قرآن، حديث، دعا |
زندگينامه |
کتابخانه |
احكام و فتاوا |
دروس |
معرفى و اخبار دفاتر |
ديدارها و ملاقات ها |
پيامها |
فعاليتهاى فرهنگى |
کتابخانه تخصصى فقهى |
نگارخانه |
اخبار |
مناسبتها |
صفحه ويژه |
|
(الصفحة361)
القسم الثاني
في
قصاص ما دون النفس1
1 ـ جعل العنوان ما دون النفس أولى من جعله الطرف كما في الشرائع(1) ، لشموله لغير الأطراف المشهورة من البطن والظهر ونحوهما . والدليل على ثبوت القصاص في هذا القسم عموم مثل قوله تعالى: {وَالجُرُوحَ قِصَاصٌ}(2) بعد التعرّض لثبوته في العين والأنف والأُذن والسنّ ، مضافاً إلى الروايات المتواترة الآتية أكثرها ، وإلى أنّه لا خلاف فيه من حيث الفتوى ، بل كما في الجواهر(3) الإجماع بقسميه عليه ، كما أنّه لا إشكال في أنّ الموجب له خصوص الجناية العمدية ، لدلالة الروايات عليه .
(1) شرائع الإسلام: 4 / 1006 .
(2) المائدة 5 : 45 .
(3) جواهر الكلام: 42 / 343 .
(الصفحة362)
مسألة1 ـ الموجب له ها هنا كالموجب في قتل النفس، وهو الجناية العمدية مباشرة أو تسبيباً حسب ما عرفت ، فلو جنى بما يتلف العضو غالباً فهو عمد ، قصد الإتلاف به أولا، ولو جنى بما لايتلف به غالباً فهو عمد مع قصد الإتلاف ولو رجاءً1.
مسألة 2 ـ يشترط في جواز الاقتصاص فيه ما يشترط في الاقتصاص في النفس من التساوي في الإسلام والحرّية وانتفاء الأبوّة وكون الجاني عاقلاً بالغاً ، فلا يقتصّ في الطرف لمن لا يقتصّ له في النفس2.
1 ـ قد مرّ مقتضى التحقيق في معنى العمد في أوّل كتاب القصاص وأنّه يعتبر فيه أحد أمرين على سبيل منع الخلو ، إمّا كون الآلة مؤثِّرة في القتل هناك وفي تلف العضو هنا بحسب النوع والغالب ، سواء كان مقروناً بقصد القتل أو الإتلاف أم لم يكن كذلك; وإمّا كون العمل مقروناً بالقصد المذكور وإن لم تكن الآلة مؤثِّرة في تحقّق المقصود غالباً ، غاية الأمر تعلّق القصد به رجاء واحتمالاً ، كالضرب بالعصا مع قصد القتل ثم تحقّقه .
2 ـ الدليل على اعتبار الشرائط المذكورة هناك في المقام مضافاً إلى إطلاق بعض الأدلّة النافي لعدم القود في الوالد بالنسبة إلى ولده ، أو المسلم بالإضافة إلى الذمّي مثلاً الشامل للقصاص في الطرف أيضاً ، التصريح بذلك في بعض الروايات ، مثل ما في صحيحة محمد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه السلام) من قوله: لا يقاد مسلم بذمّي في القتل ولا في الجراحات ، ولكن يؤخذ من المسلم جنايته للذمّي على قدر دية الذمّي ثمانمائة درهم(1) .
(1) وسائل الشيعة: 19 / 127 ـ 128 ، أبواب قصاص الطرف ب 8 ح1 .
(الصفحة363)
مسألة 3 ـ لا يشترط التساوي في الذكورة والأُنوثة ، فيقتصّ فيه للرجل من الرجل ومن المرأة من غير أخذ الفضل ، ويقتصّ للمرأة من المرأة ومن الرجل لكن بعد ردّ التفاوت فيما بلغ الثلث كما مرّ1.
مسألة 4 ـ يشترط في المقام زائداً على ما تقدّم التساوي في السلامة من الشلل ونحوه على ما يجيء أو كون المقتصّ منه أخفض ، والتساوي في الأصالة والزيادة وكذا في المحلّ على ما يأتي الكلام فيه ، فلا تقطع اليد الصحيحة مثلاً بالشلاّء ولو بذلها الجاني ، وتقطع الشلاّء بالصحيحة ، نعم لو حكم أهل الخبرة بالسراية بل خيف منها يعدل إلى الدية2.
1 ـ قد تقدّم البحث في هذه المسألة مفصّلاً في المسألة الثانية من مسائل الشرائط المعتبرة في قصاص النفس ، فراجع .
2 ـ أمّا اعتبار التساوي في السلامة من الشلل وعدم قطع اليد الصحيحة مثلاً بالشلاّء ، والرجل الصحيحة كذلك بالعرجاء فهو المشهور ، بل ادّعى في الجواهر نفي وجدان الخلاف فيه(1) ، بل حكى الاجماع عن ظاهر بعض الكتب بل صريحه(2) ، واللاّزم إقامة الدليل عليه بعد اقتضاء قوله تعالى: {وَالجُرُوحَ قِصَاصٌ}(3) لثبوت القصاص في المقام كثبوته في القتل ، حيث لا فرق فيه بين كون المقتول صحيحاً بأعضائه وجوارحه أو غير صحيح كذلك .
فنقول: يمكن الاستدلال على تخصيص عموم الآية بأُمور ثلاثة:
(1) جواهر الكلام: 42 / 348 .
(2) في ظاهر المبسوط: 7 / 80 ، وصريح الخلاف: 5 / 194 مسألة 61 .
(3) المائدة 5 : 45 .
(الصفحة364)
أحدها: قوله تعالى: {فَاعتَدُوا عَلَيهِ بِمِثلِ مَا اعتَدَى عَلَيْكُم}(1) نظراً إلى ظهوره في لزوم المماثلة وهي غير متحقّقة في المقام; لعدم كون قطع اليد الصحيحة مماثلاً لقطع اليد الشلاّء ، فاللاّزم الرجوع إلى الدية .
ويرد عليه : أنّ المراد من المماثلة في الآية هي المماثلة في أصل الاعتداء ، لا المماثلة في الكيفية ، فلا دلالة له على جواز الشتم في مقابل الاعتداء بالشتم ، وجواز الغصب مثلاً في مقابل الاعتداء بالغصب ، بل مفاده عدم كون الاعتداء بلا جواب ، بل يجري في مقابله الجزاء والعقوبة ، وأمّا كيفيتها فلا دلالة له عليه ، وعليه فلا ينافي الآية المتقدّمة الدالّة بعمومها على ثبوت القصاص في المقام .
ثانيها: ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسن بن محبوب ، عن حمّاد بن زياد ، عن سليمان بن خالد ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل قطع يد رجل شلاّء ، قال: عليه ثلث الدية(2) .
وضعف السند ـ بحمّاد ، حيث إنّه مجهول ولم يذكر بتوثيق ولا مدح ، ورواية الحسن عنه لا تدلّ على الوثاقة بوجه ـ ينجبر باستناد المشهور إليها في مقابل القاعدة المقتضية للقصاص ، لكن الكلام في الدلالة ، فنقول: الظاهر أنّ المراد من الدية المضاف إليها الثلث هي دية يد واحدة صحيحة التي هي نصف الدية الكاملة ، وعليه فدية اليد الشلاّء سدس الدية الكاملة ، ويدلّ على ذلك الرواية الآتية الصريحة في أنّ دية الأصابع الشلل ثلث دية الصحاح منها .
وأمّا الاستدلال بالرواية فيبتنى على ثبوت الإطلاق لها ، بأن كان المراد ثبوت
(1) البقرة 2 : 194 .
(2) وسائل الشيعة: 19 / 253 ، أبواب ديات الأعضاء ب 28 ح1 .
(الصفحة365)
الدية مطلقاً ، سواء أراد المجني عليه القصاص أم لم يرد ذلك ، فيرجع ذلك إلى نفي ثبوت القصاص في مورد السؤال . وقد استفاد الأصحاب من الرواية هذا المعنى ، ولذا أفتوا بخلاف ما هو مقتضى عموم دليل القصاص ، ولكنّ الظاهر أنّ ثبوت الإطلاق للرواية مبنيّ على كونها في مقام البيان من هذه الجهة ، مع أنّه يحتمل قويّاً أن يكون المراد بيان مقدار دية اليد الشلاّء من غير نظر إلى ثبوت القصاص وعدمه ، وليس في السؤال ما يدلّ بظاهره على كون محطّه هو السؤال عن ثبوت القصاص وعدمه ، وإلاّ كان المناسب التعرّض لذلك لا تعيين مقدار الدية ، خصوصاً مع عدم التصريح في السؤال بكون يد القاطع صحيحة ، واستناد المشهور إلى الرواية وإن كان جابراً لضعفها ومخرجاً لها عن عدم الحجية إليها إلاّ أنّ فهم المشهور واستفادتهم من الرواية شيئاً لا دليل على حجيته بوجه .
ثالثها: رواية الحسن بن صالح قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن عبد قطع يد رجل حرّ وله ثلاث أصابع من يده شلل ، فقال: وما قيمة العبد؟ قلت: اجعلها ما شئت ، قال: إن كانت قيمة العبد أكثر من دية الإصبعين الصحيحتين والثلاث الأصابع الشلل ردّ الذي قطعت يده على مولى العبد ما فضل من القيمة وأخذ العبد ، وإن شاء أخذ قيمة الإصبعين الصحيحتين والثلاث الأصابع الشلل ، قلت : وكم قيمة الإصبعين الصحيحتين مع الكفّ والثلاث الأصابع الشلل؟ قال: قيمة الإصبعين الصحيحتين مع الكفّ ألفا درهم ; وقيمة الثلاث أصابع الشلل مع الكف ألف درهم ، لأنّها على الثلث من دية الصحاح ، قال: وإن كانت قيمة العبد أقلّ من دية الإصبعين الصحيحتين والثلاث الأصابع الشلل دفع العبد إلى الذي قطعت يده أو يفتديه مولاه ويأخذ العبد(1) .
(1) وسائل الشيعة: 19 / 253 ، أبواب ديات الأعضاء ب 28 ح2 .
(الصفحة366)
وتقريب الاستدلال بها وكذا الجواب عنه ما تقدّم في الرواية السابقة ، ويؤيّد عدم كون الرواية متعرّضة للقصاص بوجه اشتمال اليد المقطوعة على إصبعين صحيحتين ، لأنّه من البعيد كون الثلاث الأصابع الشلل مانعاً عن جريان القصاص فيهما وكونهما محكومين بحكمها ، كما لا يخفى .
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا عدم تماميّة شيء من الاُمور الثلاثة التي استدلّ بها على أنّه لا تقطع اليد الصحيحة باليد الشلاّء ، وعليه فتصير المسألة مشكلة جدّاً من جهة ما ذكرنا ، ومن جهة أنّه لم يحك خلاف ولو من أحد في المسألة . وقد عرفت أنّ ظاهر الجواهر كون المسألة مفروغاً عنها عندهم ، ومقتضى الاحتياط أيضاً ما ذكره الأصحاب .
ثمّ إنّه يرد عليهم أنّه لو سلّمنا دلالة الروايتين فغاية مدلولهما عدم قطع اليد الصحيحة باليد الشلاّء ، وأمّا شمول الحكم لسائر الأعضاء والأطراف بحيث يستفاد منهما قاعدة كلّية وهي اعتبار التساوي في السلامة من الشلل ونحوه بحيث لا يجوز قطع الرجل الصحيحة بالرجل العرجاء كما مثّلنا به أيضاً في أوّل البحث فلا شاهد له ، لأنّه بعد كون الحكم في الروايتين على خلاف القاعدة المقتضية للقصاص فاللاّزم الاقتصار على خصوص موردهما كما في نظائر المسألة ، وعلى ما ذكرنا تصير توسعة الحكم كأصله مورداً للإشكال أيضاً ، فتدبّر .
ثم إنّه وقع في المتن ونحوه تعميم الحكم بعدم جواز قطع الصحيحة بالشلاّء لصورة ما إذا بذلها الجاني أيضاً ، والغرض إنّ بذل الجاني ورضاه بالقطع لا يؤثِّر في الجواز ، فإنّه كما لا يجوز للإنسان أن يقطع شيئاً من أعضاء بدنه كذلك لا يجوز له بذله لقطع غيره مع عدم كون القطع مجازاً ومشروعاً ، وفي المقام يكون الثابت خصوص الدية . ومنه يظهر عدم استيفائه بغيرها ولا يكون البذل مؤثِّراً في تحقّق
(الصفحة367)
مسألة 5 ـ المراد بالشلل هو يبس اليد بحيث تخرج عن الطاعة ولم تعمل عملها ولو بقى فيها حسّ وحركة غير اختيارية ، والتشخيص موكول إلى العرف كسائر الموضوعات ، ولو قطع يداً بعض أصابعها شلاّء ففي قصاص اليد الصحيحة تردّد ، ولا أثر للتفاوت بالبطش ونحوه فتقطع اليد القوية بالضعيفة ، واليد السالمة باليد البرصاء والمجروحة1.
الاستيفاء ، كما أنّه لا يبعد دعوى ثبوت القصاص مع قطع يد الجاني الصحيحة ، لأنّه قطع عدواني موجب للقصاص ، إلاّ أن يقال : بأنّ البذل الملازم للرضا بقطعه من دون قصاص يمنع عن ثبوته ، فتدبّر .
بقي في المسألة أمر واحد ، وهو أنّه لا مانع من قطع اليد الشلاء بالصحيحة ; لعدم اقتضاء شيء من الأدلّة اعتبار التساوي في السلامة من الشلل في كلّ من الطرفين ، بل غاية مفادها اعتباره من ناحية المقتصّ منه ، وعليه فمقتضى عموم دليل القصاص ثبوته هنا . والظاهر أنّه لا يضمّ إليها أرش ، كما في اقتصاص وليّ الرجل من المرأة في باب القتل . وما في جملة من الروايات من أنّ الجاني لا يجني على أكثر من نفسه(1) يجري في المقام أيضاً .
ثم إنّه وقع استدراك هذا الحكم في مثل المتن ، بما لو حكم أهل الخبرة بالسراية بل خيف منها بالاحتمال العقلائي المعتدّ به ، والوجه فيه لزوم التحفّظ على النفس التي هي أهمّ من الطرف في الشرع ، فاللاّزم الرجوع إلى الدية . والظاهر سقوط القطع في هذه الصورة في باب الحدود أيضاً ، كالسرقة والمحاربة .
1 ـ غير خفيّ أنّ عنوان «الشلل» المأخوذ في النصّ والفتوى ، إنّما هو كسائر
(1) وسائل الشيعة: 19 / 59 و61 و62 ، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح1 و10 و18 .
(الصفحة368)
العناوين المأخوذة في موضوعات الأحكام يرجع في معناه إلى العرف ، فالتشخيص موكول إليه فقط ، وعليه فالظاهر أنّ معناه عند العرف هو الحدّ المتوسط بين موت اليد الذي يوجب عدم تحقّق شيء من آثار الحياة فيها ، وبين ضعفها الموجب لثبوت حركة ضعيفة فيها ، فمعناه هو ما في المتن من اليبس بحيث تخرج عن الطاعة ولم تعمل عملها ، ولو بقي فيها حسّ وحركة اختيارية .
ثم إنّه لو قطع يداً ـ أي كفّاً مشتملاً على الأصابع ـ لكن كان بعض الأصابع شللاً ، ففي محكيّ القواعد(1) وكشف اللثام(2) بل المبسوط(3) انّه لم يقتصّ من الجاني الصحيح الأصابع في الكفّ ، بل في أربع أصابع الصحيحة ، ويؤخذ منه ثلث دية اصبع صحيحة عوضاً عن الشلاء ، وحكومة ما تحتها وما تحت الأصابع الأربع من الكفّ .
أقول: قد ورد في هذا الفرع رواية حسن بن صالح المتقدّمة في المسألة السابقة ، فإن عملنا بتلك الرواية وقلنا بظهورها في نفي القصاص ، فاللاّزم الحكم بعدم ثبوت القصاص في الأصابع الصحيحة أيضاً ; لدلالتها عليه على هذا الفرض ، وإلاّ فلا دليل على عدم ثبوت القصاص حتّى في الكفّ أيضاً ، لأنّ كون بعض الأصابع شلاّء لا يقتضي صدق كون اليد كذلك ، والمأخوذ في الفتوى والنصّ المتقدّم وهي رواية سليمان بن خالد هو اليد الشلاّء .
وأمّا الترديد في المتن في أصل القصاص في اليد في هذه الصورة فلعلّ منشأه الترديد في العمل برواية ابن صالح أو الترديد في شمول رواية ابن خالد ، فتدبّر .
(1) قواعد الأحكام: 2 / 303 .
(2) كشف اللثام: 2 / 471 .
(3) المبسوط : 7 / 84 ـ 85 .
(الصفحة369)
مسألة 6 ـ يعتبر التساوي في المحلّ مع وجوده ، فتقطع اليمين باليمين واليسار باليسار ، ولو لم يكن له يمين وقطع اليمين قطعت يساره ، ولو لم يكن له يد أصلاً قطعت رجله على رواية معمول بها ولا بأس به ، وهل تقدّم الرجل اليمنى في قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى في اليد اليسرى أو هما سواء؟ وجهان ، ولو قطع اليسرى ولم يكن له اليسرى فالظاهر قطع اليمنى على إشكال ومع عدمهما قطع الرجل ، ولو قطع الرجل من لا رجل له فهل يقطع يده بدل الرجل؟ فيه وجه لا يخلو من إشكال ، والتعدّي إلى مطلق الأعضاء كالعين والأذن والحاجب وغيرها مشكل ، وإن لا يخلو من وجه ، سيّما اليسرى من كلّ باليمنى1.
ثمّ إنّك عرفت أنّ المستثنى هو خصوص الشلل ، وعليه فكون اليد المجنيّ عليها برصاء أو مجروحة أو ضعيفة في مقابل الأبطش لا يمنع عن ثبوت القصاص أصلاً .
1 ـ أمّا أصل اعتبار التساوي في المحلّ مع وجوده في الجملة فلا خلاف فيه ، بل ربّما ظهر من محكي الخلاف نفيه بين المسلمين(1) ، بل في كشف اللثام الاتّفاق عليه(2) ، وعليه فتقطع اليد اليمنى باليد اليمنى واليسرى باليسرى .
ولو لم يكن له يمين وقطع اليمين قطعت يساره ، كما عن الأكثر ، بل المشهور(3)، بل عن الخلاف والغنية إجماع الفرقة وأخبارهم(4) ، ولو لم يكن له يمين
(1) الخلاف: 5 / 193 مسألة 59 .
(2) كشف اللثام: 2 / 471 .
(3) النهاية: 771 ، الكافي في الفقه: 389 ، المهذّب: 2 / 479 ـ 480 ، مختلف الشيعة: 9/403 ـ 404 مسألة 79 .
وقد نسب هذا الترتيب الشهيد الثاني في المسالك: 15 / 271 إلى الأكثر ، وقال الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ج14 / 111 : انّه مشهور .
(4) غنية النزوع: 410 .
(الصفحة370)
ولا يسار أصلاً قطعت رجله ، خلافاً للحلّي(1) والفخر(2) والشهيد الثاني في بعض كتبه(3) .
والدليل على الأمرين رواية حبيب السجستاني قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل قطع يدين لرجلين اليمينين ، قال: فقال: يا حبيب تقطع يمينه للذي قطع يمينه أولاً ، وتقطع يساره للرجل الذي قطع يمينه أخيراً ، لأنّه إنّما قطع يد الرجل الأخير ويمينه قصاص للرجل الأوّل . قال: فقلت إنّ عليّاً (عليه السلام) إنّما كان يقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى ، فقال: إنّما كان يفعل ذلك فيما يجب من حقوق الله ، فأمّا يا حبيب حقوق المسلمين فإنّه تؤخذ لهم حقوقهم في القصاص اليد باليد إذا كانت للقاطع يد (يدان) ، والرجل باليد إذا لم يكن للقاطع يد .
فقلت له: أوما تجب عليه الدية وتترك له رجله؟ فقال: إنّما تجب عليه الدية إذا قطع يد رجل وليس للقاطع يدان ولا رجلان ، فثمّ تجب عليه الدية ; لأنّه ليس له جارحة يقاص منها(4) .
وربّما يناقش في الرواية بضعف السند نظراً إلى أنّ المرادي وهو حبيب لا نصّ على توثيقه بل ولا على مدحه ، غاية ماوقع في ترجمته أنّه كان شارياً ورجع إلى الباقر والصادق (عليهما السلام) وانقطع إليهما(5) .
ولكنّ الظاهر أوّلاً إمكان توصيف الرواية بالصحّة ، نظراً إلى توصيف جماعة
(1) السرائر: 3 / 396 ـ 397 .
(2) إيضاح الفوائد: 4 / 573 ـ 574 .
(3) مسالك الأفهام: 15 / 272 .
(4) وسائل الشيعة: 19 / 131 ، أبواب قصاص الطرف ب 12 ح2 .
(5) انظر رجال الكشي: 347 ، الرقم 646 .
(الصفحة371)
من الأصحاب الرواية بالصحّة ، كما عن المختلف(1) والإيضاح(2) والمهذب البارع(3) والتنقيح(4) ، بل في الروضة(5) نسبة وصفها بذلك إلى الأصحاب ، بل عن الوحيد البهبهاني (قدس سره) المتبحّر خصوصاً في الحديث والرجال عن جدّه أنّه حكم بأنّه ثقة(6) .
وثانياً انجبار الضعف على تقديره بالفتوى على طبقها والاستناد إليها من المشهور ، بل في الجواهر: لم نعثر على رادّ له غير الحلّي(7) وثاني الشهيدين في بعض المواضع(8) ،(9) بناء على مبناهما في باب خبر الواحد . وعليه فلا محيص عن الأخذ بالرواية والفتوى على طبقها في الانتقال من اليد اليمنى إلى اليسرى مع عدم اليمنى ، وفي الإنتقال إلى الرجل مع عدم اليد رأساً .
ثم انّه هل تقدّم الرجل اليمنى في قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى في اليد اليسرى ، أو هما معاً سواء؟ فيه وجهان كما في المتن : من أنّ مقتضى رعاية المماثلة في القصاص بعد تعذّر اليد على ما هو المفروض اعتبار اليمينية واليسارية ، ومن أنّ مقتضى إطلاق رواية حبيب الدالّة على الانتقال إلى الرجل في مورد تعذّر اليد عدم
(1) مختلف الشيعة: 9 / 404 مسألة 79 .
(2) إيضاح الفوائد: 4 / 573 .
(3) المهذّب البارع: 5 / 173 .
(4) التنقيح الرائع: 4 / 422 .
(5) الروضة البهية: 10 / 78 .
(6) حكى عنه في مفتاح الكرامة: 11 / 136 ، بل حكاه في تعليقة منهج المقال: 91 عن خاله .
(7) السرائر: 3 / 397 .
(8) مسالك الأفهام: 15 / 272 .
(9) جواهر الكلام: 42 / 352 ، وكذا في رياض المسائل: 10 / 279 .
(الصفحة372)
الاعتبار ، كما لا يخفى .
هذا ، ولو قطع اليد اليسرى ولم يكن للقاطع اليد اليسرى فهل يقتصّ منه في اليد اليمنى أم لا؟ الظاهر نعم ، لأنّه مع عدم الاقتصاص في اليد اليمنى فاللاّزم أنّه إمّا أن يقال : بثبوت الدية ، وإمّا أن يقال : بالانتقال إلى الرجل ، وكلاهما مخالفان لظاهر رواية حبيب ; لدلالة ذيلها على أنّ الانتقال إلى الدية إنّما هو فيما إذا لم يكن للقاطع جارحة يقاصّ منها ، ودلالة صدرها على أنّ الانتقال إلى الرجل إنّما هو فيما إذا لم يكن للقاطع يد ، وعليه فلا مجال للإشكال كما في المتن ، خصوصاً مع قوله (عليه السلام) فيها: «اليد باليد إذا كان للقاطع يد» ، وما في بعض النسخ من قوله (عليه السلام) : «يدان»(1) لا دلالة له على شيء ، خصوصاً مع التصريح بعده بأنّ الانتقال إلى الرجل إنّما هو فيما إذا لم يكن للقاطع يد . وممّا ذكرنا ظهر أنّ الانتقال إلى الرجل في هذه الصورة مع عدم اليدين لا شبهة فيه أصلاً .
ولو قطع الرِجل من لا رِجل له فهل تقطع يده بدل الرِجل؟ الظاهر هو القطع أيضاً لثبوت الجارحة التي يقاصّ منها في هذه الصورة ، مضافاً إلى دعوى الأولوية لكون آثار الرجل أكثر من آثار اليد ، فتدبّر .
ثم إنّه هل يتعدّى ما ذكر إلى سائر الأعضاء كالعين والأذن والحاجب ونحوها أم لا؟ والتحقيق أن يقال : إنّ المراد بالتعدّي إن كان هو التعدّي في هذه الأعضاء من كلّ من اليمنى إلى اليسرى وبالعكس ، بحيث تقلع العين اليسرى بالعين اليمنى مثلاً مع عدمها في القاطع . فالظاهر أنّ مقتضى مشروطية اعتبار التساوي في المحلّ بوجوده وإمكانه ذلك ، فإنّه مع عدم العين اليمنى لا يبقى مجال لاعتبار التساوي حينئذ ، إلاّ أن
(1) التهذيب : 10 / 259 ح1022 .
(الصفحة373)
مسألة 7 ـ لو قطع أيدي جماعة على التعاقب قطعت يداه ورجلاه بالأوّل فالأوّل ، وعليه للباقين الدية ، ولو قطع فاقد اليدين والرجلين يد شخص أو رجله فعليه الدية1.
مسألة 8 ـ يعتبر في الشجاج التساوي بالمساحة طولاً وعرضاً ، قالوا: ولا يعتبر عمقاً ونزولاً ، بل يعتبر حصول إسم اشجّة ،وفيه تأمّل وإشكال . والوجه التساوي
يقال بعدم الدليل عليه بالنحو الكلّي وفي جميع الأعضاء . لكن ظاهر الجواهر(1) نفي الخلاف فيه بهذا النحو . وتؤيده رواية السجستاني ، مضافاً إلى قوله تعالى: {العَينَ بِالعَينِ}(2) وإن كان إطلاقه محل تأمّل وإشكال .
وإن كان المراد التعدّي إلى العضو الآخر بما أنّه ، كما يتحقّق الانتقال من اليد إلى الرجل كذلك ، يمكن دعوى الانتقال من العين إلى عضو آخر ، فالظاهر أنّه لم يقل به أحد من الأصحاب .
وممّا ذكرنا ظهر أنّ جعل التعدّي بهذا النحو غير خال عن الوجه كما في المتن ممّا لا وجه له أصلاً .
1 ـ الوجه في الفرع الأوّل هي رواية حبيب المتقدّمة في المسألة الأُولى الدالّة على قطع اليد اليمنى أو اليسرى باليد المقطوعة أوّلاً ، والأُخرى باليد المقطوعة ثانياً ، والرِجل بالثالث ، والرجل الأُخرى بالرابع ، والانتقال إلى الدية في الباقي ، كما أنّ مقتضاها ثبوت الدية في الفرع الثاني .
(1) جواهر الكلام: 42 / 353 .
(2) المائدة 5 : 45 .
(الصفحة374)
مع الإمكان ، ولو زاد من غير عمد فعليه الأرش ، ولو لم يمكن إلاّ بالنقص لا يبعد ثبوت الأرش في الزائد على تأمّل . هذا في الحارصة والدامية والمتلاحمة ، وأمّا في السمحاق والموضحة فالظاهر عدم اعتبار التساوي في العمق ، فيتقصّ المهزول من السمين إلى تحقّق السمحاق والموضحة1.
1 ـ قد ادّعي الإجماع(1) على عدم اعتبار العمق والنزول ، بل في محكيّ الرياض أنّ عليه الاتفاق على الظاهر المصرّح به في جملة من العبائر(2) ، واستدلّ عليه بتفاوت الرؤوس في السمن والهزال وغلظ الجلد ورقته على وجه لو اعتبر انتفى القصاص ، فقطع النظر عنه كما قطع عن الصغر والكبر في الأعضاء .
وظاهره كون الحكم على وفق القاعدة ، وعليه فلا تبقى أصالة للإجماع على تقدير تحقّقه وثبوته .
ولكنّ الظاهر ـ كما في المتن ـ هو التفصيل بين «الحارصة» وهي التي تقشر الجلد شبه الخدش من غير إدماء ، و«الدامية» وهي التي تدخل في اللحم يسيراً ويخرج معه الدم ، و«المتلاحمة» وهي التي تدخل في اللحم كثيراً ، ولكن لم تبلغ مرتبة السمحاق ، وبين «السمحاق» وهي التي تقطع اللّحم وتبلغ الجلدة الرقية المغشية للعظم ، و«الموضحة» وهي التي تكشف عن وضح العظم ، أي بياضه .
والوجه فيه أنّه في العناوين الثلاثة الأُولى يكون اعتبار الجناية من جهة شروعها وبدئها ، وفي العنوانين الآخرين من جهة انتهائها وآخرها ، وعليه فلا مجال لاعتبار التساوي في العمق فيهما بعد كون الملاك هو البلوغ إلى الجلدة الرقيقة
(1) نسب الاجماع في جواهر الكلام: 42 / 354 إلى ظاهر كشف اللثام: 2 / 479 ومفاتيح الشرائع: 2/131 .
(2) رياض المسائل: 10 / 354 .
(الصفحة375)
مسألة 9 ـ لا يثبت القصاص فيما فيه تغرير بنفس أو طرف ، وكذا فيما لا يمكن الاستيفاء بلا زيادة ولا نقيصة كالجائفة والمأمومة ، ويثبت في كلّ جرح لا تعزير في أخذه بالنفس وبالطرف وكانت السلامة معه غالبة ، فيثبت في الحارصة والمتلاحمة والسمحاق والموضحة ، ولا يثبت في الهاشمة ولا المنقلة ولا لكسر شيء من العظام ، وفي رواية صحيحة: إثبات القود في السنّ والذراع إذا كسرا عمداً ، والعامل بها قليل1.
أو الكشف عن بياض العظم ، وأمّا غيرهما من العناوين الثلاثة الأولى ففي صورة الإمكان لا مانع من اعتبار التساوي في العمق; لعدم كون تفاوت الرؤوس مانعاً عن رعايته ، ولو زاد من غير عمد فعليه الأرش .
ولو لم يمكن إلاّ بالنقص فلا يبعد ثبوت الأرش ، كما ذكروا نظيره في المساحة طولاً ، من أنّه لابدّ من اعتبار التساوي فيه وإن استلزم استيعاب رأس الجاني لصغره ، ولا يكمل الزائد من القفا ولا من الجبهة ، بل يقتصر على ما يحتمله العضو ، ويأخذ للزائد بنسبة المتخلف إلى أصل الجرح من الدية ، والتأمّل في الثبوت إنّما هو بلحاظ كون اعتبار التساوي في العمق إنّما هو في صورة الإمكان ، ومع عدمه يسقط الاعتبار رأساً ، فلا وجه لثبوت الأرش ، فتدبّر .
1 ـ لا خفاء في أنّ مقتضى قوله تعالى: {وَالجُرُوحَ قِصَاصٌ}(1) ثبوت القصاص في جميع موارد ثبوت الجراحة في الأعضاء ، ويدلّ عليه أيضاً موثقة إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) فيما كان من جراحات الجسد
(1) المائدة 5 : 45 .
(الصفحة376)
أنّ فيها القصاص ، أو يقبل المجروح دية الجراحة فيعطاها(1) .
ورواها في الوسائل أيضاً بعنوان رواية اُخرى ، مع وضوح عدم تعدّدها كما هو واضح . والمصرِّح بثبوت القصاص كذلك ابن حمزة في الوسيلة(2) المصرِّح بثبوت القصاص في الهاشمة والمنقلة ، والمراد بالأولى ما تهشم العظم وتكسره ، وبالثانية على تفسير جماعة ما تحوج إلى نقل العظام من موضع إلى غيره .
ولكنّ الظاهر بملاحظة وجوب التحفّظ على النفس المحترمة وكذا الطرف عدم ثبوت القصاص فيما فيه تغرير بإحداهما وإلقائها في الخطر والتّلف ، لتعذّر استيفاء الحقّ حينئذ ، فاللاّزم الانتقال إلى الدية ، وكذا فيما لا يمكن الاستيفاء بلا زيادة ولا نقيصة ، كالجائفة التي تصل إلى الجوف من أيّ جهة ، سواء كانت بطناً أو صدراً أو ظهراً أو جنباً ، والمأمومة وهي التي تبلغ أمّ الرأس ـ أي الخريطة التي تجمع الدماغ ـ والوجه فيه مدخلية المماثلة في مفهوم القصاص ومعناه ، ومع تعذّر الاستيفاء بلا زيادة ولا نقيصة يتعذّر القصاص لا محالة ، فلا وجه لثبوته .
وقد ورد في مقطوعة أبان: الجائفة ما وقعت في الجوف ليس لصاحبها قصاص إلاّ الحكومة ، والمنقلة تنقل منها العظام وليس فيها قصاص إلاّ الحكومة ، وفي المأمومة ثلث الدية ليس فيها قصاص إلاّ الحكومة(3) .
نعم في صحيحة أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن السنّ والذراع يكسران عمداً ، لهما أرش أو قود؟ فقال: قود ، قال : قلت: فإن أضعفوا الدية؟ قال:
(1) وسائل الشيعة: 19 / 132 ، أبواب قصاص الطرف ب 13 ح3 و5 .
(2) الوسيلة: 444 ـ 445 .
(3) وسائل الشيعة: 19 / 135 ، أبواب قصاص الطرف ب 16 ح1 .
(الصفحة377)
مسألة 10 ـ هل يجوز الاقتصاص قبل اندمال الجناية؟ قيل: لا ، لعدم الأمن من السراية الموجبة لدخول الطرف في النفس ، والأشبه الجواز . وفي رواية : لا يقضى في شيء من الجراحات حتّى تبرأ ، وفي دلالتها نظر ، والأحوط الصبر سيّما فيما لا يؤمن من السراية ، فلو قطع عدّة من أعضائه خطأ هل يجوز أخذ دياتها ولو كانت أضعاف دية النفس أو يقتصر على مقدار دية النفس حتّى يتّضح الحال ، فإن اندملت أخذ الباقي وإلاّ فيكون له ما أخذ لدخول الطرف في النفس؟ الأقوى جواز الأخذ ووجوب الإعطاء ، نعم لو سرت الجراحات يجب إرجاع الزائد على النفس1.
إن أرضوه بما شاء فهو له(1) . ولكنّها لم يعمل بها غير الشيخين(2) .
1 ـ في هذه المسألة فرعان ، أحدهما وارد في القصاص ، والآخر في الدية ، وتفريع الثاني على الأوّل كما في المتن لا مجال له ، كما سيأتي .
أمّا القصاص فالقائل بعدم جوازه قبل الاندمال هو الشيخ (قدس سره) في محكي المبسوط(3) ، واستدلّ عليه باحتمال تحقّق السراية في المجنيّ عليه الموجبة لتلف النفس ، ويترتّب عليه دخول قصاص الطرف في قصاص النفس . وفي المتن تبعاً للمحقّق في الشرائع(4) أنّ الأشبه الجواز ، والوجه فيه إنّ مقتضى إطلاق قوله تعالى: {وَالجُرُوحَ قِصَاصٌ} عدم لزوم الانتظار إلى الاندمال ، ودخول قصاص الطرف في
(1) وسائل الشيعة: 19 / 132 ، أبواب قصاص الطرف ب 13 ح4 .
(2) المقنعة: 761 ، النهاية: 772 ، وكذا ابن زهرة في غنية النزوع: 409 ، وظاهرهم العمل بهذه الرواية فيما إذا كان المكسور شيئاً لا يرجى صلاحه .
(3) المبسوط : 7 / 75 .
(4) شرائع الإسلام: 4 / 1008 .
(الصفحة378)
قصاص النفس على ما تقتضيه الرواية ليس يرجع إلى كون السراية الموجبة لتلف النفس كاشفة عن عدم تأثير الجناية على الطرف في ثبوت القصاص ، بحيث كان مرجعه إلى تخصيص عموم {وَالجُرُوحَ قِصَاصٌ} بصورة السراية المذكورة . بل كان مرجعه إلى سقوط القصاص بالنسبة إلى الطرف بعد ثبوت قصاص النفس ، فقصاص النفس بمنزلة المسقط لذلك القصاص .
ومن الواضح إنّ احتمال تحقّق المسقط في الاستقبال لا يمنع عن استيفاء الحقّ في لحال ، بل العلم بذلك أيضاً لا يكون مسقطاً ، وعليه فمقتضى القاعدة الجواز ، وأمّا الرواية فهي معتبرة إسحاق بن عمّار ، عن جعفر (عليه السلام) ، إنّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول: لا يقضى في شيء من الجراحات حتّى تبرأ(1) . ولكنّه تنظّر في دلالتها في المتن ، لأجل احتمال كون المراد منها انتظار حال البرء ، لأجل احتمال سعة دائرة الجناية لا لأجل احتمال السراية الموجبة لتلف النفس ، ولكن في أصل المسألة شيء ، وهو أنّ مسألة دخول قصاص الطرف في قصاص النفس مفروضة في غير مورد السراية ، وهو ما لو كانت هناك جنايات متعدّدة بعضها في الطرف ، وبعضها في النفس ، ولا يشمل ما إذا كان في البين جناية واحدة مسرية إلى النفس .
هذا في الفرع الأوّل ، وأمّا الفرع الثاني فكذلك أيضاً ، فلو قطع عدّة من أعضائه خطأً يجوز أخذ دياتها ولو كانت أضعاف دية النّفس ، ولا يقتصر على مقدار دية النفس ، كما عن جماعة ، منهم : الشيخ في المبسوط(2) . وقال المحقّق في الشرائع : إنّه أولى ، لأنّ دية الطرف تدخل في دية النفس وفاقاً(3) ، وذلك لأنّ الوفاق المذكور
(1) وسائل الشيعة: 19 / 211 ، كتاب الديات ، أبواب موجبات الضمان ب 42 ح2 .
(2) المبسوط: 7 / 81 ـ 82 .
(3) شرائع الإسلام: 4 / 1008 .
(الصفحة379)
مسألة 11 ـ إذا أريد الاقتصاص حلق الشعر عن المحلّ إن كان يمنع عن الاستيفاء أو الاستيفاء بحدّه ، وربط الجاني على خشبة أو نحوها بحيث لا يتمكّن من الاضطراب ، ثم يقاس بخيط ونحوه ، ويعلم طرفاه في محلّ الاقتصاص ، ثمّ يشقّ من إحدى العلامتين إلى الأُخرى ، ولو كان جرح الجاني ذا عرض يقاس العرض أيضاً ، وإذا شقّ على الجاني الاستيفاء دفعة يجوز الاستيفاء بدفعات ، وهل يجوز ذلك حتّى مع عدم رضا المجني عليه؟ فيه تأمّل1.
مسألة 12 ـ لو اضطرب الجاني فزاد المقتصّ في جرحه لذلك فلا شيء عليه، ولو زاد بلا اضطراب أو بلا استناد إلى ذلك ، فإن كان عن عمد يقتصّ منه وإلاّ فعليه الدية أو الأرش ، ولو ادّعى الجاني العمد وأنكره المباشر فالقول قوله ، ولو ادّعى المباشر الخطأ وأنكر الجاني قالوا: القول قول المباشر ، وفيه تأمّل2.
لا يقتضي الاقتصار لعين ما ذكرنا في الاقتصاص من عدم كونه كاشفاً بل مسقطاً ، وعليه فيجوز الأخذ ، نعم لو سرت الجراحات يجب إرجاع الزائد على النفس ، كما هو ظاهر .
1 ـ كان اللاّزم التعرّض للعمق أيضاً لاعتباره في غير الشجاج بلا خلاف ، وفيه أيضاً على مختار المتن في صورة الإمكان ، وطريقه التعيين في الآلة ووضع العلامة فيها والنزول إلى حدّها ، والوجه في التأمّل في جواز الاستيفاء بدفعات مع عدم رضا المجنيّ عليه أنّ التأخير منوط بنظره ، والدفعات غير لازمة ، واستلزام الدفعة للمشقّة لا يمنع عنها بوجه ، كما لا يخفى .
2 ـ الوجه في عدم ثبوت شيء على المقتصّ مع استناد الزيادة إلى الاضطراب
(الصفحة380)
مسألة 13 ـ يؤخَّر القصاص في الطرف عن شدّة الحرّ والبرد وجوباً إذا خيف من السراية ، وإرفاقاً بالجاني في غير ذلك ، ولو لم يرض في هذا الفرض المجنيّ عليه ففي جواز التأخير نظر1.
مسألة 14 ـ لا يقتصّ إلاّ بحديدة حادّة غير مسمومة ولا كالّة مناسبة لاقتصاص مثله ، ولا يجوز تعذيبه أكثر ممّا عذبه . فلو قلع عينه بآلة كانت سهلة في القلع لا يجوز قلعها بآلة كانت أكثر تعذيباً ، وجاز القلع باليد إذا قلع الجاني بيده أو كان القلع بها أسهل ، والأولى للمجني عليه مراعاة السهولة وجاز له المماثلة . ولو تجاوز واقتصّ بما هو موجب للتعذيب وكان أصعب ممّا فعل به فللوالي تعزيره ولا شيء عليه ، ولو جاوز بما يوجب القصاص اقتصّ منه أو بما يوجب الأرش أو الدية أخذ منه2.
عدم إضافتها في هذا الفرض إلى المقتصّ ، فلا يقاس بالجناية الخطائية التي يكون الاستناد فيها إلى الجاني ، غاية الأمر صدورها خطأً .
والوجه في التأمّل في الذيل كون الأظهر في تشخيص عنواني المدّعي والمنكر المراجعة إلى العرف الذين هم المرجع في العناوين المأخوذة في موضوعات الأحكام ، وعليه فالظاهر كون المباشر في هذه الصورة مدّعياً وعليه البيّنة .
1 ـ أمّا وجوب التأخير مع خوف السراية فلأجل لزوم رعاية المماثلة في القصاص بحيث لا تتحقّق السراية ، فمع خوفها فاللاّزم هو التأخير ، ومع عدم الخوف لا مجال للوجوب بعد ثبوت الحقّ وإرادة المجنيّ عليه الاستيفاء ، خصوصاً مع أنّه ربّما يكون في التأخير آفة .
2 ـ قد مرّ في المسألة الحادية عشر من مسائل كيفية الاستيفاء في قصاص
|
|