الصفحة 361
وقد استدلّ للقول بعدم الجواز مطلقاً بما دلّ على حرمة إبطال العمل ; مثل قوله ـ تعالى ـ : {وَ لاَ تُبْطِـلُوا أَعْمَــلَكُمْ }(1) .
والجواب ما حكي(2) عن الشيخ الأنصاري من أنّ الآية ناظرة إلى إبطال الأعمال بعد وقوعها لا في الأثناء ، والمقصود الإبطال في مثل قوله ـ تعالى ـ : { لاَ تُبْطِـلُوا صَدَقَـتِكُم بِالْمَنِّ وَالاَْذَى }(3) .
وربما يستدلّ لهذا القول بما دلّ على وجوب الكفّارة لو جامع خلال الثلاثة ; فإنّ دلالته الالتزامية عدم جواز القطع ; لأنّه لا مجال للزوم الكفّارة بالإضافة إلى أمر مباح .
واُورد عليه أوّلا : بمنع استلزام الكفّارة للحرمة ، كما في لبس الرجل الثوب المخيط اضطراراً .
وثانياً : بأنّ مقتضى الدليل حرمة الإبطال بالجماع لا بشيء آخر ، كما لا يخفى(4) .
وأمّا ما في المتن، فيدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال :إذا اعتكف يوماً ولم يكن اشترط فله أن يخرج ويفسخ الاعتكاف ، وإن أقاميومين ولم يكن اشترط فليس له أن يفسخ اعتكافه حتّى تمضي ثلاثة أيّام(5) ،والمراد من الاشتراط التعيين بنذر وشبهه ، لا كالاشتراط عند نيّة الإحرام ;
(1) سورة محمّد (صلى الله عليه وآله) 47 : 33 .
(2) فرائد الاُصول 2 :376 ـ 380 .
(3) سورة البقرة 2 : 264 .
(4) المستند في شرح العروة 22 : 396 ـ 397 .
(5) الكافي 4 : 177 ح 3 ، تهذيب الأحكام 4 : 289 ح 879 ، الاستبصار 2 : 129 ح 421 ، الفقيه 2 : 121 ح 526 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 543 ، كتاب الاعتكاف ب 4 ح 1.
الصفحة 362
مسألة 4 : لابدّ من كون الأيّام متّصلة ، ويدخل الليلتان المتوسّطتان كما مرّ ، فلو نذر اعتكاف ثلاثة أيّام منفصلة أو من دون الليلتين ، لم ينعقد إن كان المنذور الاعتكاف الشرعي . وكذا لو نذر اعتكاف يوم أو يومين مقيّداً بعدم الزيادة . نعم ، لو لم يقيّده به صحّ ووجب ضمّ يوم أو يومين 1 .
ضرورة جواز الخروج في اليومين الأوّلين ولو مع عدم اشتراط ، فتدبّر .
ثمّ إنّ الرواية تدلّ على وجوب الإتمام بالإضافة إلى اليوم الثالث الأوّل ، وأمّا اليوم السادس فقد عرفت(1) دلالة موثّقة أبي عبيدة على أنّه إن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتّى يتمّ ثلاثة أيّام ، فالدليل بالنسبة إلى الثالث الأوّل والثالث الثاني يدلّ على لزوم الإتمام . وأمّا بالنسبة إلى الثالث الثالث وما بعده فيبتني على إلغاء الخصوصيّة ، ومقتضى الاحتياط الوجوبي ـ كما في المتن ـ عدم الجواز ، فتدبّر .
1ـ قد تقدّم في الأمر الرابع من شروط الاعتكاف أنّه قد ورد في الروايات: أنّ الاعتكاف لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام ، وظاهرها كما هو المرتكز عند المتشرّعة ثلاثة أيّام متّصلة ، وهو الوجه في دخول الليلتين المتوسّطتين .
وعليه : فإذا نذر الاعتكاف الشرعيّ فلابدّ في الوفاء من الاعتكاف ثلاثة أيّام متّصلة مع دخول الليلتين .
ولو نذر اعتكاف ثلاثة أيّام منفصلة لا ينعقد النذر ; لأ نّ الاعتكاف الشرعي عبارة عمّا ذكرنا . نعم ، لو كان المراد هو مجرّد اللبث في المسجد لا بعنوان الاعتكاف ، نظراً إلى رجحان المكث في المسجد ، فعلى فرض الراجحيّة لا ينعقد
(1) في ص 350 .
الصفحة 363
مسألة 5 : لو نذر اعتكاف شهر يجزئه ما بين الهلالين وإن كان ناقصاً ، لكن يضمّ إليه حينئذ يوماً على الأحوط 1 .
مسألة 6 : يعتبر في الاعتكاف الواحد وحدة المسجد ، فلا يجوز أن يجعله في المسجدين ولو كانا متّصلين ، إلاّ أن يعدّا مسجداً واحداً ، ولو تعذّر إتمام الاعتكاف في محلّ النيّة ـ لخوف أو هدم ونحو ذلك ـ بطل ، ولا يجزئه إتمامه في جامع آخر2 .
نذر الاعتكاف ، ولا يترتّب عليه أحكامه التي ستجيء إن شاء الله تعالى .
وهكذا لو نذر اعتكاف يوم أو يومين مقيّداً بعدم الزيادة . نعم ، لو لم يكن هناك تقييد يصحّ النذر ويجب اعتكاف ثلاثة أيّام لاأقلّ، فيجب ضمّ يوم أو يومين ، فتدبّر.
1ـ قد عرفت أنّه لا يعتبر حدّ لأكثر من ثلاثة أيّام في الاعتكاف ، فيجوز نذر اعتكاف شهر ، وحيث إنّ الشهر في الشرع عبارة عمّا بين الهلالين، كما في رمضان وغيره ، فيكفي في الوفاء بالنذر اعتكاف شهر وإن كان ناقصاً بواحد ، لكن نظراً إلى ما تقدّم في السابق من أنّ مقتضى الاحتياط بعد السادس تكميل الثلاثة ، يضمّ إليه يوماً هنا ليكمّل الثالث العشر ، كما لا يخفى .
2ـ لأنّ الظاهر من النصوص الواردة في الاعتكاف بحكم الانصراف وحدة محلّه من المسجد ، كما حكي عن الجواهر(1) . وربما يقال(2) بأنّه مع الغضّ عن الانصراف يمكن الاستدلال لذلك بإطلاق طائفة من الروايات :
(1) جواهر الكلام 17 : 171 .
(2) المستند في شرح العروة 22 : 428 .
الصفحة 364
مسألة 7 : سطوح المساجد وسراديبها ومحاريبها من المساجد ، فحكمها حكمها ما لم يُعلم خروجها ، بخلاف ما أُضيف إليها كالدهليز ونحوه ; فإنّها ليس منها ما لم يُعلم دخولها وجعلها منها ، ومن ذلك بقعتا مسلم بن عقيل (عليه السلام) وهانئ (رحمه الله) ; فإنّ الظاهر أ نّهما خارجان عن مسجد الكوفة 1 .
منها : ما دلّ على أنّ من خرج من المسجد لحاجة لزمه الرجوع بعد القضاء إلى مجلسه (1) ، فلو جاز الاعتكاف في مسجد آخر حينئذ لم يلزمه الرجوع إلى الأوّل .
ومنها : ما دلّ على أنّ من خرج من المسجد لحاجة فحضر وقت الصلاة لا يجوز له أن يصلّي في غير مكّة إلاّ في المسجد الّذي سمّاه(2) ; أي اعتكف فيه. وهذا من دون فرق بين صورتي الاتّصال وعدمه ، مع ما في صورة الانفصال من عدم تحقّق عنوان الخروج لحاجة غالباً .
بقي الكلام في هذه المسألة فيما لو تعذّر إتمام الاعتكاف لخوف أو هدم ; فإنّ الظاهر حينئذ بطلان الاعتكاف ; وذلك لفرض التعذّر وعدم التمكّن العرفي من الإتمام ، وقد مرّ في صدر المسألة اشتراط وحدة المكان ، فلا مجال لاحتمال جواز الإتمام في مسجد آخر كما عن الجواهر (3) . وحينئذ فإذا لم يكن الاعتكاف واجباً معيّناً ـ أي منذوراً في أيّام مخصوصة ـ لا يجديه هذا الاعتكاف ، وإن كان واجباً معيّناً بالمعنى المذكور وجب الاستئناف والقضاء في مسجد آخر ـ أو في هذا المسجد ـ بعد رفع التعذّر ظاهراً .
1ـ لا إشكال في لزوم إحراز المسجديّة في جواز الاعتكاف فيه ، وعليه :
(1) وسائل الشيعة 10 : 549 ـ 551 ، كتاب الاعتكاف ب 7 .
(2) وسائل الشيعة 10: 551 ـ 552، كتاب الاعتكاف ب8 .
(3) جواهر الكلام 17 : 171 .
الصفحة 365
مسألة 8 : لو عيّن موضعاً خاصّاً من المسجد محلاًّ لاعتكافه لم يتعيّن ، ويكون قصده لغواً حتّى فيما لو عيّن السطح، دون الأسفل أو العكس ، بل التعيين ربما يورث الإشكال في الصحّة في بعض الفروض 1 .
فسطوح المساجد وسراديبها ومحاريبها من المساجد ما لم يعلم خروجها ، وبالإضافة إلى الفضاء غير المسقّف من المسجد ، فالمساجد فيها مختلفة ، ففي بعضها تكون جزءاً من المسجد ، وفي بعضها خارجاً .
وبالجملة : فاللازم إحراز المسجديّة . ومنه يعلم خروج مثل الدهليز ممّا أُضيف إلى المسجد ولم يعلم الدخول في المسجد وجعله منه .
ونسب إلى الشهيد(1) بطلان الاعتكاف وتحقّق الخروج من المسجد ـ لا لحاجة ـ بالصعود على السطح ، ولعلّ مورد نظره صورة العلم بخروج السطح عن عنوان المسجديّة ، وإلاّ فلا وجه لذلك حتّى في صورة الشكّ ; لأنّ الظاهر ثبوت الجزئيّة بنظر العرف . ثمّ إنّ من المواضع الخارجة عن عنوان المسجد بقعتي مسلم بن عقيل (عليه السلام) وهانئ بن عروة (رحمه الله) ، الواقعتين في جنب مسجد الكوفة ; فإنّ وقوعهما في جنبه لا يقتضي الحكم بكونهما من المسجد ، كما هو واضح .
1ـ لأنّ محلّ الاعتكاف هو جميع المسجد الذي اعتكف فيه ; لأنّ الجميع من المساجد الأربعة أو المسجد الجامع فرضاً ، ولا أثر لتعيينه موضعاً خاصّاً من المسجد ; من دون فرق بين أن يكون تعيين المحلّ الخاصّ لأجل كونه أقرب بشؤونه ومقاصده ، أو لأجل كونه مؤثّراً في زيادة الأجر ، بل في المتن : أنّ التعيين ربما يورث الإشكال في الصحّة فيما لو كان التعيين لأجل تخيّله عدم صحّة الاعتكاف إلاّ
(1)الدروس الشرعيّة 1 :300 ،جواهر الكلام 17 :174 ، مستمسك العروة 8 :569 .
الصفحة 366
مسألة 9 : من الضروريّات المبيحة للخروج إقامة الشهادة وعيادة المريض إذا كان له نحو تعلّق به ، حتّى يعدّ ذلك من الضروريّات العرفيّة . وكذا الحال في تشييع الجنازة ، وتشييع المسافر ، واستقبال القادم ، ونحو ذلك وإن لم يتعيّن عليه شيء من ذلك . والضابط : كلّ ما يلزم الخروج إليه عقلا أو شرعاً أو عادة من الأُمور الواجبة أو الراجحة ; سواء كانت متعلّقة بأُمور الدنيا أو الآخرة ، حصل ضرر بترك الخروج أو لا .
نعم ، الأحوط مراعاة أقرب الطرق والاقتصار على مقدار الحاجة والضرورة ، ويجب أن لا يجلس تحت الظلال مع الإمكان ، والأحوط عدم الجلوس مطلقاً إلاّ مع الضرورة ، بل الأحوط أن لا يمشي تحت الظلال وإن كان الأقوى جوازه . وأمّا حضور الجماعة في غير مكّة المعظّمة فمحلّ إشكال 1 .
في المحلّ المعيّن ; لاستلزامه التشريع ; لما عرفت من أنّه لا فرق في الصحّة بين أبعاض المسجد الذي يصحّ فيه الاعتكاف .
1ـ قد تقدّم البحث في هذه المسألة في الأمر السابع من شروط الاعتكاف ، وعرفت أنّ الأمر المبيح للخروج عن المسجد ـ بعد كون الاعتكاف موجباً لاستدامة اللبث في المسجد ـ هو ما يلزم الخروج إليه عقلا أو شرعاً أو عادة من الأُمور الواجبة أو الراجحة ; سواء كانت متعلّقة بأُمور الدنيا أو الآخرة . نعم ، قد ورد النصّ على جواز عيادة المريض ومثلها (1) .
والذي ينبغي بيانه هنا أنّ مقتضى الاحتياط الوجوبي مراعاة أقرب الطرق والاقتصار على مقدار الحاجة والضرورة ، كما أنّ في صحيحة داود بن سرحان
(1) وسائل الشيعة 10 : 549 ، كتاب الاعتكاف ب 7 ح 2 وغيره .
الصفحة 367
مسألة 10 : لو أجنب في المسجد وجب عليه الخروج للاغتسال إذا لم يمكن إيقاعه فيه بلا لبث وتلويث ، وقد مرّ حكم المسجدين ، ولو ترك الخروج بطل اعتكافه من جهة حرمة لبثه 1 .
المتقدّمة(1) في الأمر السابع النهي عن القعود تحت الظلال حتّى العود إلى مجلسه ، لكن احتاط وجوباً بعدم الجلوس مطلقاً ; أي ولو غير تحت الظلال ; لمنافاته لحقيقة الاعتكاف ، كما أنّه احتاط استحباباً بعدم المشي تحت الظلال وإن قوّى جوازه ; وذلك لدلالة الصحيحة المشار إليها على أنّ المنهيّ هو عنوان القعود تحت الظلال ، كما لا يخفى .
ثمّ إنّك عرفت أنّه لا مجال للحكم بجواز الخروج عن المسجد لحضور الجماعة المنعقدة في محلّ آخر ; لأنّه ليس من الحاجة الملحة أو التي لابدّ منها . نعم ، هنا روايات في استثناء مكّة المعظّمة غير صافية الدلالة، وإن جعل صاحب الوسائل في عنوان الباب قوله : «ولا الصلاة في غير مسجده إلاّ بمكّة»(2) ، فراجع .
1ـ قد تقدّم البحث عن هذه المسألة في ذيل الأمر السابع من الأُمور المعتبرة في الاعتكاف ، والذي أُضيف هنا أنّه لو ترك الجنب ـ أي بالجنابة غير الاختياريّة كالاحتلام مثلا ـ الخروج من المسجد بطل اعتكافه من جهة حرمة لبثه ، وليس هذا من شبه مصاديق اجتماع الأمر والنهي، الذي حقّقنا في الأُصول جوازه ، وحكمنا بصحّة المجمع إذا كان عبادة (3)، فتدبّر .
(1) في ص 357 .
(2) وسائل الشيعة 10 : 551 ـ552 ، كتاب الاعتكاف ب 8 .
(3) سيرى كامل در اصول فقه 6 : 614 ـ 620 .
الصفحة 368
مسألة 11 : لو دفع من سبق إليه في المسجد وجلس فيه ، فلا يبعد عدم بطلان اعتكافه . وكذا لو جلس على فراش مغصوب ، كما لا إشكال في الصحّة لو كان جاهلا بالغصب أو ناسياً . ولو فرش المسجد بتراب أو آجر مغصوب ، فإن أمكن التحرّز عنه وجب ، ولو عصى فلا يبعد الصحّة ، وإن لم يمكن فلا يترك الاحتياط بالاجتناب عنه 1 .
1ـ في هذه المسألة فروع :
الأوّل : لو دفع من سبق إليه في المسجد وجلس فيه ، ففي المتن نفى البعد عن عدم بطلان الاعتكاف ، وقد صرّح السيّد (قدس سره) في العروة بأنّ الأقوى بطلان اعتكافه (1) ، والمسألة مبتنية ـ كما أُفيد (2)ـ على أنّ السابق في المسجد الشاغل لجزء منه للصلاة أو الاعتكاف أو غيرهما ، هل هو ذو حقّ بالإضافة إليه بحيث لا يجوز التصرّف فيه إلاّ بإذنه ، كما في الأملاك المتعلّقة لحقّ الغير ، فعلى هذا يكون المكث والتصرّف محرّماً فلا ينعقد الاعتكاف ، أو أنّه لا يستفاد من الأدلّة ثبوت الحقّ بهذا المعنى ، بل الثابت حرمة المزاحمة ، وأمّا بعدها فالمكان باق على الإباحة للجميع ؟ فاللازم ملاحظة الأدلّة .
فنقول : الروايات الواردة في المقام ثلاث :
إحداها : مرسلة محمّد بن إسماعيل ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : من سبق إلى موضع فهو أحقّ به يومه وليلته(3) .
(1) العروة الوثقى 2 : 78 مسألة 2591 .
(2) المفيد هو السيّد الخوئي (قدس سره) في المستند في شرح العروة 22 : 444 .
(3) الكافي 4 : 546 ح 33، تهذيب الأحكام 6 : 110 ح 195 ، كامل الزيارات : 547 ب 108 ح 839 ، وعنها وسائل الشيعة 5 : 278 ، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد ب 56 ح 1، و ج 14 : 592 ، كتاب الحجّ ، أبواب المزار ب 102 ح 1 .
الصفحة 369
ولكنّها ضعيفة سنداً ودلالة ; لعدم التزام أحد بأحقّية هذا المقدار إلاّ في بعض الفروض ; ضرورة أنّه لم يلتزم أحد بأنّ من سبق إلى موضع من المسجد لأن يصلّي فيه جماعة أو فرادى، فهو أحقّ به يوماً وليلا . نعم، لو كان شاغلا له في جميع المدّة المزبورة فهو أحقّ به .
ثانيتها : رواية طلحة بن زيد ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : سوق المسلمين كمسجدهم ، فمن سبق إلى مكان فهو أحقّ به إلى الليل ، الحديث (1) . والظاهر أنّ التشبيه إنّما هو في خصوص ثبوت الأولويّة وأحقّيّتها . وأمّا جعل الغاية الليل ، فهو ينحصر بالسوق الذي يكون المتعارف فيه التكسّب في مجموع النهار والانتهاء إلى الليل ، فلا دلالة للرواية على ثبوت هذه الغاية في المسجد أيضاً ، فالرواية تامّة من حيث الدلالة بهذا المقدار . وأمّا من حيث السند فموثّقة ظاهراً .
ثالثتها : مرسلة ابن أبي عمير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سوق المسلمين كمسجدهم ; يعني إذا سبق إلى السوق كان له مثل المسجد(2) .
واعتبارها من حيث السند مبنيّ على القول باعتبار مراسيل ابن أبي عمير ، كما ذهب إليه الشيخ الطوسي (قدس سره) في كتاب العدّة (3)، وأمّا على القول بعدم الاعتبار
(1) الكافي 5: 155 ح 1 ، تهذيب الأحكام 7: 9 ح 31 ، الفقيه 3: 124 ح 540 ، وعنها وسائل الشيعة 5: 278 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساجد ب 56 ح 2.
(2) الكافي 5 : 155 ح 2 ، وعنه وسائل الشيعة 17 : 406 ، كتاب التجارة ، أبواب آداب التجارة ب 17 ح 2 .
(3) العُدّة في اُصول الفقه 1 : 154 .
الصفحة 370
كسائر المراسيل ، فالرواية لا تكون حجّة كما اختاره بعض الأعلام (قدس سرهم) (1) .
إذا عرفت الروايات الواردة في المقام ، فاعلم أنّه لا إشكال في أنّ القدر المتيقّن من الدلالة ثبوت حقّ الأولويّة بنحو لا يجوز المزاحمة . وأمّا عدم جواز التصرّف إلاّ بالإذن كما في الأملاك ، فالظاهر عدم دلالة الرواية عليه بعد الاحتياج إلى مؤنة زائدة . ومنه يعلم وجه نفي البعد عن الصحّة في المتن ; فإنّ المزاحمة المنهيّة لا ترتبط بصحّة العبادة بعد عدم إضافة المكان إلى شخص خاصّ .
الثاني : لو جلس على فراش مغصوب فهو كالفرع السابق; فإنّ حرمة الجلوس على الفراش المغصوب أمر، والمكث الذي به قوام الاعتكاف أمر آخر وإن كان الأمران متلازمين في الخارج ; فإنّ اتّحاد العنوانين فيه لا يوجب السراية فضلا عن التلازم ، كما حقّق في محلّه .
وقد نفى الإشكال عن الصحّة فيما لو كان جاهلا بالغصب أو ناسياً ، والدليل عليه عدم ثبوت الحرمة مع أحد العنوانين . نعم ، ربما يقيّد بما إذا كان الناسي غير الغاصب . وأمّا إذا كان الناسي هو شخص الغاصب ; فإنّه لا يرتفع الحكم معه ; لاستناده إلى سوء الاختيار ، والتحقيق في محلّه .
الثالث : لو فرش المسجد بتراب مغصوب أو آجر كذلك ، فقد فصّل فيه في المتن بين صورة إمكان التحرّز عنه ، فأوجب ذلك ، ونفى البعد عن الصحّة في صورة العصيان ،وصورة عدم إمكان التحرّزعنه ،فنهى عن ترك الاحتياط بالاجتناب عنه .
أقول : أمّا الوجه في الوجوب في صورة إمكان التحرّز، فواضح. وأمّا نفي البعد عن الصحّة في صورة العصيان; فلما ذكرنا من عدم الاتّحاد . وأمّا الوجه في النهي عن
(1) المستند في شرح العروة 22 : 447 .
الصفحة 371
مسألة 12 : لو طال الخروج في مورد الضرورة ـ بحيث انمحت صورة الاعتكاف ـ بطل 1 .
مسألة 13 : يجوز للمعتكف أن يشترط حين النيّة الرجوع عن اعتكافه متى شاء ; حتّى اليوم الثالث لو عرض له عارض وإن كان من الأعذار العرفيّة العاديّة ; كقدوم الزوج من السفر ، ولا يختصّ بالضرورات التي تبيح المحظورات ، فهو بحسب شرطه إن عامّاً فعامّ ، وإن خاصّاً فخاصّ. وأمّا اشتراط الرجوع بلا عروض عارض فمحلّ إشكال بل منع .
ويصحّ للناذر اشتراط الرجوع عن اعتكافه لو عرضه عارض في نذره ; بأن ترك الاحتياط بالاجتناب في صورة عدم إمكان التحرّز; لأنّه ليس من مصاديق الاضطرار ، بل كما في العروة(1) لو توقّف على الخروج من المسجد خرج ولو فرض أنّ التراب أو الآجر المغصوب قد خرج عن الماليّة وصار في حكم التالف . ولذا يجب على الغاصب التدارك بالمثل ، إلاّ أنّ ذلك لا يوجب جواز التصرّف للغاصب أو مثله ، مع ثبوت حقّ المالك وعدم زواله بوجه ، كما لا يخفى .
1ـ ضرورة أنّ اللازم بقاء صورة العمل وعدم انمحائها ، وجواز الخروج لأجل الضرورة ـ كما هو المفروض ـ لا يوجب صحّة الاعتكاف كما في باب الصلاة ; فإنّه لو مشى في أثنائها عدواً لخوف حصل له من عدوّ أو عقرب مثلا ; فإنّه يجوز بل يجب له العدو في هذه الحالة ، إلاّ أنّ ذلك لا يوجب صحّة صلاته بعد انمحاء صورتها ، كما لا يخفى .
(1) العروة الوثقى 2 : 79 مسألة 2591 .
الصفحة 372
يقول : لله عليَّ أن أعتكف بشرط أن يكون لي الرجوع عند عروض كذا مثلا ، فيجوز الرجوع، ولا يترتّب عليه إثم ولا حنث ولا قضاء ، ولا يترك الاحتياط بذكر ذلك الشرط حال الشروع في الاعتكاف أيضاً ، ولا اعتبار بالشرط المذكور قبل نيّة الاعتكاف ولا بعدها، ولو شرط حين النيّة ثمّ أسقط شرطه فالظاهر عدم سقوطه 1.
1ـ هذه المسألة في الجملة ممّا لا إشكال فيها (1)، والعمدة من الروايات الواردة صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : إذا اعتكف يوماً ولم يكن اشترط فله أن يخرج ويفسخ الاعتكاف(2) ، وإن أقام يومين ولم يكن اشترط فليس له أن يفسخ (ويخرج)(3) اعتكافه حتّى تمضي ثلاثة أيّام . وقد رواها المشايخ الثلاثة(4) . ويستفاد منها أمران :
أحدهما : أنّ الاشتراط يؤثّر في عدم جواز الرجوع حتّى في اليومين الأوّلين ، والمقصود منه اشتراط الاستمرار وعدم الفسخ .
ثانيهما : أنّ الاشتراط يؤثّر في جواز الفسخ والخروج حتّى بالإضافة إلى اليوم الثالث الذي يجب البقاء فيه مع قطع النظر عن الاشتراط ، والمقصود اشتراط
(1) رياض المسائل 5 : 519 ، مستند الشيعة 10 : 565 ، جواهر الكلام 17 : 192 ـ 197 ، مستمسك العروة 8 : 581 ، المستند في شرح العروة 22 : 464 .
(2) في التهذيب 4 : 289 ح879 والاستبصار 2 : 129 ح421 والفقيه 2 : 121 ح526 : اعتكافه.
(3) كذا في الوسائل 7: 404، تحقيق الشيخ عبد الرحيم الربّاني الشيرازي، ولكن في الكافي 4 : 177 ح3 والفقيه والوسائل 10: 543 طبع مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) «أن يفسخ اعتكافه»، وفي التهذيب والاستبصار : «أن يخرج ويفسخ اعتكافه».
(4) تقدّمت في ص 363 .
الصفحة 373
الفسخ والخروج ، فما عن الشيخ (قدس سره) (1) من منع تأثير الاشتراط بالنسبة إلى اليوم الثالث ، مخالف للرواية جدّاً . نعم ، في اليومين الأوّلين يجوز الفسخ والخروج مطلقاً ; أي من دون عذر وبدون اشتراط كما مرّ ، وقلنا هناك . وأمّا اليوم الثالث، فمقتضى الصحيحة الجواز مع الاشتراط ، وأمّا بدونه فلا .
نعم ، قد عرفت(2) جواز الخروج غير الماحي لصورة الاعتكاف في مطلق الأعذار العقليّة والعرفيّة والعاديّة ، ولا إشكال في تأثير الاشتراط بالنسبة إلى اليوم الثالث ، فيما إذا اشترط الخروج مع عروض عارض ولو لم يكن من تلك الأعذار . وأمّا تأثير الاشتراط في الجواز ولو بدون عروض عارض ، فقد صرّح بجوازه السيّد في العروة (3) ، والمستفاد من شرحها(4) التمسّك بإطلاق الاشتراط في ذلك ، مع أ نّه لا يكون في مقام البيان حتّى يمكن التمسّك بإطلاقه ، ولعلّه لذا استشكل الماتن (قدس سره) في ذلك ، بل جعله محلّ منع . ويؤيّد الاختصاص روايتان :
إحداهما : صحيحة أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : وينبغي للمعتكف إذا اعتكف أن يشترط كما يشترط الذي يحرم(5) . وظاهر أنّ المحرم يشترط الإحلال مع العذر ، وأن يتحلّل عندما حبسه الله .
ثانيتهما : موثّقة عمر بن يزيد ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : واشترط على
(1) المبسوط 1 : 289 .
(2) في ص 359 ـ 360 .
(3) العروة الوثقى 2 : 80 مسألة 2599 .
(4) المستند في شرح العروة 22 : 465 .
(5) الكافي 4 : 177 ح 2 ، الفقيه 2 : 121 ح 525 ، تهذيب الأحكام 4 : 289 ح 876 ، الاستبصار 2 : 128 ح 418 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 552 ، كتاب الاعتكاف ب 9 ح 1 .
الصفحة 374
ربّك في اعتكافك ـ كما تشترط في إحرامك ـ أن يـحلّك من اعتكافك عند عارض إن عرض لك من علّة تنزل بك من أمر الله تعالى(1) .
ثمّ إنّه لو تعلّق النذر بالاعتكاف المشروط ، فالظاهر صحّة هذا النذر لمشروعيّة الاشتراط في نفسه . وعليه : فلا يترتّب على هذا النذر عند عروض العارض إثم على مخالفته ، ولا قضاء ولا كفّارة .
ثمّ إنّ الظاهر والقدر المتيقّن أنّ محلّ الاشتراط هي النيّة حال الاعتكاف ، فلا اعتبار به بعد الشروع ولا قبل الاعتكاف . نعم ، ينبغي التقييد بما إذا لم يكن الاشتراط مبنيّاً عليه الاعتكاف ، بل كان حال النيّة غافلا أو غير مشترط ، كما أ نّه لا اعتبار به بعد الشروع في الاعتكاف قطعاً . نعم ، لو شرط حين النيّة ثمّ أسقط شرطه حال الاعتكاف ، فالظاهر عدم سقوطه . وقد احتاط في العروة(2) استحباباً بترتيب آثار السقوط من الإتمام بعد إكمال اليومين .
(1) الاستبصار 2 : 129 ح 419 ، تهذيب الأحكام 4 : 289 ح 878 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 553 ، كتاب الاعتكاف ب 9 ح 2 .
(2) العروة الوثقى 2 : 80 ذ مسألة 2599 .
الصفحة 375
القول في أحكام الاعتكاف
يحرم على المعتكف أُمور :
منها : مباشرة النساء بالجماع وباللمس والتقبيل بشهوة، بل هي مبطلة للاعتكاف ، ولا فرق بين الرجل والمرأة، فيحرم ذلك على المعتكفة أيضاً 1 .
1ـ لا إشكال ولا خلاف في حرمة هذا الأمر في الجملة ، بل الإجماع عليه (1) ، والأصل في ذلك قوله ـ تعالى ـ : { وَلاَ تُبَـشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَـكِفُونَ فِى الْمَسَـجِدِ}(2)، والظاهر أنّ النهي عن المباشرة لهنّ إنّما هو باعتبار الاعتكاف ،وقيد « في المساجد » ناظر إلى الاعتكاف الشرعي ، ولا شبهة في أنّ المسلّم من المباشرة هو الجماع ; من دون فرق بين القبل والدبر ، ولكنّها هل تختصّ بالجماع ،كما أنّه قد استظهر منها عرفاً ، أو يعمّ اللمس والتقبيل، سيّما إذا كانا بشهوة ، أويعمّ مطلق المخالطة والمحادثة؟ لا يبعد أن يقال بأنّ مقتضى الإطلاق هو الشمول للجميع، وخروج اللمس والتقبيل سيّما المخالطة والمحادثة إنّما هو لقيام الدليل
(1) رياض المسائل 5 : 523 ، مستند الشيعة 10 : 567 ، جواهر الكلام 17 : 199 ، مستمسك العروة 8 : 586 ، المستند في شرح العروة 22 : 477 .
(2) سورة البقرة 2 : 187 .
الصفحة 376
في مقابل الإطلاق، واللازم الرجوع إليه في موارد الشكّ وعدم قيام الدليل ، كما في نظائره .
والروايات الواردة في هذا المجال مختلفة :
منها : ما ورد في الجماع من دون أن يكون له دلالة على حكم غير الجماع نفياً وإثباتاً .
كموثّقة سماعة قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن معتكف واقع أهله ؟ فقال (قال خل) : هو بمنزلة من أفطر يوماً من شهر رمضان(1) .
وموثّقته الأُخرى ـ التي جعلت رواية مستقلّة مع أنّه من الواضح اتّحادها مع هذه الرواية وعدم التعدّد ـ عنه (عليه السلام) قال : سألته عن معتكف واقع أهله؟ قال : عليه ما على الذي أفطر يوماً من شهر رمضان (2).
وموثّقة الحسن بن الجهم، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : سألته عن المعتكف يأتي أهله؟ فقال : لا يأتي امرأته ليلا ولا نهاراً وهو معتكف(3) .
وغير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال(4) .
ومنها : ما دلّ على عدم اعتزاله (صلى الله عليه وآله) النساء في حال الاعتكاف ; وهي صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا كان العشر الأواخر اعتكف
(1) الفقيه 2 : 123 ح 534 ، الكافي 4 : 179 ح 2 ، تهذيب الأحكام 4 : 291 ح 886 ، الاستبصار 2 : 130 ح 423 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 547 ، كتاب الاعتكاف ب 6 ح 2 ، وقد تقدّمت في ص 162ـ163 و317 .
(2) تهذيب الأحكام 4 : 292 ح 888 ، الاستبصار 2 : 130 ح 425 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 547 ، كتاب الاعتكاف ب 6 ح 5 .
(3) الكافي 4 : 179 ح 3 ، الفقيه 2 : 123 ح 537 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 545 ، كتاب الاعتكاف ب 5 ح 1 .
(4) وسائل الشيعة 10 : 545 ـ 547 ، كتاب الاعتكاف ب 5 و 6 .
الصفحة 377
في المسجد ، وضربت له قبّة من شعر ، وشمّر المئزر ، وطوى فراشه . فقال بعضهم :واعتزل النساء ؟ فقال أبو عبدالله (عليه السلام) ، أمّا اعتزال النساء فلا(1) .
والظاهر أنّ الجمع بين قوله (عليه السلام) : «طوى فراشه» وبين عدم اعتزاله النساء ، هو أنّ المراد بالأوّل هو ترك الجماع ، كقوله (عليه السلام) : «الولد للفراش»(2) ، والمراد بالثاني هو غيره من المجالسة والمخالطة مع النساء .
وبهذا يتحقّق الجمع بين هذه الرواية ، وبين الآية والروايات المتقدّمة ،ونتيجة الجمع أنّه لا إشكال في حرمة الجماع في حال الاعتكاف . وأمّا اللمسوالتقبيل بشهوة،فالظاهر دلالة الآية على حرمتهما. وأمّا غيرهما فقد قام الدليلعلى جوازه.
ثمّ إنّ الظاهر أنّ الجماع في حال الاعتكاف قبلا أو دبراً يوجب بطلان الاعتكاف ، كما يظهر من تشبيهه بالإفطار في رمضان ، كما أنّ الظاهر أنّه لا فرق بين الرجل والمرأة من هذه الجهة . ويدلّ عليه صريحاً ذيل صحيحة الحلبي المشتملة على قوله (عليه السلام) : واعتكاف المرأة مثل ذلك(3) .
وأصرح من ذلك صحيحة أبي ولاّد الحنّاط قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن امرأة كان زوجها غائباً ، فقدم وهي معتكفة بإذن زوجها ، فخرجت حين بلغها قدومه من المسجد إلى بيتها ، فتهيّأت لزوجها حتّى واقعها ؟ فقال : إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تنقضي ثلاثة أيّام ولم تكن اشترطت في اعتكافها ، فإنّ عليها
(1) الكافي 4 : 175 ح 1 ، تهذيب الأحكام 4 : 287 ح 869 ، الاستبصار 2 : 130 ح 426 ، الفقيه 2 : 120 ح 517 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 545 ، كتاب الاعتكاف ب 5 ح 2 .
(2) وسائل الشيعة 21 : 173 ـ 175، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد والإماء ب58 وغيره.
(3) الكافي 4 : 178 ح 3 ، الفقيه 2 : 122 ح 529، تهذيب الأحكام 4 : 288 ح 871 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 549 ، كتاب الاعتكاف ب 7 ح 2 .
الصفحة 378
ومنها : الاستمناء على الأحوط 1 .
ما على المظاهر(1) ; فإنّها ظاهرة في أنّ الموجب لثبوت كفّارة الظهار هو الوقاعحال الاعتكاف ، لا مجرّد الخروج من المسجد .
1ـ وجه الاحتياط عدم التعرّض له في أدلّة أحكام الاعتكاف ، وإنّما وقع التعرّض له في بابي الإحرام والصيام .
ولكنّه ذكر بعض الأعلام (قدس سره) (2) أ نّه يمكن استفادة الحكم على سبيل العموم بحيث يشمل المقام من موثّقة سماعة قال : سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل ؟ قال : عليه إطعام ستّين مسكيناً ، مدّ لكلّ مسكين(3) ; نظراً إلى أنّه ليس المراد أنّ مجرّد اللزوق بالأهل ثمّ الإنزال موجب للزوم الكفّارة ، بل المراد أ نّ كلّ مورد كان الجماع موجباًللكفّارة ، فالاستمناء بمنزلته في أصل الإيجاب . ومن الواضح أنّ الجماع حال الاعتكاف موجب لها كما سيجيء (4)، فالاستمناء أيضاً كذلك .
وأنا أقول : إنّ لزوم الكفّارة وإن كان غير ملازم للحرمة ـ كما عرفت(5) في بعض موارد إحرام الحجّ ـ إلاّ أنّ الظاهر استفادة الحرمة من الموثّقة ، كالجماع المحرّم في حال الاعتكاف ، ولا أقلّ من الالتزام بالاحتياط كما في المتن والعروة(6) .
(1) تقدّمت في ص318.
(2) المستند في شرح العروة 22 : 482 .
(3) تهذيب الأحكام 4 : 320 ح 980 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 40 ، كتاب الصوم ، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 4 ح 4 .
(4) في ص 385 .
(5) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الحجّ 3 : 302 و ج 4 : 77 .
(6) العروة الوثقى 2 : 81 ، الأمر الثاني .
الصفحة 379
ومنها : شمّ الطيب والريحان متلذّذاً ، ففاقد حاسّة الشمّ خارج 1 .
ومنها : البيع والشراء ، والأحوط ترك غيرهما أيضاً من أنواع التجارة ، كالصلح والإجارة وغيرهما ، ولو أوقع المعاملة صحّت وترتّب عليها الأثر على الأقوى . ولا بأس بالاشتغال بالأُمور الدنيويّة من أصناف المعايش حتّى الخياطة والنساجة ونحوهما وإن كان الأحوط الاجتناب . نعم ، لا بأس بها مع الاضطرار ، بل لا بأس بالبيع والشراء إذا مسّت الحاجة إليهما للأكل والشرب، مع عدم إمكان التوكيل ، بل مع تعذّر النقل بغير البيع والشراء أيضاً2 .
1ـ والأصل في هذا الأمر ما رواه أبو عبيدة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : المعتكف لايشمّ الطيب ، ولا يتلذّذ بالريحان ، ولا يماري ، ولا يشتريولايبيع . . . الحديث(1) ، وقد رواه المشايخ الثلاثة ، والنهي عن الشمّ يوجب خروج من كان فاقداً لحاسّة الشمّ كما في المتن ، وهل يعتبر التلذّذ ـ كما هو ظاهر المتن ـأو أنّ التلذّذ معتبر في خصوص الريحان، كما هو عنوان المنهيّ عنه في الرواية ؟ الظاهر الانصراف إلى صورة الالتذاذ ، كما ربما يقال(2) : إنّ الظاهر عرفاً من إضافة الشمّ إلى الطيب رعاية الوصف العنواني ، فشمّ الطيب لا للالتذاذ بل لغرض الاختبار ونحوه خارج أيضاً ، فتدبّر .
2 ـ والأصل في هذا الأمر ما تقدّم في الأمر السابق من رواية أبي عبيدة الدالّةعلى النهي عن البيع والشراء للمعتكف ، وهل يختصّ الحكم بالعنوانين ، فلا تشمل
(1) الكافي 4: 177 ح 4 ، الفقيه 2: 121 ح 527 ، تهذيب الأحكام 4: 288 ح 872 ، الاستبصار 2: 129 ح 420 ، وعنها وسائل الشيعة 10: 553 ، كتاب الاعتكاف ب 10 ح 1 .
(2) القائل هو السيّد الخوئي (قدس سره) في المستند في شرح العروة 22 : 484 .
الصفحة 380
ومنها : الجدال على أمر دنيويّ أو دينيّ إذا كان لأجل الغلبة وإظهار الفضيلة ، فإن كان بقصد إظهار الحقّ وردّ الخصم عن الخطأ فلا بأس به ، والأحوط للمعتكف اجتناب ما يجتنبه المحرم ، لكن الأقوى خلافه ، خصوصاً لبس المخيط وإزالة الشعر وأكل الصيد وعقد النكاح ، فإنّ جميع ذلك جائز له 1 .
الرواية مثل الصلح والإجارة ونحوهما من أنواع التجارة ؟ احتاط في المتن لزوماً بترك غيرهما أيضاً ، ولعلّه يحتمل قويّاً أن يكون العنوانان للإشارة إلى مطلق التجارة ، وأ نّ ذكرهما من باب كونهما من أظهر مصاديق التجارة ، كما لا يبعد .
ثمّ إنّه قوّى في المتن أنّه لو أوقع المعاملة صحّت وترتّب عليها الأثر ، ولعلّ الوجه فيه أنّ النهي المتعلّق بهما ليس للإرشاد إلى الفساد ، كما هو الغالب في النواهي المتعلّقة بالعبادات أو المعاملات ، بل النهي هنا كالنهي المتعلّق بالبيع وقت النداء في قوله ـ تعالى ـ : { وَ ذَرُوا الْبَيْعَ}(1) ، فلا مجال للمناقشة في الصحّة والتأثير في التمليك والتملّك .
نعم ، احتاط استحباباً بترك الاشتغال بالأُمور الدنيويّة من أصناف المعايش ، حتّى الخياطة والنساجة ونحوهما ; وذلك لعدم صدق عنوان التجارة عليها بوجه ، بل في المتن أنّه « لا بأس بالبيع والشراء إذا مسّت الحاجة إليهما للأكل والشرب» بحيث يصير معطّلا لهما مع عدم البيع والشراء ; وذلك لانصراف الرواية الدالّة على النهي عن هذا النحو من البيع والشراء . نعم ، حيث إنّ الضرورات تتقدّر بقدرها ، فاللازم الحكم بعدم البأس مع عدم إمكان التوكيل ، بل مع تعذّر النقل بغير البيع والشراء ; لأنّ الضرورة لا تكون حينئذ في فعله الخاصّ غير المتعذّر ، فتدبّر .
1ـ الأصل في هذا الأمر أيضاً صحيحة أبي عبيدة المتقدّمة الدالّة على النهي عن
(1) سورة الجمعة 62 : 9 .
الصفحة 381
المماراة ، وقد فسّره السيّد في العروة(1) كما في المتن بأنّ المراد منه المجادلة ; سواء كانتلأمر دنيويّ أو دينيّ . نعم ، يختصّ بما إذا كان المقصود الغلبة وإظهار الفضيلة ; ضرورة أنّه إن كان الغرض إظهار الحقّ وردّ الخصم عن الخطأ فهو من العبادات الراجحة . نعم ، ربما يتحقّق ذلك بالإضافة إلى خصوص الأُمور الدينيّة . وأمّاالأُمور الدنيويّة ـ كقدوم زيد ـ ومثله فلا مجال لتحقّق عنوان العبادة فيه ، لكنّه ينصرف عنه النصّ الذي هو الدليل الوحيد في المسألة، كما مرّ .
ثمّ إنّ الواجب على المعتكف في أيّام الاعتكاف ـ التي يكون الصوم معتبراً ـ الاجتناب عمّا يبطل الصوم ; لتقوّمه به . وأمّا اجتناب ما يجتنبه المحرم فقد قوّى خلافه وإن احتاط استحباباً بالاجتناب ، ولعلّ الوجه في الاحتياط المذكور ما حكي عن الشيخ (قدس سره) من أنّه «روي أنّه يجتنب ما يجتنبه المحرم»(2) ، ولكن ـ مضافاً إلى أنّ الرواية مرسلة بالإرسال غير المعتبر ، وإلى أنّه لا دليل على لزوم الاجتناب المذكور ـ نقطع بعدم لبس النبيّ (صلى الله عليه وآله) ثوبي الإحرام في حال الاعتكاف الذي كان يستمرّ عليه ـ خصوصاً في العشر الأواخر ـ وترك الثوب المخيط ، ولم تتعرّض الرواية الحاكية لاعتكافه (صلى الله عليه وآله) (3) لشيء من ذلك ، ولم ينقل أنّه لم يعقد النكاح ولو لغيره في تلك الأيّام ، فالظاهر عدم لزوم الاجتناب عن محرّمات الإحرام .
وأمّا لزوم الاشتغال بالعبادة في جميع آنات الاعتكاف إلاّ ما اضطرّ إلى الاستراحة فيه ، فهو أيضاً لا دليل عليه ، خصوصاً مع أنّ نفس الاعتكاف عبادة حتّى بالإضافة إلى الليالي ، فضلا عن الأيّام التي يقع فيها الصوم ، كما لايخفى .
(1) العروة الوثقى 2 : 82 ، الأمر الخامس .
(2) المبسوط 1 : 293 .
(3) وسائل الشيعة 10 : 533 ـ 534 ، كتاب الاعتكاف ب 1 ح 1 ، 2 و 4 .
الصفحة 382
مسألة 1 : لا فرق في حرمة ما سمعته على المعتكف بين الليل والنهار عدا الإفطار 1 .
مسألة 2 : يُفسد الاعتكاف كلّ ما يُفسد الصوم من حيث اشتراطه به ، فبطلانه يوجب بطلانه ، وكذا يُفسده الجماع ولو وقع في الليل ، وكذا اللمس والتقبيل بشهوة . ثمّ إنّ الجماع يُفسده ولو سهواً . وأمّا سائر ما ذكر من المحرّمات ، فالأحوط في صورة ارتكابها عمداً أو سهواً ـ وكذا اللمس والتقبيل بشهوة إذا وقعا سهواً ـ إتمام الاعتكاف وقضاؤه إن كان واجباً معيّناً ، واستئنافه في غير المعيّن منه إن كان في اليومين الأوّلين ، وإتمامه واستئنافه إن كان في اليوم الثالث .
وإذا أفسده ، فإن كان واجباً معيّناً وجب قضاؤه ، ولا يجب الفور فيه وإن كان أحوط ، وإن كان غير معيّن وجب استئنافه ، وكذا يجب قضاء المندوب إن أفسده بعد اليومين . وأمّا قبلهما فلا شيء عليه ، بل في مشروعيّة قضائه إشكال ، وإنّما يجب القضاء أو الاستئناف في الاعتكاف الواجب إذا لم يشترط الرجوع فيه بما مرّ ، وإلاّ فلا قضاء ولا استئناف2 .
1ـ لا فرق في حرمة الأُمور المذكورة على المعتكف بين الليل والنهار سوى الإفطار غير الجائز في الصوم ; لمنافاته له مع اعتباره فيه .
2ـ في هذه المسألة جهات من الكلام :
الأُولى : أنّه يُفسد الاعتكاف كلّ ما يفسد الصوم ويوجب بطلانه ; ضرورة اشتراط الاعتكاف بالصوم وتقوّمه به ، فمع فساد الصوم لا يبقى وجه لصحّة الاعتكاف .
الصفحة 383
الثانية : أنّ الجماع يُفسد الاعتكاف ولو وقع في الليل ، وكذا لو وقع سهواً ومن غير تعمّد . أمّا الوقوع في الليل ، فيدلّ عليه ـ مضافاً إلى اطلاقات جملة من الأخبار المتقدّمة ـ خصوص موثّقة الحسن بن الجهم المتقدّمة أيضاً (1)، الدالّة على أنّ المعتكف لا يأتي أهله ليلا ولا نهاراً . وأمّا لو وقع سهواً ، فالمحكي عن الجواهر(2) ادّعاء الانصراف إلى صورة العمد .
واُورد(3) عليه بأنّه لا مسرّح لمثل هذه الدعوى في الأحكام الوضعيّة التي هي بمثابة الجمل الخبريّة المتضمّنة للإرشاد إلى المانعيّة ونحوها ، فمرجع قوله (عليه السلام) «المعتكف لا يشمّ الطيب»(4) إلى أنّ عدم الشمّ قد اُعتبر في الاعتكاف غير المختصّ بحال دون حال، وإنّما تتّجه تلك الدعوى في الأحكام التكليفيّة ليس إلاّ، كما لايخفى .
ومحصّل الإيراد يرجع إلى أنّه لا فرق في مانعيّة الجماع ـ الذي هو محلّ البحث ـ في هذه الجهة بين صورتي العمد والسهو ، كما في المتن ، وصرّح السيّد (قدس سره) في العروة بأنّه لو جامع سهواً فالأحوط في الواجب الاستئناف ، أو القضاء مع إتمام ما هو مشتغل به ، وفي المستحبّ الإتمام (5).
الثالثة : في اللمس والتقبيل بشهوة ، فظاهر المتن تأثيره في البطلان إذا وقعا عمداً . وأمّا في صورة السهو ، فيجري عليه حكم سائر المحرّمات على المعتكف الذي سيجيء ، وأورد على الفرق بعض الأعلام (قدس سره) في شرح العروة ـ التي حكم فيها
(1) في ص 378 .
(2) جواهر الكلام 17 : 201 .
(3) المورد هو السيّد الخوئي (قدس سره) في المستند في شرح العروة 22 : 491 .
(4) تقدّم في ص 380 .
(5) العروة الوثقى 2 : 83 مسألة 2606 .
الصفحة 384
بأنّ جميع المحرّمات لا يؤثّر في بطلان الاعتكاف إذا صدر سهواً إلاّ الجماع ـ بما يرجع إلى عدم وضوح الفرق بين الجماع وغيره في البطلان وعدمه ; فإنّ قسماً من الأخبار الواردة في الجماع ناظر إلى إثبات الكفّارة ، ولا ينبغي الشكّ في اختصاصها بالعامد ; ضرورة ارتفاعها عن الناسي بمقتضى حديث الرفع (1)، والقسم الآخر دالّ على النهي عن الجماع ، أو على النهي عن البيع والشراء ونحوهما ، كما في صحيحة أبي عبيدة الحذاء المتقدّمة ، ولا فرق بينها من هذه الجهة أصلا (2).
أقول : إن قلنا بأنّ الدليل على حرمة اللمس والتقبيل بشهوة هي الآية الشريفة(3) الناهية عن مباشرة النساء في حال الاعتكاف ، كما نفينا البعد عنه(4)وإن استظهر عرفاً اختصاص المباشرة بالجماع ، فلا فرق حينئذ بين الجماعوبين اللمس والتقبيل بشهوة . وإن قلنا بأنّ الدليل على الحرمة الإجماع(5) ،فاللازم الاقتصار على القدر المتيقّن ، وهي صورة العمد كما لا يخفى ، فلا وجه لإجراء حكم صورة العمد في سائر المحرّمات بالإضافة إلى صورة السهو في اللمس والتقبيل .
وكيف كان ، فقد جعل الاحتياط في سائر المحرّمات مطلقاً ، وفي اللمس والتقبيل إذا وقعا سهواً بإتمام الاعتكاف وقضائه إن كان واجباً معيّناً ، واستئنافه فيغير المعيّن منه إن كان في اليومين الأوّلين ، وإتمامه واستئنافه إن كان فياليوم الثالث . وقد عرفت(6) أنّ الاعتكاف لا يصير بعنوانه واجباً ولو صار متعلّقاً
(1) تقدّم في ص37.
(2) المستند في شرح العروة 22 : 490 ـ 491 .
(3) سورة البقرة 2 : 187 .
(4، 5) أي في ص 377.
(6) في ص 342 ـ 343.
الصفحة 385
للنذر وشبهه . نعم ، يصير إبقاؤه واجباً في اليوم الثالث من دون فرق بين موارده ، فتدبّر .
الرابعة : فيما إذا أفسده ، وقد فصّل فيه في المتن بين ما إذا كان واجباً معيّناً وجب قضاؤه ، وإن كان واجباً غير معيّن وجب استئنافه . وأمّا المندوب فيجب قضاؤه إن أفسده بعد اليومين ، وأمّا قبلهما فلا شيء عليه ، بل استشكل في مشروعيّة القضاء فيه .
أقول : أمّا وجوب القضاء في الواجب المعيّن ، فالدليل عليه عموم وجوب قضاء الفوائت وإن نوقش فيه بعدم ثبوت هذا العموم(1) ، والتحقيق في محلّه .
كما أ نّه على تقدير الوجوب لا يجب الفور ـ وإن جعله أحوط في المتن وفي العروة(2) ـ لعدم الدليل عليه . وقد ثبت في الأُصول أ نّ الأمر لا دلالة له على الفوريّة(3) . نعم ، لابدّ وأن لا يكون التأخير بمثابة يعدّ توانياً وتهاوناً بحيث يؤدّي إلى ترك الواجب .
وأمّا الواجب غير المعيّن ، فلا يتحقّق فيه عنوان القضاء ، بل لم يأت بالمأمور به على وجهه . فاللازم الاستئناف .
وأمّا المندوب ، فإذا كان الإفساد بعد اليومين الأوّلين ; أي في اليوم الثالث الذي يجب البقاء فيه على الاعتكاف ، فيجب فيه القضاء لعين ما مرّ من الدليل عليه في الواجب المعيّن . وإن كان الإفساد في اليومين الأوّلين ، فلا يجب القضاء فيه ، بل استشكل في عنوان القضاء فيه .
(1) المناقش هو السيّد الخوئي في المستند في شرح العروة 22 : 492 .
(2) العروة الوثقى 2 : 83 مسألة 2608 .
(3) كفاية الاُصول 103 المبحث التاسع .
الصفحة 386
مسألة 3 : إذا أفسد الاعتكاف الواجب بالجماع ولو ليلا وجبت الكفّارة . وكذا في المندوب على الأحوط لو جامع من غير رفع اليد عن الاعتكاف ، وأمّا معه فالأقوى عدم الكفّارة ، كما لا تجب في سائر المحرّمات وإن كان أحوط . وكفّارته ككفّارة شهر رمضان وإن كان الأحوط كونها مرتّبة ككفّارة الظهار 1 .
والظاهر أنّ وجه الاستشكال أنّه حيث لا يكون استحباب الاعتكاف محدوداً بوقت خاصّ ، فكلّ زمان يريد الاعتكاف فيه فهو أداء ، وإن كان الاستحباب مؤكّداً في أزمنة خاصّة ، لكن أصل الاستحباب ثابت في جميع الأزمان. نعم ، عدا بعض الموارد المصادف لأحد العيدين ، كما هو الحال في جميع النوافل غير الموقّتة .
نعم ، في صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : كانت بدر في شهر رمضان فلم يعتكف رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فلمّا أن كان من قابل اعتكف رسول الله (صلى الله عليه وآله) عشرين : عشراً لعامه ، وعشراً قضاء لما فاته(1) .
والظاهر أ نّه ليس المراد هو القضاء الاصطلاحي ، بل الإضافة على الأداء بمقدار كان يعتكف فيه في شهر رمضان .
الخامسة : أنّه قد عرفت(2) أنّ مع اشتراط عدم البقاء في صورة عروض عارض لايجب البقاء مع العروض ، فلا وجه للقضاء ولا الاستئناف .
1ـ في هذه المسألة مقامان :
الأوّل : في مورد ثبوت الكفّارة في إفساد الاعتكاف الواجب ، لا إشكال
(1) الكافي 4 : 175 ح 2 ، الفقيه 2 : 120 ح 518 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 533 ، كتاب الاعتكاف ب 1 ح 2 .
(2) في ص 374 ـ 375 .
الصفحة 387
ولا خلاف(1) في ثبوتها بالإفساد بالجماع ; سواء كان في النهار أو في الليل ، ويدلّ عليه روايات كثيرة ، وقد عقد في الوسائل باباً لذلك :
منها : صحيحة زرارة قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن المعتكف يجامع (أهله خل) ؟ قال : إذا فعل فعليه ما على المظاهر(2) .
ومنها : موثّقة سماعة قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن معتكف واقع أهله ؟ فقال (قال خل) : هو بمنزلة من أفطر يوماً من شهر رمضان(3) ، ورواه في الوسائل في باب واحد مرّتين، مع أنّه من الواضح الاتّحاد وعدم التعدّد .
ومنها : رواية عبدالأعلى بن أعين ـ التي رواها عنه محمّد بن سنان ـ قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل وطىء امرأته وهو معتكف ليلا في شهر رمضان ؟ قال : عليه الكفّارة . قال : قلت : فإن وطأها نهاراً ؟ قال : عليه كفّارتان(4) . وقد صرّح في هذه الرواية بالجماع ليلا ، ومقتضى الإطلاق وترك الاستفصال في غيرها أيضاً ذلك ، هذا بالإضافة إلى الاعتكاف الواجب .
وأمّا المندوب : فقد فصّل فيه في المتن بين ما إذا كان الجماع من غير رفع اليد عن الاعتكاف ، فاحتاط لزوماً بثبوت الكفّارة ، وبين رفع اليد عن الاعتكاف ، فقد قوّى عدم الكفّارة ، والوجه في الاحتياط في الصورة الأُولى : هو احتمال شمول الأخبار الواردة في الجماع ـ المتقدّمة ـ للاعتكاف المندوب ، خصوصاً مع إطلاق
(1) تذكرة الفقهاء 6 : 314 ، رياض المسائل 5 : 526 ، جواهر الكلام 17 : 209 ، مستمسك العروة 8 : 594 ، المستند في شرح العروة 22 : 497 .
(2) تقدّمت في ص 163 و 318.
(3) تقدّمت في ص 162 ـ 163، 317 و 378.
(4) تقدّمت في ص 164 .
الصفحة 388
السؤال وترك الاستفصال في الجواب ، وخصوصاً مع ملاحظة ندرة الاعتكاف الواجب وكثرة الاعتكاف المندوب .
نعم ، التنزيل منزلة الإفطار في شهر رمضان ربما يشعر بأنّ المراد هو الاعتكاف الواجب ، كوجوب الإمساك في شهر رمضان ، لكن هذا الإشعار لا يقاوم الاحتمال المذكور ، خصوصاً مع أنّ التنزيل إنّما ورد في بعض الروايات على ما عرفت ، فالإنصاف أنّه لا مجال للتنزّل عن الاحتياط الوجوبي كما في المتن .
هذا كلّه بالإضافة إلى الجماع . وأمّا بالإضافة إلى سائر محرّمات الاعتكاف،فقد حكم فيه في المتن بعدم وجوب الكفّارة وإن جعل مقتضى الاحتياط الاستحبابي التكفير .
نعم ، في صحيحة أبي ولاّد الحنّاط قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن امرأة كان زوجها غائباً ، فقدم وهي معتكفة بإذن زوجها ، فخرجت حين بلغها قدومه من المسجد إلى بيتها ، فتهيّأت لزوجها حتّى واقعها ؟ فقال : إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تنقضي ثلاثة أيّام ولم تكن اشترطت في اعتكافها ; فإنّ عليها ما على المظاهر . وقد رواها المشايخ الثلاثة (1).
والظاهر منها: أنّ الحكم بالكفّارة إنّما هو لأجل الجماع الواقع عقيب الخروج ، لا لأجل الخروج في حال الاعتكاف ، خصوصاً لو قلنا بجوازه ; لأنّه من الضروريّات العرفيّة المسوّغة للخروج ولو مع عدم الاشتراط ، فالظاهر أنّه لادليل على ثبوت الكفّارة في غير الجماع .
المقام الثاني : في كيفيّة كفّارته ، وقد ذكر في المتن أنّ « كفّارته ككفّارة شهر
(1) تقدّمت في ص 318 و 379 .
الصفحة 389
مسألة 4 : لو أفسد الاعتكاف الواجب بالجماع في نهار شهر رمضان ، فعليه كفّارتان . وكذا في قضاء شهر رمضان إذا كان بعد الزوال . وإذا أكره زوجته الصائمة في شهر رمضان ،فإن لم تكن معتكفة فعليه كفّارتان عن نفسه ; لاعتكافهوصومه ، وكفّارة عن زوجته لصومها . وكذا إن كانت معتكفة على الأقوى وإن كان الأحوط كفّارة رابعة عن زوجته لاعتكافها ، ولو كانت مطاوعة فعلى كلّ منهما كفّارة واحدة إن كان في الليل ، وكفّارتان إن كان في النهار 1 .
رمضان وإن كان الأحوط كونها مرتّبة ككفّارة الظهار ». ويدلّ على الأوّل ما دلّ من الروايات على أنّ الجماع في حال الاعتكاف بمنزلة الإفطار في شهر رمضان ، حيث إنّ هذا التنزيل يدلّ على الحرمة والإفساد وثبوت كفّارة الإفطار ، لكن في الروايتين الصحيحتين المتقدّمتين : أنّ كفّارته كفّارة الظهار ، والظاهر أنّ رفع اليد عن هاتين الروايتين مشكل ، خصوصاً مع ندرة الظهار ، بخلاف الإفطار في شهر رمضان ، فلا أقلّ من الاحتياط الوجوبي كما لا يخفى .
1ـ في هذه المسألة فرعان :
الأوّل : لو أفسد الاعتكاف الواجب بالجماع ، فإن كان في نهار شهر رمضان فعليه كفّارتان ، ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى اقتضاء الأصل ذلك ; لأنّ الأصل عدم التداخل ـ بعض الروايات المتقدّمة المصرّحة بذلك ، وحيث إنّ مقتضاها موافق للأصل ، فلا مانع من اشتمال سندها على مثل محمّد بن سنان ، الذي وقع فيه الاختلاف ، وكذا في قضاء شهر رمضان إذا كان بعد الزوال ، على ما عرفت(1) من ثبوت الكفّارة في هذه الصورة .
(1) في ص 301 ـ 302.
الصفحة 390
الفرع الثاني : له صور :
الأُولى : ما إذا أكره ـ وهو معتكف ـ زوجته الصائمة في شهر رمضان ـ ولم تكن معتكفة ـ على الجماع ، فالثابت عليه كفّارات ثلاث : كفّارتان عن نفسه لاعتكافه وصومه ; لأنّ المفروض وقوع الجماع في نهار شهر رمضان ، وكفّارة عن زوجته لإكراهه عليه وهي صائمة ، وقد تقدّم(1) قيام الدليل على تحمّل الزوج عن الزوجة الصائمة في شهر رمضان كفّارتها الثابتة عليها بالأصالة .
الثانية : الصورة المفروضة مع فرض اعتكاف الزوجة ، وقد قوّى في المتن ثبوت كفّارات ثلاث فيه ، وإن احتاط استحباباً بثبوت كفّارة رابعة تحمّلا عن الزوجة لأجل اعتكافها ، والوجه فيه : أنّ التحمّل على خلاف القاعدة ، ولم يثبت إلاّ بالإضافة إلى الصوم في شهر رمضان . وأمّا التحمّل لأجل الاعتكاف فلم يقم عليه دليل . نعم ، مقتضى الاحتياط ذلك .
الثالثة : ما لو كانت الزوجة المعتكفة مطاوعة للزوج المعتكف في الجماع ، ومن الظاهر بمقتضى ما مرّ أنّ على كلّ واحد منهما كفّارة واحدة إن كان الجماع واقعاً في الليل ، وكفّارتان إن وقع في النهار .
(1، 2) في ص 167 ـ 169 .
الصفحة 391
هذا تمام الكلام حول مباحث الاعتكاف ، وقد وقع الفراغ من تسويده يوم ولادة مولود الكعبة أخي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووصيّه وسيّد أوليائه الطاهرين أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب ـ عليه أفضل صلوات المصلّين ـ جعلنا الله من شيعته الحقيقيّين ، وأدخلنا الجنّة بشفاعته . وأنا الأقلّ الفاني محمّد الفاضل اللنكراني عفى الله عنه وعن والديه المرحومين ، وجعل مستقبل أمره خيراً من ماضيه .وكان ذلك في سنة 1424 من الهجرة النبويّة على مهاجرها آلاف الثناء والتحيّة. ومن المرسوم في السنوات الأخيرة بعد الثورة الإسلاميّة في مملكتنا إيران; الاعتكاف في المساجد الجامعة في أيّام البيض من رجب ، وهي أيّام مباركة ، وفيها أدعية خاصّة ووظائف مسنونة ، رزقنا الله ثواب اعتكافهم إن شاء الله تعالى . |