الصفحة 221
أو على سفر ، وفي الذيل قوله ـ تعالى ـ : { وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ و فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِين}(1) ، والظاهر أ نّ الالتزام بأنّ كلمة «لا» محذوفة قبل قوله ـ تعالى ـ : { يُطِيقُونَهُ و } مشكل جدّاً ; لأنّه لا يلائم مع كون الآية في مقام بيان هذه الفريضة المهمّة ، وأنّها الآية الأوّليّة الدالّة على هذا الحكم المهمّ .
فالأولى أن يقال كما قيل بأنّ المراد من «الذين يطيقونه» هم الذين إذا أرادوا الصوم لابدّ وأن ينفقون نهاية طاقتهم وقدرتهم في هذا الطريق ، وبدونه لا يقدرون أصلاً ، ففي الحقيقة يكون الصيام في غاية العسر والحرج ، وهو المناسب ـ لما في ذيل الآية ـ من إرادة اليسر دون العسر .
وكيف كان ، فنفس آية الصوم ظاهرة في عدم وجوب الصوم على الشيخ والشيخة في صورة تعذّر الصوم عليهما أو تعسّره ، مضافاً إلى قاعدة نفي الحرج، وإن كان التعبير بالجواز في عنوان المسألة ـ كما في المتن ـ ربما يشعر بل يدلّ على عدم وجوب الصوم تعيينيّاً عليهما ، إلاّ أنّ الظاهر وجوب الإفطار عليهما كما يدلّ عليه قوله : «فإنّ جميع هذه الأشخاص يفطرون » . ويدلّ عليه أيضاً ما اخترناه في قاعدة «لا حرج»; من أ نّ السقوط فيها إنّما هو على نحو العزيمة لا الرخصة (2)، ومع قطع النظر عن الآية فالروايات الواردة في هذا المجال كثيرة :
منها : ما رواه المشايخ الثلاثة عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : الشيخ الكبير والذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان ، ويتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمدّ من طعام ولا قضاء عليهما، فإن لم يقدرا فلا شيء عليهما . وفي سند آخر للشيخ عن محمد بن مسلم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) :
(1) سورة البقرة 2 : 184.
(2) قاعدة نفي الحرج ، المطبوع ضمن ثلاث رسائل : 157 ـ 162 .
الصفحة 222
ويتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمدّين من طعام(1) .
ومنها : ما رواه المشايخ الثلاثة أيضاً عن عبد الملك بن عتبة الهاشمي قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة التي تضعف عن الصوم في شهر رمضان؟ قال : تصدّق في كلّ يوم بمدّ حنطة (2) . والراوي مهمل .
ومنها : صحيحة عبدالله بن سنان قال : سألته عن رجل كبير ضعف عن صوم شهر رمضان ؟ قال : يتصدّق كلّ يوم بما يجزئ من طعام مسكين(3) .
ومنها : مرسلة ابن بكير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) : في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : { وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ و فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِين} . قال : الذين كانوا يطيقون الصوم فأصابهم كبر أو عطاش أو شبه ذلك فعليهم لكلّ يوم مدّ(4) .
ومنها : غير ذلك من الروايات الدالّة على ذلك ، الواردة في تفسير الآية المباركة أو مستقلّة (5). والدقّة تقضي بأنّ المراد منها وجوب الإفطار عليهم ولزوم التصدّق ، والحمل على التخيير بين الصيام والتصدّق خلاف الظاهر .
ومن الأشخاص المذكورين في المسألة ، الحامل المقرب إذا كان صومها مضرّاً
(1) الكافي 4 : 116 ح 4 ، الفقيه 2 : 84 ح 375 ، تهذيب الأحكام 4 : 238 ح 697 و 698 ، الاستبصار 2 : 104 ح 338 و339، وعنها وسائل الشيعة 10: 209 ـ 210، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب15 ح1 و2.
(2) الكافي 4 : 116 ح 2 ، الفقيه 2 : 85 ح379 ، تهذيب الأحكام 4 : 238 ح 696 ، الاستبصار 2 : 103 ح 337 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 211 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 15 ح 4 .
(3) الكافي 4 :116 ح3 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 211 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 15 ح5 .
(4) الكافي 4 : 116 ح 5 ، الفقيه 2 : 84 ح 377 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 211 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 15 ح 6 .
(5) وسائل الشيعة 10 : 209 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصح منه الصوم ب 15 .
الصفحة 223
بها أو بولدها ، بلا إشكال ولا خلاف(1) في شيء من الفرضين .
أمّا في الفرض الأوّل ; فلأنّه ـ مضافاً إلى أنّه من مصاديق المريض توصيف الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة في بعض الروايات المتقدّمة بحصول الضعف عن صوم شهر رمضان ، وإلى أنّه من مصاديق شبه الكبير أو العطاش ـ ما ورد فيما هو أهون من شهر رمضان من النذر من رواية محمد بن جعفر قال : قلت لأبي الحسن (عليه السلام) : إنّ امرأتي جعلت على نفسها صوم شهرين فوضعت ولدها وأدركها الحبل فلم تقو على الصوم ؟ قال : فلتتصدّق مكان كلّ يوم بمدّ على مسكين(2) .
وأمّا في الفرض الثاني ، فقد استدلّ(3) له بلزوم حفظ النفس المحترمة ، والفرض عدم التمكّن من الجمع بينه وبين الصوم ، ومن الواضح أهمّية الأوّل ، لكنّ الضرر المتوجّه إلى الولد أعمّ من هلاكه ، ومسألة وجوب حفظ النفس المحترمة وأهمّيته من جميع الواجبات غير منقّحة موضوعاً وحكماً . وهل يحتمل أن يجب على الإنسان رفع اليد عن أعماله وبذل أمواله للمرضى الموجودين في المستشفيات الذين يجري فيهم خوف الهلاك ؟ واللازم تنقيح المسألة، خصوصاً مع ملاحظة أهمّيتها وكثرة الآثار المترتّبة عليها .
وعلى أيّ، فالظاهر أنّه لا خلاف في جواز الإفطار لها إذا كانت خائفة على ولدها دون نفسها .
(1) رياض المسائل 5 : 491 ، جواهر الكلام 17 : 151 ، مستمسك العروة 8 : 449 ، المستند في شرح العروة 22 : 50 .
(2) الفقيه 2 : 95 ح 424 ، الكافي 4 : 137 ح 11 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 216 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 17 ح 2 .
(3) المستند في شرح العروة 22 : 50 .
الصفحة 224
ومنهم: المرضعة القليلة اللبن كذلك ; يعني إذا كان الصوم مضرّاً بها أو بولدها ، ويدلّ على الحكم فيها صحيحة محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن لا حرج عليهما أن تفطرا في شهر رمضان ; لأنّهما لا تطيقان الصوم ، وعليهما أن تتصدّق كلّ واحدة منهما في كلّ يوم تفطر فيه بمدّ من طعام ، وعليهما قضاء كلّ يوم أفطرتا فيه ، تقضيانه بعد(1) . والتعليل الواقع فيها يفيد اُموراً :
الأوّل : عدم ثبوت الحكم في المستثنى منه بصورة الإطلاق ، بل يختصّ بما إذا كان الصوم حرجيّاً .
الثاني : أنّ ثبوت أصل الحكم إنّما هو لدخولهما تحت قوله ـ تعالى ـ : {وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُو . . . }إلخ(2). غاية الأمر أنّه حينئذ يشكل بأنّ ظاهر الآية ـ بالإضافة إلى الأشخاص المذكورين ـ وجوب الفدية بدلاً عن القضاء ، فالجمع بين وجوب التصدّق ووجوب القضاء فيما بعد، كأنّه خارج عمّا هو المتفاهم عندنا من الآية .
الثالث : أنّ الملاك نفس المرضعة لا ولدها ، فالحكم بالنسبة إلى الولد يحتاج إلى دليل آخر ; وهو ما ذكر في الحامل المقرب الذي يضرّ الصوم بولدها ، وقد عرفته مع ما فيه .
المقام الثاني : في مقدار الفدية .
فنقول : ظاهر الآية الشريفة في قوله ـ تعالى ـ : { وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ و فِدْيَةٌ
(1) تهذيب الأحكام 4 : 239 ح 701 ، الكافي 4 : 117 ح 1 ، الفقيه 2 : 84 ح 378 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 215 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 17 ح 1 .
(2) سورة البقرة 2 : 184 .
الصفحة 225
طَعَامُ مِسْكِين}(1) هو ثبوت الفدية الواحدة ; أي مدّ واحد من الطعام ، وقد وقع التصريح بذلك في صحيحة محمد بن مسلم المتقدّمة آنفاً ، لكن في صحيحته الاُخرى ثبوت مدّين ; وهي ما رواه عن الصادق (عليه السلام) قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول . . . وذكر مثله ، إلاّ أنّه قال : ويتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمدّين من طعام(2) ، قال صاحب الوسائل بعد نقل الروايتين : حمله الشيخ على الاستحباب تارة ، وعلى من قدر على المدّين اُخرى ، وحمل الأوّل على من لم يقدر إلاّ على مدّ واحد .
أقول : ما ذكرناه مراراً من اتّحاد الرواية وعدم التعدّد فيما إذا كان الراوي واحداً ، إلاّ أنّ مورده ما إذا كان المروي عنه أيضاً واحداً ; نظراً إلى أنّ الراوي ـ خصوصاً لو كان مثل محمد بن مسلم ، وخصوصاً مع البناء على كتابة الرواية وضبطها ـ لايسأل أمراً واحداً عن إمام واحد مرّتين ، والمروي عنه في المقام متعدّد ; فإنّه في إحديهما أبو جعفر الباقر (عليه السلام) ، وفي الاُخرى أبو عبدالله الصادق (عليه السلام) ، إلاّ أنّ الملاك يجري هنا أيضاً ; فإنّ مثل محمد بن مسلم لا يسأل عن الإمامين شيئاً واحداً ، خصوصاً مع عدم الاعتراض في صورة اختلاف الجوابين ، فيغلب على الظنّ بتحقّق اشتباه في البين . هذا على حسب نقل التهذيب ، ولكن في الاستبصار في كلا الموردين أبوجعفر (عليه السلام) . وبالنتيجة لا دليل على وجوب أزيد من مدّ واحد كما هو مقتضى الآية ، فجعل الاحتياط في مدّين ـ كما في المتن ـ لا وجه له ، إلاّ أن يكون المراد هو الاحتياط الاستحبابي ، فلاحظ .
المقام الثالث : في أصل وجوب الكفّارة على الأشخاص المذكورين فيالمسألة ، الذين يجوز لهم الإفطار ، فقد استشكل في المتن في وجوبها على
(1) سورة البقرة 2: 184.
(2) تقدّمت في ص223 ـ 224.
الصفحة 226
مسألة 9 : لا فرق في المرضعة بين أن يكون الولد لها أو متبرّعة برضاعه أو مستأجرة ، والأحوط الاقتصار على صورة عدم وجود من يقوم مقامها في الرضاع تبرّعاً ، أو باُجرة من أبيه، أو منها، أو من متبرّع 1 .
الشيخين وذي العطاش في صورة تعذّر الصوم عليهم ، بل نفى خلوّ العدم عن القوّة ، والوجه فيه ـ مضافاً إلى قاعدة لا حرج ، بناءً على المختار من أنّ السقوط إنّما هو على نحو العزيمة لا الرخصة ـ : أنّ الجمع بين لزوم الإفطار ولزوم الكفّارة غير معهود وإن كان ربّما يلاحظ مثله في باب الحجّ ; فإنّه يجب على المريض ولو في حال الإحرام لبس المخيط، ومع ذلك يجب عليه الكفّارة ، وظاهر الآية الشريفة ـ الدالّة على وجوب الفدية وثبوتها في صورة الإطاقة ، كقوله ـ تعالى ـ : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً . . .} الآية(1) ـ وإن كان هو الثبوت بالإضافة إليهم ، إلاّ أنّ شمولها لمن يتعذّر عليه الصيام ممنوع .
وقد تأمّل في المتن في الوجوب على الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن إذا كان الصوم مضرّاً بهما لا بولدهما ، والظاهر أنّ الوجوب في الفرض الثاني لا تأمّل فيه بخلاف الفرض الأوّل ، مع أنّ صحيحة محمد بن مسلم المتقدّمة الواردة فيهما الدالّة على الوجوب ظاهرة في ذلك ، خصوصاً مع التعليل الواقع فيها بأ نّهما لا يطيقان ، فإنّ هذا التعليل ظاهر في تحقّق الإضرار بالنسبة إلى أنفسهما، كما لا يخفى ، فالتأمّل فيه في غير محلّه ، إلاّ أن يكون المراد نفي الوجوب والتأمّل فيه في الفرض الثاني دون الأوّل ، وهو أيضاً خلاف ظاهر الرواية ، فتدبّر .
1ـ أمّا عدم الفرق في المرضعة بين الموارد المذكورة فلإطلاق دليلها ، مثل
(1) سورة آل عمران 3 : 97 .
الصفحة 227
الصحيحة المتقدّمة ، ولا دليل على التقييد واختصاص الحكم بالمرضعة الخاصّة ، وأمّا كون مقتضى الاحتياط الوجوبي الاقتصار على صورة عدم وجود من يقوم مقامها في الرضاع تبرّعاً أو باُجرة وإن كان الولد لها، كما هو مقتضى إطلاقها ،فلما حكي(1) عن جماعة من الوجوب مع وجود من يقوم مقامها في الرضاع ، بل وجود ما يقوم مقام الرضاع، كما هو المتداول في هذه الأزمنة ; من الاستفادة من اللبن المجفّف ، أو من لبن بعض الحيوانات ، مثل البقر والغنم .
وربما يستدلّ له بمكاتبة علي بن مهزيار قال : كتبت إليه ـ يعني : علي بن محمد (عليه السلام) ـ أسأله عن امرأة ترضع ولدها وغير ولدها في شهر رمضان ، فيشتدّ عليها الصوم وهي ترضع حتى يُغشى عليها ولا تقدر على الصيام ، أترضع وتفطر وتقضي صيامها إذا أمكنها ، أو تدع الرضاع وتصوم ؟ فإن كانت ممّن لا يمكنها اتّخاذ من يرضع ولدها فكيف تصنع؟ فكتب : إن كانت ممّن يمكنها اتّخاذ ظئر استرضعت لولدها وأتمّـت صيامها ، وإن كان ذلك لا يمكنها أفطرت وأرضعت ولدها وقضت صيامها متى ما أمكنها(2).
وهذه الرواية وإن كانت واضحة الدلالة على التفصيل، إلاّ أنّه حيث رواها في الوسائل عن ابن إدريس في أخر السرائرمن كتاب مسائل الرجال،وسندابن إدريس إليه مورد للمناقشة لأجل جهالته ، فالاستدلال بها على الوجوب مشكل، ويمكن أن يقال باختصاص التعليل الواقع في الصحيحة المتقدّمة بصورة عدم التمكّن المزبور. وعليه : فيصحّ ما في المتن من جعل مقتضى الاحتياط الوجوبي ذلك ، فتأمّل .
(1) رياض المسائل 5 : 493 ، العروة الوثقى 2 : 51 ، المستند في شرح العروة الوثقى 22 : 56 .
(2) مستطرفات السرائر : 67 ح 11 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 216 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 17 ح 3 .
الصفحة 228
مسألة 10 : يجب على الحامل والمرضعة القضاء بعد ذلك ، كما أنّ الأحوط وجوبه على الأوّلين لو تمكّنا بعد ذلك 1 .
1ـ أمّا وجوب القضاء على الحامل والمرضعة المذكورة; فلوقوع التصريح بذلك في مثل الصحيحة المتقدّمة فلا ريب في ذلك . وأمّا الأوّلان اللذان يراد بهما الشيخ والشيخة وذو العطاش، فقد احتاط في المتن الوجوب عليهما مع تمكّنهما بعد ذلك ; والمنشأ أنّ ظاهر الآية الشريفة لعلّه عدم الوجوب بالإضافة إليهما ; لما عرفت(1)من أنّ الآية قد تعرّضت لحكم ثلاثة عناوين ، وليست فيها دلالة على وجوب القضاء الذي يعبرّ عنه فيها بـ «عدّة من أيّام اُخر» ، بل الواجب على الذين لا يطيقونه فدية طعام فقط .
لكن قوّى السيّد في العروة وجوب القضاء مع التمكّن بعد ذلك (2)، كما قد نسب إلى المشهور (3) ، ولعلّ وجهه صدق الفوات ، والفرض التمكّن من القضاء ، مع أنّ صدقه محلّ إشكال ; لعدم دلالة الآية على الإيجاب عليه من الأوّل ، لا في شهر رمضان ولا بعنوان عدّة من أيّام اُخر ، كما في المسافر والمريض ، ومع عدم الوجوب عليه من أوّل الأمر لا يتحقّق عنوان الفوت ، خصوصاً مع التصريح في بعض الروايات بالعدم .
ففي صحيحة محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : الشيخ الكبير والذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان ، ويتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمدّ من طعام ، ولا قضاء عليهما، فإن لم يقدرا فلا شيء
(1) في ص 222 ـ 223 .
(2) العروة الوثقى 2 : 50 ، فصل في موارد جواز الإفطار .
(3) مفاتيح الشرائع 1 : 241 ، مستمسك العروة 8 : 446 .
الصفحة 229
عليهما(1). ويؤيّده التعبير بإجزاء الفداء المذكورة في الآية في بعض الروايات الصحيحة (2). وعليه : فلا موجب للاحتياط الوجوبي وإن كان الاحتياط الاستحبابي ممّا لا ينبغي الارتياب فيه ، كما لا يخفى .
(1) تقدّمت في ص223 .
(2) وسائل الشيعة 10 : 209 ـ 213 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 15 .
الصفحة 230
الصفحة 231
القول في طريق ثبوت هلال شهر رمضان وشوّال
يثبت الهلال بالرؤية وإن تفرّد به الرائي ، والتواتر والشياع المفيدين للعلم ، ومُضيّ ثلاثين يوماً من الشهر السابق ، وبالبيّنة الشرعيّة ، وهي شهادة عدلين ، وحكم الحاكم إذا لم يعلم خطؤه ولا خطأ مستنده . ولا اعتبار بقول المنجّمين ، ولا بتطوّق الهلال أو غيبوبته بعد الشفق في ثبوت كونه للّيلة السابقة وإن أفاد الظنّ 1 .
1ـ يثبت الهلال مطلقاً لا في خصوص الشهرين المذكورين في العنوان باُمور :
الأوّل : الرؤية وإن تفرّد بها الرائي وانحصرت به ، ويدلّ على ثبوت الهلال بها ـ مضافاً إلى إفادتها للعلم الذي هو حجّة عقليّة ، أو الاطمئنان الذي هو حجّة عقلائية ; ضرورة أنّ إحراز العنوان المأخوذ في موضوع الحكم لا سبيل له أولى من العلم وما يقوم مقامه ـ الروايات الكثيرة الدالّة على الثبوت بالرؤية مطلقاً ; سواء كانت مقرونة برؤية الغير أم لا ، وفي بعضها التصريح بذلك .
ففي صحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه (عليه السلام) قال : سألته عمّن يرى هلال شهر رمضان وحده لا يبصره غيره ، أله أن يصوم؟ قال : إذا لم يشك فيه فليصم وحده ،
الصفحة 232
وإلاّ يصوم مع الناس إذا صاموا(1) . وقد اشتهر ما يدلّ على أنّه يصام للرؤية ويفطر للرؤية(2) .
الثاني والثالث : التواتر والشياع بشرط إفادتهما للعلم ، والثبوت في هذا الفرض واضح ، إنّما الكلام في صورة عدم إفادة العلم ، والعمدة في البحث في هذا المجال هو غير التواتر ; لأنّ فرض ثبوت التواتر مع فرض عدم إفادة العلم لعلّه غير ممكن ; فإنّ التواتر بأنواعه المختلفة لفظيّاً أو معنويّاً أو إجماليّاً يفيد العلم . وأمّا الشياع فربّما يقال فيه بالاعتبار وإن لم يفد إلاّ الظنّ ، ويستدلّ عليه ببعض الأدلّة غير الناهضة لإثبات ذلك . وقد تكلّمنا في هذا المجال في هذا الشرح في كتاب القضاء(3)ـ على ما هو ببالي ـ مثل ما ورد في قصّة إسماعيل وما قال أبوه الإمام (عليه السلام) له ، ولا نرى حاجة إلى الإعادة .
الرابع : مضيّ ثلاثين يوماً من الشهر السابق مع ثبوت أوّله ، ويدلّ عليه :
أوّلاً : أ نّ الشهر في لسان الشرع لا يزيد على ثلاثين ، بل قد ينقص بيوم واحد ، وقد اشتهر عناوين الشهور الإثنتي عشرة التي منها شهر رمضان ، الذي هو موضوع البحث في هذا الكتاب ، ويبدو في النظر أنّ السنة المركّبة من الشهور المشار إليها في باب الخمس ـ الذي يكون من الاُمور المتعلّقة له هو ما يفضل من الربح هي مؤونة السنة عند آخرها ـ هي هذه السنة المعبّر عنها بالسنة القمريّة ،
(1) مسائل علي بن جعفر : 149 ح 193 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 261 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب4 ح 2 .
(2) وسائل الشيعة 10 : 252 ـ 260 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 3 .
(3) تفصيل الشريعة فى شرح تحرير الوسيلة ، كتاب القضاء : 51 ـ 53 .
الصفحة 233
ولكن لأجل خصوصيّة في الخمس قد ذكرنا هناك تبعاً للماتن (قدس سره) (1) أنّ المراد بالسنة في خصوص باب الخمس هي السنة الشمسيّة .
والوجه فيه إجمالاً ـ وإن فصّلناه هناك ـ : أنّ المؤونة إنّما يكون اختلافها نوعاً باختلاف الفصول الأربعة المتحقّقة في السنة الشمسيّة ، فمع إرادة الشارع وحكمه بتعلّق الخمس بما يفضل عن مؤونة السنة ، فمراده المؤونة الرائجة المختلفة بالاختلاف المذكور طبعاً ، وهذا لا دلالة له على أنّ مراد الشارع من السنة مطلقاً ذلك ، كما لا يخفى .
وثانياً : الروايات الكثيرة الدالّة على أنّ شهر رمضان قد يكون ثلاثين ، وقد ينقص بيوم واحد ، وأنّه يصيب شهر رمضان ما يصيب الشهور من التمام والنقصان ، وفي رواية إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : إن خفي عليكم فأتمّوا الشهر الأوّل ثلاثين(2) .
الخامس : البيّنة الشرعيّة التي هي عبارة عن شهادة عدلين ، ويدلّ على حجّيتها في هذا المقام أمران :
أحدهما : ما يدلّ على حجّية البيّنة في الموضوعات الخارجيّة مطلقاً ، وقد ذكرناه في كتابنا في القواعد الفقهيّة (3)، وببالي أنّا ذكرنا هناك أنّ عنوان البيّنة ـ كما هو المأخوذ في الرواية المعروفة لمسعدة بن صدقة المتصفّة بأنّها موثّقة ، كما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره) في الرسائل(4) ، حيث قال (عليه السلام) في ذيلها : والأشياء كلّها على هذا
(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الخمس : 120 .
(2) تهذيب الأحكام 4 : 158 ح 441 ، الاستبصار 2 : 64 ح 208 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 265 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 12 .
(3) القواعد الفقهيّة 1 : 479 ـ 485 .
(4) فرائد الاُصول (الرسائل) 3 : 351 و 381 .
الصفحة 234
حتّى يستبين لك غير هذا ، أو تقوم به البيّنة(1). والروايات المذكورة في كتاب القضاء الدالّة على أنّ البيّنة على المدّعي ، واليمين على المدّعى عليه أو على من أنكر (2)، وفي رأسها الرواية الحاكية لقول النبيّ (صلى الله عليه وآله) : إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان(3) ـ اصطلاح في الشرع وإن لم يكن له حقيقة شرعيّة مبحوث عنها في الاُصول ، ولا يكون بالمعنى اللّغوي الصرف ، كما يدلّ عليه المقابلة مع الاستبانة في الرواية المتقدّمة ، وقد ذكرنا في ذلك الكتاب(4) أ نّ حجّية البيّنة دليل على عدم حجّية خبر الواحد ـ ولو كان عادلاً ـ في الموضوعات ، وإلاّ تلزم اللغوية في حجّية البيّنة المشاركة معه في العدالة المختلفة في العدد ، فنفس ثبوت الحجّية للبيّنة دليل على عدم ثبوتها في خبر الواحد ، والتفصيل في محلّه .
ثانيهما : ما يدلّ على الاعتبار في خصوص المقام ، مثل :
صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول : لا اُجيز في الهلال إلاّ شهادة رجلين عدلين(5) . ومن الواضح أنّ الحصر فيها إضافيّ .
وصحيحة حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) :
(1) الكافي 5 : 313 ح 40 ، وعنه وسائل الشيعة 17 : 89 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ب 4 ح 4 .
(2) وسائل الشيعة 27 : 233 ـ 235 ، كتاب القضاء، أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى ب 3 وص293 ب25 ح3 ، والمفردات في غريب القرآن : 68 .
(3) الكافي 7 : 414 ح 1 ، وعنه وسائل الشيعة 27 : 232 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى ب 2 ح 1 .
(4) أي القواعد الفقهيّة 1 : 494 ـ 501 .
(5) الكافي 4 : 76 ح 2 ، الفقيه 2 : 77 ح 338 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 286 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 1 .
الصفحة 235
لاتجوز شهادة النساء في الهلال ، ولا يجوز إلاّ شهادة رجلين عدلين(1) .
وصحيحة منصور بن حازم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أ نّه قال : صم لرؤية الهلال وأفطر لرؤيته ، فإن شهد عندكم شاهدان مرضيّان بأنّهما رأياه فاقضه(2) .
والروايات الدالّة على هذا الأمر كثيرة جدّاً .
لكن في مقابلها بعض ما يتخيّل معارضته للروايات المتقدّمة ; وهو بين ما يدلّ بظاهره على عدم حجّية البيّنة مطلقاً ، وبين ما يدلّ على عدم الحجّية فيما إذا لم تكن في السماء علّة ، كما حكي عن صاحب الحدائق (قدس سره) (3) .
فمنها : رواية حبيب الخزاعي (الخثعمي، الجماعي خل) قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : لاتجوز الشهادة في رؤية الهلال دون خمسين رجلاً عدد القسامة ، وإنّما تجوز شهادة رجلين إذا كانا من خارج المصر وكان بالمصر علّة فأخبرا أنّهما رأياه، وأخبرا عن قوم صاموا للرؤية وأفطروا للرؤية (4) .
والظاهر أنّ المراد من الشرط في الشرطيّة هي صورة ما لو كان بالمصر علّة وفي غيره لا تكون كذلك ، لا الأعمّ ممّا إذا كان في الخارج علّة أم لا ، ويؤيّده قوله (عليه السلام) : «فأخبرا أنّهما رأياه» ; فإنّه يدلّ على الإخبار بالرؤية لأجل عدم الغيم وصحو السّماء . وأمّا المخبر به ، فهل يكون أمرين : الرؤية، وصيام قوم أو إفطارهم لها على
(1) الكافي 4 : 77 ح 4 ، الفقيه 2 : 77 ح 340 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 287 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 3 .
(2) تهذيب الأحكام 4 : 157 ح 436 ، الاستبصار 2 : 63 ح 205 ، المقنعة : 297 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 287 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 4 .
(3) الحدائق الناضرة 13 : 245 ـ 246 .
(4) تهذيب الأحكام 4 : 159 ح 448 ، وص 317 ح 963 ، الاستبصار 2 : 74 ح 227 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 290 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 13 .
الصفحة 236
تقدير أن يكون العطف بـ «و» الظاهر في ثبوت المعيّة وتحقّق الاجتماع ؟ ويحتمل قويّاً أن يكون العطف بـ «أو» الدالّ على كفاية أحد الأمرين .
وكيف كان ، فقد يناقش(1) في الرواية تارة : من حيث السند ، واُخرى : من حيث الدلالة .
أمّا من جهة السند : فلأجل حبيب الخزاعي أو الجماعي ; فإنّه مجهول ، وحبيب الخثعمي ـ كما في بعض الكتب الحاكي للرواية(2) ـ وإن كان موثّقاً، إلاّ أنّه لم يكن الثابت في المقام هو الرجل الموثّق ، بل المردّد بينه وبين غيره ، فلا اعتبار بالرواية من حيث السند .
وأمّا من جهة الدلالة : فمن جهة أنّ مفادها عدم جواز شهادة رجلين عدلين مع عدم وجود الغيم في السماء وعلّة فيها ، مع أنّه على هذا التقدير يطمأنّ بخطئهما ، ولا تكون مثل هذه البيّنة مشمولة لدليل الحجّية .
أقول : هذا ليس إشكالاً في دلالة الرواية ، بل يكون بياناً لعلّة عدم جواز شهادة رجلين مع عدم وجود الغيم في السماء ، مع أنّ حصول الاطمئنان بخطئهما في هذه الصورة ، إن كان مرجعه إلى ما ذكرنا من حجّية الاطمئنان في نظر العقلاء فالصغرى ممنوعة ; لأنّ حصول الاطمئنان الكذائي في الصورة المذكورة ممنوع . وإن لم يكن مرجعه إلى ما ذكرنا فالكبرى ممنوعة ، وعدم شمول أدلّة الحجّية له غير ظاهر .
فالأولى أن يقال بأنّه مع وجود المعارضة بين هذه الرواية على فرض اعتبارها
(1) المناقش هو السيّد الخوئي (قدس سره) في المستند في شرح العروة 22 : 65 ـ 66 .
(2) أي في وسائل الشيعة 7: 21 ح13 ، تحقيق الشيخ عبد الرحيم الربّاني الشيرازي.
الصفحة 237
والروايات الكثيرة الصحيحة المتقدّمة ،يكون الترجيح مع تلك الروايات ; لاستناد المشهور إليها(1) ، وقد قرّرنا أنّ أوّل المرجّحات هي الشهرة الفتوائيّة ، كما لا يخفى .
ومنها : رواية القاسم بن عروة ، عن أبي العبّاس ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : الصوم للرؤية ، والفطر للرؤية وليس الرؤية أن يراه واحد ، ولا إثنان ، ولا خمسون . قال في الوسائل بعده : ورواه الصدوق بإسناده عن القاسم بن عروة ، عن أبي العباس الفضل بن عبد الملك مثله (2).
وقد نوقش(3) فيها أيضاً سنداً ودلالة . أمّا السند ; فلأجل القاسم بن عروة ; لأنّه لم يوثّق وإن ورد توثيقه في بعض الرسائل(4) غير الثابتة .
وأمّا الدلالة ; فلأ نّ الظاهر كون المراد منها لزوم العلم أو ما قام الدليل على قيامه مقام العلم في ذلك ، وليس مجرّد رؤية الغير ولو بلغ خمسين كافياً في ذلك كما يقول به الناس، حيث يعتمدون على مجرّد دعوى الغير الرؤية ممّن يصلّي ويصوم، من غير اشتراط العدالة في اعتبار الشهادة ، ولذا لم يذكر التقييد بها في الرواية أصلاً ، فلا ينافي ما دلّ على قيام البيّنة وهي شهادة رجلين عدلين مقام العلم .
وهذا الأمر يجري بالإضافة إلى الرواية السابقة أيضاً ، فالمراد أنّ شهادة خمسين أيضاً لا اعتبار بها مع فرض عدم العدالة ، ويمكن أن يقال بإشعار الرواية السابقة
(1) المعتبر 2: 686، اللمعة الدمشقيّة: 27، مسالك الأفهام 2: 51، مدارك الأحكام 6: 167، ذخيرة المعاد: 531، رياض المسائل 5: 413.
(2) تهذيب الأحكام 4 : 156 ح 431 ، الاستبصار 2 : 63 ح 201 ، الفقيه 2 : 77 ح 336 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 290 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 12 .
(3) المناقش هو السيّد الخوئي (قدس سره) في المستند في شرح العروة 22 : 67 .
(4) المسائل الصاغانيّة المطبوع ضمن مصنّفات الشيخ المفيد 3 : 72 .
الصفحة 238
بذلك باعتبار التشبيه بالقسامة ، فتدبّر .
وكيف كان ، يجري هنا أيضاً ما ذكرناه في ذيل السابقة على فرض المعارضة من ثبوت الترجيح مع تلك الروايات .
ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم ـ التي رواها عنه أيّوب(1) وحمّاد ـ عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : إذا رأيتم الهلال فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ، وليس بالرأي ولا بالتظنّي ، ولكن بالرؤية . (قال: خل) والرؤية ليس أن يقوم عشرة فينظروا فيقول واحد : هو ذا هو ، وينظر تسعة فلا يرونه ، إذا رآه واحد رآه عشرة آلاف ، وإذا كانت علّة فأتمّ شعبان ثلاثين . وزاد حمّاد فيه : وليس أن يقول رجل : هو ذا هو ، لا أعلم إلاّ قال : ولا خمسون(2) . ورواه في الوسائل في باب آخر قبل هذا الباب عن أبي أيّوب . . . إلخ(3) ، والظاهر أنّه هو الصحيح .
ودلالتها ظاهرة فيما قلناه ; من أنّه لا عبرة بالرأي ولا بالتظنّي في قبال العامّة ، وليس فيها أيضاً إشعار بتوصيف الشاهد بالعدالة ، فلا تنافي ما يدلّ على اعتبار شهادة رجلين بشرط أن يكونا عدلين، من دون فرق بين الموارد وصورتي وجود العلّة وعدمها .
ومنها : رواية أبي أيّوب إبراهيم بن عثمان الخزّاز ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت له : كم يجزئ في رؤية الهلال؟ فقال : إنّ شهر رمضان فريضة من فرائض الله
(1) كذا في الوسائل 7: 209 ح11، تحقيق الشيخ عبد الرحيم الربّاني الشيرازي، ولكن في الطبعة الجديدة: أبي أيّوب، وفي هامشه: في نسخة أيّوب (هامش المخطوط).
(2) تهذيب الأحكام 4 : 156 ح 433 ، الاستبصار 2 : 63 ح 203 ، الكافي 4 : 77 ح 6 ، الفقيه 2 : 76 ح334 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 289 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 11 .
(3) وسائل الشيعة 10 : 252 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 3 ح 2 .
الصفحة 239
فلا تؤدّوا بالتظنّي ، وليس رؤية الهلال أن يقوم عدّة فيقول واحد : قد رأيته ، ويقول الآخرون : لم نره ، إذا رآه واحد رآه مائة ، وإذا رآه مائة رآه ألف ، ولا يجزئ في رؤية الهلال إذا لم يكن في السماء علّة أقلّ من شهادة خمسين ، وإذا كانت في السماء علّة قبلت شهادة رجلين يدخلان ويخرجان من مصر(1) .
وليس المراد من قوله (عليه السلام) في الذيل : «ولا يجزئ في رؤية الهلال . . .إلخ» جعل المناط خمسين بحيث لا يقبل أنقص من هذا العدد ولو بواحدة ، ويقبل شهادة خمسين أو أزيد ، كما أنّ المراد من قوله (عليه السلام) : «يدخلان ويخرجان من مصر» هو الخروج منه إلى محلّ لم يكن في السّماء فيه علّة وغيم ; ضرورة أنّه مع اتّحاد داخل المصر وخارجه من حيث وجود العلّة في السّماء، لا فائدة في الدخول والخروج ولامجال فيه للتفصيل . مضافاً إلى عدم إشعار في الرواية باعتبار العدالة في صورة قبول الشهادة ، ولا يقول بظاهره أحد على الظاهر .
فاللازم حمل الرواية على عدم اعتبار الرأي والتظنّي كما في كثير من الروايات السابقة، وإن كان السؤال فيها يظهر منه أنّ المسؤول هي الكمّية المجزئة في رؤية الهلال ، ولكنّ التأمّل في الجواب ـ خصوصاً مع ملاحظة قوله (عليه السلام) : «فلا تؤدّوا بالتظنّي» ـ يرشد إلى ما ذكرنا ، فلا دلالة للرواية على اعتبار عدد خاصّ ، كما أنّها لا تنفي اعتبار العدالة ، ولا دلالة لها على التفصيل بين وجود العلّة وثبوتها في السماء وعدمها ، ولو فرض الدلالة على ذلك فالترجيح مع تلك الروايات.
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا اعتبار البيّنة مطلقاً في إثبات الهلال .
(1) تهذيب الأحكام 4 : 160 ح 451 ، وعنه وسائل الشيعة 10: 289 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 10 .
الصفحة 240
السادس : حكم الحاكم مع ثبوت قيدين ، عدم العلم بخطئه في الحكم ، وعدم العلم بخطأ مستنده .
أمّا أصل ثبوت هذا الحكم ، وكون حكم الحاكم من طرق ثبوت الهلال في الجملة ، فقد نسب إلى المشهور (1) ، وخالفهم فيه البعض الآخر (2)، وربما يستدلّ له بروايات :
منها : صحيحة محمد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : إذا شهد عند الإمام شاهدان أنّهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوماً أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم إذا كانا شهدا قبل زوال الشمس ، وإن شهدا بعد زوال الشمس أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم وأخّر الصلاة إلى الغد فصلّى بهم(3) . حيث إنّها تدلّ على مفروغيّة أنّ أمر الصيام والإفطار يثبت بأمر الإمام ، وأنّه إذا أمر بالإفطار يجب على الناس الإفطار ; سواء كانت الشهادة المذكورة فيها قبل زوال الشمس أو بعده ، غاية الأمر الافتراق بين الصورتين في الصلاة ـ أي صلاة عيد الفطر ـ من جهة لزوم التأخير في الثانية إلى الغد دون الاُولى .
وقد أجاب بعض الأعلام (قدس سره) عن الاستدلال بالرواية للمقام بما يرجع محصّله إلى أنّها أجنبيّة عن محلّ الكلام بالكلّية ، وإنّما هي ناظرة الى وجوب إطاعة الإمام ، وأ نّه متى أمر بالإفطار وجب ; لكونه مفترض الطاعة ، من غير حاجة إلى صدور
(1) الدروس الشرعيّة 1: 286، مدارك الأحكام 6: 170ـ 171، ذخيرة المعاد 3: 531، مشارق الشموس 3: 475، المستند في شرح العروة 22 : 80 .
(2) الحدائق الناضرة 13 : 259 و 263 ، مستند الشيعة 10 : 418 ـ 420 .
(3) الفقيه 2 : 109 ح 467 ، الكافي 4 : 169 ح 1 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 275 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 6 ح 1 .
|