الصفحة 341
وأمّا الوجوب لأجل مثل العناوين المذكورة في المتن ، فلعلّه يخالف ظاهراً مع ما تكرّر من الماتن (قدس سره) في موارد متعدّدة ; من أنّ الواجب في النذر هو عنوان الوفاء به ، ولا يسري الحكم من هذا العنوان إلى المنذور ، فصلاة الليل لا تصير واجبة ولو تعلّق النذر بها ، وهكذا في العهد واليمين والإجارة ومثلها .
الرابع : أنّه يصحّ في كلّ وقت يصحّ فيه الصوم ; لعدم التقييد بوقت خاصّ . نعم ، أفضل أوقاته شهر رمضان ، ويدلّ عليه مثل:
موثّقة السكوني ، عن الصادق، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : اعتكاف عشر في شهر رمضان تعدل حجّتين وعمرتين(1) . ولو نوقش في سند الرواية يكون في البين قاعدة التسامح في أدلّة السنن .
وأفضله العشر الأواخر منه ، كما هو المعروف من سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) ، وتدلّ عليه صحيحة أبي العبّاس البقباق ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : اعتكف رسول الله (صلى الله عليه وآله) في شهر رمضان في العشر الاُول ، ثمّ اعتكف في الثانية في العشر الوسطى ، ثمّ اعتكف في الثالثة في العشر الأواخر ، ثمّ لم يزل (صلى الله عليه وآله) يعتكف في العشر الأواخر(2) ; فإنّ استمرار الاعتكاف منه (صلى الله عليه وآله) في العشر الأواخر كاشف عن شدّة الاهتمام به في هذا الوقت ، كما لا يخفى .
(1) الفقيه 2: 122 ح 531 ، المقنع: 210 ، وعنهما وسائل الشيعة 10: 534 ، كتاب الاعتكاف ب 1 ح 3 .
(2) الكافي 4 : 175 ح 3 ، الفقيه 2 : 123 ح 535 وعنهما وسائل الشيعة 10 : 534 ، كتاب الاعتكاف ب 1 ح 4 .
الصفحة 342
الصفحة 343
القول في شروطه
يشترط في صحّته أُمور :
الأوّل : العقل ، فلا يصحّ من المجنون ولو أدواراً في دور جنونه ، ولا من السكران وغيره من فاقدي العقل .
الثاني : النيّة ، ولا يعتبر فيها بعد التعيين أزيد من القربة والإخلاص . ولا يعتبر فيها قصد الوجه ـ من الوجوب أو الندب ـ كغيره من العبادات ، فيقصد الوجوب في الواجب والندب في المندوب وإن وجب فيه الثالث ، والأولى ملاحظته في ابتداء النيّة، بل تجديدها في الثالث .
ووقتها في ابتداء الاعتكاف : أوّل الفجر من اليوم الأوّل ; بمعنى عدم جواز تأخيرها عنه ، ويجوز أن يشرع فيه في أوّل الليل أو أثنائه فينويه حين الشروع ، بل الأحوط إدخال الليلة الأُولى أيضاً والنيّة من أوّلها 1 .
1ـ يشترط في صحّة الاعتكاف أُمور :
الأمر الأوّل : العقل، ويترتّب عليه عدم الصحّة من المجنون ولو أدواراً في دور جنونه ، ولا من السكران وغيره من فاقدي العقل ، وجعل « الأمر الأوّل » العقل دون البلوغ ـ كما في المتن ـ إنّما هو لأجل أ نّ عبادات الصبي شرعيّة لا تمرينيّة ، كما
الصفحة 344
حقّقناه في كتابنا في القواعد الفقهيّة(1) ، خصوصاً مع ملاحظة ما عرفت من أنّ الاعتكاف لا يكون بعنوانه إلاّ مستحبّاً ، ولا يعرض عليه الوجوب ولو صار متعلّقاً للنذر وشبهه .
وكيف كان ، فالوجه في اعتبار العقل في صحّة الاعتكاف أنّه لا اعتبار بقصد المجنون وفاقد العقل ، ولذا يكون عمده خطأً والدية على العاقلة ، فقصده كلا قصد ، ولا فرق في المجنون بين المطبق والأدواري في دور جنونه .
الأمر الثاني : النيّة ، والمراد منها نيّة عنوان الاعتكاف ; لأنّ مجرّد اللبث في المسجد لا ينطبق عليه هذا العنوان ; لأنّه من العناوين القصديّة ، كعنوان الصلاة وعنوان الصوم ، ويشترط فيه زائداً على قصد الاعتكاف القربة والإخلاص ; للاعتبار في العناوين العباديّة ، ويحتمل أن يكون المراد من التعيين في المتن عدم لزوم تعيين الاعتكاف ، وأنّه هو الأوّل أو الثاني فيما إذا تعدّد ، كما قد صرّح به في العروة (2) ، غاية الأمر أنّه اعتبر التعيين في مثل الصورة بعنوانه، ولا دليل عليه أصلا ، كما أ نّه لا إشعار في العبارة بذلك، بل هي منطبقة على ما ذكرنا من قصد العنوان .
نعم ، لا يعتبر فيه قصد الوجه كغيره من العبادات ، خصوصاً بعد عدم اتّصافه بالوجوب أصلا ، بل الواجب هي العناوين الأُخرى المتّحدة معه . نعم ، لا بأس بالالتزام بوجوبه بالإضافة إلى اليوم الثالث ، الذي يجب البقاء على الاعتكاف فيه بصيامه ورعاية وظائفه .
(1) القواعد الفقهيّة 1 : 355 ـ 370 .
(2) العروة الوثقى 2 : 71 ، الأمر الثالث .
الصفحة 345
الثالث : الصوم ، فلا يصحّ بدونه ، ولا يعتبر فيه كونه له ، فيكفي صوم غيره واجباً كان أو مستحبّاً ، مؤدّياً عن نفسه أو متحمّلا عن غيره ; من غير فرق بين أقسام الاعتكاف وأنواع الصيام،بل يصحّ إيقاع الاعتكاف النذري والإجاري في شهر رمضان إن لم يكن انصراف في البين ، بل لو نذر الاعتكاف في أيّام معيّنة، وكان عليه صوم منذور ، أجزأه الصوم في أيّام الاعتكاف وفاءً بالنذر 1 .
والوقت للشروع فيه هو أوّل اليوم من أيّام الاعتكاف ; بمعنى عدم جواز التأخير عنه ، ويجوز أن يشرع فيه في أوّل الليلة وفي أثنائه ، بل احتاط في المتن استحباباً بإدخال جميع الليلة الأُولى في الاعتكاف ; بأن ينويه حين الشروع ، وذكر فيه أيضاً أنّ الأولى ملاحظة اليوم الثالث في ابتداء النيّة ، بل تجديدها في الثالث ; لصيرورة الاعتكاف بالإضافة إليه واجباً كما مرّ ذكره ، وغير خفيّ أنّ المراد بالنيّة هنا لا يغاير المراد بها في مثل الصلاة والصوم ; فإنّ المراد في الجميع ليس هو الإخطار ، بل الداعي الذي لابدّ من بقائه إلى آخر العمل ولو ارتكازاً ، ولا ينافيه النوم بوجه .
1ـ يدلّ على اشتراط الاعتكاف بالصيام ـ مضافاً إلى أنّه لا خلاف فيه بل الاجماع(1) عليه ـ عدّة كثيرة من الروايات :
منها : صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال : لا اعتكاف إلاّ بصوم... الحديث(2). وظاهرها نفي الصحّة كما لا يخفى .
(1) المعتبر 2 : 726 ، رياض المسائل 5 : 504 ، مستند الشيعة 10 : 545 ، جواهر الكلام 17 : 164 ، مستمسك العروة 8 : 542 .
(2) الفقيه 2: 119 ح 516 ، الكافي 4: 176 ح 3 ، وعنهما وسائل الشيعة 10: 536 ، كتاب الاعتكاف ب 2 ح 3 .
الصفحة 346
الرابع : أن لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام بلياليها المتوسّطة . وأمّا الأزيد فلا بأس به ، ولا حدّ لأكثره وإن وجب الثالث لكلّ اثنين ، فإذا اعتكف خمسة أيّام وجب السادس ، وإذا صار ثمانية وجب التاسع على الأحوط وهكذا . واليوم من ومثلها : صحيحة محمّد بن مسلم(1) . وفي موثّقته التي عدّت رواية مستقلّة ـ ولكنّ الظاهر أنّها متّحدة مع الرواية الأُولى ـ قوله (عليه السلام) : لا يكون الاعتكاف إلاّ بصيام(2) . وغير ذلك من الروايات(3) الواردة بهذا المضمون .
والذي ينبغي التنبيه عليه في هذا الأمر أنّ المستفاد من الأدلّة مدخليّة طبيعة الصيام في تحقّق الاعتكاف ، فلا فرق بين أقسام الصوم وأقسام الاعتكاف ، وكونه مؤدّياً عن نفسه أو عن غيره ، وقد عرفت استمرار النبيّ (صلى الله عليه وآله) على الاعتكاف في شهر رمضان ، خصوصاً في العشر الأواخر منه ، وفي المتن « بل يصحّ إيقاع الاعتكاف النذري والإجاري في شهر رمضان » ، خصوصاً مع ما عرفت من أنّ الأمر في العنوانين لم يتعلّق إلاّ بالوفاء بهما .
نعم ، لو كان هناك انصراف في البين لا يجوز ، وقد ترقّى في المتن إلى أنّه « لو نذر الاعتكاف في أيّام معيّنة، وكان عليه صوم منذور، أجزأه الصوم في أيّام الاعتكاف وفاءً بالنذر » ; لعدم تقيّد أحد النذرين بما يخالف الآخر ; لما عرفت من أنّ الشرط هي الطبيعة .
هذا ، وقد فرّع السيّد في العروة على اعتبار هذا الأمر أنّه لا يصحّ وقوعه من المسافر في غير المواضع التي يجوز الصوم فيها ، ولا من الحائض والنفساء ، ولا في
(1) الكافي 4 : 176 ح 2 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 536 ، كتاب الاعتكاف ب 2 ح 6 .
(2) تهذيب الأحكام 4 : 288 ح 874 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 537 ، كتاب الاعتكاف ب 2 ح 8 .
(3) وسائل الشيعة 10 : 535 ـ 538 ، كتاب الاعتكاف ب 2 .
الصفحة 347
طلوع الفجر إلى زوال الحمرة المشرقيّة ، فلو اعتكف من طلوع الفجر إلى غروب اليوم الثالث كفى ، ولا يشترط إدخال الليلة الأُولى ولا الرابعة وإن جاز ، وفي كفاية الثلاثة التلفيقيّة ; بأن يشرع من زوال يوم مثلا إلى زوال الرابع ، تأمّل وإشكال 1 .
العيدين (1)، ويرد على بعض ما فرّع أنّه بالنسبة إلى الحائض والنفساء لا يكون بطلان الاعتكاف لأجل عدم صحّة الصوم منهما ، بل لأجل عدم جواز اللبث في المسجد عليهما ، كما لا يخفى .
1ـ يدلّ على اعتبار هذا الأمر أيضاً ـ مضافاً إلى أنّه لا خلاف فيه، بل الإجماع عليه (2) ـ عدّة من الروايات :
منها : صحيحة أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا يكون الاعتكاف أقلّ من ثلاثة أيّام ، الحديث(3) .
ومثلها : موثّقة عمر بن يزيد(4) بضميمة ارتكاز الاستمرار في الاعتكاف ، ولولاه كان يتحقّق بثلاثة أيّام وإن خرج في لياليها من المسجد ، لكن هذا الارتكاز يحكم بدخول الليلتين المتوسّطتين . وأمّا الأزيد من الثلاثة فقد حكم في المتن بأنّه
(1) العروة الوثقى 2 : 71 ، الأمر الرابع .
(2) المعتبر 2: 728 ، منتهى المطلب: 9 / 478 ، رياض المسائل 5: 505 ، مستند الشيعة 10: 546 ـ جواهر الكلام 17: 166 ، مستمسك العروة 8: 544 .
(3) الكافي 4 : 177 ح 2 ، تهذيب الأحكام 4 : 289 ح 876 ، الاستبصار 2 : 128 ح 418 ، الفقيه 2 : 121 ح 525 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 544 ، كتاب الاعتكاف ب 4 ح 2 .
(4) تهذيب الأحكام 4 : 289 ح 878 ، الاستبصار 2 : 129 ح 419 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 545 ، كتاب الاعتكاف ب 4 ح 5 .
الصفحة 348
لا بأس به ، والظاهر أنّه لا خلاف فيه (1) .
ويدلّ عليه موثّقة أبي عبيدة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال : من اعتكف ثلاثة أيّام فهو يوم الرابع بالخيار ، إن شاء زاد ثلاثة أيّام أُخر ، وإن شاء خرج من المسجد ، فإن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتّى يتمّ ثلاثة أيّام أُخر(2) . ودلالتها على جواز الأزيد من الثلاثة في الجملة ممّا لا إشكال فيها ، وقد صرّح في العروة بأنّه لا بأس بالأزيد وإن كان الزائد يوماً أو بعض يوم ، أو ليلة أو بعضها (3).
أقول : الزائد إذا كان يوماً أو يومين فلا مانع منه . وأمّا إذا كان بعض يوم فالظاهر أنّه لا يجتمع مع اعتبار الصوم في أيّام الاعتكاف كما عرفت . وذكر في المتن أنّه « لا حدّ لأكثره »، فالظاهر أنّ الدليل عليه عدم تعرّض الدليل لبيان الحدّ الأكثر ، فمقتضى الإطلاقات الجواز كذلك . نعم ، اليوم الثالث من كلّ يومين يجب اعتكافه، كاليوم الثالث من الاعتكاف الأوّل ، كما يدلّ عليه الموثّقة التي تقدّمت آنفاً ، واحتاط في المتن وجوباً ذلك .
بقي الكلام في المراد من اليوم الذي لا يكون الاعتكاف أقلّ من ثلاثة أيّام ; والظاهر أنّ المراد منه هو اليوم الذي يجب صيامه في شهر رمضان ، فهو من طلوع الفجر إلى زوال الحمرة المشرقيّة ، وقد عرفت أنّ دخول الليلتين المتوسّطتين إنّما هو
(1) مستند الشيعة 10 : 546 ، جواهر الكلام 17 : 166 ، مستمسك العروة 8 : 544 ، المستند في شرح العروة 22 : 355 .
(2) الكافي 4 : 177 ح 4 ، الفقيه 2 : 121 ح 527 ، تهذيب الأحكام 4 : 288 ح 872 ، الاستبصار 2 : 129 ح 420 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 544 ، كتاب الاعتكاف ب 4 ح 3 .
(3) العروة الوثقى 2 : 72 ، الأمر الخامس .
الصفحة 349
الخامس : أن يكون في أحد المساجد الأربعة : المسجد الحرام ، ومسجد النبي (صلى الله عليه وآله) ، ومسجد الكوفة ، ومسجد البصرة ، وفي غيرها محلّ إشكال ، فلا يترك الاحتياط في سائر المساجد الجامعة بإتيانه رجاءً ولاحتمال المطلوبيّة . وأمّا غير الجامع كمسجد القبيلة أو السوق فلا يجوز 1 .
لارتكاز الاستمرار في تحقّق الاعتكاف . ولا يشترط إدخال الليلة الأُولى ولا الليلة الرابعة . وفي المتن : «وفي كفاية الثلاثة التلفيقيّة ; بأن يشرع من زوال يوم مثلا إلى زوال الرابع ، تأمّل وإشكال ». والظاهر أنّ وجه التأمّل والإشكال عدم تحقّق الثلاثة عرفاً بذلك ، وإذا كان الشروع من الزوال والختم إليه يتحقّق هذا العنوان ، ولكنّ الظاهر هو الأوّل .
1ـ حكي عن المشهور، بل إدّعي عليه الإجماع(1): أنّ الاعتكاف لا يصحّ إلاّ في المساجد الأربعة المذكورة في المتن ، وعن جماعة كالمحقّق والشهيدين، والمفيد من المتقدّمين(2) ، وكثير من المتأخِّرين(3) : أنّه يصحّ في كلّ مسجد جامع ، بخلاف مثل مسجد القبيلة والسوق ، وربما يقال(4) بصحّة الاعتكاف في كلّ مسجد تنعقد به الجماعة الصحيحة ، والدليل على القول المنسوب إلى المشهور روايتان :
إحداهما : مرسلة المفيد في المقنعة قال : روي أنّه لا يكون الاعتكاف إلاّ في
(1) الانتصار : 200 ، الخلاف 2 : 227 ، الغنية: 146 ، المعتبر 2 : 731 ، منتهى المطلب 9 : 491 ـ492 ، مختلف الشيعة 3 : 441 ، رياض المسائل 5 : 507 ـ 510.
(2) المقنعة : 363 ، المعتبر 2 : 732 ، شرائع الإسلام 1 : 193 ، الدروس الشرعيّة 1: 298، اللمعة الدمشقيّة : 61 ، مسالك الأفهام 2: 99، الروضة البهيّة 2 : 150 .
(3) ذخيرة المعاد: 539، مستند الشيعة 10: 553، جواهر الكلام 17: 172 ـ 173، كشف الغطاء 4: 97.
(4) القائل هو ابن أبي عقيل ، على ما حكى عنه في منتهى المطلب 9 : 491 .
الصفحة 350
مسجد جمع فيه نبيّ أو وصيّ نبيّ ، قال : وهي أربعة مساجد : المسجد الحرام جمعفيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ومسجد المدينة جمع فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) ، ومسجد الكوفة ، ومسجد البصرة جمع فيهما أمير المؤمنين (عليه السلام) (1) . والجواب عن الاستدلال بها ـ مضافاً إلى أنّ المفيد (قدس سره) لم يعمل بها بشخصه ـ أ نّها من المرسلات التي لا اعتبار بها ; لأنّها منسوبة إلى الرواية ، كما ذكرناه مراراً .
ثانيتهما : صحيحة عمر بن يزيد قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : ما تقول في الاعتكاف ببغداد في بعض مساجدها ؟ فقال : لا اعتكاف إلاّ في مسجد جماعة قد صلّى فيه إمام عدل صلاة جماعة ، ولا بأس أن يعتكف في مسجد الكوفة والبصرة ، ومسجد المدينة ومسجد مكّة(2) . والظاهر أنّ الجملة الأخيرة قرينة على أنّ المراد بالإمام العدل هو الإمام المعصوم (عليه السلام) .
ودعوى(3) أنّ انسباق الإمام العدل إلى المعصوم (عليه السلام) غير ظاهر ; لأنّه ليس إلاّ كالشاهد العدل ، مدفوعة باستلزامها اللغويّة للجملة الأخيرة بعد صلاة الإمام المعصوم (عليه السلام) جماعة في المساجد الأربعة قطعاً ، خصوصاً مع التعبير بعدم البأس ، فالإنصاف تماميّة دلالتها وصحّة سندها كما عرفت .
وأمّا القول الذي ذهب إليه كثير من المتأخرين ، فيدلّ عليه عدّة من الروايات :
منها : صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا اعتكاف إلاّ بصوم في مسجد الجامع ... الحديث(4) .
(1) المقنعة : 363 ، المقنع : 209 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 542 ، كتاب الاعتكاف ب 3 ح 12 .
(2) الكافي 4 : 176 ح 1 ، الفقيه 2 : 120 ح 519 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 540 ، كتاب الاعتكاف ب 3 ح 8 .
(3) المستند في شرح العروة 22 : 368 .
(4) الفقيه 2 : 119 ح 516 ، الكافي 4 : 176 ح 3 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 536 ، كتاب الاعتكاف ب2 ح3 وص538 ب3 ح1 .
الصفحة 351
ومنها : صحيحة داود بن سرحان : عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : إنّ علياً (عليه السلام) كان يقول : لا أرى الاعتكاف إلاّ في المسجد الحرام ، ومسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) ، أو مسجد جامع... الحديث(1) .
ومنها : موثّقة علي بن عمران (غراب خ ل) عن أبي عبدالله ، عن أبيه (عليهما السلام) قال : المعتكف يعتكف في المسجد الجامع(2) .
وربما تجعل(3) هذه الطائفة قرينة على عدم كون المراد بالإمام العدل هو المعصوم (عليه السلام) ; نظراً إلى أنّه لو فرض كون المراد هو الإمام المعصوم (عليه السلام) يلزم التقييد في هذه الطائفة ; وهو حمل المطلق على الفرد النادر .
ويردّه ـ مضافاً إلى أنّ الوجه في التعبير عن المسجدين الآخرين بمسجد جامع ، لعلّه لصلاة علي (عليه السلام) نفسه فيهما ، ولعلّه لم يرد التصريح بهما لأجل ذلك ، وأنّ المساجد الجامعة في عصر صدور هذه الطائفة لم تكن تتجاوز عن المساجد الأربعة. نعم ، مثل مسجد قبا الذي بناه النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الورود بالمدينة كان موجوداً ، ولكنّهلم يكن مسجداً جامعاً وإن كان التعبير في بعض الروايات المتقدّمة بأنّه قد جمع فيها نبيّ أو وصيّ نبيّ يشمله ; لأنّ الرسول (صلى الله عليه وآله) قد صلّى فيه قطعاً ، كما أ نّ التعبير بأنّهقد صلّى فيه إمام عدل يشمله وإن قلنا بأنّ المراد بالإمام العدل هو المعصوم (عليه السلام) لما ذكر ، ـ أنّ الظاهر أنّ التصريح بالمساجد الأربعة يشكل التجويز في
(1) الكافي 4 : 176 ح 2 ، الفقيه 2 : 120 ح 521 ، تهذيب الأحكام 4 : 290 ح 884 ، الاستبصار 2 : 126 ح 411 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 541 ، كتاب الاعتكاف ب 3 ح 10 .
(2) تهذيب الأحكام 4 : 290 ح880 ، الاستبصار 2 : 127 ح 413 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 539 ، كتاب الاعتكاف ب 3 ح4 .
(3) المستند في شرح العروة 22 : 368 .
الصفحة 352
السادس: إذن من يعتبر إذنه، كالمستأجر بالنسبة إلى أجيره الخاصّ إذا وقعت الإجارة بحيث ملك منفعة الاعتكاف، وإلاّ فاعتبار إذنه غير معلوم، بل معلوم العدم في بعض الفروض، وكالزوج بالنسبة إلى الزوجة إذا كان منافياً لحقّه على إشكال، ولكن لا يُترك الاحتياط ، والوالدين بالنسبة إلى ولدهما إن كان مستلزماً لإيذائهما، ومع عدمه لا يعتبر إذنهما وإن كان أحوط 1 .
غيرها ولو كان جامعاً، وقد صلّى فيه إمام عادل فضلا عن غيره ، كالجوامع الموجودة في بلادنا .
فالإنصاف مع ما في المتن من النهي عن ترك الاعتكاف في المساجد الجامعة غير الأربعة إلاّ احتياطاً وبرجاء احتمال المطلوبيّة . وأمّا مسجد القبيلة والسوق ومثلهما فلا دليل على جواز الاعتكاف فيها بوجه .
1ـ لا إشكال(1) في عدم اعتبار الإذن بالإضافة إلى الأجير العامّ، كاستئجار شخص على خياطة ثوب . وأمّا الأجير الخاصّ فهو على قسمين :
الأوّل : ما إذا صارت جميع منافع الأجير ملكاً للمستأجر حتّى منفعة الاعتكاف ، فالأجير حينئذ يصير بالإضافة إلى المنافع كالعبد ، ولا شبهة في اعتبار إذن المستأجر في هذه الصورة كما في المشبّه به .
القسم الثاني : ما إذا صارت منفعته التي ملكها المستأجر منافية للاعتكاف ، كالأجير لسفر خاصّ مناف للاعتكاف ، ففي هذا القسم ذكر في المتن أنّ اعتبار إذنه غير معلوم .
والوجه فيه : أنّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضدّه ولو كانا من الضدّين
(1) مستمسك العروة 8 : 550، المستند في شرح العروة 22: 373.
الصفحة 353
لا ثالث لهما ; لما حقّقناه في الأُصول من صحّة الترتّب ، بل ذكرنا أنّ اجتماع الأمرين في موارده الاصطلاحيّة ليس بنحو الترتّب ، بل كلا الأمرين ثابتان في رتبة واحدة وعرض واحد(1) .
مضافاً إلى أنّ الأمر في المثال لم يتعلّق بالسفر، بل بالوفاء بعقد الإجارة كما مرّت مكرّراً . وفي المتن : أ نّ اعتبار إذن المستأجر في هذا القسم معلوم العدم في بعضالفروض ، ولعلّ المراد من بعض الفروض ما إذا لم يكن هناك منافاة أصلا ، كما إذا استأجره لخياطة ثلاثة أيّام معيّنة ، وفرض إمكان الاشتغال بها في حال الاعتكاف وإن كان أجيراً في أيّامه الخاصّة .
وأمّا الزوج بالإضافة إلى الزوجة ، ففيما إذا لم يكن الاعتكاف منافياً لحقّه ، كما لو فرض قصده السفر في أيّام اعتكاف الزوجة ، فلا إشكال في عدم اعتبار إذنه ; لعدم المنافاة لحقّ الزوج بوجه . وأمّا إذا كان منافياً لحقّه فقد استشكل في المتن في اعتبار إذن الزوج في هذه الصورة ، ولكن نهى عن ترك الاحتياط ; يعني برعاية إذنه . والوجه في الاستشكال دلالة الروايات الكثيرة على حرمة الخروج منالمنزل والمكث خارجه ، كما هو المحقّق نوعاً في الاعتكاف مع فرض التنافي لحقّ الزوج ، فالعنوان المحرّم حينئذ ليس هو عنوان الاعتكاف ، بل عدم رعاية حقّ الزوج ، اللّهم إلاّ أن يقال باعتبار إذنه في الصوم التطوّعي للزوجة ، كما هو كذلك نوعاً بالإضافة إلى اليومين الأوّلين من الاعتكاف . وكيف كان ، فالمسألة مشكلة .
وأمّا الوالدان بالنسبة إلى الولد ، فقد فصّل فيه في المتن بين ما إذا كان اعتكافه مستلزماً لإيذائهما ،وبين ما إذا لم يكن كذلك، كما فيما إذا كان بدون اطّلاعهما، أو مع
(1) سيرى كامل در اصول فقه 6 : 241 ـ 244 .
الصفحة 354
السابع : استدامة اللبث في المسجد ، فلو خرج عمداً واختياراً لغير الأسباب المبيحة بطل ولو كان جاهلا بالحكم . نعم ، لو خرج ناسياً أو مكرهاً لا يبطل ، وكذا لو خرج لضرورة عقلا أو شرعاً أو عادة ، كقضاء الحاجة من بول أو غائط أو للاغتسال من الجنابة ونحو ذلك . ولا يجوز الاغتسال في المسجد الحرام ومسجد النبي (صلى الله عليه وآله) ، ويجب عليه التيمّم والخروج للاغتسال ، وفي غيرهما أيضاً إن لزم منه اللبث أو التلويث ، ومع عدم لزومهما جاز ، بل هو الأحوط وإن جاز الخروج له 1 .
موافقتهما ، فاعتبر الإذن في الصورة الأُولى دون الثانية وإن احتاط فيها استحباباً .
أقول : الأمر في الصورة الثانية واضح . وأمّا الصورة الأُولى ، فلو فرض حرمة الإيذاء ولم نقل بعدمها ; نظراً إلى أنّ الواجب هو البرّ والإحسان ، كما في الآيات الكريمة المتعدّدة في قوله ـ تعالى ـ : { وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً}(1) ، وفي قصّة عيسى (عليه السلام) : { وَبَرّاً بِوَالِدَتِى}(2) وغيرهما . نقول : إنّ حرمة الإيذاء لا تكاد تسري إلى الاعتكاف في صورة الاتّحاد في الخارج ، فضلا عن الاستلزام كما هو الواقع . نعم ، شرطيّة إذن الوالدين بالإضافة إلى الصوم الاستحبابي الذي هو من شرائط الاعتكاف قد تقدّم(3) البحث فيها . نعم ، لا بأس بالاحتياط في كلتا الصورتين .
1ـ والوجه في اعتبار هذا الأمر ـ مضافاً إلى أنّ حقيقة الاعتكاف هو اللبث في المسجد ، ومن المعلوم أنّه ليس المراد به هو طبيعي المكث ، بل المكث في المسجد
(1) سورة البقرة 2 : 83 ، سورة النساء 4 : 36 ، سورة الأنعام 6 : 151 ، سورة الإسراء 17 : 23 ، سورة الأحقاف 46 : 15 .
(2) سورة مريم 19 : 32 .
(3) في ص334.
الصفحة 355
ثلاثة أيّام ، وقد عرفت(1) ارتكاز الاستمرار في المكث في المدّة المزبورة ـ الروايات الكثيرة الظاهرة في عدم جواز الخروج من المسجد ; أي اختياراً ومن دون شيء من الأسباب المبيحة ، وقد عقد في الوسائل باباً لذلك لعلّ أظهرها من حيث الدلالة :
صحيحة داود بن سرحان قال : كنت بالمدينة في شهر رمضان ، فقلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إنّي أُريد أن أعتكف فماذا أقول ؟ وماذا أفرض على نفسي ؟ فقال : لا تخرج من المسجد إلاّ لحاجة لابدّ منها ، ولا تقعد تحت ظلال حتّى تعود إلى مجلسك(2) .
ثمّ إنّ صريح المتن: أنّه لا فرق في صورة العمد والاختيار في بطلان الاعتكاف بسبب الخروج عن المسجد بين العالم والجاهل ، ومقتضى إطلاقه عدم الفرق بين الجاهل المقصّر والجاهل القاصر ، والحكم في الجاهل المقصّر ظاهر ; لأنّه بحكم العالم . وأمّا الجاهل القاصر ; فلافتقار الحكم بصحّة عمله ـ بعد كونه فاقداً لبعض الأُمور المعتبرة ـ إلى قيام دليل يدلّ عليه حتّى يقيّد بسببه إطلاق دليل اعتبار ذلك الأمر ، كحديث «لا تعاد»(3) في باب الصلاة في غير الأُمور الخمسة المستثناة فيه . نعم ، ربما يتوهّم تكفّل حديث «رفع ما لا يعلمون»(4) لذلك . ولكنّه محلّ إشكال
(1) في ص 341 .
(2) تقدمت في ص 342 .
(3) تهذيب الأحكام 2 : 152 ح 597 ، الفقيه 1 : 181 ح 857 ، وعنهما وسائل الشيعة 4 : 312 ، كتاب الصلاة ، أبواب القبلة ب 9 ح 1 .
(4) الفقيه 1 : 36 ح 132 ، الخصال 2 : 417 ح 9 ، التوحيد : 353 ح 24 ، وعنها وسائل الشيعة 7 : 293 ، كتاب الصلاة ، أبواب قواطع الصلاة ب 37 ح 2 ، و ج 8 : 249 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 30 ح 2 ، و ج 15 : 369 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب 56 ح 1 .
الصفحة 356
سنداً ودلالة، والتحقيق في محلّه .
وأمّا صورة الإكراه ، فيدلّ على جواز الخروج في هذه الصورة مثل صحيحة داود بن سرحان المتقدّمة ، باعتبار استثناء صورة الحاجة التي لابدّ منها ; فإنّ الإكراه من موارد الحاجة التي لابدّ منها; لعدم الفرق في لابدّيّة الحاجة بين أن يكون لأجل شخصه ، أو لأجل الغير تحفّظاً على نفسه أو عرضه أو ماله كما لا يخفى . وإن شئت قلت : إنّ اللاّبديّة في كليهما ترجع إلى نفسه وشخصه ، فتدبّر .
وأمّا صورة النسيان ، فالمشهور عدم قدحه (1)، بل كما عن الجواهر(2) نفي الخلاف في استثنائها ، وربما يستدلّ له تارة بانصراف دليل النهي عن الخروج عن مثله ; لعدم صدور الفعل منه عن توجّه واختيار . وأُخرى بحديث رفع النسيان الوارد بسند صحيح (3). واُورد على الأوّل بمنع الانصراف ، وعلى الثاني بما أفاده بعض الأعلام (قدس سرهم) ممّا ملخّصه : أنّ الصحّة والبطلان بالإضافة إلى الواقعيّات من الأحكام العقليّة التي لا تكاد تنالها يد الجعل التشريعي لا وضعاً ولا رفعاً ; لأنّهما من الأُمور التكوينيّة المنتزعة من مطابقة المأتيّ به مع المأمور به وعدمها .
وعليه : فلابدّ وأن يكون المرفوع إمّا مانعيّة الخروج الصادر نسياناً ، أو جزئيّة اللبث في المسجد حال الخروج عن نسيان ، وحيث إنّ الجزئيّة والشرطيّة والمانعيّة من الأحكام الوضعيّة التي لا تكون مستقلّة بالجعل إلاّ بتبع منشأ الانتزاع وضعاً
(1) المعتبر 2 : 736 ، منتهى المطلب 9 : 512 ، تذكرة الفقهاء 6 : 303 ، جامع المقاصد 3 : 99 ، مفاتيح الشرائع 1 : 278 ، الحدائق الناضرة 13 : 472 .
(2) جواهر الكلام 17 : 187 .
(3) نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 74 ح 157 ، وعنه وسائل الشيعة 23 : 237 ، كتاب الأيمان ب 16 ح 3 و بحار الأنوار 5 : 304 ح 15 .
الصفحة 357
ورفعاً ، فمعنى تعلّق الرفع بهذه الأُمور تعلّقه بمناشئ انتزاعها .
وعليه: فلابدّ من تعلّق الرفع بالأمرالمركّب، ومع تعلّقه به كيف يحكم بتعلّق الأمر بالباقي ليحكم بصحّته؟ خصوصاًمع ملاحظة أنّ شأن الحديث،الرفع دون الوضع(1) .
ويمكن الجواب عنه بأنّ مثل الجزئيّة والشرطيّة والمانعيّة من الأحكام الوضعيّة المستقلّة في الجعل ، ولو أُضيفت هذه العناوين إلى المأمور به أي ذاته ، فيمكن جعل الجزئيّة والشرطيّة للصلاة مثلا بمثل قوله (عليه السلام) : لا صلاة إلاّ بطهور(2)، أو لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب(3) ، كالملكيّة والزوجيّة والرقّيّة التي لا ينبغي الإشكال في إمكان تعلّق الجعل بها مستقلّة .
وعليه : فلا مانع من أن يكون حديث رفع النسيان رافعاً لمانعيّة الخروج الصادر نسياناً ، أو جزئيّة اللبث في المسجد حال الخروج عن نسيان ، ومرجع رفع المانعيّة أو الجزئيّة في هذه الصورة إلى الصحّة ، فتدبّر .
كما أ نّه يمكن الجواب عن منع الانصراف بعدم تماميّته بعد عدم صدور الفعل عن توجّه والتفات ، كما لا يخفى .
وأمّا الخروج للضرورة العقليّة أو الشرعيّة أو العاديّة ، فيدلّ عليه الصحيحة (4) ; لأنّ الضرورة بأنواعها من الحاجة الملحة التي لابدّ منها المستثناة من
(1) المستند في شرح العروة الوثقى 22 : 383 ـ 384 .
(2) تهذيب الأحكام 1: 49 ح144 و ص 209 ح 605، و ج 2 : 140 ح 545، الاستبصار 1 : 55 ح 160 ، وعنهما وسائل الشيعة 1: 315، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة ب 9 ح1 و ص 365 ، أبواب الوضوء ب 1 ح 1.
(3) وسائل الشيعة 6: 37 ـ 39 ، كتاب الصلاة ، أبواب القراءة في الصلاة ب 1 ، وفي مستدرك الوسائل 4 : 158، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة ب1 ح5 عن عوالي اللئالي 1 : 196 ، الفصل التاسع ح 3 و عن تفسير روضُ الجِنان وروحُ الجَنان في تفسير القرآن ، المشهور بـ «تفسير الشيخ أبو الفتوح الرازي » 1 : 39.
(4) أي صحيحة داود بن سرحان المتقدّمة في ص 342 .
الصفحة 358
النهي عن الخروج عن المسجد ، كما في الأمثلة المذكورة في المتن . نعم ، قد وردالدليل على جواز الخروج في موارد لا تكون من الحاجة الملحة ، كعيادة المريض أو الخروج للجنازة تشييعاً أو تجهيزاً(1) ، ولا يجوز التعدّي عن الموارد المنصوصة مع عدم كونها من الحاجة الملحة ومن مصاديق الضرورة ، كما أنّه لا شبهة في لزوم الاقتصار في هذه الموارد بمقدار لا يضرّ بصدق الاعتكاف ، وكذا الحال بالإضافة إلى موارد الضرورة .
بقي الكلام في الاغتسال عن الجنابة ، وقد فصّل فيه في المتن بين المسجدين : المسجد الحرام ومسجد النبي (صلى الله عليه وآله) ، فلم يجوّز الاغتسال فيهما ، بل أوجب عليه التيمّم والخروج للاغتسال ، وبين المساجد الأُخر ، فأوجب فيها أيضاً ذلك مع استلزام الغسل للّبث فيها عن جنابة أو التلويث ، وفي غير هذه الصورة جوّز الاغتسال في المسجد ، بل جعله مقتضى الاحتياط وإن أجاز الخروج له ، ولم يفرّق السيّد (قدس سره) في العروة(2) بين المسجدين وغيرهما ، بل نفى وجوب الاغتسال في المسجد وإن أمكن من دون تلويث ، بل جعله مقتضى الاحتياط .
والظاهر أنّ الوجه في تفصيل المتن هو : أنّ مكث الجنب في المسجدين حرام مطلقاً ، فإذا أجنب في أحدهما يجب عليه التيمّم والاغتسال في الخارج . وأمّا سائر المساجد فالحرام على الجنب هو المكث وعلى العموم هو التلويث ، فإذا لم يستلزم الغسل في المسجد للّبث أو التلويث ، فمقتضى القاعدة بل الاحتياط جواز الغسل في المسجد وإن كان الخروج لأجل الاغتسال جائزاً بلحاظ كونه من مصاديق الضرورة الشرعيّة، وإذااستلزم فاللازم التيمّموالخروج للاغتسال كمافي المسجدين.
(1) وسائل الشيعة 10 : 549 ، كتاب الاعتكاف ب 7 ح 2 و 6 .
(2) العروة الوثقى 2 : 73 ، الأمر الثامن .
الصفحة 359
مسألة 1 : لا يشترط في صحّة الاعتكاف البلوغ ، فيصحّ من الصبيّ المميّز على الأقوى 1 .
مسألة 2 : لا يجوز العدول من اعتكاف إلى اعتكاف آخر وإن اتّحدا في الوجوب والندب ، ولا عن نيابة شخص إلى نيابة شخص آخر ، ولا عن نيابة غيره إلى نفسه وبالعكس2 .
1ـ قد مرّ أنّه لا يشترط البلوغ في صحّة الاعتكاف ; لأنّ عبادات الصبيّ شرعيّةلا تمرينيّة ، والاعتكاف لا يكون واجباً في وقت من الأوقات حتّى يكون مرفوعاً عن الصبّي ، كما تقدّم (1).
2ـ المفروض في هذه المسألة هو العدول في أثناء الاعتكاف ، والسرّ في عدم الجواز ما مرّ في كتاب الصلاة من أنّ العدول يكون على خلاف القاعدة (2) ، ولا يكاد يصار إليه إلاّ مع دليل خاصّ ، كالعدول في أثناء صلاة العصر إلى صلاة الظهر لو تذكّر فيه عدم الإتيان بها أصلا ، وقد مرّ أنّه في مثل هذه الصورة لا يجوز العدول بعد تماميّة العصر في الصورة المفروضة ، ففي الاعتكاف أيضاً يجري ذلك . نعم ، ما ذكره من اتّحاد الاعتكافين المعدول والمعدول إليه في الوجوب ، لا يكاد يستقيم مع ما ذكر غير مرّة من أنّ عنوان الاعتكاف لا يصير واجباً بوجه ، بل الواجب مثل الوفاء بالنذر أو بعقد الإجارة التي لا يتحقّق في الخارج إلاّ بإيجاد الاعتكاف في مواردهما .
(1) في ص 342 ـ 343 .
(2) نهاية التقرير 2 : 46 ـ 58 .
الصفحة 360
مسألة 3 : يجوز قطع الاعتكاف المندوب في اليومين الأوّلين ، وبعد تمامهما يجب الثالث ، بل يجب الثالث لكلّ اثنين على الأقوى في الثالث الأوّل والثاني ; أي السادس ، وعلى الأحوط في سائرهما . وأمّا المنذور ، فإن كان معيّناً فلا يجوز قطعه مطلقاً ، وإلاّ فكالمندوب 1 .
وقد انقدح ممّا ذكرنا أ نّه لا يجوز العدول من اعتكاف إلى آخر في جميع الموارد المذكورة في المتن . نعم ، يجوز الإتيان به لنفسه وإهداء ثوابه إلى الغير واحداً كان أو متعدّداً ، حيّاً كان أو ميّتاً ، أو كليهما كما لا يخفى ، كما في المستحبّات الأُخر .
بقي الكلام في أنّه لا يجوز الاعتكاف نيابة عن المتعدّدين وإن جاز الإتيان به لنفسه والإهداء إليهم ، والسرّ أنّه عبادة واحدة كسائر العبادات المستحبّة ، ولايجري فيها التشريك في النيابة ، فتدبّر .
1ـ الأقوال في هذه المسألة مختلفة :
ففي المتن والعروة(1): أنّه يجوز قطع الاعتكاف المندوب في اليومين الأوّلين ، وبعد تمامهما يجب الثالث . وأمّا الاعتكاف المنذور ، فإن كان معيّناً فلا يجوز قطعه مطلقاً ، وإلاّ فكالمندوب ، وذهب إليه جماعة من الفقهاء(2) .
وعن الشيخ والحلبي وابن زهرة(3) عدم جواز القطع مطلقاً ، ونسب إلى السيّد والحلّي والعلاّمة الجواز مطلقاً(4) حتّى في اليوم الثالث .
(1) العروة الوثقى 2 : 74 مسألة 2564 .
(2) مختلف الشيعة 3 : 580 ، رياض المسائل 5 : 515 ـ 517 ، مستند الشيعة 10 : 562 ـ 563 ، جواهر الكلام 17 : 190 ـ 192 ، مستمسك العروة 8 : 560 .
(3) المبسوط 1 : 289 ، الكافي في الفقه : 186 ، غنية النزوع : 147 .
(4) مسائل الناصريّات : 300 ، السرائر 1 : 422 ، منتهى المطلب 9 : 519 ـ 520 .
|