في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة201)

كبشرى موضع بالعراق وفي هذا الموضع نهر يسمى بنهر سورى وهذا النهر بالاحتمال القوي منشعب من الفرات وخصوصيته انّ جريان الماء وسيلانه في هذا النهر محسوس بخلاف الدجلة والفرات كان جريان الماء فيهما لايحس بالمشاهدة ويشبه بالماء الراكد وكأنه لايحسّ جريانه إلاّ من دخل فيهما ولذا شبّه الفجر بنهر سورى لا بالدجلة والفرات ولمّا كان سيلانه كان محسوساً لذا يقال «نباض سورى» أيّ سيلان مائها ويقال «بياض سورى» بلحاظ مقايسته بطرفي النهر .
والفجر يجلب النظر من وجهين:
الأوّل: الخيط الأبيض وكونه محفوفاً .
الثاني: سيلان ضوء الفجر بالنسبة إلى السواد الذي في طرفيه .
واستدلّ بهذه الرواية لموضوعية التبيّن حيث قال الإمام (عليه السلام) في الرواية: «إذا رأيته كان معترضاً كأنّه بياض نهر سوراء» فللرؤية دخل في ماهية الفجر وانّ الفجر ما رأيته معترضاً وفيه إنّ ظاهر الرواية إنّ للفجر حالتين: مرئياً وغير مرئي وإذا كان مرئياً ، رأيته بنحو المعترض كأنه بياض نهر سوراء ، لا إنّ الفجر هو ما كان مرئياً وانّ للرؤية دخل في ماهيته .
ومنها رواية هشام بن الهذيل عن أبي الحسن الماضي قال: سألته عن وقت صلاة الفجر فقال حين يعترض الفجر فتراه مثل نهر سوراء(1) .
وفي سند هذه الرواية هشام بن الهذيل وليس له توثيق عام ـ كأن يكون في طريق أسناد كامل الزيارات أو في طريق أسناد تفسير علي بن إبراهيم ـ ولا توثيق خاص ولا تدلّ على موضوعيّة التبين وظاهرها مثل الصحيحة السابقة في انّ للفجر حالتين وإذا كان مرئياً رأيته بهذا النحو لا أنّ للرؤية دخل في الفجر وقلنا في

1  . وسائل الشيعة ، ج 3 ، أبواب المواقيت ، باب 27 ، ح 6 .

(الصفحة202)

ذيل رواية علي بن مهزيار انّ معنى كونه معترضاً ليس بمعنى التبين حتّى يكون للتبين والرؤية موضوعية لتحقق الفجر .
ومنها: صحيحة أبي بصير التي نقلها الصدوق والكليني: عن أبي بصير ليث المرادي قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) فقلت: متى يحرم الطعام والشراب على الصائم وتحلّ الصلاة صلاة الفجر فقال: إذا اعترض الفجر فكان كالقبطية البيضاء فَثَمّ يحرم الطعام على الصائم وتحلّ الصلاة صلاة الفجر . . .»(1) . رجلٌ قبطيٌ ، مَن وُلِد في مصر وثيابٌ قبطية ، ما صنعت في مصر وهي رقيقة بيضاء(2) وظاهر هذه الرواية انّ المشبه به أي القبطية البيضاء ـ واقعية خارجية يمكن أنّ يتعلق به الرؤية ويمكن أنّ لا يتعلق به الرؤية فكذلك المشبّه ـ أي اعتراض الفجر ـ واقعية خارجية يمكن أن يتعلق به الرؤية ويمكن أن لا تتعلق به ولا يكون للرؤية والتبين خصوصية لتحقق الفجر .
ومنها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلّي ركعتي الصبح وهي الفجر إذا اعترض الفجر وأضاء حسناً»(3) .
وهذه الرواية استدلّ بها أيضاً على موضوعية التبيّن ولعلّها عند التأمّل أشدّ إيهاماً للموضوعية .


1  . نفس المصدر ، ح 1 .
2  . قال في مجمع البحرين في مادة قبط «في الحديث: الفجر الصادق هو المعترض كالقباطي بفتح القاف وتخفيف الموحدة قبل الألف وتشديد الياء بعد الطاء المهملة ثياب بيض رقيقة تجلب من مصر واحدها قُبطي بضمّ القاف نسبة إلى القبط بكسر القاف وهم أهل مصر والتغيير هنا للاختصاص كما في الدُّهري بالضمّ نسبة إلى الدَّهر بالفتح وهذا التعبير إنّما أعتبر في الثياب فرقاً بين الإنسان وغيره فأمّا في الناس فيبني على أعتبار الأصل فيقول رجل قبطي وجماعة قبطية بالكسر لا غير ومنه حديث من ردّ الله عليهم أعمالهم فجعلها هباءً منثوراً قال (عليه السلام) : أما والله وكانت أعمالهم أشدّ بياضاً من القباطي» .
3  . وسائل الشيعة ، ج 3 ، أبواب المواقيت ، باب 27 ، ح 5 .

(الصفحة203)

وفيه أوّلاً أنّ تأخير النبي صلاته (صلى الله عليه وآله) حتّى أضاء الفجر حسناً لايدلّ على الوجوب بل يحتمل أن التأخير مستحب والرسول (صلى الله عليه وآله) كان يعمل على طبق الاستحباب .
وثانياً: ظاهر الرواية بقرينة روايات اُخر ـ كما قلنا في الروايات السابقة ـ أنّ تأخير النبيّ صلاته (صلى الله عليه وآله) حتّى اضاءة الفجر حسناً كان فيما رُؤى الفجر من دون وجود مانع كنور القمر أو الغيم لا أنّه يؤخّر في الليالي المغيمة أيضاً حتّى يذهب الغيم .
ومنها روايات اُخرى أضعف دلالة مما ذكر ولذا نُعرض عن ذكرها .
وامّا في القسم الثاني ـ الذي ذكر طلوع(1) الفجر بعنوان أوّل وقت صلاة الصبح لا نفس الفجر ـ فروايات .
منها: موثّقة معاوية بن وهب عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: أتى جبرئيل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمواقيت الصلاة فأتاه حين زالت الشمس فأمره فصلّى الظهر . . . ثمّ أتاه حين طلع الفجر فأمره فصلّى الصبح . . .(2) .
ومنها: موثّقة زرارة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لايصلّي من النهار شيئاً حتّى تزول الشمس . . . فإذا طلع الفجر وأضاء صلّى الغداة(3) .
وهذه الرواية موثّقة بموسى بن بكر فإنه ثقة وإن كان واقفياً .
هنا نكتة أساسها من آية الله العظمى البروجردي (قدس سره) وهي انّ المعروف بين الفقهاء عدم الإطلاق لفعل المعصوم من جهة وعدم وجوبه ولزومه من جهة اخرى لانّ الفعل يمكن وقوعه بنحو الاستحباب ولكنّ المهمّ انّ هذا صحيح فيما كان الناقل

1  . وورد في سورة القدر انّ انتهاء ليلة القدر طلوع الفجر وانّ هذه الليلة سلام حتّى مطلع الفجر «سلام هي حتّى مطلع الفجر» .
2  . وسائل الشيعة ، ج 3 ، أبواب المواقيت ، باب 10 ، ح 5 .
3  . وسائل الشيعة ، ج 3 ، أبواب المواقيت ،باب 10 ، ح 3 .

(الصفحة204)

والحاكي غير المعصوم وامّا إذا كان الناقل عن فعل النبيّ مثلاً هو المعصوم ، وحكايته في مقام بيان حكم الله الواقعي ، فهنا نتمسك بالإطلاق إذا لم يذكر قيداً ، كما كان نستظهر الوجوب إذا لم يكن قرينة على خلافه .
ومنها: رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا تفوت الصلاة من أراد الصلاة ، لا تفوت صلاة النهار حتّى تغيب الشمس ولا صلاة الليل حتّى يطلع الفجر ولا صلاة الفجر حتّى تطلع الشمس(1) .
والظاهر انّ المراد بصلاة الليل صلاة المغرب والعشاء لا نافلة الليل لانّه ذكر في مقابل صلاة النّهار نعم هل يوجد معارض لهذه الرواية في وقت صلاة المغرب والعشاء فموكول إلى بحث تحديد وقت العشاءين .
ومنها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (في حديث) قال: إذا طلع الفجر فقد دخل وقت الغداة(2) .
ومنها: موثّقة موسى بن بكر من زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس(3) .
ومنها: موثقة عمّار بن موسى عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل إذا غلبته عينه أو عاقه أمرٌ أن يصلّي المكتوبة من الفجر مابين أن يطلع الفجر إلى أن تطلع الشمس وذلك في المكتوبة خاصّة(4) .
وامّا في القسم الثالث ـ الذي ذكر الإنشقاق بعنوان أوّل وقت صلاة الصبح ـ فروايات .


1  . نفس المصدر ، ح 9 .
2  . وسائل الشيعة ، ج 3 ، أبواب المواقيت ، باب 26 ، ح 2 .
3  . نفس المصدر ، ح 6 .
4  . نفس المصدر ، ح 7 .

(الصفحة205)

منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام): قال: «وقت الفجر حين ينشقّ الفجر إلى أن يتجلّل الصبح السماء . . .»(1) .
ومنها: رواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «لكلّ صلاة وقتان وأوّل الوقتين أفضلهما ووقت صلاة الفجر حين ينشقّ الفجر إلى أن يتجلّل الصبح السماء...»(2).
والبحث هنا في انّ طلوع الفجر وانشقاقه أمر زائد على نفس الفجر أو لا وبعبارة أخرى هل هما قيدان توضيحيان أو احترازيان .
الظاهر إنّهما ليسا أمرين زائدين على نفس الفجر سيّما بعد ملاحظة اللغة وانّ الفجر لغوياً هو الانشقاق ويستعمل الفجر في الينابيع التي خرجت من الأرض والقرآن استعمل كلمة الفجر والتفجر وأمثالهما . والآية الشريفة «كلوا وأشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض» في انّ الفجر أوّل وقت صلاة الصبح وهو الخيط الأبيض فالطلوع والانشقاق قيدان توضيحيان . وهذا يتّضح أكثر إن لاحظنا سورة القدر وانّ إتمام ليلة القدر بطلوع الفجر «سلام هي حتّى مطلع الفجر» فهل هذا الظهور الموضوعي للطلوع موجود في الآية أيضاً أو لا ، بمعنى أنه هل إتمام ليلة القدر(3) منوط بالتبيّن الخارجي لنا وانّ التبيّن له موضوعية في إتمام ليلة القدر وطلوع الفجر أو لا .
هل يتصور ان يقال انّ ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر ولها بركات وآثار لاتتمّ حتّى يتبيّن لنا طلوعه ، مع انّ التبيّن يمكن له موضوعية في التكاليف وامّا في مثل «سلام هي حتّى مطلع الفجر» الذي لا يرتبط بنا مستقيماً بل يبيّن آثار

1  . وسائل الشيعة ، ح 3 ، أبواب المواقيت ، باب 26 ، ح 1 .
2  . نفس المصدر ، ح 5 .
3  . ولايخفى انّ ليلة القدر بحسب الروايات في الليالي المقمرة .

(الصفحة206)

وبركات ليلة القدر سواء استفدنا منها أم لا ، فلا يمكن تصوير الموضوعية للتبيّن ، فالآثار موجودة مالم يتحقق الفجر واقعاً وانّ تحقق تمّت تلك الآثار سواء ترى طلوع الفجر أم لا فأضافة الطلوع إلى الفجر لايزيد أكثر من نفس الفجر وهو الانشقاق الواقعي .
مضافاً إلى انّ هنا نقطة أهم مما ذكر وهي تزيل غبار الشبهة في الأدلّة اللفظيّة وهي انّ بعض الاُمور الكثير الإبتلاء صار مفعولاً عنه من بعض الجهات عند عامة الناس وحتّى عند من له مرتبة من العلم وفي هذه الموارد لابدّ ان ينبّه الإمام (عليه السلام)ويتعرض له .
وفيما نحن فيه نقول هذه المسألة أي مسألة الليالي المقمرة والمغيمة ليست من المسائل المستحدثة بل عند تشريع صلاة الفجر كان الناس مبتلى بها حيث انّ الليالي المقمرة في كل شهر تشغل حدود عشر ليال بل أكثر والغيم آنذاك كان أمراً متعارفاً في بعض الليالي ومع ذلك لم ينبّه الإمام (عليه السلام) في رواية بذلك ، نعم يوجد في سؤال السائل في صحيحة علي بن مهزيار ، السؤال عن الفجر مع نور القمر والغيم ولكن الإمام (قدس سره) لم يصرّح بالفرق بين الليالي المقمرة والمغيمة وبين غيرها أو بين الليالي المقمرة وبين المغيمة . ونحن استفدنا من هذه النقطة في بعض موارد الفقة مثل مسألة الطواف حيث التزم الفقهاء بتضيق محل الطواف خلف حجر إسماعيل بمقداره وقالوا بقي هناك ستة أذرع ونصف تقريباً فيجب انّ لا يتجاوز هذا الحدّ ولو تخلّف أعاد هذا الجزء في الحدّ .
ولكنّا قلنا بأنّ مقدار المطاف يلاحظ من الحجر ولا يضيق لانّه لو كان ضيّقاً في هذه الناحية لكانت كثرة الإبتلاء موجبة للتنبّه عليه ولو في رواية واحدة كما انّ الأئمة (عليهم السلام) تعرضوا لخصوصيات كثيرة في الحجّ ومع ذلك لم ترد رواية في

(الصفحة207)

هذا المورد(1) .
فعلى هذا فيما نحن فيه أولاً لم يصرّح الإمام بالفرق بين الليالي المقمرة وبين المغيمة في صحيحة علي بن مهزيار مع انّ الناس كانوا يبتلون بالليالي المقمرة في كل شهر وبالليالي المغيمة في بعض الأحيان .
وثانياً: لو صرّح في هذه الرواية لما تكفي الذهاب المشهور على عدم الفرق بين المقمرة والمغيمة وغيرهما . ولايخفى انّ عدم الفرق لايحتاج إلى التذكار والتنبيه بخلاف وجود الفرق فإنّه يحتاج إلى التبيين والعجب انّ المشهور لم يتعرضوا هذه المسألة وأوّل من ذكرها صاحب الجواهر ومضى في البحث باحتياط التأخّير وأوّل من أفتى بلزوم التأخير المحقّق الهمداني وقال هذا ظاهر فتاوى الأصحاب مع أنّ مقصوده إن كان تصريح الأصحاب فهو ممنوع لعدم تعرضهم بهذه المسألة أصلاً وإن كان مراده انّ ظاهر كلماتهم اعتبار اعتراض الفجر وتبيّنه في الاُفق بالفعل فهو صحيح ولكن لابدّ أن يعتبر مع القمر والغيم ولكنّهم لم يعتبروا في مورد الغيم والمحصّل انّ الكلام الأخير ـ وهو لزوم التنبيه على أمر مغفول عنه مع كثرة الإبتلاء

1  . قال دام عزّه الوارف في «تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة»: «مستند الضيق بالمقدار المذكور هو الجمع بين الرواية المتقدّمة الدالّة على انّ حدّ الطواف بين البيت والمقام وبين ما تقدّم ممّا دلّ على انّ الحجر لايكون جزءً من البيت بل يكون بجميع أجزائه خارجاً عنه وعليه فاللازم ملاحظة الحدّ في جانبه من نفس البيت واستثناء مقدار الحجر الذي هو قريب من عشرين ذراعاً فلا يبقى إلاّ ستة أذرع ونصف تقريباً ويتحقق الضيق جداً .
هذا والظاهر عندي عدم تحقق الضيق من ناحية الحجر بوجه وانّ مقدار المطاف يلاحظ من الحجر وان كان خارجاً عن البيت بجميع أجزائه وذلك لانّه لو كان محلّ الطواف ضيقاً في هذه الناحية لكانت كثرة الإبتلاء مقتضية بل موجبة للتعرض له صريحاً والتنبيه عليه ولو في رواية واحدة مع انّه لايوجد ذلك في شيء من الروايات ولم يتحقّق التنبيه على ذلك ولو في مورد فيكشف ذلك عن عدم تحقق الضيق أصلاً وانّ المقدار المذكور يلاحظ في ناحية الحجر من الحجر وانّ كان خارجاً عن البيت فتدبّر . (تفصيل الشريعة ، كتاب الحج ، ج 4 ، ص 376) .

(الصفحة208)

به ـ مع الغمض عن الآية والروايات ، يوجب الإطمئنان بعدم لزوم تأخير الصلاة والإمساك ولا فرق بين الليالي ، مغيمة كانت أو مقمرة أو غيرهما ولو ثبت الفرق واقعاً لزم التنبيه عليه لا مرة واحدة بل مرات عديدة .

الأصل العملي في المسألة
ولو فرضنا الإجمال في الأدلّة اللفظية ولم تدلّ على قول أحد طرفي النزاع أي قول المشهور ومقابلهم فهل يجري الاستصحاب أو لا؟

الشبهة الموضوعية
ولا إشكال في جريان الاستصحاب في الشبهة الموضوعية ويجوز للمكلّف إذا شكّ في الليالي المغيمة «هل طلع الفجر أو هل تبيّن الفجر على القولين المتقدمين» أن يُجري استصحاب عدم الطلوع أو عدم التبيّن حتّى يستيقن أو تقوم به البينّة .

الشبهة الحكمية
وامّا الشبهة الحكمية بمعنى إنا لا نعلم هل جعل الشارع ملاك أوّل وقت صلاة الصبح واقع الخيط الأبيض أو تبيّنه فهنا استصحابان استصحاب في الموضوع واستصحاب في الحكم .
امّا الاستصحاب الموضوعي في الشبهة الحكمية فلا يجري للعلم الإجمالي بأنّ عدم جواز الأكل امّا مغيّى بالطلوع أو بالتبيّن والأصل النافي في أطراف العلم الإجمالي إمّا لايجري رأساً أو يجري ولكن يسقط بالتعارض .
لا يقال أنا بعد طلوع الفجر وقبل تبينّه ، تُجرى الاستصحاب في الليل لأنّا نشكّ في معنى الليل والأصل بقاء الليل .


(الصفحة209)

لأنّا نقول: أولاً جريان استصحاب الليل بنحو الشبهة الموضوعية فلا إشكال في جريانه بمعنى انّا نستصحب الليل عند الشكّ في طلوع الفجر ولكنّ جريانه بنحو الشبهة الحكمية فلا لأنّ الشبهة حينئذ مفهومية ولا شكّ في الخارج حيث إنّ طلوع الفجر قد حصل وتبينّه لم يحصل بعدُ .
وأدلّة الاستصحاب ناظرة إلى الخارج لا إلى المفهوم ولا يقين من بدو الأمر بأنّ الليل إلى طلوع الفجر أو إلى تبين الفجر ، بل نعلم انّ الليل إن كان إلى طلوع الفجر فقد حصل وإن كان إلى تبيّن الفجر فلم يحصل بعدُ ، فلا شك في متيقن سابق(1) .
وثانياً: إنّ الحكم في الآية لم يترتّب على عنوان الليل أو عدمه بل ترتّب جواز الأكل والشرب مغيّى بطلوع الفجر أو تبيّنه بمعنى انّ غاية الأكل والشرب امّا طلوع الفجر أو تبيّنه .
وثالثاً: انّ استصحاب الليل انّ كان لإثبات الليل فلا يكون هو موضوع الدليل وإن كان لإثبات انّ الغاية نفس التبيّن لا طلوع الفجر فهو أصل مثبت .
وامّا الاستصحاب الحكمي في الشبهة الحكمية فلا إشكال في جريانه بمعنى إنا

1  . فليس لنا يقين وشكّ تعلّقا بشيء واحد حتّى نُجرى الاستصحاب فيه بل لنا يقينان: يقين بطلوع الفجر ويقين بعدم تبيّنه ، فأيّ موضوع يشكّ في بقائه بعد العلم بحدوثه حتّى يكون مجرى للاستصحاب فإذا لا شكّ لنا إلاّ في مفهوم اللفظ ومن الظاهر انّه لا معنى لجريان الاستصحاب فيه .
قال صاحب مصباح الاُصول تقريراً لبحث آية الله العظمى الخوئي: «ونظير المقام ما إذا شككنا في معنى العدالة وأنها عبارة عن ترك الكبائر فقط أو هو مع ترك الصغائر ، فإذا كان زيد عادلاً يقيناً فأرتكب صغيرة نشك في بقاء عدالته للشبهة المفهوميّة ، فلا معنى لجريان الاستصحاب الموضوعي لعدم الشكّ في شيء من الموضوع حتّى ليجرى فيه الاستصحاب ، فإنّ ارتكابه الصغيرة معلوم وارتكابه الكبيرة معلوم الانتفاء فليس هنا شيء يشكّ في بقائه لجيري فيه الاستصحاب وقد صرّح الشيخ (رحمه الله) في بعض تحقيقاته بعدم جريان الاستصحاب الموضوعي في موارد الشبهة المفهومية» (مصباح الاُصول، ج3، ص132).

(الصفحة210)

نشك بعد طلوع الفجر وقبل تبيّنه في الحكم أي في جواز الأكل والشرب ونستصحب جوازهما وأيضاً نشكّ بعد طلوع الفجر وقبل تبيّنه في جواز الدخول في صلاة الصبح فنستصحب عدم جواز الدخول .

محصل الكلام
فمحصل الكلام في الأصل العملي انّ الاستصحاب في الشبهة الموضوعية يجري وامّا في الحكمية ففي الموضوع لايجري وفي الحكم يجري .
هذا تمام الكلام في البحث عن الفجر في الليالي المقمرة ، والحمد لله رب العالمين .


(الصفحة211)




عدّة المرأة التي أخرجت رحمها


بحث دام ظلّه المسألة في كتاب تفصيل الشريعة ضمن مسألة عدّة من لا تحيض استطراداً وأوردنا المسألة من أوّلها والرسالة في ضمنها .


(الصفحة213 )



فصـل في عدّة الفراق طلاقاً كان أو غيره

مسألة 1 : لا عدة على من لم يدخل بها ولا على الصغيرة ، وهي من لم تكمل التسع وإن دخل بها ، ولا على اليائسة سواء بانت في ذلك كلّه بطلاق أو فسخ أو هبة مدة أو انقضائها1 .


1 ـ لا تكون عدّة الفراق ثابتة على جماعة :
احداها : من لم يدخل بها ، سواء كانت كبيرة أم صغيرة; لقوله تعالى : {ثُمَّ طَلَّقتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدّة تَعْتَدُّونَهَا}(1) .
والروايات الواردة في هذا المجال كثيرة ، مثل :
صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا طلّق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها ، فليس عليها عدّة ، تزوّج من ساعتها إن شاءت ، وتبينها تطليقة واحدة ، وإن كان فرض لها مهراً فنصف ما فرض(2) .


(1) سورة الأحزاب: 33 / 49 .
(2) الكافي: 6 / 83 ح3 ، التهذيب: 8 / 64 ح311 ، الاستبصار: 3 / 296 ح1047 ، الوسائل: 22 / 176 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب1 ح4 .

(الصفحة214 )



ورواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا طلّق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها تطليقة واحدة ، فقد بانت منه ، وتزوج من ساعتها إن شاءت(1) .
وصحيحة زرارة ، عن أحدهما (عليهما السلام) في رجل تزوّج امرأة بكراً ، ثم طلّقها قبل أن يدخل بها ثلاث تطليقات ، كلّ شهر تطليقة ، قال : بانت منه في التطليقة الاُولى ، واثنتان فضل ، وهو خاطب ، يتزوّجها متى شاءت وشاء بمهر جديد . قيل له : فله أن يراجعها ، إذا طلّقها تطليقة قبل أن تمضي ثلاثة أشهر ؟ قال : لا ، إنّما كان يكون له أن يراجعها لو كان دخل بها أوّلا ، فأمّا قبل أن يدخل بها فلا رجعة له عليها ، قد بانت منه ساعة طلّقها(2) . ومراده (عليه السلام) من الفضل هو البطلان .
وصحيحة عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سأله أبي ـ وأنا حاضر ـ عن رجل تزوّج امرأة فأُدخلت عليه ولم يمسّها ولم يصل إليها حتى طلّقها ، هل عليها عدّة منه؟ فقال : إنّما العدّة من الماء ، قيل له : فإن كان واقعها في الفرج ولم ينزل؟ فقال : إذا أدخله وجب الغسل والمهر والعِدّة(3) .
وفي روايته الاُخرى المتحدة مع هذه الرواية إضافة ، وملامسة النساء هي (هو  خ ل) الايقاع بهنّ(4) .
وصحيحة الحلبي الاُخرى ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل دخل بامرأة ، قال : إذا التقى الختانان وجب المهر والعدّة(5) .


(1) الكافي: 6 / 84 ح6 ، الوسائل: 22 / 175 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب1 ح3 .
(2) الكافي: 6 / 84 ح4 ، الوسائل: 22 / 175 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب1 ح2 .
(3) الكافي: 6 / 109 ح6 ، الوسائل: 21 / 319 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ب54 ح1 .
(4) الكافي: 6 / 109 ح4 ، الوسائل: 21 / 319 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ب54 ح2 .
(5) الكافي: 6 / 109 ح1 ، الوسائل: 21 / 319 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ب54 ح3 .

(الصفحة215 )



ورواية حفص بن البختري ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل دخل بامرأة ، قال : إذا التقى الختانان وجب المهر والعدّة(1) .
وغير ذلك من الروايات(2) الدالّة عليه ، ومقتضاها إطلاقاً أو صريحاً أنّ المسّ والدخول والتقاء الختانين ، وأمثال ذلك من العناوين موجب للعدّة ، وإن لم يتحقق الإنزال ،وإن كانت حكمة العدّة وثبوتها مقتضية لعدم ثبوتها مع عدم تحقّق الإنزال ، إلاّ أنّ الحكم لا يدور مدار الحكمة; ولأجله ذكر صاحب الجواهر (قدس سره): أنّه لا فرق بين القبل والدبر في ذلك بلا خلاف أجده ، قال: بل ظاهرهم الإجماع عليه(3) وإن توقّف فيه في الحدائق(4) . بدعوى إنصراف المطلق إلى الفرد الشائع ، الذي هو المواقعة في القبل ، بل به يتحقّق إلتقاء الختانين(5) .
أقول : ظاهر إلتقاء الختانين وإن كان هو خصوص الوطء في القبل ، إلاّ أنّ العناوين الاُخرى الواردة في الكتاب(6) والسنّة(7) مطلقةٌ شاملةٌ للوطء في الدبر خصوصاً بعد كون الدبر أحد المأتيين وأحد الفرجين ، وبعد ملاحظة:
صحيحة أبي عبيدة قال: سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن خصيّ تزوّج امرأة وفرض لها

(1) التهذيب: 7/464 ح1861، الاستبصار: 3/226 ح819، الوسائل: 21/320، كتاب النكاح، أبواب المهور ب54 ح8.
(2) الوسائل:21/319 ـ 320، كتاب النكاح، أبواب المهور ب54 وج22/175 ـ 177، كتاب الطلاق، أبواب العدد ب1.
(3) رياض المسائل: 7/356 ـ 357، نهاية المرام: 2/76 ، الحدائق الناضرة: 25/393 ، مسالك الافهام: 9/215 .
(4) الحدائق الناضرة: 25 / 393 .
(5) جواهر الكلام: 32 / 213 .
(6) سورة البقرة: 2 / 223 .
(7) الوسائل: 20 / 145 ـ 148 ، أبواب مقدمات النكاح ب73 .

(الصفحة216 )



صداقاً وهي تعلم أنّه خصيّ ، فقال: جائز ، فقيل: فإنّه مكث معها ما شاء الله ثم طلّقها ، هل عليها عدّة؟ قال : نعم أليس قد لذّ منها ولذّت منه(1) .
فإنّ مطلق الالتذاذ من الطرفين ، وإن لم يكن موجباً لترتّب العِدّة وثبوتها ، إلاّ أنّ الالتذاذ الحاصل بسبب الدخول ولو في الدبر يوجب ذلك . لكن في مقابلها صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي قال : سألت الرضا (عليه السلام) عن خصيّ تزوّج امرأة على ألف درهم ، ثم طلّقها بعدما دخل بها ، قال : لها الألف التي أخذت منه ولا عِدّة عليها(2) .
هذا والظاهر أنّ المراد من الدخول بها الخلوة ، وعليه فثبوت الألف لها إنّما هو بنحو الندب .
والجمع بينهما بحمل الاعتداد في الصحيحة الاُولى على الندب المنافي لما عليه الأصحاب والنصوص السابقة خلاف الظاهر جدّاً ، هذا ولكن الاحتياط في الوطء في الدبر لا ينبغي تركه .
هذا ، وقد قال المحقّق في الشرائع : أما لو كان مقطوع الذكر ، سليم الاُنثيين ، قيل: تجب العدّة; لإمكان الحمل بالمساحقة ، وفيه تردّد; لأنّ العِدّة تترتّب على الوطء ، نعم لو ظهر حمل اعتدّت منه بوضعه لإمكان الإنزال(3) . وفي محكي القواعد: وكذا لو كان مقطوع الذكر والانثيين على إشكال(4) . واللاّزم ملاحظة تحقق شرائط اللحوق وعدم تحققها ، إلاّ أن يقال: بأنّ المفروض خصوصاً في كلام المحقّق صورة

(1) الكافي: 6 / 151 ح1 ، الوسائل: 22 / 255 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب39 ح1 .
(2) التهذيب: 7 / 375 ح1517 ، الوسائل: 21 / 303 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ب44 ح1 .
(3) شرائع الإسلام: 3 / 34 .
(4) قواعد الاحكام: 2 / 68 .

(الصفحة217 )



العلم بكون الولد منه ، فتدبّر جيّداً .
ثانيتها : الصغيرة وهي من لم تكمل التسع ، فإنّه لا عِدّة عليها ، وإن دخل بها مع الجواز أو بدونه ، ويدل عليه روايات ، مثل :
صحيحة حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن التي قد يئست من المحيض ، والتي لا تحيض مثلها ، قال : ليس عليها عِدّة(1) .
ومرسلة جميل بن درّاج ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما (عليهما السلام) في الرجل يطلّق الصّبية ، التي لم تبلغ ، ولا تحمل مثلها ، فقال: ليس عليها عِدّة وإن دخل  بها(2) .
ورواه في الوسائل مرّتين مع إضافة في سؤال الثاني: والمرأة التي قد يئست من المحيض وارتفع حيضها فلا يلد مثلها(3) .
ورواية عبد الرحمن بن الحجّاج قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : ثلاث تتزوّجن على كلّ حال ، التي لم تحض ومثلها لا تحيض ، قال: قلت : وما حدّها؟ قال : إذا أتى لها أقلّ من تسع سنين ، والتي لم يدخل بها ، والتي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض ، قلت : وما حدّها ؟ قال : إذا كان لها خمسون سنة(4) .
وغير ذلك من الروايات(5) الدالة عليه ، لكن في مضمرة أبي بصير قال : عدّة التي لم تبلغ الحيض ثلاثة أشهر ، والتي قد قعدت من المحيض ثلاثة أشهر(6) .


(1) التهذيب: 8 / 66 ح218 ، الوسائل: 22 / 177 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب2 ح1 .
(2) التهذيب: 8 / 66 ح219 ، الوسائل: 22 / 178 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب2 ح2 .
(3) الكافي: 6 / 84 ح1 ، الوسائل: 22 / 178 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب2 ح3 .
(4) الكافي: 6 / 85 ح4 ، الوسائل: 22 / 179 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب2 ح4 .
(5) الوسائل: 22 / 177 ـ 183 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب2 و3 .
(6) الكافي: 6 / 85 ذيل ح5 ، الوسائل: 22 / 179 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب2 ح6 .

(الصفحة218 )



وذكر صاحب الوسائل بعد نقل الخبر : حمله الشيخ(1) وغيره(2) على المسترابة وهي التي لا تحيض وهي في سنّ من تحيض . وكذلك نقل الكليني عن معاوية بن حكيم أنّه حمل الحديث على المسترابة(3) ، ونقل الشيخ فيه الإجماع وهو مطابق لظاهر القرآن(4)(5) . ويمكن حمل ما تضمن العدّة هنا على التقية; لموافقتها لمذهب العامة وعلى الاستحباب لما مرّ .
وفي رواية محمد بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الجارية التي لم تدرك الحيض ، قال : يطلّقها زوجها بالشهور ، الحديث(6) .
وفي رواية هارون بن حمزة الغنوي قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن جارية حدثة طلّقت ولم تحض بعد ، فمضى لها شهران ، ثم حاضت ، أتعتدّ بالشهرين؟ قال : نعم ، وتكمل عدّتها شهراً ، فقلت : أَتكمل عدّتها بحيضة؟ قال : لا ، بل بشهر يمضي (مضى خ ل) أخر عدّتها على ما يمضي (مضى خ ل) عليه أوّلها(7) .
وفي رواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : عِدّة التي لم تحض ، والمستحاضة التي لا تطهر ثلاثة أشهر ، وعدّة التي تحيض ويستقيم حيضها ثلاثة قروء ، والقروء جمع الدم بين الحيضتين(8) .


(1) التهذيب: 8 / 68 ذح224 .
(2) مختلف الشيعة: 7 / 466 ـ 467 .
(3) الكافي: 6 / 86 ذح5 .
(4) سورة الطلاق: 65 / 4 .
(5) التهذيب: 8 / 138 ذح481 ، الاستبصار: 3 / 338 ذح1205 .
(6) التهذيب: 8 / 138 ح482 ، الوسائل: 22 / 180 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب2 ح7 .
(7) التهذيب: 8 / 139 ح483 . الوسائل: 22 / 181 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب2 ح9 .
(8) الكافي: 6 / 99 ح3 ، الوسائل: 22 / 187 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب4 ح9 .

(الصفحة219 )



هذا وقد ذكر المحقّق في الشرائع: وفي اليائسة ، والتي لم تبلغ روايتان: إحداهما أنّهما تعتدّان بثلاثة أشهر ، والاُخرى لا عِدّة عليهما وهي الأشهر(1) . والأصل في القول الأوّل وإن كان هي الآية الشريفة وهو قوله تعالى : {وَاللاَّئِى يَئِسْنَ مِنَ المـَحِيضِ مِن نسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُر وَاللاَّئِى لَمْ يَحِضْنَ . . .}(2)لأنّ السيّد المرتضى القائل بهذا القول(3) لا يرى التمسك بخبر الواحد ، إلاّ أنّ أوّل المرجّحات في باب الخبرين المتعارضين هي الشهرة الفتوائية كما نبهنا عليه مراراً ، ولا شبهة في ثبوتها للطائفة الثانية .
بل يظهر من الجواهر أنّه لم يعرف القائل بالقول الأوّل عدا جماعة معدودين(4) ، بل ربما يظهر من غير واحد دعوى الإجماع(5) في مقابله(6) ، ولا مانع من حمل قوله: عدّة التي لم تحض على التي لم تحض وهي في سنّ من تحيض ، كما اخترناه في هذه المسألة ، ولعلّها تجيء فيما بعد مع الإشارة إلى دليلها وبيان وجهها .
ثالثتها : اليائسة ولو كانت كبيرة بالغة مدخولا بها ، والكلام فيها يظهر من الكلام في الصغيرة ، وفي كلام المحقق المتقدّم عطف الصغيرة على اليائسة ، وقد تقدم

(1) شرائع الإسلام: 3 / 35 .
(2) سورة الطلاق: 65 / 4 .
(3 و 4) الانتصار: 334 ـ 336 ، الغنية: 382 .
(5) المقنعة: 532 ـ 533 ، النهاية: 532 ـ 533 ، الخلاف: 5 / 53 . المقنع: 345 ، المراسم: 166 ، الكافي في الفقه: 312 ، الوسيلة: 325 ، السرائر: 2 / 733 ، المهذب: 2 / 315 ـ 316 ، رياض المسائل: 7 / 367 .
(6) جواهر الكلام: 32 / 233 .

(الصفحة220 )



معنى اليأس في كتاب الطهارة .

عدّة من لا تحيض وهي في سن من تحيض
وحيث انجرّ البحث في هذه المسألة إلى طوائف من النساء ، لا تكون عدّة الفراق ثابتة لهنّ ، فينبغي البحث في طائفة رابعة; لكون المسألة مبتلى بها سيّما في زماننا هذا ، حيث إنّ بعض النساء يخرجن أرحامهنّ لعلّة الكسالة أو بعض الأهداف الاُخر ، مثل عدم الحمل أو غيره ، وبالنتيجة يخرجن من دائرة الحيض المتعارف مع كونهنّ في سنّ من تحيض; لعدم بلوغ سنّ اليأس .
وقد التزم بعض الأفاضل من المعاصرين تبعاً لبعض القدماء من الأصحاب أو مشهورهم(1) رضوان الله عليهم أجمعين بعدم ثبوت العدّة عليهنّ في صورة الطلاق; لعدم الحيض على ما هو المفروض .
وقد تعرّضتُ لهذه المسألة مفصّلا في إحدى شهور رمضان الماضية ، فأردت إيرادها بصورة «رسالة» مستقلّة في هذا المقام; لكي ينتفع بها الناظر فيها إن شاء الله تعالى وأنتفع بها في الآتي في الدنيا والآخرة .
وقبل الشروع في البحث نمهّد مقدّمة ، وهي أنّ العِدّة في النساء لا تكون تابعة لوجود الحمل أو إحتماله فيها; لثبوت العِدّة في موارد يعلم فيها بعدم الحمل كالزوج الذي يكون في السجن مدّة سنّة ، وفي هذه المدّة لم يمسّ زوجته أصلا ، فإذا خرج من السجن طلّق زوجته فوراً من غير تماس ، فإنّه لا إشكال في ثبوت العدّة

(1) لم نقف على أحد من القائلين بذلك ، بل ادّعى الإجماع على ثبوت العدّة في الشرائع: 3 / 35 ونهاية المرام: 2 / 83 ورياض المسائل: 7 / 362 .
<<التالي الفهرس السابق>>