قرآن، حديث، دعا |
زندگينامه |
کتابخانه |
احكام و فتاوا |
دروس |
معرفى و اخبار دفاتر |
ديدارها و ملاقات ها |
پيامها |
فعاليتهاى فرهنگى |
کتابخانه تخصصى فقهى |
نگارخانه |
اخبار |
مناسبتها |
صفحه ويژه |
|
(الصفحة281)
بالاحتلام; وهو أشدّه(1) .
ومنها : رواية عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سأله أبي وأنا حاضر عن قول الله تعالى : {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ}(2) قال : الاحتلام(3) .
ومنها : الرواية النبويّة التي رواها الفريقان ، بل عن ابن إدريس أنّه مجمع على روايته(4) : رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتّى يحتلم ، وعن المجنون حتّى يفيق ، وعن النائم حتّى ينتبه(5) .
ومنها : رواية ابن ظبيان المروية في الخصال قال : اُتي عمر بامرأة مجنونة قد زنت ، فأمر برجمها ، فقال عليّ (عليه السلام) : أما علمت أنّ القلم رفع عن ثلاثة: عن الصبي حتّى يحتلم ، وعن المجنون حتّى يفيق ، وعن النائم حتّى يستيقظ(6) .
ومنها : الرواية المرويّة في الفقيه عن حمّاد بن عمرو وأنس بن محمّد ، عن أبيه جميعاً ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه (عليهم السلام) ـ في وصيّة النبيّ (صلى الله عليه وآله) لعليّ (عليه السلام) ـ قال: يا عليّ لا يُتم بعد احتلام(7) .
قال في الجواهر : وهو أيضاً من الأحاديث المشهورة المتلقّاة بالقبول(8) .
(1) الكافي : 7/68 ح2 ، الفقيه: 4/163 ح569 ، تهذيب الأحكام: 9/183 ح737 ، وعنها الوسائل: 18/409 ، كتاب الحجر ب1 ح1 وج 19/363 ، كتاب الوصايا ب44 ح9 .
(2) سورة الأحقاف: 46/15 .
(3) تهذيب الأحكام: 9/182 ح731 ، وعنه الوسائل: 19/363 ، كتاب الوصايا ب44 ح8 .
(4) السرائر: 3/18 .
(5) السنن الكبرى للبيهقي: 8/409 ح11493 وص471 ح11644 و ج 9/234 ح12400 .
(6) الخصال: 93 ح40 و ص175 ح233 ، وعنه الوسائل: 1/45 ، أبواب مقدّمة العبادات ب4 ح11 .
(7) الفقيه: 4/260 ح1 ، وعنه الوسائل: 1/45 ، أبواب مقدّمة العبادات ب4 ح9 .
(8) جواهر الكلام: 26/11 .
(الصفحة282)
ومنها : مرسلة الفقيه أيضاً: على الصبي إذا احتلم الصيام ، وعلى المرأة إذا حاضت الصيام(1) .
ومنها : رواية طلحة بن يزيد ، عن الصادق (عليه السلام) قال : إنّ أولاد المسلمين موسومون عند الله ـ عزّوجلّ ـ شافع ومشفّع ، فإذا بلغوا اثنتي عشرة سنة كتبت لهم الحسنات ، فإذا بلغوا الحلم كتبت عليهم السيّئات(2) .
ومنها: غير ذلك من النصوص .
ولا يقدح تعبير بعضها بالاحتلام الذي يكون معناه هو الرؤية في المنام; سواء خرج المني أم لا ، بل المراد هو خروج المني; سواء كان في اليقظة أو النوم ، بالجماع أو بغيره ، ولعلّه لذا جعل الحمل دليلاً على سبق الحمل في الاُنثى; لكونه مسبوقاً بخروج المني ، وقد عرفت أنّه قد عبّر عن البلوغ في قوله تعالى : {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} ، مع أنّه لو كان المراد الاحتلام لزم أن لا يتحقّق البلوغ في الرجال ما لم يتحقّق الاحتلام وإن نكحوا وصاروا ذا ولد ، وهو واضح البطلان ، بل في الجواهر أنّه قد يقوى كون العلامة الاستعداد لخروج المني بالقوّة القريبة من الفعل ، وذلك بتحريك الطبيعة والإحساس بالشهوة; سواء انفصل المني منه من الموضع المعتاد أم لم ينفصل ، لكن بحيث لو أراد ذلك بالوطء أو الاستمناء تيسّر له ذلك(3) .
ويؤيّده أنّه قد يصل إلى حدّ الخروج في النوم ولكن يمنع عن خروجه بعد اليقظة ، وكون الفعليّة شرطاً لوجوب الغسل لا يستلزم كونه في البلوغ كذلك ، وعن المفسّرين أنّ المراد بقوله تعالى : {بَلَغُوا النِّكَاحَ} شهوة الوطء والقدرة على
(1) الفقيه: 2/76 ح333 ، وعنه الوسائل: 1/45 ، أبواب مقدّمة العبادات ب4 ح10 .
(2) الكافي: 6/3 ح8 ، التوحيد: 392 ح3 ، وعنهما الوسائل: 1/42 ، أبواب مقدّمة العبادات ب4 ح1 .
(3) جواهر الكلام: 26/11 .
(الصفحة283)
الإنزال(1) ، بل تكوّن الولد في الاُنثى لا يكاد يتحقّق معه الخروج إلى الخارج نوعاً .
هذا ، ولكن ربما يُشعر بعض العبارات بأنّ المعتبر هو الخروج الفعلي; لتقييده الخروج بكونه من الموضع المعتاد ، ولكن الظاهر أنّ المراد نفي اعتبار الخروج عن غير الموضع المعتاد بجرح أو مثله ، لا اعتبار الخروج الفعلي عنه ، ويؤيّده العبارة المحكيّة عن ثاني الشهيدين ، حيث قال : وإنّما اعتبر ذلك مع إطلاق الأدلّة; لوجوب حمل كلام الشارع على ما هو المعهود المتعارف ، خصوصاً وفي بعضها بلوغ النكاح(2) ، وإنّما يكون من المعتاد ، فلو خرج عن جرح ونحوه لم يعتدّ به(3) .
والجميع موهم اعتبار ذلك فيه كالغسل .
ثمّ إنّه ذكر في الجواهر أنّه يشترط في خروج المني كونه في الوقت المحتمل للبلوغ فلا عبرة بما ينفصل بصفته قبل ذلك كما صرّح بعض الأساطين(4) ، بل في التذكرة البلوغ منوط بخروج المني مع إمكانه باستكمال تسع سنين مطلقاً عند الشافعي(5)وعندنا في المرأة خاصّة ، وأمّا في جانب الذكر فما وقفت له على حدّ لأصحابنا ـ إلى أن قال : ـ لأنّ في النساء حدّة في الطبيعة وتسارعاً إلى الإدراك(6) (7) ، ونظيره ما حكي عن مسالك ثاني الشهيدين مع إضافة قوله : ولا يبعد أن يكون ـ أي في الذكر ـ ما بعد العشرة محتملاً(8) ، ويؤيّده مثل : خبر ابن القداح ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)
(1) مجمع البيان: 3/19 .
(2) سورة النساء: 4/6 .
(3 ، 4) مسالك الأفهام: 4/143 .
(5) روضة الطالبين: 3/466، المجموع: 14/148.
(6) تذكرة الفقهاء: 2/74 (ط الحجري) .
(7) جواهر الكلام: 26/13 .
(8) مسالك الأفهام: 4/143 .
(الصفحة284)
قال : يفرّق بين الغلمان والنساء في المضاجع إذا بلغوا عشر سنين(1) .
وخبره الآخر عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه (عليهم السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : الصبي والصبي ، والصبي والصبيّة ، والصبيّة والصبيّة يفرّق بينهم في المضاجع لعشر سنين(2) ، والظاهر عدم كونها رواية اُخرى ، بل هي الرواية الاُولى وإن كان بينهما الاختلاف في بعض الجهات .
ويؤيّد ما ذكر ما عن الفاضل الآبي من قوله : كلّ رواية دلّت على البلوغ فيما بين الخمسة عشر والعشر محمولة على ما إذا كان الغلام قد احتلم أو أنبت شعر العانة توفيقاً بين الروايات ، ولأنّ الاحتلام في تلك السنين قد يقع كثيراً ، ولقد شاهدنا مَن احتلم في ثلاث عشر سنة واثنى عشرة سنة(3) انتهى . والمحكي عن بعض الأفاضل(4) : أنّه ينبغي القطع بالإمكان في الثلاثة عشر فما فوقها; لقضاء العادة بالاحتلام في ذلك غالباً; ولما رواه المشايخ عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا بلغ أشدّه ثلاث عشرة سنة ودخل في الأربع عشرة وجب عليه ما وجب على المحتلمين ، احتلم أو لم يحتلم(5) .
وعن عيسى بن زيد، عنه أيضاً قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرّق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة(6).
(1) الكافي: 6/47 ح6 ، وعنه الوسائل: 21/461 ، كتاب النكاح ، أبواب أحكام الأولاد ب74 ح6 .
(2) الفقيه: 3/276 ح1310 ، وعنه الوسائل: 21/460 ، كتاب النكاح ، أبواب أحكام الأولاد ب74 ح2 .
(3) كشف الرموز: 1/552 ـ 553 و ج2/69 .
(4) الحاكي هو صاحب الجواهر في جواهر الكلام: 26/13 .
(5) الكافي: 7/69 ح7 ، وعنه الوسائل: 17/361 ، كتاب التجارة ، أبواب عقد البيع و شروطه ب14 ح3 .
(6) تهذيب الأحكام: 9/183 ح738 ، وعنه الوسائل: 19/364 ، كتاب الوصايا ب44 ح10 .
(الصفحة285)
والوجدان شاهد على أنّ الاحتلام في السنّ المخصوص إنّما هو بحسب الغالب ، وإلاّ فلا ينبغي الإشكال في إمكان تحقّقه قبل ذلك ، وسيأتي مزيد التحقيق في الأمر الثالث ، لكنّه ينبغي في ختام هذا الأمر الثاني من التنبيه على شيئين :
الأوّل : أنّه في صورة العلم بأنّ الخارج هو المنيّ الذي من شأنه إمكان التولّد منه ، فلا إشكال في لزوم الإتّكال على العلم ، ولا اعتبار بملاحظة أوصاف المني المشهورة ، وأمّا في صورة عدم العلم وحصول الاشتباه خصوصاً مع الوذي والمذي ، فلا إشكال في لزوم الرجوع إلى تلك الأوصاف; لإناطة الحكم بالجنابة ولزوم الغسل بها في صورة عدم العلم ، ومن المعلوم أنّه لا فرق بين المقامين من هذه الجهة ; لأنّ سبب الجنابة منحصر في الوطء وإنزال المني اتّفاقاً ، فإذا انتفى الأوّل تعيّن الثاني ، لكن في الجواهر : ويحتمل العدم ; لأنّ اعتبارها فيهما لا يستلزم اعتبارها في البلوغ; لجواز تقدّم الأسباب عليه ، ثمّ قال : لكنّه مبنيّ على إمكان خروج المني قبل البلوغ ، وفيه بحث بل منع; لأنّ الظاهر عدم تكوّنه إلاّ حال وصول الطفل إلى حدّ البلوغ ، كما يؤمى إليه إطلاق ما دلّ على أنّ خروجه علامة البلوغ من النصوص السابقة وغيرها(1) .
الثاني : الظاهر أنّه لا فرق في كون هذا الأمر الثاني كالأمر الأوّل علامة بين الذكر والاُنثى ، لكن الأمر في الذكر كما عرفت من أنّ الاحتلام في الزمان الذي يمكن البلوغ فيه ـ وهو ما بعد العشر سنين إلى خمسة عشر ـ علامة على البلوغ . وأمّا المرأة فالكلام فيها يقع في مقامين :
المقام الأوّل : في إمكان تحقّق الاحتلام من المرأة مطلقاً .
(1) جواهر الكلام: 26/14 .
(الصفحة286)
المقام الثاني : في إمكان تحقّقه منها قبل تسع سنين بعد الفراغ عن إمكانه فيها بعد التسع ، لكنّه لا يجدي ; لأنّ التسع بلوغ المرأة من حيث السنّ ، فالاحتلام بعده لا يفيد لمسبوقيّة السنّ .
أمّا الكلام في المقام الأوّل : فالمحكي عن التذكرة الاحتلام: خروج المني; وهو الماء الدافق الذي يخلق منه الولد ، بلوغ في الرجل والمرأة عند علمائنا أجمع ، ولا نعلم فيه خلافاً في الذكور ، وهو في النساء كذلك ، وللشافعي قول : بأنّ خروج المني من النساء لا يوجب بلوغهنّ; لأنّه نادر فيهنّ(1) ساقط العبرة . قال : وإطباق أكثر العلماء على خلاف هذا(2) ، لكن يظهر من الجواهر أنّه يلوح من جملة من الكتب الفقهية القديمة والمتوسطة(3) الموافقة للشافعي ، ووجّهه بأنّ ما ذكره من الندرة فيهنّ ، وأنّه لا يحصل إلاّ بعد العلم ببلوغ التسع ، جعل للاقتصار عليه في الرجال وجهاً وجيهاً ، قال : فإجماع التذكرة ممّا يشهد التتبّع مع التأمّل بصحّته ، فهو الحجّة ، مضافاً إلى عموم {وَابْتَلُوا} إلى آخره(4) ، و«لا يُتم بعد احتلام»(5) وأصالة الاشتراك في الأحكام ما لم يثبت خلافه ـ إلى أن قال : ـ وإلى ما عن الشيخ(6) والفاضل(7) من أنّهما استدلاّ عليه بما روي من أنّ اُمّ سلمة سألته عن المرأة ترى في منامها ما يرى
(1) المجموع شرح المهذّب: 14/148 ، روضة الطالبين: 3/466 ، مغني المحتاج: 2/166 .
(2) تذكرة الفقهاء: 2/74 (ط الحجري) .
(3) كالنهاية: 612 ، والمبسوط: 1/266 ، والمهذّب: 2/119 ـ 1120 ، والوسيلة: 137 و 301 ، والسرائر: 2/119 .
(4) سورة النساء: 4/6 .
(5) الفقيه: 4/260 ح1، وعنه الوسائل: 1/45، أبواب مقدّمة العبادات ب4 ح9.
(6) المبسوط: 2/282 .
(7) تذكرة الفقهاء: 2/74 (ط الحجري) .
(الصفحة287)
الرجل ، فقال : إذا رأت ذلك فلتغتسل(1) ، بناءً على استفادة الفوريّة المقتضية لثبوت التكليف المشروط بالبلوغ ، لا مجرّد السببية غير المنافية لعدم حصول البلوغ(2) . وقد صرّح صاحب العروة بأنّ القول بعدم احتلامهنّ ضعيف(3) .
وأمّا الكلام في المقام الثاني . فظاهر الكلمات التسوية بين الرجل والمرأة في علامتيّة الأمرين المتقدّمين ، وعليه فيمكن حصول الاحتلام من المرأة قبل التسع ، وإطلاق رواية اُمّ سلمة المتقدِّمة يدلّ على ذلك . نعم ، لا ينبغي الارتياب في ندرة ذلك أكثر من الندرة بعد التسع ، كما عرفت في توجيه كلام الشافعي .
الأمر الثالث: من الاُمور التي يُعرف بها البلوغ السنّ ; وهو بلوغ خمس عشرة سنة للذكر على المشهور بين الأصحاب شهرة محقّقة كادت أن تكون إجماعاً كما اعترف به في محكي المسالك(4) ، بل نقلها مستفيض أو متواتر كما في الجواهر(5) .
والظاهر أنّ مراد جميع من عبّر بالبلوغ خمس عشرة سنة هو إكمال السنة المذكورة ، لا مجرّد الدخول فيها وإن لم يتحقّق كمالها ، واللازم ملاحظة الروايات الواردة في هذا المجال ، لكن ينبغي بل يلزم التنبيه على أمر; وهو أنّ كلمة البلوغ هل هي موضوع شرعيّ ، أو عرفي ؟ وعلى الأوّل; فهل هو من الموضوعات العرفيّة الصرفة ، كالماء والتراب والحنطة والشعير ونحوها ، أم من الموضوعات العرفيّة المستنبطة التي يكون للشارع دخل في بيانها وتعيين حقيقتها الذي يبدو في النظر أنّ
(1) المسند لأحمد بن حنبل: 4/396 ح13053 وص 563 ح14012 و ج10/200 ح26675 ، و المصنّف لعبد الرزاق: 1/283 ـ 284 ح1094 و 1095 .
(2) جواهر الكلام: 26/15 .
(3) العروة الوثقى : 1/183 مسألة 646 .
(4) مسالك الأفهام: 4/144 .
(5) جواهر الكلام: 26/16 .
(الصفحة288)
كلمة البلوغ بإطلاقها لم تكن مستعملة في كلام الشارع ، وفي مثل قوله تعالى : {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ}(1) أو {وَإذا بَلَغَ الأَطْفَالا مِنْكُمُ الحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا}(2)؟ لا إشكال في أنّ المراد بالبلوغ فيه هو البلوغ بمعناه اللغوي; لأنّ البلوغ الشرعي يستفاد من البلوغ المضاف إلى النكاح أو الحلم .
وأمّا الروايات ، فالتعبير فيها بين قوله : رفع القلم عن الصبي حتّى يحتلم ، أو لا يتم بعد احتلام(3) ، وأمثال ذلك ، وليس فيها التعبير بالبلوغ بعنوانه ، وعليه فيحتمل قويّاً أن يكون البلوغ له معنى عرفيّ ، والأمارات الثلاثة المجعولة من قبل الشارع أمارات شرعية لهذا الأمر العرفي الذي يكون مختلفاً حسب اختلاف المناطق أو اختلاف الأفراد ، والسرّ في جعل الأمارة الشرعيّة لهذا الأمر العرفي خفاؤه على نفس العرف ، ولا أقلّ بحسب الاختلاف المذكور ، نظير جعل الأمارة الشرعيّة على العدالة التي هو أمر شرعي; لأجل خفائها وكونها من الاُمور الباطنية والملكات النفسانية .
ولعلّ التعبير بالبلوغ اقتباس من الأمارة االثالثة التي هي بلوغ السنّ المذكور ، أو من مثل الآيتين المذكورتين ، وإلاّ فقد عرفت عدم وقوع هذا العنوان بإطلاقه في شيء من الأدلّة الشرعيّة ، لكن الأمر سهل بعد عدم ترتّب ثمرة مهمّة على هذا البحث; لعدم ثبوت قلم التكليف مع عدم شيء من الأمارات الثلاثة وثبوته مع وجود واحدة منها .
وكيف كان ، فالروايات الواردة في هذه العلامة كثيرة :
(1) سورة النساء: 4/6 .
(2) سورة النور: 24/59 .
(3) تقدّم في ص281 .
(الصفحة289)
منها : صحيحة ابن محبوب ، عن عبد العزيز العبدي ، عن حمزة بن حمران ، عن حمران قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) قلت له : متى يجب على الغلام أن يؤخذ بالحدود التامّة ، وتقام عليه ويؤخذ بها؟ فقال : إذا خرج عنه اليتم وأدرك ، قلت : فلذلك حدّ يُعرف به؟ فقال : إذا احتلم ، أو بلغ خمس عشرة سنة ، أو أشعر ، أو أنبت قبل ذلك اُقيمت عليه الحدود التامّة ، واُخذ بها واُخذت له ، قلت : فالجارية متى تجب عليها الحدود التامّة وتؤخذ بها ويؤخذ لها؟
قال : إنّ الجارية ليست مثل الغلام ، إنّ الجارية إذا تزوّجت ودُخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليُتم ، ودفع إليها مالها ، وجاز أمرها في الشراء والبيع ، واُقيمت عليها الحدود التامّة ، واُخذ لها بها ، قال : والغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع ، ولا يخرج من اليُتم حتّى يبلغ خمس عشرة سنة ، أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك(1) .
والإشكال في حمزة مندفع بكونه من آل أعين المعلوم جلالتهم وعلوّ شأنهم في الشيعة كثير الرواية (قدس سره) ، مع أنّ رواية جماعة من الأجلاّء عنه تكشف عن وثاقته وإن لم يكن مصرّحاً بها ، وقد ذكرنا نظير ذلك في صحيحة عبدالله بن أبي يعفور المشهورة الواردة في تعريف العدالة وبيان الأمارة الشرعيّة عليها(2) ، وبمثله يرتفع الإشكال عن عبد العزيز غير المصرّح بوثاقته .
ومنها : رواية يزيد الكناسي ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : الجارية إذا بلغت تسع سنين ذهب عنها اليُتم ، وزوّجت ، واُقيمت عليها الحدود التامّة ، لها وعليها . قال :
(1) الكافي: 7/197 ح1 ، مستطرفات السرائر: 86 ذح34 ، وعنهما الوسائل: 1/43 ، أبواب مقدّمة العبادات ب4 ح2 .
(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الاجتهاد والتقليد ، أوائل مسألة 29 .
(الصفحة290)
قلت : الغلام إذا زوّجه أبوه ودخل بأهله وهو غير مدرك أتقام عليه الحدود وهو على تلك الحال؟ قال : فقال : أمّا الحدود الكاملة التي يؤخذ بها الرجال فلا ، ولكن يجلد في الحدود كلّها على مبلغ سنّه ، فيؤخذ بذلك ما بينه وبين خمس عشرة سنة ، ولا تبطل حدود الله في خلقه ، ولا تبطل حقوق المسلمين بينهم(1) . والظاهر أنّ روايته الاُخرى(2) متّحدة مع هذه الرواية ، ولا تكون رواية اُخرى كما أشرنا إليه مراراً .
ومنها : صحيحة ابن وهب ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) : في كم يؤخذ الصبي بالصيام؟ قال : ما بينه وبين خمس عشرة سنة وأربع عشرة سنة ، فإن هو صام قبل ذلك فدعه(3) .
قال في الجواهر : بناءً على إرادة معنى «أو» من «الواو» فيها ، بل عن النهاية روايته بها(4) ، بل لابدّ من كون المراد ذلك; لاستحالة الجمع هنا كما هو ظاهر ، وحينئذ فمقتضى السياق والترديد كون ما تقدّم عليهما وقتاً للتمرين والأخذ على سبيل التأديب ، فيكون البلوغ حينئذ بأحدهما ويمتنع أن يكون الأقلّ ، وإلاّ لم يكن الزمان المتوسّط بينه وبين الأكثر تمرينيّاً ، فيتعيّن كونه الأكثر ، ولعلّ النكتة في الترديد ، التنبيه على الفرق بين المتوسّط بينهما والمتقدِّم عليهما في التضييق وعدمه
(1) الكافي: 7/198 ح2 ، تهذيب الأحكام: 10/38 ح133 ، وعنهما الوسائل: 28/20 ، كتاب الحدود والتعزيرات ، أبواب مقدّمات الحدود ب6 ح1 .
(2) وسائل الشيعة: 20/278 ، كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب6 ح9 .
(3) الكافي: 4/125 ح2 ، الفقيه: 2/76 ح332 ، تهذيب الأحكام: 4/326 ح1012 ، وعنها الوسائل: 10/233 ، كتاب الصيام ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب29 ح1 .
(4) لم نجده في النهاية . نعم رواها في التهذيب: 2/331 ح1590 والاستبصار: 1/409 ح1563 بـ «أو» .
(الصفحة291)
بالنسبة إلى التمرين ، فإنّ الصبي يضيّق عليه فيما بين الأربعة عشر ، والخمسة عشر بخلاف ما تقدّم من الزمان ، فإنّه لا يضيّق عليه لبُعده عن البلوغ(1) .
ومنها : روايته الاُخرى(2) التي لا تكون رواية مستقلّة ، وإن جعلتا متعدّدتين في الوسائل وتبعه غيره ، بل وإن كان بينهما اختلاف زيادة ونقيصة في الجملة .
ومنها : ما رواه في الخصال بإسناده عن العبّاس بن عامر ، عمّن ذكره ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : يؤدّب الصبيّ على الصوم ما بين خمس عشرة سنة إلى ستّ عشرة سنة(3) .
ومنها : مرسلة مقنع الصدوق قال: روي أنّ الغلام يؤخذ بالصيام ما بين أربع عشرة إلى ستّ عشرة سنة إلاّ أن يقوى قبل ذلك(4) .
والظاهر أنّ المراد بهما هي تماميّة ما قبل ستّ عشرة والدخول فيها الذي به تعرف التماميّة المذكورة نوعاً ، وإلاّ لم يكن وجه لذكر ستّ عشرة لو كان البلوغ متحقِّقاً قبلها ، وهو الذي نسب إلى الشهرة(5) ، بل إلى أصحابنا(6) .
وكيف كان ، لا ينبغي الارتياب في أنّ البلوغ الحاصل بالسنّ إنّما يتحقّق بإكمال عدد الخمس عشرة سنة ، هذا بالنسبة إلى الغلام .
وأمّا بالإضافة إلى الجارية فمقتضى جملة من الروايات المتقدِّمة تحقّق البلوغ
(1) جواهر الكلام: 26/27 .
(2) وسائل الشيعة: 4/18 ، كتاب الصلاة ، أبواب أعداد الفرائض ب3 ح1 .
(3) الخصال: 501 ح3 ، وعنه الوسائل: 10/237 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب29 ح13 .
(4) المقنع: 195 ، وعنه الوسائل: 10/237 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب29 ح14 .
(5) المهذّب البارع: 2/512 ، مفاتيح الشرائع: 1/14 ، الحدائق الناضرة: 20/348 ، رياض المسائل: 8/552 .
(6) مسالك الأفهام: 4/144 ، كفاية الأحكام: 112 .
(الصفحة292)
فيها بإكمال التسع كما هو المشهور بين الأصحاب(1) ، بل كما في الجواهر هو الذي استقرّ عليه المذهب(2) خلافاً للشيخ في صوم المبسوط ، وابن حمزة في خمس الوسيلة فبالعشر(3) ، إلاّ أنّ الشيخ قد رجع عنه في كتاب الحجر فوافق المشهور(4) ، بل وكذا الثاني في كتاب النكاح منها(5) ، بل قد يرشد ذلك منهما إلى إرادة توقّف العلم بكمال التسع على الدخول في العشر ، وهناك أيضاً روايات اُخرى دالّة على ذلك ، بل يظهر من بعضها الملازمة بين جواز الدخول والبلوغ ، وأنّه حيث لا يجوز الدخول بها قبل إكمال التسع كذلك لا يتحقّق البلوغ فيها قبلها .
ولكن في المقابل رواية واحدة دالّة على الخلاف; وهي رواية عمّار الساباطي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن الغلام متى تجب عليه الصلاة؟ فقال : إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة ، فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة وجرى عليه القلم ، والجارية مثل ذلك إن أتى لها ثلاث عشرة سنة ، أو حاضت قبل ذلك ، فقد وجبت عليها الصلاة وجرى عليها القلم(6) . ولكن اُورد عليها بإيرادات :
الأوّل : أنّه ذكر الشيخ في محكي التهذيب والاستبصار أنّ جماعة من أهل النقل قد ضعّفوا عمّار الساباطي وذكروا أنّ ماينفرد بنقله لا يعمل به; لانّه كان فطحياً(7) ، والعلاّمة في محكي الخلاصة جعل رواياته مرجّحة
(1) مسالك الافهام: 4/145 ، مفاتيح الشرائع: 1/14 ، الحدائق الناضرة: 20/348 .
(2) جواهر الكلام : 26/38 .
(3) المبسوط: 1/266 ، الوسيلة: 137 .
(4) المبسوط: 2/282 .
(5) الوسيلة: 301 .
(6) تهذيب الأحكام : 2/380 ح1588 ، وعنه الوسائل: 1/45 ، أبواب مقدّمة العبادات ب4 ح12 .
(7) تهذيب الأحكام: 7/101 ذح435 ، الاستبصار: 3/95 ذح325 .
(الصفحة293)
لا دليلاً(1) . وذكر بعض الأعلام (قدس سره) : والذي ينبغي أن يُقال في المقام: إنّا إذا بنينا على عدم العمل بروايات عمّار لعدم الوثوق بأخباره; لكثرة اشتباهه بحيث قلّما يكون خبر من أخباره خالياً عن تشويش واضطراب في اللفظ أو المعنى، كماادّعاه صاحب الوافي(2) وشيخنا المجلسي(3) ، بل قالا : إنّه لو كان الراوي غير عمّار لحكمنا بذلك(4) .
الثاني : إتّفاق فقهاء الشيعة على أنّ الغلام والجارية لا يكونان متساويين في البلوغ من حيث السنّ ، في حال أنّ الرواية دالّة على ذلك .
الثالث : معارضة هذه الرواية مع الروايات الكثيرة التي تقدّم بعضها ـ وفيها الصحاح المتعدّدة ـ الدالّة على أنّ بلوغ الجارية يتحقّق بإكمال التسع ، قال في محكي مفتاح الكرامة: وما في الموثّق أنّها «إذا أتى لها ثلاث عشرة سنة ، أو حاضت قبل ذلك فقد وجبت عليها الصلاة» فهو شاذ قاصر عن المكافئة(5) .
وعن الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره) في كتاب الصوم المطبوع في آخر كتاب الطهارة له : وفي رواية الساباطي المشتملة على اتّحاد حكم الاُنثى والذكر ، ولم يقل بشيء من ذلك أحد(6) .
الرابع : صراحة رواية عمّار في أنّ بلوغ الغلام ثلاث عشرة سنة إلاّ إذا احتلم قبله ، مع اتّفاق النصوص والفتاوى على خلافه .
(1) خلاصة الأقوال: 381 ـ 382 رقم 1533 .
(2) الوافي: 8/977 ذح 7537 .
(3) بحار الأنوار: 88/233 ـ 234 .
(4) المستند في شرح العروة الوثقى: 18/154 .
(5) مفتاح الكرامة: 5/241 .
(6) كتاب الصوم (تراث الشيخ الأعظم): 210 .
(الصفحة294)
قال في محكي الجواهر : وما يوهمه الاستبصار من الأخذ بحديث عمّار مؤوّل بالضرورة; لمخالفته الإجماع بل الضرورة(1) .
قلت: مع قطع النظر عن جميع ذلك وفرض المعارضة المكافئة، فلاينبغي الارتياب في أنّ الترجيح مع غير هذه الرواية; لموافقته لفتوى المشهورالتي هي اُولى المرجّحات في باب تعارض الروايات ، كما حقّقناه في محلّه وأشرنا إليه مراراً ، فلا محيص عن الأخذ بمقتضى تلك الروايات والحكم بأنّ الجارية تبلغ بعد إكمال التسع ، والعجب بعد ذلك من بعض المتفقّهين الذين يسمّون فقههم بالفقه المتطوّر ، وفي اصطلاح الفارسي بـ «فقه پويا» وينكرون أحكام الله مرّة بعد اُخرى ; فتارةً يقولون : بأنّ بلوغ الجارية لا يتحقّق إلاّ بعد ثلاث عشرة سنة ، واُخرى ينكرون كون دية المرأة نصف الرجل ، وثالثة ينكرون لزوم شهادة المرأتين مقام رجل واحد ، مع أنّه خلاف صريح القرآن حيث يقول : {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ}(2) ، وسمعت أنّ بعضهم قائل بتساوي الرجل والمرأة في باب الإرث ، أعوذ بالله من مخالفة أحكام الله المبتنية على المصالح والمفاسد الواقعية التي لا يحيط بها إلاّ الله تبارك وتعالى ، وإلاّ ففي نظرنا تكون الصلاة ثلاث ركعات أحسن من الصلاة ركعتين; لاشتمالها على ركعة زائدة وخضوع أزيد ، فهل وقع التغيّر في علم الله أو وقع التغيّر في تلك المصالح والمفاسد ، {إنَّ النَّفْسَ لأََمّارَةٌ بِالسُّوءِ}(3) . وقد اشتهر أنّ بعض أصحاب(4) الإمام المعصوم (عليه السلام) قال له : والله لوفلقت رمّانة بنصفين
(1) جواهر الكلام: 26/31 .
(2) سورة البقرة : 2/282 .
(3) سورة يوسف : 12/53 .
(4) هو عبدالله بن أبي يعفور .
(الصفحة295)
مسألة 4 : لا يكفي البلوغ في زوال الحَجر عن الصبي ، بل لابدّ معه من الرشد وعدم السفه بالمعنى الذي سنبيّنه1.
فقلت: هذا حرام و هذا حلال لشهدت أنّ الذي قلت: حلال حلال، وأنّ الذي قلت: حرام حرام، فقال: رحمك الله رحمك الله(1) .
1 ـ الأصل في ذلك قوله تعالى : {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ}(2)الظاهر في أنّ جواز الدفع أو لزومه مشروط بإيناس الرشد أيضاً ، مضافاً إلى نفي الخلاف ، بل الإجماع بقسميه عليه كما في الجواهر(3) ، وسيجيء معنى السفيه تحت عنوان مستقلّ ، ولكن قوله تعالى مسبوق بقوله : {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} ، ومنه ربما يناقش في ذلك بأنّ «إذا» قد تخرج عن الظرفية فلا تكون شرطاً ، ومنه الآية ، فإنّ المراد {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} إلى وقت بلوغ النكاح ، وحينئذ فلا دلالة فيها على الاشتراط المزبور .
ويدفعه ـ مضافاً إلى أنّ البحث في هذه المسألة مدخلية الرشد في زوال الحجر ، والآية دالّة عليه لا محالة بعد تسليم خروجها عن الظرفية ـ أنّه نادر جدّاً لا يحمل عليه التنزيل ، بل يقتضي انقطاع الابتلاء بالبلوغ ، وليس كذلك ; لاستمراره إلى ظهور الرشد أو اليأس منه ، بل ذلك مع ظهور كون المراد إيناس الرشد المسبّب عن الابتلاء المأمور به السابق على البلوغ .
ومقتضى ذلك الحجر على البالغ الرشيد إذا لم يؤنس منه رشد قبل البلوغ ، وارتفاعه عمّن لم يبلغ إذا اُونس منه الرشد; لانتفاء الشرط في الأوّل ووجوده في
(1) اختيار معرفة الرجال ، المعروف بـ «رجال الكشي»: 249 ح462 .
(2) سورة النساء: 4/6.
(3) جواهر الكلام: 26/48 .
(الصفحة296)
الثاني ، إذ المراد بالأمر بالابتلاء إلى بلوغ النكاح حصوله قبله لا استمراره إليه ; لأنّ الابتلاء متى وجد وتبيّن به الحال لم يتكرّر ، فالمرّة تكفي في هذا الأمر ، ولو بني الكلام في الشرط على خلاف الظاهر، فإمّا أن يراد به إيناس الرشد مطلقاً ، أو إيناسه بعد البلوغ ، ويلزم على الأوّل جواز دفع المال إلى غير البالغ إذا ابتلي وأونس منه الرشد ، وإهماله بدونه إلى أن يظهر الرشد بنفسه وإن طال الزمان وسهل الاختبار ، وأمّا الثاني فمع حصول المطلوب يلزمه جواز الإهمال كما في الأوّل .
قال في الجواهر : فبان من ذلك كلّه أنّ «إذا» في الآية ظرف على الأصل فيه ، وأنّ الكلام لا ينظم إلاّ به والمعنى لا يستقيم بدونه ، فسقط احتمال خروجه عن الظرفية .
نعم ، على الظرفية يحتمل الخروج عن الشرطية بتقدير العامل {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} نظرتم ، أو ابتلوهم حتّى تنظروا في وقت بلوغهم النكاح {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} .
وهذا وإن صحّ وصحّ الاستدلال به غير أنّه يستدعي تقديراً في الكلام وخروجاً عن الظاهر في «إذا» من تضمّنها معنى الشرط في الغالب .
وحكى عن الفاضل الطباطبائي: الأصوب أن تكون «إذا» للشرط كما هو الأصل فيها ، وجوابها مجموع الشرط والجزاء; وهو قوله : {فَإِنْ آنَسْتُمْ}و«حتّى» حرف ابتداء ، وغايتها مضمون الجملة التي بعدها; وهو دفع المال عقيب إيناس الرشد الواقع عقيب بلوغ النكاح ، وإنّما كان كذلك; لأنّ دفع المال في الآية مشروط بإيناس الرشد ، فيكون مؤخّراً عنه ، وهذا الدفع المشروط بالإيناس مشروط بالبلوغ ، فيكون المشروط بشرطه المتقدِّم عليه متأخّراً عن البلوغ الذي هو شرط فيه ، وترتّب الشروط بحسب الوقوع ، ترتيبها في الذكر ، فإنّها في الآية قد وقعت على التوالي ، ولو تعاكست كان الشرط المتقدِّم في الذكر مؤخّراً في الوجود ،
(الصفحة297)
والمؤخّر في الذكر مقدّماً في الوجود ، فلو أردت نقل المضمون إليه قلت: «ادفعوا إليهم أموالهم إن رشدوا إن بلغوا» ولا يصحّ «إن بلغوا إن رشدوا» لأنّه يقتضي أن يكون الرشد شرطاً في البلوغ ، والأمر بالعكس ، ومن ثمّ لو قال قائل : «لله عليَّ نذر إن شربت إن أكلت» ، فأكل ثمّ شرب التزم ، بخلاف ما لو شرب ثمّ أكل ، ولو عكس انعكس .
وأورد عليه في الجواهر بأنّه جيّد ، لكن قد يقال : المنساق من الآية أنّهما معاً شرطان مستقلاّن في الدفع ، لا أنّ أحدهما شرط في الآخر كالمثال الذي ضربه(1) .
قلت : لا شبهة في دخالة الشرطين في وجوب دفع الأموال إليهم ، لكنّهما ليسا في عرض واحد ، بل شرطيّتهما طوليّة ، بمعنى أنّ الشرط الأوّل هو بلوغ النكاح ، وقد عرفت أنّ التعبير بالبلوغ قد وقع في هذه الآية ، والشرط الثاني هو إيناس الرشد بعد تحقّق البلوغ ، فإيناسه قبله لا يؤثّر في وجوب الدفع ، وخلاصة المعنى ترجع إلى أنّه بعد إحراز البلوغ إن تحقّق إيناس الرشد فالواجب الدفع إليهم ، وإلاّ فلا ، ولا يكون الاستدلال بالآية مبتنياً على مفهوم الشرط الذي أنكرناه في الاُصول مطلقاً ، حتّى بالإضافة إلى مفهوم الشرط الذي هو في رأس القضايا المفهومية ، بل الآية واقعة في مقام شبه التحديد ، والأمر دائر بين حرمة الإيتاء ووجوب الدفع ، وليس لهما ثالث ، والمثال المنطبق على المقام ما لو قال القائل : «لله عَليَّ نذر إن أكلت فشربت» ، فأكل ثمّ شرب التزم ، بخلاف ما لو شرب فأكل ، فكلا الأمرين شرطان لكن لا في عرض واحد ، بل الثاني في طول الأوّل ، وهكذا في المقام ، فتأمّل ، فإنّ الآية تحتاج إلى تأمّل أزيد وتدبّر أكثر ، كما لا يخفى .
(1) جواهر الكلام: 26/18 ـ 19 .
(الصفحة298)
مسألة 5 : ولاية التصرّف في مال الطفل والنظر في مصالحه وشؤونه لأبيه وجدّه لأبيه ، ومع فقدهما للقيّم من أحدهما; وهو الذي أوصى أحدهما بأن يكون ناظراً في أمره ، ومع فقده للحاكم الشرعي . وأمّا الاُمّ والجدّ للاُمّ والأخ فضلاً عن سائر الأقارب فلا ولاية لهم عليه . نعم ، الظاهر ثبوتها مع فقد الحاكم للمؤمنين مع وصف العدالة على الأحوط1.
1 ـ قد حكى في المسالك(1) والكفاية(2) نفي الخلاف فيه ، أي في ثبوت الولاية في مال الطفل للأب والجدّ للأب ، بل في محكي التذكرة(3) ومجمع البرهان(4) الإجماع عليه والنصوص الواردة بين ما ورد في باب النكاح(5) الجاري في المال بالأولوية ، وبين ما ورد في بحث أموال اليتامى(6) والوصيّة(7) وغيرهما من المباحث الكثيرة ، كما هو المحكيّ عن الرياض(8) ، فلا إشكال في أصل الحكم في الجملة ، وقد يتوقّف في خصوص من تجدّد جنونه بعد بلوغه ورشده ، نظراً إلى انقطاع ولايتهما حينئذ عنه ، فيندرج تحت عموم ولاية الحاكم الذي هو نائب الأصل ، وجزم به في المحكي عن جامع المقاصد(9) ومجمع الفائدة والبرهان للمقدس الأردبيلي(10) ، بل عن
(1) مسالك الأفهام: 4/161 .
(2) كفاية الأحكام: 113 .
(3) تذكرة الفقهاء: 2/80 (طبع الحجري) .
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 9/231 .
(5 ـ 7) وسائل الشيعة: 20/275 ب6 و ج17/361 ب15 ، و ج19/366 ـ 371 ب45 ـ 47 .
(8) رياض المسائل: 8/566 .
(9) جامع المقاصد: 5/194 .
(10) مجمع الفائدة والبرهان: 9/231 .
(الصفحة299)
ظاهر الأخير(1) ونكاح المسالك(2) أنّه لا خلاف فيه ، بل ربما استظهر من بعض مواضع التذكرة الإجماع عليه(3) وإن كان المحكي عنها فيه أيضاً عكس ذلك(4) .
وكيف كان ، ففي أصل المسألة إذا لم يكن الأب وكذا الجدّ للأب بموجودين فيكون المرجع هو القيّم من أحدهما; وهو الذي أوصى أحدهما بالنظارة في أمره واختيار مصالحه ، ومع انتفاء القيّم والوصي تصل النوبة إلى الحاكم الشرعي ، وأمّا الاُمّ والجدّ للاُمّ والأخ والعمّ والخال وسائر الأقارب فلا تكون ولاية لهم على الطفل وماله بوجه ، بل إنّما هي للحاكم الشرعي ، وعلى تقدير عدمه تكون الولاية لعدول المؤمنين على ما قرّر من ثبوت ولايتهم في الاُمور الحسبيّة ، ومن المستبعد جدّاً أن يكون المؤمن من دون وصف العدالة المانعة عن الاجتراء على ماله من دون رعاية المصلحة ذا ولاية وله حقّ التصرّف ، بل ربما يرشد إلى اعتبار العدالة صحيحة ابن بزيع:
قال : إنّ رجلاً من أصحابنا مات ولم يوص ، فرفع أمره إلى قاضي الكوفة فصيّر عبد الحميد بن سالم القيّم بماله ، وكان رجلاً خلّف ورثة صغاراً ومتاعاً وجواري ، فباع عبد الحميد المتاع ، فلمّا أراد بيع الجواري ضعف قلبه في بيعهنّ ولم يكن الميّت صيّر إليه وصيّته ، وكان قيامه بها بأمر القاضي لأنّهنّ فروج .
قال محمد: فذكرت ذلك لأبي جعفر (عليه السلام) فقلت : جعلت فداك يموت الرجل من أصحابنا فلا يوصي إلى أحد ، وخلّف جواري فيقيّم القاضي رجلاً منّا لبيعهنّ أو
(1) مجمع الفائدة والبرهان: 9/231 .
(2) مسالك الأفهام: 7/144 و146 ـ 147 .
(3) تذكرة الفقهاء: 2/592 (ط الحجري) .
(4) اُنظر تذكرة الفقهاء: 2/586 (ط الحجري) والحاكي هو صاحب الرياض في ج 10/94 .
(الصفحة300)
قال : يقوم بذلك رجل منّا فيضعف قلبه لأنّهنّ فروج ، فما ترى في ذلك؟ فقال : إذا كان القيّم مثلك ومثل عبد الحميد فلا بأس(1) .
واحتمال كون المراد هي المماثلة في جهة التشيّع والقول بإمامة الإمام لا العدالة ، يدفعه مضمرة سماعة قال: سألته عن رجل مات وله بنون وبنات صغار وكبار ، من غير وصيّة ، وله خدم و مماليك وعُقد كيف يصنع الورثة بقسمة ذلك الميراث؟ قال : إن قام رجل ثقة قاسمهم ذلك كلّه فلا بأس(2) .
قيل : ومثله صحيحة ابن رئاب(3) .
قال في الجواهر : والمناقشة فيه باحتمال كون ذلك إذناً خاصّاً من إمام الوقت ، كما ترى(4) . نعم ، ذكر فيها قبل ذلك «لعلّ التحقيق عدم اشتراط العدالة; للأصل والإطلاق ، ولكن متى ظهر للحاكم ولو بقرائن الأحوال الضرر منهما عليهما عزلهما ومنعهما من التصرّف حسبة ، وإن علم عدمه أقرّهما ، وإن لم يعلم حالهما فربما قيل بالاجتهاد في حالهما ، فيتبع سلوكهما وشواهد أحوالهما ، ويمكن عدم اعتبار ذلك عملاً بالإطلاق ، بل لعلّه الأقوى»(5) ، لكن هذا بالإضافة إلى الأب والجدّ ، وسيأتي حكمهما من جهة الإطلاق والتقييد ، والبحث إنّما هو في المؤمنين ، ومقتضى
(1) تهذيب الأحكام: 9/240 ح932 ، الكافي: 5/209 ح2 ، وعنهما الوسائل: 17/363 ، كتاب التجارة ، أبواب عقد البيع وشروطه ب16 ح2 .
(2) الكافي: 7/67 ح3 ، الفقيه: 4/161 ح563 ، تهذيب الأحكام: 9/240 ح929 ، وعنها الوسائل: 19/422 ، كتاب الوصايا ب88 ح2 .
(3) الكافي: 7/67 ح2 ، الفقيه: 4/161 ح564 ، تهذيب الأحكام: 9/239 ح928 ، وعنها الوسائل: 19/422 ، كتاب الوصايا 89 ح1 .
(4) جواهر الكلام: 26/103 ـ 104 .
(5) جواهر الكلام: 26/102 .
|
|