صفحه 252 الحجّاج ، وانقضاء عهده ، وزوال اقتداره وسلطنته ؟! . على أنّه كيف تمكّن من جمع نسخ المصاحف كلّها ، ولم تشذّ عن قدرته نسخة واحدة في أقطار المسلمين المتباعدة ؟ وعلى تقدير تمكّنه من ذلك ، فهل تمكّن من إزالته من صدور المسلمين وقلوب حفظة القرآن ، وعددهم في ذلك الوقت لايحصيه إلاّ الله ؟! مع أنّ القرآن لو كان في بعض آياته يمسّ بني اُميّة ، لاهتمّ معاوية بإسقاطه قبل زمان الحجّاج ، وهو أشدّ منه قدرةً ، وأعظم نفوذاً ، ولاستدلّ به أصحاب عليّ (عليه السلام) على معاوية ، كما احتجّوا عليه بما حفظه التاريخ وكتب الحديث والكلام»(1) . أضف إلى ذلك : التحريف بالزيادة قد قام الإجماع على عدمه ، وأ نّ موضوع الخلاف هو التحريف بالنقيصة ، فكيف ادّعى القائل وقوع الزيادة فيه ؟! فهذا الاحتمال أيضاً فاسد ، وبفساده يتمّ الدليل السابع الذي كان هو الدليل العقلي على عدم التحريف ، فانقدح أ نّ الاعتبار إنّما يساعد على عدم التحريف لا ثبوته ، كما ادّعاه صاحب الكفاية(قدس سره) (2) . وبما قدّمنا من الاُمور والأدلّة السبعة على عدم التحريف; يتّضح أنّ من يدّعي التحريف مع كونه مخالفاً للنقل يضادّ بداهة العقل أيضاً ، وأ نّ دعوى التحريف لاتكاد تصدر إلاّ ممّن اغترّ ببعض ما يدلّ عليه ، ممّا سيجيء الجواب الوافي عنه إن شاء الله تعالى ، وممّن خدع من طريق الجهات السياسيّة المشبوهة التي لا ترى الارتقاء والتسلّط لنفسها إلاّ بتضعيف الدين ، وإيجاد التفرقة بين المسلمين ، وتنقيص الكتاب المبين ، الذي كان الغرض من تنزيله هداية الناس إلى يوم الدين ، (1) البيان في تفسير القرآن: 215 ـ 219 . (2) كفاية الأصول: 284 ـ 285 ، حجّية ظواهر الكتاب . صفحه 253 وإخراجهم من ظلمات الريب والشكّ إلى عالم النور واليقين . وربما كان المدّعي للتحريف ممّن له التفات إلى هذه الجهات ، وكان الغرض من دعواه ما ذكرنا من إيجاد الثلمة في الإسلام والمسلمين نعوذ بالله من كلا الأمرين ، ونسأل منه التوفيق للتمسّك بالثقلين ، وأن لا نتعصّى من حكم العقل في كلّ ما يقع في البين . وحيث إنّه يمكن أن يتخيّل الباحث الطالب للحقيقة صحّة ما يقول به القائل بالتحريف من الشبهة ، أو يقع في الارتياب بعض الطلبة ، فلابدّ لنا من التعرّض للجميع والجواب الصحيح ، فنقول : الشبهات التي تشبّث بها القائلون بالتحريف متعدّدة . صفحه 254 صفحه 255 * شبهة كلّ ما وقع في التوراة والإنجيل من التحريف يقع في القرآن . * شبهة وقوع التحريف فيما يتصدّى غير المعصوم إلى جمعه . * شبهة اختلاف مصحف عليّ (عليه السلام) مع غيره من المصاحف . * شبهة دعوى التواتر في القول بتحريف القرآن . * شبهة عدم ارتباط الآيات بعضها ببعض . صفحه 256 صفحه 257 شبهات القائلين بالتحريف الشبهة الاُولى ما جعله المحدّث المعاصر في كتابه الموضوع في هذا الباب أوّل الأدلّة ، واعتمد عليه غاية الاعتماد ، وفصّل القول فيه(1) . وملخّصه : وقوع التحريف في التوراة والإنجيل ، وقيام الدليل على أنّ كلّ ماوقع في الاُمم السالفة يقع في هذه الاُمّة مثله . أ مّا وقوع التحريف في الكتابين ، فمن الاُمور المسلّمة التي لا ينبغي الارتياب فيه أصلاً ، وتعدّد الأناجيل مع وجود الاختلاف فيها والتناقض ، حتّى في صفات المسيح ، وأيّام دعوته ، ونسبه ، ووقت صلبه بزعمهم ، كاف في إثبات وقوع التغيير والتحريف فيه ، وإن جعل كلّها في مصحف واحد يعرف بالأناجيل الأربعة . وأ مّا الدليل على أنّ كلّ ما وقع في الاُمم السالفة يقع في هذه الاُمّة مثله ـ مضافاً إلى دلالة بعض الآيات عليه ، كقوله ـ تعالى ـ : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَق) (2); حيث صرّح جمع من المفسّرين بأنّ المراد : لتتّبعنّ سنن من كان قبلكم من الأوّلين وأحوالهم ، ونقله في مجمع البيان عن الصادق (عليه السلام) قال : «والمعنى: أ نّه (1) فصل الخطاب: 35 ـ 73 ، الباب الأوّل ، الدليل الأوّل . (2) سورة الانشقاق 84 : 19 . صفحه 258 يكون فيكم ما كان فيهم ، ويجري عليكم ما جرى عليهم حذو القذّة بالقذّة (1)ـ وقد وردت الروايات الكثيرة من طرق الفريقين الدالّة على ذلك : 1 ـ ما رواه عليّ بن إبراهيم ، في تفسير قوله ـ تعالى ـ : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَق) يقول : . . . قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لتركبنّ سنّة من كان قبلكم حذو النعل بالنعل ، والقذّة بالقذّة ، ولا تخطئون طريقتهم شبر بشبر ، وذراع بذراع ، وباع بباع ، حتّى أن لو كان من قبلكم دخل جحر ضبّ لدخلتموه ، قالوا : اليهود والنصارى تعني يارسول الله؟ قال : فمن أعني ؟ لينقضّ عرى الإسلام عروةً عروةً ، فيكون أوّل ماتنقضون من دينكم الإمامة (الأمانة خ ل) ، وآخره الصلاة (2) . 2 ـ ولعلّها أظهرها; ما رواه الصدوق في «كمال الدين» عن علي بن أحمد الدقّاق (رضي الله عنه) ، عن محمد بن أبي عبدالله الكوفي ، عن موسى بن عمران النخعي ، عن عمّه الحسين بن يزيد النوفلي ، عن غياث بن إبراهيم ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه (عليهم السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «كلّ ما كان في الاُمم السالفة فإنّه يكون في هذه الاُمّة مثله ، حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة» (3) . 3 ـ غير ذلك من الروايات الواردة بمثل هذا المضمون . قال العلاّمة المجلسي(قدس سره) في «البحار» : تواتر عن النّبي(صلى الله عليه وآله) أنّ كلّ ما وقع في الاُمم السالفة يقع في هذه الاُمّة (4) ، فكلّما ذكر سبحانه في القرآن الكريم من (1) مجمع البيان في تفسير القرآن: 10 / 275 . (2) تفسير القمي : 2 / 413 ، وعنه تفسير الصافي 5: 306، والبرهان في تفسير القرآن 5: 617 ذح11491 ، وبحار الأنوار 9: 249 قطعة من ح154 ، و ج 24: 350 بيان ، وج28: 8 ح11 ، وتفسير كنز الدقائق 11: 271 ، وتفسير نور الثقلين 5: 539 ذ ح 9 . (3) كمال الدين: 576 ب 54 ، وعنه بحار الأنوار: 28 / 10 ح 15 . (4) بحار الأنوار: 28 / 20 . صفحه 259 القصص فإنّما هو زجر هذه الاُمّة عن أشباه أعمالهم ، وتحذيرهم عن أمثال ما نزل بهم من العقوبات ، حيث علم وقوع نظيرها منهم وعليهم . وقد أفرد له بالتصنيف الصدوق (رحمه الله) وسمّاه (كتاب حذو النعل بالنعل) (1) . وقال المحدِّث الحرّ العاملي (رحمه الله) في «الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة» : إنّه يمكن أن يستدلّ عليه . . . وبإجماع المسلمين في الجملة ; فإنّ الأحاديث بذلك كثيرة من طريق العامّة والخاصّة (2) . ومن طريق العامّة : روى البخاري في صحيحه ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال : «لتتبَعُنَّ سنن من كان قبلكم شبراً شبراً ، وذراعاً بذراع ، حتّى لو دخلوا جحر ضبّ تبعتموهم ، قلنا : يارسول الله (صلى الله عليه وآله) اليهود والنصارى؟ قال : فمن ؟»(3) . ورواه غير أبي سعيد ، كأبي هريرة(4) ، وابن عبّاس(5) ، وحذيفة(6) ، وابن مسعود (7) ، وسهل بن سعد (8) ، وعمرو بن عوف (9) ، وشدّاد بن أوس (10) ، (1) رجال النجاشي: 391 ـ 392 ، الرقم 1049 ، الفهرست للشيخ الطوسي: 237 ، الرقم 710 ، معالم العلماء: 112 ، الرقم 764 . (2) الإيقاظ من الهجعة: 113 ، الباب الرابع . (3) صحيح البخاري: 8 / 191 ، كتاب الاعتصام ب 14 ح 7320 . (4) صحيح البخاري: 8 / 191 ، كتاب الاعتصام ب14 ح7319 ، المصنّف في الأحاديث والآثار 8: 434 ، كتاب 40 ح268 . (5) المستدرك على الصحيحين 4: 502 ح8404 . (6) المصنّف في الأحاديث والآثار 8: 636، كتاب 40 ح379 . (7) المعجم الكبير للطبراني 2: 39 ح9882 . (8) المسند لابن حنبل 8 : 443 ح22941 ، المعجم الكبير للطبراني 6: 186 ح5943 وص204 ح6017 . (9) المعجم الكبير للطبراني 17: 13 ، مجمع الزوائد 7: 259 ـ 260 . (10) مسند أبي داود الطيالسي: 153 ح1121 ، مسند ابن حنبل 6: 80 ح17135 ، مسند ابن الجعد: 491 ح3424 ، المعجم الكبير للطبراني 7: 281 ح7140 ، مجمع الزوائد 7: 261 . صفحه 260 ومستورد بن شدّاد(1) ، وعبدالله بن عمرو بن العاص(2) بألفاظ متقاربة ، وعبارات متشابهة . والجواب أوّلاً : فلأنّ بلوغ هذه الروايات إلى مرحلة التواتر غير معلوم ، بل الظاهر أ نّها أخبار آحاد لا تفيد علماً ولا عملاً ; ولذا لم يذكر شيء من هذه الروايات في الكتب الأربعة ، ولا ادّعى أحد من المحدّثين تواترها ، بل غايته دعوى الصحّة . قال الصدوق في «كمال الدين» : صحّ عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أ نّه قال : «كلّ ما كان في الاُمم السالفة يكون في هذه الاُمّة مثله ، حذو النعل بالنعل ، والقذّة بالقذّة »(3) . ثانياً : فلأنّ مفاد هذه الروايات إن كان الوقوع في هذه الاُمّة ولو بعد هذه الأعصار إلى يوم القيامة ; أي إن كان مفادها الإخبار عن الوقوع ولو فيما بعد ، فلا دلالة فيها على وقوع التحريف فعلاً كما هو المدّعى ، ولا مطابقة حينئذ بين الدليل والمدّعى ; فإنّ المدّعى وقوعه في صدر الإسلام في زمن الخلفاء الثلاثة ، والدليل يدلّ على وقوعه في زمان آخره يوم القيامة . وإن كان مفادها الوقوع في الصدر الأوّل ، فلازمه الدلالة على وقوع التحريف بالزيادة في القرآن ، كما وقع في التوراة والإنجيل ، مع أنّ القائل بالتحريف ينفيه في جانب الزيادة ، كما عرفت . ثالثاً ـ وهو العمدة في الجواب ـ : فلأنّ هذه الكلّية المذكورة في رواية الصدوق التي هي العمدة في الاستدلال ، إن كانت بنحو تقبل التخصيص ، ولا تكون آبية عنه كسائر العمومات الواردة في سائر الموارد ، القابلة للتخصيص وعروض الاستثناء (1) المعجم الأوسط للطبراني 1: 213 ح315 ، مجمع الزوائد 7: 261 . (2) سنن الترمذي 5: 26 ح2646 ، جامع الاُصول 10: 33 ح7491 ، الجامع الصغير للسيوطي: 461 ح7532 . (3) كمال الدين: 530 ، وعنه بحار الأنوار 52: 200 . صفحه 261 بالإضافة إلى بعض أفرادها ، فلا مانع حينئذ من أن يكون ما قدّمناه من الأدلّة السبعة القاطعة على عدم التحريف في القرآن المجيد بمنزلة الدليل المخصّص للعامّ ، ويكون مقتضى الرواية بعد التخصيص وقوع جميع ما وقع في الاُمم السالفة في هذه الاُمّة إلاّ التحريف الذي قام الدليل على عدمه فيها . وإن كانت بنحو يكون سياقها آبياً عن التخصيص ، ويؤيّده قوله (صلى الله عليه وآله) في بعض تلك الروايات : «حتّى أن لو كان من قبلكم دخل جحر ضبّ لدخلتموه »(1) . و«حتّى لو أ نّ أحدهم جامع امرأته بالطريق لفعلتموه» (2) . فيردّه ـ مضافاً إلى مخالفته لصريح القرآن الكريم ، قال الله ـ تعالى ـ : (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ) (3)، حيث دلّ على عدم وقوع التعذيب مع كون النبيّ(صلى الله عليه وآله) في المسلمين ووجوده بينهم ، والضرورة قاضية بوقوع التعذيب في بعض الاُمم السالفة مع كون نبيّهم فيهم ـ : أ نّ كثيراً من الوقائع التي حدثت في الاُمم السابقة لم يصدر مثلها في هذه الاُمّة ، كعبادة العجل(4) ، وتيه بني إسرائيل أربعين سنة(5) ، وغرق فرعون وأصحابه(6) ، وملك سليمان للإنس والجنّ(7) ، ورفع عيسى إلى السماء(8) ، وموت هارون ـ وهو وصيّ موسى ـ قبل موت موسى نفسه(9) ، وإتيان (1) تقدّمت في ص258 عن تفسير القمّي . (2) المستدرك على الصحيحين: 4 / 502 ، كتاب الفتن والملاحم ح 8404 . (3) سورة الأنفال 8: 33 . (4) سورة البقرة 2: 51 ، 54 ، 92 و 93 ، وسورة النساء 4: 153 ، وسورة الأعراف 7: 152 . (5) سورة المائدة 5 : 26 . (6) سورة الإسراء 17: 103 وغيرها . (7) سورة النمل 27: 17 . (8) سورة النساء 4: 157 ـ 158 . (9) تفسير القمّي 2: 137 ، وعنه بحار الأنوار 13: 27 قطعة من ح2 . صفحه 262 موسى بتسع آيات بيّنات(1) ، وولادة عيسى من غير أب(2) ، ومسخ كثير من السابقين قردةً وخنازير(3) ، وغير ذلك من الوقائع التي لم يصدر مثلها في هذه الاُمّة ، وبعضها غير قابل للصدور فيما بعد من الأزمنة أيضاً ، كما هو واضح لا يخفى . وممّا ذكرنا ظهر أ نّه لو كان المراد ممّن كان من قبلكم خصوص اليهود والنصارى أيضاً ـ كما يؤيّده بعض الروايات المتقدّمة على تأمّل ـ فالجواب أيضاً باق على قوّته ; لأنّ كثيراً من الموارد التي ذكرناها قد وقع في خصوص الاُمّتين : اليهود والنصارى ، ولم يقع أو لن يقع فينا أصلاً . وعلى ما ذكر فلابدّ من ارتكاب خلاف الظاهر فيها ، والحمل على إرادة المشابهة في بعض الوجوه ، وعلى ذلك فيكفي في وقوع التحريف في هذه الاُمّة عدم اتّباعهم لحدود القرآن ، وعدم رعايتهم لأحكامه وحدوده ، وقوانينه وشرائعه ، وهذا أيضاً نوع من التحريف . كما أنّ الاختلاف والتفرّق بين الاُمّة وانشعابها إلى مذاهب مختلفة ، وافتراقها إلى ثلاث وسبعين فرقة ـ كما افترقت النصارى إلى اثنتين وسبعين ، واليهود إلى إحدى وسبعين على ما هو مقتضى الروايات الكثيرة ، بل المتواترة(4) الدالّة على هذا المعنى ـ تحريف أيضاً ; لأجل استناد كلّ منهم إلى القرآن الذي فسّروه على طبق الرأي والاعتقاد ، والاستنباط والاجتهاد ، ويؤيّده أ نّ العلاّمة المجلسي(قدس سره) أورد رواية الصدوق المتقدّمة(5) في باب افتراق الاُمّة بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله) على ثلاث وسبعين فرقة . ويؤيّد كون المراد هو التشابه ما رواه ابن الأثير في محكيّ جامع الاُصول عن (1) سورة الإسراء 17: 101 . (2) سورة البقرة 2: 45 ـ 47 . (3) سورة المائدة 5: 60 . (4) بحار الأنوار 28: 2 ـ 36، باب افتراق الاُمّة بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله) . (5) في ص258 . صفحه 263 سنن الترمذي ، عن أبي واقد الليثي: أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمّا خرج إلى خيبر مرّ بشجرة للمشركين يُقال لها : ذاتُ أنواط يُعلّقون عليها أسلحتهم ، فقالوا : يارسول الله ، اجعل لنا ذاتَ أنواط كما لهم ذاتُ أنواط . فقال النبي (صلى الله عليه وآله) : سبحان الله هذا كما قال قوم موسى (عليه السلام) : ( اجْعَل لَّنَآ إِلَـهًا كَمَا لَهُمْ ءَالِهَةٌ) (1) ، والذي نفسي بيده لتركبنّ سُنّة من كان قبلكم (2) . وما رواه في الكافي عن زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله ـ تعالى ـ : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَق) (3) قال : يا زرارة أولم تركب هذه الاُمّة بعد نبيّها طبقاً عن طبق في أمر فلان وفلان وفلان؟!(4) . قال بعض المحقّقين(5) : «أي كانت ضلالتهم بعد نبيّهم مطابقة لما صدر من الاُمم السابقة من ترك الخليفة واتّباع العجل والسامريّ وأشباه ذلك » . (1) سورة الأعراف 7: 138 . (2) سنن الترمذي: 4 / 475 ، كتاب الفتن ب 18 ح 2185 . وفي هامشها: ذات أنواط: شجرة ذات تعاليق تعلّق بها سيوفهم ، ويعكفون عليها ، كما كان يفعل المشركون ، جامع الاُصول: 10 / 34 ح 7492، وفيه: غزوة حنين . (3) سورة الانشقاق 84: 19 . (4) الكافي: 1 / 415 ، كتاب الحجّة ب 108 ح 17 . وعنه بحار الأنوار 24: 350 ح64، وتفسير كنز الدقائق 11: 271، وتفسير نور الثقلين 5: 539 ح21 . وفي تفسير الصافي 5: 306، والبرهان في تفسير القرآن 5: 619 ح11497 و 11498 عنه وعن تفسير القمّي 2: 413 . (5) أي المجلسي في بحار الأنوار: 24 / 350 ذ ح64 . صفحه 264 الشبهة الثانية إنّ كيفيّة جمع القرآن وتأليفه مستلزمة عادةً لوقوع التغيير والتحريف فيه ، وقد أشار إلى ذلك العلاّمة المجلسي(قدس سره) في محكيّ «مرآة العقول» ، حيث قال : والعقل يحكم بأنّه إذا كان القرآن متفرّقاً منتشراً عند الناس ، وتصدّى غير المعصوم لجمعه يمتنع عادةً أن يكون جمعه كاملاً موافقاً للواقع (1) . وهذه الشبهة تتوقّف : أوّلاً : على عدم كون القرآن مجموعاً مرتّباً في عهد النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وإنّما كان منتشراً متشتّتاً عند الأصحاب في الألواح والصدور ، مع احتمال أ نّه لم يكن بعضه عند أحد منهم ، كما اُشير إليه في بعض الأخبار . نعم ، جمعت عند النبيّ (صلى الله عليه وآله) نسخة متفرّقة في الصحف والحرير والقراطيس ، ورثها عليّ (عليه السلام) ، ولمّا جمعها بعده بأمره ووصيّته ، وألّفه كما أنزل الله تعالى ، ثمّ عرضها عليهم ، فأعرضوا عنه وعمّا جاء به لدواع كانت ملازمة لدعوى الخلافة وطلب الرئاسة . وثانياً : على امتناع كون الجمع الصادر من غير المعصوم كاملاً موافقاً للواقع من دون تغيير . فهنا دعويان : الاُولى : عدم كون القرآن مجموعاً في عهد النبيّ (صلى الله عليه وآله) وزمانه ، والدليل على إثباتها الروايات الكثيرة الواردة في هذا الباب ، الّتي سيجيء(2) نقلها والجواب عنها . الثانية : امتناع كون الجمع والتأليف الواقع موافقاً للواقع ، وقد ذكر في إثباتها (1) مرآة العقول : 3 / 31 ، باب أنّه لم يجمع القرآن كلّه إلاّ الأئمّة(عليهم السلام) . واُنظر فصل الخطاب: 73 ـ 82 ، الباب الأوّل ، الدليل الثاني . (2) في ص 269 ـ 300 . صفحه 265 أ نّ الذين باشروا هذا الأمر الجسيم ، وضادّوا النبأ العظيم هم أصحاب السقيفة : أبوبكر وعمر ، وعثمان ، وأبو عبيدة ، وسعد بن أبي وقّاص ، وعبد الرحمن بن عوف ، ومعاوية ، واستعانوا بزيد بن ثابت . ومن الواضح أ نّ مضامين القرآن ، ومطالبه ، ومعانيه ، وكيفيّة ترتيب آياته وكلماته وسوره ، لا تشبه كتاب مصنّف ، وتأليف مؤلّف ، وديوان شاعر ، ممّا يسهل جمعه وترتيبه لمن بلغ أدنى مرتبة من مراتب العلم ، وأخذ حظّاً قليلاً منه ، ويعلم نقصانه وتحريفه بأدنى ملاحظة ، ولا يمكن معرفة ترتيب القرآن وتماميّة جمعه من نفسه ; إذ هو موقوف على معرفة مراد الله تعالى ، وحكمة وضع ترتيب السور والآيات بالترتيب المخزون ، وكيفيّة ارتباط الآيات بعضها ببعض . وهذا من العلوم التي قصرت أيدي المذكورين عن تناول أدنى مراتبه ، بل هم بمعزل عن تصوّر موضوعه ، وعن تصديق المتوقّف على تصديق أصله المفقود فيهم ، بل كانوا قاصرين عن معرفة نفس الآيات ، وأ نّها ممّا جاء به النبيّ (صلى الله عليه وآله) أو ممّا دسّها المدلّسون ، واختلقها الكذّابون ، فاحتاجوا إلى إقامة الشهود ، فضلاً عن معرفة ارتباط بعضها بالبعض الموقوف . وكان أعرف هؤلاء بالقرآن : زيد بن ثابت ، الذي قال عمر في حقّه : إنّ زيداً أفرضنا»(1)، مع أنّه روى الشيخ (رحمه الله) في «التهذيب»، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر (عليه السلام) : «وأشهد على زيد بن ثابت ، لقد حكم في الفرائض بحكم الجاهليّة»(2) . وأمّا كتابته الوحي فكان يكتبه هو أو أُبيّ إذا لم يكن أمير المؤمنين (عليه السلام) أو عثمان حاضراً على (1) الاستغاثة: 83 . (2) الكافي 7: 407 ح 2، تهذيب الأحكام: 6 / 218 ح 512 ، وعنهما وسائل الشيعة 27: 23 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب4 ح8. وفي بحار الأنوار 104: 367 ح6 عن تفسير العيّاشي 1: 325 ح132 . صفحه 266 ما ذكره أرباب السّير ، وقد طعن عليه اُبيّ بن كعب ، وعبدالله بن مسعود (1) . روى السيّد المرتضى في «الشافي» عن شريك ، عن الأعمش قال : قال ابن مسعود : لقد أخذت من فيّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) سبعين سورة ، وأ نّ زيد بن ثابت لغلام يهوديّ في الكتّاب له ذؤابة (2) . وأ مّا الخلفاء، فمقامهم في العلم غير خفيّ، حتّى أنّ الأوّل كان جاهلاً بمعنى الكلالة(3) .(4) وقال السيوطي في «الإتقان» : ولا أحفظ عن أبي بكر في التفسير إلاّ آثاراً قليلة جدّاً ، لا تكاد تجاوز العشرة (5) . وأمّا عمر ، فذكر الشيخ زين الدين البياضي في «الصراط المستقيم» أنّه اجتهد في حفظ سورة البقرة بسبع سنين،وقيل: اثنتي عشرة، ونحرجزوراًوليمة عند فراغه(6). وفيه : ورووا أ نّه لم يحفظ القرآن أحد من الخلفاء (7) ، وقد صحّ أ نّه أنكر موت (1) فصل الخطاب : 74 ، الباب الأوّل، الدليل الأوّل . (2) الشافي في الإمامة 4: 284، تلخيص الشافي: 4 / 106 ، تاريخ المدينة المنوّرة لابن شبّة 4: 1008 ، وفي سنن الترمذي 5: 285 ذح3113 وجامع الاُصول 2: 506 ، وبحار الأنوار 92: 77 هكذا: «وأنّه لفي صلب رجل كافر» يريد: زيد بن ثابت . (3) سورة النساء 4: 12 . (4) المصنّف لعبد الرزّاق 10: 304 ح19191 ، المصنّف في الأحاديث والآثار 7: 402 ب113 ح2 ، سنن الدارمي 2: 249 ب26 ح2968 ، جامع البيان عن تأويل آي القرآن (تفسير الطبري) 4: 356 ح8747 و 8748 ، السنن الكبرى للبيهقي 9: 268 ح12518 وص271 ح12528 ، تفسير الخازن ، المسمّى «لباب التأويل في معاني التنزيل»1: 351 ، تفسير القرآن العظيم لابن كثير 1: 460 ، بحار الأنوار 30: 506 ـ 507 ، الغدير 7: 140ـ 142 . (5) الإتقان: 4 / 233 ، النوع الثمانون . (6) الصراط المستقيم: 3 / 18 . (7) الصراط المستقيم: 3 / 38 . صفحه 267 النبيّ (صلى الله عليه وآله) لجهله بالكتاب حتّى قرئ عليه : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُم مَّيِّتُونَ) (1) . وقد جمع الأصحاب أشياء كثيرة ممّا يتعلّق بهذا الباب . وأمّا عثمان ، فهو وإن كان من كتّاب الوحي ، إلاّ انّه لم يكتب منه إلاّ قليلاً ، فعن مناقب ابن شهرآشوب في ذكر كتّابه (صلى الله عليه وآله) : كان عليّ (عليه السلام) يكتب أكثر الوحي ، ويكتب أيضاً غير الوحي ، وكان اُبيّ بن كعب وزيد بن ثابت يكتبان الوحي ، وكان زيد وعبدالله بن الأرقم يكتبان إلى الملوك ، وعلاء بن عقبة وعبدالله بن الأرقم يكتبان القبالات ، والزبير بن العوام وجهم(2) بن الصلت يكتبان الصدقات ، وحذيفة يكتب صدقات التمر ، وقد كتب له عثمان وخالد وأبان ابنا سعيد بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، والحصين بن نمير ، والعلاء بن الحضرمي ، وشرحبيل بن حسنة الطانحي ، وحنظلة بن ربيع الأسدي ، وعبدالله بن سعد بن أبي سرح ; وهو الخائن في الكتابة ، فلعنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد ارتدّ (3) . وروى عكرمة ، ومجاهد ، والسّدِّي ، والفرّاء ، والزجاج ، والجبائي ، وأبو جعفر الباقر (عليه السلام) : أ نّ عثمان كان يكتب الوحي ويغيّر فيكتب موضع «غفور رحيم» «سميع عليم» وموضع «سميع عليم» «عزيز حكيم» ونحو ذلك ، فأنزل الله ـ تعالى ـ فيه : (وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ) (4) . قال السيِّد في الطرائف : «ومن طرائف ما ذكروه عن عثمان من سوء إقدامه على القول في ربّهم و رسولهم ما ذكره الثعلبي في تفسير قوله تعالى: (إِنْ هَـذَ نِ لَسَـحِرَ نِ) (5): روي عن عثمان أ نّه قال : إنّ في المصحف لحناً (1) الصراط المستقيم 3: 18 ، والآية في سورة الزمر 39 : 30 . (2) في اُسد الغابة في معرفة الصحابة ج 1 / 423 ، الرقم 828 : جهيم بن الصلت. (3) مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) 1: 162 ، وعنه بحار الأنوار 22: 248 قطعة من ح1 . (4) الصراط المستقيم 3 : 37 ، والآية في سورة الأنعام 6 : 93. (5) سورة طه 20 : 63 . صفحه 268 واستسقمه(1) العرب بألسنتهم ، فقيل له : ألا تغيّره؟ فقال : دعوه; فإنّه لا يُحلّل حراماً ولا يحرّم حلالاً . وذكر نحو هذا الحديث ابن قتيبة في « كتاب المشكل » في تفسير قوله: ( إِنْ هَـذَ نِ لَسَـحِرَ نِ) . قال (رحمه الله) : وليت شعري هذا اللحن في المصحف ممّن هو ؟ إن كان عثمان يذكر أ نّه من الله فهو كفر جديد لايخفى على قريب ولا بعيد ، وإن كان من غير الله ، فكيف نزل كتاب ربّه مبدّلاً مغيّراً ، لقد ارتكب بذلك بهتاناً عظيماً ومنكراً جسيماً(2) . وأ مّا معاوية ، فعدّه جماعة من مخالفينا من كتّاب الوحي ، مع أنّ الجمهور يروون أ نّه أسلم بعد فتح مكّة ، وقبل وفاة النبيّ (صلى الله عليه وآله) بستّة أشهر تخميناً (3) . قال في الطرائف : فكيف يقبل العقول أن يوثق في كتّابة الوحي بمعاوية مع قرب عهده بالكفر ، وقصوره في الإسلام حيث دخل فيه (4) . وقال ابن أبي الحديد : وكان أحد كتّاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، واختُلف في كتابته له كيف كانت ، فالّذي عليه المحقّقون من أهل السيرة أ نّ الوحي كان يكتبه عليّ (عليه السلام) وزيد بن ثابت وزيد بن أرقم ، وأ نّ حنظلة بن الربيع التيمي ومعاوية بن أبي سفيان كانا يكتبان له إلى الملوك وإلى رؤوساء القبائل ، ويكتبان حوائجه بين يديه ، ويكتبان ما يجبى من أموال الصدقات ما يقسّم له في أربابها (5) . والجواب عن هذه الشبهة : مضافاً إلى إمكان الدعوى الثانية ، منع الدعوى الاُولى جدّاً . وعليه: فلا تصل النوبة إلى الثانية أصلاً . (1) الكشف والبيان ، المعروف بتفسير الثعلبي 6: 250 ، وفيه: «وستقيمه» بدل : واستسقمه ، و«يُحلّ» بدل: يحلّل . (2) الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف: 490 ـ 491 . (3 ، 4) الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف : 502 . (5) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1 / 338 ، بحار الأنوار: 33 / 201 ، قطعة من ح489 . صفحه 269 ولتوضيح ذلك : لابدّ لنا من إيراد الروايات التي يظهر منها أ نّ جمع القرآن لم يحقّق إلاّ بعد وفاة النبيّ (صلى الله عليه وآله) والجواب عنها . فنقول : قد اُوردت هذه الروايات في «كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال»; وهي كثيرة : 1 ـ «من مسند الصدِّيق» عن زيد بن ثابت قال : أرسل إليّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة ، فإذا عنده عمر بن الخطّاب ، فقال : إنّ هذا أتاني فأخبرني أنّ القتل قد استحرَّ(1) بقرّاء القرآن في هذا الموطن ; يعني يوم اليمامة (2) ، وإنّي أخاف أن يستحِرَّ القتل بقرّاء القرآن في سائر المواطن ; فيذهب القرآن ، وقد رأيت أن نجمعه ، فقلت له ـ يعني لعمر ـ : كيف نفعل شيئاً لم يفعله رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ قال لي عمر : هو والله خير ، فلم يزل بي عمر حتّى شرح الله صدري للذي شرح له صدره ، ورأيت فيه مثل الذي رأى عمر . قال زيد وعمر عنده جالس لا يتكلّم . فقال أبو بكر : إنّك شابّ عاقل لا نتّهمك ، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فاجمعه ، قال زيد : فوالله لئن كلّفوني نقل جبل من الجبال ما كان بأثقلَ عليَّ ممّا أمرني به من جمع القرآن ، فقلت : كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ قال: هووالله خير، فلم يزل أبوبكر يراجعني حتّى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر ، ورأيت فيه الذي رأيا ، فتتبّعت القرآن أجمعه من الرقاع(3) (1) استمر: اشتدّ وكثر . (2) يوم اليمامة ، لم يلقَ العرب حرباً مثلها قطّ ، وهي معركة وقعت سنة 11 هـ بين المسلمين ، والمشركين جند مسيلمة الكذاب ، وقد استلحم من المسلمين حملةُ القرآن حتى فنوا إلاّ قليلاً ، وقيل: قتل منهم سبعمائة . واليمامة: مدينة متّصلة بأرض عمّان من جهة المغرب مع الشمال ، كان اسمها جوّاً ، وسمّيت اليمامة بامرأة; وهي الزرقاء ، زرقاء اليمامة ، المشهورة في الجاهليّة بجودة النظر وصحّة إدراك البصر . الروض المعطار في خبر الأقطار معجم جغرافيّ: 619 ـ 621 . (3) الرّقاع: جمع رقعة ، وقد تكون من جلد أو رَق أو كاغذ . صفحه 270 واللّخاف(1) والأكتاف(2) والعُسب(3) وصدور الرجال ، حتّى وجدت آخر سورة براءة مع خزيمة بن ثابت الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره (لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ) (4) حتّى خاتمة براءة ، فكانت الصحف التي جُمع فيها القرآن عند أبي بكر حياتَه حتّى توفّاه الله ، ثمّ عند عمر حياتَه حتّى توفّاه الله ، ثمّ عند حفصة بنت عمر (5) . 2 ـ عن صعصعة قال : أوّل من جمع القرآن وورّث الكلالة أبو بكر(6) . 3 ـ عن عليّ (عليه السلام) قال : أعظم الناس في المصاحف أجراً أبو بكر ، إنّ أبا بكر أوّل من جمع بين اللّوحين . وفي لفظ : أوّل من جمع كتاب الله(7) . 4 ـ عن هشام بن عروة قال : لمّا استحرَّ القتل بالقرّاء فَرِقَ ـ أي جزع ـ أبو بكر على القرآن أن يضيع ، فقال لعمر بن الخطّاب ولزيد بن ثابت : اقُعدا على باب المسجد ، فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه(8) . (1) اللِّخاف : بكسر اللاّم وبخاء معجمة خفيفة ، آخره فاء ، واحدتها لخفة بفتح اللام وسكون الخاء; وهي الحجارة الرقاق ، أو حجارة بيض رقاق وعلى قول: صفائح الحجارة . (2) الأكتاف : جمع كتف ، وهو عظم عريض في أصل كتف الحيوان ، فإذا جفّ استعملوه للكتابة . (3) العُسب: جمع عسيب وهو جريد النخل إذا نزع منه خوصه ، ويكتبون في الطرف العريض منه . (4) سورة التوبة 9: 128 . (5) المصاحف لابن أبي داود السجستاني: 52 ـ 56 ح24ـ 28 ، و في فضائل القرآن لأبي عبيد: 281 و 283 ، وصحيح البخاري 5: 250 ح4679 وج6: 120 ح4786 وج8: 151 ح7191 ، وسنن الترمذي 5: 283 ح3112، والسنن الكبرى للنسائي 5: 7 ـ 8 ح7995، والسنن الكبرى للبيهقي 2: 333 ح2424، وشرح السنّة للبغوي 4: 511 ح1230 ، وجامع الاُصول 2: 501 ح974 ، والإتقان في علوم القرآن : 1 / 203 ، النوع الثاني عشر باختلاف . (6) المصنّف في الأحاديث والآثار 8 : 340 ح134 ، المنتظم في تاريخ الاُمم والملوك 5: 215ـ 216 . (7) المصاحف لابن أبي داود السجستاني: 48 ـ 50 ح14ـ 20 ، الإتقان في علوم القرآن 1: 204 . (8) المصاحف لابن أبي داود السجستاني: 51 ح23 ، فتح الباري 10: 5849 شرح حديث 4986 ، الإتقان في علوم القرآن 1: 205 . صفحه 271 5 ـ عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبدالله وخارجة: أ نّ أبا بكر الصدِّيق كان جمع القرآن في قراطيس ، وكان قد سأل زيد بن ثابت النظر في ذلك ، فأبى حتّى استعان عليه بعمر ، ففعل ، فكانت الكتب عند أبي بكر حتّى توفّي ، ثمّ عند عمر حتّى توفي ، ثمّ كانت عند حفصة زوج النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، فأرسل إليها عثمان ، فأبت أن تدفعها حتّى عاهدها ليرُدَّنّها إليها ، فبعثت بها إليه ، فنسخها عثمان هذه المصاحف ، ثمّ ردّها إليها فلم تزل عندها(1) . قال الزهري : أخبرني سالم بن عبدالله أ نّ مروان كان يرسل إلى حفصة يسألها الصحف التي كتب فيها القرآن ، فتأبى حفصة أن تعطيه إيّاها ، فلمّا توفّيت حفصة ورجعنا من دفنها أرسل مروان بالعزيمة إلى عبدالله بن عمر ; ليرسل إليه بتلك الصحف ، فأرسل بها إليه عبدالله بن عمر ، فأمر بها مروان فشقّقت ، وقال مروان : إنّما فعلت هذا لأنّ ما فيها قد كتب وحفظ بالصحف (المصحف خ ل) ، فخشيت إن طال بالناس زمان أن يرتاب في شأن هذا المصحف مرتاب ، أو يقول : إنّه قد كان فيها شيء لم يكتب(2) . 6 ـ عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : لمّا قتل أهل اليمامة أمر أبو بكر الصدِّيق عمر بن الخطّاب ، وزيد بن ثابت ، فقال : اجلسا على باب المسجد ، فلا يأتينّكما أحد بشيء من القرآن تُنكرانه ، يشهد عليه رجلان إلاّ أثبتماه ، وذلك لأنّه قتل باليمامة ناس من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد جمعوا القرآن . 7 ـ «مسند عمر» عن محمّد بن سيرين ، قال : قتل عمر ولم يجمع القرآن(3) . 8 ـ عن الحسن : أ نّ عمر بن الخطّاب سأل عن آية من كتاب الله ؟ فقيل: كانت (1) المصاحف لابن أبي داود السجستاني: 57 ح30 . (2) مسند الشاميّين 4: 235 ح3168 . (3) الطبقات الكبرى 3: 294 . صفحه 272 مع فلان فقتل يوم اليمامة ، فقال : إنّا لله ، وأمر بالقرآن فجمع ، وكان أوّل من جمعه في المصحف(1) . 9 ـ عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، قال : أراد عمر بن الخطّاب أن يجمع القرآن ، فقام في الناس فقال : من كان تَلقّى من رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيئاً من القرآن فليأتنا به ، وكانوا كتبوا ذلك في الصحف والألواح والعُسب ، وكان لا يقبل من أحد شيئاً حتّى يشهد شاهدان ، فقتل وهو يجمع ذلك . فقام عثمان فقال : من كان عنده من كتاب الله شيء فليأتنا به ، وكان لا يقبل من ذلك شيئاً حتّى يشهد عليه شاهدان ، فجاء خزيمة بن ثابت ، فقال : إنّي قد رأيتكم تركتم آيتين لم تكتبوهما ، قالوا : ما هما؟ قال : تلقّيتُ من رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) (2) ، إلى آخر السورة ، فقال عثمان : وأنا أشهد أ نّهما من عند الله ، فأين ترى أن نجعلهما؟ قال : اختم بهما آخر ما نزل من القرآن ، فختم بهما براءة(3) . 10 ـ عن عبدالله بن فضالة ، قال : لمّا أراد عمر أن يكتب الإمام أقعد له نفراً من أصحابه ، فقال : إذا اختلفتم في اللغة فاكتبوها بلغة مضَر ; فإنّ القرآن نزل على رجل من مضر (4) . 11 ـ عن جابر بن سمرة ، قال : سمعت عمر بن الخطّاب يقول : لا يملينَّ في (1) المصاحف لابن أبي داود السجستاني: 60 ح32 ، الإتقان في علوم القرآن 1: 204ـ 205 . (2) سورة التوبة 9 : 128 . (3) المصاحف لابن أبي داود السجستاني: 62 ح33 وص113 ح96، وروى في الإتقان في علوم القرآن 1: 205 صدره. (4) المصاحف لابن أبي داود السجستاني: 63 ح34 . |