الصفحة 201
كفّارة الإفطار في شهر رمضان ، أو كفّارة مخالفة اليمين المذكورة في الآية الشريفة ، مع أ نّ الاُولى ستّون على نحو التخيير ، والثانية عشرة كذلك ، وليس فيهما عدد السبعة بوجه .
وقد اُجيب عن الاُولى بأنّ القرينة الخارجيّة تكشف عن أنّ الإشارة في قوله (عليه السلام) : «إلاّ أن تكون نويت ذلك» ترجع إلى خصوص السفر لا مع المرض . وعن الثانية بأنّ غايته سقوط هذه الفقرة عن الحجّية ; لوجود معارض أقوى ، والتفكيك بين الفقرات في الحجّية غير عزيز ، مع أنّ الرواية منقولة في بعض الكتب بالعشرة مكان سبعة ، فلا إشكال في الرواية(1) .
وأنت خبير بأنّه لو كان السفر عطفاً على المرض لأمكن أن يقال برجوع الاستثناء إلى الأخير أو المجموع ، مع أنّك عرفت العكس وأ نّ المرض قد عطف على السفر ووقع الاستثناء بعده ، مع أنّه لا يوجب التمامية ; لأنّ الفرض الاستثناء في خصوص النذر فقط ، فلا يمكن الجواب عن المناقشة بهذه الصورة . نعم ، لا مجال للخدشة في الجواب الثاني ; أي التفكيك بين فقرات مختلفة من رواية واحدة في الحجّية ولزوم الأخذ بالبعض ; لعدم المعارض وترك الآخر لوجود معارض أقوى ، كما لا يخفى .
والذي يسهّل الخطب استناد المشهور(2) بل الكلّ إلى هذه الرواية الوحيدة، مع كونها مورثة لشبهة عويص الدفع مذكورة في الاُصول مع جوابها . ومحصّلها : أنّه لابدّ في النذر من رجحان المتعلّق، كنذر الواجبات أو المستحبات ، فإذا لم يكن
(1) المستند في شرح العروة 21 : 465 ـ 466 .
(2) جواهر الكلام 16 : 334 ـ 335 ، مستمسك العروة 8 : 408 ، المستند في شرح العروة 21 : 466 .
الصفحة 202
الصوم في السفر راجحاً ولو في المندوب منه كما سيأتي التعرّض له ، فكيف يصير بالنذر في الصورتين الأوّلتين ـ وهما صورة النذر مقيّداً ، أو مصرّحاً فيه بالعموم للسفر ـ راجحاً ويجب الوفاء به ويتّصف بالصحّة ؟ والتحقيق موكول إلى محلّه ، فالاستناد بهذا الوجه لا يبقي لنا مجالاً للإشكال في الرواية ، كما هو ظاهر .
بقي الكلام في هذه المسألة في حكم الصوم المندوب في السفر صحّة وبطلاناً ، وقد قوّى في المتن العدم ، ونُسب إلى الأكثر الجواز (1)، بل عقد في الوسائل باباً لذلك (2)، والمنشأ اختلاف الروايات الواردة في هذا المجال .
فمنها: ما تدلّ على عدم الجواز ، مثل :
صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الصيام بمكة والمدينة ونحن في سفر ؟ قال : أفريضة؟ فقلت : لا ، ولكنّه تطوّع كما يتطوّع بالصلاة ، فقال : تقول : اليوم وغداً ؟ قلت : نعم ، فقال : لا تصم(3) .
ورواية عمار الساباطي قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يقول : لله عليَّ أن أصوم شهراً ، أو أكثر من ذلك أو أقلّ ، فيعرض له أمر لابدّ له من أن يسافر ، أيصوم وهو مسافر؟ قال : إذا سافر فليفطر ; لأنّه لا يحلّ له الصوم في السفر فريضة كان أو غيره ، والصوم في السفر معصية(4) .
(1) راجع السرائر 1 : 393 ، ومستمسك العروة الوثقى 8 : 410 ـ 411 ، والمستند في شرح العروة 21 : 469 .
(2) وسائل الشيعة 10 : 202 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 12 .
(3) تهذيب الأحكام 4 : 235 ح 690 ، الاستبصار 2 : 102 ح 332 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 202 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 12 ح 2 .
(4) تهذيب الأحكام 4 : 328 ح 1022 ، وعنه وسائل الشيعة : 10 : 199 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 10 ح 8 .
الصفحة 203
ومنها : غير ذلك من الروايات الظاهرة في المنع في السفر مطلقاً .
وفي مقابلها ما يدلّ على الجواز ، مثل :
رواية إسماعيل بن سهل ، عن رجل ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : خرج أبو عبدالله (عليه السلام) من المدينة في أيّام بقين من شهر شعبان ، فكان يصوم ، ثمّ دخل عليه شهر رمضان وهو في السفر فأفطر ، فقيل له : تصوم شعبان وتفطر شهر رمضان ؟! فقال : نعم ، شعبان إليّ إن شئت صمت وإن شئت لا ، وشهر رمضان عزم من الله ـ عزّوجلّ ـ عليّ الإفطار(1) .
وصحيحة سليمان الجعفري قال : سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول : كان أبي (عليه السلام) يصوم يوم عرفة في اليوم الحار في الموقف ، ويأمر بظلّ مرتفع فيضرب له... الحديث(2) .
هذا ، ولكن رواية إسماعيل ـ مضافاً إلى إرسالها ـ في غاية الضعف ، وحكاية الفعل في الصحيحة إن كانت في مقام بيان الحكم كما هو الظاهر ، يستفاد منها الإطلاق كما قررّناه في محلّه ، ولا مجال لدعوى الإجمال وإمكان الحمل على النذر ، ومن الممكن الاختصاص بيوم عرفة ، فالظاهر تقدّم روايات المنع ، أو الحمل على النذر جمعاً .
ثمّ إنّ السيّد استثنى في العروة من عدم جواز الصوم المندوب أيضاً في السفر ، ثلاثة أيّام للحاجة في المدينة ، ثمّ قال : والأفضل الأربعاء والخميس والجمعة(3).
(1) الكافي 4 : 130 ح 1 ، تهذيب الأحكام 4 : 236 ح 692 ، الاستبصار 2 : 102 ح 334، وعنها وسائل الشيعة 10 : 203 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 12 ح 4 .
(2) تهذيب الأحكام 4 : 298 ح 901 ، الاستبصار 2 : 133 ح 433 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 203 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 12 ح 3 .
(3) العروة الوثقى 2 : 45، الثالث .
الصفحة 204
مسألة 2 : يشترط في صحّة الصوم المندوب ـ مضافاً إلى ما مرّ ـ أن لايكون عليه قضاء صوم واجب ، ولا يُترك الاحتياط في مطلق الواجب من كفّارة وغيرها ، بل التعميم لمطلقه لا يخلو من قُوّة 1 .
ويدلّ على الحكم المزبور صحيحة معاوية بن عمّار ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إن كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيّام صمت أوّل يوم الأربعاء ، وتصلّي ليلة الأربعاء عند أُسطوانة أبي لبابة ; وهي اُسطوانة التوبة التي كان ربط نفسه إليها حتّى نزل عذره من السّماء ، وتقعد عندها يوم الأربعاء ، ثمّ تأتي ليلة الخميس الاُسطوانة التي تليها ممّا يلي مقام النبيّ (صلى الله عليه وآله) ليلتك ويومك وتصوم يوم الخميس، ثمّ تأتي الاُسطوانة التي تلي مقام النبيّ (صلى الله عليه وآله) ومصلاّه ليلة الجمعة ، فتصلّي عندها ليلتك ويومك وتصوم يوم الجمعة . . . الحديث(1) .
ثمّ إنّ ظاهر الرواية اختصاص الثلاثة بالأيّام المذكورة فيها ، ومقتضاه عدم التعدّي عنها ، ولا يوجد في البين رواية مطلقة يكون الجمع بينها ، وبين مثل الصحيحة هو الحمل على اختلاف المراتب وأفضليّة الثلاثة المذكورة ، فلا دليل على جواز التعدّي ، خصوصاً بعد ما عرفت من أنّ مقتضى الروايات المنع عن الصوم المندوب في السّفر ، فتدبّر .
1ـ كلّ ما مرّ في المسألة الاُولى من شرائط صحّة الصوم معتبر في صحّة الصوم المندوب أيضاً ، حتّى عدم السفر الذي قوّى فيه عدم الجواز بالإضافة إلى المسافر مع ثبوت الاستثناء في النوعين ، ويشترط في صحّة الصوم المندوب ـ زائداً على
(1) تهذيب الأحكام 6 : 16 ح 35 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 202 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 12 ح 1 .
الصفحة 205
ما ذكر ـ أن لا يكون عليه قضاء صوم شهر رمضان ، ونهى عن ترك الاحتياط في مطلق الواجب من كفّارة وغيرها ، بل نفى خلوّ التعميم عن القوّة وإن كان في العبارة اضطراب; فإنّ اللازم أن يذكر شهر رمضان بدل الواجب أوّلاً ، ويحتمل غلط النسخة ، وكيف كان، فهنا حكمان :
أحدهما: أنّه يعتبر في صحّة الصوم المندوب أن لايكون عليه قضاء صوم رمضان، ويدلّ عليه جملة من الروايات ، مثل :
صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سألته عن ركعتي الفجر ؟ قال : قبل الفجر ـ إلى أن قال : ـ أتريد أن تقايس ؟ لو كان عليك من شهر رمضان أكنت تتطوّع إذا دخل عليك وقت الفريضة؟! فابدأ بالفريضة(1) .
وصحيحة الحلبي قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل عليه من شهر رمضان طائفة أيتطوّع؟ فقال : لا ، حتّى يقضي ما عليه من شهر رمضان(2) .
ورواية أبي الصباح الكناني قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل عليه من شهر رمضان أيّام أيتطوّع؟ فقال : لا ، حتّى يقضي ما عليه من شهر رمضان(3) . لكن في سند الرواية بحث وإشكال ، وفي الاُوليين غنىً وكفاية ، مع أ نّ الظاهر أ نّ الحكم مفروغ عنه حتّى عند الرواة عن الأئـمّة (عليهم السلام) .
(1) تهذيب الأحكام 2 : 133 ح 513 ، الاستبصار 1 : 283 ح 1031 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 345 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 28 ح 1 .
(2) الكافي 4 : 123 ح 2 ، تهذيب الأحكام 4 : 276 ح 835 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 346 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 28 ح 5 .
(3) الكافي 4 : 123 ح 1 ، تهذيب الأحكام 4 : 276 ح 836 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 346 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 28 ح 6 .
الصفحة 206
ثانيهما : أ نّه يعتبر في صحّة الصوم المندوب أن لا يكون عليه واجب آخر من كفّارة وغيرها ، وربما يستدلّ له بما رواه الصدوق بإسناده عن الحلبي ، وبإسناده عن أبي الصباح الكناني جميعاً ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه لا يجوز أن يتطوّع الرجل بالصيام وعليه شيء من الفرض(1) . قال : وقد وردت بذلك الأخبار والآثار عن الأئـمّة (عليهم السلام) (2) .
وفي كتاب المقنع قال : إعلم أنّه لا يجوز أن يتطوّع الرجل وعليه شيءمن الفرض، كذلك وجدته في كلّ الأحاديث(3) .
ولا مجال لحمل هذه الروايات على خصوص قضاء رمضان بسبب الروايات المتقدّمة ، إذ الطائفتان مثبتتان ، ولا وجه لحمل المطلق على المقيّد في المثبتتين ; لعدم المنافات أصلاً ، ولعلّه لهذا السبب نفى الخلوّ عن القوّة في المتن كما عرفت .
ولكن ربما يناقش(4) بأنّ الموجود في الفقيه شيء آخر غير ما هو المذكور في الوسائل ; فإنّ الصدوق قد أخذ الإطلاق في عنوان بابه ، فقال : «باب الرجل يتطوّع بالصيام وعليه شيء من الفرض» وقال : قد وردت الأخبار والآثار عن الأئـمّة (عليهم السلام) : أنّه لايجوز أن يتطوّع الرجل بالصيام وعليه شيء من الفرض ، وممّن روى ذلك الحلبي وأبو الصباح الكناني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) . ولأجله يحتمل أن يكون مراد الصدوق من الروايتين ما تقدّم آنفاً في قضاء شهر رمضان ، لكن فهم منه العموم وعدم الاختصاص بالقضاء .
(1 ، 2) الفقيه 2 : 87 ح 392 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 346 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب28 ح2 و3 .
(3) المقنع : 203 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 346 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 28 ح4 .
(4) اُنظر المستند في شرح العروة 21: 504 ـ 505.
الصفحة 207
مسألة 3 : كلّ ما ذكرنا من أنّه شرط للصحّة شرط للوجوب أيضاً ،غير الإسلام والإيمان . ومن شرائط الوجوب أيضاً البلوغ ، فلا يجب على الصبي وإن نوى الصوم تطوّعاً وكمل في أثناء النهار . نعم ، إن كمل قبلالفجر يجب عليه . والأحوط لمن نوى التطوّع الإتمام لو كمل في أثناءالنهار ، بل إن كمل قبل الزوال ولم يتناول شيئاً ، فالأحوط الأولى نيّة الصوموإتمامه 1 .
والجواب عن المناقشة: أنّه قد صرّح نفسه بورود الأخبار والآثار عن الأئـمّة (عليهم السلام) بذلك ، وهل يمكن أن يكون مقصوده من الجميع الدالّ عليه العموم المحلّى باللام خصوص الروايتين المذكورتين ؟ نعم ، لا بأس باستفادة العموم من صحيحة زرارة المتقدّمة ، نظراً إلى أنّ التعبير بالتطوّع والفريضة ولزوم الابتداء بالفريضة قبل التطوّع ظاهر في عدم الاختصاص بقضاء رمضان ، فما في المتن لا محيص عنه، كما لا يخفى .
1ـ كلّ ما ذكر في المسألة الاُولى من أ نّه شرط للصحّة ، فهو شرط للوجوب أيضاً غير الإسلام والإيمان ، أمّا عموميّة الحكم في المستثنى منه فلما عرفت(1) من أنّ الوجه في الشرطيّة عدم ثبوت التكليف مع فقدان الشرط ، وعرفت أيضاً(2) أنّ الأصل في ذلك قوله ـ تعالى ـ : { وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّام أُخَرَ}(3) وأ نّها لو حاضت ولو قبل لحظة من الغروب يكشف عن عدم وجوب
(1) في ص 194 ـ 196 .
(2) في ص 199 .
(3) سورة البقرة 2 : 185 .
الصفحة 208
الصوم عليها ، كما أنّها لو طهرت في الجزء الأوّل من بعد الفجر كذلك . وأمّا الحكم في المستثنى فلما عرفت من ثبوت التكاليف بالنسبة إلى الكافر فضلاً عن غير المؤمن .
وأمّا شرطيّة البلوغ للوجوب لا للصحّة ; فلأنّ عبادات الصبي شرعيّة ، والقلم المرفوع(1) إنّما هو قلم التكاليف الإلزاميّة التي توجب مخالفتها استحقاق العقوبة ، ومن الواضح أ نّ هذا الشرط كسائر الشروط إنّما يراعى بالإضافة إلى جميع أجزاء النهار ولحظات اليوم ، فإن كمل في أثناء النهار وقد نوى الصوم تطوّعاً لا يصير واجباً ، بخلاف ما إذا كمل قبل الفجر بحيث طلع عليه الفجر كاملاً ; فإنّه يجب عليه بلا إشكال .
ثمّ إنّه احتاط في المتن باحتياطين :
أحدهما: الصبي الذي نوى صوم التطوّع ثمّ كمل في أثناء النهار، يحتاط بالإتمام. وهل المراد به الاحتياط الوجوبي بقرينة المقابلة مع الاحتياط الآخر الذي وصفه بأنّه أولى ، أو الاحتياط الاستحبابي بقرينة الفتوى قبله بعدم الوجوب، خصوصاًمع التصريح بقوله : «وإن نوى الصوم تطوّعاً » ، كلّ محتمل وإن كان الأوّل أظهر ; لصيرورته كالمسافر الذي قدم قبل الزوال ولم يتناول شيئاً .
ثانيهما : الصبي الذي لم ينو الصوم تطوّعاً ، بل كمل قبل الزوال ولم يتناول شيئاً ، فصريح المتن أنّ الاحتياط الاستحبابي فيه يقتضي نيّة الصوم وإتمامه ، ويرد على الأوّل على التقدير الأوّل : أ نّه لا وجه لوجوب الاحتياط عليه كما لا يخفى ، خصوصاً مع عدم التقييد بما قبل الزوال .
(1) راجع ص : 196 .
الصفحة 209
مسألة 4 : لو كان حاضراً فخرج إلى السفر ، فإن كان قبل الزوال وجب عليه الإفطار ، وإن كان بعده وجب عليه البقاء على صومه وصحّ ، ولو كان مسافراً وحضر بلده أو بلداً عزم على الإقامة به عشرة أيّام ، فإن كان قبل الزوال ولم يتناول المفطر ، وجب عليه الصوم ، وإن كان بعده أو قبله لكن تناول المفطر فلا يجب عليه 1 .
1ـ في المسألة صورتان :
الاُولى : الحاضر الذي خرج إلى السفر ، وقد فصّل فيه بين أن يكون زمان السفر قبل الزوال ، فالواجب عليه الإفطار ; بمعنى عدم تماميّة الصوم معه ، وبين أن يكون بعد الزوال ، فالواجب عليه البقاء على الصوم ويكون صحيحاً ، وهذه الصورة مختلف فيها جدّاً ، والأقوال فيها كثيرة ، والروايات على طوائف متعدّدة :
فالطائفة الدالّة على ما في المتن من التفصيل روايات كثيرة :
منها : صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أ نّه سئل عن الرجل يخرج من بيته وهو يريد السفر وهو صائم ؟ قال : فقال : إن خرج من قبل أن ينتصف النهار فليفطر وليقض ذلك اليوم ، وإن خرج بعد الزوال فليتمّ صومه(يومه خل)(1) . ومقتضى إطلاق الشرطيّة الاُولى عدم الفرق بين صورة تبييت النيّة من الليل وعدمه .
ومثلها: روايات اُخرى(2) بين صحيحة وموثقة وإن كان بينها اختلاف من حيث التعرّض لفرضي المسألة ، أو أحد الفرضين .
(1) الكافي 4 : 131 ح 1 ، الفقيه 2 : 92 ح 412 ، تهذيب الأحكام 4 : 228 ح 671 ، الاستبصار 2 : 99 ح 321 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 185 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 5 ح 2 .
(2) وسائل الشيعة 10 : 185 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 5 .
الصفحة 210
وطائفة تدلّ على التفصيل بين تبييت النيّة ليلاً من دون فرق بين ما قبل الزوال وما بعده ، وبين عدم التبييت كذلك ، وهذا القول محكيّ عن جماعة (1) ، وهذه الطائفة مثل :
صحيحة رفاعة قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان حين يصبح؟ قال : يتمّ صومه (يومه خل) ذلك...» الحديث(2) .
بناءً على ظهور السؤال في عروض السفر بعد نيّته مصبحاً .
وموثقة عليّ بن يقطين ، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) في الرجل يسافر في شهر رمضان أيفطر في منزله؟ قال : إذا حدّث نفسه في الليل بالسفر أفطر إذا خرج من منزله . وإن لم يحدّث نفسه من الليلة ثمّ بدا له في السّفر من يومه أتمّ صومه(3). ومن الواضح إطلاقها في كلتا الصورتين بالنسبة إلى ما قبل الزوال وما بعده .
وواحدة تدلّ على التخيير بين الإفطار والصوم ، وظاهر إطلاقها عدم الفرق بين ما قبل الزوال وما بعده ، وبين صورة تبييت النيّة من الليل وغيرها ; وهي:
صحيحة اُخرى لرفاعة بن موسى قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يريد السفر في رمضان؟ قال : إذا أصبح في بلده ثمّ خرج فإن شاء صام وإن شاء أفطر(4) ،
(1) رياض المسائل 5 : 479 ـ 480 ، جواهر الكلام 17 : 134 ـ 135 ، مستمسك العروة 8 : 414 ، المستند في شرح العروة 21 : 476 ـ 477 .
(2) تهذيب الأحكام 4 : 228 ح 668 ، الاستبصار 2 : 98 ح 318 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 186 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 5 ح 5 .
(3) تهذيب الأحكام 4 : 228 ح 669 ، الاستبصار 2 : 98 ح 319 ، وعنهما وسائل الشيعة : 10 /187 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 5 ح 10 .
(4) تهذيب الأحكام 4 : 327 ح 1019 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 187 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 5 ح 7 .
الصفحة 211
ويحتمل قويّاً أن تكون هي نفس رواية رفاعة المتقدّمة ، إذ من البعيد سؤال رفاعة عن الإمام (عليه السلام) شيئاً واحداً مرّتين ، وإن كان بينهما اختلاف في التعبير ، فمن المحتمل بل المظنون وحدة الرواية لا تعدّدها وإن كان الراوي عن رفاعة متعدّداً ، ففي إحديهما ابن أبي عمير ، وفي الاُخرى الحسن بن عليّ الوشاء .
هذا ، ولم ينقل التخيير حتى عن واحد من أصحابنا الإماميّة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين . فالعمدة الجمع بين الطائفتين الأوّلتين دلالة أو علاجاً .
فنقول : ربّما يقال بتقديم الطائفة الاُولى ; لأنّها أصحّ سنداً ومخالفة لمذهب العامّة ، والطائفة الاُخرى موافقة لهم على ما حكى في الحدائق(1) عن العلاّمة(2) عن جملة من أكابر فقهاء الناس بل أكثرهم ، ولكن ذكر بعض الأعلام (قدس سره) (3) ما يرجع إلى وجود الجمع الدلالي بينهما برفع اليد عن إطلاق كلّ منهما بالآخر ، والحكم بأنّه لو كان السفر قبل الزوال ، فإن كان مع تبييت النيّة ليلاً فليفطر ، وإلاّ فمع انتفاء أحد الأمرين لابدّ وأن يصوم ، وهو المحكيّ عن مبسوط الشيخ (قدس سره) (4) ، وربّما تجعل صحيحة رفاعة الاُولى شاهدة لهذا الجمع بناءً على الصحيح ، كما نقلنا عن الوسائل (5)، لا بناءً على قوله : «حتى يصبح» كما في النسخة المطبوعة من التهذيب حديثاً ، وفي بعض الكتب الفقهيّة (6).
(1) الحدائق الناضرة 13 : 406 ـ 407 .
(2) منتهى المطلب 9 : 288 ـ 289 .
(3) المستند في شرح العروة 21 : 481 .
(4) المبسوط 1 : 284 .
(5) وكذا في الوافي : 11 / 313 ح 10941 .
(6) مثل منتهى المطلب : 2 / 599 (طبع الحجري) ولكن في الطبع الجديد : 9 / 290 «حين يصبح» .
الصفحة 212
وأنت خبير بأنّ الأمر في رواية رفاعة كما ذكرنا من التردّد بين روايتين وعدم إمكان الأخذ بشيء منهما ، فاللازم ملاحظة الطائفتين مع قطع النظر عنهما ، والظاهر ثبوت المعارضة وعدم إمكان الجمع الدلالي في البين ; إذ جعل المناط في إحديهما : الزوال قبلاً وبعداً ، وفي الاُخرى : تبييت نيّة السفر ليلاً وجوداً وعدماً ، ولا يمكن الجمع بين المناطين ، فاللازم الرجوع إلى المرجّحات ، والظاهر أنّ الشهرة موافقة للتفصيل المذكور في المتن ، والحكم بكون السفر قبل الزوال يضرّ بالصوم ; سواء كان مع تبييت النيّة في الليلة الماضية وعدمه ، وهو أوفق بشرطيّة عدم السفر المستفادة من الآية على ما عرفت ، خصوصاً مع أنّ رواياته أكثر وأصحّ ، فاللازم الأخذ بها .
الصورة الثانية : المسافر الذي قدم إلى بلده ، أو إلى محلّ عازم على الإقامة فيه عشرة أيّام مع عدم تناوله للمفطر بوجه ، وقد فصّل فيه في المتن أيضاً بين أن يكون قدومه قبل الزوال ، فيجب عليه نيّة الصوم والبقاء عليه ، وبين أن يكون قدومه بعد الزوال ، فالصوم غير واجب عليه .
ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى ما مرّ(1) في المسألة الرابعة من مسائل النيّة التي وقع التعرّض فيها لوقت النيّة ; من أنّه لو فاتته النيّة لعذر كنسيان أو غفلة أو جهل بكونه رمضاناً ; أو مرض أو سفر ، فزال عذره قبل الزوال يمتدّ وقتها إلى الزوال لو لم يتناول المفطر ، فإذا زالت الشمس فات محلّها ، وقد تقدّم شرحه مفصّلاً ـ الروايات المتعدّدة الدالّة كلّ واحدة منها على بعض المطلوب ، وملاحظة المجموع يقتضي ما ذكرنا ، مثل :
(1) في ص 33 ـ 37 ، المقام الثاني .
الصفحة 213
مسألة 5 : المسافر الجاهل بالحكم لو صام صحّ صومه ويجزئه; على حسب ما عرفت في الجاهل بحكم الصلاة; إذ القصر كالإفطار ، والصيام كالتمام ، فيجري هنا حينئذ جميع ما ذكرناه بالنسبة إلى الصلاة ، فمن كان يجب عليه التمام ، كالمكاري والعاصي بسفره والمقيم والمتردّد ثلاثين يوماً وغير ذلك ، يجب عليه الصيام . نعم ، يتعيّن عليه الإفطار في سفر الصيد للتجارة ،
موثقة سماعة قال : سألته عن مسافر دخل أهله قبل زوال الشمس وقد أكل؟ قال : لا ينبغي له أن يأكل يومه ذلك شيئاً ، ولا يواقع في شهر رمضان إن كانله أهل(1) . والسؤال يشعر بل يدلّ على مفروغيّة الوجوب عند السائل في صورة عدم الأكل ، كما أ نّ النهي عن المواقعة إمّا لرعاية حرمة رمضان ، وإمّا للزوم تحمّل الكفّارة عن الأهل في صورة الإكراه ، أو بطلان صومها في غير هذه الصورة .
ورواية يونس قال : قال في المسافر الذي يدخل أهله في شهر رمضان وقد أكل قبل دخوله ، قال : يكفّ عن الأكل بقيّة يومه وعليه القضاء . . . الحديث(2) .
ورواية أحمد بن محمد ـ التي في سندها سهل ـ قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل قدم من سفر في شهر رمضان ولم يطعم شيئاً قبل الزوال؟ قال : يصوم(3) .
ومنها: غير ذلك من الروايات(4) .
(1) الكافي 4 : 132 ح 8 ، تهذيب الأحكام 4 : 253 ح 751 ، الاستبصار 2 : 113 ح 368 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 192 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 7 ح 1 .
(2) الكافي 4 : 132 ح 9 ، تهذيب الأحكام 4 : 254 ح 752 ، الاستبصار 2 : 113 ح 369 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 192 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 7 ح 2 .
(3) الكافي 4 : 132 ح 7 ، تهذيب الأحكام 4 : 255 ح 755 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 190 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 6 ح 4 .
(4) وسائل الشيعة 10 : 189، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 6 .
الصفحة 214
والاحتياط بالجمع في الصلاة ، ويجب قضاء الصوم في الناسي لو تذكّر بعد الوقت ، دون الصلاة كما مرّ ، ويتعيّن عليه الإفطار في الأماكن الأربعة ويتخيّر في الصلاة ، ويتعيّن عليه البقاء على الصوم لو خرج بعد الزوال وإن وجب عليه القصر ، ويتعيّن عليه الإفطار لو قدم بعده; وإن وجب عليه التمام إذا لم يكن قدصلّى ، وقد تقدّم في كتاب الصلاة أنّ المدار في قصرها هو وصول المسافر إلى حدّ الترخّص ، فكذا هو المدار في الصوم ، فليس له الإفطار قبل الوصول إليه ، بل لو فعل كانت عليه مع القضاء الكفّارة على الأحوط 1 .
1ـ الكلام في هذه المسألة في اُمور :
الأوّل : الملازمة بين الإفطار وقصر الصلاة ، وكذا بين الصيام والإتمام ، ويدلّ عليها بعنوان الأصل الأوّلي والضابطة الأصليّة ـ وإن كان يتحقّق بينهما الافتراق تارة، كما سيأتي إن شاء الله تعالى ، مضافاً إلى أنّه لا خلاف(1) فيه ظاهراً ـ عدّة من الروايات ، مثل :
صحيحة معاوية بن وهب ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ في حديث ـ قال : هذا واحد ، إذا قصّرت أفطرت ، وإذا أفطرت قصّرت(2) .
الثاني : المسافر الجاهل بالحكم ، وبأنّه لا يجب عليه الصيام ، ولو كان جهله عن تقصير صحّ صومه ويجزئه ، كما إذا كان جاهلاً بالقصر فصلّى تماماً ، وقد اشتهر أنّ الجاهل المقصّر معذور في موردين : أحدهما : القصر والإتمام . ثانيهما : الجهر والإخفات . أمّا الدليل على الإجزاء في المقام فجملة من الروايات :
(1) رياض المسائل 5 : 478 .
(2) الفقيه 1 :280 ح 127 ، وعنه وسائل الشيعة 10 :184 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 4 ح 1 .
الصفحة 215
منها : صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبدالله ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن رجل صام شهر رمضان في السّفر ؟ فقال : إن كان لم يبلغه أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن ذلك فليس عليه القضاء ، وقد أجزأ عنه الصوم(1) .
ومثلها : صحيحة عبيدالله بن علي الحلبي(2) .
ومنها : صحيحة عيص بن القاسم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : من صام في السفر بجهالة لم يقضه(3) .
وبمثل هذه الروايات يقيّد الإطلاق في صحيحة معاوية بن عمّار قال : سمعته يقول : إذا صام الرجل رمضان في السّفر لم يجزئه وعليه الإعادة(4)، بالحمل على صورة عدم الجهل .
ثمّ إنّ مرجع ما ذكر إلى مدخليّة العلم بالحكم في ثبوته ، وهنا شبهة مندفعة في علم الاُصول في كتاب القطع(5) ، كما أ نّ البحث عن استحقاق عقوبة الجاهل في مثل المورد المفروض وعدمه في كتاب الاشتغال من الاُصول(6) .
الثالث : في موارد الافتراق بين المقام ، وبين مسألة القصر والإتمام ، وقد تعرّض
(1) تهذيب الأحكام 4 : 221 ، 646 وص 328 ح 1023 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 179 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 2 ح 2 .
(2) تهذيب الأحكام 4 : 220 ـ 221 ح 643 و 644 ، الكافي 4 : 128 ح 1 ، الفقيه 2 : 93 ح 417 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 179 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 2 ح 3 .
(3) الكافي 4 : 128 ح 2 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 180 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 2 ح 5 .
(4) تهذيب الأحكام 4 : 221 ح 645 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 179 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 2 ح 1 .
(5) اُنظر معتمد الاُصول 1: 369 ـ 370.
(6) اُنظر معتمد الاُصول 2: 132 ـ 139.
الصفحة 216
في المتن لها .
أوّلها : سفر الصيد لغرض التجارة ; فإنّه حكم فيه بتعيّن الإفطار فيه في الصوم ، وبلزوم الاحتياط بالجمع في الصلاة ، والتحقيق في بحث صلاة المسافر .
ثانيها : أنّ الناسي لو تذكّر بعد الوقت يجب عليه قضاء الصوم وإن كان غير مستحقّ للعقوبة لفرض النسيان ، ولا يجب عليه قضاء الصلاة ، كما مرّ في بحث القضاء من الصلاة .
ثالثها : قد مرّ ثبوت التخيير في الصلاة بين القصر والإتمام في الأماكن الأربعة معالاختلاف في حدودها سعة وضيقاً ، وأمّا الصوم فمع عدم قصد الإقامة كما هو المفروض ، فلم يدلّ دليل على التخيير فيه ، بل اللازم تعيّن الإفطار كسائر الموارد .
رابعها : قد عرفت(1) التفصيل فيمن يسافر في شهر رمضان مثلاً، بين أن يكون خروجه من المنزل إلى السفر قبل الزوال فيفطر ، وبين أن يكون خروجه إليه بعد الزوال فيبقى على صومه ، مع أنّه يتعيّن عليه التقصير إن لم يصلّ وإن خرج بعد الزّوال ، كما أ نّه لو قدم بعد الزوال يجب عليه الإفطار ، مع أ نّه يتعيّن عليه الإتمام إذا لم يصلّ ، والوجه فيه واضح .
الأمر الرابع : قد تقدّم في كتاب الصلاة أنّ المدار في قصرها في صورة السفر هو الوصول إلى حدّ الترخّص ، فكذا هو المدار في الصوم ; فإنّه لا يجوز له الإفطار قبل الوصول إلى ذلك الحدّ ، فلو أفطر قبله يجب عليه القضاء والكفّارة على الأحوط ; لصدق تعمّد الإفطار مع عدم جوازه ، ومن الممكن عدم الوصول إلى ذلك الحدّ بالانصراف عن السفر ، أو عروض الموت ، أو مثلهما ، كما لا يخفى .
(1) في ص 211ـ 214 .
الصفحة 217
مسألة 6 : يجوز على الأصحّ السفر اختياراً في شهر رمضان ولو كان للفرار من الصوم ، لكن على كراهية قبل أن يمضي منه ثلاثة وعشرون يوماً ، إلاّ في حجّ أو عمرة ، أو مال يخاف تلفه ، أو أخ يخاف هلاكه . وأمّا غير صوم شهر رمضان من الواجب المعيّن ، فالأحوط ترك السفر مع الاختيار ، كما أنّه لو كان مسافراً فالأحوط الإقامة لإتيانه مع الإمكان ، وإن كان الأقوى في النذر المعيّن جواز السفر وعدم وجوب الإقامة لو كان مسافراً 1 .
1ـ البحث في المسألة في موردين :
أحدهما : السفر في شهر رمضان ولو لمن وجب عليه الصيام على تقدير المقام ، وجعل الجواز فيه على الأصحّ ولو كان السفر للفرار من الصوم ، لكن على كراهية قبل أن يمضي منه ثلاثة وعشرون يوماً .
ففي صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يدخل شهر رمضان وهو مقيم لا يريد براحاً ، ثمّ يبدو له بعد ما يدخل شهر رمضان أن يسافر ؟ فسكت ، فسألته غير مرّة ، فقال : يقيم أفضل إلاّ أن تكون له حاجة لابدّ له من الخروج فيها ، أو يتخوّف على ماله(1) . والظاهر أنّ المراد هو اللابدّية العرفية لا الشرعيّة .
وفي رواية محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) أ نّه سئل عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان وهو مقيم وقد مضى منه أيّام؟ فقال : لا بأس بأن يسافر ويفطر ولا يصوم(2) .
(1) الكافي 4 : 126 ح 2 ، الفقيه 2 : 89 ح 399 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 181 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 3 ح 1 .
(2) الفقيه 2 : 90 ح 400 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 181 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 3 ح 2 .
الصفحة 218
وفي رواية أبي بصير ـ التي رواها عنه علي بن أبي حمزة ـ قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الخروج إذا دخل شهر رمضان؟ فقال : لا إلاّ فيما أخبرك به : خروج إلى مكّة ، أو غزو في سبيل الله ، أو مال تخاف هلاكه ، أو أخ تخاف هلاكه ، وإنّه ليس أخاً من الأب والاُمّ(1) .
ومرسلة علي بن أسباط، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا دخل شهر رمضان فللّه فيه شرط ، قال الله ـ تعالى ـ : { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}(2) فليس للرجل إذا دخل شهر رمضان أن يخرج إلاّ في حجّ ، أو في عمرة ، أو مال يخاف تلفه ، أو أخ يخاف هلاكه ، وليس له أن يخرج في إتلاف مال أخيه ، فإذا مضت ليلة ثلاث وعشرين فليخرج حيث شاء(3).
ولا شكّ في الدلالة على الكراهة لا الحرمة ; لدلالة الاستثناء ولو بالنسبة إلى بعض المستثنيات على ذلك ، كالعمرة غير الواجبة على من في المدينة ، وإطلاق المال الذي يخاف تلفه ، فلا إشكال بملاحظة الروايات في أنّ الحكم بعدم الجواز بالإضافة إلى المستثنى منه إنّما هو على سبيل الكراهة ، وفي الاستثناء في الموارد المذكورة ، وأ نّ مورد الاستثناء قبل أن يمضي ثلاثة وعشرون يوماً من رمضان ، فإذا مضت الأيّام المذكورة التي بمضيّها يدرك ليلة القدر لا محالة ظاهراً ، فلا كراهة أصلاً .
(1) الفقيه 2 : 89 ح 398 ، تهذيب الأحكام 4 : 327 ح 1018 ، الكافي 4 : 126 ح1 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 181 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 3 ح 3 .
(2) سورة البقرة 2 : 185 .
(3) تهذيب الأحكام 4 : 216 ح 626، وعنه وسائل الشيعة 10 : 182 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 3 ح 6 .
الصفحة 219
المورد الثاني : الواجب المعيّن غير شهر رمضان ، وقد فصّل فيه بين النذر المعيّن وغيره ، كالقضاء الذي ضاق وقته ، والصيام بدل الهدي ; بأنّ الأقوى في الأوّل جواز السفر وعدم لزوم الإقامة، وإن كان مقتضى الاحتياط الاستحبابي العدم والإقامة ، ومقتضى الاحتياط الوجوبي في غيره العدم ، والإقامة لو كان مسافراً لإتيانه مع الإمكان .
والظاهر أنّ الوجه في الأقوائيّة في النذر ما عرفت(1) من أنّ الواجب في النذر إنّما هو عنوان الوفاء بالنذر لا العنوان المنذور ; فإنّه باق على حكمه الأصلي ، فإذا لم يصر الصوم واجباً فما المانع من السفر ؟ وإن كان مستلزماً لعدم القدرة على الوفاء . نعم ، يحتاط استحباباً . والوجه في الاحتياط الوجوبي دلالة بعض الروايات الواردة في هذا المجال ، مثل :
موثقة سماعة قال : سألته عن الصيام في السفر ؟ فقال : لا صيام في السفر ، قد صام اُناس على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسمّـاهم : العصاة ، فلا صيام في السفر إلاّ ثلاثة أيّام التي قال الله ـ عزّ وجلّ ـ في الحجّ(2) .
وصحيحة زرارة، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لم يكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصوم في السفر في شهر رمضان ولا غيره ، وكان يوم بدر في شهر رمضان ، وكان الفتح في شهر رمضان(3).
(1) في ص 161 .
(2) تهذيب الأحكام 4 : 230 ح 677 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 200 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 11 ح 1 .
(3) تهذيب الأحكام 4 : 235 ح 691 ، الاستبصار 2 : 102 ح 333 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 201 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 11 ح 4 .
الصفحة 220
مسألة 7 : يكره للمسافر في شهر رمضان ـ بل كلّ من يجوز له الإفطار ـ التملّي من الطعام والشراب ، وكذا الجماع في النهار ، بل الأحوط تركه وإن كان الأقوى جوازه 1 .
مسألة 8 : يجوز الإفطار في شهر رمضان لأشخاص : الشيخ والشيخة إذا تعذّر أو تعسّر عليهما الصوم ، ومن به داء العطاش; سواء لم يقدر على الصبر أو تعسّر عليه ، والحامل المقرب التي يضرّ الصوم بها أو بولدها ، والمرضعة القليلة اللبن إذا أضرّ الصوم بها أو بولدها ، فإنّ جميع هذه الأشخاص يفطرون ، ويجب على كلّ واحد منهم التكفير بدل كلّ يوم بمُدّ من الطعام ، والأحوط مُدّان ، عدا الشيخين وذي العطاش في صورة تعذّر الصوم عليهم ; فإنّ وجوب الكفّارة عليهم محلّ إشكال ، بل عدمه لا يخلو من قوّة ، كما أنّه على الحامل المقرب والمرضعة القليلة اللبن إذا أضرّ بهما ـ لا بولدهما ـ محلّ تأمّل2 .
1ـ وجه الكراهة حفظ حرمة شهر رمضان ـ الذي هو شهر الله ، خصوصاً بالإضافة إلى المسافر القادر على الصيام ـ ولا خصوصيّة للجماع وإن احتاط فيه استحباباً بالترك ، وقد دلّ على كلا الحكمين روايات ، فراجعها(1) .
2ـ الكلام في هذه المسألة في مقامات :
الأوّل : أ نّه يجوز الإفطار في شهر رمضان لأشخاص ، فاعلم أنّ الآية الشريفة(2)الواردة في فريضة الصوم ـ وأ نّه مكتوب على المؤمنين كما كتب على الذين من قبلهم(3) ـ قد وقع فيها التعرّض لعناوين ثلاثة : الشاهد للشهر ، ومن كان مريضاً ،
(1) وسائل الشيعة 10 : 205 ـ 208 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 13 .
(2، 3) سورة البقرة 2 : 183، 185.
|