لسرقـة ، هو إطلاق ا لكعب على ا لمفصل ا لواقع في وسط ا لقدم ; أي قبّتـه ، ولكن ذلك لايوجب أن يكون ا لمراد بـه في ا لمقام أيضاً ذلك ; إذ لاملازمـة بين ا لمقامين .
وا لذي يمكن أن يقا ل : إنّ إطلاق «ا لكعب» إنّما هو بملاحظـة معناه ا لوصفي ، وهو ا لارتفاع وا لنشوز ، وما حُكي عن بعض ا للغـويّين من إطلاقـه على
(الصفحة 514)
كلّ مفصل للعظام(1) ، فا لظاهر أيضاً أنّ إطلاقـه عليـه بملاحظـة ا لارتفاع ا لحاصل للعظام عند ا لتقائها ، كما نراه با لعيان ، فإنّ ا لمفصل حيث يكون مجمعاً للعظمين فصاعداً ، فلامحا لـة يكون مرتفعاً عن سائر أجزاء ا لعظم ، وحينئذ فا لمَفصل من حيث إنّـه مَفصل لايطلق عليـه ا لكعب ، بل بملاحظـة ا لنشوز وا لنتوء ا لمتحقّق عنده .
ويؤيّده ما تقدّم من ا لمحكيّ عن «ا لصحاح»(2) ، فإنّ ظاهره أنّ ا لكعب يطلق على ا لنواشز في أطراف ا لأنابيب ، لا نفس ا لأنابيب ا لتي هي ا لمفاصل .
نعم إطلاقـه على ا لعظم ا لمائل إ لى ا لاستدارة ، ا لواقع في ملتقى ا لساق وا لقدم ـ وهو ا لذي يلعب بـه ا لصبيان في غير عظم ا لإنسان ـ ممّا لا مجا ل لإنكاره .
فالأمر ـ حينئذ ـ يدور بين ما ذكره ا لمشهور ـ على ما هو ظاهر عبائرهم ، بل صريحها ـ وبين ما ذكره ا لبهائي(3) .
فنقول : ا لخبر ا لمتقدّم ا لدالّ على أنّ ا لكعب هو ظهر ا لقدم ، وكذا غيره من ا لأخبار ا لدالّـة على ذلك ، يعيّن مقا لـة المشهور ; لعدم كون ذلك العظم في ظهر القدم ; وإن سلّمنا اتّصافـه بوقوعـه في وسط ا لقدم .
مضافاً إ لى أ نّـه لو سُلّم ا لإجما ل فوجوب ا لمسح إ لى ا لكعبين ـ ا لذي دلّت عليـه ا لآيـة ا لشريفـة ـ(4) يتحقّق امتثا لـه با لمسح إ لى قبّـة ا لقدم ; لأ نّـه مسح إ لى ا لكعب .
1 ـ ا لقاموس ا لمحيط 1 : 129 . 2 ـ تقدّم في ا لصفحـة 509 . 3 ـ ا لأربعون حديثاً ، ا لشيخ ا لبهائي : 129 ـ 130 . 4 ـ ا لمائدة (5) : 6 .
(الصفحة 515)
وإ لى أنّ ظاهر كلمات ا لأصحاب ومعاقد إجماعاتهم ـ بل صريحها ـ هو كون ا لكعب هي ا لقبّـة(1) .
وا لعجب من ا لعلاّمـة (قدس سره) كيف نزّل عباراتهم على مقا لتـه(2) مع صراحـة بعضها ـ بل أكثرها ـ في خلافـه ؟ ! فالأقوى ما ذكره ا لمشهور وإن كان ا لأحوط خلافـه ، فتدبّر جيّداً .
تتمةٌ : في دخول الكعبين في الممسوح
هل ا لكعبان داخلان في ا لمسافـة ، فيجب مسحهما ، أو لا ؟ وجهان ، بل قولان(3) .
ظاهر ا لآيـة ا لشريفـة هو ا لثاني ; سواء فرض كونهما غايـة للمسح أو للممسوح .
وا لوجـه فيـه : خروج ا لغايـة عن ا لمغيّى ، كما عرفت في غسل ا ليدين(4) .
ووقوع ا لكعب بدايـة للمسح في روايـة يونس ا لمتقدّمـة ـ قا ل : «أخبرني من رأى أبا ا لحسن (عليه السلام) بمنىً يمسح ظهر قدميـه من أعلى ا لقدم إ لى ا لكعب ومن ا لكعب إلى أعلى القدم»(5) ـ لايدلّ على كونـه داخلاً فيما يجب مسحـه ; لأنّ
1 ـ ا لمقنعـة : 44 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 74 / ذيل ا لحديث 118 ، ا لمعتبر 1 : 148 ، ا لمختصر ا لنافع : 6 ، منتهى ا لمطلب 1 : 64 / ا لسطر 12 ـ 13 ، ا لتنقيح ا لرائع 1 : 83 ، ذكرى ا لشيعـة 2 : 149 ، ا لروضـة ا لبهيّـة 1 : 326 . 2 ـ تقدّم في ا لصفحـة 509 . 3 ـ ا لمعتبر 1 : 152 ، منتهى ا لمطلب 1 : 64 ، اُنظر مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 421 . 4 ـ تقدّم في ا لصفحـة 428 . 5 ـ تقدّم في ا لصفحـة 508 .
(الصفحة 516)
ا لتعبير بكلمـة «من» لايدلّ على دخول مدخولها ، بل يصدق مع ا لخروج أيضاً ، كما يظهر بمراجعـة ا لمحاورات ا لعرفيّـة .
وبا لجملـة:فا لروايـة أجنبيّـة عن ا لدلالـة على دخول ا لكعب في ا لمسافـة .
مضافاً إ لى أنّ ما في خبر ا لأخوين ا لمتقدّم من قولـه (عليه السلام) : «فإذا مسحت بشيء من قدميك ما بين كعبيك إ لى أطراف أصابعك»(1) . يدلّ على خروجهما ; لأنّ ظاهره كون ا لمسافـة هي ما بين ا لحدّين لانفسهما ، وقد عـرفت أنّ ظاهر هـذه ا لروايـة كـون ا لكعبين فـي ا لآيـة ا لشريفـة غايـة للممسوح(2) ; لأنّ ا لتعبير بكلمـة «إ لى» إنّما وقع في طرف ا لأصابع ، ومعـه لايبقى إشكا ل في خروجهما ، كما لايخفى .
ثمّ إنّـه يمكن أن يقا ل : إنّ مرسلـة يونس ا لمتقدّمـة أجنبيّـة عن ا لدلالـة على وجوب مسح ا لكعب ; ولو قلنا بكون مدخول كلمـة «من» داخلاً في ا لمسافـة .
توضيحـه : أنّ ا لمراد بأعلى ا لقدم ليس رؤوس ا لأصابع ـ كما ربما يتوهّم(3) ـ بل ا لمراد بـه هو أعلاه حقيقـة ، وهو ما فوق قبّـة ا لقدم من ا لمفصل بينـه وبين ا لساق ; لأنّ إطلاقـه على رؤوس ا لأصابع ممّا لا وجـه لـه ، وحينئذ فا لمراد بقولـه : «يمسح ظهر قدميـه» ليس أنّ ا لإمام (عليه السلام) مسح في وضوئـه كذلك ، بل ا لمراد بـه أ نّـه فعل كذلك ; تنبيهاً على أنّ أمر مسح ا لرّجْل موسّع لا في
1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 449 . 2 ـ تقدّم في ا لصفحـة 503 ـ 504 . 3 ـ اُنظر جواهر ا لكلام 2 : 220 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 421 .
(الصفحة 517)
وضوئـه ، بل في مقام ا لتعليم ، وحينئذ فلاتكون ا لروايـة مسوقـة لبيان ا لمسح في ا لوضوء ; من حيث ا لشروع من ا لكعب إ لى أعلى ا لقدم وبا لعكس ، بل كان ذلك للإشارة إ لى موسّعيّـة أمر مسح ا لرّجْل .
ومن هنا يستكشف أنّ ا لمراد با لكعب هي قُبّـة ا لقدم ; ضرورة أ نّـه لو كان هو ا لمفصل ، لم يكن تغاير بينـه وبين أعلى ا لقدم بمعناه ا لحقيقي ; لأنّ ا لمراد بـه هو ا لمفصل أيضاً ، فافهم واغتنم .
التنبيه الثاني: جواز النكس في مسح القدمين
إ نّـه يجوز ا لمسح منكوساً . وا لوجـه فيـه : إطلاق ا لآيـة ا لشريفـة ا لدالّـة على أنّ الواجب هو مسح المقدار ا لمحدود با لكعبين ; لما عرفت من أنّ كلمـة «إ لى» ـ في ا لآيـة ا لشريفـة ـ تدلّ على غايـة ا لممسوح ـ بملاحظـة روايـة ا لأخوين ا لمتقدّمـة(1) ـ لو سلّمنا ظهورها في نفسها في كونها غايـة للمسح ، ولنا أن ننكر ذلك ، ونقول بمنع هذا ا لظهور ، بل ا لآيـة ـ ولو مع قطع ا لنظر عن ا لروايـة ـ أيضاً ظاهرة في ذلك ، كما يشهد بـه ملاحظـة ا لاستعمالات ا لعرفيّـة ، وحينئذ فإطلاقها يقتضي جواز ا لمسح منكوساً ; بأن يمسح من ا لكعب إ لى رؤوس ا لأصابع ، وكذا بعضـه مُقْبلاً وبعضـه مُدْبراً .
ويدلّ على جوازه منكوساً ـ مضافاً إ لى ذلك ـ قولـه (عليه السلام) ـ في صحيحـة حمّاد ا لمتقدّمـة(2) في مسح ا لرأس ـ «لابأس بمسح ا لوضوء مُقْبلاً ومُدْبراً» ، وفي خبر آخر لـه أيضاً : «لابأس بمسح ا لقدمين مُقبلاً ومُدبراً»(3) .
1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 449 . 2 ـ تقدّمت في ا لصفحـة 489 . 3 ـ تقدّم في ا لصفحـة 489 .
(الصفحة 518)
وظاهرهما هو ا لتخيير بين إيقاعـه بتمامـه مُقبلاً وبين إيقاعـه كذلك مُدبراً ، لا ا لجمع بينهما في مسح واحد .
وتؤيّده : مرسلـة يونس ا لمتقدّمـة(1) ، وفيها : أ نّـه يقول : «ا لأمر في مسح ا لرِّجْلين موسّع ; من شاء مسح مُقبلاً ، ومن شاء مسح مُدبراً ، فإنّـه من ا لأمر ا لموسّع إن شاء الله تعا لى» .
ولكن لا دليل على تقييد إطلاق ا لآيـة بغير هذه ا لصورة ، فالأقوى ا لجواز مطلقاً ; وإن كان ا لأحوط ترك ا لتبعيض .
التنبيه الثالث: في الترتيب بين الرجلين
إ نّـه ـ على ا لأشهر(2) ـ ليس بين ا لرجلين ترتيب .
وا لدليل عليـه إطلاق خصـوص ا لآيـة ا لشريفـة ا لآمـرة بمسح ا لأرجل مـن دون تعـرّض للترتيب ، وليس هنا إطـلاق يمكن ا لاستناد إ ليـه غيره ; وذلك لأنّ ا لأخبار ا لبيانيّـة(3) كلّها مسوقـة لبيان جهـة اُخرى ، كانت معـركـة للآراء بيـن ا لعامّـة وا لخاصّـة ، وليست واردة لبيان هـذه ا لجهـة حتّى يجـوز ا لأخـذ بإطـلاقها كما يظهـر با لتأ مّل فيها ، بـل فـي بعضها إشعار بثبـوت ا لترتيب بيـن ا لرّجْلين أيضاً .
وبالجملة : فدعوى : أنّ خلوّها عن التعرّض لهذه الخصوصيّة على كثرتهاوتعرّضها لسائر ا لخصوصيّات قرينـة على عدم كون هذه ا لخصوصيّـة
1 ـ تقدّمت في ا لصفحـة 508 . 2 ـ ا لمعتبر 1 : 155 ـ 156 ، مختلف ا لشيعـة 1 : 130 ، ذكرى الشيعـة 2 : 155 ، مدارك ا لأحكام 1 : 222 ، جواهر ا لكلام 2 : 226 ـ 227 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 425 . 3 ـ راجع وسائل ا لشيعـة 1 : 387 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 15 .
(الصفحة 519)
ملحوظـة عندهم(1) .
ممنوعة جدّاً ; لماعرفت من عدم كونها مسوقة لبيان هذه ا لجهـة ـ كما يظهر لمن راجعها ـ فليس في ا لبين إلاّ إطلاق ا لآيـة ا لشريفة ا لمقابل للتقييد ، فنقول :
الاستدلال بالأخبار على الترتيب بين الرجلين
هنا روايات يمكن تقييد ا لإطلاق بها :
منها ـ وهي أظهرها ـ : صحيحـة محمّد بن مسلم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قا ل : ذكر ا لمسح ، فقال :«امسح على مقدّم رأسك ، وامسح على ا لقدمين ،وابدأ بالشِّقّ ا لأيمن»(2).
ومنها :صحيحـة زرارة قا ل : قا ل أبو جعفر (عليه السلام) : «تابع بين ا لوضوء كما قا ل الله عزّ وجلّ ; إبدأ با لوجـه ، ثمّ با ليدين ، ثمّ إمسح ا لرأس وا لرجلين ، ولاتُقدِّمنَّ شيئاً بين يدي شيء تخا لف ما اُمرت بـه ، فإن غسلت ا لذراع قبل ا لوجـه فابدأ با لوجـه وأعد على ا لذراع ، وإن مسحت ا لرِّجْل قبل ا لرأس فامسح على ا لرأس قبل ا لرِّجل ، ثمّ أعد على ا لرجل ; إبدأ بما بدأ الله عزّ وجلّ بـه»(3) .
فإنّ قولـه (عليه السلام) : «تابع بين ا لوضوء» حكم كلّي با لنسبـة إ لى جميع أجزائـه .
فقولـه (عليه السلام) : «إبدأ با لوجـه . . .» إ لى آخره إنّما هو مذكور على سبيل
1 ـ جواهر ا لكلام 2 : 227 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 425 ـ 426 . 2 ـ ا لكافي 3 : 29 / 2 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 418 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 25 ، ا لحديث 1 . 3 ـ ا لكافي 3 : 34 / 5 ، ا لفقيـه 1 : 28 / 89 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 97 / 251 ، الاستبصار 1 : 73/ 223 ، وسائل ا لشيعة 1 : 448 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 34 ، ا لحديث1 .
(الصفحة 520)
ا لمثا ل ، فلا دلالـة لـه على انحصار ا لترتيب بما ذكر ، وا لدليل عليـه ما ذكره (عليه السلام) في ا لذيل من قولـه : «إن مسحت ا لرِّجْل قبل ا لرأس . . .» إ لى آخره ، فإنّ مقتضاه وجوب تقديم مسح ا لرأس على ا لرجلين ، مع أنّ قولـه (عليه السلام) : «ثمّ امسح ا لرأس وا لرجلين» لا دلالـة لـه على ذلك ، كما هو ظاهر .
ومنها :روايـة أبي هريرة : «أنّ ا لنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا توضّأ بدأ بميامنـه»(1)
ولكنّها ـ مضافاً إ لى كونها ضعيفـة ا لسند(2) ـ ممنوعـة ا لدلالـة ، فإنّها حكايـة لفعلـه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وهو أعمّ من ا لوجوب ، كما هو واضح .
ومنها : روايـة محمّد بن عبيدالله بن أبي رافع ـ وكان كاتب أمير ا لمؤمنين (عليه السلام) ـ أ نّـه كان يقول : «إذا توضّأ أحدكم للصلاة فليبدأ با ليمنى ـ با ليمين ـ قبل ا لشما ل من جسده»(3) .
ولكنّها ضعيفـة ا لسند(4) .
ومنها : ما رواه في «ا لاحتجاج» عن محمّد بن عبدالله بن جعفر ا لحِمْيري ، عن صاحب ا لزمان ـ عجّل الله تعا لى فرجـه ا لشريف ـ : أ نّـه كتب إ ليـه يسأ لـه عن
1 ـ أما لي ا لطوسي : 386 / 844 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 449 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 34 ، ا لحديث 3 . 2 ـ رواها ا لحسن بن محمّد ا لطوسي في مجالسـه ، عن أبيـه ، عن محمّد بن محمّد بن مخلّد ، عن أبي عمرو ، عن يحيى بن أبي طالب ، عن عبدا لرحمان بن علقمـة ، عن عبدالله بن ا لمبارك ، عن سفيان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن زياد ، عن أبي هريرة . 3 ـ رجا ل ا لنجاشي : 7 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 449 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لوضوء ، ا لباب 34 ، ا لحديث 4 . 4 ـ رواها أحمد بن علي بن ا لعبّاس ا لنجاشي ، عن أبي ا لحسن ا لتميمي ، عن أحمد بن محمّد بن سعيد ، عن علي بن ا لقاسم ا لبجلي ، عن علي بن إبراهيم بن ا لمعلّى ، عن عمر بن محمّد بن عمر بن علي بن ا لحسين ، عن عبدا لرحمان بن محمّد بن عبيدالله بن أبي رافع .
|