الصفحة 181
الإتيان بشيء من المفطرات .
الثالث : إذا نسي غسل الجنابة ومضى عليه يوم أو أيّام كما مرّ 1 .
1ـ ما ذكرناه في أوّل مباحث كتاب الصوم(1) من لزوم أن يكون الصوم مقروناً بنيّة ، ولا يكفي مجرّد الإمساك ولو عن جميع المفطرات من دون نيّة الصوم ، أو ما هو بمعناه في سائر اللغات ; لأنّه من العناوين القصديّة التي قوامها بالقصد، كعنوان الصلاة ، كما أنّا ذكرنا فيه(2) عباديّة الصوم وأن يكون قصده مقروناً بنيّة القربة وخالياً عن الرياء المخلّ بالعباديّة ، فمع الإخلال بشيء من الأمرين وإن كان لايتحقّق الصوم المأمور به في الشريعة ، إلاّ أنّ غايته عدم التحقّق ، وهو يوجب القضاء ; لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه .
وأمّا إيجابه للكفّارة أيضاً فلم يقم دليل عليه ، كما أنّه لم يقم دليل على وجوب الكفّارة في كلّ مورد وجوب القضاء ; لعدم الملازمة بين الأمرين أصلاً ، والمفروض عدم الإتيان بشيء من المفطرات الموجبة للكفّارة ، وهكذا الإخلال باستمرار النيّة المعتبرة من حين طلوع الفجر إلى الغروب ، وقد ذكرنا(3) أنّ نيّة القطع معناها عدم استمرار نيّة الصوم ولو ارتكازاً . وأمّا نيّة القاطع، فقد فصّلنا فيها(4) بأنّه إن رجعت إلى نيّة القطع يجري عليها حكمها ، وإن لم ترجع لا دليل على البطلان بها . وبعبارة اُخرى : إن توجّه إلى الملازمة ولو بالتبع فهو موجب للبطلان فقط ، وإلاّ فلا قضاء فضلاً عن الكفّارة .
وأمّا من نسي غسل الجنابة ومضى عليه يوم أو أيّام ، فقد تقدّم البحث عن
(1، 2) في ص 7 ـ 17 .
(3، 4) في ص 58 ـ 60 .
الصفحة 182
الرابع : إذا أتى بالمفطر قبل مراعاة الفجر ، ثمّ ظهر سبق طلوعه إذا كان قادراً على المراعاة ، بل أو عاجزاً على الاحوط . وكذا مع المراعاة وعدم التيقّن ببقاء الليل ; بأن كان ظانّاً بالطلوع أو شاكّاً فيه على الأحوط وإن كان الأقوى عدم وجوب القضاء مع حصول الظنّ بعد المراعاة ، بل عدمه مع الشكّ بعدها لا يخلو من قُوّة أيضاً . كما أنّه لو راعى وتيقّن البقاء فأكل، ثمّ تبيّن خلافه صحّ صومه . هذا في صوم شهر رمضان . وأمّا غيره من أقسام الصوم ـ حتّى الواجب المعيّن ـ فالظاهر بطلانه بوقوع الأكل بعد طلوع الفجر مطلقاً; حتّى مع المراعاة وتيقّن بقاء الليل 1 .
حكمه في مسألة تعمّد البقاء على الجنابة(1) ، ولا حاجة إلى الإعادة ، فراجع .
1ـ في هذا الأمر في الحقيقة فرعان :
الأوّل : ما إذا أتى بالمفطر قبل مراعاة الفجر ثمّ ظهر سبق طلوعه ، ففي فرض القدرة على المراعاة يجب عليه القضاء ، وفي فرض العجز على الأحوط . ويدلّ على وجوب القضاء وإن كان مقتضى الاستصحاب الجواز ـ مضافاً إلى أنّه مقتضى القاعدة ; لفرض سبق الطلوع وعدم وقوع مجموع النهار ظرفاً للصوم ـ صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أ نّه سئل عن رجل تسحّر ثمّ خرج من بيته وقد طلع الفجر وتبيّن ؟ فقال : يتمّ صومه ذلك ثمّ ليقضه . . . الحديث(2) . ولعلّ مقتضى إطلاق السؤال وترك الاستفصال في الجواب عدم الفرق بين صورة القدرة على المراعاة وصورة العجز وإن كان المتيقّن هي الاُولى ،ولذااحتاط في الثانية بالاحتياط الوجوبي .
(1) في ص 78 ـ 80 .
(2) الكافي 4 : 96 ح 1 ، تهذيب الأحكام 4 : 269 ح 812 ، الاستبصار 2 : 116 ح 379 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 115 ، كتاب الصوم ، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 44 ح 1 .
الصفحة 183
الثاني : ما إذا أتى بالمفطر مع المراعاة وعدم التيقّن ببقاء الليل ; بأن كان ظانّاً بالطلوع أو شاكّاً فيه ، وقد احتاط فيه بالقضاء وإن أفتى بعدم الوجوب في صورة الظنّ ، بل نفى خلوّ عدم الوجوب في صورة الشكّ عن القوّة .
والمستند في هذا الفرع موثّقة سماعة بن مهران قال : سألته عن رجل أكل أو شرب بعد ما طلع الفجر في شهر رمضان ؟ فقال : إن كان قام فنظر فلم ير الفجر فأكل ثمّ عاد فرأى الفجر فليتمّ صومه ولا إعادة عليه ، وإن كان قام فأكل وشرب ثمّ نظر إلى الفجر فرأى أنّه قد طلع الفجر فليتمّ صومه ويقضي يوماً آخر ; لأنّه بدأ بالأكل قبل النظر فعليه الإعادة(1) . والرواية ظاهرة ـ خصوصاً مع التعليل المذكور فيها ـ في التفصيل بين صورة المراعاة فلا يجب القضاء ، وبين صورة عدم المراعاة ـ كما في الفرع الأوّل ـ فيجب القضاء وإن كان يجب الصوم بمعنى الإمساك في هذا اليوم أيضاً، كما مرّ .
وأمّا التفصيل المذكور في آخر الكلام في صورة تيقّن البقاء بالإضافة إلى شهر رمضان وغيره من أقسام الصوم الواجب حتى المعيّن منه ، بصحّة الصوم في الأوّل والبطلان في الثاني وإن كان واجباً معيّناً وفرض تيقّن البقاء والمراعاة فضلاً عن غيرها ، فالوجه في عدم البطلان وعدم وجوب القضاء في شهر رمضان موثقة سماعة المتقدّمة الدالّة على وجوب الإتمام وعدم الإعادة فيه ، والوجه في البطلان في غيره مطلقاً ما عرفت من أنّ مقتضى القاعدة في مثله ذلك ; لعدم وقوع المأمور به في ظرفه الزماني المخصوص ، وقد مرّ أنّ مورد الموثّقة شهر رمضان ، فلابدّ من
(1) الكافي 4 : 96 ح 2 ، الفقيه 2 : 82 ح 366 ، تهذيب الأحكام 4 : 269 ح 811 ، الاستبصار 2 : 116 ح 378 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 115 ، كتاب الصوم ، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 44 ح 3 .
الصفحة 184
الخامس : الأكل تعويلاً على إخبار من أخبر ببقاء الليل مع كون الفجر طالعاً .
السادس : الأكل إذا أخبره مخبر بطلوع الفجر لزعمه سُخرِيَة المخبر .
مسألة 13 : يجوز لمن لم يتيقّن بطلوع الفجر تناول المفطر من دون فحص ، فلو أكل أو شرب والحال هذه ، ولم يتبيّن الطلوع ولا عدمه ، لم يكن عليه شيء . وأمّا مع عدم التيقّن بدخول الليل فلا يجوز له الإفطار ، فلو أفطر والحال هذه يجب عليه القضاء والكفّارة وإن لم يحصل له اليقين ببقاء النهار وبقي على شكّه 1 .
الاقتصار في الحكم المخالف للقاعدة على مورد النصّ ، وفي غيره الرجوع إلى القاعدة التي عرفت أنّ مقتضاها البطلان .
1ـ الوجه في وجوب القضاء في الأمر الخامس ـ ما مرّ ـ من أنّه مقتضى القاعدة لفرض كون الفجر طالعاً حين الأكل ، خصوصاً في صورة عدم حصول الاطمئنان الذي يعامل معه معاملة القطع عند العقلاء ; لعدم حجيّة قول الواحد ولو كان عادلاً في الموضوعات الخارجيّة ، كما قرّرناه في كتابنا في القواعد الفقهيّة (1)، كما أنّه هو الوجه في وجوب القضاء في الأمر السادس . وأمّا ما أفاده في المسألة فأمران :
أحدهما : أنّه يجوز تكليفاً لغير المتيقّن بطلوع الفجر ومن بحكمه تناول المفطر من دون فحص ونظر ; لاستصحاب بقاء الليل وعدم طلوع الفجر مع عدم وجوب الفحص في الموضوعات الخارجيّة ، فلو تبيّن بعد ذلك أحد الأمرين فقد تقدّم
(1) القواعد الفقهيّة : 1 / 494 ـ 498 .
الصفحة 185
السابع : الإفطار تعويلاً على من أخبر بدخول الليل ولم يدخل; إذا كان المخبر ممّن جاز التعويل على إخباره ، كما إذا أخبر عدلان بل عدل واحد ، وإلاّ فالأقوى وجوب الكفّارة أيضاً .
الثامن : الإفطار لظلمة قطع بدخول الليل منها ولم يدخل; مع عدم وجود علّة في السماء . وأمّا لو كانت فيها علّة فظنّ دخول الليل فأفطر ثمّ بان له الخطأ ، فلا يجب عليه القضاء 1 .
حكمه ، ومع عدم التبيّن لا يجب عليه شيء ; لعدم إحراز الفوت بوجه .
ثانيهما : أنّه لا يجوز تكليفاً الإفطار مع عدم التيقّن بدخول الليل ; لاستصحاب بقاء النهار وعدم دخول الليل . فلو أفطر والحال هذه ، فإن حصل له اليقين أو ما بحكمه بعدم كون إفطاره قبل الدخول فلا يجب عليه شيء ، وفي غير هذه الصورة يترتّب عليه حكم الإفطار مع العلم بالوقوع في اليوم من وجوب القضاء والكفّارة ; لاقتضاء الاستصحاب ذلك .
1ـ ذكر في الأمر الأوّل من هذين الأمرين أ نّه إذا كان المخبر ممّن جاز شرعاً التعويل على إخباره، كما إذا أخبر عدلان ـ أي البيّنة التي تكون شهادتها وإخبارها حجّة في الموضوعات ـ أو عدل واحد بناءً على مختاره من اعتبار قوله فيها ، خلافاً لما ذكرنا من عدم الاعتبار ; لاستلزامه اللغوية لحجّية البيّنة بعد اتحادهما من جميع الخصوصيّات إلاّ من جهة العدد قلّة وكثرة ، فإذا كان قول العادل الواحد حجّة في الموضوعات ، فجعل الحجّية للأزيد مع عدم دخالة فيه بوجه لا مجال له ، كما لا يخفى .
وكيف كان ، إذا أخبر من يجوز التعويل على إخباره بدخول الليل فأفطر ، ثمّ
الصفحة 186
انكشف الخلاف وأنّه لم يدخل حين الإفطار ، فقد حكم أوّلاً بوجوب القضاءعليه ، وثانياً بوجوب الكفّارة أيضاً ، بل ربما يقال(1) بوجوب الأمرين في صورة عدم الانكشاف أيضاً ، والمحكي عن صاحب المدارك (قدس سره) (2) عدم وجوب القضاء; لقيام الحجّة الشرعيّة على دخول الليل ، ومعه لا وجه للقضاء فضلاً عن الكفّارة .
وأُجيب(3) عنه بأنّ الحكم الشرعي المزبور ظاهريّ مغيّى بعدم انكشاف الخلاف ، والبيّنة لا تغيّر الواقع ولا توجب قلبه ، فهذا الإفطار قد وقع في النهار ، ومثله محكوم بالبطلان ، غاية الأمر أنّه معذور في الإفطار في النهار غير معاقب عليه لأجل الاتّكال على مثل البيّنة .
وأنت خبير بأنّه لو كان الحكم الظاهري المزبور مغيّى من أوّل الأمر لكان اللازم عدم جواز الإفطار أيضاً ; لعدم إحراز وجود الغاية وعدمها ، فاللازم الالتزام بعدم كونه مغيّى ، ولازمه عدم وجوب القضاء فضلاً عن الكفّارة ، وقد حقّقنا هذا المطلب في بحث الاُصول(4) .
وأمّا الأمر الثاني : أي الإفطار لظلمة قطع بدخول الليل معها ، فقد فصّل فيه في المتن بين ما إذا لم تكن علّة في السماء فيجب القضاء ، وبين ما إذا كانت في السماء علّة فظنّ دخول الليل فأفطر ثمّ بان له الخطأ ; فإنّه لا يجب عليه القضاء .
وفيه خلاف بينهم (5)، كما أنّه قد وقع الاختلاف في التعبيرات أيضاً (6)، بل في
(1) القائل هو السيّد الخوئي (قدس سره) في المستند في شرح العروة 21 : 426 .
(2) مدارك الأحكام 6 : 94 .
(3) المجيب بعض الأعلام (رحمه الله) في المستند في شرح العروة 21 : 424 .
(4) سيرى كامل در اصول فقه شيعة 14 : 311 ـ 325 .
(5) الحدائق الناضرة 13 : 105 ـ 106، جواهر الكلام 16 : 283 ، المستند في شرح العروة 21 : 425 .
(6) شرائع الإسلام 1 : 173 .
الصفحة 187
المتن مع ذكر عنوان القطع في موضوع المسألة ذكر عنوان الظنّ في أحد فرضيها ،والروايات الواردة فيه مختلفة :
فطائفة تدلّ على عدم وجوب القضاء ، مثل :
صحيحة زرارة قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) : وقت المغرب إذا غاب القرص ، فإن رأيته بعد ذلك وقد صلّيت أعدت الصلاة ومضى صومك وتكفّ عن الطعام إن كنت قد أصبت منه شيئاً(1) . والظاهر أنّ موردها ما إذا كان المنشأ لعدم الرؤية قبل ذلك وجود علّة في السماء من غيم ونحوه .
ورواية أبي الصباح الكناني قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل صام ثمّ ظنّ أنّ الشمس قد غابت وفي السماء غيم فأفطر ، ثمّ إنّ السحاب إنجلى فإذا الشمس لم تغب؟ فقال : قد تمّ صومه ولا يقضيه(2). وغير ذلك من الروايات الدالّة على هذا المعنى.
وبإزاء هذه الطائفة موثّقة أبي بصير وسماعة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قوم صاموا شهر رمضان فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس ، فرأوا أنّه الليل فأفطر بعضهم ، ثمّ إنّ السحاب انجلى فإذا الشمس ، فقال : على الذي أفطر صيام ذلك اليوم ، إنّ الله ـ عزّوجلّ ـ يقول: (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى الَّيْلِ)(3) فمن أكل قبل أن
(1) الكافي 3 : 279 ح 5 ، الفقيه 2 : 75 ح 327 ، تهذيب الأحكام 4 : 271 ح 818 ، الاستبصار 2 : 115 ح 376 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 122 ، كتاب الصوم ، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 51 ح 1 .
(2) تهذيب الأحكام 4 : 270 ح 816 ، الاستبصار 2 : 115 ح 374 ، الفقيه 2 : 75 ح 326 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 123 ، كتاب الصوم ، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 51 ح 3 .
(3) سورة البقرة 2 : 187 .
الصفحة 188
التاسع : إدخال الماء في الفم للتبرّد بمضمضة أو غيرها فسبقه ودخل الحلق . وكذا لو أدخله عبثاً . وأمّا لو نسي فابتلعه فلا قضاء عليه . وكذا لو تمضمض لوضوء الصلاة فسبقه الماء فلا يجب عليه القضاء . والأحوط الاقتصار على ما إذا كان الوضوء لصلاة فريضة وإن كان عدمه لمطلق الوضوء ـ بل لمطلق الطهارة ـ لا يخلو من قُوّة 1 .
يدخل الليل فعليه قضاوه ; لأنّه أكل متعمّداً(1) .
والمناقشة في الطائفة المتقدّمة سنداً أو دلالة واضحة المنع، كما في محكي الجواهر (2) ، والجمع من حيث الدلالة غير ممكن ، فاللازم الرجوع إلى المرجّحات ، والثابت منها هو مخالفة العامّة المتحقّقة بالإضافة إلى الطائفة الدالّة على عدم وجوب القضاء ، غاية الأمر في خصوص موردها ; وهو ما إذا كان في السماء غيم وإن لم يكن هناك قطع بدخول الغروب ، بل كان مجرّد الظنّ لحجّيّته بالإضافة إلى المغرب في الصورة المذكورة . ولعلّه هو الوجه في التعبير به في هذه الصورة وإن كان شروع الأمر معنوناً بعنوان القطع ، كما عرفت .
1ـ قد وردت في هذا المقام روايات ، والعمدة منها روايتان :
إحداهما : رواية عمّار الساباطي قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يتمضمض فيدخل في حلقه الماء وهو صائم ؟ قال : ليس عليه شيء إذا لم يتعمّد ذلك . قلت : فإن تمضمض الثانية فدخل في حلقه الماء ؟ قال : ليس عليه شيء .
(1) الكافي 4 : 100 ح 1 و 2 ، تهذيب الأحكام 4 : 270 ح 815 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 121 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 50 ح 1 .
(2) جواهر الكلام 16 : 285 .
الصفحة 189
قلت : فإن تمضمض الثالثة ؟ قال : فقال : قد أساء، ليس عليه شيء ولا قضاء(1) .
ثانيتهما : ما رواه سماعة ـ في حديث ـ قال : سألته عن رجل عبث بالماء يتمضمض به من عطش فدخل حلقه ؟ قال : عليه قضاؤه ، وإن كان في وضوء فلا بأس به(2). ومقتضى قاعدة الإطلاق والتقييد حمل الاُولى على الثانية والحكم بأنّ التمضمض الموجب لدخول الماء في الحلق قهراً لا يوجب القضاء إذا كان في وضوئه ، وأمّا إذا كان عبثاً أو للفرار من العطش فهو يوجب القضاء . والتعبير بقوله (عليه السلام) في جواب السؤال عن تمضمض الثالثة : «قد أساء» لا يدلّ على أزيد من الكراهة ، خصوصاً مع التعبير بعده بأنّه «ليس عليه شيء ولا قضاء» ، فاللازم الالتزام بالتفصيل خلافاً للمتن .
نعم ، فيه : أنّ الأحوط الاقتصار على ما إذا كان الوضوء لصلاة فريضة وإن كان عدمه لمطلق الوضوء بل لمطلق الطهارة لا يخلو عن قوّة. والوجه في الإطلاق ـ مضافاً إلى إطلاق الوضوء الوارد في رواية سماعة المتقدّمة ـ أنّ الحكم بالقضاء يكون على خلاف القاعدة ، فيقتصر فيه على القدر المتيقّن ; وهو التمضمض من عطش أو عبث ، والوجه فيه : هو أنّ الدخول في الحلق في مفروض المسألة قهريّ غير اختياري ، فلا يتحقّق فيه التعمّد بوجه ، فالحكم بالقضاء على خلاف القاعدة .
(1) تهذيب الأحكام 4 : 323 ح 996 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 72 ، كتاب الصوم ، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 5 .
(2) تهذيب الأحكام 4: 322 ح 991 ، الفقيه 2: 69 ح 290 ، وعنهما وسائل الشيعة 10: 71 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 4 .
الصفحة 190
الصفحة 191
القول في شرائط صحّة الصوم ووجوبه
مسألة 1 : شرائط صحّة الصوم اُمور : الإسلام والإيمان والعقل ،والخُلوّ من الحيض والنفاس ، فلا يصحّ من غير المؤمن ولو في جزء من النهار ، فلو ارتدّ في الأثناء، ثمّ عاد لم يصحّ وإن كان الصوم معيّناً وجدّد النيّة قبل الزوال . وكذا من المجنون ولو أدواراً مستغرقاً للنهار أو حاصلاً في بعضه ، وكذا السكران والمُغمى عليه . والأحوط لمن أفاق من السُّكر ـ مع سبق نيّة الصوم ـ الإتمام ثمّ القضاء ، ولمن أفاق من الإغماء مع سبقها الإتمام ، وإلاّ فالقضاء . ويصحّ من النائم لو سبقت منه النيّة وإن استوعب تمام النهار . وكذا لا يصحّ من الحائض والنفساء وإن فاجأهما الدم قبل الغروب بلحظة ، أو انقطع عنهما بعد الفجر بلحظة .
ومن شرائط صحّته : عدم المرض أو الرمد الذي يضرّه الصوم; لإيجابه شدّته أو طول بُرئه أو شدّة ألمه; سواء حصل اليقين بذلك أو الاحتمال الموجب للخوف ، ويلحق به الخوف من حدوث المرض والضرر بسببه إذا كان له منشأ عقلائيّ يعتني به العقلاء ، فلا يصحّ معه الصوم ، ويجوز بل يجب عليه الإفطار .
ولا يكفي الضعف وإن كان مُفرِطاً. نعم ، لو كان ممّا لا يتحمّل عادة جاز الإفطار ،
الصفحة 192
ولو صام بزعم عدم الضرر فبان الخلاف بعد الفراغ من الصوم ففي الصحّة إشكال ، بل عدمها لا يخلو من قوّة .
ومن شرائط الصحّة : أن لا يكون مسافراً سفراً يوجب قصر الصلاة ، فلا يصحّ منه الصوم حتّى المندوب على الأقوى . نعم ، استثني ثلاثة مواضع :
أحدها : صوم ثلاثة أيّام بدل الهدي .
الثاني : صوم بدل البدنة ممّن أفاض من عرفات قبل الغروب عامداً ، وهو ثمانية عشر يوماً .
الثالث : صوم النذر المشترط إيقاعه في خصوص السفر ، أو المصرّح بأن يوقع سفراً وحضراً دون النذر المطلق 1 .
1ـ قد تعرّض في هذه المسألة لشرائط صحّة الصوم واتّصافه بكونه موافقاً للمأمور به ، وهي أُمور كثيرة تكون جملة منها معتبرة في جميع العبادات ، صوماً كانت أو غيره ، والبعض الآخر في الصوم ومثله .
فمن الاُولى : الإسلام والإيمان والعقل ; فإنّها معتبرة في صحّة جميع العبادات .
أمّا اعتبار الإسلام: فعلى تقدير القول باختصاص الفروع بغير الكفّار، خصوصاً في مثل الصوم الذي وقع في أوّل آيته في الكتاب(1) الخطاب بالمؤمنين، فواضح ; لعدم تكليف الكفّار بالصوم حتى يصحّ منهم ، وليس عدم تكليفهم كعدم تكليف غير البالغ الذي سيأتي إن شاء الله تعالى في المسألة الثالثة التعرّض له ، وذلك لأنّ تكليف غير البالغ يراد به عدم ثبوت التكليف الإلزامي إيجاباً أو تحريماً عليه ، وإلاّ
(1) سورة البقرة 2 : 183 .
الصفحة 193
فعبادات الصبي شرعيّة كما حققناه في محلّه (1)، وأمّا على تقدير القول بأنّ الكفّار مكلّفون بالفروع كما أ نّهم مكلّفون بالاُصول ، فلا شبهة في أنّ الكافر إذا كان مشركاً يكون عمله كلا عمل بمقتضى قوله ـ تعالى ـ : { لَـلـِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}(2) فإذا كان الشرك المتأخّر موجباً للحبط ، فالشرك المقارن يكون مانعاً عن الصحّة بطريق أولى ، ومن الواضح بل المسلّم أ نّه لا فرق بين المشرك وغيره من أفراد الكافر .
نعم ، هنا شبهة مندفعة في محلّها ، وببالي أنّا تعرّضنا لها ولجوابها في مباحث الحجّ (3)، وهي: أنّ الكافر إذا فرض تكليفه بالعبادات لا يكون قادراً على ذلك ; لأنّه ما دام كونه كافراً لا يصحّ عبادة منه ، وبعد الإسلام يكون التكليف ساقطاً عنه ; لأنّ الإسلام يجبّ ما قبله(4) على ما فصّلنا القول في هذه القاعدة في كتابنا في القواعد الفقهيّة (5).
وكيف كان ، فالإسلام معتبر في الصحّة مطلقاً ; سواء قلنا بأنّهم مكلّفون بالفروع ، أم لم نقل بذلك على خلاف التحقيق ، ومرجع ذلك إلى اعتبار الإسلام في مجموع النهار الذي يكون ظرفاً زمانياً للصوم ، كما هو مقتضى قوله تعالى: { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الاَْبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الاَْسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا
(1) القواعد الفقهيّة : 1 / 355 ـ 370 .
(2) سورة الزمر 39 : 65 .
(3) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الحج : 1 / 302 ـ 309 .
(4) الطبقات الكبرى لابن سعد 4: 286، المسند لابن حنبل 6 : 232 قطعة من ح 17792 و ص 243 ح 17829 و ص246 ح17844، دلائل النبوّة 4 : 351، كنز العمال 1 : 66 ح 243 ، السيرة الحلبيّة 3: 37.
(5) القواعد الفقهيّة : 1 / 265 ـ 286 .
الصفحة 194
الصِّيَامَ إِلَى الَّيْلِ}(1) ، وعليه : فيصحّ ما رتّب عليه في المتن من أ نّه لو ارتدّ في الأثناء ثمّ عاد لم يصحّ ، وإن كان تفريع عنوان غير المؤمن مع الحكم باعتبار الإسلام والإيمان معاً ممّا لا يستقيم ، إلاّ أن يقال بأ نّ عنوان غير المؤمن أعمّ من أن يكون مسلماً، أم لا يكون كذلك .
وأمّا اعتبار الإيمان زائداً على الإسلام : فقد وقع التعرّض لمثله في جملة من المباحث الفقهيّة ، ويدلّ عليه الروايات الكثيرة ، إلاّ أنّه لا مجال فعلاً لإيراده مفصّلاً .
وأمّا اعتبار العقل : فلأ نّه من أركان شرائط الوجوب والصحّة ; فإنّ القلم مرفوع عن المجنون حتى يفيق (2) ، وقد دلّت أدلّة كثيرة على شرطيّة العقل للتكليف ، وأ نّه لا عبرة بعمل المجنون وفعله ، كما هو كذلك بالنسبة إلى غير العبادات من العقود والإيقاعات أيضاً ، ولا يقاس المجنون بالنائم ولو في جميع أجزاء النهار إذا كان صومه عن نيّة ـ كما سيأتي ـ وذلك لما علم من الأدلّة من عدم منافاة النوم مع الصوم ، خصوصاً ما ورد من أنّ نوم الصائم عبادة (3)، وهذا بخلاف الجنون ، فعروضه ولو في لحظات من النهار مبطل للصّوم .
وكذا السكران والمغمى عليه، وإن احتاط فيهما استحباباً بأ نّ من أفاق من السكر يتمّ صومه ثمّ يقضيه إذا كان مع سبق نيّة الصّوم ، ومن أفاق من الإغماء الإتمام، وإلاّ فالقضاء ، ويظهر من بعض الأعلام (قدس سره) (4) أ نّ السكران والمغمى عليه
(1) سورة البقرة 2 : 187 .
(2) الخصال : 93 ح 40 ، السنن الكبرى للبيهقي 8 : 460 ح 17211 ـ 17213 ، و ج 4 : 448 ح 8307 .
(3) وسائل الشيعة 10 : 395 ـ 403 ، كتاب الصوم ، أبواب الصوم المندوب ب 1 ح 4، 17، 23 و 24 .
(4) المستند في شرح العروة 21 : 457 .
الصفحة 195
يلحقان بالنائم ; لأنّ الدليل على عدم صحّة الصوم من المجنون إن كان هو اشتراط التكليف بالعقل فمثل هذا الاشتراط لم يرد فيهما ، ولاسيّما إذا كانا بالاختيار ، وإن كان التكليف مطلقاً من هذه الجهة فلا إشكال إلاّ من ناحية النيّة ، والمفروض وجودها كما عرفت .
ويمكن أن يجاب عنه بأنّ مغايرة النائم للمجنون إنّما هي لأجل ما اُشير إليه من الأدلّة التي منها: «أنّ نوم الصائم عبادة» وإلاّ فلا فرق بينهما بحسب الظاهر ، وحينئذ يقال : يستفاد حكم النائم من تلك الأدلّة ، وأمّا السكران والمغمى عليه، فالظاهر جريان حكم المجنون عليهما ، خصوصاً إذا كانا مستوعبين لجميع أجزاء النهار بخلاف النوم ، فالفرق متحقّق .
ومن الثانية الحائض والنفساء : فالخلوّ عنهما ـ أي عن الحيض والنفاس ـ شرط في صحّة الصوم ، وقد فرّع عليه أنّه لو فاجأهما قبل الغروب ولو بلحظة بطل صوم يومهما ، ولو فاجأهما بعد الفجر ولو بلحظة فكذلك أيضاً ، ويدلّ على اعتبار هذا الأمر ـ مضافاً إلى أنّه لا خلاف فيه ـ الروايات الكثيرة الدالّة عليهما :
منها : صحيحة الحلبي وأبي الصباح الكناني ـ التي رواها المشايخ الثلاثة ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن امرأة أصبحت صائمة، فلمّا ارتفع النهار أو كان العشي حاضت أتفطر؟ قال : نعم ، وإن كان وقت المغرب فلتفطر . قال: وسألته عن امرأة رأت الطهر في أوّل النهار من شهر رمضان فتغتسل (لم تغتسل خل) ولم تطعم ، فما تصنع في ذلك اليوم ؟ قال : تفطر ذلك اليوم ، فإنّما فطرها من الدم(1) .
(1) الكافي 4 : 135 ح 2 و ص 136 ح 7 ، تهذيب الأحكام 4 : 311 ح 939 ، الفقيه 2 : 94 ح 418 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 228 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 25 ح 1 .
الصفحة 196
ومنها : رواية محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن المرأة ترى الدم غدوة أو ارتفاع النهار أو عند الزوال؟ قال : تفطر . . . الحديث(1) .
ومنها : غير ذلك من الروايات الدالّة على اعتبار الأمر المذكور .
وفي مقابلها رواية أبي بصير ـ الدالّة على التفصيل بين ما قبل الزوال وما بعده ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إن عرض للمرأة الطمث في شهر رمضان قبل الزوال فهي في سعة أن تأكل وتشرب ، وإن عرض لها بعد زوال الشمس فلتغتسل ولتعتدّ بصوم ذلك اليوم ما لم تأكل وتشرب(2) .
قال صاحب الوسائل بعد نقل الرواية : أقول : حمله الشيخ على الوهم من الراوي لما مضى ويأتي ، ويمكن حمل الاعتداد على احتساب الثواب وتجديد النيّة للإمساك وإن وجب القضاء ; إذ لا تصريح فيه بنفي وجوب القضاء ، ويكون المراد بقوله (عليه السلام) : «ما لم تأكل وتشرب» بعد الغسل .
والرواية شاذّة لا عامل بها ، بل كما أفاد بعض الأعلام (قدس سره) قد بلغت من الهجر مرتبةً لم يتعرّض لها في الجواهر ، بل ولا صاحب الحدائق، مع دأبه التعرّض لكلّ رواية تناسب المسألة وإن ضعفت أسانيدها (3).
وكيف كان ، فالرواية معرض عنها لا تصلح لمعارضة ما تقدّم .
ومن شرائط الصحّة عدم المرض : وكذا السفر على ما يأتي إن شاء الله تعالى ،
(1) تهذيب الأحكام 1 : 393 ح 1217 ، الاستبصار 1 : 146 ح 501 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 229 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 25 ح 3 .
(2) تهذيب الأحكام 1 : 393 ح 1216 ، الاستبصار 1 : 146 ح 500 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 232 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 28 ح 4 .
(3) المستند في شرح العروة 21 : 459 .
الصفحة 197
والأصل في اشتراط عدمهما قوله ـ تعالى ـ عقيب إيجاب الصوم وكتابته : { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّام أُخَرَ}(1) .
إن قلت : إنّ غاية مفاد الآية عدم وجوب الصوم عليهما في شهر رمضان ، وهو لا ينافي الصحّة فيه مع أحدهما .
قلت : إنّ مفاد الآية أنّ المجعول على من شهد الشهر الصيام فيه ، وعلى المريض أو المسافر فيه ، فالمجعول عدّة من أيّام اُخر ، فما جعل للشاهد لم يجعل لهما ، وما جعل لهما لم يجعل للشاهد ، وهذا لا ينافي صدق عنوان القضاء على عملهما والإتيان بالصوم في عدّة من أيّام اُخر . وعليه : كما لا ينطبق المجعول أوّلاً على عملهما ، كذلك لا ينطبق المجعول ثانياً على العمل في شهر رمضان ، ولذا يكون صومهما فيه غير صحيح ; لعدم تعلّق الجعل به .
وبهذا التقريب يمكن استفادة الشرطيّة المزبورة من الآية من دون حاجة إلى الرواية أصلاً ، ومع قطع النظر عمّا ذكرنا يرد على الاستدلال بالآية للشرطيّة ; لما عرفت من أ نّ غاية مفادها عدم الوجوب لا عدم الصحّة ، كما هو كذلك بالإضافة إلى البلوغ الذي هو شرط للوجوب لا للصحّة ، فتدبّر جيّداً .
ثمّ إنّ مثل المرض الرّمد ، ففي صحيحة حريز ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : الصائم إذا خاف على عينيه من الرمد أفطر(2) .
وفي رواية سليمان بن عمرو (عمر خ ل) عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : اشتكت أُمّ سلمة ـ رحمهاالله ـ عينها في شهر رمضان، فأمرها رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن تفطر،وقال :
(1) سورة البقرة 2 : 185 .
(2) الفقيه 2 : 84 ح 373 ، الكافي 4 : 118 ح 4 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 218 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 19 ح 1 .
الصفحة 198
عشاء الليل لعينك رديّ(1) .
ثمّ إنّ شرطيّة عدم المرض والرّمد لابدّ وأن تفرض فيما إذا كان الصوم مضرّاً له بأيّ نحو من الأنحاء المذكورة في المتن ، ولا يعتبر حصول اليقين أو الاطمئنان بذلك ، وإلاّ فالغاية الظنّ ، والأكثر ذكروا أنّ مجرّد الاحتمال العقلائي كاف في الإحراز المجوّز للإفطار ; لصدق الخوف وتحقّق عنوانه كما في الصحيحة المتقدّمة .
وفي موثقة عمار ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل يصيبه العطاش حتّى يخاف على نفسه . قال : يشرب بقدر ما يمسك رمقه ولا يشرب حتّى يروى(2) . وليس المراد من قوله : «حتى يخاف على نفسه» خصوص الخوف على النفس من الهلاك ، بل يعمّ ما دونه أيضاً من خوف المرض ، فالملاك هو الخوف المتقدّم بالاحتمال العقلائي الذي يرتّب العقلاء عليه الأثر ، ولا يكفي مجرّد الضعف ولو كان مفرطاً إلاّ إذا كان ممّا لا يتحمّل في العادة .
ولو صام بزعم عدم الضرر فبان الخلاف بعد الفراغ عن الصوم ، فقد استشكل في المتن في الصحّة ، بل نفى عدمها خالياً عن القوّة ، ولعلّ الوجه فيه انكشاف عدم الوجوب عليه وإن كان يتخيّل الوجوب ، كما إذا انكشف للمرأة وقوع صومها في يوم حيضها وإن كان مقتضى الاستصحاب على تقدير الشك عدم الحدوث .
ومن شرائط الصحّة عدم السفر: كما ذكرنا ، وقد عرفت أ نّ المجعول في الآية المباركة عدّة أيّام اُخر للمريض والمسافر . نعم ، استثني من الصوم في السفر
(1) الفقيه 2 : 82 ح 372 ، علل الشرائع : 382 ح 2 ، الكافي 4 : 119 ح 7 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 218 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 19 ح 2 .
(2) الكافي 4 : 117 ح 6 ، الفقيه 2 : 84 ح 376 ، تهذيب الأحكام 4 : 240 ح 702 و ص 326 ح 1011 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 214 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 16 ح 1 .
الصفحة 199
ثلاثة مواضع :
الأوّل : صوم ثلاثة أيّام بدلاً عن الهدي للعاجز عنه ، قال الله ـ تعالى ـ : { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَـثَةِ أَيَّام فِى الْحَجِّ وَسَبْعَة إِذَا رَجَعْتُمْ}(1) الآية . والتفسير مذكور في كتاب الحجّ في أحكام منى (2).
الثاني : صيام ثمانية عشر يوماً لمن أفاض من عرفات قبل الغروب عامداً ، وكان عاجزاً عن الكفّارة التي هي بدنة ، ففي صحيحة ضريس الكناني ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سألته عن رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس ؟ قال : عليه بدنة ينحرها يوم النحر ، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً بمكّة ، أو في الطريق ، أو في أهله(3) .
ومن الواضح أ نّه ليس المراد من قوله (عليه السلام) : «في الطريق» الإقامة فيه في محلّ عشرة أيّام ولو فرض إمكانه في مكّة المكرّمة ، مع أنّه نادر جدّاً بالإضافة إلى بعد أعمال منى ، كما لا يخفى .
الثالث : صوم النذر فيما إذا كان النذر مقيّداً به ، كما إذا نذر الصوم في المدينة المنوّرة أيّام سفره للحج أو العمرة ، مع العلم بعدم الإقامة فيها عشرة أيّام ، أو وقع التصريح في النذر بالعموم في الحضر والسفر ، وأمّا إذا كان نذر الصوم مطلقاً فصومه في السفر غير جائز .
والمستند في هذا الموضع رواية علي بن مهزيار قال : كتب بندار مولى إدريس :
(1) سورة البقرة 2 : 196 .
(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الحج 5 : 274 ـ 281 .
(3) الكافي 4 : 467 ح 4 ، تهذيب الأحكام 5 : 186 ح 620 ، وعنهما وسائل الشيعة 13 : 558 ، كتاب الحجّ ، أبواب إحرام الحجّ والوقوف بعرفة ب 23 ح 3 .
الصفحة 200
يا سيّدي نذرت أن أصوم كلّ يوم سبت ، فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفّارة؟ فكتب إليه وقرأته : لا تتركه إلاّ من علّة ، وليس عليك صومه في سفر ولا مرض إلاّ أن تكون نويت ذلك ، وإن كنت أفطرت فيه من غير علّة فتصدّق بعدد كلّ يوم على سبعة مساكين ، نسأل الله التوفيق لما يحبّ ويرضى(1) .
وحكي عن المحقّق في المعتبر تضعيف الرواية (2)، مع أ نّ هذا الاستثناء كأ نّه متسالم عليه بين الأصحاب ، وذكر بعض الأعلام (قدس سره) المتضلّع في علم الرجال والأسانيد ما ملّخصه : أنّ وجه تضعيف المحقّق غير معلوم ; فإنّه إن كان النظر إلى علي بن مهزيار فهو من الأجلاّء ، وإن كان إلى الطريق فأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري الواقع فيه ثقة ، وإن كان إلى بندار صاحب الكتابة لأنّه مجهول ، فهو وإن كان كذلك، إلاّ أن الاعتبار بقراءة علي بن مهزيار الذي ذكر أنّه قرأ جواب الإمام (عليه السلام) إليه ، وإن كان إلى الإضمار فلا يحتمل مع كون الراوي هو ابن مهزيار أن يروي عن غير الإمام (عليه السلام) ، فالرواية معتبرة من حيث السند لا مجال للخدشة فيها .
ويمكن أن تكون المناقشة في دلالة الرواية تارة : من جهة عطف المرض على السفر ، وهو يدلّ على ثبوت الحكم في المرض ، خصوصاً مع ذكر المرض بعده ، مع أنّ الحكم في المريض لا يدور مدار النيّة كما هو مذكور في الرواية ، بل منوط بخوف الضرر وعدمه ، كما عرفت .
واُخرى : من جهة دلالتها بالظهور بل بالصراحة على أنّ كفّارة مخالفة النذر في صورة عدم العلّة التصدّق على سبعة مساكين ، مع أنّ كفّارتها في هذه الصورة إمّا
(1) تهذيب الأحكام 4 : 286 ح 867 ، الاستبصار 2 : 125 ح 408 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 379 ، كتاب الصوم ، أبواب بقيّة الصوم الواجب ب 7 ح 4 .
(2) المعتبر 2 : 684 .
|